الحاظوي
30-06-2005, 05:09 PM
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، حبيبنا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجميع، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، رضي الله عنهم جميعا. وبعد:
فالحديث عن نهاية التاريخ حديث عن أمر غيبي، لا مستند لنا فيه إلا القرآن وصحيح السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم. وقد تكاثرت الأحاديث الدالة على قرب الساعة(نهاية التاريخ)، وعلى الملاحم التي ستقع في آخر الزمان بين جبهتين كبيرتين، هما الجبهة الرومية المتمثلة في الدول الغربية والأوربية، والجبهة الإسلامية، وقد ثبت الحديث:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ستصالحكم الروم} وفي روايةٍ أخرَى قال: {تصالحون الروم صلحًا آمنًا حتى تغزوا أنتم وهم عدوًّا من ورائهم، فتنصرون وتسلمون وتغنمون وتنصرفون حتى تنزلوا بمرج ذي تلول، فيقول قائل من الروم: غلب الصليب، ويقول قائل من المسلمين: بل الله غلب، فيثور المسلم إلى صليبهم وهو منه غير بعيدٍ فيدقّه، وتثور الروم إلى كاسر صليبهم فيضربون عنقه، ويثور المسلمون إلى أسلحتهم فيقتتلون، فيكرم الله تلك العصابة من المسلمين بالشهادة، فتقول الروم لصاحب الروم: كفيناك العرب، فيغدرون فيجتمعون للملحمة فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كلّ غاية اثنا عشر ألفًا} وفي روايةٍ أخرَى قال: {فعند ذلك تغدر الروم وتكون الملاحم فيجتمعون إليكم فيأتونكم في ثمانين غاية مع كل غاية عشرة آلاف}(صحَّحه ابن حبان والحاكم والذهبي والألباني والأرنؤوط) وقد يكون فتح فارس (إيران) ضمن هذه الحرب أو قبلها، وكثير من النصارى يعود بعد هذه الحرب مع المسلمين مسلمين، بعدها تكون الملحمة الكبرَى.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فسطاط المسلمين يوم الملحمة الكبرى بأرضٍ يُقال لها (الغوطة) فيها مدينة يُقال لها (دمشق) خير منازل المسلمين يومئذ}(صحيح الجامع) وقال: {لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق، فيخرج إليهم جيشٌ من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافُّوا قالت الروم: خلُّوا بيننا وبين الذين سُبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله لا نخلّي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدًا ويُقتل ثلثهم أفضل الشهداء عند الله ويفتتح الثلث لا يُفتنون أبدًا فيفتتحون قسطنطينية فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علَّقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان إنَّ المسيح قد خلفكم في أهليكم فيخرجون وذلك باطل، فإذا جاؤوا الشام خرج، فبينما هم يعدّون للقتال يسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فأَمّهم فإذا رآه عدوّ الله ذاب كما يذوب الملح في الماء فلو تركه لانذاب حتى يهلك ولكن يقتله الله بيده فيريهم دمه في حربته}(صحيح مسلم) وفي تفصيل أكثر لأحداث الملحمة الكبرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {...وتكون عند ذاكم القتال رِدّةٌ شديدة فيشترط المسلمون شرطة -(وهي طائفة من الجيش تقدم)- للموت لا ترجع إلاّ غالبة، فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل فيفيء هؤلاء وهؤلاء كلٌّ غير غالب وتفنَى الشرطة، ثمَّ يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلاّ غالبة فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل فيفيء هؤلاء وهؤلاء كلٌّ غير غالب وتفنَى الشرطة، ثمَّ يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلاّ غالبة فيقتتلون حتى يمسوا فيفيء هؤلاء وهؤلاء كلٌّ غير غالب وتفنى الشرطة، فإذا كان اليوم الرابع نهد إليهم بقية أهل الإسلام فيجعل الله الديرة -(الدائرة)- عليهم -(على الروم)- فيقتلون مقتلة إمّا قال: لا يُرَى مثلها وإمّا قال: لم يُرَ مثلها، حتى إنّ الطائر ليمرّ بجنباتهم فما يخلفهم حتى يخرّ ميتا، فيتعادّ بنو الأب كانوا مائة فلا يجدونه بقي منهم إلاّ الرجل الواحد، فبأيّ غنيمةٍ يُفرح أو أيّ ميراثٍ يُقسم...}(صحيح مسلم)
ثمَّ تُفتح القسطنطينية (اسطنبول)؛ يفتحها 70 ألفًا من بني إسحاق بالتهليل والتكبير (بلا قتال).
قال النبي صلى الله عليه وسلم: {سمعتم بمدينة جانبٌ منها في البَرّ وجانبٌ في البحر؟} قالوا: نعم يا رسول الله، (يعني القسطنطينية؛ وهي اسطنبول) قال: {لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفًا من بني إسحاق فإذا جاؤوها نزلوا فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم، قالوا: لا إله إلاّ الله والله أكبر فيسقط أحد جانبيها. قال ثور -راوي الحديث-: لا أعلمه إلاّ قال: الذي في البحر، ثمَّ يقولوا الثانية لا إله إلاّ الله والله أكبر فيسقط جانبها الآخر، ثمَّ يقولوا الثالثة لا إله إلاّ الله والله أكبر فيفرّج لهم فيدخلوها، فبينما هم يقتسمون المغانم إذ جاءهم الصريخ فقال: إنَّ الدجّال قد خرج فيتركون كلّ شيء ويرجعون}(رواه مسلم).
وروى الحاكم في مستدركه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: {الملحمة العظمى وفتح القسطنطينية وخروج الدجال في سبعة أشهر} سكت عنه الحاكم والذهبي.
وبعد هذا العرض المختصر لنظرية الإسلام لنهاية التاريخ، وأن النصر النهائي سيكون لدولة الإسلام على النصارى، ثم يعقب ذلك خروج يأجوج ومأجوج، ثم يرسل الله ريحا فتقبض نفس كل مؤمن انتهت إليه، ويبقى شرار الخلق، وعليهم تقوم الساعة.
وأما النظرة الغربية لنهاية التاريخ وتفسير الصراعات العالمية المستقبلية، فتظهر في نظريتين مشهورتين، نعرض لهما فيما يلي:
يعد الحديث الشهير الذي وقع في الحادي عشر من سبتمبر حدثا تاريخيا مهما في تاريخ العالم المعاصر، ولعلها المرة الأولى التي يشاهد فيها كل من تابع ذلك الحدث مباشرة امتزاج الأجواء الهوليوودية بالواقع، فرغم أن الغزو العراقي لدولة الكويت، واحتلالها كان حدثاً أقرب ما يكون إلى الخيال منه إلى الواقع وقتها إلا أنه لم يخرج عن سياق اجتياح الجيوش للأراضي واعتداء القوي المصاب بجنون العظمة، مدفوعاً بغروره، وشخصيته الانفصامية، وصلفه وحساباته الخاطئة على الضعيف المرتكن إلى عوامل سياسية وعلاقات جوار وقربى لم تفلح جميعها في حمايته من غدر الجار وجبروته وظلمه.
الفرق هنا في الأحداث التي حولت أشهر برجين إلى ركام، ودمرت جزءًا من وزارة الدفاع الأمريكية، وخلّفت آلاف القتلى، وأصابت أسطورة أمن المواطن الأمريكي في مقتل، إنها ضربة وُجهت من الطرف الأضعف إلى الطرف الأقوى بكل المعايير والحسابات المنطقية التي لا يختلف عليها اثنان، مهما اختلفت درجة علمهما أو جهلهما أو انحيازهما إلى طرف دون آخر، كأنما الكويت هي التي احتلت العراق في المثال الأول الأقرب للأحداث التي عشناها في ذهول غير مصدقين مع الفوارق المعروفة التي لا تخفى على أحد.
ولا شك أن الذي اختار العنوان الذي وضعته الـ C.N.N خلال الأيام الأولى للأحداث «America under attack» أو أمريكا تتعرض للهجوم، كان موفقاً وبارعاً إلى أقصى الحدود في إشارته وتلخيصه للموقف، فقد اختار «المانشيت» الأكثر إثارة ومناسبة، واتجه إلى الفكرة التي لا يمكن أن تخطر على بال أحد، وهي أن تتعرض أمريكا لهجوم بهذا الحجم ـ أو أقل منه حتى ـ في وقت بلغت فيه أوج عظمتها وقوتها ودانت لها السيادة والسيطرة على كل العالم بعد أن اختفى عدوها التقليدي الاتحاد السوفييتي وانسحب من الساحة وانتهت باختفائه الحرب الباردة، وقُبرت النظرية الشيوعية تحت ركام الانهيار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الذي خلفه تفتت الاتحاد السوفييتي وانفراط عقد المنظومة الاشتراكية التي أفقرت الشعوب وأفسدت أنظمة الحكم وبددت الحلم الكبير التي عيّشت فيه طبقات الشعب العاملة المتطلعة للرفاهية ردحاً من الزمن، ليصحو العالم على تحطيم جدار برلين إشارة لنهاية حقبة وبداية حقبة جديدة من الزمن وجد الفلاسفة والمفكرون فيها مرتعاً خصباً لنظرياتهم وأفكارهم وتحليلاتهم التي كان أبرزها أطروحة «نهاية التاريخ» لفرانسيس فوكوياما الياباني الأصل الأمريكي الجنسية، ونظرية «صدام الحضارات» لصامويل هنتنجتون.
تصور «فوكوياما» نهاية التاريخ بانتصار الليبرالية الرأسمالية الديمقراطية على كل شئون العالم بعد سقوط حائط برلين عام 1989م، وقال: «ربما كنا نشهد نهاية التاريخ بما هو: نقطة النهاية للتطور الأيديولوجي للبشرية وتعميم الليبرالية الديمقراطية الغربية على مستوى العالم كشكل نهائي للحكومة الإنسانية.. وللتأكيد فقد تحدث بعض الصراعات في أماكن من العالم الثالث، ولكن الصراع الكبير قد انتهى وليس في أوروبا فقط (وبالتحديد في العالم غير الأوروبي) حيث حدثت التغيرات الكبرى خاصة في الصين والاتحاد السوفييتي.
لقد انتهت حرب الأفكار، وقد يظل المؤمنون بالماركسية اللينينية موجودين في أماكن مثل (ماناجوا، بيونج يانج، كمبريدج، ماساشوسيتس)، ولكن الديمقراطية الليبرالية الشاملة قد انتصرت، وسوف يكون المستقبل مكرساً ليس من أجل الصراعات الكبرى الحامية حول الأفكار، بل من أجل حل المشكلات الاقتصادية والفنية المعاشة».
ثم ينهي كلامه بأسف قائلاً: «إن ذلك سيكون مضجراً».
هذه النظرية أو التصور الذي طرحه «فوكوياما» كان يقوم على افتراض أن انتهاء الحرب الباردة يعني انتهاء الصراع الكبير في السياسة الكونية وظهور عالم واحد منسجم نسبياً.. ولكنه في الواقع أو بالتجربة ـ كما يقول هنتنجتون صاحب نظرية صدام الحضارات ـ كان نتيجة لحظة الشعور بالبهجة في نهاية الحرب الباردة، فقد ولدت تلك اللحظة وهماً بالتوافق والانسجام سرعان ما تكشف أنه وهم بالفعل، فقد أصبح العالم مختلفاً في أوائل السبعينيات، ولكنه بالضرورة ليس أكثر سلاماً، التغير كان حتمياً، التقدم لم يكن كذلك.
ازدهرت أوهام مماثلة عن التوافق والانسجام في نهاية كل من صراعات القرن العشرين الرئيسية الأخرى، في السنوات الخمس التي تلت سقوط حائط برلين كانت كلمة «المذبحة الجماعية» تتردد أكثر مما سبق على مدى أي خمس سنوات أخرى من الحرب الباردة، من الواضح أن نموذج عالم واحد منسجم بعيد جداً ومنفصل عن الواقع لكي يكون دليلاً مفيداً لعالم ما بعد الحرب الباردة.
ولذلك يتجه هنتنجتون إلى أن عالم ما بعد الحرب الباردة هو عالم مكون من سبع أو ثماني حضارات. العوامل الثقافية المشتركة والاختلافات هي التي تشكل المصالح والخصومات وتقاربات الدول. أهم دول العالم جاءت من حضارات مختلفة. الصراعات الأكثر ترجيحاً أن تمتد إلى حروب أوسع هي الصراعات القائمة بين جماعات ودول من حضارات مختلفة، وأشكال التطور السياسي والاقتصادي السائدة تختلف من حضارة لأخرى. القضايا الرئيسية على أجندة العالم تتضمن الاختلافات بين الحضارات. القوة تنتقل من الغرب الذي كان له السيطرة طويلاً إلى الحضارات غير الغربية، السياسة الكونية أصبحت متعددة الأقطاب ومتعددة الحضارات.
أخطر وأهم ما في كتاب «صدام الحضارات» هو ما تضمنه الفصل التاسع تحت عنوان «السياسة الكونية للحضارات» عندما تحدث عن الإسلام والغرب قائلا: «يقول بعض الغربيين بمن فيهم الرئيس كلينتون (لم يكن بوش الابن قد تولى الرئاسة بعد) إن الغرب ليس بينه وبين الإسلام أي مشكلة، وإنما المشكلات موجودة فقط مع بعض المتطرفين الإسلاميين. أربعة عشر قرناً من التاريخ تقول عكس ذلك. العلاقات بين الإسلام والمسيحية سواء الأرثوذكسية أو الغربية كانت عاصفة غالباً، كلاهما كان «الآخر» بالنسبة «للآخر».
ويخلص هذا القسم من الفصل التاسع إلى القول: «المشكلة المهمة بالنسبة للغرب ليست الأصولية الإسلامية بل الإسلام، فهو حضارة مختلفة، شعبها مقتنع بتفوق ثقافته وهاجسه ضآلة قوته. المشكلة المهمة بالنسبة للإسلام ليست المخابرات المركزية الأمريكية ولا وزارة الدفاع، المشكلة هي الغرب: حضارة مختلفة شعبها مقتنع بعالمية ثقافته، ويعتقد أن قوته المتفوقة إذا كانت متدهورة فإنها تفرض عليه التزاماً بنشر هذه الثقافة في العالم، هذه هي المكونات الأساسية التي تغذي الصراع بين الإسلام والغرب».
أما في الفصل الثاني عشر والأخير من الكتاب فيتحدث هنتنجتون عن مستقبل الحضارات قائلاً تحت عنوان «حرب الحضارات والنظام»: «إن حرباً كونية تشارك فيها دول المركز في حضارات العالم الرئيسية أمر بعيد الاحتمال، ولكنه ليس مستحيلاً، وحرب كهذه كما أوضحنا قد تنشأ نتيجة تصعيد حرب من حروب خطوط التقسيم بين جماعات من حضارات مختلفة، وتضم على الأرجح دولاً إسلامية في جانب، ودولاً غير إسلامية في جانب آخر، كما أن التصعيد يصبح أكثر احتمالاً إذا كانت دول المركز الإسلامية الطامحة تتنافس لتقديم المساعدة لشركائها في الدين. وتصبح أقل احتمالاً بسبب المصالح التي قد تكون لدول القرابة من الدرجة الثانية أو الثالثة في عدم التورط في الحرب».
تُرى.. هل يمكن لنا أن نتساءل: إلى أي مدى تتوافق هذه الفكرة مع صيحات استمعنا إليها من الغرب بعد الحادي عشر من سبتمبر من أعلى المستويات إلى أدناها.. فُسر بعضها بأنه زلة لسان.. وقيل عن بعضها الآخر انه قد أسيء تفسيره وأُخرج من سياقه؟
هذا هو السؤال الذي يجدر بنا أن نبحث له عن إجابة في خِضم الأحداث قبل أن يجرفنا السيل أو يغمرنا ركام الحرب التي لم تعد باردة.
وأخيرا أقول:: لنعلم جميعا أن الصراع بين الحضارات، وخاصة الحضارة الثقافية، أمر لا بد منه، وخاصة بين الهوية الإسلامية والثقافة المسيحية واليهودية. والقرآن قد وضع قاعدة مهمة في هذا الشأن في قوله تعالى: (( ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم)). ونحن في هذه الأحداث المتتابعة نرى أن ما يحدث في الشرق الأوسط ما هو إلا ترجمة فعلية لهذه الآية، ولا يعني هذا استبعادنا التوجهات الصليبية اليهودية نحو الثروات الشرق أوسطية. وقد اعترف هنتغتون بأن الحضارة الغربية مهددة من قبل الحضارة الإسلامية والكونفوشيوسية، بل رسم في كتابه سيناريو الحرب العالمية الثالثة والتي طرفاها الغرب الأوربي الروسي، والطرف الثاني الصيني والياباني والإسلامي، كما أشرنا إليه مسبقا، والله أعلم.:ciao:
فالحديث عن نهاية التاريخ حديث عن أمر غيبي، لا مستند لنا فيه إلا القرآن وصحيح السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم. وقد تكاثرت الأحاديث الدالة على قرب الساعة(نهاية التاريخ)، وعلى الملاحم التي ستقع في آخر الزمان بين جبهتين كبيرتين، هما الجبهة الرومية المتمثلة في الدول الغربية والأوربية، والجبهة الإسلامية، وقد ثبت الحديث:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ستصالحكم الروم} وفي روايةٍ أخرَى قال: {تصالحون الروم صلحًا آمنًا حتى تغزوا أنتم وهم عدوًّا من ورائهم، فتنصرون وتسلمون وتغنمون وتنصرفون حتى تنزلوا بمرج ذي تلول، فيقول قائل من الروم: غلب الصليب، ويقول قائل من المسلمين: بل الله غلب، فيثور المسلم إلى صليبهم وهو منه غير بعيدٍ فيدقّه، وتثور الروم إلى كاسر صليبهم فيضربون عنقه، ويثور المسلمون إلى أسلحتهم فيقتتلون، فيكرم الله تلك العصابة من المسلمين بالشهادة، فتقول الروم لصاحب الروم: كفيناك العرب، فيغدرون فيجتمعون للملحمة فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كلّ غاية اثنا عشر ألفًا} وفي روايةٍ أخرَى قال: {فعند ذلك تغدر الروم وتكون الملاحم فيجتمعون إليكم فيأتونكم في ثمانين غاية مع كل غاية عشرة آلاف}(صحَّحه ابن حبان والحاكم والذهبي والألباني والأرنؤوط) وقد يكون فتح فارس (إيران) ضمن هذه الحرب أو قبلها، وكثير من النصارى يعود بعد هذه الحرب مع المسلمين مسلمين، بعدها تكون الملحمة الكبرَى.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فسطاط المسلمين يوم الملحمة الكبرى بأرضٍ يُقال لها (الغوطة) فيها مدينة يُقال لها (دمشق) خير منازل المسلمين يومئذ}(صحيح الجامع) وقال: {لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق، فيخرج إليهم جيشٌ من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافُّوا قالت الروم: خلُّوا بيننا وبين الذين سُبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله لا نخلّي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدًا ويُقتل ثلثهم أفضل الشهداء عند الله ويفتتح الثلث لا يُفتنون أبدًا فيفتتحون قسطنطينية فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علَّقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان إنَّ المسيح قد خلفكم في أهليكم فيخرجون وذلك باطل، فإذا جاؤوا الشام خرج، فبينما هم يعدّون للقتال يسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فأَمّهم فإذا رآه عدوّ الله ذاب كما يذوب الملح في الماء فلو تركه لانذاب حتى يهلك ولكن يقتله الله بيده فيريهم دمه في حربته}(صحيح مسلم) وفي تفصيل أكثر لأحداث الملحمة الكبرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {...وتكون عند ذاكم القتال رِدّةٌ شديدة فيشترط المسلمون شرطة -(وهي طائفة من الجيش تقدم)- للموت لا ترجع إلاّ غالبة، فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل فيفيء هؤلاء وهؤلاء كلٌّ غير غالب وتفنَى الشرطة، ثمَّ يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلاّ غالبة فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل فيفيء هؤلاء وهؤلاء كلٌّ غير غالب وتفنَى الشرطة، ثمَّ يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلاّ غالبة فيقتتلون حتى يمسوا فيفيء هؤلاء وهؤلاء كلٌّ غير غالب وتفنى الشرطة، فإذا كان اليوم الرابع نهد إليهم بقية أهل الإسلام فيجعل الله الديرة -(الدائرة)- عليهم -(على الروم)- فيقتلون مقتلة إمّا قال: لا يُرَى مثلها وإمّا قال: لم يُرَ مثلها، حتى إنّ الطائر ليمرّ بجنباتهم فما يخلفهم حتى يخرّ ميتا، فيتعادّ بنو الأب كانوا مائة فلا يجدونه بقي منهم إلاّ الرجل الواحد، فبأيّ غنيمةٍ يُفرح أو أيّ ميراثٍ يُقسم...}(صحيح مسلم)
ثمَّ تُفتح القسطنطينية (اسطنبول)؛ يفتحها 70 ألفًا من بني إسحاق بالتهليل والتكبير (بلا قتال).
قال النبي صلى الله عليه وسلم: {سمعتم بمدينة جانبٌ منها في البَرّ وجانبٌ في البحر؟} قالوا: نعم يا رسول الله، (يعني القسطنطينية؛ وهي اسطنبول) قال: {لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفًا من بني إسحاق فإذا جاؤوها نزلوا فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم، قالوا: لا إله إلاّ الله والله أكبر فيسقط أحد جانبيها. قال ثور -راوي الحديث-: لا أعلمه إلاّ قال: الذي في البحر، ثمَّ يقولوا الثانية لا إله إلاّ الله والله أكبر فيسقط جانبها الآخر، ثمَّ يقولوا الثالثة لا إله إلاّ الله والله أكبر فيفرّج لهم فيدخلوها، فبينما هم يقتسمون المغانم إذ جاءهم الصريخ فقال: إنَّ الدجّال قد خرج فيتركون كلّ شيء ويرجعون}(رواه مسلم).
وروى الحاكم في مستدركه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: {الملحمة العظمى وفتح القسطنطينية وخروج الدجال في سبعة أشهر} سكت عنه الحاكم والذهبي.
وبعد هذا العرض المختصر لنظرية الإسلام لنهاية التاريخ، وأن النصر النهائي سيكون لدولة الإسلام على النصارى، ثم يعقب ذلك خروج يأجوج ومأجوج، ثم يرسل الله ريحا فتقبض نفس كل مؤمن انتهت إليه، ويبقى شرار الخلق، وعليهم تقوم الساعة.
وأما النظرة الغربية لنهاية التاريخ وتفسير الصراعات العالمية المستقبلية، فتظهر في نظريتين مشهورتين، نعرض لهما فيما يلي:
يعد الحديث الشهير الذي وقع في الحادي عشر من سبتمبر حدثا تاريخيا مهما في تاريخ العالم المعاصر، ولعلها المرة الأولى التي يشاهد فيها كل من تابع ذلك الحدث مباشرة امتزاج الأجواء الهوليوودية بالواقع، فرغم أن الغزو العراقي لدولة الكويت، واحتلالها كان حدثاً أقرب ما يكون إلى الخيال منه إلى الواقع وقتها إلا أنه لم يخرج عن سياق اجتياح الجيوش للأراضي واعتداء القوي المصاب بجنون العظمة، مدفوعاً بغروره، وشخصيته الانفصامية، وصلفه وحساباته الخاطئة على الضعيف المرتكن إلى عوامل سياسية وعلاقات جوار وقربى لم تفلح جميعها في حمايته من غدر الجار وجبروته وظلمه.
الفرق هنا في الأحداث التي حولت أشهر برجين إلى ركام، ودمرت جزءًا من وزارة الدفاع الأمريكية، وخلّفت آلاف القتلى، وأصابت أسطورة أمن المواطن الأمريكي في مقتل، إنها ضربة وُجهت من الطرف الأضعف إلى الطرف الأقوى بكل المعايير والحسابات المنطقية التي لا يختلف عليها اثنان، مهما اختلفت درجة علمهما أو جهلهما أو انحيازهما إلى طرف دون آخر، كأنما الكويت هي التي احتلت العراق في المثال الأول الأقرب للأحداث التي عشناها في ذهول غير مصدقين مع الفوارق المعروفة التي لا تخفى على أحد.
ولا شك أن الذي اختار العنوان الذي وضعته الـ C.N.N خلال الأيام الأولى للأحداث «America under attack» أو أمريكا تتعرض للهجوم، كان موفقاً وبارعاً إلى أقصى الحدود في إشارته وتلخيصه للموقف، فقد اختار «المانشيت» الأكثر إثارة ومناسبة، واتجه إلى الفكرة التي لا يمكن أن تخطر على بال أحد، وهي أن تتعرض أمريكا لهجوم بهذا الحجم ـ أو أقل منه حتى ـ في وقت بلغت فيه أوج عظمتها وقوتها ودانت لها السيادة والسيطرة على كل العالم بعد أن اختفى عدوها التقليدي الاتحاد السوفييتي وانسحب من الساحة وانتهت باختفائه الحرب الباردة، وقُبرت النظرية الشيوعية تحت ركام الانهيار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الذي خلفه تفتت الاتحاد السوفييتي وانفراط عقد المنظومة الاشتراكية التي أفقرت الشعوب وأفسدت أنظمة الحكم وبددت الحلم الكبير التي عيّشت فيه طبقات الشعب العاملة المتطلعة للرفاهية ردحاً من الزمن، ليصحو العالم على تحطيم جدار برلين إشارة لنهاية حقبة وبداية حقبة جديدة من الزمن وجد الفلاسفة والمفكرون فيها مرتعاً خصباً لنظرياتهم وأفكارهم وتحليلاتهم التي كان أبرزها أطروحة «نهاية التاريخ» لفرانسيس فوكوياما الياباني الأصل الأمريكي الجنسية، ونظرية «صدام الحضارات» لصامويل هنتنجتون.
تصور «فوكوياما» نهاية التاريخ بانتصار الليبرالية الرأسمالية الديمقراطية على كل شئون العالم بعد سقوط حائط برلين عام 1989م، وقال: «ربما كنا نشهد نهاية التاريخ بما هو: نقطة النهاية للتطور الأيديولوجي للبشرية وتعميم الليبرالية الديمقراطية الغربية على مستوى العالم كشكل نهائي للحكومة الإنسانية.. وللتأكيد فقد تحدث بعض الصراعات في أماكن من العالم الثالث، ولكن الصراع الكبير قد انتهى وليس في أوروبا فقط (وبالتحديد في العالم غير الأوروبي) حيث حدثت التغيرات الكبرى خاصة في الصين والاتحاد السوفييتي.
لقد انتهت حرب الأفكار، وقد يظل المؤمنون بالماركسية اللينينية موجودين في أماكن مثل (ماناجوا، بيونج يانج، كمبريدج، ماساشوسيتس)، ولكن الديمقراطية الليبرالية الشاملة قد انتصرت، وسوف يكون المستقبل مكرساً ليس من أجل الصراعات الكبرى الحامية حول الأفكار، بل من أجل حل المشكلات الاقتصادية والفنية المعاشة».
ثم ينهي كلامه بأسف قائلاً: «إن ذلك سيكون مضجراً».
هذه النظرية أو التصور الذي طرحه «فوكوياما» كان يقوم على افتراض أن انتهاء الحرب الباردة يعني انتهاء الصراع الكبير في السياسة الكونية وظهور عالم واحد منسجم نسبياً.. ولكنه في الواقع أو بالتجربة ـ كما يقول هنتنجتون صاحب نظرية صدام الحضارات ـ كان نتيجة لحظة الشعور بالبهجة في نهاية الحرب الباردة، فقد ولدت تلك اللحظة وهماً بالتوافق والانسجام سرعان ما تكشف أنه وهم بالفعل، فقد أصبح العالم مختلفاً في أوائل السبعينيات، ولكنه بالضرورة ليس أكثر سلاماً، التغير كان حتمياً، التقدم لم يكن كذلك.
ازدهرت أوهام مماثلة عن التوافق والانسجام في نهاية كل من صراعات القرن العشرين الرئيسية الأخرى، في السنوات الخمس التي تلت سقوط حائط برلين كانت كلمة «المذبحة الجماعية» تتردد أكثر مما سبق على مدى أي خمس سنوات أخرى من الحرب الباردة، من الواضح أن نموذج عالم واحد منسجم بعيد جداً ومنفصل عن الواقع لكي يكون دليلاً مفيداً لعالم ما بعد الحرب الباردة.
ولذلك يتجه هنتنجتون إلى أن عالم ما بعد الحرب الباردة هو عالم مكون من سبع أو ثماني حضارات. العوامل الثقافية المشتركة والاختلافات هي التي تشكل المصالح والخصومات وتقاربات الدول. أهم دول العالم جاءت من حضارات مختلفة. الصراعات الأكثر ترجيحاً أن تمتد إلى حروب أوسع هي الصراعات القائمة بين جماعات ودول من حضارات مختلفة، وأشكال التطور السياسي والاقتصادي السائدة تختلف من حضارة لأخرى. القضايا الرئيسية على أجندة العالم تتضمن الاختلافات بين الحضارات. القوة تنتقل من الغرب الذي كان له السيطرة طويلاً إلى الحضارات غير الغربية، السياسة الكونية أصبحت متعددة الأقطاب ومتعددة الحضارات.
أخطر وأهم ما في كتاب «صدام الحضارات» هو ما تضمنه الفصل التاسع تحت عنوان «السياسة الكونية للحضارات» عندما تحدث عن الإسلام والغرب قائلا: «يقول بعض الغربيين بمن فيهم الرئيس كلينتون (لم يكن بوش الابن قد تولى الرئاسة بعد) إن الغرب ليس بينه وبين الإسلام أي مشكلة، وإنما المشكلات موجودة فقط مع بعض المتطرفين الإسلاميين. أربعة عشر قرناً من التاريخ تقول عكس ذلك. العلاقات بين الإسلام والمسيحية سواء الأرثوذكسية أو الغربية كانت عاصفة غالباً، كلاهما كان «الآخر» بالنسبة «للآخر».
ويخلص هذا القسم من الفصل التاسع إلى القول: «المشكلة المهمة بالنسبة للغرب ليست الأصولية الإسلامية بل الإسلام، فهو حضارة مختلفة، شعبها مقتنع بتفوق ثقافته وهاجسه ضآلة قوته. المشكلة المهمة بالنسبة للإسلام ليست المخابرات المركزية الأمريكية ولا وزارة الدفاع، المشكلة هي الغرب: حضارة مختلفة شعبها مقتنع بعالمية ثقافته، ويعتقد أن قوته المتفوقة إذا كانت متدهورة فإنها تفرض عليه التزاماً بنشر هذه الثقافة في العالم، هذه هي المكونات الأساسية التي تغذي الصراع بين الإسلام والغرب».
أما في الفصل الثاني عشر والأخير من الكتاب فيتحدث هنتنجتون عن مستقبل الحضارات قائلاً تحت عنوان «حرب الحضارات والنظام»: «إن حرباً كونية تشارك فيها دول المركز في حضارات العالم الرئيسية أمر بعيد الاحتمال، ولكنه ليس مستحيلاً، وحرب كهذه كما أوضحنا قد تنشأ نتيجة تصعيد حرب من حروب خطوط التقسيم بين جماعات من حضارات مختلفة، وتضم على الأرجح دولاً إسلامية في جانب، ودولاً غير إسلامية في جانب آخر، كما أن التصعيد يصبح أكثر احتمالاً إذا كانت دول المركز الإسلامية الطامحة تتنافس لتقديم المساعدة لشركائها في الدين. وتصبح أقل احتمالاً بسبب المصالح التي قد تكون لدول القرابة من الدرجة الثانية أو الثالثة في عدم التورط في الحرب».
تُرى.. هل يمكن لنا أن نتساءل: إلى أي مدى تتوافق هذه الفكرة مع صيحات استمعنا إليها من الغرب بعد الحادي عشر من سبتمبر من أعلى المستويات إلى أدناها.. فُسر بعضها بأنه زلة لسان.. وقيل عن بعضها الآخر انه قد أسيء تفسيره وأُخرج من سياقه؟
هذا هو السؤال الذي يجدر بنا أن نبحث له عن إجابة في خِضم الأحداث قبل أن يجرفنا السيل أو يغمرنا ركام الحرب التي لم تعد باردة.
وأخيرا أقول:: لنعلم جميعا أن الصراع بين الحضارات، وخاصة الحضارة الثقافية، أمر لا بد منه، وخاصة بين الهوية الإسلامية والثقافة المسيحية واليهودية. والقرآن قد وضع قاعدة مهمة في هذا الشأن في قوله تعالى: (( ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم)). ونحن في هذه الأحداث المتتابعة نرى أن ما يحدث في الشرق الأوسط ما هو إلا ترجمة فعلية لهذه الآية، ولا يعني هذا استبعادنا التوجهات الصليبية اليهودية نحو الثروات الشرق أوسطية. وقد اعترف هنتغتون بأن الحضارة الغربية مهددة من قبل الحضارة الإسلامية والكونفوشيوسية، بل رسم في كتابه سيناريو الحرب العالمية الثالثة والتي طرفاها الغرب الأوربي الروسي، والطرف الثاني الصيني والياباني والإسلامي، كما أشرنا إليه مسبقا، والله أعلم.:ciao: