المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : علوم النفس والاجتماع والتربية والمجتمع



rajaab
13-06-2005, 07:59 PM
علوم النفس والاجتماع والتربية

يوجد عند الناس خلط بين الأفكار الاستنتاجية الناتجة عن الطريقة العقلية والأفكار العلمية الناتجة عن الطريقة العلمية، وبناء على هذا الخلط يعتبرون ما يسمى علم النفس وعلم الاجتماع وعلم التربية علماً، ويعتبرون أفكارها أفكاراً علمية، لأنها جاءت بناء على ملاحظات جرى تتبعها على الأطفال في ظروف مختلفة وأعمار مختلفة؛ أو جرى تتبعها على جماعات مختلفة في ظروف مختلفة؛ أو على أعمال مختلفة لأشخاص مختلفين في ظروف مختلفة، فسمّوا تكرار هذه الملاحظات تجارب.
والحقيقة أن أفكار علم النفس وعلم الاجتماع وعلم التربية ليست أفكاراً علمية، وإنّما هي أفكار عقلية، لأن التجارب العلمية هي إخضاع المادة لظروف وعوامل غير ظروفها وعواملها الأصلية، وملاحظة أثر هذا الإخضاع، أي هي إجراء التجارب على نفس المادة كتجارب الطبيعة والكيمياء. أمّا ملاحظة الشيء في أوقات وأحوال مختلفة فليس بتجارب علمية. وعليه فملاحظة الطفل في أحوال مختلفة وأعمار مختلفة، وملاحظة الجماعات في بلدان مختلفة وظروف مختلفة، وملاحظة الأعمال من أشخاص مختلفين وفي أحوال مختلفة، كل ذلك لا يدخل في بحث التجارب العلمية، فلا يعتبر طريقة علمية، وإنّما هو ملاحظة وتكرار للملاحظة واستنتاج فحسب. فهو طريقة عقلية وليست علمية. وعليه فإن أفكار ما يسمى علم النفس وعلم الاجتماع وعلوم التربية أفكار عقلية وتدخل في الثقافة ولا تدخل في العلم.
على أن علم النفس وعلم الاجتماع وعلوم التربية هي أمور ظنية قابلة للخطأ وليست من الأمور القطعية، فلا يصح أن تُتخذ أساساً للحكم على الأشياء ولا يجوز أن يُستدل بها على صحة الأشياء أو عدم صحتها، لأنها ليست من قبيل الحقائق العلمية أو القوانين العلمية حتى يقال هي صواب حتى يثبت خطؤها، بل هي معارف ظنية جاءت عن طريق الظن. وهي وإن كان قد تُوصّل إليها بالطريقة العقلية ولكنها ليست من قبيل الحكم بوجود الأشياء بل هي من قبيل الحكم على حقيقة الشيء ما هو، وهذا الحكم ظني قطعاً فيه قابلية الخطأ. على أن هذه المعارف الثلاث: علم النفس وعلم الاجتماع وعلوم التربية مبنية على أسس مغلوطة، وهذا ما جعل كثيرا من الأفكار التي احتوتها أفكاراً مغلوطة.
وذلك لأن علم النفس مبني في جملته على نظرته للغرائز ونظرته للدماغ. فهو ينظر إلى أن في الإنسان غرائز كثيرة منها ما اكتُشف ومنها ما لم يُكتشف، وبنى علماء النفس على هذه النظرة للغرائز نظريات خاطئة، فكان ذلك من الأسباب التي أدت إلى الخطأ في كثير من الأفكار الموجودة في علم النفس. أمّا النظرة إلى الدماغ، فإن علم النفس يعتبر الدماغ مقسماً إلى مناطق وأن كل منطقة لها قابلية خاصة، وأن في بعض الأدمغة قابليات ليست موجودة في أدمغة أخرى. وبناء على هذا فإن بعض الناس فيهم قابلية لفهم اللغات وليس فيهم قابلية لفهم الرياضيات، وهناك أشخاص على العكس فيهم قابلية لفهم الرياضيات وليس فيهم قابلية فهم اللغات. وهكذا بُنيت على هذه النظرة الخاطئة نظريات خاطئة. فكان هذا أيضاً من الأسباب التي أدت إلى الخطأ في كثير من الأفكار الموجودة في علم النفس.
والحقيقة في هذا كله هي: أن المشاهَد بالحس مِن تتبُّع الرجْع أو رد الفعل أن الإنسان فيه طاقة حيوية لها مظهران: أحدهما يتطلب الإشباع الحتمي وإذا لم يُشبَع يموت الإنسان والثاني يتطلب الإشباع وإذا لم يُشبَع يبقى الإنسان حياً ولكنه يتألم وينزعج من عدم الإشباع. والمظهر الأول يتمثل في الحاجات العضوية كالجوع والعطش وقضاء الحاجة، والمظهر الثاني يتمثل في الغرائز وهي غريزة التدين وغريزة النوع وغريزة البقاء. وهذه الغرائز هي الشعور بالعجز والشعور ببقاء النوع والشعور ببقاء الذات ولا يوجد غير ذلك. وما عدا هذه الغرائز الثلاث هي مظاهر للغرائز كالخوف والسيادة والملكية مظاهر لغريزة البقاء، وإكبار الأبطال والعبادة مظاهر لغريزة التدين، والميل الجنسي والأبوة والأمومة والأخوة مظاهر لغريزة النوع. وهكذا كل مظهر من المظاهر يرجع إلى غريزة من هذه الغرائز.
هذا من ناحية الغرائز، أمّا من ناحية الدماغ، فالحقيقة هي أن الدماغ واحد وأنّ تفاوت الأفكار واختلافها نابع لتفاوت المحسوسات والمعلومات السابقة واختلافها، وتابع لتفاوت قوة الربط. وأنه لا توجد في دماغ قابلية لا توجد في الآخر بل جميع الأدمغة فيها قابلية الفكر في كل شيء متى توفر الواقع المحسوس والحواس والمعلومات السابقة والدماغ. وإنّما تتفاوت الأدمغة في قوة الربط وفي قوة الإحساس كما تتفاوت العيون في قوة الإبصار وضعفه، وكما تتفاوت الآذان في قوة السمع وضعفه. ولذلك يمكن إعطاء كل فرد أي معلومات وفيه قابلية لهضمها، ولا أساس لما جاء في علم النفس من القابليات للأدمغة أو للدماغ الواحد.
وعلى هذا فاعتبار علم النفس للغرائز اعتباراً خاطئاً، واعتباره للدماغ اعتباراً خاطئاً أدى إلى خطأ النظريات التي بُنيت على أساسها.
أمّا علم الاجتماع فمبني في جملته على نظرته للفرد والمجتمع، فهي مبنية على النظرة الفردية. ولهذا تنتقل نظرتها من الفرد إلى الأسرة، وإلى الجماعة، وإلى المجتمع، على اعتبار أن المجتمع مكون من أفراد. ولهذا تعتبر المجتمعات منفصلة وأن ما يصلح لمجتمع لا يصلح لمجتمع آخر. وبنى علماء الاجتماع على هذه النظرة نظريات خاطئة، وكان ذلك السبب الرئيسي الذي أدى إلى الخطأ في أفكار علم الاجتماع.
والحقيقة هي أن المجتمع ليس مكوناً من أفراد مطلقاً، فالفرد مع الفرد مع الفرد يكوّنون جماعة وليس مجتمعاً، والجماعة لا تشكل مجتمعاً إلاّ إذا نشأت بين أفرادها علاقات دائمية، فإذا لم تنشأ علاقات ظلوا جماعة. ومن هنا كان وجود عشرة آلاف شخص مسافرين في باخرة لا يجعل منهم مجتمعاً بل يظلون جماعة، ولكن وجود مائتي شخص في قرية يشكلون مجتمعاً لِما بينهم من علاقات دائمية. فوجود العلاقة الدائمية بين الجماعة هو الذي يجعل منهم مجتمعاً. فالبحث في المجتمع يجب أن يكون بحثاً في العلاقات لا بحثاً في الجماعة. إلاّ أن الذي يوجِد هذه العلاقة بين الأفراد إنّما هو المصلحة التي لهم، فإذا كانت هنالك مصلحة لهم نشأت بينهم علاقة، وإذا لم تكن هناك مصلحة لا تنشأ علاقات. والمصلحة لا تُنشئ علاقة إلاّ إذا اجتمعت فيها ثلاثة أمور: أحدها أن يتوحد فكر الطرفين على اعتبار أن هذه مصلحة، فإذا رآها أحدهما مصلحة والآخر رآها مفسدة لا تنشأ بينهما علاقة، فلأجل أن تنشأ العلاقة يجب أن يراها كل منهما أنها مصلحة. والثاني أن تتوحد المشاعر على المصلحة، فإذا فرح لها الطرفان أو غضبوا منها تكوّنت علاقة، أمّا إذا فرح بها أحدهما وغضب منها الآخر لا تنشأ منها علاقة. والثالث أن يتوحد النظام الذي ينظم هذه المصلحة، فإذا نظم أحد الطرفين المصلحة على نظام ورفض الآخر هذا النظام ونظمها على نظام آخر لا تنشأ بينهما علاقة، فلا بد أن يتفق الطرفان على كيفية تنظيم المصلحة لهما.
فبتوحيد الأفكار والمشاعر والأنظمة في الأفراد ينشأ المجتمع. إلاّ أن هؤلاء الأفراد يُنشئون مجتمعاً معيناً خاصاً بهم، فإذا أرادوا ضم غيرهم لهم من مجتمعات أخرى، كان عليهم أن ينقضوا الأفكار والمشاعر والنظام عند الطرفين بأفكار ومشاعر وأنظمة أخرى للجميع حتى يكوّنوا مجتمعاً، ولذلك لا يكون تعريف المجتمع بالأفراد منطبقاً على المجتمع المبدئي وإنّما ينطبق على مجتمع خاص.
أمّا المجتمع بمعناه الصحيح فهو مكون من الإنسان والأفكار والمشاعر والأنظمة، وأن ما يصلح من أفكار ومعالَجات للإنسان في مكان ما يصلح للإنسان في كل مكان ويحوّل المجتمعات المتعددة إلى مجتمع واحد تصلحه الأفكار والمشاعر والأنظمة.
والفرق بين الإنسان والفرد، أنك حين تبحث محمداً وخالداً وحسناً بما لكل منهم من صفات لا يشاركه فيها غيره من بني الإنسان طبيعياً فتكون قد بحثتَ فيه باعتباره فرداً، وإذا بحثتَ محمداً وخالداً وحسناً بما عنده من أمور فطرية طبيعية موجودة عند بني الإنسان طبيعياً فتكون قد بحثتَ فيه باعتباره إنساناً وإن كنت تبحث أشخاصاً معينين. ومن هنا كان إصلاح المجتمع إصلاحاً جذرياً إنّما يكون ببحث المجتمع باعتباره إنساناً وأفكاراً ومشاعر وأنظمة لا باعتباره فرداً. فالنظرة إذن نظرة إنسانية لا نظرة فردية حتى لو بُحثت في فرد معين.
هذا هو تعريف المجتمع، وهذه هي النظرة الصحيحة له. وهذا هو واقع المجتمع وواقع الجماعة وواقع الفرد. وبهذا يتبين أن خطأ النظرة إلى المجتمع ترتب عليها خطأ النظريات، وترتب عليها خطأ علم الاجتماع في جملته.
أمّا ما جاء في علم الاجتماع عن الجماعة من حيث الضعف العام في إدراك الأمور لها عن الفرد الواحد، ومن ناحية قربها لإثارة المشاعر أكثر من الفرد، فالصحة فيه ليست آتية من ناحية النظرة إلى المجتمع وإنّما هي آتية من حيث غلبة المعلومات الكثيرة المترددة على المعلومات الفردية فتتحكم بالحكم على الواقع، وآتية من حيث أن مظهر القطيع الذي يظهر في الجماعة يثير المشاعر لأنه من مظاهر غريزة البقاء.
وعلى ذلك فإن كل ما بُني على النظرة إلى المجتمع فهو فاسد، وما صح منه تكون صحته آتية من كونه ناتجاً عن سبب آخر لا عن النظرة إلى المجتمع. وعلى هذا فإن علم الاجتماع فاسد لأنه مبني على نظرة فاسدة وهي النظرة إلى المجتمع والفرد.
أمّا علوم التربية فهي مبنية على علم النفس ومتأثرة بنظريات علم الاجتماع، وناتجة عن ملاحظة أعمال الأفراد وأحوال الأطفال. وهذا يجعل علوم التربية مختلط فيها الصحيح بالفاسد، فما بُني على علم النفس وتأثر بعلم الاجتماع فهو فاسد. وفساده هذا أدى إلى الوقوع في أفكار تربوية فاسدة أدت إلى فساد مناهج التعليم وطرقه. فاعتبار الطفل غير قابل لبعض العلوم وقابلاً للبعض الآخر اعتبار فاسد، ولذلك كان تقسيم التعليم إلى علمي وأدبي وترك الشخص يختار حسب استعداده/ من أفسد الأمور. فهو مخالف للواقع ومُضِر في صالح الأمّة. واعتبار الشخص غير قابل لتعلم بعض العلوم وقابلاً لغيرها اعتبار فاسد أيضاً، وقد أدى إلى حرمان الكثيرين من تعلم بعض العلوم وحرمان الكثيرين من مواصلة التعليم.
أمّا ما بُني من علوم التربية على ملاحظة الأطفال وملاحظة أعمال الأفراد في ظروف وأحوال مختلفة، فإنّ ما كان منها موافقاً للواقع صحيح الاستنتاج كالتعب والراحة والنشاط الذهني وما شاكل ذلك، فإنه صحيح في جملته. وما كان منها غير موافق للواقع مثل تقسيم السنة إلى ثلاثة فصول وإعطاء أربعة أشهر عطلة للتلميذ، ومثل الامتحانات وما شاكلها فإنه خطأ في جملته. ومن هنا جاء خطأ النظريات التربوية وفساد علوم التربية في جملتها، وخاصة فيما بُني على علم النفس وتأثر بعلم الاجتماع.

الطريقة العلمية والطريقة العقلية

الطريقة العلمية هي منهج معين في البحث يُسلك للوصول إلى معرفة حقيقة الشيء الذي يُبحث عنه عن طريق إجراء تجارب على الشيء، ولا تكون إلاّ في بحث المواد المحسوسة، ولا يتأتى وجودها في بحث الأفكار. وهي تكون بإخضاع المادة لظروف وعوامل غير ظروفها وعواملها الأصلية، وملاحظة المادة والظروف والعوامل الأصلية التي أُخضعت لها ثم تُستنتج من هذه العملية على المادة حقيقة مادية ملموسة، كما هي الحال في المختبرات.
وتفرض هذه الطريقة التخلي عن جميع المعلومات السابقة عن الشيء الذي يُبحث وعدم وجودها، ثم تبدأ بملاحظة المادة وتجربتها، لأنها تقتضيك إذا أردت بحثاً أن تمحو من نفسك كل رأي وكل إيمان سابق لك في هذا البحث وأن تبدأ بالملاحظة والتجربة ثم بالموازنة والترتيب ثم بالاستنباط القائم على هذه المقدمات العلمية، فإذا وصلت إلى نتيجة من ذلك كانت نتيجة علمية خاضعة بطبيعة الحال للبحث والتمحيص، ولكنها تظل علمية ما لم يثبِت البحث العلمي تسرب الخطأ إلى ناحية من نواحيها.
فالنتيجة التي يصل إليها الباحث على الطريقة العلمية هي مع تسميتها حقيقة علمية أو قانوناً علمياً فإنها ليست قطعية وإنّما هي ظنية فيها قابلية الخطأ. وقابلية الخطأ هذه في الطريقة العلمية أساس من الأساس التي يجب أن تلاحَظ فيها حسب ما هو مقرر في البحث العلمي. وقد حصل الخطأ في نتائجها بالفعل وظهر ذلك في كثير من المعارف العلمية التي تبيَّن فسادها بعد أن كان يُطلَق عليها حقائق علمية. فمثلاً الذرّة كان يقال عنها إنها أصغر جزء في المادة ولا تنقسم، فظهر خطأ ذلك وتبين بالطريقة العلمية نفسها أنها تنقسم.
وعلى هذا تكون الطريقة العلمية خاصة بالمادة لأن من أسسها الرئيسية التجربة على المادة بإخضاعها لظروف وعوامل غير ظروفها وعواملها الأصلية، وهذا لا يتأتى في الفكر إذ لا يمكن أن تجري عليه تجربة. وعلى هذا أيضاً تكون النتائج التي يُتوصل إليها في الطريقة العلمية نتائج ظنية وليست قطعية، وفيها قابلية الخطأ.
أمّا الطريقة العقلية فهي منهج معين في البحث يُسلك للوصول إلى معرفة حقيقة الشيء الذي يُبحث عنه عن طريق نقل الحس بالواقع بواسطة الحواس إلى الدماغ ووجود معلومات سابقة يفسَّر بواسطتها الواقع، فيُصدر الدماغ حكمه عليه. وهذا الحكم هو الفكر أو الإدراك العقلي. وتكون في بحث المواد المحسوسة وفي بحث الأفكار، وهي الطريقة الطبيعية في الوصول إلى الإدراك من حيث هو، وعمليتها هي التي يتكون بها عقل الأشياء أي إدراكها، وهي نفسها تعريف للعقل، وعلى منهجها يصل الإنسان من حيث هو إنسان إلى إدراك أي شيء سبق أن أدركه أو يريد إدراكه.
إلاّ أن النتيجة التي يصل إليها الباحث على الطريقة العقلية يُنظر فيها: فإن كانت هذه النتيجة هي الحكم على وجود الشيء فهي قطعية لا يمكن أن يتسرب الخطأ إليها مطلقاً ولا بحال من الأحوال. وذلك لأن هذا الحكم جاء عن طريق الإحساس بالواقع، والحس لا يمكن أن يخطئ بوجود الواقع، إذ أن إحساس الحواس بوجود الواقع قطعي، فالحكم الذي يصدره العقل عن وجود الواقع في هذه الطريقة قطعي.
أمّا المغالطات التي تحصل فيخطئ فيها الحس مثل رؤية السراب وظنه أنه ماء ورؤية القلم الصحيح المستقيم وهو في كوب من الماء أنه مكسور أو أعوج، فليس خطأ في وجود الواقع وإنّما هو خطأ في صفات الواقع، فهو لم يخطئ في وجود شيء وهو السراب أو القلم، وإنّما أخطا في صفة الشيء فقال عن السراب إنه ماء وعن القلم الصحيح المستقيم إنه مكسور أو أعوج.
وهكذا في جميع الأشياء مهما حصلت فيها من مغالطات، فإن الحس لا يمكن أن يخطئ في وجودها، فهو حين يحس بوجود شيء يكون هذا الشيء موجوداً قطعاً، والحكم على وجوده يكون قطعياً. أمّا إن كانت النتيجة هي الحكم على حقيقة الشيء أو صفته فإنها تكون نتيجة ظنية فيها قابلية الخطأ، لأن هذا الحكم جاء عن طريق المعلومات أو تحليلات الواقع المحسوس مع المعلومات، وهذه يمكن أن يتسرب إليها الخطأ ولكنها تبقى فكراً صائباً حتى يتبين خطؤها وحينئذ فقط يُحكم عليها بالخطأ، وقبل ذلك تبقى نتيجة صائبة وفكراً صحيحاً.
أمّا البحث المنطقي فليس طريقة في التفكير وإنّما هو أسلوب من أساليب البحث المبنية على الطريقة العقلية، لأن البحث المنطقي هو بناء فكر على فكر بحيث يُنتهى إلى الحس والوصول عن طريق هذا البناء إلى نتيجة معينة مثل: لوح الكتابة خشب، وكل خشب يحترق، فتكون النتيجة أن لوح الكتابة يحترق. ومثل: لو كان في الشاة المذبوحة حياة لتحركت لكنها لم تتحرك، فتكون النتيجة أنه لا توجد في الشاة المذبوحة حياة، وهكذا. فقد قرنت في المثال الأول فكرة كل خشب يحترق مع فكرة لوح الكتابة خشب، فنتج عن هذا الاقتران أن لوح الكتابة يحترق. وقرن في المثال الثاني كون الشاة المذبوحة لم تتحرك مع فكرة أن الحياة في الشاة تجعلها تتحرك، فنتج عن هذا الاقتران أن الشاة المذبوحة لا توجد فيها حياة.
فهذا البحث المنطقي إذا كانت قضاياه التي تتضمن الأفكار التي جرى اقترانها صادقة، تكون النتيجة صادقة، وإذا كانت كاذبة تكون النتيجة كاذبة. وشرط المقدمات أن تنتهي كل قضية منها إلى الحس، ولذلك ترجع إلى الطريقة العقلية ويحكم فيها الحس حتى يُفهم صدقها. ومن هنا كانت أسلوباً من الأساليب المبنية على الطريقة العقلية وفيها قابلية الكذب وفيها قابلية المغالطة، وبدل أن يُختبر صدق المنطق بالرجوع إلى الطريقة العقلية فالأوْلى أن تُستعمل الطريقة العقلية في البحث ابتداءً وأن لا يُلجأ إلى الأسلوب المنطقي. وإن كان يمكن أن يُستعمل إذا صحت قضاياه بإرجاعها إلى الطريقة العقلية.
وعلى هذا فإن للتفكير طريقتين اثنتين فقط هما: الطريقة العلمية والطريقة العقلية. والأولى تفرض التخلي عن المعلومات السابقة، والثانية تحتم وجود المعلومات السابقة. والطريقة العقلية هي الأساس في التفكير وبها وحدها ينشأ الفكر، وبدونها لا ينشأ فكر ولا يتأتى أن توجد الطريقة العلمية ولا الأسلوب المنطقي ولا غير ذلك. فبواسطة الطريقة العقلية يوجد إدراك الحقائق العلمية بالملاحظة والتجربة والاستنتاج؛ وبواسطتها يوجد إدراك الحقائق المنطقية في المنطق وما شابهه؛ وبواسطتها يوجد إدراك حقائق التاريخ وتمييز الخطأ من الصواب فيها؛ وبواسطتها توجد عند الإنسان الفكرة الكلية عن الكون والإنسان والحياة، وعن حقائق الكون والإنسان والحياة.
أمّا الطريقة العلمية فإنها لا يمكن أن توجَد ولا يتأتى أن تكون إلاّ إذا بُنيت على الطريقة العقلية وعلى ما ثبت بالطريقة العقلية. فمن الطبيعي، ومن المحتم، أن لا تكون هي أساساً للتفكير. على أن الطريقة العلمية تقضي بأن كل ما لا يُلمس مادياً لا وجود له في نظر الطريقة العلمية، وإذن لا وجود للمنطق ولا للتاريخ وغيرهما، لأن ذلك لم يثبت علمياً، أي لم يثبت عن طريق ملاحظة المادة وتجربتها والاستنتاج المادي للأشياء الملموسة، وهذا هو الخطأ الفاحش، لأن العلوم الطبيعية فرع من فروع المعرفة، وفكر من الأفكار، وباقي معارف الحياة كثيرة، وهي لم تثبت بالطريقة العلمية، بل تثبت بالطريقة العقلية، ولذلك لا يجوز أن تُتخذ الطريقة العلمية أساساً للتفكير. والذي يجب أن يُتخذ أساساً للتفكير هو الطريقة العقلية وحدها.
على أن هذا لا يعني أن الطريقة العلمية طريقة خاطئة، بل الخطأ هو جعلها أساساً للتفكير، لأن جعلها أساساً لا يتأتى إذ هي ليست أصلاً يُبنى عليها وإنّما هي فرع بُني على أصل، ولأن جعلها أساساً يُخرِج أكثر المعارف والحقائق عن البحث، ويؤدي إلى الحكم على عدم وجود كثير من المعارف التي تُدرس والتي تتضمن حقائق مع أنها موجودة بالفعل، وملموسة بالحس والواقع.
على أن الطريقة العلمية ظنية وقابلية الخطأ فيها أساس من الأسس التي يجب أن تلاحَظ فيها، فلا يجوز أن تُتخذ أساساً للتفكير. وذلك أن الطريقة العلمية توجِد نتيجة ظنية عن وجود الشيء وعن صفته. وأمّا الطريقة العقلية فإنها تُعطي نتيجة قطعية عن وجود الشيء وعن وجود صفات معينة له. وإن كانت تعطي نتيجة ظنية عن كنه الشيء وحقيقة صفته، فهي من حيث حكمها على وجود الشيء ووجود صفات معينة له قطعية يقينية فيجب أن تُتخذ هي أساساً للبحث باعتبار أن نتائجها قطعية. وعلى هذا فلو تعارضت نتيجة عقلية مع نتيجة علمية عن وجود الشيء وعن وجود صفة معينة له، تؤخذ النتيجة العقلية حتماً، وتُترك النتيجة العلمية التي تتعارض مع النتيجة العقلية، لأن القطعي هو الذي يؤخذ لا الظني.
ومن هنا كان الخطأ الموجود في العالِم هو اتخاذه للطريقة العلمية أساساً للتفكير، وجعلها حكماً في الحكم على الأشياء، فيجب أن يصحح هذا الخطأ، ويجب أن تصبح الطريقة العقلية هي أساس التفكير وهي التي يُرجع إليها في الحكم على الأشياء.

rajaab
13-06-2005, 08:15 PM
المجتمع

قال تعالى : (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء) .
قال تعالى : (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) .

خلق الله الإنسان، وخلق فيه خاصيات : الغرائز والحاجات العضوية والإدراك ومن هذه الغرائز غريزة النوع، ومن مظاهرها الميل الجنسي وحب الأبناء واحترام الآباء، وهذه المظاهر توجد علاقات بين الرجل والمرأة، وبين الآباء والأبناء.
وغريزة البقاء، ومن مظاهرها، حب القوم، وحب الوطن وحب السيطرة والسيادة، وهذه المظاهر توجد علاقات بين أبناء القبيلة أو العشيرة أو الوطن، وغريزة البقاء، تدفع الإنسان أن يتعاون مع غيره من الناس لاتقاء الأخطار كخطر الحيوانات الكاسرة، والأنهار الجارفة، وذلك ببناء البيوت والسدود، وكخطر المجموعات البشرية الأخرى، لأن الفرد وحده لا يستطيع أن يقوم بمثل هذه الأعمال الجسام ليستفيد منها في المحافظة على بقائه كفرد، وهذا يدفعه لإيجاد علاقات مع غيره من أجل القيام بمثل هذه الأعمال الضرورية لحياته.
وغريزة التدين التي هي الشعور بالنقص والعجز والاحتياج، تدفع الفرد للبحث عما يسد هذا العجز والنقص والاحتياج، فتنشأ علاقات بين الأفراد أحياناً لسد هذا الشعور، فيرى أحدهم في الآخر ما يسد هذا العجز لديه، فيقدسه ،كما حصل عند المصريين القدماء الذين عبدوا فرعون من دون الله .
فالإنسان يندفع بسبب غرائزه وحاجاته العضوية، ليعيش مع غيره، وبذلك تنشأ علاقات متنوعة بين الناس، من أجل أن يهيئوا لأنفسهم إشباع غرائزهم وحاجاتهم العضوية.
فالإنسان مدني بالطبع، لأن غرائزه وحاجاته العضوية تدفعه للعيش مع غيره وإيجاد علاقات معهم.
فالمجتمع، أي مجتمع مكون من أفراد وعلاقات طبيعية ناتجة عن دوافع الإشباع عند الأفراد.
فإن تركت هذه العلاقات بين أفراد المجتمع دون تنظيم صحيح أدت بهم إلى الفوضى والصراع على الأشياء والأعمال اللازمة لحياة الإنسان، وكان أول هذا الصراع الدامي بين ابني آدم عليه السلام هابيل وقابيل، قال تعالى : (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق، إذ قربا قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر، قال : لأقتلنك) إلى قوله تعالى: (فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله، فأصبح من الخاسرين) . ونتيجة عدم التنظيم يحرم الأغنياء الفقراء من المال والطعام، قال تعالى : (كلا بل لا تكرمون اليتيم، ولا تحاضون على طعام المسكين، وتأكلون التراث أكلاً لماً وتحبون المال حباً جماً) ، ونتيجة عدم التنظيم يقتل الأقوياء الضعفاء، قال تعالى : (إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم إنه كان من المفسدين) .
والعلاقات بين الأفراد، توجد عندهم أفكاراً عن الأشياء والأفعال اللازمة للإشباع، فيحكمون على شيء بأنه حسن وعلى شيء آخر بأنه قبيح وعلى فعل بأنه حسن وعلى فعل آخر بأنه قبيح، بناء على صلاحية الشيء أو الفعل للإشباع، فهم بعد أن أحسوا بالأشياء والأفعال، واستخدموها للإشباع صار لديهم معلومات عن كونها تشبع أو لا تشبع، إلا أن هذه الأحكام الغريزية تختلف من شخص لآخر، ومن مجموعة لأخرى.
والأفكار تجاه الأشياء والأفعال التي لها علاقة بالإشباع، تكون لدى الإنسان مشاعر، فيميل لما يشبع، ويعرض عما لا يشبع.
فإن كانت هذه الأفكار والمشاعر عند أكثر من واحد، أو عند مجموعة من الناس، استطاعوا أن ينظموا علاقاتهم بناء على هذه الأفكار والمشاعر، وبذلك ينشأ لديهم نظام.
فإن اجتمع أفراد على أرض ليعيشوا معاً، فغريزة البقاء تدفعهم لتملك الأرض، من أجل أن يزرعوها ليحصلوا على ما يسد حاجاتهم العضوية. وطبيعية الأرض تختلف من مكان لآخر، حسب خصبها وقربها من السكن ومن الماء، وحسب سهولة الانتفاع بها، مما يوجد بين هؤلاء الناس علاقات تجاه الأرض وقد يقتتلون بسببها، فيستولى القوي على حصة الضعيف بعد أن يقتله أو يطرده.
ونتيجة هذا الصراع يبقى الأقوى في الأرض مع أسرته، فيكبر أفرادها ويتناسلون، فينشأ بينهم الصراع من جديد من أجل امتلاك الأرض، وهكذا دواليك.
وقد تتدخل غريزة النوع، وتدفع أبناء الأسرة إلى أن يحافظوا على اجتماعهم لبقاء نوعهم، فيتداولوا فيما بينهم في مشاكلهم، ويخرجوا بتنظيم لعلاقاتهم تجاه الأرض.
فعلاقاتهم حول الأرض أوجدت لديهم أفكاراً عنها، وهي احترام الأرض، واعتبارها سبب رزق لهم، وبذلك وجد لديهم مشاعر الحب للأرض، إلا أن اختلاف الغرائز والحاجات العضوية من قوة وضعف عندهم، دفعت بعضهم لمخالفة هذه الأفكار، فاعتدوا على أرض غيرهم واغتصبوها وقتلوهم أو طردوهم من أجلها، وهذا العمل يخالف مفاهيم الآخرين عن الأرض. ويتعارض مع نظرتهم إليها ومع مصالحهم، فيلجأون لوضع نظام، لمعاقبة من يعتدي على حقوق الآخرين، فيتفق أغلبهم على نظام معين، لتحديد الأفعال الحسنة والأفعال القبيحة، ولتحديد عقوبة المخالف من أجل ردعه وردع غيره.
فالمجتمع حسب نشأته الطبيعية يكون كالتالي : أفراد يعيشون معاً، فأفكار للحكم على علاقات الأفراد، فمشاعر جماعية نحو الميل للأشياء والأفعال أو الإحجام عنها، فنظام لتطبيق الأفكار وتنظيم العلاقات.
فمكونات المجتمع، أي مجتمع، هي الأفراد والأفكار والمشاعر والأنظمة.
وهذا التكوين تكوين طبيعي نتيجة للخاصيات التي خلقها الله في الأفراد، فجعلتهم يعيشون مجتمعين كشعوب وقبائل، قال تعالى : (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) ، والشعب الجمع من الناس، والقبيلة جمع من الناس ينتسبون إلى رجل واحد.
والمجتمع كائن حي كالفرد، ولكن مكوناته تختلف عن مكونات الفرد،فإن وجدت هذه المكونات مجتمعة في مجموعة من الناس سميت مجتمعاً وإلا فلا.
وهذه المكونات الأربع هي : الأفراد والأفكار والمشاعر والأنظمة، فإن لم توجد أي مكونة من المكونات الأربع لا تكوِّن الثلاث الباقية مجتمعاً.

المجتمع المتميز :

قال عليه السلام : (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) .

فالمجتمع المتميز هو المجتمع الذي يكون فيه الأفراد والأفكار والمشاعر والأنظمة من جنس واحد، ولا يتأتى ذلك إلا إذا كان الأفراد يعتنقون عقيدة أساسية واحدة، تصلح لأن يبتنى عليها جميع الأفكار اللازمة لإشباع غرائز الأفراد وحاجاتهم العضوية، ولحل مشكلات الحياة التي تعترضهم.
فالمجتمع الإسلامي – مثلاً – هو المجتمع الذي معظم أفراد عادة من المسلمين، يعتنقون العقيدة الإسلامية، ويبنون أفكارهم، أي حكمهم على الأشياء، والأفعال على أساس هذه العقيدة، فتتكون لديهم مشاعر موحدة نتيجة نظرتهم الموحدة للحياة، فيكون لديهم مشاعر موحدة نتيجة نظرتهم الموحدة للحياة، فيميلون للحلال، ويعرضون عن الحرام، ويطبقون نظام الإسلام في علاقاتهم جميعها، علاقاتهم بربهم وبأنفسهم وبغيرهم.
فالمجتمع الإسلامي، أفراده معظمهم مسلمون، وأفكار أفراده ومشاعرهم إسلامية، والنظام المطبق عليهم كالنظام الإسلامي.
والمجتمع الإسلامي كائن حي متجانس، وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) .
ولا يكون المجتمع متميزاً إلا إذا كانت العقيدة التي يعتنقها أفراده فكرة كلية عن الكون والإنسان والحياة، ينبثق عنها أفكار تنظم جميع العلاقات الداخلية للأفراد، وتنظم علاقة المجتمع بغيره من المجتمعات.
ولا توجد هذه العقيدة الأساسية إلا في المبدأ، لأن المبدأ عقيدة عقلية ينبثق عنها نظام.
وبما أن المبادئ التي ينطبق عليها هذا التعريف في العالم ثلاثة : الإسلام، والرأسمالية، والشيوعية، فإن المجتمعات المتميزة ثلاثة أيضاً : المجتمع الشيوعي، والمجتمع الرأسمالي، والمجتمع الإسلامي الذي لا وجود له اليوم، لأن الشعوب الإسلامية الموجودة الآن، يطبق عليها نظام غير نظام الإسلام، فهي ليست مجتمعات إسلامية، وإن كان أفرادها مسلمين يعتنقون العقيدة الإسلامية وأفكارهم ومشاعرهم إسلامية، غير أن الأنظمة التي تعالج مشكلات حياتهم، كنظام الحكم، والنظام الاقتصادي، ونظام العقوبات والمعاملات، أنظمة غير إسلامية.
والمجتمع الرأسمالي مجتمع متميز، لأن أفراده يعتنقون العقيدة الرأسمالية، وهي فصل الدين عن الحياة، وأفكارهم تنبثق عن هذه العقيدة، ومشاعرهم تجاه الأشياء والأفعال موحدة ناتجة عن هذه الأفكار، والأنظمة التي يطبقونها في حل مشكلاتهم، ويتعاملون بها مع غيرهم من الدول والشعوب منبثقة من هذه العقيدة.
فالمجتمع المتميز يؤمن أغلب أفراده بمبدأ، ويطبقونه على أنفسهم ويحملونه إلى غيرهم.


المجتمع غير المتميز :

وكما أن الأفراد فيهم شخصيات متميزة، وشخصيات غير متميزة، فإن في المجتمعات، مجتمعاً متميزاً، ومجتمعاً غير متميز.
فالمجتمع المتميز – كما ذكرنا سابقاً – هو المجتمع المبدئي، والذي تكون مكوناته الأربع : الأفراد والأفكار والمشاعر والأنظمة من جنس واحد أي من جنس ذلك المبدأ.
والمجتمع غير المتميز، هو المجتمع الذي تكون مكوناته الأربع (الأفراد والأفكار والمشاعر والأنظمة) ليس من جنس واحد، وإن اختلفت واحدة من المكونات أو أكثر عن الباقية لا يكون المجتمع مجتمعاً متميزاً، ولا ينسب إلى مبدأ من المبادئ، وإنما ينسب إلى شيء آخر كوطنه أو قومه فيقال المجتمع المصري، أو المجتمع العربي، ولا يقال لأي منهما المجتمع الرأسمالي أو المجتمع الشيوعي، بينما المجتمع الأمريكي مجتمع رأسمالي، والمجتمع الصيني مجتمع شيوعي.
والمجتمع الهندي مثلا مجتمع غير متميز، فلا يقال عنه مجتمع رأسمالي أو مجتمع شيوعي، أو هندوسي أو بوذي، لأن أفراده يعتنقون عقائد لا تنبثق عنها أفكار أو نظم لمعالجة جميع مشكلات الإنسان، ولأنه يطبق عليهم نظام لا يمت بصلة إلى عقائد وأفكار ومشاعر هؤلاء الأفراد، فالعناصر المكونة للمجتمع الهندي (الأفراد والأفكار والمشاعر والأنظمة) ليست من جنس واحد، فمنهم المسلم ومنهم البوذي، ومنهم عبدة البقر، ومنهم النصراني، وأفكارهم نحو الأشياء والأفعال تختلف بالنسبة لأفكارهم المنبثقة عن عقائدهم ويطبق عليهم النظام الرأسمالي منذ أن استعمر بلادهم الإنجليز، فمجتمعهم غير متجانس وليس له لون واحد معين، فيسمى باسم بلدهم فيقال المجتمع الهندي، وهو مجتمع غير متميز، فلا ينسب لأي مبدأ من المبادئ الثلاثة الموجودة في العالم.

العلاقة بين العناصر المكونة للمجتمع:

إن أفكار المجتمع إن أصبحت مفاهيم، ولدت لدى أصحابها مشاعر من نفس جنس الأفكار، فالمجتمع الإسلامي – مثلاً – الذي يدرك أفراده أن حكم الصلاة فرض، تثور لديهم مشاعر السخط تجاه من يتهاون في هذا الحكم، وتثور لديهم مشاعر الرضى إن سمعوا المؤذن يدعو إلى الصلاة، لأن أفكارهم عن الصلاة أصبحت مفاهيم، وصارت ميولهم ناجمة عن هذه المفاهيم، وبذلك يطلبون أن يوقع الحاكم العقاب الرادع على تارك الصلاة، ويطلبون منه أن يهتم بالمساجد، لأن المجتمع الذي تطبق عليه أنظمة من جنس الأفكار والمفاهيم التي يعتنقها ويتبناها أفراده، يكون حريصاً على تنفيذ هذه الأنظمة، وعيناً ساهرة للمحافظة عليها، وأما أفراد المجتمع الذين تطبق عليهم أنظمة غير أفكارهم ومفاهيمهم، وتكون مخالفة لمشاعرهم، فإنهم لا يهتمون بتطبيق هذه الأنظمة، بل يتذمرون منها ويسعون لتغييرها من أجل أن تتفق ومفاهيمهم، وتنسجم مع مشاعرهم.
وقد يلقن المجتمع أفكاراً لا تنبع من عقيدته، فتكون هذه الأفكار لدى أفراده مجرد معلومات، يستظهرونها ويرددونها، ويطلقون من خلالها حكمهم على الأشياء والأفعال، ولكنها لا ترقى لتصبح عندهم مفاهيم، فلا تكون مشاعرهم حسبها، وإن كان النظام المطبق عليهم والمستند إلى هذه الأفكار يجبرهم على التصرف بناء عليها. في هذه الحالة يحصل الانفصال في شخصية هذا المجتمع، فيحب أفراده أموراً، ويميلون إلى أمور، ولكنهم يفعلون أموراً تخالف ميولهم، وذلك لعدم ربطهم بين أفكارهم التي لقنوها، وبين مشاعرهم التي تستند إلى العقيدة التي يعتنقونها، فالمسلم في مثل هذا المجتمع يرتكب الحرام كالربا، وشرب الخمر وفي نفس الوقت يصرح بأن ما يفعله حرام، ويحاول إيجاد المبررات لارتكابه هذه الأفعال، وهو أيضاً يرتاح لسماع الأذان وقراءة القرآن، ويحس في نفسه بمشاعر روحية، ولكنه لا يصلي ولا يقرأ القرآن.
هذا الانفصام في شخصية المجتمع مرض خطير، يقف عقبة في طريق نهضة المجتمع ورقيه، وصعوبة تعترض من يريد تغييره إلى مجتمع متميز.

BOOOB_2002
13-06-2005, 09:47 PM
يعطيك العافية اخوي وجزاك الله خير


قرأت بعض من الموضوع ولازلت اقرأ


سلامي

ابو خالد
19-06-2005, 10:58 AM
السلام عليكم
بارك الله فيك اخى ونفع بك
وجزاك الله خيرا
دمجت الموضوعيين ببعضهما حتى تعم الفائده
شكرا لك والسلام عليكم