المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كتاب الطهاره



الفتى الحيران
02-05-2005, 10:12 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

قال الإمام المصنف الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-:

الحمد لله على نعمه الظاهرة والباطنة قديما وحديثا، والصلاة والسلام على نبيه ورسوله محمد وآله وصحبه الذين صاروا في نصرة دينه سيرا حثيثا، وعلى أتباعهم الذين ورثوا علمهم والعلماء ورثة الأنبياء أكرم بهم وارثا وموروثا،

أما بعد:

فهذا مختصر في الشرح على أصول الحديثية التكليفية للأحكام الشرعية، حررته تحريرا بالغا؛ ليصير لمن يحفظه من بين أقرانه نابغا، ويستعين به الطالب المبتدئ، ولا يستغني عنه الراغب المنتهي، وقد بينت عقب كل حديث من أخرجه من الأئمة؛ لإرادة نصح الأمة فالمراد بالسبعة: "أحمد، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه " وبالستة ": من عدا أحمد " وبالخمسة: " من عدا البخاري ومسلم "، وقد أقول: الأربعة وأحمد وبالأربعة: "ما عدا الثلاثة الأول" وبالثلاثة: ما عداهم وعدا الأخير وبالمتفق عليه: البخاري ومسلم، وقد لا أكتب معهما غيرهما، وما عدا ذلك فهو مبين وسميته: "بلوغ المرام من أدلة الأحكام " والله أسأل أن لا يجعل ما علمنا علينا وبالا، وأن يرزقنا العمل بما يرضيه -سبحانه وتعالى- .


-سبحانه وتعالى-



هذه الخطبة لهذا الكتاب العظيم "كتاب بلوغ المرام من أدلة الأحكام" اشتملت على مقاصد:

الأول: الثناء على الله -جل وعلا- وحمده -سبحانه وتعالى-، وقد رأيت أنه لم يبتدئها بما يسميه العلماء بخطبة الحاجة؛ وذلك أن أهل العلم يجعلون خطبة الحاجة في الخطب الكلامية، وأما في المكتوب فعندهم أنه يشرع أن يثنى على الله -جل وعلا- بما هو مناسب للحال، والنبي -عليه الصلاة والسلام- في كتبه التي أرسلها إلى أهل الأمصار، وفي كتاب الصدقات -أيضا- لم يبتدئها بما يسمى خطبة الحاجة؛ فخطبة الحاجة مشروعة في الخطب الكلامية، وأما المكتوب فإن سنة أهل العلم فيه أن يحمد الله -جل وعلا- بما يتيسر إن كان بما يسمى بخطبة الحاجة "الحمد لله نحمده ونستعينه..." إلخ كما هي معروفة في رواية ابن مسعود، أو بما يتيسر له من الثناء على الله -جل وعلا-.


والحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- وهو من أئمة أهل الحديث في زمانه، ومن حفاظه ابتدأها بما يناسب الحال من الثناء على الله -جل وعلا- وحمده على نعمه الظاهرة والباطنة، القديمة والحديثة.



والمقصد الثاني في هذه الخطبة: أنه ذكر فضل صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وفضل أتباعهم والتابعين لهم بأنهم ورثوا العلم، والعلماء ورثة الأنبياء، أكرم بهم وارثا وموروثا.


وهذا فيه تحريك للنفوس لنيل أعلى المراتب، وهو أن تكون وارثا للمصطفى -صلى الله عليه وسلم-، وأكرم به وارثا وموروثا، أكرم بهم وارثا، وأكرم بالعلم موروثا، ورثوه عن المصطفى -صلى الله عليه وسلم-؛ ولهذا قال -عليه الصلاة والسلام-: http://www.taimiah.org/MEDIA/H2.GIF العلماء ورثة الأنبياء، فإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر (http://<font%20color=/)http://www.taimiah.org/MEDIA/H1.GIF .



المقصد الثالث: ذكر أن كتابه هذا مختصر يشتمل على أصول الأدلة الحديثية للأحكام الشرعية، وذكر أنه حرره تحريرا بالغا؛ ليصير من يحفظه بين أقرانه نابغا، وهذا موافق للحقيقة، وبر فيه الحافظ شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني -رحمه الله- فلقد اختصره، وهذا يقتضي أن يكون استفاد من غيره من الكتب، والكتب المؤلفة في الأحكام يعني في أحاديث الأحكام كثيرة، ومن أشهرها: "عمدة الأحكام"، و "منتقى الأخبار" للمجد ابن تيمية، و"الإلمام" لابن دقيق العيد، و"المحرر" للحافظ شمس الدين بن عبد الهادي، و"بلوغ المرام" الذي نحن بصدد شرحه.


والعلماء بعد ابن دقيق العيد استفادوا منه كثيرا، فأكثر ما يستفيد العلماء في الكتب المختصرة في متون الأحاديث، أحاديث الأحكام من كتاب ابن دقيق العيد الذي هو "الإلمام"، وقد اختصره واستفاد منه، وقد رد بعضهم هذا شمس الدين بن عبد الهادي في كتابه "المحرر" فحينئذ تعلم أن مصادر الحافظ ابن حجر في كتابه هذا: العمدة عمدة الأحكام، و"منتقى الأخبار والإلمام" لابن دقيق العيد، و"المحرر" لابن عبد الهادي، وقلما يخرج عن هذه إلى غيرها مما يحرره هو ويستفيده ويقرره.

المقصد الأخير: ذكر مصطلحه فيه، وأنه عنى بالسبعة "الإمام أحمد وأصحاب الكتب الستة البخاري ومسلم، وأبي داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه، وهذا المصطلح السبعة الستة الخمسة الأربعة الثلاثة: هذا اصطلاح ليس متفقا عليه، وليس سنة ماضية بين أهل العلم، لكنه انتشر وصف كتب الحديث البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه بالكتب الستة؛ لأنه أدخلت في بعض التصانيف، وإلا فقد تجد من لا يسمي هذه الكتب بالستة، فقد يقتصر على الخمسة دون ابن ماجه، كما فعل ابن الأثير في "جامع الأصول" على ما هو معروف عند أهل الاختصاص في مواطنه، فإذن هذه الكلمات السبعة، والستة... إلى آخره هذه إلى حين.


وطالب العلم ينتبه إلى أنه قد يكون هذا التخريج الذي عُزي لهذه الكتب، للستة أو للسبعة أو للخمسة قد يكون في رواية موجودة بين أيدينا، وقد يكون في رواية ليست بأيدينا، وهذا يعني أن تتثبت كثيرا حينما تخرج الحديث الذي ذكره الحافظ في بلوغ المرام؛ فإن من الأحاديث ما قد يظن الظان أنه لم يخرج في هذا الكتاب الذي عزاه إليه الحافظ ابن حجر، وإذا تتبع الناظر وجد أن لعزو الحافظ أسبابا منها ما ذكرته لك من أنه يكون في رواية غير الرواية التي بأيدينا مثلا: يكون في رواية للبخاري ليست في رواية الفربري ويكون في رواية أخرى كرواية حماد بن شاكر أو نحو ذلك.

وقد يكون في مخرج لرواية الفربري غير المخرج المعروف، وقد يكون في نسخه لأبي داود غير الرواية المعروفة؛ فإن أبا داود لكتابه عدة روايات، فرواية اللؤلؤي هي المشتهرة المعروفة بين أيدينا، ولها -أيضا- عدة أوجه ونسخ.

وهناك رواية ابن داسة التي اعتمدها الخطَّابي في شرحه "معالم السنن"، والتي رواها من طريق ابن داسة البيهقي في السنن الكبرى، يعني: يرويه السنن من طريق ابن داسة، وهناك روايات أخر للسنن غير ما ذكرنا، وهكذا في الترمذي فإن نسخه تختلف اختلافا كثيرا في الزيادة وفي النقص، سواء في الأحاديث، أو في الحكم على الأحاديث بالصحة، أو بكونه حسنا صحيحا، أو بكونه حسنا إلى آخر ذلك.

ثم كذلك سنن النسائي تارة يطلق العزو ويراد به الكبرى، وتارة يطلق العزو ويراد به المجتبى، وهكذا في ابن ماجه فإن نسخه -أيضا- مختلفة، ومسند الإمام أحمد بخصوصه النسخة الموجودة بين أيدينا المطبوعة، هذه نسخة ناقصة؛ أحيانا مسانيد لبعض الصحابة كاملة لا تكون موجودة، وأحيانا بعض الأحاديث؛ لهذا نرى أن ابن تيمية وابن كثير وابن حجر تارة يعزون أحاديث لا نجدها في هذا المسند الذي بين أيدينا.

وهذا المسند الذي بين أيدينا لجمعه قصة معروفة عند أهل العلم، وهو أن الحافظ مسند زمانه عبد الله بن سالم البصري ثم المكي المعروف خاف على مسند أحمد من الاندثار، وذهاب نسخه فاجتهد في جمعها على ما يعلم، فجمع القطع التي بأيدي الناس، وراسل العلماء حتى اجتمعت عنده نسخة فجمعها ورتبها على ما يعلم من ترتيب مسند الإمام أحمد، فخرجت على هذا النحو، ثم نسخ منها نسخا وفرقها في الأمصار؛ حفاظا على هذا المسند العظيم، وعن أحد هذه النسخ طبع مسند الإمام أحمد في طبعته المعروفة.

والناظر في فهرس مسند الإمام أحمد الذي جعله له الحافظ ابن عساكر، وهو في القرن السادس الهجري ينظر أن ثمة مسانيد فيه ليست موجودة في مسند الإمام أحمد الموجود، وثمة أحاديث بالجزم عزاها إلى مسند أحمد ابن تيمية أو ابن كثير أو ابن حجر وليست موجودة في هذا الذي بين أيدينا.

هذا العرض المختصر سواء لهذه الكتب السبعة أو لغيرها يجب معه أن يكون طالب العلم متحريا كثيرا فيما ينتقد به العلماء في تخاريجهم، وخاصة في حفاظ الحديث، والأئمة الذين عنهم أخذ التخريج وهم الحفظة الكملة في ذلك، فلا يتجاسر أحد على توهيم الحافظ ابن حجر، أو على توهيم غيره من الأئمة إلا بدليل قاطع واضح من عالم راسخ في تخريج الحديث، وفي معرفته هذا أحد الأسباب.

والسبب الثاني: أن الحافظ ابن حجر قد يخرج الحديث ويعزوه -الحديث- إلى أكثر من مصدر، وهو يعني أصل الحديث فيكون الحديث في بعض المصادر مفصلا وفي بعضها مختصرا، فيعزو المختصر وينسبه للجميع، فيذكر المختصر (لفظ المختصر) وينسبه للجميع؛ لأجل رعاية الأصل، وهذا من السنة المعروفة عند أهل العلم في أنهم يصححون العزو، ويقصدون بذلك أصل الحديث.

أيضا قد يعزو الحافظ ابن حجر إلى بعض الكتب بلفظ وينظر إلى المخرج إلى أنه ليس في الكتاب بهذا اللفظ، وهذا يكون له سبب ثالث وهو أن الكتاب الذي عزاه إليه كمسلم -مثلا- أو البخاري أو سنن أبي داود أو غير ذلك يكون قد ذكر فيه الإسناد دون المتن، ومعلوم أن البخاري يورد أسانيد دون متونها في الشواهد، ويورد كذلك مسلم أسانيد كثيرة ويقول في آخرها بمثله سواء بنحوه أو نحو ذلك ولا يذكر المتن.

وكذلك قد يفعل أبو داود والترمذي وجميع من صنف في الحديث، فيكون العالم يعلم أن هذا الإسناد متنه هو كذا كذا، وهو موجود في سنن الدارقطني، أو موجود في سنن البيهقي، أو موجود في مسند ابن الجارود، أو موجود في مستخرج أبي عوانة، ونحو ذلك، فيقول: هذا المتن يقول: رواه مسلم، أو رواه أبو داود، وهو لم يذكر -أعني: مسلما أو أبا داود- لم يذكر اللفظ، وإنما ساق الإسناد، فيأتي من يتعقب الحافظ ابن حجر، أو يتعقب الأئمة فيقول: هذا لم يروه مسلم، وإنما رواه بلفظ كذا وكذا، لم يروه البخاري، لم يروه أبو داود، وهكذا في أنواع من تعقب الأئمة، وقد لا يكون تعقب من تعقب صحيحا لهذه الأسباب أو بعضها، ومن أهمها: أنه يذكر اللفظ، وصدق من قال: إنه ليس في مسلم، ولكن في مسلم الإسناد الذي يعلم الحافظ للحديث ويعلم من يعتني بالمتون والأسانيد يعلم أن متن هذا الإسناد هو كذا وكذا مما هو موجود في سنن النسائي -مثلا- أو في الدارقطني، أو في البيهقي، أو في ابن الجارود، أو عند الحاكم، أو ابن حبان أو ابن خزيمة... إلخ.

فإذا ذكر مسلم إسنادا ولم يذكر المتن فإنه يقال: إنه رواه؛ لأنه روى الإسناد، وقال بمثله ولكنه اختصارا لم يذكر المتون، وهذه فائدة مهمة وعزيزة ينبغي لك أن تعتني بها جدا؛ ولهذا اعتنى العلماء بالمستخرجات التي فكت هذا الاختصار وذكرت ما اختصره مسلم، أو اختصره البخاري ونحو ذلك من المسائل؛ لهذا ينبغي لك أن تعتمد ما ذكره الحافظ من التخريج، وألا تتعقبه في شيء من ذلك، وألا تلتفت -أيضا- لتعقب من تعقب في التخريج حتى يكون ثم برهان بيّن بعد رعاية هذه الأشياء التي ذكرت لك، ورعاية غير هذه الأشياء مما قد يطول المقام بتفصيله في أصول التخريج ومقاصد العلماء، أعني: أئمة الحديث في عزوهم للأحاديث.

ومما يعظم عندك هذا الكتاب كتاب "بلوغ المرام" أنه من تأليف خاتمة الحفاظ، من أجمع على الثناء عليه من جميع الفئات والطوائف، وعلى حسن تصانيفه وعلى دقته في بحثه، وعلى نزاهته فيه -أيضا- ألا وهو الحافظ العلم شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المصري، المولود سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، والمتوفى سنة اثنين وخمسين وثمانمائة -رحمه الله تعالى، وجزاه عن أهل العلم خيرا-.

بلوغ المرام كتاب قد يطول الكلام عليه جدا؛ لأن شرح الحديث كما تعلمون قد يكون مبسوطا، وقد يكون مختصرا، فالمعلم بيده بسط الكلام، أو اختصار الكلام على الأحاديث، والذي رأيت أنه مناسب، وأرجو أن يكون -إن شاء الله تعالى- مناسبا ونافعا لي ولكم أن يكون شرحنا مختصرا، وقدرت أن يكون ختم شرح "بلوغ المرام" في مائة يوم، وهذه الدورة قد تبلغ ثمانية عشر يوما؛ ولهذا قد نشرح فيها نحو -يعني- ما بين المائتين إلى الثلاثمائة بحسب النشاط وعدم ما يقطع اتصال الدرس، الشرح سيكون سهلا ممتنعا مختصرا لكن أرجو أن يكون مفيدا بحيث إنه يرتب الكلام في شرح كل حديث على مقاصد أو على مسائل.

فنذكر:

أولا: المعنى الإجمالي للحديث.
وثانيا: لغة الحديث.
وثالثا: درجة الحديث يعني من حيث الصحة والحسن والضعف، وقد أبين بعض العلل أو النقد على الأسانيد على قلة.
<LI>وأخيرا: فوائد الحديث أو من أحكام الحديث، وفي كل حديث -إن شاء الله تعالى- نرتبه على هذه المسائل الأربعة، وسنمر مرورا سريعا -إن شاء الله تعالى-، فأسأل الله -جل وعلا- أن يوفقني لنفعكم ونفع نفسي، وأن يوفقكم -أيضا- لتلقي ذلك ومباحثته وفهمه ودرسه، إنه سبحانه جواد كريم ابدأ.