السلفي1
18-04-2005, 12:56 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
التناقضات قول على الله بغير علم، ولا تسمى تغَيُّر في الفتوى
رسالة إلى عايض بن عبد الله القرني
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فلقد تعودنا أن نسمع كُلّما وهنت الأمة الإسلامية، وتسلط عليها أعداؤها؛ قلنا هذا من مكر الأعداء، وتخطيطهم، وانشغلنا بذلك عن السبب الرئيس، الذي ساعد الأعداء على تمرير مخططاتهم إلى الأمة الإسلامية.
فإلى متى نستمر على هذا الحال في التستر عن الخلل ؟
لقد دُعِيَت المرأة المسلمة في منتدياتٍ عدة، ومن على منابر مختلفة لمشاركة الرجل في العمل، وأقنعتها أنها شقيقة الرجل تماماً، بمفهومٍ بعيد عن قول المصطفى صلى اله عليه وسلم: ( إنما النساء شقائق الرجال )، فدعتها إلى نزع الحجاب الشرعي، وإلى قيادتها للسيارة، وإلى العمل في الدعايات التفازية، وإلى الانتخابات، وإلى الولاية ..وإلى..
وكانت هذه الدعوات تنطلق من أناس انغسلت عقولهم، وتفسخت الغيرة منهم، ولا غرابة أن يصدر ذلك منهم لأنهم بعيدين عن شرائع الدين لجهلهم به، وإن كانوا في دائرة الإسلام.
إلا أن الخطب يعظم عندما يصدر مثل هذه من دعاة نصّبوا أنفسهم زعماً للتصدر للناس، ثم يتناقضون في كلامهم ولا أقول في فتاويهم لأن الفتيا لها أهلها.
فعلى سبيل المثال لا الحصر نأخذ هذه الوقفات مع أقوال الدكتور عائض القرني المتناقضة.
وقبل ذلك أعَرِّج على قول اثنين، الأول يقول: [الانتخابات حق مشروع للمرأة، أما حق الترشيح ففي النفس منه شيء].
والثاني يقول: [الشرع لا يمنع المرأة من التصويت في الانتخابات].
و أنا احتفظ بكلامها هذا، وهو منشور في إحدى أعداد جريدة المدينة.
أما اليوم فهذه وقفات مع تناقضات عايض القرني.
جاء في جريدة الرياض
الخميس 5 ربيع الأول 1426هـ - 14 إبريل 2005م – ( العدد 13443).
وهي تتكلم عن الفلم الوثائقي الذي أخرجته المخرجة السعودية هيفاء المنصور ما نصه:
"استعانت هيفاء بمحاضرة ألقاها القرني في الثمانينات حول الحجاب، وهاجم فيها النساء غير المحجبات، وساق في المحاضرة الأدلة على فساد كشف الوجه للمرأة".
فنجد اليوم عائض القرني يتناقض مع هذه المبادئ والثوابت، والتي ساق لها الأدلة، ولا شك أن الأدلة المقصود بها هنا هي من القرآن والسنة وأقوال أهل العلم، وهذا يعني أنه على علم وبصيرة في هذه المسألة، فيأتي اليوم و تنقل الجريدة نفسها على لسان القرني فتقول:
"ظهر الدكتور عائض القرني بمنزله بالرياض متحدثاً مع هيفاء حول الحجاب ومعلناً في حديثه عن آراء جديدة ومختلفة عما قاله في تلك المحاضرة وكان ابرز ما قاله توضيحه: بأن الحجاب الشرعي لا يستلزم تغطية الوجه والكفين".
وقبلها وفي لقاءٍ له في جريدة السياسة الكويتية العدد 12305 وتاريخ 25/12/1423هـ الموافق 25 فبراير 2003م.
وهذا الرابط:
http://www.alseyassah.com/alseyassa..._pdf/index.asp# (http://www.alseyassah.com/alseyassa..._pdf/index.asp#)
جاء في الجريدة ما نصه:
" السؤال : ما رأي الدين في المرأة التي تشارك في عمل إعلانات في التلفزيون؟
قال الدكتور القرني: إنه لا يوجد أي محضور شرعي، ما دامت المرأة تشارك في مثل هذه الإعلانات بحجابها الشرعي ؟؟؟؟!!! والكلمات الهادفة، والبناءة. مشيراً أن المرأة تعتبر أكثر تأثيراً في النساء من الرجال".
وبعدها وفي جريدة المدينة بالتحديد يوم الإثنين 6 ذي القعدة 1424هـ ـ الموافق 29 ديسمبر 2003م العدد (14859) الصفحة رقم (25) نقلت الجريدة بقولها عن القرني ما نصه:
"ورأى أن مشاركة النساء في (الحوار الوطني) إيجابية ... ـ إلى أن قالت الصحيفة ـ: أكد أن (الثوابت) لا يفتي فيها باعة العسل ...مفجراً في ذات الصدد قنبلة قد تناله بعض السنة لهبها، إذ رأى؛ أن عدم قيادة المرأة للسيارة ليس من الثوابت معللاً ذلك بان وجوبها أو تحريمها لم ينزل في الأنفال ولا في التوبة".
أقول ما هذا التمييع في دين الله، وما هذه السخرية بالشريعة؟
أتريد لكل أمر آية منصوصة على تحليله، أو تحرمه ؟ وهل كل ما حرم الله جاء بالتصريح في كتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ؟
أين ذهبتَ بالسنة، المفسرة للقرآن.
و على سبيل المثل والتقريب للناس أسألك هذا السؤال:
هل ترى حبوب المخدرات والحشيش والأفيون و .. و؛ نزل بها قرآن ينص على تحريمها بعينها ؟
أم أنك ترى أن تحريم هذه ليس من الثوابت عنك ؟
ثم في جريدة المدينة يوم الجمعة 1 ذي الحجة 1424هـ ـ الموافق 23 يناير 2004م ، في ملحق الرسالة وبالتحديد الصفحة الأخيرة.
يتناقض القرني وينقض كلامه السابق، وينتقد من فهم كلامه أنه يُجَوِّز قيادة المرأة للسيارة، ولكنه في الوقت نفسه يجوّز قيادة المرأة للسيارة في غير بلاد السعودية ضمناً من حيث لا يشعر، وهذا دليل على التناقضات.
فيقول:
" فقد صرحتُ قبل أيام لبعض الصحف، أن عدم قيادة المرأة للسيارة ليست من الثوابت، وأعني بها أنها ليست من أصول الملة... ـ إلى أن قال ـ: وعلى ذلك أقول: لا أرى قيادة المرأة للسيارة في بلادنا، لما يحف بها من مفاسد، من التبرج والاختلاط... وقيادة المرأة للسيارة ذريعة لدعاة السفور والتغرير وطريق لجرب الستر والحجاب ..".
فلاحظ أيها اللبيب، قوله: لا أرى.....في بلادنا.
واللبيب بالإشارة يفهم، فلا يقول القرني عنا بعد هذا؛ أننا نحمّل كلامه مالا يحتمل.
فلماذا خصص (في بلادنا) أليس هذا يعني أن قيادة المرأة في غير السعودية تجوز عنده ؟!
أو على الأقل يجعل له خط رجعة فيما بعد إذا صرح بالجواز في خارج السعودية، حيث سيتعذر بأنه لم يحرمها إلا في بلادنا.
وهذا واضح جلي ولا يحتاج تفسير، ولا يدخل في النيات، كما يدندنون دائماً إذا ما وقعوا في فخ ألسنتهم.
فإذا كنتَ يا دكتور عايض في الثمانيات تقول: بتحريم كشف المرأة وجهها، وفي هذا المقال المتناقض في قيادة المرأة للسيارة؛ تؤكد أن قيادة السيارة تفضي إلى مفاسد منها التبرج والاختلاط، فما الذي دعاك للتناقض اليوم فتجوِّز كشف الوجه للمرأة المسلمة بقولك: " بأن الحجاب الشرعي لا يستلزم تغطية الوجه والكفين".
أرجو أن لا تقول هذه المرة: "استغل الكلام ضدي وأُظهر في ثوب أني أبيح وأقول بجواز كشف وجه المرأة".
كما قلت في قيادة المرأة للسيارة، يا دكتور عائض!
إذا لم يكن عدم قيادة المرأة للسيارة من الثوابت (من أصول الملة)، فهل يا ترى عدم الالتزام بالحجاب الشرعي أيضاً ليس من الثوابت عندك ؟
ألم يكن قوله تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى . [الأحزاب: 33].
من الثوابت ومن أصول الدين ؟!
ألم يكن قوله عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً . [الأحزاب: 59].
وقوله تعالى: وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ .. الآية. [النور: 31].
من الثوابت ومن أصول الملة.
أليس الوجه هو أعظم الزينة في المرأة، وهو الفتنة، ومنه يدخل الشيطان ؟!
قال الأمين الشنقيطي ـ وأكرم به من عالم ـ في "أضواء البيان" (6/249ـ2450):
"وقال البخاري رحمه اللَّه في ( صحيحه ) باب وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: يرحم اللَّه نساء المهاجرات الأول لما أنزل اللَّه وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ شققن مروطهن فاختمرن بها.
و عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: لما نزلت هذه الآية وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ أخذن أزرهن فشققنها من قبل الحواشي فاختمرن بها. قال ابن حجر في ( الفتح ) في شرح هذا الحديث قوله: فاختمرن: أي: غطّين وجوههن، وصفة ذلك أن تضع الخمار على رأسها وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر، وهو التقنّع. قال الفراء: كانوا في الجاهلية تسدل المرأة خمارها من ورائها وتكشف ما قدامها فأمرن بالاستتار.
وهذا الحديث الصحيح صريح في أن النساء الصحابيّات المذكورات فيه فهمن أن معنى قوله تعالى: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ يقتضي ستر وجوههن، وأنهن شققن أزرهن فاختمرن، أي: سترن وجوههن بها، امتثالاً لأمر اللَّه في قوله تعالى: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ المقتضي ستر وجوههن، وبهذا يتحقّق المنصف أن احتجاب المرأة عن الرجال وسترها وجهها عنهم؛ ثابت في السنّة الصحيحة المفسّرة لكتاب اللَّه تعالى، وقد أثنت عائشة رضي اللَّه عنها على تلك النساء بمسارعتهن لامتثال أوامر اللَّه في كتابه، ومعلوم أنهن ما فهمن ستر الوجوه من قوله: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ إلا من النبيّ ، لأنه موجود، وهن يسألنه عن كل ما أشكل عليهن في دينهن، فلا يمكن أن يفسرنها من تلقاء أنفسهن. وعن عائشة قالت: إن لنساء قريش لفضلاً، ولكن واللَّه ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشدّ تصديقًا بكتاب اللَّه ولا إيمانًا بالتنزيل ولقد أنزلت سورة ( النور ) وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ فانقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل فيها ما منهنّ امرأة إلا قامت إلى مرطها فأصبحن يصلين الصبح معتجرات كأن على رءُوسهن الغربان ، ومعنى معتجرات: مختمرات". انتهى.
لقد فهمن نساء الأنصار أن الحجاب هو تغطية الوجه، وما فهمنه إلا من النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكر الشنقيطي رحمه الله.
فتأتي يا دكتور عائض اليوم وتقول: " بأن الحجاب الشرعي لا يستلزم تغطية الوجه والكفين".
هذا فهمك الذي تريد أن تتصدر الناس به ؟!
وكيف تفهم قوله صلى الله عليه وسلم للمرأة الحرمة:
(ولا تنتقب المرأة المحرمة ..)أخرجه البخاري (1741)، وغيره.
هل تفهم منه جواز كشف الوجه؟
أم تفهم منه أن المرأة في الأصل مكشوفة الوجه ؟!
إن المفهوم منه ما فهمه أهل العلم، وليس ما يفهمه دعاة أهل "فقه الواقع" أو دعاة الإصلاح (زعموا).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى" ( 15/371ـ372):
"وأمر سبحانه النساء بإرخاء الجلابيب، لئلا يعرفن ولا يؤذين، وقد ذكر عبيدة السلمانى وغيره، أن نساء المؤمنين كن يدنين عليهن الجلابيب من فوق رؤوسهن حتى لا يظهر إلا عيونهن لأجل رؤية الطريق، وثبت فى الصحيح أن المرأة المحرمة تنهى عن الإنتقاب والقفازين، وهذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين فى النساء اللاتي لم يحرمن، وذلك يقتضى ستر وجوهن و أيديهن، وقد نهى الله تعالى عما يوجب العلم بالزينة الخفية بالسمع أو غيره، فقال: (ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن)، وقال: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) فلما نزل ذلك عمد نساء المؤمين إلى خمرهن فشققهن وأرخينها على أعناقهن، والجيب هو شق فى طول القميص فإذا ضربت المرأة بالخمار على الجيب سترت عنقها، وأمرت بعد ذلك أن ترخى من جلبابها، والإرخاء أنما يكون إذا خرجت من البيت، فأما إذا كانت فى البيت؛ فلا تؤمر بذلك. وقد ثبت فى الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لما دخل بصفية قال أصحابه: إن أرخى عليها الحجاب فهى من أمهات المؤمنين، وإن لم يضرب عليها الحجاب فهى مما ملكت يمينه، فضرب عليها الحجاب. وإنما ضرب الحجاب على النساء لئلا ترى وجوهن وأيديهن". انتهى.
لقد قلت: في جريدة المدينة 1 ذي الحجة 1424هـ في "الرسالة":
"إن سد الذرائع من مقاصد الشريعة، وقيادة المرأة ذريعة لدعاة السفور والتغريب وطريق لحرب الستر والحجاب".
واليوم تتناقض فتجوِّز كشف الوجه.
أليس كشف المرأة لوجهها؛ ذريعة لدعاة السفور والتغريب، وطريق لحرب الستر والحجاب؟
أليس ستر المرأة وجهها؛ سدٌ للذريعة التي اعترفت أنه من مقاصد الشريعة؟
كيف تقول يا دكتور عائض في المقال نفسه:
" الرأي العلمي في الفروع يتغير حسب الأدلة وحسب اطلاع أهل العلم وهذا فعله كبار العلماء أمثال الشافعي واحمد بن حنبل".
فهل لك ولغيرك رأيٌ مع النصوص، وهل أنت من أهل العلم الذين يُعوّل عليهم في مثل هذه المسائل؟
وما هي الأدلة التي وقفت عليها في غضون سنة من تاريخ قولك: "لا أرى قيادة المرأة للسيارة في بلادنا .. لأن بها مفاسد من تبرج.. وهي ذريعة لدعاة السفور .."
أقول: لو لم يكن هناك نص شرعي على تحريم كشف المرأة وجهها، ألا يكون تغطية الوجه واجباً عند تحقق المفسدة في كشفه، سداً للذريعة ؟
ومن تناقضاتك فيما هي من اعترافاتك وتواضعك الجم، والذي لم تقف عنده، أنك قلت في جريدة المدينة "ملحق الرسالة" ( 1 ذي الحجة 1424هـ) ـ وهو تأكيد منك لما ذكرته في مقال سابق ـ تحت موضوعك "لا أرى قيادة المرأة للسيارة":
"وقلتُ: يجع في ذلك للهيئة العلمية الشرعية،وأعني بها (هيئة كبار العلماء) ـ ثم قلت في آخر المقال نفسه ـ: إن مثل هذه المسائل العامة يرجع فيها إلى المرجعية العلمية..).
فهل التزمت بهذا هنا فيما أفتيت به المخرجة (هيفاء المنصور) من تجويزك كشف الوجه للمرأة، وجعلت المرجعية الشرعية هي التي تتكلم في هذا ؟
وأنت تعلم مسبقاً كلام (الهيئة) قديماً منذ زمن الإمام ابن باز، و العثيمين، وقبلهما ابن ابراهيم رحم الله الجميع، وحفظ لنا الأئمة الحاليين.
فكيف تبين وعلى الملاء أنك تدعو إلى الرجوع للمرجعية الشرعية ( هيئة كبار العلماء)، وتأتي في الخفاء وتنقض ما قررته؟
وظني بك أنك كنت ضامن أن صوتك لن يصل لأحبابك والمخدوعين بك بهذا الشكل المحرج كما غبرت أنت به، وإلا لما أقدمت إلى ما أقدمت إليه، لأن في مثل هذه الأمور حتى العجائز ستنتقدك.
أم كنت تريد أن تغطي زلتك في هيئة كبار العلماء والتي تدندن حولها في مواقف عدة، وأحد هذه المواقف جاء في جريدة المدينة الاثنين 6 ذي القعدة 1424هـ ـ الموافق 29 ديسمبر 2003م (العدد 14859 ) على لسانك قولها:
"وانتقد ـ فضيلة الشيخ عايض القرني ـ بعض أعضاء هيئة كبار العلماء في توانيهم عن القيام بالأمانة الموكلة إليهم واحتواء الشباب والتفاعل مع المجتمع".
فما هذا الأسلوب العجيب في المحاولة بالإطاحة بمكانة "العلماء الكبار" عند الشباب والعامة، مظهراً نفسك أنك أنت صاحب الأمانة، والمتفاعل مع المجتمع، وتجعل ذلك هو المقياس بأن يقال فلان عالم.
لا. وألف لا.
إن العالم هو الذي ينطق بالسنة، ويتحدث في الوقت المناسب بالكلام المناسب، ويترفع عن سفاسف الأمور.
إن العالم هو الذي لا يتغير قوله بتغير الزمان، لأنه يستمد قوله من الكتاب والسنة، مستعيناً ومستأنساً بأقوال السلف.
إن العالم هو الذي يقف ثابتاً في أيام المحن والفتن، فيعرفها إذا أقبلت وقبل أن تنقشع.
يقول الحسن البصري: " الفتنة إذا أقبلت عرفها كل عالم، وإذا أدبرت عرفها كل جاهل".
أعود إلى المقال في جريدة الرياض أعلاه فتقول الجريدة:
"اتصلنا بالدكتور عائض القرني الذي أبدى إعجابه بفكرة الفيلم الذي يتحدث عن المرأة في ظروف محلية ودولية مهمة وهذا ما دفعه بحسب قوله: للموافقة على المشاركة التي إعتبرها من باب البر و التقوى".
وهل القول بهتك الحجاب ومخالفة النصوص من البر والتقوى يا دكتور عائض ؟
هل القول بكشف المرأة ـ وفي هذا العصر بالذات ـ وجهها؛ من البر والتقوى ؟
كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً .[الكهف: 5].
ثم هل التناقضات من سمات العلماء، مرة حرام ومرة حلال، كلا والله، ليس هذا مذهب الشافعي وأحمد ـ وأمثالهما رحمهم الله ـ الذي أنت ترى أن مثل هذه التناقضات قد سُبقت إليها منهم ؟.
فأنت حشدت الأدلة على تحريم كشف الوجه قديماً، وتتحدث عن مفاسد التبرج، وتتكلم عن سد الذارئع أنها من مقاصد الشريعة، فالذي يقول بهذه؛ ليس بجاهل في اعتقادي، ولكنه الهوى الذي يعمي البصيرة.
وأُدلل على ما أقول بما جاء على لسنك في الجريدة: "الدكتور عائض القرني .. أبدى إعجابه بفكرة الفيلم الذي يتحدث عن المرأة في ظروف محلية ودولية مهمة، وهذا ما دفعه بحسب قوله: للموافقة على المشاركة".
فالذي دفعك بالقول أن: " الحجاب الشرعي لا يستلزم تغطية الوجه والكفين".
هو الإعجاب، وليست الأدلة التي تزعم: أن الرأي العلمي في الفروع يتغير حسب الأدلة.
ثم تقول الجريدة:
" وقال الدكتور: إنه تعامل مع المخرجة هيفاء المنصور بثقة ولكنها خدعته ولم تخبره أنها ستظهره بهذا المظهر المحرج وأضاف: «لم أرغب أن تظهرني بهذا الشكل ولم تخبرني. قالت لي: أن ما سجَلتْه معي في منزلي هو ما سيظهر في الفيلم. لم أحب أن تظهرني بهذا الشكل المحرج. تأخذ أقوالاً مختلفة من سنوات متباعدة وتقول لهم «انظروا» وكأننا في محاكمة» ".
فأنت بقولك هذا تُثبت أنك تعمل في الخفاء بشكل، وتظهر للناس، ـ وبكلمة أوضح لمحبيك ـ بشكل آخر، ولو لم يكن هذا؛ لما قلت: "خدعتني ولم تخبرني أنها ستظهرني بهذا المظهر...ولا أحب أن تظهرني بهذا الشكل المحرج".
ولا زم كلامك ومفهومه الذي لا يختلف فيه اثنان ولا ينتطح فيه عنزان:
انك لو علمت أنها ستُظهرك بهذا الشكل لما تكلمت.
أما استحضرت حديث النبي صلى الله عليه وسلم:
( والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس )
فما كهته يا دكتور عايض؛ هو الإثم. في قولك: " ولا أحب أن تظهرني بهذا الشكل".
وهذا يناقض آخر كلامك الذي جاء على لسانك في الجريدة: "و أوضح، أنه لا يعمل في الخفاء، وإنما تحت الشمس".
ولو كنت تعمل تحت الشمس؛ لبرزت على إحدى شاشات الفضائيات التي تستضيفك، وأظهرت مذهبك هذا على الملأ، وبعدها ستعرف قيمتك ومكانتك ـ عند الصغير والكبير من العقلاء الغيورين على محارمهم ـ والتي قلت عنها في الجريدة كما جاء على لسانك فيها:
"وحول ما قد تسببه مشاركته وآراؤه الجريئة في الفيلم من فتح باب الانتقاد عليه قال: إن من يريد تصدر الناس فلا يجب أن يهتم لرمي السهام".
وأذكرك ونفسي بحديث أختم بها رسالتي إليك يا دكتور عائض القرني:
قال صلى الله عليه وسلم ـ وهو جزء من حديث ـ:
( .. وإياك وما يُعتذَر منه ). وفي لفظ:
( .. وانظر إلى ما تعذر منه من القول، والفعل فاجتنبه ).
حسنه الألباني في "الصحيحة" (1914).
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين,,,
كتبه
جمال بن فريحان الحارثي
6/3/1426هـ
التناقضات قول على الله بغير علم، ولا تسمى تغَيُّر في الفتوى
رسالة إلى عايض بن عبد الله القرني
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فلقد تعودنا أن نسمع كُلّما وهنت الأمة الإسلامية، وتسلط عليها أعداؤها؛ قلنا هذا من مكر الأعداء، وتخطيطهم، وانشغلنا بذلك عن السبب الرئيس، الذي ساعد الأعداء على تمرير مخططاتهم إلى الأمة الإسلامية.
فإلى متى نستمر على هذا الحال في التستر عن الخلل ؟
لقد دُعِيَت المرأة المسلمة في منتدياتٍ عدة، ومن على منابر مختلفة لمشاركة الرجل في العمل، وأقنعتها أنها شقيقة الرجل تماماً، بمفهومٍ بعيد عن قول المصطفى صلى اله عليه وسلم: ( إنما النساء شقائق الرجال )، فدعتها إلى نزع الحجاب الشرعي، وإلى قيادتها للسيارة، وإلى العمل في الدعايات التفازية، وإلى الانتخابات، وإلى الولاية ..وإلى..
وكانت هذه الدعوات تنطلق من أناس انغسلت عقولهم، وتفسخت الغيرة منهم، ولا غرابة أن يصدر ذلك منهم لأنهم بعيدين عن شرائع الدين لجهلهم به، وإن كانوا في دائرة الإسلام.
إلا أن الخطب يعظم عندما يصدر مثل هذه من دعاة نصّبوا أنفسهم زعماً للتصدر للناس، ثم يتناقضون في كلامهم ولا أقول في فتاويهم لأن الفتيا لها أهلها.
فعلى سبيل المثال لا الحصر نأخذ هذه الوقفات مع أقوال الدكتور عائض القرني المتناقضة.
وقبل ذلك أعَرِّج على قول اثنين، الأول يقول: [الانتخابات حق مشروع للمرأة، أما حق الترشيح ففي النفس منه شيء].
والثاني يقول: [الشرع لا يمنع المرأة من التصويت في الانتخابات].
و أنا احتفظ بكلامها هذا، وهو منشور في إحدى أعداد جريدة المدينة.
أما اليوم فهذه وقفات مع تناقضات عايض القرني.
جاء في جريدة الرياض
الخميس 5 ربيع الأول 1426هـ - 14 إبريل 2005م – ( العدد 13443).
وهي تتكلم عن الفلم الوثائقي الذي أخرجته المخرجة السعودية هيفاء المنصور ما نصه:
"استعانت هيفاء بمحاضرة ألقاها القرني في الثمانينات حول الحجاب، وهاجم فيها النساء غير المحجبات، وساق في المحاضرة الأدلة على فساد كشف الوجه للمرأة".
فنجد اليوم عائض القرني يتناقض مع هذه المبادئ والثوابت، والتي ساق لها الأدلة، ولا شك أن الأدلة المقصود بها هنا هي من القرآن والسنة وأقوال أهل العلم، وهذا يعني أنه على علم وبصيرة في هذه المسألة، فيأتي اليوم و تنقل الجريدة نفسها على لسان القرني فتقول:
"ظهر الدكتور عائض القرني بمنزله بالرياض متحدثاً مع هيفاء حول الحجاب ومعلناً في حديثه عن آراء جديدة ومختلفة عما قاله في تلك المحاضرة وكان ابرز ما قاله توضيحه: بأن الحجاب الشرعي لا يستلزم تغطية الوجه والكفين".
وقبلها وفي لقاءٍ له في جريدة السياسة الكويتية العدد 12305 وتاريخ 25/12/1423هـ الموافق 25 فبراير 2003م.
وهذا الرابط:
http://www.alseyassah.com/alseyassa..._pdf/index.asp# (http://www.alseyassah.com/alseyassa..._pdf/index.asp#)
جاء في الجريدة ما نصه:
" السؤال : ما رأي الدين في المرأة التي تشارك في عمل إعلانات في التلفزيون؟
قال الدكتور القرني: إنه لا يوجد أي محضور شرعي، ما دامت المرأة تشارك في مثل هذه الإعلانات بحجابها الشرعي ؟؟؟؟!!! والكلمات الهادفة، والبناءة. مشيراً أن المرأة تعتبر أكثر تأثيراً في النساء من الرجال".
وبعدها وفي جريدة المدينة بالتحديد يوم الإثنين 6 ذي القعدة 1424هـ ـ الموافق 29 ديسمبر 2003م العدد (14859) الصفحة رقم (25) نقلت الجريدة بقولها عن القرني ما نصه:
"ورأى أن مشاركة النساء في (الحوار الوطني) إيجابية ... ـ إلى أن قالت الصحيفة ـ: أكد أن (الثوابت) لا يفتي فيها باعة العسل ...مفجراً في ذات الصدد قنبلة قد تناله بعض السنة لهبها، إذ رأى؛ أن عدم قيادة المرأة للسيارة ليس من الثوابت معللاً ذلك بان وجوبها أو تحريمها لم ينزل في الأنفال ولا في التوبة".
أقول ما هذا التمييع في دين الله، وما هذه السخرية بالشريعة؟
أتريد لكل أمر آية منصوصة على تحليله، أو تحرمه ؟ وهل كل ما حرم الله جاء بالتصريح في كتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ؟
أين ذهبتَ بالسنة، المفسرة للقرآن.
و على سبيل المثل والتقريب للناس أسألك هذا السؤال:
هل ترى حبوب المخدرات والحشيش والأفيون و .. و؛ نزل بها قرآن ينص على تحريمها بعينها ؟
أم أنك ترى أن تحريم هذه ليس من الثوابت عنك ؟
ثم في جريدة المدينة يوم الجمعة 1 ذي الحجة 1424هـ ـ الموافق 23 يناير 2004م ، في ملحق الرسالة وبالتحديد الصفحة الأخيرة.
يتناقض القرني وينقض كلامه السابق، وينتقد من فهم كلامه أنه يُجَوِّز قيادة المرأة للسيارة، ولكنه في الوقت نفسه يجوّز قيادة المرأة للسيارة في غير بلاد السعودية ضمناً من حيث لا يشعر، وهذا دليل على التناقضات.
فيقول:
" فقد صرحتُ قبل أيام لبعض الصحف، أن عدم قيادة المرأة للسيارة ليست من الثوابت، وأعني بها أنها ليست من أصول الملة... ـ إلى أن قال ـ: وعلى ذلك أقول: لا أرى قيادة المرأة للسيارة في بلادنا، لما يحف بها من مفاسد، من التبرج والاختلاط... وقيادة المرأة للسيارة ذريعة لدعاة السفور والتغرير وطريق لجرب الستر والحجاب ..".
فلاحظ أيها اللبيب، قوله: لا أرى.....في بلادنا.
واللبيب بالإشارة يفهم، فلا يقول القرني عنا بعد هذا؛ أننا نحمّل كلامه مالا يحتمل.
فلماذا خصص (في بلادنا) أليس هذا يعني أن قيادة المرأة في غير السعودية تجوز عنده ؟!
أو على الأقل يجعل له خط رجعة فيما بعد إذا صرح بالجواز في خارج السعودية، حيث سيتعذر بأنه لم يحرمها إلا في بلادنا.
وهذا واضح جلي ولا يحتاج تفسير، ولا يدخل في النيات، كما يدندنون دائماً إذا ما وقعوا في فخ ألسنتهم.
فإذا كنتَ يا دكتور عايض في الثمانيات تقول: بتحريم كشف المرأة وجهها، وفي هذا المقال المتناقض في قيادة المرأة للسيارة؛ تؤكد أن قيادة السيارة تفضي إلى مفاسد منها التبرج والاختلاط، فما الذي دعاك للتناقض اليوم فتجوِّز كشف الوجه للمرأة المسلمة بقولك: " بأن الحجاب الشرعي لا يستلزم تغطية الوجه والكفين".
أرجو أن لا تقول هذه المرة: "استغل الكلام ضدي وأُظهر في ثوب أني أبيح وأقول بجواز كشف وجه المرأة".
كما قلت في قيادة المرأة للسيارة، يا دكتور عائض!
إذا لم يكن عدم قيادة المرأة للسيارة من الثوابت (من أصول الملة)، فهل يا ترى عدم الالتزام بالحجاب الشرعي أيضاً ليس من الثوابت عندك ؟
ألم يكن قوله تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى . [الأحزاب: 33].
من الثوابت ومن أصول الدين ؟!
ألم يكن قوله عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً . [الأحزاب: 59].
وقوله تعالى: وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ .. الآية. [النور: 31].
من الثوابت ومن أصول الملة.
أليس الوجه هو أعظم الزينة في المرأة، وهو الفتنة، ومنه يدخل الشيطان ؟!
قال الأمين الشنقيطي ـ وأكرم به من عالم ـ في "أضواء البيان" (6/249ـ2450):
"وقال البخاري رحمه اللَّه في ( صحيحه ) باب وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: يرحم اللَّه نساء المهاجرات الأول لما أنزل اللَّه وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ شققن مروطهن فاختمرن بها.
و عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: لما نزلت هذه الآية وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ أخذن أزرهن فشققنها من قبل الحواشي فاختمرن بها. قال ابن حجر في ( الفتح ) في شرح هذا الحديث قوله: فاختمرن: أي: غطّين وجوههن، وصفة ذلك أن تضع الخمار على رأسها وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر، وهو التقنّع. قال الفراء: كانوا في الجاهلية تسدل المرأة خمارها من ورائها وتكشف ما قدامها فأمرن بالاستتار.
وهذا الحديث الصحيح صريح في أن النساء الصحابيّات المذكورات فيه فهمن أن معنى قوله تعالى: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ يقتضي ستر وجوههن، وأنهن شققن أزرهن فاختمرن، أي: سترن وجوههن بها، امتثالاً لأمر اللَّه في قوله تعالى: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ المقتضي ستر وجوههن، وبهذا يتحقّق المنصف أن احتجاب المرأة عن الرجال وسترها وجهها عنهم؛ ثابت في السنّة الصحيحة المفسّرة لكتاب اللَّه تعالى، وقد أثنت عائشة رضي اللَّه عنها على تلك النساء بمسارعتهن لامتثال أوامر اللَّه في كتابه، ومعلوم أنهن ما فهمن ستر الوجوه من قوله: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ إلا من النبيّ ، لأنه موجود، وهن يسألنه عن كل ما أشكل عليهن في دينهن، فلا يمكن أن يفسرنها من تلقاء أنفسهن. وعن عائشة قالت: إن لنساء قريش لفضلاً، ولكن واللَّه ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشدّ تصديقًا بكتاب اللَّه ولا إيمانًا بالتنزيل ولقد أنزلت سورة ( النور ) وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ فانقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل فيها ما منهنّ امرأة إلا قامت إلى مرطها فأصبحن يصلين الصبح معتجرات كأن على رءُوسهن الغربان ، ومعنى معتجرات: مختمرات". انتهى.
لقد فهمن نساء الأنصار أن الحجاب هو تغطية الوجه، وما فهمنه إلا من النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكر الشنقيطي رحمه الله.
فتأتي يا دكتور عائض اليوم وتقول: " بأن الحجاب الشرعي لا يستلزم تغطية الوجه والكفين".
هذا فهمك الذي تريد أن تتصدر الناس به ؟!
وكيف تفهم قوله صلى الله عليه وسلم للمرأة الحرمة:
(ولا تنتقب المرأة المحرمة ..)أخرجه البخاري (1741)، وغيره.
هل تفهم منه جواز كشف الوجه؟
أم تفهم منه أن المرأة في الأصل مكشوفة الوجه ؟!
إن المفهوم منه ما فهمه أهل العلم، وليس ما يفهمه دعاة أهل "فقه الواقع" أو دعاة الإصلاح (زعموا).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى" ( 15/371ـ372):
"وأمر سبحانه النساء بإرخاء الجلابيب، لئلا يعرفن ولا يؤذين، وقد ذكر عبيدة السلمانى وغيره، أن نساء المؤمنين كن يدنين عليهن الجلابيب من فوق رؤوسهن حتى لا يظهر إلا عيونهن لأجل رؤية الطريق، وثبت فى الصحيح أن المرأة المحرمة تنهى عن الإنتقاب والقفازين، وهذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين فى النساء اللاتي لم يحرمن، وذلك يقتضى ستر وجوهن و أيديهن، وقد نهى الله تعالى عما يوجب العلم بالزينة الخفية بالسمع أو غيره، فقال: (ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن)، وقال: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) فلما نزل ذلك عمد نساء المؤمين إلى خمرهن فشققهن وأرخينها على أعناقهن، والجيب هو شق فى طول القميص فإذا ضربت المرأة بالخمار على الجيب سترت عنقها، وأمرت بعد ذلك أن ترخى من جلبابها، والإرخاء أنما يكون إذا خرجت من البيت، فأما إذا كانت فى البيت؛ فلا تؤمر بذلك. وقد ثبت فى الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لما دخل بصفية قال أصحابه: إن أرخى عليها الحجاب فهى من أمهات المؤمنين، وإن لم يضرب عليها الحجاب فهى مما ملكت يمينه، فضرب عليها الحجاب. وإنما ضرب الحجاب على النساء لئلا ترى وجوهن وأيديهن". انتهى.
لقد قلت: في جريدة المدينة 1 ذي الحجة 1424هـ في "الرسالة":
"إن سد الذرائع من مقاصد الشريعة، وقيادة المرأة ذريعة لدعاة السفور والتغريب وطريق لحرب الستر والحجاب".
واليوم تتناقض فتجوِّز كشف الوجه.
أليس كشف المرأة لوجهها؛ ذريعة لدعاة السفور والتغريب، وطريق لحرب الستر والحجاب؟
أليس ستر المرأة وجهها؛ سدٌ للذريعة التي اعترفت أنه من مقاصد الشريعة؟
كيف تقول يا دكتور عائض في المقال نفسه:
" الرأي العلمي في الفروع يتغير حسب الأدلة وحسب اطلاع أهل العلم وهذا فعله كبار العلماء أمثال الشافعي واحمد بن حنبل".
فهل لك ولغيرك رأيٌ مع النصوص، وهل أنت من أهل العلم الذين يُعوّل عليهم في مثل هذه المسائل؟
وما هي الأدلة التي وقفت عليها في غضون سنة من تاريخ قولك: "لا أرى قيادة المرأة للسيارة في بلادنا .. لأن بها مفاسد من تبرج.. وهي ذريعة لدعاة السفور .."
أقول: لو لم يكن هناك نص شرعي على تحريم كشف المرأة وجهها، ألا يكون تغطية الوجه واجباً عند تحقق المفسدة في كشفه، سداً للذريعة ؟
ومن تناقضاتك فيما هي من اعترافاتك وتواضعك الجم، والذي لم تقف عنده، أنك قلت في جريدة المدينة "ملحق الرسالة" ( 1 ذي الحجة 1424هـ) ـ وهو تأكيد منك لما ذكرته في مقال سابق ـ تحت موضوعك "لا أرى قيادة المرأة للسيارة":
"وقلتُ: يجع في ذلك للهيئة العلمية الشرعية،وأعني بها (هيئة كبار العلماء) ـ ثم قلت في آخر المقال نفسه ـ: إن مثل هذه المسائل العامة يرجع فيها إلى المرجعية العلمية..).
فهل التزمت بهذا هنا فيما أفتيت به المخرجة (هيفاء المنصور) من تجويزك كشف الوجه للمرأة، وجعلت المرجعية الشرعية هي التي تتكلم في هذا ؟
وأنت تعلم مسبقاً كلام (الهيئة) قديماً منذ زمن الإمام ابن باز، و العثيمين، وقبلهما ابن ابراهيم رحم الله الجميع، وحفظ لنا الأئمة الحاليين.
فكيف تبين وعلى الملاء أنك تدعو إلى الرجوع للمرجعية الشرعية ( هيئة كبار العلماء)، وتأتي في الخفاء وتنقض ما قررته؟
وظني بك أنك كنت ضامن أن صوتك لن يصل لأحبابك والمخدوعين بك بهذا الشكل المحرج كما غبرت أنت به، وإلا لما أقدمت إلى ما أقدمت إليه، لأن في مثل هذه الأمور حتى العجائز ستنتقدك.
أم كنت تريد أن تغطي زلتك في هيئة كبار العلماء والتي تدندن حولها في مواقف عدة، وأحد هذه المواقف جاء في جريدة المدينة الاثنين 6 ذي القعدة 1424هـ ـ الموافق 29 ديسمبر 2003م (العدد 14859 ) على لسانك قولها:
"وانتقد ـ فضيلة الشيخ عايض القرني ـ بعض أعضاء هيئة كبار العلماء في توانيهم عن القيام بالأمانة الموكلة إليهم واحتواء الشباب والتفاعل مع المجتمع".
فما هذا الأسلوب العجيب في المحاولة بالإطاحة بمكانة "العلماء الكبار" عند الشباب والعامة، مظهراً نفسك أنك أنت صاحب الأمانة، والمتفاعل مع المجتمع، وتجعل ذلك هو المقياس بأن يقال فلان عالم.
لا. وألف لا.
إن العالم هو الذي ينطق بالسنة، ويتحدث في الوقت المناسب بالكلام المناسب، ويترفع عن سفاسف الأمور.
إن العالم هو الذي لا يتغير قوله بتغير الزمان، لأنه يستمد قوله من الكتاب والسنة، مستعيناً ومستأنساً بأقوال السلف.
إن العالم هو الذي يقف ثابتاً في أيام المحن والفتن، فيعرفها إذا أقبلت وقبل أن تنقشع.
يقول الحسن البصري: " الفتنة إذا أقبلت عرفها كل عالم، وإذا أدبرت عرفها كل جاهل".
أعود إلى المقال في جريدة الرياض أعلاه فتقول الجريدة:
"اتصلنا بالدكتور عائض القرني الذي أبدى إعجابه بفكرة الفيلم الذي يتحدث عن المرأة في ظروف محلية ودولية مهمة وهذا ما دفعه بحسب قوله: للموافقة على المشاركة التي إعتبرها من باب البر و التقوى".
وهل القول بهتك الحجاب ومخالفة النصوص من البر والتقوى يا دكتور عائض ؟
هل القول بكشف المرأة ـ وفي هذا العصر بالذات ـ وجهها؛ من البر والتقوى ؟
كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً .[الكهف: 5].
ثم هل التناقضات من سمات العلماء، مرة حرام ومرة حلال، كلا والله، ليس هذا مذهب الشافعي وأحمد ـ وأمثالهما رحمهم الله ـ الذي أنت ترى أن مثل هذه التناقضات قد سُبقت إليها منهم ؟.
فأنت حشدت الأدلة على تحريم كشف الوجه قديماً، وتتحدث عن مفاسد التبرج، وتتكلم عن سد الذارئع أنها من مقاصد الشريعة، فالذي يقول بهذه؛ ليس بجاهل في اعتقادي، ولكنه الهوى الذي يعمي البصيرة.
وأُدلل على ما أقول بما جاء على لسنك في الجريدة: "الدكتور عائض القرني .. أبدى إعجابه بفكرة الفيلم الذي يتحدث عن المرأة في ظروف محلية ودولية مهمة، وهذا ما دفعه بحسب قوله: للموافقة على المشاركة".
فالذي دفعك بالقول أن: " الحجاب الشرعي لا يستلزم تغطية الوجه والكفين".
هو الإعجاب، وليست الأدلة التي تزعم: أن الرأي العلمي في الفروع يتغير حسب الأدلة.
ثم تقول الجريدة:
" وقال الدكتور: إنه تعامل مع المخرجة هيفاء المنصور بثقة ولكنها خدعته ولم تخبره أنها ستظهره بهذا المظهر المحرج وأضاف: «لم أرغب أن تظهرني بهذا الشكل ولم تخبرني. قالت لي: أن ما سجَلتْه معي في منزلي هو ما سيظهر في الفيلم. لم أحب أن تظهرني بهذا الشكل المحرج. تأخذ أقوالاً مختلفة من سنوات متباعدة وتقول لهم «انظروا» وكأننا في محاكمة» ".
فأنت بقولك هذا تُثبت أنك تعمل في الخفاء بشكل، وتظهر للناس، ـ وبكلمة أوضح لمحبيك ـ بشكل آخر، ولو لم يكن هذا؛ لما قلت: "خدعتني ولم تخبرني أنها ستظهرني بهذا المظهر...ولا أحب أن تظهرني بهذا الشكل المحرج".
ولا زم كلامك ومفهومه الذي لا يختلف فيه اثنان ولا ينتطح فيه عنزان:
انك لو علمت أنها ستُظهرك بهذا الشكل لما تكلمت.
أما استحضرت حديث النبي صلى الله عليه وسلم:
( والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس )
فما كهته يا دكتور عايض؛ هو الإثم. في قولك: " ولا أحب أن تظهرني بهذا الشكل".
وهذا يناقض آخر كلامك الذي جاء على لسانك في الجريدة: "و أوضح، أنه لا يعمل في الخفاء، وإنما تحت الشمس".
ولو كنت تعمل تحت الشمس؛ لبرزت على إحدى شاشات الفضائيات التي تستضيفك، وأظهرت مذهبك هذا على الملأ، وبعدها ستعرف قيمتك ومكانتك ـ عند الصغير والكبير من العقلاء الغيورين على محارمهم ـ والتي قلت عنها في الجريدة كما جاء على لسانك فيها:
"وحول ما قد تسببه مشاركته وآراؤه الجريئة في الفيلم من فتح باب الانتقاد عليه قال: إن من يريد تصدر الناس فلا يجب أن يهتم لرمي السهام".
وأذكرك ونفسي بحديث أختم بها رسالتي إليك يا دكتور عائض القرني:
قال صلى الله عليه وسلم ـ وهو جزء من حديث ـ:
( .. وإياك وما يُعتذَر منه ). وفي لفظ:
( .. وانظر إلى ما تعذر منه من القول، والفعل فاجتنبه ).
حسنه الألباني في "الصحيحة" (1914).
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين,,,
كتبه
جمال بن فريحان الحارثي
6/3/1426هـ