Perfect Chaos
19-04-2005, 11:50 PM
الكذب على الأموات
خالد الغنامي* (Alganmi@alwatan.com.sa)
نشرت جريدة القدس العربي في عددها (4924) الصادر في 26 مارس 2005 حواراً مع الحارس الشخصي السابق لأسامة بن لادن. اسمه ناصر البحري ويلقب بأبي جندل. ناصر عاد لليمن موطنه الأصلي قبيل عملية تفجير المدمرة الأمريكية (كول) في ميناء عدن سنة 2000. صحبت هذا الحوار الذي مر بي على كثير من المحطات القديمة وتصاعدت أمامي ألسنة الدخان ومرت أمامي وجوه لأناس قد رحلوا عن هذا العالم. مر بنا أبو جندل على حرب أفغانستان وتحرير الكويت وحادثة تفجير العليا والخبر في منتصف التسعينات وانتهى في 11 سبتمبر والحرب على الإرهاب.
(القدس العربي) ورئيس تحريرها عبد الباري عطوان، بخلفيته اليسارية العربية الثورية وروابطه الوثيقة مع حزب البعث، لا يستطيعان أن يقدما لنا حواراً مستقلاً حيادياً مجرداً من سلطة وتدخل الأيديولوجيا التي يتبنيانها. اليساريون يشعرون بروابط مشتركة، بل نوع من الأبوة الروحية للحركات الأصولية برغم العداء المتبادل. لذا نجدهم اليوم يحاولون ممارسة نوع من الاحتواء لهم بعد أن فشلت محاولات الاندماج. اليساريون لا تخفى علائقهم الشيوعية القديمة. والأصوليون لا يستطيع مراقب منصف أن ينكر الأثر الشيوعي الحركي عليهم، وما تقسيمهم لمجنديهم إلى (قيادي) و(كادر) إلا مشتق من (التنظيم العنقودي) الذي ابتكره لينين. الآن يبدو أن اليساريين قد نجحوا في استمالة المقاتلين إليهم ببث تلك اللقاءات مع أسامة بن لادن من خلال قناة الجزيرة (الإخوانية - البعثية) وكيل الثناء له بلا حساب.ما زلت أذكر ذلك اللقاء الذي أجرته "الجزيرة" مع عطوان منذ ست سنوات أو أكثر، حين جلس لمدة ساعة يكيل المديح لزعيم القاعدة. وإن كان عطوان نفسه من فترة ليست بالبعيدة، لظروف سياسية لا تخفى على أقل الناس فطنة وفي غيبة الرقابة من قبل محبيه من المتأسلمين، قد تبرأ على الهواء بلغة إنجليزية من بن لادن ووصفه بالإرهابي على القناة البريطانية: (BBC).
سأنقل هنا مقتطفات من كلام أبي جندل وأعلق بعدها مباشرة لكي لا يتشتت ذهن القارئ لو جعلت التعليق مرة واحدة، لعلنا أن نصل إلى رؤية واضحة للمشهد السياسي الذي نحضره الآن في بلادنا، فما هذا اليوم إلا ابن ليلة البارحة.
أولاً : انتقد أبو جندل تكفير السلفيين لحزب البعث وقال إن هذا من ضمن الأشياء التي تعلمها خطأ في السعودية ووضع اللوم في هذا على السلفيين فقط.
تعليق: كأنه يريد أن يقول إن الإخوان المسلمين لم يكونوا يكفرونهم في فترة من الفترات، وهذا ما يعلم عدم صحته من قرأ مذكرات أي مثقف بعثي.
ثانياً: عندما جاء الحديث عن دولة الراحل حافظ الأسد قال:
(كان النظام السوري ربما نلتقي معه على أشياء كثيرة جداً، يمكن أن يسمحوا لنا بالمرور في أراضيهم، ربما يدعموننا).
التعليق : إذن كل الناس ملائكة ولا مشكلة إلا مع السعودية فقط.نعم هذا هو واقع الحال. لماذا؟ لأن الأصوليين يريدون تحويلها إلى مملكة طالبان الثانية، فينطلق غزو العالم منها، لما تتمتع به هذه الدولة من مكانة اقتصادية دينية عليا.
ثالثاً: نقل أبو جندل عن بن لادن أنه قال للحكومة السعودية وللشيخين ابن باز وابن عثيمين إن عنده في بلاد الحرمين أربعين ألف مقاتل تدربوا في أفغانستان وإنه يستطيع تحضيرهم في بضعة أيام وإنه يستطيع أن يجهز في ثلاثة أشهر مائة ألف مقاتل لإخراج صدام حسين من الكويت.
تعليق: ما شعورك أيها المواطن السعودي الكريم عندما تتخيل أن الحكومة السعودية حققت هذه الأمنية لابن لادن وبقينا (نحن المدنيين الذين نكره الحرب) ننتظر الانتصار المظفر لهؤلاء المائة ألف الذين يعيشون أجواء الموت التي أصبحوا لا يتلذذون إلا بها. هل كان من الممكن أن ينتصروا أمام الجيش العراقي إبان فترة حكم صدام، ذلك الجيش الذي يقدر بمليون جندي مقاتل، عندهم من المراس على الحرب مثل ما عند الأفغان العرب؟
أنا أجيبك: في أحسن الأحوال، كنت سترى أن حرب تحرير الكويت ما زالت قائمة إلى الآن تسمع دوي صواريخ الهاون وأنت في بيتك. لن أكمل لك رسم اللوحة لأن بإمكانك استخدام خيالك وتصورها.
رابعاً : نقل أبو جندل عن بن لادن أنه ذهب للشيخين ابن باز وابن عثيمين وحاورهما بشأن دخول الأمريكان للخليج، فقال الشيخ ابن عثيمين: يا ولدي يا أسامة لا نستطيع أن نتكلم بهذا الأمر، لأننا خائفون. وكان الشيخ ابن عثيمين يؤشر إلى رقبته، في إشارة إلى خوفه من قطع الرقاب إذا تحدثوا عن هذا الأمر.
تعليق: هذه والله التي لا تحتمل، لقد عرفت الشيخ عبد العزيز بن باز، رحمه الله، على مدى أربع سنين من عمري حين كنت أحضر درس الفجر الذي كان يقيمه في مسجد تركي بن عبد الله في (الديرة) أربعة أيام في الأسبوع. وقد عرفته جيداً وأستطيع أن أقول كيف كان يفكر وكيف كان يتصرف وأشهد أنه كان رجلاً شجاعاً زاهداً في الدنيا لا يخطر الخوف على قلبه، وإنما كان كل موقف تبناه وخالفه الشباب فيه، كان ينطلق من قناعة صادقة، ولن تجد أبداً من أهل هذه البلاد من يتهمه بالجبن أو المحاباة. وكنت أحضر في كثير من الجلسات التي يناقش فيها الشيخ عن كل هذه القضايا وكان دوماً وأبداً ينطلق من قناعة شرعية لا يمكن بحال أن يقال إنها من تزلفات المنافقين أو مسح الجوخ أو الخوف من العقاب الجسدي، وإنما كان يقول:
(هذا ما أدين الله به). ثم من ذا الذي سيفكر أصلاً في إنزال عقوبة من هذا النوع على جسد نحيل ضعيف لرجل كان في عقده التاسع.أذكر مرة أنني مع اثنين من الإخوة أعطيناه ورقة كتبنا فيها تفاصيل كثيرة مما كان يتردد عن مشايخ (الصحوة) الذين سجنوا في التسعينات، وأنهم كانوا يلاقون أصناف الإهانة والعذاب وأن الطعام الذي كان يقدم لهم كان غير نظيف، وأنهم قد يجدون الصراصير في الطعام. خطاب طويل كأنه (صك إعسار) أخذه الشيخ بيده وقال لكاتبه: سم.
ثم تبين لنا بعد سنين كذب ذلك الكلام، وإلى أي درجة كنا مستغفلين, وأن هناك من يتوسع في فهم الحديث النبوي (الحرب خدعة) بشكل يندر وقوعه ممن يجل كلام رسول الله عليه الصلاة والسلام. أما الشيخ محمد بن عثيمين فقد تعلمت منه في سنة ما لم أتعلمه في عشر، ولا يمكن أن أصدق أبداً أن يقال إنه بارك المساعدة الأمريكية لتحرير الكويت، نفاقاً وخوفاً على رقبته من القطع، وما كان لتلاميذه أن يسكتوا عن مثل هذا الكلام.
هذا الكذب على الأموات ذكرني بكاتب عربي شهير لا تنفك قناة الجزيرة من استضافته بين الحين والآخر ليجلس ممسكاً بقلمه الرصاص، يتحدث لنا مرتاحاً، في وقت مستفيض عن لقاءات غريبة له لم نسمع بها قط. جلسات سرية مع زعماء عرب باتوا في عداد الأموات لا يصرح بها إلا بعد أن يموتوا ثم يريدنا أن نصدقه.
خامساً: عندما سأل المحاور أبا جندل عن جوابه لمن قال إن أمريكا استغلت بن لادن والقاعدة للانقضاض على العالم الإسلامي يتمثل هذا في أفغانستان والعراق، اكتفى أبو جندل بقوله: بل أمريكا هي التي خدمت بن لادن بالدرجة الأولى وإن احتلال العراق وأفغانستان كان عن تخطيط مسبق لأنها تريد احتلال المنطقة بأكملها.
التعليق: لا تعليق.
* كاتب سعودي
http://www.alwatan.com.sa/daily/2005-04-04/writers/writers03.htm
خالد الغنامي* (Alganmi@alwatan.com.sa)
نشرت جريدة القدس العربي في عددها (4924) الصادر في 26 مارس 2005 حواراً مع الحارس الشخصي السابق لأسامة بن لادن. اسمه ناصر البحري ويلقب بأبي جندل. ناصر عاد لليمن موطنه الأصلي قبيل عملية تفجير المدمرة الأمريكية (كول) في ميناء عدن سنة 2000. صحبت هذا الحوار الذي مر بي على كثير من المحطات القديمة وتصاعدت أمامي ألسنة الدخان ومرت أمامي وجوه لأناس قد رحلوا عن هذا العالم. مر بنا أبو جندل على حرب أفغانستان وتحرير الكويت وحادثة تفجير العليا والخبر في منتصف التسعينات وانتهى في 11 سبتمبر والحرب على الإرهاب.
(القدس العربي) ورئيس تحريرها عبد الباري عطوان، بخلفيته اليسارية العربية الثورية وروابطه الوثيقة مع حزب البعث، لا يستطيعان أن يقدما لنا حواراً مستقلاً حيادياً مجرداً من سلطة وتدخل الأيديولوجيا التي يتبنيانها. اليساريون يشعرون بروابط مشتركة، بل نوع من الأبوة الروحية للحركات الأصولية برغم العداء المتبادل. لذا نجدهم اليوم يحاولون ممارسة نوع من الاحتواء لهم بعد أن فشلت محاولات الاندماج. اليساريون لا تخفى علائقهم الشيوعية القديمة. والأصوليون لا يستطيع مراقب منصف أن ينكر الأثر الشيوعي الحركي عليهم، وما تقسيمهم لمجنديهم إلى (قيادي) و(كادر) إلا مشتق من (التنظيم العنقودي) الذي ابتكره لينين. الآن يبدو أن اليساريين قد نجحوا في استمالة المقاتلين إليهم ببث تلك اللقاءات مع أسامة بن لادن من خلال قناة الجزيرة (الإخوانية - البعثية) وكيل الثناء له بلا حساب.ما زلت أذكر ذلك اللقاء الذي أجرته "الجزيرة" مع عطوان منذ ست سنوات أو أكثر، حين جلس لمدة ساعة يكيل المديح لزعيم القاعدة. وإن كان عطوان نفسه من فترة ليست بالبعيدة، لظروف سياسية لا تخفى على أقل الناس فطنة وفي غيبة الرقابة من قبل محبيه من المتأسلمين، قد تبرأ على الهواء بلغة إنجليزية من بن لادن ووصفه بالإرهابي على القناة البريطانية: (BBC).
سأنقل هنا مقتطفات من كلام أبي جندل وأعلق بعدها مباشرة لكي لا يتشتت ذهن القارئ لو جعلت التعليق مرة واحدة، لعلنا أن نصل إلى رؤية واضحة للمشهد السياسي الذي نحضره الآن في بلادنا، فما هذا اليوم إلا ابن ليلة البارحة.
أولاً : انتقد أبو جندل تكفير السلفيين لحزب البعث وقال إن هذا من ضمن الأشياء التي تعلمها خطأ في السعودية ووضع اللوم في هذا على السلفيين فقط.
تعليق: كأنه يريد أن يقول إن الإخوان المسلمين لم يكونوا يكفرونهم في فترة من الفترات، وهذا ما يعلم عدم صحته من قرأ مذكرات أي مثقف بعثي.
ثانياً: عندما جاء الحديث عن دولة الراحل حافظ الأسد قال:
(كان النظام السوري ربما نلتقي معه على أشياء كثيرة جداً، يمكن أن يسمحوا لنا بالمرور في أراضيهم، ربما يدعموننا).
التعليق : إذن كل الناس ملائكة ولا مشكلة إلا مع السعودية فقط.نعم هذا هو واقع الحال. لماذا؟ لأن الأصوليين يريدون تحويلها إلى مملكة طالبان الثانية، فينطلق غزو العالم منها، لما تتمتع به هذه الدولة من مكانة اقتصادية دينية عليا.
ثالثاً: نقل أبو جندل عن بن لادن أنه قال للحكومة السعودية وللشيخين ابن باز وابن عثيمين إن عنده في بلاد الحرمين أربعين ألف مقاتل تدربوا في أفغانستان وإنه يستطيع تحضيرهم في بضعة أيام وإنه يستطيع أن يجهز في ثلاثة أشهر مائة ألف مقاتل لإخراج صدام حسين من الكويت.
تعليق: ما شعورك أيها المواطن السعودي الكريم عندما تتخيل أن الحكومة السعودية حققت هذه الأمنية لابن لادن وبقينا (نحن المدنيين الذين نكره الحرب) ننتظر الانتصار المظفر لهؤلاء المائة ألف الذين يعيشون أجواء الموت التي أصبحوا لا يتلذذون إلا بها. هل كان من الممكن أن ينتصروا أمام الجيش العراقي إبان فترة حكم صدام، ذلك الجيش الذي يقدر بمليون جندي مقاتل، عندهم من المراس على الحرب مثل ما عند الأفغان العرب؟
أنا أجيبك: في أحسن الأحوال، كنت سترى أن حرب تحرير الكويت ما زالت قائمة إلى الآن تسمع دوي صواريخ الهاون وأنت في بيتك. لن أكمل لك رسم اللوحة لأن بإمكانك استخدام خيالك وتصورها.
رابعاً : نقل أبو جندل عن بن لادن أنه ذهب للشيخين ابن باز وابن عثيمين وحاورهما بشأن دخول الأمريكان للخليج، فقال الشيخ ابن عثيمين: يا ولدي يا أسامة لا نستطيع أن نتكلم بهذا الأمر، لأننا خائفون. وكان الشيخ ابن عثيمين يؤشر إلى رقبته، في إشارة إلى خوفه من قطع الرقاب إذا تحدثوا عن هذا الأمر.
تعليق: هذه والله التي لا تحتمل، لقد عرفت الشيخ عبد العزيز بن باز، رحمه الله، على مدى أربع سنين من عمري حين كنت أحضر درس الفجر الذي كان يقيمه في مسجد تركي بن عبد الله في (الديرة) أربعة أيام في الأسبوع. وقد عرفته جيداً وأستطيع أن أقول كيف كان يفكر وكيف كان يتصرف وأشهد أنه كان رجلاً شجاعاً زاهداً في الدنيا لا يخطر الخوف على قلبه، وإنما كان كل موقف تبناه وخالفه الشباب فيه، كان ينطلق من قناعة صادقة، ولن تجد أبداً من أهل هذه البلاد من يتهمه بالجبن أو المحاباة. وكنت أحضر في كثير من الجلسات التي يناقش فيها الشيخ عن كل هذه القضايا وكان دوماً وأبداً ينطلق من قناعة شرعية لا يمكن بحال أن يقال إنها من تزلفات المنافقين أو مسح الجوخ أو الخوف من العقاب الجسدي، وإنما كان يقول:
(هذا ما أدين الله به). ثم من ذا الذي سيفكر أصلاً في إنزال عقوبة من هذا النوع على جسد نحيل ضعيف لرجل كان في عقده التاسع.أذكر مرة أنني مع اثنين من الإخوة أعطيناه ورقة كتبنا فيها تفاصيل كثيرة مما كان يتردد عن مشايخ (الصحوة) الذين سجنوا في التسعينات، وأنهم كانوا يلاقون أصناف الإهانة والعذاب وأن الطعام الذي كان يقدم لهم كان غير نظيف، وأنهم قد يجدون الصراصير في الطعام. خطاب طويل كأنه (صك إعسار) أخذه الشيخ بيده وقال لكاتبه: سم.
ثم تبين لنا بعد سنين كذب ذلك الكلام، وإلى أي درجة كنا مستغفلين, وأن هناك من يتوسع في فهم الحديث النبوي (الحرب خدعة) بشكل يندر وقوعه ممن يجل كلام رسول الله عليه الصلاة والسلام. أما الشيخ محمد بن عثيمين فقد تعلمت منه في سنة ما لم أتعلمه في عشر، ولا يمكن أن أصدق أبداً أن يقال إنه بارك المساعدة الأمريكية لتحرير الكويت، نفاقاً وخوفاً على رقبته من القطع، وما كان لتلاميذه أن يسكتوا عن مثل هذا الكلام.
هذا الكذب على الأموات ذكرني بكاتب عربي شهير لا تنفك قناة الجزيرة من استضافته بين الحين والآخر ليجلس ممسكاً بقلمه الرصاص، يتحدث لنا مرتاحاً، في وقت مستفيض عن لقاءات غريبة له لم نسمع بها قط. جلسات سرية مع زعماء عرب باتوا في عداد الأموات لا يصرح بها إلا بعد أن يموتوا ثم يريدنا أن نصدقه.
خامساً: عندما سأل المحاور أبا جندل عن جوابه لمن قال إن أمريكا استغلت بن لادن والقاعدة للانقضاض على العالم الإسلامي يتمثل هذا في أفغانستان والعراق، اكتفى أبو جندل بقوله: بل أمريكا هي التي خدمت بن لادن بالدرجة الأولى وإن احتلال العراق وأفغانستان كان عن تخطيط مسبق لأنها تريد احتلال المنطقة بأكملها.
التعليق: لا تعليق.
* كاتب سعودي
http://www.alwatan.com.sa/daily/2005-04-04/writers/writers03.htm