الـلــواء الــســداوي
24-04-2005, 05:38 PM
تمهيد :
ان العرب فى منطقة حوض نهر كارون يرجع مركزهم الى زمن سحيق . وهم الى يومنا هذا يكونون الأغلبية الساحقة في المنطقة . فالحقيقة الكبرى : هى ان عربستان ( الأحواز ) وطن عربي ، وعروبتها لم تكن وليدة ظرف تاريخي معين ، بل هى أمر يرجع فى اصوله الى جذور الماضي والى طبيعة هذا القطر العربي المغتصب .
لقد تعرض جنوب غربي آسيا – بما فيه عربستان – للسيطرة العثمانية منذ القرن السادس عشر ، وقد نازعتها السيادة الدولة الفارسية ، كما أن الزحف الأوربي بدأ يستهدف المنطقة فأثر ذلك تأثيرا عاما عليها ، الأمر الذى عرضها للتدهور الاجتماعي والسياسي فترة ليست بالقصيرة ، الا ان القرن التاسع عشر شهد بوادر نهضة في المنطقة أدت الى ظهور فكرة القومية العربية – ذات النهج الواضح – التى سرعان ما اصطدمت بفكرتين أخرتين ، وهى :
فكرة الجامعة الأسلامية ، التى عدت عربستان جزءا من الامبراطورية العثمانية .
فكرة القومية الايرانية الحديثة ، التي تغلبت على الفكرة الاولى فقضت على الحكم العربي فى عربستان ( الأحواز ).
ان النزاع العثماني – الفارسي على المنطقة ، يمثل فى الواقع : التصادم بين الفكرتين ، وكان التيار الفارسي اقوى من العثماني ، اذ كان موقف العثمانيين رخوا فى المباحثات ، فى حين كان موقف الفرس صلبا . وبالرغم من تصديق التنازل فى معاهدة أرضروم الثانية ، فان الاحواز بقيت عربية لا تقر بشىء مما وقع . كما أن فارس نفسها أبقت الاستقلال لها ، واعترفت بامارة الحاج جابر بن مرداو الكعبي واولاده من بعده ( أمارة المحمرة ) .
http://al-ahwaz.com/AhwazHistory/images/mashriq%20arabi2.gif
خارطة الاحواز والمشرق العربي
الحقائق الجغرافية
لقد اثبتت التحريات الجيولوجية ان التاريخ الجيولوجي لاراضي كل من عربستان ( الاحواز ) والسهل الروسوبي من العراق متماثل ، فقد تكونا فى وقت ، من طمى وترسبات نهري دجلة والفرات ونهر كارون وتفرعاته ، فأدى ذلك الى ظهور الأراضي الحديثة على جانبي شط العرب ، لذا فان سهول عربستان - وهى تسمية حديثة لما كان يعرف قديما بأسم ( سهول سوسيانا ) - تكونت مكملة لسهل الرسوبي في جنوب العراق ، وهى وثيقة الاتصال معه ، فهناك مسالك برية وآخرى نهرية ، بينهما كانت متوافرة فى الازمنة القديمة كما هى متوافرة فى الوقت الحاضر ، سهلت هذا الانتقال .
http://al-ahwaz.com/AhwazHistory/images/jaber%20ben%20mrdaow.gif
أما العلاقات المكانية الطبيعية ، التي تربط بين عربستان وايران، فتكاد تكون معدومة ، اذ ليست هناك أى علاقة فى التكوين الطبيعي بين سهل عربستان وهضبة ايران الجبلية ، فقد ذكر السير أرنولد ولسن فى مذكراته أن : ( عربستان تختلف عن ايران اختلاف ألمانيا عن اسبانيا ) .
اذ أن ايران عبارة عن هضبة تحيط بها حافات من السلاسل الجبلية الضخمة تفصلها عن جميع جهاتها تقريبا ، ولا سيما القسم المحاذي لعربستان ، فيتكون من عدد من السلاسل المتعاقبة الشاهقة الارتفاع ، التى لاتتضمن ممرات سهلة يمكن اجتيازها ، وكل ما تتضمنه وديان ضيقة لأخوار تنحدر على سفوحها ، يستخدمها الرعاة فى تنقلهم بين الاهالى هذه السفوح وأسفلها ، فالاعتبارات الجغرافية اذا أحذناها بنظر الاعتبار فى تحديد المنطقة - وهى كثيرا ما تكون فواصل طبيعية كالجبال والبحار والانهر والارض - نلاحظ أن عربستان متصلة اتصالا طبيعيا بالوطن العربي ، وتفصلها حواجز طبيعية عن ايران لايمكن اغفالها كعامل مهم فى تحديد التبعية الجغرافية .
وقد عرف منذ القديم ان مدن الاحواز جزء لا يتجزء من الوطن العربي ، ولم ترد تبعيتها لفارس عند اى رحالة جغرافي جاب منطقة حوض الخليج العربي وكتب عنها ، فهي عندهم عربية الطبيعة تماما ، فانها تكون مع القسم الاسفل من بلاد ما بين النهرين وحدة جغرافية اقتصادية شاركت سابقا فى الازدهار السومري والكلداني وهي كانت فى ذلك العهد عيلامية الحضارة ، خضعت بعدئذ للعرب الذين امتد نفوذهم عبر فارس .
اما من حيث المناخ : التي تتشابه فيها مع مناخ الخليج العربي وتتغاير كليا مع ايران ، وتشترك عربستان مع المنطقة العربية بظاهرة المد والجزر التي أثرت تأثيرا عاما فى نواحي الصرف وأساليب الرى ، وبالتالي فى الحاصلات الزراعية ايضا .
الحقائق التاريخية
http://al-ahwaz.com/AhwazHistory/images/SOOS1.jpg
ان عربستان ( الاحواز) فى منطق التاريخ وحكم اللغة - وحتى فى رأى الباحثين الغربيين فيما كتبوه عن المنطقة العربية المغتصبة من الوطن العربي ، فقد ذكر الرحالة البرتغالي بيدرو تاسكيرا Pedro Teiskeira - الذي زار المنطقة سنة 1604م - أن جميع المنطقة الواقعة الى شرق شط العرب كانت تؤلف امارة عربية يحكمها مبارك بن عبد المطلب ( أحد أمراء أمارة المشعشعين العربية < 1589-1616 > والتي كانت عاصمتها مدينة الحويزة احدى مدن الاحواز ) الذى كان مستقلا عن الفرس والاتراك ، وقد دخل فى تحالف عسكري مع الدولة البرتغالية ، التى كانت قد وسعت نفوذها فى الخليج العربي يومئذ . أما الرحالة الايطالي بترو ديلا فالي Pietro Della -Valle الذى زار حوض نهر كارون الى مصبه فى شط العرب - فقد ذكر أن الشيخ منصور ابن مطلب ( أحد أمراء أمارة المشعشعين العربية < 1634 - 1643 > انظر :
Della Valle: The Travel of sig. Pietro Della Valle into East-Indies and Arabia Deserta; Hakluyt Society, 1902
كان يقاوم بقوة محاولة الشاه عباس الاول التدخل فى شئون امارته الداخلية وكان على اتصال دائم مع حكام امارات الخليج العربي والعراق .
<B>
<H4 dir=rtl align=justify>فقد ذكر الرحالة نيبور الذى زار المنطقة سنة 1772 فقد أكد قائلا :( ان العرب هم الذين يمتلكون جميع السواحل البحرية للقسم الشرقي من الخليج العربي ...) ، وأن الفرس لم يتمكنوا قط من أن يكونوا أسياد ساحل البحر ، وقد تحملوا صابرين على مضض أن يبقى هذا الساحل ملكا للعرب .</H4>
</B>
<B>
<H4 dir=rtl align=justify>لقد مرت عربستان (الاحواز) بنفس الادوار التاريخية التي مر الوطن العربي من غزو واحتلال اجنبي طامع استهدف استعمار الاحواز والوطن العربي طمعا بالخيرات الضخمة التى تزخر بها الامة العربية. لهذا يتضح لنا أن تاريخ الاحواز تاريخ متميز يرتبط بوشائج متصلة يتاريخ منطقة حوض الخليج العربي والعالم العربي ، ويغاير بوضوح تاريخ فارس ( ايران ) . أما خضوعها فى فترات متفرقة متباعدة لفارس ، فلا يمكن اعتباره دليلا على تبعية الاحواز ، فالمعروف ان البصرة والجنوب العراقي والبحرين هما ايضا خضعتى فى أوقات مختلفة للسيطرة الفارسية ، فهل يعطي ذلك الحق فى المطالبة بهما ؟ وهل خضوع منطقة لسيطرة اجنبية مهما طالت فترة الغزو والاحتلال والسيطرة يدلل على تبعيتها للدولة الغازية ؟....انه يجب التمييز بين دولة مالكة شرعية ، ودولة غازية مستعمرة تمارس سلطتها بالقوة العسكرية والبطش ، والذى يحدد هذا التمييز رغبة السكان من ناحية ، والدوافع التى حدت بالدولة المسيطرة للغزو ، ومدى المصالح من ناحية أخرى .</H4>
</B>
<B>
<H4 dir=rtl align=justify>لقد حكم العرب فارس قرونا عديدة ، فهل يشكل هذا حقا للعرب فى مطالبتهم بفارس ؟ يصور لنا هذا الاستعراض التاريخي ان عربستان ، خلال تاريخها المتقلب ، استطاعت ان تحتفظ بمقدار كبير من الاستقلال الداخلي ، حتى عند وقوعها تحت السيطرة الاجنبية .</H4>
</B>
<B>
<H4 dir=rtl align=justify>ان عربستان فى عهد الحكم الفارسي - وبأعتراف من الفرس أنفسهم - أرضا عربية يسكنها العرب - فسموها عربستان . ان اصل التسمية مهما اختلفت الآراء فيها ، فهى تشير الى اصل السكان العرب فى الاحواز والذين يؤلفون الغالبية الساحقة (95% من السكان) . واذا استندنا الى التسمية فى الاستدلال على تبعية الاحواز للدولة ، فان فارس هى التى اطلقت على تلك المنطقة اسم عربستان ( انظر كتاب احمد كسروي 35 وهو مؤلف فارسي ) ، ويعترف الفرس أنفسهم بعروبتها ، ويخطئون الشاه اسماعيل الصفوى لأنه اعترف بالحكم العربي فى الاحواز ، برغم عدم ادانتها بالولاء له واستقلالها عنه ، وفسح المجال للعرب ولم يقض عليهم فكانوا سببا للاضطرابات مع الفرس فى جميع الا د وار ، بعد ان ذاقوا طعم الاستقلال والحكم .</H4>
</B>
<B>
<H4 dir=rtl align=center>ان عربستان عربية بتاريخها القديم ووجودها الحديث ، والادعاءات الفارسية لا تستند الى منطق ولا الى قانون ولا الى واقع ، والفرس برغم المركزية التى استعملوها للحيلولة دون اظهار الروابط المشتركة بين سكان ضفتي شط العرب ، فان خطتهم أخفقت . ويضاعف من اخفاقها تلك الوحدة التاريخية والجغرافية لمنطقة شط العرب ، ووحدة اللغة وطريقة التفكير عند سكانها ، فالحقائق التاريخية تؤيد انها قطر عربي ، وتسندها فى ذلك الحقائق الجغرافية ، وهى بهذا عربية تاريخيا وجغرافيا .</H4>
</B>
الحقائق السياسية
<H4 dir=rtl align=center>لو عقدنا مقارنة سياسية عامة فى نظام الحكم بين فارس وعربستان (الأحواز) ، لاتضح لنا عدم وجود تشابه - مهما كان نوعه - بين النظامين ، فأسلوب الحكم فى فارس قائم على الدولة التى رأسها امبراطور او شاه ، اما فى عربستان فالحكم كان قبليا حاله حال الحكم فى امارت الخليج العربي والجزيرة العربية اى حكم عربي فى طبيعته ومنهجه واسلوبه وفكره ومبادئه ..، وعلى رأس القبيلة شيخ يستمد قوته من العصبية القبلية ، لذا فان القبلية تتخذ كل الوسائل التى تضمن التماسك الاجتماعي بين افرادها - وهو النظام الذى كان عليه حكام جزيرة العرب - ولعل النظام القبلي هذا فى عربستان ، هو الذى جعل فارس لا تعترف بها كنظام سياسي قائم بذاته .</H4>
http://al-ahwaz.com/AhwazHistory/images/shakh%20mazaal.gif
أما الادعاء السياسي الفارسي من ان شيوخ عربستان دفعوا ضريبة لها ، فأراه ضعيفا فى استدلاله ، لأنهم دفعوها للدولة العثمانية ايضا . أما قبول شيوخ عربستان ( الأحواز ) اعلان الولاء الرمزي لفارس بعد معاهدة أرضروم الثانية ، فكان لحمايتهم بعد ان تخلت الدولة العثمانية عنهم ، ولان قبول الولاء هذا كان يمثل أهون الشرين . والواقع ان فارس لم تمارس سيادتها الكاملة على عربستان حتى احتلالها العسكري سنة 1925 م ، وتحويلها الى ولاية عاشرة لايران . ولاسكات العرب عن مطالبتهم بها حاولت ان تسبق الحوادث ، فأعلنت ضمها جزر البحرين الى ممتلكاتها . فهذه المنطقة يتكلم سكانه اللغة العربية ، وهناك شط العرب - ذلك اللسان المائي - الذى يفسر نفسه ، فهو عنوان عربي ، وقد أقرت تسميته فارس نفسها ، ولم تغير اسمه حتى على خرائطها السياسية - بالرغم من اصرارها على تسمية الخليج العربي بالفارسي - وكل البقاع التي ضفافه كانت ولاتزال مساكن للعرب ، فهي عربية باللغة والعادات والتقاليد والملامح واسلوب الحياة ، فهذه المنطقة وحدة سياسية وجغرافية وتاريخية واحدة .
الحقائق الاقتصادية
فى ظل الحقائق العلمية المتعلقة بالصفاتالطوبوغرافية ، وبالنسبة لأثر العامل الهيدرولوجي ، والعامل المناخي - التى انعكست آثارها جميعا فى التوزيع الاقليمي بين عربستان وايران - نجد أن هناك تباينا واضحا بين الغطاء النباتي الطبيعي بصورة عامة ، والانتاج الزراعي بصفة خاصة بينهما . وكان لنظام المد والجزر تأثير كبير على تكوين تربة الاقليم ونباته ، وبالتالي على الزراعة فيه . اذ ان انغمار الاراضي المجاورة لشط العرب بمياه المد أدى الى تكوين السهول الطينية التي اصبحت تغطي مساحات واسعة من هذا النطاق السهلي . كما ان لحركات المد والجزر أهمية خاصة فى الاحواز، لانها تروى زروعه فى اوقات المد ، وتصرف مياهه الزائدة فى اوقات الجزر ، فأثر تأثيرا حاصا فى نواحي الرى والصرف المتعلقة بالزراعة ، وهذا ما ليس له وجود فى هضبة ايران الجبلية ، ولكنه من المعالم الطبيعية الواضحة فى المشرق العربي . فأراضيهما السهلية الوافرة الخصوبة الغنية بالمياه ، كونت منهما وحدة اقتصادية زراعية ونباتية وحيوانية ، من اهم مظاهرها ذلك النطاق الكثيف من غابات النخيل الذي يمتد على ضفتي شط العرب ، والذى تنفرد به عربستان عن باقي ايران ، بيد انه امتداد طبيعي لأشجار النخيل فى العراق . والانتقال بين سهول عربستان (الاحواز) وسهل العراق ميسورا جدا يجري عن طريق شط العرب وهور الحويزة ببعض أنواع من القوارب ، والى جانب ذلك ، هناك مسالك برية كثيرة مفتوحة بينهما ، الا انه يكاد يكون مغلقا مع ايران . فأثر ذلك تأثيرا بينا على تبادل السلع التجارية بين عربستان والعراق ، فكانت - قبل بناء المحمرة سنة 1812 م - تعتمد فى تصدير منتجاتها على ميناء البصرة ، اذ تجمع البضائع من المدن الداخلية فيها ، وتخزن فى مخازن كبيرة فى مدينة الاحواز ثم تنقل الى البصرة حيث تتم عملية التصدير . اما واردات عبادان فقد كان جزء منها موردا ثابتا لخزينة البصرة ، فعند ما زارها ( ابن بطوطة) كان ما تدفعه لها قرابة اربعمائة وواحد واربعين الف دينارا . كما ان عربستان ( الاحواز ) قد ساهمت مساهمة فعالة فى اسباب المهارة فى الملاحة العربية واتساع الميادين التجارية ، ومارست اساليب اقتصادية تكون مع العراق والساحل الشرقي لشبة جزيرة العرب - والتى هى امتداد طبيعي له - وحدة اقتصادية متشابهة فى الحاصلات الزراعية والملاحة النهرية والحروب البحرية وفى الغوص لاستخراج اللؤلؤ .
http://al-ahwaz.com/AhwazHistory/images/shakh%20khaz'al.gif
وهذه مظاهر عربية تتباين كليا مع ما فى فارس من اساليب وكيانات اقتصادية ، فالفرس منذ البداية اثبتوا بأنهم بحارة مخفقون ، تعوزهم الخبرة فى شئون البحر وتنقصهم الرغبة فى ركوبه ، ولعل خير تعليل لعجزهم عن ادارة شئون الاساطيل البحرية ما جاء به ( السير برسي سايكس ) - احد المهتمين بدراسة تاريخ فارس - فقد ذكر أن (( ليس هناك شىء يوضح تأثير العوامل الطبيعية على ميول الناس وسلوكهم أحسن من النفور والكره اللذين يظهرهما الفرس دائما للبحر الذى تفصلهم عنه حواجز جبلية شاهقة )) ، فأستخدموا العرب بحارة لأسطولهم وأسندوا لهم قيادته - برغم معرفتهم بعدم شعور العرب لهم بالولاء والاخلاص .
<H4 dir=rtl align=center>ولما جاء العهد البترولي اكد بصورة لا تقبل الشك الوحدة الاقتصادية بين ضفتي شط العرب ، فقد كشف أن الضفتين مثقلتان بكنوز الذهب الاسود ، فى حين تفتقر أراضي ايران كلها له . وهذا ما دفع بالرأسمالين الاوربيين أن يخصوا عربستان بأهتمامهم باعتبارها منطقة خصبة للأستغلال التجاري والصناعي .</H4>
ان العرب فى منطقة حوض نهر كارون يرجع مركزهم الى زمن سحيق . وهم الى يومنا هذا يكونون الأغلبية الساحقة في المنطقة . فالحقيقة الكبرى : هى ان عربستان ( الأحواز ) وطن عربي ، وعروبتها لم تكن وليدة ظرف تاريخي معين ، بل هى أمر يرجع فى اصوله الى جذور الماضي والى طبيعة هذا القطر العربي المغتصب .
لقد تعرض جنوب غربي آسيا – بما فيه عربستان – للسيطرة العثمانية منذ القرن السادس عشر ، وقد نازعتها السيادة الدولة الفارسية ، كما أن الزحف الأوربي بدأ يستهدف المنطقة فأثر ذلك تأثيرا عاما عليها ، الأمر الذى عرضها للتدهور الاجتماعي والسياسي فترة ليست بالقصيرة ، الا ان القرن التاسع عشر شهد بوادر نهضة في المنطقة أدت الى ظهور فكرة القومية العربية – ذات النهج الواضح – التى سرعان ما اصطدمت بفكرتين أخرتين ، وهى :
فكرة الجامعة الأسلامية ، التى عدت عربستان جزءا من الامبراطورية العثمانية .
فكرة القومية الايرانية الحديثة ، التي تغلبت على الفكرة الاولى فقضت على الحكم العربي فى عربستان ( الأحواز ).
ان النزاع العثماني – الفارسي على المنطقة ، يمثل فى الواقع : التصادم بين الفكرتين ، وكان التيار الفارسي اقوى من العثماني ، اذ كان موقف العثمانيين رخوا فى المباحثات ، فى حين كان موقف الفرس صلبا . وبالرغم من تصديق التنازل فى معاهدة أرضروم الثانية ، فان الاحواز بقيت عربية لا تقر بشىء مما وقع . كما أن فارس نفسها أبقت الاستقلال لها ، واعترفت بامارة الحاج جابر بن مرداو الكعبي واولاده من بعده ( أمارة المحمرة ) .
http://al-ahwaz.com/AhwazHistory/images/mashriq%20arabi2.gif
خارطة الاحواز والمشرق العربي
الحقائق الجغرافية
لقد اثبتت التحريات الجيولوجية ان التاريخ الجيولوجي لاراضي كل من عربستان ( الاحواز ) والسهل الروسوبي من العراق متماثل ، فقد تكونا فى وقت ، من طمى وترسبات نهري دجلة والفرات ونهر كارون وتفرعاته ، فأدى ذلك الى ظهور الأراضي الحديثة على جانبي شط العرب ، لذا فان سهول عربستان - وهى تسمية حديثة لما كان يعرف قديما بأسم ( سهول سوسيانا ) - تكونت مكملة لسهل الرسوبي في جنوب العراق ، وهى وثيقة الاتصال معه ، فهناك مسالك برية وآخرى نهرية ، بينهما كانت متوافرة فى الازمنة القديمة كما هى متوافرة فى الوقت الحاضر ، سهلت هذا الانتقال .
http://al-ahwaz.com/AhwazHistory/images/jaber%20ben%20mrdaow.gif
أما العلاقات المكانية الطبيعية ، التي تربط بين عربستان وايران، فتكاد تكون معدومة ، اذ ليست هناك أى علاقة فى التكوين الطبيعي بين سهل عربستان وهضبة ايران الجبلية ، فقد ذكر السير أرنولد ولسن فى مذكراته أن : ( عربستان تختلف عن ايران اختلاف ألمانيا عن اسبانيا ) .
اذ أن ايران عبارة عن هضبة تحيط بها حافات من السلاسل الجبلية الضخمة تفصلها عن جميع جهاتها تقريبا ، ولا سيما القسم المحاذي لعربستان ، فيتكون من عدد من السلاسل المتعاقبة الشاهقة الارتفاع ، التى لاتتضمن ممرات سهلة يمكن اجتيازها ، وكل ما تتضمنه وديان ضيقة لأخوار تنحدر على سفوحها ، يستخدمها الرعاة فى تنقلهم بين الاهالى هذه السفوح وأسفلها ، فالاعتبارات الجغرافية اذا أحذناها بنظر الاعتبار فى تحديد المنطقة - وهى كثيرا ما تكون فواصل طبيعية كالجبال والبحار والانهر والارض - نلاحظ أن عربستان متصلة اتصالا طبيعيا بالوطن العربي ، وتفصلها حواجز طبيعية عن ايران لايمكن اغفالها كعامل مهم فى تحديد التبعية الجغرافية .
وقد عرف منذ القديم ان مدن الاحواز جزء لا يتجزء من الوطن العربي ، ولم ترد تبعيتها لفارس عند اى رحالة جغرافي جاب منطقة حوض الخليج العربي وكتب عنها ، فهي عندهم عربية الطبيعة تماما ، فانها تكون مع القسم الاسفل من بلاد ما بين النهرين وحدة جغرافية اقتصادية شاركت سابقا فى الازدهار السومري والكلداني وهي كانت فى ذلك العهد عيلامية الحضارة ، خضعت بعدئذ للعرب الذين امتد نفوذهم عبر فارس .
اما من حيث المناخ : التي تتشابه فيها مع مناخ الخليج العربي وتتغاير كليا مع ايران ، وتشترك عربستان مع المنطقة العربية بظاهرة المد والجزر التي أثرت تأثيرا عاما فى نواحي الصرف وأساليب الرى ، وبالتالي فى الحاصلات الزراعية ايضا .
الحقائق التاريخية
http://al-ahwaz.com/AhwazHistory/images/SOOS1.jpg
ان عربستان ( الاحواز) فى منطق التاريخ وحكم اللغة - وحتى فى رأى الباحثين الغربيين فيما كتبوه عن المنطقة العربية المغتصبة من الوطن العربي ، فقد ذكر الرحالة البرتغالي بيدرو تاسكيرا Pedro Teiskeira - الذي زار المنطقة سنة 1604م - أن جميع المنطقة الواقعة الى شرق شط العرب كانت تؤلف امارة عربية يحكمها مبارك بن عبد المطلب ( أحد أمراء أمارة المشعشعين العربية < 1589-1616 > والتي كانت عاصمتها مدينة الحويزة احدى مدن الاحواز ) الذى كان مستقلا عن الفرس والاتراك ، وقد دخل فى تحالف عسكري مع الدولة البرتغالية ، التى كانت قد وسعت نفوذها فى الخليج العربي يومئذ . أما الرحالة الايطالي بترو ديلا فالي Pietro Della -Valle الذى زار حوض نهر كارون الى مصبه فى شط العرب - فقد ذكر أن الشيخ منصور ابن مطلب ( أحد أمراء أمارة المشعشعين العربية < 1634 - 1643 > انظر :
Della Valle: The Travel of sig. Pietro Della Valle into East-Indies and Arabia Deserta; Hakluyt Society, 1902
كان يقاوم بقوة محاولة الشاه عباس الاول التدخل فى شئون امارته الداخلية وكان على اتصال دائم مع حكام امارات الخليج العربي والعراق .
<B>
<H4 dir=rtl align=justify>فقد ذكر الرحالة نيبور الذى زار المنطقة سنة 1772 فقد أكد قائلا :( ان العرب هم الذين يمتلكون جميع السواحل البحرية للقسم الشرقي من الخليج العربي ...) ، وأن الفرس لم يتمكنوا قط من أن يكونوا أسياد ساحل البحر ، وقد تحملوا صابرين على مضض أن يبقى هذا الساحل ملكا للعرب .</H4>
</B>
<B>
<H4 dir=rtl align=justify>لقد مرت عربستان (الاحواز) بنفس الادوار التاريخية التي مر الوطن العربي من غزو واحتلال اجنبي طامع استهدف استعمار الاحواز والوطن العربي طمعا بالخيرات الضخمة التى تزخر بها الامة العربية. لهذا يتضح لنا أن تاريخ الاحواز تاريخ متميز يرتبط بوشائج متصلة يتاريخ منطقة حوض الخليج العربي والعالم العربي ، ويغاير بوضوح تاريخ فارس ( ايران ) . أما خضوعها فى فترات متفرقة متباعدة لفارس ، فلا يمكن اعتباره دليلا على تبعية الاحواز ، فالمعروف ان البصرة والجنوب العراقي والبحرين هما ايضا خضعتى فى أوقات مختلفة للسيطرة الفارسية ، فهل يعطي ذلك الحق فى المطالبة بهما ؟ وهل خضوع منطقة لسيطرة اجنبية مهما طالت فترة الغزو والاحتلال والسيطرة يدلل على تبعيتها للدولة الغازية ؟....انه يجب التمييز بين دولة مالكة شرعية ، ودولة غازية مستعمرة تمارس سلطتها بالقوة العسكرية والبطش ، والذى يحدد هذا التمييز رغبة السكان من ناحية ، والدوافع التى حدت بالدولة المسيطرة للغزو ، ومدى المصالح من ناحية أخرى .</H4>
</B>
<B>
<H4 dir=rtl align=justify>لقد حكم العرب فارس قرونا عديدة ، فهل يشكل هذا حقا للعرب فى مطالبتهم بفارس ؟ يصور لنا هذا الاستعراض التاريخي ان عربستان ، خلال تاريخها المتقلب ، استطاعت ان تحتفظ بمقدار كبير من الاستقلال الداخلي ، حتى عند وقوعها تحت السيطرة الاجنبية .</H4>
</B>
<B>
<H4 dir=rtl align=justify>ان عربستان فى عهد الحكم الفارسي - وبأعتراف من الفرس أنفسهم - أرضا عربية يسكنها العرب - فسموها عربستان . ان اصل التسمية مهما اختلفت الآراء فيها ، فهى تشير الى اصل السكان العرب فى الاحواز والذين يؤلفون الغالبية الساحقة (95% من السكان) . واذا استندنا الى التسمية فى الاستدلال على تبعية الاحواز للدولة ، فان فارس هى التى اطلقت على تلك المنطقة اسم عربستان ( انظر كتاب احمد كسروي 35 وهو مؤلف فارسي ) ، ويعترف الفرس أنفسهم بعروبتها ، ويخطئون الشاه اسماعيل الصفوى لأنه اعترف بالحكم العربي فى الاحواز ، برغم عدم ادانتها بالولاء له واستقلالها عنه ، وفسح المجال للعرب ولم يقض عليهم فكانوا سببا للاضطرابات مع الفرس فى جميع الا د وار ، بعد ان ذاقوا طعم الاستقلال والحكم .</H4>
</B>
<B>
<H4 dir=rtl align=center>ان عربستان عربية بتاريخها القديم ووجودها الحديث ، والادعاءات الفارسية لا تستند الى منطق ولا الى قانون ولا الى واقع ، والفرس برغم المركزية التى استعملوها للحيلولة دون اظهار الروابط المشتركة بين سكان ضفتي شط العرب ، فان خطتهم أخفقت . ويضاعف من اخفاقها تلك الوحدة التاريخية والجغرافية لمنطقة شط العرب ، ووحدة اللغة وطريقة التفكير عند سكانها ، فالحقائق التاريخية تؤيد انها قطر عربي ، وتسندها فى ذلك الحقائق الجغرافية ، وهى بهذا عربية تاريخيا وجغرافيا .</H4>
</B>
الحقائق السياسية
<H4 dir=rtl align=center>لو عقدنا مقارنة سياسية عامة فى نظام الحكم بين فارس وعربستان (الأحواز) ، لاتضح لنا عدم وجود تشابه - مهما كان نوعه - بين النظامين ، فأسلوب الحكم فى فارس قائم على الدولة التى رأسها امبراطور او شاه ، اما فى عربستان فالحكم كان قبليا حاله حال الحكم فى امارت الخليج العربي والجزيرة العربية اى حكم عربي فى طبيعته ومنهجه واسلوبه وفكره ومبادئه ..، وعلى رأس القبيلة شيخ يستمد قوته من العصبية القبلية ، لذا فان القبلية تتخذ كل الوسائل التى تضمن التماسك الاجتماعي بين افرادها - وهو النظام الذى كان عليه حكام جزيرة العرب - ولعل النظام القبلي هذا فى عربستان ، هو الذى جعل فارس لا تعترف بها كنظام سياسي قائم بذاته .</H4>
http://al-ahwaz.com/AhwazHistory/images/shakh%20mazaal.gif
أما الادعاء السياسي الفارسي من ان شيوخ عربستان دفعوا ضريبة لها ، فأراه ضعيفا فى استدلاله ، لأنهم دفعوها للدولة العثمانية ايضا . أما قبول شيوخ عربستان ( الأحواز ) اعلان الولاء الرمزي لفارس بعد معاهدة أرضروم الثانية ، فكان لحمايتهم بعد ان تخلت الدولة العثمانية عنهم ، ولان قبول الولاء هذا كان يمثل أهون الشرين . والواقع ان فارس لم تمارس سيادتها الكاملة على عربستان حتى احتلالها العسكري سنة 1925 م ، وتحويلها الى ولاية عاشرة لايران . ولاسكات العرب عن مطالبتهم بها حاولت ان تسبق الحوادث ، فأعلنت ضمها جزر البحرين الى ممتلكاتها . فهذه المنطقة يتكلم سكانه اللغة العربية ، وهناك شط العرب - ذلك اللسان المائي - الذى يفسر نفسه ، فهو عنوان عربي ، وقد أقرت تسميته فارس نفسها ، ولم تغير اسمه حتى على خرائطها السياسية - بالرغم من اصرارها على تسمية الخليج العربي بالفارسي - وكل البقاع التي ضفافه كانت ولاتزال مساكن للعرب ، فهي عربية باللغة والعادات والتقاليد والملامح واسلوب الحياة ، فهذه المنطقة وحدة سياسية وجغرافية وتاريخية واحدة .
الحقائق الاقتصادية
فى ظل الحقائق العلمية المتعلقة بالصفاتالطوبوغرافية ، وبالنسبة لأثر العامل الهيدرولوجي ، والعامل المناخي - التى انعكست آثارها جميعا فى التوزيع الاقليمي بين عربستان وايران - نجد أن هناك تباينا واضحا بين الغطاء النباتي الطبيعي بصورة عامة ، والانتاج الزراعي بصفة خاصة بينهما . وكان لنظام المد والجزر تأثير كبير على تكوين تربة الاقليم ونباته ، وبالتالي على الزراعة فيه . اذ ان انغمار الاراضي المجاورة لشط العرب بمياه المد أدى الى تكوين السهول الطينية التي اصبحت تغطي مساحات واسعة من هذا النطاق السهلي . كما ان لحركات المد والجزر أهمية خاصة فى الاحواز، لانها تروى زروعه فى اوقات المد ، وتصرف مياهه الزائدة فى اوقات الجزر ، فأثر تأثيرا حاصا فى نواحي الرى والصرف المتعلقة بالزراعة ، وهذا ما ليس له وجود فى هضبة ايران الجبلية ، ولكنه من المعالم الطبيعية الواضحة فى المشرق العربي . فأراضيهما السهلية الوافرة الخصوبة الغنية بالمياه ، كونت منهما وحدة اقتصادية زراعية ونباتية وحيوانية ، من اهم مظاهرها ذلك النطاق الكثيف من غابات النخيل الذي يمتد على ضفتي شط العرب ، والذى تنفرد به عربستان عن باقي ايران ، بيد انه امتداد طبيعي لأشجار النخيل فى العراق . والانتقال بين سهول عربستان (الاحواز) وسهل العراق ميسورا جدا يجري عن طريق شط العرب وهور الحويزة ببعض أنواع من القوارب ، والى جانب ذلك ، هناك مسالك برية كثيرة مفتوحة بينهما ، الا انه يكاد يكون مغلقا مع ايران . فأثر ذلك تأثيرا بينا على تبادل السلع التجارية بين عربستان والعراق ، فكانت - قبل بناء المحمرة سنة 1812 م - تعتمد فى تصدير منتجاتها على ميناء البصرة ، اذ تجمع البضائع من المدن الداخلية فيها ، وتخزن فى مخازن كبيرة فى مدينة الاحواز ثم تنقل الى البصرة حيث تتم عملية التصدير . اما واردات عبادان فقد كان جزء منها موردا ثابتا لخزينة البصرة ، فعند ما زارها ( ابن بطوطة) كان ما تدفعه لها قرابة اربعمائة وواحد واربعين الف دينارا . كما ان عربستان ( الاحواز ) قد ساهمت مساهمة فعالة فى اسباب المهارة فى الملاحة العربية واتساع الميادين التجارية ، ومارست اساليب اقتصادية تكون مع العراق والساحل الشرقي لشبة جزيرة العرب - والتى هى امتداد طبيعي له - وحدة اقتصادية متشابهة فى الحاصلات الزراعية والملاحة النهرية والحروب البحرية وفى الغوص لاستخراج اللؤلؤ .
http://al-ahwaz.com/AhwazHistory/images/shakh%20khaz'al.gif
وهذه مظاهر عربية تتباين كليا مع ما فى فارس من اساليب وكيانات اقتصادية ، فالفرس منذ البداية اثبتوا بأنهم بحارة مخفقون ، تعوزهم الخبرة فى شئون البحر وتنقصهم الرغبة فى ركوبه ، ولعل خير تعليل لعجزهم عن ادارة شئون الاساطيل البحرية ما جاء به ( السير برسي سايكس ) - احد المهتمين بدراسة تاريخ فارس - فقد ذكر أن (( ليس هناك شىء يوضح تأثير العوامل الطبيعية على ميول الناس وسلوكهم أحسن من النفور والكره اللذين يظهرهما الفرس دائما للبحر الذى تفصلهم عنه حواجز جبلية شاهقة )) ، فأستخدموا العرب بحارة لأسطولهم وأسندوا لهم قيادته - برغم معرفتهم بعدم شعور العرب لهم بالولاء والاخلاص .
<H4 dir=rtl align=center>ولما جاء العهد البترولي اكد بصورة لا تقبل الشك الوحدة الاقتصادية بين ضفتي شط العرب ، فقد كشف أن الضفتين مثقلتان بكنوز الذهب الاسود ، فى حين تفتقر أراضي ايران كلها له . وهذا ما دفع بالرأسمالين الاوربيين أن يخصوا عربستان بأهتمامهم باعتبارها منطقة خصبة للأستغلال التجاري والصناعي .</H4>