المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هجرة الروح



تنين رع المجنح
09-06-2005, 10:09 PM
هل سمعت : فجاة سمعت صوته نعم,انه هو بعينه,نفس الصوت الخشن الجاف الدي يميز صياد السمك المحترف في تلك القرية الساحلية الصغيرة على شاطئ مدينة طنجة المغربيةوونفس الابتسامة البريئة التي طالما ارتسمت على شفتيه بكل براءة الدنيا وطهرها دون تصنع
نعم...انه هو..فحتى زئير هده العاصفة الهوجاءالتي تشهدها القرية لليلتهاالرابعة على التوالي لايمكنها ان تمحو صدى هدا الصوت المالوف لديها برناته الموسيقية العدبة وحتى هدير الامواج الغاضبة المنبعث من بعيد شاقا ظلام الليل وسكونه لايمكنه ان يخدعها مهما اشتدت حدته, فكيف لام مثلها ابتليت بفراق ابنها الوحيد ان تنسى صوته وملامحه مهما طال الزمن وتعاقبت السنون؟؟
انها حقا لا تدري هل تسرب الصوت عبر ادنها ليستقر في اعماقها ويوقظ فيها عاطفة الامومة المتاججة؟ام انها ادركته بوجدانها وقلبها الملتاع لطول الغيبة و الفراق؟
هدا لايهم,فكفاها ان علمت بوجوده حيا يرزق فالشعور والسمع بالنسبة لها سيان..
ولكن لا,لا يمكن ان تكون مخطئة هده المرة فقد اتضح الامر,و ها هو دا يقف امامها كعادته بقامته الطويلة وراسه الشامخ و ابتسامته الهادئة الوديعة,وها هي دي رغم الظلام المخيم على كوخها الحقير الا من بصيص شمعة وحيدة لا تكاد تضيء ما حولها تميز فيه ملامح الابن الوحيد الدي جادت به عليها هده الدنيا الفانية,فما عليها الان الا ان تلبي نداء فلبها العجوز و تظمه الى صدرها النحيل وتفرغ علىكتفيه الامها كما اعتادت ان تفعل كلما الم بها الخطب او مستها نائبة من نوائب الدهر.. ولثانية واحدة اضاء فيها البرق ساحة الكوخ راته يخرج من جموده ويرفع ساعديه المفتولين وكانمايدعوها للارتماء بين احضانه لتجد نفسها تسرع نحوه وتقف داهلة محدقة في المكان الخالي الدي كان يحتله جسده الفاره قبل قليل..
ترى لم يتجنبها؟لم يفرمنها وهي امه التي لم لم يعرف في حياته امراة سواها؟
هل سيطرت عليه بنات اوربا بجمالهن السافرفاصبح يتنكر لها وهي المراة العجوز؟
فلا يمكنها ان تنسى ابدا ما كانت تسرده على مسامعها نساء القرية وهن يقضين ليالي الصيف الطوال على رمال الشاطئ الدافئة يتسامرن و ينظفن الشباك مما علق بهامن اعشاب البحر حول جمال*النصرانيات*الدي يسلب عقول الشبان المهاجرين من امثال ابنها *اسماعيل*كما لا يمكنها ان تنسى اخر نصيحة وجهتها له وهو يهم بامتطاء احد قوارب الموت المتجهة نحو بلاد الاسبان حيث الغنى و الدهب و *جلاليب الملف *توزع بالمجان على النازحين و المهاجرين السريين امثاله.
عندها كان اخر مانصحته به ان يحدر الاوربيات لانهن*بلا ملة او دين*و ات يحترس من وساوس الشيطان ..
ولكن اين هو الان؟
هو لم يمت ..لم يغرق في البحر كما يديع اهل القرية مند شهور مضت ..
فهاهو صوته يناديها ثانية,ولكنه هدع المرة يبدو خافتا عميقا كما لو كان ينبعث من اعماق بئر سحيق,وما عليها الان الا ان تلبي النداء وان تتعقب الصوت حتى تصل اليه, و في لوعة الثكلى المفجوعة وبيدين معرورقتين ترتعدان من البرد و الوهن فتحت الباب متحدية الطبيعة الغاضبة وغادرت الكوخ غير عابئة بالمطر الغزير الدي بلل ثيابها البالية المرقعة و شعرها الابيض المتجعد ولا حتى بهدير الامواج المترامي من بعيد وكانما تعبر عن قوتها التي اودت بحياة اعتى الرجال ..كل هدا لايهم.. فما عليها الا ان تصل اليه وان تعود به الى البيت من جديد.
وهاهي الان تقطع الظلام نحو اخر مكان يمكنها ان تجده فيه ..هناك حيث اعتادت دوما ان تجده جالساعلى صخرة كبيرة تبعد عن الساحل بامتار قليلة مخترقا ببصره الفضاء نحو المجهول.
وهناك راته ..ولدقائق طويلة وقفت متسائلة عن سبب عودته من بلاد الغربة دون ان يحقق ماكانت تصبو اليه نفسه من وراء هده المغامرة التي كانت هي اولى ضحياها بما خلفته في نفسها من حزن و احساس مرير بالوحدة والضياع ,وفي هدوء عجيب راته يحدق فيها من بعيد ودراعاه ترتفعان وتنبسطان في بطء وكانما تدعوانهاللاسراع اليه ,وبخطوات هادئة واثقة اتجهت نحوه وابتسامتها تتسع وتتسع لتتحول الى ضحكة قصيرة كانت اخر ما صدر عنها قبل ان تجرفها الامواج العاتيةالى الاعماق لتواصل اندفاعها وتتكسر على صخور الشاطئ كنتيجة لصراع ازلي لبدي.
و بعد يومين من الحادث و بين الصخور المتناثرة بطول الشاطئ كان بامكان الزائر ان يشاهد جماعة من الصيادين وقد التفوا حول جثة لامراة عجوز وقد ارتسمت البسمة على وجهها وعيناها تحدقان في الافق البعيد والاهم من هدا انها كانت تمسك بين اصابعها قطعة ثوب لشخص تقول التقارير الرسمية انه قد لقي مصرعه غرقا مند ثلاثة اشهر خلت.