المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة الغرانيق ومفاهيم يجب ان تصحح



ruff
21-06-2005, 05:01 PM
كما هو معلوم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بدأ الدعوة في مكة شرّفها الله تبارك وتعالى وتلقى من قومه الأذى وتحمل صلوات الله وسلامه عليه وأوذي أصحابه وقُتل منهم قتل كوالد عمّار بن ياسر وأمه وعُذّب من عُذّب كعمار وبلال وصهيب وعبد الله بن مسعود وغيرهم واضطر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك إلى أن يأذن لأصحابه بالهجرة وأمرهم أن يهاجروا إلى الحبشة وأخبرهم أن ملكاً هناك لا يُظلم عنده أحد فأمر الصحابة أن يهاجروا إلى الحبشة فهاجروا مجموعة من الصحابة إلى الحبشة وظل الباقون في مكة يدعون إلى الله تبارك وتعالى ويصبرون على أذى المشركين وكان أن وقع في يوم من الأيام وذلك بعد نزول قول الله تبارك وتعالى في سورة النجم "والنجم إذا هوى وما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.....إلى آخر السورة" لما بلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم "فاسجدوا لله واعبدوا" سجد صلوات الله وسلامه عليه وسجد الصحابة رضي الله تبارك وتعالى عنهم وقال ابن مسعود: وسجد الإنس والجن وسجد مشركوا مكة يقول إلا رجل واحد أخذ تراب من الأرض وضعه على جبهته وقال: يكفيني هذا، وأما باقي الكفار فكلهم لم يتمالكوا أنفسهم أن سجدوا لله تبارك وتعالى. ذُكرت آية في هذه السورة وهي قول الله تبارك وتعالى "أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى" وقصة الغرانيق هي أنها لما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي أو يقرأ هذه السورة لما بلغ قول الله تبارك وتعالى "أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى" سمع الناس قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى. قالوا: ولهذا سجد كفّار مكة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه مدح أصنامهم وذُكرت في هذه القصة أسانيد كثيرة ذكر الحافظ بن حجر أنها صحيحة ولكنها مرسلة ثم توصل إلى قول وهي وإن كانت ضعيفة من حيث الإرسال إلا إنها مع كثرتها يظهر أن القصة لها أصل. ولاشك أن القصة باطلة بهذه الصورة وهي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مدح أصنامهم، كيف؟ والنبي صلى الله عليه وآله وسلم أنزل الله تبارك وتعالى عليه "قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد" وذلك لما عرض كفار مكة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يعبد أصنامهم سنة وأن يعبدوا الله وحده لا شريك له سنة فأنزل الله إليه تلك الآيات، فلا يعقل أبداً أن يمدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصنامهم. ثم كذلك السجود إنما كان في آخر السورة كما هو معلوم ولو كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يمدح هذه الأصنام ويقول تلك الغرانيق العلا قالوا: ألقاها الشيطان على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم بدون قصد منه صلوات الله وسلامه عليه وذلك عند قول الله تبارك وتعالى "وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته" فقالوا: إن الشيطان هو الذي ألقى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك الكلام فظنه صلوات الله وسلامه عليه من جبريل لما كانت تنزل عليه هذه السورة ويقرأها فجبريل يقرأ والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يسمع ويقرأ على الناس فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تدخل جبريل وسط هذه القراءة لما بلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع جبريل "أفرأيتم اللات والعزى ومنات الثالثة الأخرى" فألقى إليه الشيطان تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى، فظن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن هذا من جبريل فقالها فأُعجب كفار مكة بهذا القول. وهذا القول باطل لأمور كثيرة:

أولاً: لا يمكن أبداً لا يستطيع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يفرق بين كلام جبريل وكلام الشيطان فكيف يُعقل أن يقول إنسان عاقل تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى؟ فكيف ينسب هذا إلى أعقل الناس صلوات الله وسلامه عليه؟

ثانياً: إذا كان الشيطان يلقي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا يفرّق بين قوله وقول جبريل فلا ثقةً إذاً بالشرع فكل ما عندنا من شرع يمكن أن يكون ألقاه الشيطان ولم يفرّق النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين قول جبريل وقول الشيطان. ثم أن هذه من المسائل المعروفة عند كل أحد فكيف تخفى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فهذه من مسائل العقيدة العظام التي لا تخفى على أحد ولا يُعذر أحد بجهلها فكيف يقع هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم كيف يكون الشيطان تسلّط على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

ثالثاً: ثم يقال إن هذا الأمر إن كان من الشيطان فإنه حمله بعض أهل العلم على أن الشيطان قلّد صوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي تكلّم بهذا، بل قلد الشيطان صوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصاح في كفار مكة تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى، فظن كفار مكة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو ظن الذين سمعوا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي قال ذلك الكلام، وهذا أقرب الأقوال إذا قلنا بصحة الآثار، وإذ قلنا بضعفها وهو الصحيح فلا داعي أبداً لهذا التأويل. وتبقى القصة باطلة ولا تقبل أبداً أن تكون وقعت من النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ومن أراد أن يتوسع في هذا فليرجع إلى كتاب أحكام القرآن لأبي بكر بن العربي فإنه رد ذلك القول جملة وتفصيلا رحمه الله تبارك وتعالى






للشيخ عثمان الخميس