المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أخبار سياسية في المسألة القطرية: أين ذهبت حقوق الإنسان؟



العين
15-04-2005, 07:23 AM
محمد علي الهرفي

تناقلت بعض الصحف العربية والمحلية خبر قيام الحكومة القطرية بسحب جنسية بضعة آلاف من أبناء قطر الذين ينتمون لفرع آل غفران من قبيلة مرة، كما قالت بعض الصحف إن الحكومة القطرية فصلت الموظفين منهم من أعمالهم كما قطعت بعثات المبتعثين من الطلاب الذين ينتمون لهذه القبيلة وطالبت الجميع بمغادرة قطر باعتبارهم قد أصبحوا غير مواطنين... تعجبت كثيراً وأنا أقرأ هذا الخبر كما زاد عجبي عندما قرأت كذلك أن سبب هذه الحملة الغريبة على أولئك هو اتهامهم بالمشاركة في محاولة انقلابية جرت في قطر سنة 1995م. وسبب هذا التعجب أن ما فعلته الحكومة القطرية يتنافى مع أبسط حقوق الإنسان، وقطر تعلن كل يوم أنها ماضية في الإصلاحات بكل أنواعها وأنها دولة تطبق حقوق الإنسان وأن فيها جمعيات تعنى بهذه الحقوق، كما أن ما فعلته قطر يتنافى مع أبسط قواعد الشريعة الإسلامية وقطر كذلك تقول إنها دولة مسلمة وإن دستورها مستمد من الإسلام والأمر الثالث أن دستور قطر المعلن يناقض تماماً كل ما قامت به قطر تجاه هؤلاء الذين ظلمتهم بل وتمادت في هذا الظلم دون أي سند شرعي أو قانوني فكيف حصل هذا من الإخوة في قطر وهم كما يقولون ماضون في طريق الإصلاح مهما كانت العقبات؟ دعوني أدخل في بعض التفصيلات التي يسمح بها مقال مثل هذا ودعوني أقول إنني أعتمد في لب الخبر على ما نشر في الصحف وعلى أن المسؤولين في قطر ـ حسب علمي ـ لم ينفوا الخبر كما سأعتمد كذلك على قوانين قطر المعلنة والتي أعتقد أنها يجب أن تطبق كما هي... التعليل المطروح أن بعض الناس المنتمين لهذه القبيلة "مرة" شاركوا في الانقلاب الذي جرى عام 1995م وبداهة أن الذين شاركوا فعلا قد تمت إحالتهم إلى المحاكم المختصة وقد كنا نتابع هذا الحدث في حينه فإذا كان الأمر كذلك فما ذنب هؤلاء الذين لم يشاركوا في أي عمل يتنافى مع قوانين الدولة؟ ما ذنب الأطفال والنساء؟ لعلي أرجح أن من اتخذ هذا القرار أن يعاقب الجميع ظلماً كما يخيف الآخرين مهما كانوا وظني أيضاً أنه يتهم كل من ينتمي إلى من شارك في تلك المحاولة مهما كانت درجة قرابته منه... ولكن هل هذا العمل يحقق تلك التطلعات؟ وهل هذا العمل يتفق مع مكانة الدولة ـ أي دولة ـ؟ وهل هذا العمل يستحق أن تنتهك الدولة قوانينها وتضرب بها عرض الحائط من أجل هدف لن يتحقق بمثل تلك الطريقة؟ عودة إلى قوانين قطر المتعلقة بكيفية التعامل مع أولئك المواطنين الستة آلاف سنجد أن المادة 40 من الدستور تنص على أن العقوبة شخصية وهذا يعني أنه لا يجوز معاقبة أحد لم يرتكب جرماً مهما كانت درجة قرابته ممن ارتكب جرماً فهل هذا القانون ينطبق على ما قامت به حكومة قطر؟ وهل هؤلاء الآلاف الستة رجالاً ونساءً شاركوا فعلاً في المحاولة الانقلابية؟
المادة "36" من الدستور تنص على أن الحرية الشخصية مكفولة ولا يجوز القبض على إنسان أو حبسه أو تفتيشه أو تحديد إقامته أو تقييد حريته في الإقامة أو التنقل إلا وفق أحكام القانون... وأنا أتساءل أين تطبيق مفردات هذه المادة على أولئك المبعدين الذين قلبت حياتهم رأساً على عقب وانتهكت حرياتهم وأين أحكام القانون من هذا العمل؟ المادة "39" تنص على أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته أمام القضاء وفي محاكمة تتوفر فيها كل الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع... هذه المادة تتفق مع تعاليم الإسلام ـ والإسلام هو دين الدولة ـ كما أنها تتفق في الوقت نفسه مع القوانين الوضعية كلها وما دام الأمر كذلك فلماذا لم يعرض هؤلاء على القضاء ليقول كلمته فيهم؟ ولماذا الاكتفاء بقانون ظالم يتنافى مع أبسط القواعد الشرعية والقانونية والإنسانية؟ وإذا كانت المادتان 34 و 35 من الدستور القطري تؤكدان على أن المواطنين متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات وأنه لا تمييز بينهم في ذلك فلماذا لم يطبق على الرجل الذي دفع من شارك فعلاً في المحاولة الانقلابية وكان الرجل الأول فيها ما طبق على هؤلاء ولماذا لم يطبق الأمر نفسه على أقاربه؟ أليس الأصل تطبيق القانون على جميع المواطنين؟ أليست الانتقائية مرفوضة ونحن نتحدث عن حقوق الإنسان واحترام القوانين؟ الإخوة في قطر كما قلت في بداية المقال يتحدثون عن إصلاحات جذرية ويعقدون المؤتمرات من أجل الحديث عن هذه الإصلاحات وأنا لا أنكر أنهم فعلوا بعض ما يقولون وأنا أتمنى أن نرى في قطر وسواها إصلاحات حقيقية وليست على الورق فقط تتطابق الأقوال والأفعال... الإصلاحات ليست في فتح جامعة أمريكية أو بريطانية وليست في السماح للخمور والمراقص وما شابه ذلك وليست في الحديث عن امرأة تدير مرفقاً حكومياً هاماً ليس هذا هو الإصلاح في ظل انتهاك حقوق الإنسان في أبسط صورها... ثم هل هوية المواطن منحة من الحاكم يستطيع نزعها منه متى شاء؟ الهوية يا سادة حق مكتسب لكل مواطن لا يستطيع أخذها منه من هب ودب وهي ليست عقوبة من ضمن العقوبات ولم يقل أحد إنها كذلك فبأي حق ينتزع القانون هوية مواطن فيحرمه من وطنه ومن انتمائه القومي... وإذا كان هناك ذريعة أن هؤلاء ينتمون من حيث الأصل لدولة أخرى فإن معظم سكان قطر بل والخليج ينتمون من حيث الأصل لقبائل عربية تعيش أصولها في السعودية فهل يصح تطبيق قانون الحرمان على جميع هؤلاء؟ مرة أخرى أقول: إن الإصلاح الحقيقي وفي كل بلادنا العربية يبدأ عندما يستطيع المواطن في هذه البلاد أن يتحدث بكل حرية وعندما يطبق القانون على جميع المواطنين وبنفس الدرجة وعندما يدرك كل مواطن أن حقوقه مصانة عندما يحصل ذلك أستطيع القول إن هناك إصلاحات حقيقية وعندها نستطيع أن نتباهى بهذه الإصلاحات. إنني أتمنى على إخواننا في قطر أن يعيدوا النظر في الأحكام الجائرة التي اتخذت بحق آلاف من المواطنين لا ذنب لهم وأتمنى من كل حكام العرب أن يتصالحوا مع شعوبهم فهم الضمانة القوية لهم. أتمنى منهم جميعاً وهم يشاهدون الضغط الأمريكي واليهودي عليهم كما يشاهدون حجم التذمر الداخلي من شعوبهم أن يضعوا أيديهم بأيدي شعوبهم وعندها لن يخافوا من أحد وعندها سنرى الإصلاح الحقيقي الذي نرفع به رؤوسنا فهل نرى ذلك اليوم قريباً؟
* نقلا عن جريدة "الوطن" السعودية