شايف
19-05-2005, 11:43 PM
بطــــــــــــــــــــــــــــــــــلان
اشتراط إذن الإمام ووجود الراية في قتال الكفار
والمقصود أنه لا يشترط لصحة جهاد الدفع أي شرط :
لا وجود إمام، ولا وجود راية، ولا قصد إعلاء كلمة الله ، ولا فتوى عالم،
ولا وحدة الصف، ولا وجود القوة،ولا ترجح النصر،
وهذا لا ينافي وجوب أن يقاتل المجاهدون صفاً واحداً تحت قيادة واحدة،
فإن تعذر ذلك لم يبطل الجهاد ولم يتعطل، والله _تعالى_ أعلم أحكم.
د. حاكم المطيري
المدرس بقسم التفسير والحديث في كلية الشريعة بجامعة الكويت
مقدمة:
انتشر بين الناس في هذه الأيام فتاوى كثيرة في الجهاد، ممن ينسبون إلى العلم، يقولون فيها بأن الجهاد في
العراق أو فلسطين، أو غيرها من البلاد التي احتلها الكفار، يشترط فيه إذن الإمام ووجود الراية،
وكان ممن عرض هذه المسألة عرضاً علمياً مؤصلاً الدكتور حاكم بن عبيسان المطيري
(المدرس بقسم التفسير والحديث في كلية الشريعة بجامعة الكويت) ،
وذلك في إجابة له على السؤال التالي:
السؤال:
فضيلة الشيخ، هناك من يقول بأنه لا جهاد
إلا بوجود إمام وراية، وأن ما سوى ذلك فهو قتال فتنة، لا يعد من قتل فيه شهيداً،
وأنه يحرم قتال العدو إذا احتل أرضاً للمسلمين إذا لم يكن للمسلمين به طاقة،
فما رأيكم في صحة هذا الأقوال وفق أصول الشريعة وأقوال فقهائها ؟
الجواب :
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبيه الأمين وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
هذا القول لا أصل له بإجماع الأئمة وسلف الأمة،
بل هو قول ظاهر البطلان مصادم للنصوص القطعية والأصول الشرعية والقواعد الفقهية،
ومن ذلك:
النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي تأمر بالجهاد في سبيل الله ليس فيها اشتراط شيء من ذلك،
بل هي عامة مطلقة والخطاب فيها لعموم أهل الإيمان والإسلام، كما في قوله _تعالى_
: " وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ" (البقرة: من الآية190).
وقوله _عز وجل_:
" إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ" (التوبة: من الآية111).
وكما في قوله _صلى الله عليه وسلم_:
"جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم".
الى ان قال :
جهاد الدفع عن أرض المسلمين:
فالأمر فيه أوضح وأجلى إذ لا يشترط له أي شرط إطلاقاً، بل على كل أحد الدفع بما استطاع،
فلا يستأذن الولد والده، ولا الزوجة زوجها، ولا الغريم غريمه، وكل هؤلاء أحق بالإذن والطاعة من الإمام،
ومع ذلك سقط حقهم في هذه الحال؛ إذ الجهاد فرض عين على الجميع فلا يشترط له إذن إمام فضلاً عن وجوده.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (الفتاوى المصرية 4 / 508) :
" أما قتال الدفع عن الحرمة والدين فواجب إجماعاً، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا
لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه،
فلا يشترط له شرط، بل يدفع بحسب الإمكان
" وقال أيضاً : " وإذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب،
إذ بلاد الإسلام بمنزلة البلدة الواحدة، وأنه يجب النفير إليها بلا إذن والد ولا غريم ".
وقال ابن حزم في (المحلى 7 / 292) :
" إلا أن ينزل العدو بقوم من المسلمين ففرض على كل من يمكنه إعانتهم أن يقصدهم مغيثاً لهم ".
وقال الجصاص في أحكامه (4 / 312) :
" معلوم في اعتقاد جميع المسلمين أنه إذا خاف أهل الثغور من العدو، ولم تكن فيهم مقاومة فخافوا على بلادهم وأنفسهم وذراريهم،
أن الفرض على كافة الأمة أن ينفر إليهم من يكف عاديتهم عن المسلمين، وهذا لا خلاف فيه بين الأمة ".
وقال الخطيب الشربيني الشافعي في (الإقناع 2 / 510) :
" الحال الثاني من حال الكفار أن يدخلوا بلدة لنا فيلزم أهلها الدفع بالممكن منهم، ويكون الجهاد حينئذ فرض عين".
وهذا هو معنى كونه فرض عين، فلو كان يشترط له شروط صحة، كوجود إمام أو إذنه
لما كان فرض عين في حال هجوم العدو على المسلمين، وهو ما لم يقل به أحد من علماء الأمة؛
ولذا قال الماوردي : " فرض الجهاد على الكفاية يتولاه الإمام ما لم يتعين " .
كتب الفقهاء
قد نصت في كتاب الجهاد على شروط وجوبه، وعلى من يجب ومتى يتعين،
وليس فيها نص على اشتراط وجود الإمام أو وجود الراية،
وقد ثبت في الحديث الصحيح
" ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله، من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فهو باطل" ،
و قد قال العلامة عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب في بيان بطلان هذا الشرط :
" بأي كتاب أم بأي حجة أن الجهاد لا يجب إلا مع إمام متبع ؟
هذا من الفرية في الدين والعدول عن سبيل المؤمنين،
والأدلة على بطلان هذا القول أشهر من أن تذكر،
من ذلك عموم الأمر بالجهاد والترغيب فيه والوعيد في تركه "
(الدرر السنية 7/ 97).
وقال صديق حسن خان في (الروضة الندية صفحة 333) عن الجهاد :
" هذه فريضة من فرائض الدين، أوجبها الله على عباده من المسلمين، من غير تقيد بزمان أو مكان أو شخص أو عدل أو جور ".
فالجهاد ماض إلى قيام الساعة، سواء وجد إمام أو لم يوجد، وسواء وجدت هناك راية أو لم توجد.
وقد استدل شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم كما في الزاد (3 / 309)،
وعبد الرحمن بن حسن وغيرهم من الأئمة،
بقصة أبي بصير _رضي الله عنه_ وجهاده المشركين بمن معه من المؤمنين،
وقطعهم الطريق عليهم، حتى قال النبي _صلى الله عليه وسلم_ في شأنه:
" ويل أمه مسعر حرب لو كان معه رجال"،
ولم يكن أبو بصير _رضي الله عنه_ تحت ولاية النبي _صلى الله عليه وسلم_ ولا في دار الإسلام، ولم يكن إماماً،
ولم تكن معه راية، بل كان يُغِيرُ على المشركين ويقاتلهم ويغنم منهم واستقل بحربهم،
ومع ذلك أقره النبي _صلى الله عليه وسلم_ وأثنى عليه، قال عبد الرحمن بن حسن كما في (الدرر السنية 7 / 97)
مستدلاً بهذه القصة : " فهل قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أخطأتم في قتال قريش؛
لأنكم لستم مع إمام؟!! سبحان الله ما أعظم مضرة الجهل على أهله !!" انتهى .
إقامة الإمام حكم واجب كوجوب إقامة الجهاد،
فيجب على المجاهدين أن يقيموا إماماً منهم إن لم يكن هناك إمام عام،
وليس وجود الإمام شرطاً في وجود الجهاد، بل العكس هو الصحيح،
إذ إقامة الجهاد شرط لصحة إمامة الإمام، فلا إمام بلا جهاد، لا أنه لا جهاد بلا إمام،
كما قال العلامة عبد الرحمن بن حسن : " كل من قام بالجهاد في سبيل الله فقد أطاع الله، وأدى ما فرضه الله،
ولا يكون الإمام إماماً إلا بالجهاد، لا أنه لا يكون جهاد إلا بإمام " (الدرر السنية 7 / 97 ).
ومعلوم أن أول واجبات الإمام حماية بيضة المسلمين وإقامة الدين،
فإن كان عاجزاً عن الجهاد وحماية الأمة والملة، فقد خرج عن أن يكون إماماً،
بل صار وجوده وعدمه سواء، فإن حال بين المسلمين والدفع عن أنفسهم وأرضهم وحرماتهم،
كان عدمه خيراً من وجوده وبطلت إمامته شرعاً؛ إذ لم يتحقق المقصود من إقامته،
وقد جاء في الصحيح : "إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به"،
فيجب إقامة الإمام ليكون جنة ووقاية يحمي الأمة ويحفظها، وتقاتل الأمة من ورائه،
فإن صار جنة للعدو لم يكن قطعاً إماماً للمسلمين في حكم الشارع، وإن كان إماماً بحكم الأمر الواقع،
قال الشوكاني في (وبل الغمام) :
" ملاك أمر الإمامة وأعظم شروطها وأجل أركانها، أن يكون قادراً على تأمين السبل وإنصاف المظلومين من الظالمين،
ومتمكناً من الدفع عن المسلمين إذا دهمهم أمر يخافونه، كجيش كافر أو باغ،
فإذا كان السلطان بهذه المثابة فهو السلطان الذي أوجب الله طاعته وحرم مخالفته،
بل هذا الأمر هو الذي شرع الله له نصب الأئمة، وجعل ذلك من أعظم مهمات الدين "
(إكليل الكرامة لصديق خان 114- 115) .
قتال الفتنة
هو القتال الذي يقع بين المسلمين لعصبية جاهلية، أو قتال على ملك وسلطان ونحو ذلك،
فهذا هو قتال الفتنة الذي يحرم الدخول فيه، بل يجب فيه السعي في إصلاح ذات بينهم،
فإن فاءت إحدى الطائفتين وجب قتال من لم تفيء، حتى تفيء إلى أمر الله.
أما قتال العدو الكافر إذا دهم أرض المسلمين فليس قتاله قتال فتنة،
ولم يقل هذا القول أحد من علماء سلف الأمة، بل الفتنة هي في تركه وعدم مدافعته،
بل ليس بعد الشرك بالله أعظم من الصد عن قتال المشركين.
قال ابن حزم في (المحلى 7 / 300) :
" ولا إثم بعد الكفر أعظم من إثم من نهى عن جهاد الكفار، وأمر بإسلام حريم المسلمين إليهم ".
كما لا شيء أوجب بعد الإيمان بالله من دفع العدو عن أرض الإسلام،
كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية _رحمه الله تعالى_ .
حديث الطائفة المنصورة
الوارد في الصحيح "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم " وفي رواية " يقاتلون " المراد به المجاهدون، وقد سئل الإمام أحمد كما في (مسائل ابن هانئ 2 / 192)، عن هذه الطائفة المنصورة، فقال : "هم الذين يقاتلون الروم كل من قاتل المشركين فهو على الحق"ا.هـ.
ومعلوم أن الطائفة بعض الأمة وليست كل الأمة، وظهورهم وجهادهم دون الأمة ودون الإمام، إذ لو كان الإمام معهم لكانت الأمة معهم تبعا للإمام، ولما كان حينئذ لهذه الطائفة خصوصية دون الأمة، فدل الحديث بدلالة الإشارة على مشروعية جهاد الطائفة من المسلمين للمشركين، ولو خذلتهم الأمة كلها، ولو لم ينصرهم الإمام، ولو كان يشترط لصحة الجهاد وجود الإمام أو إذنه لما جاز قتال هذه الطائفة المنصورة، ولما خصها الله بهذا الفضل العظيم دون سائر الأمة.
ولا يشترط كذلك تأهيل لقتال أو توافر إمكانات أو ظن تحقيق نصر.
قال الخطيب الشربيني الشافعي في (الإقناع 2 / 510) :
" الحال الثاني من حال الكفار أن يدخلوا بلدة لنا فيلزم أهلها الدفع بالممكن منهم، ويكون الجهاد حينئذ فرض عين
سواء أمكن تأهيلهم لقتال أم لم يمكن، ومن هو دون مسافة القصر من البلدة التي دخلها الكفار حكمه كأهلها،
وإن كان في أهلها كفاية؛ لأنه كالحاضر معهم، فيجب على كل من ذكر حتى على فقير وولد ومدين ورقيق بلا إذن،
ويلزم الذين على مسافة القصر المضي إليهم عند الحاجة بقدر الكفاية دفعا لهم، فيصير فرض عين في حق من قرب وفرض كفاية في حق من بعد " انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في (الفتاوى المصرية 4 / 509) :
" وقتال الدفع مثل أن يكون العدو كثيراً ولا طاقة للمسلمين به، لكن يخافون إن انصرفوا عن عدوهم عطف العدو
على من يخلفون من المسلمين، فهنا صرَّح أصحابنا بأنه يجب أن يبذلوا مهجهم ومهج من يخاف عليهم في الدفع
حتى يسلموا، ونظيره أن يهجم العدو على بلاد المسلمين وتكون المقاتلة أقل من النصف،
فإن انصرفوا استولوا على الحريم، فهذا وأمثاله قتال دفع لا قتال طلب لا يجوز الانصراف فيه بحال " انتهى،
وهذا كله محل اتفاق بين الأئمة وعلماء الأمة، فلا يلتفت في جهاد الدفع إلى طاقة المسلمين ولا إلى إمكانياتهم، ولا إلى ترجُّح تحقق النصر، بل عليهم بذل مهجهم في الدفع عن حرماتهم، حتى مع تيقن هلاكهم.
قال الإمام الشافعي في (الأم 4 / 178) :
" ولا أرى ضيقاً على الرجل أن يحمل على الجماعة حاسراً أو يبادر الرجل، وإن كان الأغلب أنه مقتول " اهـ.
وهذا في جهاد الطلب فمن باب أولى جهاد الدفع.
لا يشترط في صحة جهاد الدفع أن يكون من أجل إعلاء كلمة الله،
نعم أشرف أنواع الجهاد وأعظمه من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ،
وأوضح ما يكون ذلك في جهاد الطلب والفتح، ولا ينافي ذلك مشروعية جهاد الدفع،
وأن من قتل فيه دون ماله وعرضه ونفسه شهيد أيضاً، كما ثبت في الصحيح؛
لأن جهاد الدفع مشروع للدفع عن الأرض والعرض والنفس والمال والدين، بشكل فردي أو جماعي،
ويكون أيضاً بتعاون المسلمين على اختلاف طوائفهم، أو مع غير المسلمين كأهل الذمة للدفع عن وطنهم جميعاً،
وكذا تسوغ الاستعانة بغير المسلمين من الشعوب والدول الأخرى لدفع العدو الكافر عن المسلمين وأرضهم وحرماتهم،
وقد عاهد النبي _صلى الله عليه وسلم_ يهود في المدينة على الدفع عنها إذا دهمها عدو،
كما استعان الصحابة _رضي الله عنهم_ بنصارى العرب في الشام والعراق في قتال عدوهم،
وقد قاتل شيخ الإسلام ابن تيمية التتار في الشام بمن خرج معه من أهلها، مع شيوع أنواع البدع فيهم آنذاك،
وخلص أسارى أهل الذمة من اليهود والنصارى من أيدي التتار حين تفاوض معهم، ولم يرض بإطلاق أسرى
المسلمين فقط ، حتى أطلقوا أسرى أهل الذمة معهم.
الدكتور / حاكم بن عبيسان المطيري
المصدر وزيادة في التفاصيل هنا :
http://www.almoslim.net/rokn_elmy/show_article_main.cfm?id=599
اشتراط إذن الإمام ووجود الراية في قتال الكفار
والمقصود أنه لا يشترط لصحة جهاد الدفع أي شرط :
لا وجود إمام، ولا وجود راية، ولا قصد إعلاء كلمة الله ، ولا فتوى عالم،
ولا وحدة الصف، ولا وجود القوة،ولا ترجح النصر،
وهذا لا ينافي وجوب أن يقاتل المجاهدون صفاً واحداً تحت قيادة واحدة،
فإن تعذر ذلك لم يبطل الجهاد ولم يتعطل، والله _تعالى_ أعلم أحكم.
د. حاكم المطيري
المدرس بقسم التفسير والحديث في كلية الشريعة بجامعة الكويت
مقدمة:
انتشر بين الناس في هذه الأيام فتاوى كثيرة في الجهاد، ممن ينسبون إلى العلم، يقولون فيها بأن الجهاد في
العراق أو فلسطين، أو غيرها من البلاد التي احتلها الكفار، يشترط فيه إذن الإمام ووجود الراية،
وكان ممن عرض هذه المسألة عرضاً علمياً مؤصلاً الدكتور حاكم بن عبيسان المطيري
(المدرس بقسم التفسير والحديث في كلية الشريعة بجامعة الكويت) ،
وذلك في إجابة له على السؤال التالي:
السؤال:
فضيلة الشيخ، هناك من يقول بأنه لا جهاد
إلا بوجود إمام وراية، وأن ما سوى ذلك فهو قتال فتنة، لا يعد من قتل فيه شهيداً،
وأنه يحرم قتال العدو إذا احتل أرضاً للمسلمين إذا لم يكن للمسلمين به طاقة،
فما رأيكم في صحة هذا الأقوال وفق أصول الشريعة وأقوال فقهائها ؟
الجواب :
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبيه الأمين وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
هذا القول لا أصل له بإجماع الأئمة وسلف الأمة،
بل هو قول ظاهر البطلان مصادم للنصوص القطعية والأصول الشرعية والقواعد الفقهية،
ومن ذلك:
النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي تأمر بالجهاد في سبيل الله ليس فيها اشتراط شيء من ذلك،
بل هي عامة مطلقة والخطاب فيها لعموم أهل الإيمان والإسلام، كما في قوله _تعالى_
: " وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ" (البقرة: من الآية190).
وقوله _عز وجل_:
" إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ" (التوبة: من الآية111).
وكما في قوله _صلى الله عليه وسلم_:
"جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم".
الى ان قال :
جهاد الدفع عن أرض المسلمين:
فالأمر فيه أوضح وأجلى إذ لا يشترط له أي شرط إطلاقاً، بل على كل أحد الدفع بما استطاع،
فلا يستأذن الولد والده، ولا الزوجة زوجها، ولا الغريم غريمه، وكل هؤلاء أحق بالإذن والطاعة من الإمام،
ومع ذلك سقط حقهم في هذه الحال؛ إذ الجهاد فرض عين على الجميع فلا يشترط له إذن إمام فضلاً عن وجوده.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (الفتاوى المصرية 4 / 508) :
" أما قتال الدفع عن الحرمة والدين فواجب إجماعاً، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا
لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه،
فلا يشترط له شرط، بل يدفع بحسب الإمكان
" وقال أيضاً : " وإذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب،
إذ بلاد الإسلام بمنزلة البلدة الواحدة، وأنه يجب النفير إليها بلا إذن والد ولا غريم ".
وقال ابن حزم في (المحلى 7 / 292) :
" إلا أن ينزل العدو بقوم من المسلمين ففرض على كل من يمكنه إعانتهم أن يقصدهم مغيثاً لهم ".
وقال الجصاص في أحكامه (4 / 312) :
" معلوم في اعتقاد جميع المسلمين أنه إذا خاف أهل الثغور من العدو، ولم تكن فيهم مقاومة فخافوا على بلادهم وأنفسهم وذراريهم،
أن الفرض على كافة الأمة أن ينفر إليهم من يكف عاديتهم عن المسلمين، وهذا لا خلاف فيه بين الأمة ".
وقال الخطيب الشربيني الشافعي في (الإقناع 2 / 510) :
" الحال الثاني من حال الكفار أن يدخلوا بلدة لنا فيلزم أهلها الدفع بالممكن منهم، ويكون الجهاد حينئذ فرض عين".
وهذا هو معنى كونه فرض عين، فلو كان يشترط له شروط صحة، كوجود إمام أو إذنه
لما كان فرض عين في حال هجوم العدو على المسلمين، وهو ما لم يقل به أحد من علماء الأمة؛
ولذا قال الماوردي : " فرض الجهاد على الكفاية يتولاه الإمام ما لم يتعين " .
كتب الفقهاء
قد نصت في كتاب الجهاد على شروط وجوبه، وعلى من يجب ومتى يتعين،
وليس فيها نص على اشتراط وجود الإمام أو وجود الراية،
وقد ثبت في الحديث الصحيح
" ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله، من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فهو باطل" ،
و قد قال العلامة عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب في بيان بطلان هذا الشرط :
" بأي كتاب أم بأي حجة أن الجهاد لا يجب إلا مع إمام متبع ؟
هذا من الفرية في الدين والعدول عن سبيل المؤمنين،
والأدلة على بطلان هذا القول أشهر من أن تذكر،
من ذلك عموم الأمر بالجهاد والترغيب فيه والوعيد في تركه "
(الدرر السنية 7/ 97).
وقال صديق حسن خان في (الروضة الندية صفحة 333) عن الجهاد :
" هذه فريضة من فرائض الدين، أوجبها الله على عباده من المسلمين، من غير تقيد بزمان أو مكان أو شخص أو عدل أو جور ".
فالجهاد ماض إلى قيام الساعة، سواء وجد إمام أو لم يوجد، وسواء وجدت هناك راية أو لم توجد.
وقد استدل شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم كما في الزاد (3 / 309)،
وعبد الرحمن بن حسن وغيرهم من الأئمة،
بقصة أبي بصير _رضي الله عنه_ وجهاده المشركين بمن معه من المؤمنين،
وقطعهم الطريق عليهم، حتى قال النبي _صلى الله عليه وسلم_ في شأنه:
" ويل أمه مسعر حرب لو كان معه رجال"،
ولم يكن أبو بصير _رضي الله عنه_ تحت ولاية النبي _صلى الله عليه وسلم_ ولا في دار الإسلام، ولم يكن إماماً،
ولم تكن معه راية، بل كان يُغِيرُ على المشركين ويقاتلهم ويغنم منهم واستقل بحربهم،
ومع ذلك أقره النبي _صلى الله عليه وسلم_ وأثنى عليه، قال عبد الرحمن بن حسن كما في (الدرر السنية 7 / 97)
مستدلاً بهذه القصة : " فهل قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أخطأتم في قتال قريش؛
لأنكم لستم مع إمام؟!! سبحان الله ما أعظم مضرة الجهل على أهله !!" انتهى .
إقامة الإمام حكم واجب كوجوب إقامة الجهاد،
فيجب على المجاهدين أن يقيموا إماماً منهم إن لم يكن هناك إمام عام،
وليس وجود الإمام شرطاً في وجود الجهاد، بل العكس هو الصحيح،
إذ إقامة الجهاد شرط لصحة إمامة الإمام، فلا إمام بلا جهاد، لا أنه لا جهاد بلا إمام،
كما قال العلامة عبد الرحمن بن حسن : " كل من قام بالجهاد في سبيل الله فقد أطاع الله، وأدى ما فرضه الله،
ولا يكون الإمام إماماً إلا بالجهاد، لا أنه لا يكون جهاد إلا بإمام " (الدرر السنية 7 / 97 ).
ومعلوم أن أول واجبات الإمام حماية بيضة المسلمين وإقامة الدين،
فإن كان عاجزاً عن الجهاد وحماية الأمة والملة، فقد خرج عن أن يكون إماماً،
بل صار وجوده وعدمه سواء، فإن حال بين المسلمين والدفع عن أنفسهم وأرضهم وحرماتهم،
كان عدمه خيراً من وجوده وبطلت إمامته شرعاً؛ إذ لم يتحقق المقصود من إقامته،
وقد جاء في الصحيح : "إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به"،
فيجب إقامة الإمام ليكون جنة ووقاية يحمي الأمة ويحفظها، وتقاتل الأمة من ورائه،
فإن صار جنة للعدو لم يكن قطعاً إماماً للمسلمين في حكم الشارع، وإن كان إماماً بحكم الأمر الواقع،
قال الشوكاني في (وبل الغمام) :
" ملاك أمر الإمامة وأعظم شروطها وأجل أركانها، أن يكون قادراً على تأمين السبل وإنصاف المظلومين من الظالمين،
ومتمكناً من الدفع عن المسلمين إذا دهمهم أمر يخافونه، كجيش كافر أو باغ،
فإذا كان السلطان بهذه المثابة فهو السلطان الذي أوجب الله طاعته وحرم مخالفته،
بل هذا الأمر هو الذي شرع الله له نصب الأئمة، وجعل ذلك من أعظم مهمات الدين "
(إكليل الكرامة لصديق خان 114- 115) .
قتال الفتنة
هو القتال الذي يقع بين المسلمين لعصبية جاهلية، أو قتال على ملك وسلطان ونحو ذلك،
فهذا هو قتال الفتنة الذي يحرم الدخول فيه، بل يجب فيه السعي في إصلاح ذات بينهم،
فإن فاءت إحدى الطائفتين وجب قتال من لم تفيء، حتى تفيء إلى أمر الله.
أما قتال العدو الكافر إذا دهم أرض المسلمين فليس قتاله قتال فتنة،
ولم يقل هذا القول أحد من علماء سلف الأمة، بل الفتنة هي في تركه وعدم مدافعته،
بل ليس بعد الشرك بالله أعظم من الصد عن قتال المشركين.
قال ابن حزم في (المحلى 7 / 300) :
" ولا إثم بعد الكفر أعظم من إثم من نهى عن جهاد الكفار، وأمر بإسلام حريم المسلمين إليهم ".
كما لا شيء أوجب بعد الإيمان بالله من دفع العدو عن أرض الإسلام،
كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية _رحمه الله تعالى_ .
حديث الطائفة المنصورة
الوارد في الصحيح "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم " وفي رواية " يقاتلون " المراد به المجاهدون، وقد سئل الإمام أحمد كما في (مسائل ابن هانئ 2 / 192)، عن هذه الطائفة المنصورة، فقال : "هم الذين يقاتلون الروم كل من قاتل المشركين فهو على الحق"ا.هـ.
ومعلوم أن الطائفة بعض الأمة وليست كل الأمة، وظهورهم وجهادهم دون الأمة ودون الإمام، إذ لو كان الإمام معهم لكانت الأمة معهم تبعا للإمام، ولما كان حينئذ لهذه الطائفة خصوصية دون الأمة، فدل الحديث بدلالة الإشارة على مشروعية جهاد الطائفة من المسلمين للمشركين، ولو خذلتهم الأمة كلها، ولو لم ينصرهم الإمام، ولو كان يشترط لصحة الجهاد وجود الإمام أو إذنه لما جاز قتال هذه الطائفة المنصورة، ولما خصها الله بهذا الفضل العظيم دون سائر الأمة.
ولا يشترط كذلك تأهيل لقتال أو توافر إمكانات أو ظن تحقيق نصر.
قال الخطيب الشربيني الشافعي في (الإقناع 2 / 510) :
" الحال الثاني من حال الكفار أن يدخلوا بلدة لنا فيلزم أهلها الدفع بالممكن منهم، ويكون الجهاد حينئذ فرض عين
سواء أمكن تأهيلهم لقتال أم لم يمكن، ومن هو دون مسافة القصر من البلدة التي دخلها الكفار حكمه كأهلها،
وإن كان في أهلها كفاية؛ لأنه كالحاضر معهم، فيجب على كل من ذكر حتى على فقير وولد ومدين ورقيق بلا إذن،
ويلزم الذين على مسافة القصر المضي إليهم عند الحاجة بقدر الكفاية دفعا لهم، فيصير فرض عين في حق من قرب وفرض كفاية في حق من بعد " انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في (الفتاوى المصرية 4 / 509) :
" وقتال الدفع مثل أن يكون العدو كثيراً ولا طاقة للمسلمين به، لكن يخافون إن انصرفوا عن عدوهم عطف العدو
على من يخلفون من المسلمين، فهنا صرَّح أصحابنا بأنه يجب أن يبذلوا مهجهم ومهج من يخاف عليهم في الدفع
حتى يسلموا، ونظيره أن يهجم العدو على بلاد المسلمين وتكون المقاتلة أقل من النصف،
فإن انصرفوا استولوا على الحريم، فهذا وأمثاله قتال دفع لا قتال طلب لا يجوز الانصراف فيه بحال " انتهى،
وهذا كله محل اتفاق بين الأئمة وعلماء الأمة، فلا يلتفت في جهاد الدفع إلى طاقة المسلمين ولا إلى إمكانياتهم، ولا إلى ترجُّح تحقق النصر، بل عليهم بذل مهجهم في الدفع عن حرماتهم، حتى مع تيقن هلاكهم.
قال الإمام الشافعي في (الأم 4 / 178) :
" ولا أرى ضيقاً على الرجل أن يحمل على الجماعة حاسراً أو يبادر الرجل، وإن كان الأغلب أنه مقتول " اهـ.
وهذا في جهاد الطلب فمن باب أولى جهاد الدفع.
لا يشترط في صحة جهاد الدفع أن يكون من أجل إعلاء كلمة الله،
نعم أشرف أنواع الجهاد وأعظمه من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ،
وأوضح ما يكون ذلك في جهاد الطلب والفتح، ولا ينافي ذلك مشروعية جهاد الدفع،
وأن من قتل فيه دون ماله وعرضه ونفسه شهيد أيضاً، كما ثبت في الصحيح؛
لأن جهاد الدفع مشروع للدفع عن الأرض والعرض والنفس والمال والدين، بشكل فردي أو جماعي،
ويكون أيضاً بتعاون المسلمين على اختلاف طوائفهم، أو مع غير المسلمين كأهل الذمة للدفع عن وطنهم جميعاً،
وكذا تسوغ الاستعانة بغير المسلمين من الشعوب والدول الأخرى لدفع العدو الكافر عن المسلمين وأرضهم وحرماتهم،
وقد عاهد النبي _صلى الله عليه وسلم_ يهود في المدينة على الدفع عنها إذا دهمها عدو،
كما استعان الصحابة _رضي الله عنهم_ بنصارى العرب في الشام والعراق في قتال عدوهم،
وقد قاتل شيخ الإسلام ابن تيمية التتار في الشام بمن خرج معه من أهلها، مع شيوع أنواع البدع فيهم آنذاك،
وخلص أسارى أهل الذمة من اليهود والنصارى من أيدي التتار حين تفاوض معهم، ولم يرض بإطلاق أسرى
المسلمين فقط ، حتى أطلقوا أسرى أهل الذمة معهم.
الدكتور / حاكم بن عبيسان المطيري
المصدر وزيادة في التفاصيل هنا :
http://www.almoslim.net/rokn_elmy/show_article_main.cfm?id=599