rajaab
24-05-2005, 08:57 PM
النفسية الإسلامية
هي أن يكون الميل للأشياء وللأعمال مبنياً على أساس الإسلام، فالحكم على أساس هذا بأن نفسية زيد من الناس هل هي نفسية إسلامية أم لا هي: إذا كان الشخص لديه مجافاة للإسلام حين وجود الميل لديه للأشياء وللأعمال فإنه يُحكم عليه بأنه لا يحمل نفسية إسلامية، أما إذا كان الشخص يجعل ميوله للأشياء وللأعمال مبنية على أساس الإسلام ولكن توجد لديه ثغرات تَحدث لديه في بعض الأحيان كأن لا يصلي الصبح قبل طلوع الشمس لنوم ثم يقضيها، وكأن تسبق نظرة منه إلى امرأة فيتلذذ بهذه النظرة ويديمها ويكررها ولكنه يندم ويرتدع، وكأن يطمع في بعض معاملاته مع الناس إما بتأويل أو عن غير تأويل ولكنه يرجع عن العمل، أو يتساهل في الكذب في صغائر الأمور، وما شاكل ذلك فإن هذه الثغرات يجب أن تعالَج ولكنها لا تجعل للشخصية نفسية غير إسلامية أي لا تبيح لمسلم أن يتهم مثل هذا بأن نفسيته نفسية غير إسلامية بل نفسيته نفسية إسلامية فيها ثغرات يجب أن تعالَج لأنها إذا تكررت وبقيت إلى أن تصبح في المستقبل نفسية غير إسلامية بمجافاته الإسلام، ولكنها ما دامت ثغرات فإن نفسيته تظل نفسية إسلامية، وقد رويت عن الصحابة عدة ثغرات، فهناك مثلاً مَن واقَع أهله من الصحابة في رمضان وأدى الكفارة، والرسول لوى عنق الفضل بن العباس حين رآه يكرر النظر إلى شابة ويتلذذ وصرف وجهه عن النظر إليها، وغير ذلك من الحوادث التي حصلت كثغرات مع الصحابة ومع ذلك لم تطعن في نفسيات أصحابها ولم تجعل منهم نفسيات غير إسلامية، فكما أن السكوت عن الثغرات خطأ، ويجب أن تعالَج، فإن اتهام أصحاب هذه الثغرات بانسلاخ نفسياتهم عن الإسلام واتهامها أنها نفسيات غير إسلامية خطأ، ومن الخطر على الدعوة وعلى الحزب أن يطلب من الناس أن يكونوا ملائكة فإن ذلك مستحيل، وكذلك من الخطر أن يتخذ ذلك تكئة لتبرير الإصرار على الثغرات لأنه يُخشى أن تؤدي إلى مجافاة الإسلام، والحزب يحاول معالجة هذه الثغرات في كل فرد يطّلع على وجودها فيه بتنبيهه وملاحقته ثم إن لم يستقم كما أمر الله فإن لم يسقط بنفسه أهمله الحزب إهمالاً تاماً.
- إن فهم معنى الشيء فهماً صحيحاً مع الاعتقاد بأن فهمه يجعل الشخص يسلك تجاهه بحسب فهمه له، وفهم معنى الدولة يحتّم وجود سلوك الطاعة ذاتياً، وفهم معنى الأمّة يحتّم وجود سلوك الطاعة ذاتياً، وفهم معنى الحزب يحتّم سلوك الطاعة ذاتياً، والطاعة أمر أساسي لوجود الانضباط سواء في الدولة أو الأمّة أو الحزب وهو من أهم المظاهر التي تدل على الانضباط الحزبي أو الانضباط العام في الدولة والأمّة، ومن أجل ذلك جاء القرآن حاثاً على الطاعة في آيات كثيرة بالرغم من وجود الوحي والمعجزات والرسالة وشخصية الرسول، وهي كلها كافية لإيجاد الطاعة، والطاعة التي جاء بها القرآن طاعة يقوم على أساسها كيان الدولة وكيان الأمّة وكيان الحزب، وهي في نفس الوقت بيان لخُلق الطاعة، هذا حين يصبح سجية أن يكون قياماً واجب الطاعة حين يمكن أن تكون، ونهياً عن القيام بالطاعة حين تصبح هذه الطاعة ضرراً بالنسبة للأمّة وبالنسبة للحاكم، فنجد القرآن حين يوجِد سجية الطاعة يقول: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) (فاتبعوني وأطيعوا أمري) (فاسمعوا وأطيعوا) (ومن يطع الله والرسول يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار) (ومن يطع الرسول فقد أطاع الله) (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم) وقال عليه الصلاة والسلام: (من يطع الأمير فقد أطاعني)، فالله أمر بالطاعة في هذه الآيات، والحديث أمر بها طاعة مطلقة، فقد جاءت طاعة غير مقيدة بقيد، ولكن الرسول حين شرح لهم الطاعة أفهمهم أن المراد بالطاعة هنا الطاعة الواعية لا الطاعة العمياء فقال: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)، فالطاعة الواعية هي الطاعة في حدود الإسلام، فحين يشرح معنى الطاعة المطلوبة يتبين أنها الطاعة الواعية ومعناها الطاعة في حدود الإسلام لا الطاعة فيما يقنع فيه الشخص ويوافق عليه، فالمعنى كونها واعية مدرَك أنه يطيع ضمن مبدأ، وهذا هو معنى قوله عليه السلام: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق). أمّا حين يطلب الإسلام الطاعة يطلبها مطلقة فيقول (أطيعوا) ولا يقيدها بشيء، ولذلك حين تُطلب الطاعة تُطلب طاعة مطلقة دون قيد ويجب أن يفهمها المسلمون حين تُطلب منهم أنها طُلبت مطلقة، ولكن يتركز في ذهنهم أن معنى هذه الطاعة المطلقة هي الطاعة الواعية أي الطاعة في حدود الإسلام. ولم يكتف الإسلام بطلب الطاعة من الأمّة حتى يكون فيها خُلق الطاعة سجية بل نهاها صراحة عن بعض الطاعات، فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين) وقوله تعالى: (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فُرُطا) (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيله) (فلا تطع الكافرين) (فلا تطع المكذبين) (ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً) (ولا تطع كل حلاف مهين)، فهذه الآيات كلها تنهى عن إطاعة أشخاص معينين بصفاتهم، قد بيّنها الله لنا حتى يكون تكوين الطاعة في نفوسنا منصرفاً إلى إيجاد الانضباط العام التي يصبح فيها هذا الانضباط العام في كل وضع كياني سواء أكان للأمّة أو للحزب أو الدولة. وحتى نبعد الانضباط عن المَواطن التي يصبح فيها هذا الانضباط ضرراً على الكيان إذا وُجدت الطاعة، ولذلك يجب على المسلم حين يلبي أمر الله بالطاعة أن ينتهي عن طاعة من نهى الله عن طاعتهم، وبذلك يتكون الكيان تكويناً سليماً ويوجد الانضباط العام وجوداً سليماً. ولم يكتف الإسلام بذلك بل عمد إلى الحاكم وبيّن له مبلغ ما في طاعته للأمّة فيما يضرها من خطر فنهاه عن طاعتها أو طاعة أفراد منها فيما يراه ضرراً عليها، قال تعالى: (لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتّم) وهو نفى عن الرسول طاعتهم في كثير من الأمر حرصاً عليه ومنعاً للمشقة عنهم، وعلى ذلك فإن الطاعة حين يؤمر بها تكون مطلقة أي ليست مقيدة بموافقة المأمور أو عدم موافقته ولكن المأمور يفهم أن يطيع في حدود الإسلام. وحين يعلم أنه مطيع يجب أن يفهم أن الطاعة إن هي الطاعة التي أمر الله بها وهي طاعة صاحب الصلاحية (ومن يطع الأمير فقد أطاعني) وأن طاعة الكافرين والمضلين لا يجوز أن تكون لأنها من أفدح الأضرار. أمّا ولي الأمر فيعمل ما يراه مصلحة الأمّة ولا يطيعها فيما يراه عليها ولكن ذلك كله في حدود الإسلام، والمراد من حدود الإسلام ما هو قطعي أنه من الإسلام، أمّا ما هو ظني فلا، فلو كان يرى صاحب الصلاحية أن إجارة الأرض لا تجوز والمأمور يرى أن إجارة الأرض تجوز، فإذا أمر صاحب الصلاحية بمنع إجارة الأرض فيجب على من لا يرى هذا الرأي طاعته ولو خالف رأيه، لأن أمر الإمام يرفع الخلاف، ويقاس عليه كل صاحب صلاحية، ولذلك لا يقال إن هذا الأمر يخالف الإسلام فلا أطيعه وهو قد يكون صادقاً بأنه يرى أنه يخالف الإسلام في حين أن صاحب الصلاحية يرى أنه من الإسلام، لا يقال ذلك لأن هذا يعتبر تمرداً بل يجب أن يطاع هذا الأمر ما دامت له شبهة الدليل أنه من الإسلام وظنه كذلك صاحب الصلاحية وأعطى الأمر به على هذا الأساس، والتمرد عن طاعة صاحب الصلاحية إثم لقول الرسول: (ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن عصى الأمير فقد عصاني)، وكل ثلاثة اختاروا أميراً فطاعته واجبة عليهم.
- يجب أن يكون واضحاً أن الأصل في السلوك هو الطاقة الحيوية، فالطاقة الحيوية تدفع وتطلب الإشباع، فيقوم الإنسان بالتحرك بالقول أو العمل من أجل الإشباع. هذا هو أصل السلوك، فالسلوك هو للإشباع، إلاّ أن الذي يعيّن هذا السلوك هو المفهوم وليس الفكر فقط، فالفكر لا يؤثر على السلوك إلاّ إذا صدقه الإنسان وارتبط هذا التصديق بالطاقة، أي إلاّ إذا أصبح مفهوماً من مفاهيم الشخص، فالقول بأن سلوك الإنسان حسب مفاهيمه قول يقيني وغير قابل للشك لأن التصديق بالفكر إذا ارتبط بالطاقة لا يمكن أن يكون السلوك إلاّ بحسبه. إلاّ أن هناك أفكاراً ارتبط التصديق بها بالطاقة ارتباطاً متيناً يصعب على التصديق بفكر آخر أن يزيلها، أو يصعب عليه أن يزيل آثارها إلاّ بعد مرور زمن، فهذه يبقى الفكر فيها غير متحول إلى مفهوم، أو يتحول تحولاً مترجرجاً، أو يتحول تحولاً متقطعاً، وهذا أكثر ما يكون في مفاهيم الأعماق، ولذلك يحتاج إلى معاناة أكثر وقد يحتاج إلى زمن.
وعلى هذا فإن الفكر وهو نتيجة العقل وهو غير السلوك، والسلوك هو نتيجة الطاقة وهو غير الفكر، فكان التفكير غير الميل، وكانت العقلية غير النفسية. فهناك طاقة تتطلب الإشباع، وهناك عقل يفكر، فهما أمران مختلفان، فإذا ارتبطا، أي حصل السلوك حسب الفكر كانت الشخصية، وإذا لم يرتبطا بل ظلا منفصلين كانت هناك ميول وكانت هناك أفكار.
إلاّ أن مخالفة السلوك للفكر أكثر ما تكون في بعض الجزئيات فلا يؤثر على الشخصية وإنما يؤثر على بعض التصرفات في بعض الأحيان. ففي غزوة بني المصطلق تَنادى الأنصار ضد المجاهرين وتنادى المهاجرون ضد الأنصار حين تحركت في الفريقين النعرة العصبية. ففي هذه الحالة انفصل السلوك عن الفكر مع أن المفهوم عند الفريقين في هذا الوقت لم يعد مفهوماً، أي انفصل من الارتباط بالطاقة، فتصرّف كل منهم حسب ميوله لا حسب أفكاره، أي تحركت مفاهيم الأعماق، ولكنه لم يؤثر على شخصية الأنصار ولا على شخصية المهاجرين وما لبثا أن عادا للمفهوم كمفهوم وليس كفكر فقط. فانفصال السلوك عن الفكر في بعض الأحيان لا يؤثر على الشخصية.
أمّا القول بأن للإنسان مفهومين متخالفين تجاه الشيء الواحد، فهو قول مغلوط، فلا يكون للإنسان إلاّ مفهوم واحد هو الفكر الذي ارتبط تصديقه بالطاقة، وأمّا الآخر فهو فكر وليس مفهوماً في تلك الحالة أي حالة السلوك. والقول بأن للإنسان وجهتي نظر في الحياة هو قول مغلوط كذلك، فلا يكون للإنسان إلاّ مفهوم أساسي واحد عن الحياة، هو الفكر الأساسي الذي تحول إلى مفهوم، ولا يوجد غيره، فإذا وُجد غيره فإنه مجرد فكر وليس بمفهوم.
2- وجود ثغرات لدى المسلم لا يخرجه عن كونه شخصية إسلامية، بل إن وجود هذه الثغرات في المسلم أمر طبيعي وأمر لا بد من حصوله، فإن المسلم غير معصوم حتى ولو كان صحابياً، والعصمة إنما هي للأنبياء والرسل فيما يتعلق بالتبليغ فقط.
أمّا كثرة هذه المعاصي مِن تَرك فروض وارتكاب محرمات والمجاهرة بها، وتحولها من ثغرات إلى ما يغلب على السلوك، أو كونها وُجدَت من الأصل معاصي كثيرة وليست ثغرات، فإن هذا ولا شك يؤثر على الشخصية الإسلامية، فأبو نواس من أعلم علماء المسلمين حتى قال عنه الشافعي: لولا جنون أبي نواس لأخذت عنه الحديث، ولكن لأن سلوكه على غير أفكاره، أي لأن عقليته غير نفسيته فإنه لا يمكن لأحد أن يقول عن أبي نواس إنه شخصية إسلامية، فالثغرات لا تؤثر على كون الشخص شخصية إسلامية، أمّا ما عداها فيؤثر.
هي أن يكون الميل للأشياء وللأعمال مبنياً على أساس الإسلام، فالحكم على أساس هذا بأن نفسية زيد من الناس هل هي نفسية إسلامية أم لا هي: إذا كان الشخص لديه مجافاة للإسلام حين وجود الميل لديه للأشياء وللأعمال فإنه يُحكم عليه بأنه لا يحمل نفسية إسلامية، أما إذا كان الشخص يجعل ميوله للأشياء وللأعمال مبنية على أساس الإسلام ولكن توجد لديه ثغرات تَحدث لديه في بعض الأحيان كأن لا يصلي الصبح قبل طلوع الشمس لنوم ثم يقضيها، وكأن تسبق نظرة منه إلى امرأة فيتلذذ بهذه النظرة ويديمها ويكررها ولكنه يندم ويرتدع، وكأن يطمع في بعض معاملاته مع الناس إما بتأويل أو عن غير تأويل ولكنه يرجع عن العمل، أو يتساهل في الكذب في صغائر الأمور، وما شاكل ذلك فإن هذه الثغرات يجب أن تعالَج ولكنها لا تجعل للشخصية نفسية غير إسلامية أي لا تبيح لمسلم أن يتهم مثل هذا بأن نفسيته نفسية غير إسلامية بل نفسيته نفسية إسلامية فيها ثغرات يجب أن تعالَج لأنها إذا تكررت وبقيت إلى أن تصبح في المستقبل نفسية غير إسلامية بمجافاته الإسلام، ولكنها ما دامت ثغرات فإن نفسيته تظل نفسية إسلامية، وقد رويت عن الصحابة عدة ثغرات، فهناك مثلاً مَن واقَع أهله من الصحابة في رمضان وأدى الكفارة، والرسول لوى عنق الفضل بن العباس حين رآه يكرر النظر إلى شابة ويتلذذ وصرف وجهه عن النظر إليها، وغير ذلك من الحوادث التي حصلت كثغرات مع الصحابة ومع ذلك لم تطعن في نفسيات أصحابها ولم تجعل منهم نفسيات غير إسلامية، فكما أن السكوت عن الثغرات خطأ، ويجب أن تعالَج، فإن اتهام أصحاب هذه الثغرات بانسلاخ نفسياتهم عن الإسلام واتهامها أنها نفسيات غير إسلامية خطأ، ومن الخطر على الدعوة وعلى الحزب أن يطلب من الناس أن يكونوا ملائكة فإن ذلك مستحيل، وكذلك من الخطر أن يتخذ ذلك تكئة لتبرير الإصرار على الثغرات لأنه يُخشى أن تؤدي إلى مجافاة الإسلام، والحزب يحاول معالجة هذه الثغرات في كل فرد يطّلع على وجودها فيه بتنبيهه وملاحقته ثم إن لم يستقم كما أمر الله فإن لم يسقط بنفسه أهمله الحزب إهمالاً تاماً.
- إن فهم معنى الشيء فهماً صحيحاً مع الاعتقاد بأن فهمه يجعل الشخص يسلك تجاهه بحسب فهمه له، وفهم معنى الدولة يحتّم وجود سلوك الطاعة ذاتياً، وفهم معنى الأمّة يحتّم وجود سلوك الطاعة ذاتياً، وفهم معنى الحزب يحتّم سلوك الطاعة ذاتياً، والطاعة أمر أساسي لوجود الانضباط سواء في الدولة أو الأمّة أو الحزب وهو من أهم المظاهر التي تدل على الانضباط الحزبي أو الانضباط العام في الدولة والأمّة، ومن أجل ذلك جاء القرآن حاثاً على الطاعة في آيات كثيرة بالرغم من وجود الوحي والمعجزات والرسالة وشخصية الرسول، وهي كلها كافية لإيجاد الطاعة، والطاعة التي جاء بها القرآن طاعة يقوم على أساسها كيان الدولة وكيان الأمّة وكيان الحزب، وهي في نفس الوقت بيان لخُلق الطاعة، هذا حين يصبح سجية أن يكون قياماً واجب الطاعة حين يمكن أن تكون، ونهياً عن القيام بالطاعة حين تصبح هذه الطاعة ضرراً بالنسبة للأمّة وبالنسبة للحاكم، فنجد القرآن حين يوجِد سجية الطاعة يقول: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) (فاتبعوني وأطيعوا أمري) (فاسمعوا وأطيعوا) (ومن يطع الله والرسول يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار) (ومن يطع الرسول فقد أطاع الله) (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم) وقال عليه الصلاة والسلام: (من يطع الأمير فقد أطاعني)، فالله أمر بالطاعة في هذه الآيات، والحديث أمر بها طاعة مطلقة، فقد جاءت طاعة غير مقيدة بقيد، ولكن الرسول حين شرح لهم الطاعة أفهمهم أن المراد بالطاعة هنا الطاعة الواعية لا الطاعة العمياء فقال: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)، فالطاعة الواعية هي الطاعة في حدود الإسلام، فحين يشرح معنى الطاعة المطلوبة يتبين أنها الطاعة الواعية ومعناها الطاعة في حدود الإسلام لا الطاعة فيما يقنع فيه الشخص ويوافق عليه، فالمعنى كونها واعية مدرَك أنه يطيع ضمن مبدأ، وهذا هو معنى قوله عليه السلام: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق). أمّا حين يطلب الإسلام الطاعة يطلبها مطلقة فيقول (أطيعوا) ولا يقيدها بشيء، ولذلك حين تُطلب الطاعة تُطلب طاعة مطلقة دون قيد ويجب أن يفهمها المسلمون حين تُطلب منهم أنها طُلبت مطلقة، ولكن يتركز في ذهنهم أن معنى هذه الطاعة المطلقة هي الطاعة الواعية أي الطاعة في حدود الإسلام. ولم يكتف الإسلام بطلب الطاعة من الأمّة حتى يكون فيها خُلق الطاعة سجية بل نهاها صراحة عن بعض الطاعات، فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين) وقوله تعالى: (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فُرُطا) (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيله) (فلا تطع الكافرين) (فلا تطع المكذبين) (ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً) (ولا تطع كل حلاف مهين)، فهذه الآيات كلها تنهى عن إطاعة أشخاص معينين بصفاتهم، قد بيّنها الله لنا حتى يكون تكوين الطاعة في نفوسنا منصرفاً إلى إيجاد الانضباط العام التي يصبح فيها هذا الانضباط العام في كل وضع كياني سواء أكان للأمّة أو للحزب أو الدولة. وحتى نبعد الانضباط عن المَواطن التي يصبح فيها هذا الانضباط ضرراً على الكيان إذا وُجدت الطاعة، ولذلك يجب على المسلم حين يلبي أمر الله بالطاعة أن ينتهي عن طاعة من نهى الله عن طاعتهم، وبذلك يتكون الكيان تكويناً سليماً ويوجد الانضباط العام وجوداً سليماً. ولم يكتف الإسلام بذلك بل عمد إلى الحاكم وبيّن له مبلغ ما في طاعته للأمّة فيما يضرها من خطر فنهاه عن طاعتها أو طاعة أفراد منها فيما يراه ضرراً عليها، قال تعالى: (لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتّم) وهو نفى عن الرسول طاعتهم في كثير من الأمر حرصاً عليه ومنعاً للمشقة عنهم، وعلى ذلك فإن الطاعة حين يؤمر بها تكون مطلقة أي ليست مقيدة بموافقة المأمور أو عدم موافقته ولكن المأمور يفهم أن يطيع في حدود الإسلام. وحين يعلم أنه مطيع يجب أن يفهم أن الطاعة إن هي الطاعة التي أمر الله بها وهي طاعة صاحب الصلاحية (ومن يطع الأمير فقد أطاعني) وأن طاعة الكافرين والمضلين لا يجوز أن تكون لأنها من أفدح الأضرار. أمّا ولي الأمر فيعمل ما يراه مصلحة الأمّة ولا يطيعها فيما يراه عليها ولكن ذلك كله في حدود الإسلام، والمراد من حدود الإسلام ما هو قطعي أنه من الإسلام، أمّا ما هو ظني فلا، فلو كان يرى صاحب الصلاحية أن إجارة الأرض لا تجوز والمأمور يرى أن إجارة الأرض تجوز، فإذا أمر صاحب الصلاحية بمنع إجارة الأرض فيجب على من لا يرى هذا الرأي طاعته ولو خالف رأيه، لأن أمر الإمام يرفع الخلاف، ويقاس عليه كل صاحب صلاحية، ولذلك لا يقال إن هذا الأمر يخالف الإسلام فلا أطيعه وهو قد يكون صادقاً بأنه يرى أنه يخالف الإسلام في حين أن صاحب الصلاحية يرى أنه من الإسلام، لا يقال ذلك لأن هذا يعتبر تمرداً بل يجب أن يطاع هذا الأمر ما دامت له شبهة الدليل أنه من الإسلام وظنه كذلك صاحب الصلاحية وأعطى الأمر به على هذا الأساس، والتمرد عن طاعة صاحب الصلاحية إثم لقول الرسول: (ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن عصى الأمير فقد عصاني)، وكل ثلاثة اختاروا أميراً فطاعته واجبة عليهم.
- يجب أن يكون واضحاً أن الأصل في السلوك هو الطاقة الحيوية، فالطاقة الحيوية تدفع وتطلب الإشباع، فيقوم الإنسان بالتحرك بالقول أو العمل من أجل الإشباع. هذا هو أصل السلوك، فالسلوك هو للإشباع، إلاّ أن الذي يعيّن هذا السلوك هو المفهوم وليس الفكر فقط، فالفكر لا يؤثر على السلوك إلاّ إذا صدقه الإنسان وارتبط هذا التصديق بالطاقة، أي إلاّ إذا أصبح مفهوماً من مفاهيم الشخص، فالقول بأن سلوك الإنسان حسب مفاهيمه قول يقيني وغير قابل للشك لأن التصديق بالفكر إذا ارتبط بالطاقة لا يمكن أن يكون السلوك إلاّ بحسبه. إلاّ أن هناك أفكاراً ارتبط التصديق بها بالطاقة ارتباطاً متيناً يصعب على التصديق بفكر آخر أن يزيلها، أو يصعب عليه أن يزيل آثارها إلاّ بعد مرور زمن، فهذه يبقى الفكر فيها غير متحول إلى مفهوم، أو يتحول تحولاً مترجرجاً، أو يتحول تحولاً متقطعاً، وهذا أكثر ما يكون في مفاهيم الأعماق، ولذلك يحتاج إلى معاناة أكثر وقد يحتاج إلى زمن.
وعلى هذا فإن الفكر وهو نتيجة العقل وهو غير السلوك، والسلوك هو نتيجة الطاقة وهو غير الفكر، فكان التفكير غير الميل، وكانت العقلية غير النفسية. فهناك طاقة تتطلب الإشباع، وهناك عقل يفكر، فهما أمران مختلفان، فإذا ارتبطا، أي حصل السلوك حسب الفكر كانت الشخصية، وإذا لم يرتبطا بل ظلا منفصلين كانت هناك ميول وكانت هناك أفكار.
إلاّ أن مخالفة السلوك للفكر أكثر ما تكون في بعض الجزئيات فلا يؤثر على الشخصية وإنما يؤثر على بعض التصرفات في بعض الأحيان. ففي غزوة بني المصطلق تَنادى الأنصار ضد المجاهرين وتنادى المهاجرون ضد الأنصار حين تحركت في الفريقين النعرة العصبية. ففي هذه الحالة انفصل السلوك عن الفكر مع أن المفهوم عند الفريقين في هذا الوقت لم يعد مفهوماً، أي انفصل من الارتباط بالطاقة، فتصرّف كل منهم حسب ميوله لا حسب أفكاره، أي تحركت مفاهيم الأعماق، ولكنه لم يؤثر على شخصية الأنصار ولا على شخصية المهاجرين وما لبثا أن عادا للمفهوم كمفهوم وليس كفكر فقط. فانفصال السلوك عن الفكر في بعض الأحيان لا يؤثر على الشخصية.
أمّا القول بأن للإنسان مفهومين متخالفين تجاه الشيء الواحد، فهو قول مغلوط، فلا يكون للإنسان إلاّ مفهوم واحد هو الفكر الذي ارتبط تصديقه بالطاقة، وأمّا الآخر فهو فكر وليس مفهوماً في تلك الحالة أي حالة السلوك. والقول بأن للإنسان وجهتي نظر في الحياة هو قول مغلوط كذلك، فلا يكون للإنسان إلاّ مفهوم أساسي واحد عن الحياة، هو الفكر الأساسي الذي تحول إلى مفهوم، ولا يوجد غيره، فإذا وُجد غيره فإنه مجرد فكر وليس بمفهوم.
2- وجود ثغرات لدى المسلم لا يخرجه عن كونه شخصية إسلامية، بل إن وجود هذه الثغرات في المسلم أمر طبيعي وأمر لا بد من حصوله، فإن المسلم غير معصوم حتى ولو كان صحابياً، والعصمة إنما هي للأنبياء والرسل فيما يتعلق بالتبليغ فقط.
أمّا كثرة هذه المعاصي مِن تَرك فروض وارتكاب محرمات والمجاهرة بها، وتحولها من ثغرات إلى ما يغلب على السلوك، أو كونها وُجدَت من الأصل معاصي كثيرة وليست ثغرات، فإن هذا ولا شك يؤثر على الشخصية الإسلامية، فأبو نواس من أعلم علماء المسلمين حتى قال عنه الشافعي: لولا جنون أبي نواس لأخذت عنه الحديث، ولكن لأن سلوكه على غير أفكاره، أي لأن عقليته غير نفسيته فإنه لا يمكن لأحد أن يقول عن أبي نواس إنه شخصية إسلامية، فالثغرات لا تؤثر على كون الشخص شخصية إسلامية، أمّا ما عداها فيؤثر.