the centaur
17-06-2005, 07:18 PM
عندما كان الإمام حاكم المسلمين :
إمام الفقراء :
بالرغم من كل الآلام والمصائب التي عاناها الإمام فقد كان يباشر بنفسه شؤون الناس ، ولم يكن يعادي أحداً عداوة شخصية ، حتى الذين كانوا يعادون الإمام ويضمرون له الكراهية والحقد كانوا يأخذون نصيبهم وحقهم من بيت المال ، حتى أصحابه والمقرّبين إليه كانوا يأخذون حقوقهم دون أي امتياز عن الآخرين .
ذات يوم جاءته امرأة اسمها " سودة " شاكية بعض جباة الأموال والضرائب ، كان الإمام يصلّي ولكنه شعر بظل امرأة فأسرع في صلاته ثم التفت إليها وقال بعطف :
-ألكِ حاجة ؟
قالت سودة باكية : أشكوك ظلم عاملك على الخراج .
فتأثر الإمام بشدّة وبكى ثم رفع طرفه إلى السماء وقال : " اللهم إنك تعلم أني لم آمرهم بظلم عبادك ، ثم تناول قطعة من الجلد وكتب عليه أمره بإقالة ذلك العامل من منصبه ، وسلّمه إلى " سودة " التي انطلقت إلى موطنها سعيدة راضية " .
وذات يوم وصلته أخبار من البصرة تفيد بأن الوالي " عثمان بن حنيف " قد دُعي إلى وليمة أقامها أحد الأثرياء فلبّى دعوته ، فبعث الإمام إليه برسالة يعاتبه فيها ويحذّره مما وراء تلك الدعوات والولائم وأن هؤلاء الأثرياء ليس هدفهم إطعام الطعام بل أنها نوع من الرشاوي والبحث عن النفوذ والسلطة في المدينة من خلال الولاة .
وقد جاء في الرسالة مختلف المواعظ والحكم التي تدفع إلى التفكير والتأمل :
" أما بعد يابن حنيف ؛ فقد بلغني أن رجلاً من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها تستطاب لك الألوان وتُنقل إليك الجفان ، وما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفوّ ، وغنيّهم مدعوّ. . .
ألا وان لكل مأموم إماما يقتدي به ويستضيء بنور علمه ، ألا وان إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ومن طعمه بقرصيه " .
وقد سئل أحد أصحابه وهو " عدي بن حاتم الطائي " عن سياسة أمير المؤمنين فقال : رأيت القوي عنده ضعيفاً حتى يأخذ الحق منه ورأيت عنده الضعيف قوياً حتى يأخذ الحق له .
ويقول عن نفسه : وكيف أكون إماماً للناس ولا أشاركهم آلامهم وفقرهم ؟ !
وهو لا يقيم للسلطة والنفوذ وكرسي الحكم وزناً .
يسأل ابنَ عباس ذات يوم وكان يخصف نعله :
- ما قيمة هذه النعل ؟
فقال ابن عباس بعد أن ألقى نظرة فاحصة :
- إنها رخيصة بل لا قيمة لها .
عندها قال الإمام : إنّ قيمتها عندي لأفضل من السلطة والحكم إلاّ أن اُقيم حقاً أو اُبطل باطلاً .
إلغاء الامتيازات :
عندما تصدى الإمام إلى الخلافة أعلن منذ اليوم الأول سياسته القائمة على العدل والمساواة بين الناس ، لا فرق بين عربي وأعجمي إلاّ بالتقوى ، ولا بين السادة والعبيد . وقد لامه البعض واقترح عليه العودة إلى السياسة القديمة التي كان يتبعها الخلفاء .
فقال الإمام مستنكراً : أتأمروني أن أطلب النصر بالجور ؟!
ثم قال : لو كان المال لي لسويت بينهم فكيف وإنما المال مال الله .
جاءه أخوه عقيل ذات يوم ، فرحَّب به الإمام ، ولما حان وقت العشاء لم يجد عقيل على المائدة غير الخبز والملح فتعجب ، وقال : ليس إلاّ ما أرى .
فردّ الإمام : أو ليس هذا من نعمة الله وله الحمد كثيراً .
وطلب عقيل منه مبلغاً من المال لسداد دينه فقال الإمام : اصبر عني يخرج عطائي.
فانزعج عقيل وقال : بيت المال في يدك وأنت تسوّقني إلى عطائك .
فقال الإمام : ما أنا إلا بمنزلة رجل من المسلمين .
كان عقيل يلحّ على الإمام أن يعطيه من بيت المال ، فقال الإمام : إن شئت أخذتَ سيفك وأخذت سيفي وخرجنا معاً إلى الحيرة فأنّ بها تجاراً مياسير ، فدخلنا على بعضهم فأخذنا ماله .
فقال عقيل مستنكراً : أو سارقاً جئتُ ؟ !
عندها أجابه الإمام : تسرق من واحد خير من أن تسرق من المسلمين جميعاً .
هكذا عاش الإمام فترة حكمه كلها وهو يأكل أكل الفقراء ويعيش حياة البسطاء.
ولما قالوا له إن معاوية ينفق الأموال ويوزع الرشاوى لكي يحرز النصر ، فلما ذا لا تصنع مثله ؟ قال الإمام مستنكراً :
- أتأمروني أن اطلب النصر بالجور ؟ !
واستغاثت به امرأة طردها زوجها في يوم قائظ شديد الحر ، فأسرع يردّها إلى زوجها ويصلح بينهما .
وبعد أن طرق الباب خرج شاب لا يعرف الإمام . وعندما عاتبه الإمام على فعله صرخ بوجه الإمام غاضباً وراح يتوعد امرأته بالعذاب لأنها جاءت بهذا الرجل .
وفي الأثناء مرّ بعض الناس و كانوا يعرفون الإمام ( عليه السلام ) فسلّموا عليه قائلين : السلام عليك يا أمير المؤمنين .
واندهش الشاب وسقط على يد الإمام يقبل يده و يعتذر ، وعاهده إلاّ يعود إلى مثلها ؛ فوعظهما الإمام ونصحهما لتكون حياتهما طيبة هانئة .
غدير خم :
في العام العاشر من الهجرة حجّ الرسول ( صلى الله عليه وآله ) حجة الوداع ، وكان في تلك المدّة يفكر في مسألة الخلافة وهو يشعر بدنو أجله ورحيله عن الدنيا فكان يحاول تمهيد الأمور إلى خليفته ووصيه علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) .
وطالما سمع الصحابةُ رسولَ الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو يقول :
" علي مع الحق و الحق مع علي " ، " أنا مدينة العلم و علي بابها " .
وكان جابر بن عبد الله الأنصاري يقول : ما كنّا نعرف المنافقين إلاّ ببغضهم علياً.
فقد سمع الصحابةُ سيدنا محمّد ( صلى الله عليه وآله ) يقول : " أيّها الناس أوصيكم بحب أخي و ابن عمي علي بن أبي طالب فإنّه لا يحبه إلاّ مؤمن و لا يبغضه إلاّ منافق ".
وفي 18 من ذي الحجة عندما عاد سيدنا محمد ( صلى الله عليه وآله ) من حجة الوداع ومعه أكثر من مئة ألف من المسلمين ، هبط جبريل يحمل أمر السماء .
فتوقف الرسول ( صلى الله عليه وآله ) في منطقة يقال لها " غدير خم " .
وأمر المسلمين بالتوقف ، وفي تلك الصحراء الحارقة خطب الرسول بالمسلمين قائلاً : " أيّها الناس يوشك أن أُدعى فأجيب وإني مسؤول وإنّكم مسؤولون : فماذا انتم قائلون " ؟ !
قالوا نشهد أنك قد بلّغت ، وجاهدت ونصحت فجزاك الله خيراً .
فقال : " أليس تشهدون أن لا إله ألاّ الله ، وأن محمداً عبده ورسوله وأن جنته حق ، وأن ناره حق ، وأن الموت حق وأن البعث بعد الموت حق ، وأن الساعة لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور " ؟ !
قالوا نشهد بذلك .
قال : " اللهم اشهد " .
ثم قال ( صلى الله عليه وآله ) : " أيها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وإني مخلّف فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ".
كان عشرات الألوف من المسلمين ينظرون إلى سيدنا محمد وهو يرفع يد وصيّه وخليفته عالياً .
واندفع الصحابة والمسلمون يسلّمون على علي ( عليه السلام ) ويهنئونه قائلين ، السلام عليك يا وليّ المؤمنين .
الخلافة :
توفي سيدنا محمد ( صلى الله عليه وآله ) وفُجع المسلمون برحيله ، وفي تلك الأثناء اجتمع بعض الصحابة بعيداً عن أعين المسلمين و اغتصبوا الخلافة ، ووجد الإمام علي ( عليه السلام ) نفسه وحيداً ، ففضّل السكوت حفاظاً على الدين ومصلحة المسلمين .
وعندما وصلت الخلافة إلى عثمان تسلّل الأمويون إلى الحكم فعمّ الفساد في أنحاء الدولة الإسلامية ؛ وراحوا يتململون من ظلم وقهر الحكام الأمويين .
وعندما وجد المسلمون أن عثمان يساند ولاته وينفي بعض الصحابة كأبي ذر ويجلد البعض الآخر مثل عمار بن ياسر ، أعلنوا الثورة وجاءوا إلى المدينة المنورة يطلبون من عثمان التنازل عن الخلافة .
حاول الإمام علي ( عليه السلام ) إصلاح الأمور وقدم نصائحه للخليفة للعودة إلى عدالة الإسلام وعدم الإصغاء إلى المنافقين من أمثال " مروان بن الحكم " .
ولكن لا فائدة .
وتصاعد غضب المسلمين وحاصروا قصر الخلافة .
كانت حياة عثمان في خطر ، فبادر الإمام إلى إرسال ولديه " الحسن والحسين " إلى القصر ، ووقفا أمام الباب لحماية الخليفة من هجوم الثائرين .
كان عثمان مُصراً على سياسته ، وكان الثوّار في ذروة الغضب ، وانفجر الموقف عندما تَسوّر بعض الثوّار القصر ، ودخلوا على عثمان وقتلوه .
واندفعت الجماهير إلى منزل علي ( عليه السلام ) يطلبون منه تسلّم مسؤولية الخلافة ، وقد رفض الإمام بشدةٍ ذلك في بداية الأمر ولكنه وافق بعد إصرار الناس ، فتصدّى إلى الحكم وإدارة البلاد وتنفيذ عدالة الإسلام .
وهكذا انتبه المسلمون بعد ( 25 ) سنة ، فأعادوا الحق إلى صاحبه .
حكومة علي ( عليه السلام ) :
أعلن الإمام ( عليه السلام ) منذ اليوم الأول سياسته في الحكم ، وأعلن منهجه القائم على المساواة والعدل ، وأنّه سيعيد الحقوق إلى نصابها ، وينتصف للمظلوم من الظالم .
لقد تعوّد الناس طوال المدّة السابقة على الظلم وعلى الامتيازات وتجمعت الثروات الهائلة عند البعض من الصحابة والأمويين ، بينما المسلمون يعيشون حياةً صعبة محرومين من لقمة العيش الكريم .
خاف بعض الأثرياء على مصالحهم وامتيازاتهم من عدل علي ( عليه السلام ) فاختلقوا الأسباب للوقوف في وجه الحكم الجديد ، فاشتعلت الحروب الداخلية ، فكانت معركة " الجمل " في البصرة أول معركة ، ثم تلتها حرب " صفين " وبعدها معركة "النهروان " .
استشهاد الإمام :
بعد هزيمة الخوارج في معركة النهروان اجتمع ثلاثة منهم ؛ وهم " ابن ملجم " و " الحجّاج بن عبد الله " و " عمر بن بكر التميمي " وتشاوروا في قتل معاوية وعمرو بن العاص و" علي بن أبي طالب " ، وتعهد ابن ملجم باغتيال علي ( عليه السلام ) .
وفي يوم 19 من شهر رمضان المبارك سنة 40 هجرية . نفّذ ابن ملجم جريمته .
كان الإمام يصلّي بالمؤمنين صلاة الفجر في مسجد الكوفة ، و تسلّل " ابن ملجم" خفية ، ثم اقترب من الإمام وكان ساجداً ، وعندما رفع الإمام ( عليه السلام ) رأسه هوى المجرم بسيفه المسموم على رأسه ، وتدفّقت الدماء الطاهرة لتصبغ المحراب بلونها القاني ، و هتف الإمام : " فُزتُ و ربِّ الكعبة ".
وسمع الناس نداءً في السماء : تهدّمت و الله أركان الهدى ، قتل اتقى الأتقياء . . . قتله أشقى الأشقياء .
حاول المجرم الفرار من الكوفة فأُلقي القبض عليه .
فقال له الإمام :
- ألم أُحسن إليك ؟
فأجاب ابن ملجم :
- نعم .
وأراد الناس الإنتقام من المجرم ولكن الإمام منعهم ، وأوصى ابنه الحسن ( عليه السلام ) أن يحسن إليه مادام حيا .
ولما استُشهد الإمام نفّذ الإمام الحسن حُكم الشريعة بالمجرم ، وذلك في يوم 21 رمضان .
وهكذا رحل الإمام عن الدنيا وكان عمره بعمر سيدنا محمد ( صلى الله عليه وآله) أي 63 سنة ، وحُمل جثمانه إلى خارج الكوفة و دُفن سِرّاً تحت جُنح الظلام .
أخوكم
THE CENTAUR
إمام الفقراء :
بالرغم من كل الآلام والمصائب التي عاناها الإمام فقد كان يباشر بنفسه شؤون الناس ، ولم يكن يعادي أحداً عداوة شخصية ، حتى الذين كانوا يعادون الإمام ويضمرون له الكراهية والحقد كانوا يأخذون نصيبهم وحقهم من بيت المال ، حتى أصحابه والمقرّبين إليه كانوا يأخذون حقوقهم دون أي امتياز عن الآخرين .
ذات يوم جاءته امرأة اسمها " سودة " شاكية بعض جباة الأموال والضرائب ، كان الإمام يصلّي ولكنه شعر بظل امرأة فأسرع في صلاته ثم التفت إليها وقال بعطف :
-ألكِ حاجة ؟
قالت سودة باكية : أشكوك ظلم عاملك على الخراج .
فتأثر الإمام بشدّة وبكى ثم رفع طرفه إلى السماء وقال : " اللهم إنك تعلم أني لم آمرهم بظلم عبادك ، ثم تناول قطعة من الجلد وكتب عليه أمره بإقالة ذلك العامل من منصبه ، وسلّمه إلى " سودة " التي انطلقت إلى موطنها سعيدة راضية " .
وذات يوم وصلته أخبار من البصرة تفيد بأن الوالي " عثمان بن حنيف " قد دُعي إلى وليمة أقامها أحد الأثرياء فلبّى دعوته ، فبعث الإمام إليه برسالة يعاتبه فيها ويحذّره مما وراء تلك الدعوات والولائم وأن هؤلاء الأثرياء ليس هدفهم إطعام الطعام بل أنها نوع من الرشاوي والبحث عن النفوذ والسلطة في المدينة من خلال الولاة .
وقد جاء في الرسالة مختلف المواعظ والحكم التي تدفع إلى التفكير والتأمل :
" أما بعد يابن حنيف ؛ فقد بلغني أن رجلاً من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها تستطاب لك الألوان وتُنقل إليك الجفان ، وما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفوّ ، وغنيّهم مدعوّ. . .
ألا وان لكل مأموم إماما يقتدي به ويستضيء بنور علمه ، ألا وان إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ومن طعمه بقرصيه " .
وقد سئل أحد أصحابه وهو " عدي بن حاتم الطائي " عن سياسة أمير المؤمنين فقال : رأيت القوي عنده ضعيفاً حتى يأخذ الحق منه ورأيت عنده الضعيف قوياً حتى يأخذ الحق له .
ويقول عن نفسه : وكيف أكون إماماً للناس ولا أشاركهم آلامهم وفقرهم ؟ !
وهو لا يقيم للسلطة والنفوذ وكرسي الحكم وزناً .
يسأل ابنَ عباس ذات يوم وكان يخصف نعله :
- ما قيمة هذه النعل ؟
فقال ابن عباس بعد أن ألقى نظرة فاحصة :
- إنها رخيصة بل لا قيمة لها .
عندها قال الإمام : إنّ قيمتها عندي لأفضل من السلطة والحكم إلاّ أن اُقيم حقاً أو اُبطل باطلاً .
إلغاء الامتيازات :
عندما تصدى الإمام إلى الخلافة أعلن منذ اليوم الأول سياسته القائمة على العدل والمساواة بين الناس ، لا فرق بين عربي وأعجمي إلاّ بالتقوى ، ولا بين السادة والعبيد . وقد لامه البعض واقترح عليه العودة إلى السياسة القديمة التي كان يتبعها الخلفاء .
فقال الإمام مستنكراً : أتأمروني أن أطلب النصر بالجور ؟!
ثم قال : لو كان المال لي لسويت بينهم فكيف وإنما المال مال الله .
جاءه أخوه عقيل ذات يوم ، فرحَّب به الإمام ، ولما حان وقت العشاء لم يجد عقيل على المائدة غير الخبز والملح فتعجب ، وقال : ليس إلاّ ما أرى .
فردّ الإمام : أو ليس هذا من نعمة الله وله الحمد كثيراً .
وطلب عقيل منه مبلغاً من المال لسداد دينه فقال الإمام : اصبر عني يخرج عطائي.
فانزعج عقيل وقال : بيت المال في يدك وأنت تسوّقني إلى عطائك .
فقال الإمام : ما أنا إلا بمنزلة رجل من المسلمين .
كان عقيل يلحّ على الإمام أن يعطيه من بيت المال ، فقال الإمام : إن شئت أخذتَ سيفك وأخذت سيفي وخرجنا معاً إلى الحيرة فأنّ بها تجاراً مياسير ، فدخلنا على بعضهم فأخذنا ماله .
فقال عقيل مستنكراً : أو سارقاً جئتُ ؟ !
عندها أجابه الإمام : تسرق من واحد خير من أن تسرق من المسلمين جميعاً .
هكذا عاش الإمام فترة حكمه كلها وهو يأكل أكل الفقراء ويعيش حياة البسطاء.
ولما قالوا له إن معاوية ينفق الأموال ويوزع الرشاوى لكي يحرز النصر ، فلما ذا لا تصنع مثله ؟ قال الإمام مستنكراً :
- أتأمروني أن اطلب النصر بالجور ؟ !
واستغاثت به امرأة طردها زوجها في يوم قائظ شديد الحر ، فأسرع يردّها إلى زوجها ويصلح بينهما .
وبعد أن طرق الباب خرج شاب لا يعرف الإمام . وعندما عاتبه الإمام على فعله صرخ بوجه الإمام غاضباً وراح يتوعد امرأته بالعذاب لأنها جاءت بهذا الرجل .
وفي الأثناء مرّ بعض الناس و كانوا يعرفون الإمام ( عليه السلام ) فسلّموا عليه قائلين : السلام عليك يا أمير المؤمنين .
واندهش الشاب وسقط على يد الإمام يقبل يده و يعتذر ، وعاهده إلاّ يعود إلى مثلها ؛ فوعظهما الإمام ونصحهما لتكون حياتهما طيبة هانئة .
غدير خم :
في العام العاشر من الهجرة حجّ الرسول ( صلى الله عليه وآله ) حجة الوداع ، وكان في تلك المدّة يفكر في مسألة الخلافة وهو يشعر بدنو أجله ورحيله عن الدنيا فكان يحاول تمهيد الأمور إلى خليفته ووصيه علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) .
وطالما سمع الصحابةُ رسولَ الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو يقول :
" علي مع الحق و الحق مع علي " ، " أنا مدينة العلم و علي بابها " .
وكان جابر بن عبد الله الأنصاري يقول : ما كنّا نعرف المنافقين إلاّ ببغضهم علياً.
فقد سمع الصحابةُ سيدنا محمّد ( صلى الله عليه وآله ) يقول : " أيّها الناس أوصيكم بحب أخي و ابن عمي علي بن أبي طالب فإنّه لا يحبه إلاّ مؤمن و لا يبغضه إلاّ منافق ".
وفي 18 من ذي الحجة عندما عاد سيدنا محمد ( صلى الله عليه وآله ) من حجة الوداع ومعه أكثر من مئة ألف من المسلمين ، هبط جبريل يحمل أمر السماء .
فتوقف الرسول ( صلى الله عليه وآله ) في منطقة يقال لها " غدير خم " .
وأمر المسلمين بالتوقف ، وفي تلك الصحراء الحارقة خطب الرسول بالمسلمين قائلاً : " أيّها الناس يوشك أن أُدعى فأجيب وإني مسؤول وإنّكم مسؤولون : فماذا انتم قائلون " ؟ !
قالوا نشهد أنك قد بلّغت ، وجاهدت ونصحت فجزاك الله خيراً .
فقال : " أليس تشهدون أن لا إله ألاّ الله ، وأن محمداً عبده ورسوله وأن جنته حق ، وأن ناره حق ، وأن الموت حق وأن البعث بعد الموت حق ، وأن الساعة لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور " ؟ !
قالوا نشهد بذلك .
قال : " اللهم اشهد " .
ثم قال ( صلى الله عليه وآله ) : " أيها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وإني مخلّف فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ".
كان عشرات الألوف من المسلمين ينظرون إلى سيدنا محمد وهو يرفع يد وصيّه وخليفته عالياً .
واندفع الصحابة والمسلمون يسلّمون على علي ( عليه السلام ) ويهنئونه قائلين ، السلام عليك يا وليّ المؤمنين .
الخلافة :
توفي سيدنا محمد ( صلى الله عليه وآله ) وفُجع المسلمون برحيله ، وفي تلك الأثناء اجتمع بعض الصحابة بعيداً عن أعين المسلمين و اغتصبوا الخلافة ، ووجد الإمام علي ( عليه السلام ) نفسه وحيداً ، ففضّل السكوت حفاظاً على الدين ومصلحة المسلمين .
وعندما وصلت الخلافة إلى عثمان تسلّل الأمويون إلى الحكم فعمّ الفساد في أنحاء الدولة الإسلامية ؛ وراحوا يتململون من ظلم وقهر الحكام الأمويين .
وعندما وجد المسلمون أن عثمان يساند ولاته وينفي بعض الصحابة كأبي ذر ويجلد البعض الآخر مثل عمار بن ياسر ، أعلنوا الثورة وجاءوا إلى المدينة المنورة يطلبون من عثمان التنازل عن الخلافة .
حاول الإمام علي ( عليه السلام ) إصلاح الأمور وقدم نصائحه للخليفة للعودة إلى عدالة الإسلام وعدم الإصغاء إلى المنافقين من أمثال " مروان بن الحكم " .
ولكن لا فائدة .
وتصاعد غضب المسلمين وحاصروا قصر الخلافة .
كانت حياة عثمان في خطر ، فبادر الإمام إلى إرسال ولديه " الحسن والحسين " إلى القصر ، ووقفا أمام الباب لحماية الخليفة من هجوم الثائرين .
كان عثمان مُصراً على سياسته ، وكان الثوّار في ذروة الغضب ، وانفجر الموقف عندما تَسوّر بعض الثوّار القصر ، ودخلوا على عثمان وقتلوه .
واندفعت الجماهير إلى منزل علي ( عليه السلام ) يطلبون منه تسلّم مسؤولية الخلافة ، وقد رفض الإمام بشدةٍ ذلك في بداية الأمر ولكنه وافق بعد إصرار الناس ، فتصدّى إلى الحكم وإدارة البلاد وتنفيذ عدالة الإسلام .
وهكذا انتبه المسلمون بعد ( 25 ) سنة ، فأعادوا الحق إلى صاحبه .
حكومة علي ( عليه السلام ) :
أعلن الإمام ( عليه السلام ) منذ اليوم الأول سياسته في الحكم ، وأعلن منهجه القائم على المساواة والعدل ، وأنّه سيعيد الحقوق إلى نصابها ، وينتصف للمظلوم من الظالم .
لقد تعوّد الناس طوال المدّة السابقة على الظلم وعلى الامتيازات وتجمعت الثروات الهائلة عند البعض من الصحابة والأمويين ، بينما المسلمون يعيشون حياةً صعبة محرومين من لقمة العيش الكريم .
خاف بعض الأثرياء على مصالحهم وامتيازاتهم من عدل علي ( عليه السلام ) فاختلقوا الأسباب للوقوف في وجه الحكم الجديد ، فاشتعلت الحروب الداخلية ، فكانت معركة " الجمل " في البصرة أول معركة ، ثم تلتها حرب " صفين " وبعدها معركة "النهروان " .
استشهاد الإمام :
بعد هزيمة الخوارج في معركة النهروان اجتمع ثلاثة منهم ؛ وهم " ابن ملجم " و " الحجّاج بن عبد الله " و " عمر بن بكر التميمي " وتشاوروا في قتل معاوية وعمرو بن العاص و" علي بن أبي طالب " ، وتعهد ابن ملجم باغتيال علي ( عليه السلام ) .
وفي يوم 19 من شهر رمضان المبارك سنة 40 هجرية . نفّذ ابن ملجم جريمته .
كان الإمام يصلّي بالمؤمنين صلاة الفجر في مسجد الكوفة ، و تسلّل " ابن ملجم" خفية ، ثم اقترب من الإمام وكان ساجداً ، وعندما رفع الإمام ( عليه السلام ) رأسه هوى المجرم بسيفه المسموم على رأسه ، وتدفّقت الدماء الطاهرة لتصبغ المحراب بلونها القاني ، و هتف الإمام : " فُزتُ و ربِّ الكعبة ".
وسمع الناس نداءً في السماء : تهدّمت و الله أركان الهدى ، قتل اتقى الأتقياء . . . قتله أشقى الأشقياء .
حاول المجرم الفرار من الكوفة فأُلقي القبض عليه .
فقال له الإمام :
- ألم أُحسن إليك ؟
فأجاب ابن ملجم :
- نعم .
وأراد الناس الإنتقام من المجرم ولكن الإمام منعهم ، وأوصى ابنه الحسن ( عليه السلام ) أن يحسن إليه مادام حيا .
ولما استُشهد الإمام نفّذ الإمام الحسن حُكم الشريعة بالمجرم ، وذلك في يوم 21 رمضان .
وهكذا رحل الإمام عن الدنيا وكان عمره بعمر سيدنا محمد ( صلى الله عليه وآله) أي 63 سنة ، وحُمل جثمانه إلى خارج الكوفة و دُفن سِرّاً تحت جُنح الظلام .
أخوكم
THE CENTAUR