المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أحـــدب نــوتـــردام ........ !



salem 86
08-05-2005, 06:07 AM
كنت أقرأ مساء هذا اليوم في كتاب مختارات المنفلوطي لفتت نظري قصة أوردها الكاتب لإمرأة ماتت في مصر جوعاً إلى هنا والموضوع قد يبدو طبيعيا للبعض وليس فريدا أو غريباً ملفتاً للنظر بعد أن ملأت أخبار المجاعات صحف العالم ووسائل الإعلام , ولكن المنفلوطي لم تكن هذه نظرته أبداً , لقد توقف كثيرا أمام هذه القصة وهالني تناوله لمعانيها وكيف أن هذه المرأة المسكينة لم تجد كسرة خبز واحدة تسد بها رمقها وتمنح عروقها حياة ! , أين القلوب الرحيمة أين المدعين أين الراكعين والساجدين هل ضاقت الدنيا وخيرات الأرض علىهذه المسكينه وغيرها يلقي بمعظم طعامه في القمامة بطراً وينفق على إطعام كلبه ما يكفي لإطعام عشرة من أمثال هذه الحزينة .

كم من موقف مر على عقولنا الجامدة ولم نعتبر , بعد أن قرأت ذلك أجهدت ذاكرتي في محاولة تذكر موقف مشابه فتوقف جهدي وخيالي عند ذلك الإنسان المعاق , كان يسمى ذلك الإنسان بالأحدب ومن قرأ رواية فيكتور هوجو الشهيرة أحدب نوتردام وشاهد المسلسل السوري المأخوذ عنها يفهم قصدي فهو يعاني من تقوس واضح في الظهر وإعاقة جسميه تتمثل في صعوبة المشي وهزل شديد في الجسم وقصر واضح في الطول .

ولكنه كان مرحاً جدا وكان يرد علي التحية ويمازح الناس في الطريق , كنت أنظر إلى حاله وأستغرب كيف يستطيع ذلك وهو فوق ذلك فقير شبه معدم ,إلى أن حانت لحظة إنهار فيها هذا الإنسان وفقد الإبتسامة وروح الحياة , كان يمشي كعادته بصعوبة وكنت أمر في نفس طريقه بإتجاه معاكس وأراقبه فلاحظت شيئاً غير طبيعيا على وجهه جعلني أدقق النظر بإتجاهه .

فلا أبالغ إن قلت أنه يصارع ولا يمشي ولو أنه كان طبيعيا لإشتبهت في أنه يعاني من حالة سكر فكان يترنح ويسحب أقدامه المتثاقلة في بطء شديد وفجأة زلت قدماه وسقط فإتجهت نحوه أعاونه على القيام فوقف بعد جهد وإتكأ بكتفه على الجدار ومال عليه بصدره وإنتظرت أن يشكرني أو يحييني ولكن لم تكن لا هذه ولا تلك لقد ظل ينظر إلى الأرض بعينيه نظرة حزينة يدافع دمعة ترقرقت في عينيه وسكن برهة ولم يرفع رأسه , وكأني به يخاطب هذه الأرض بأن تنشق وتبتلعه وتريحه من هذه الدنيا وعذابها ثم تحرك صامتاً ومضى في طريقه .

لم أستطع ان أنسى هذه النظرة أبداً , لقد جمع هموم الدنيا كلها في عينيه , لقد أصبح يكره الناس بعد أن كان يحبهم ولم يكن يحبهم إلا لتصدقهم عليه بتراب النقود , لقد مل من كونه عالةً معوزاً وهو يرى الآخرين يرفلون بالنعيم والصحة , لقد حرم هذا الإنسان وإبتلي في كل شيء , العجز والمال والحياة والزوجة والأولاد وربما تبرأ منه أهله حين ولادته , لقد ظل صخرة على شاطيء الحياة تضربها الأمواج إلى أن تكسرت .

تمنيت أن أراه بعد هذا اليوم ولكني لم أره أبداً ....

salem 86