الحاظوي
01-07-2005, 04:39 PM
قد يظن بعض الناظرين أنني سأتحدث عن هذا النقد نقلا وتأييدا من كتب محمد عابد الجابري أو التكريتي أو جورج طرابيشي، وغيرهم، ولكني سأتحدث عن هذا الموضوع باختصار من وجهة نظري الخاصة، في النقاط التالية:
الأولى: من الملاحظ والمتفق عليه أن العرب يعتبرون في نظر الغربي أمة متخلفة غير متقدمة تقتات على مكتشفات الغرب، ملزمة بالتبعية المطلقة للهيمنة الغربية، وما يعرف الآن بـ(إمبريالية الرأسمالية المتقدمة)، وهذا الكلام حق، كحقيقة السحر في نظر المؤمن.
الثانية: يعلم مثقفوا الأمة العربية أن هذه الأمة قد تقدمت في المجالات العلمية قبل الثورات الصناعية في أوربا، أو ما يعرف بـ(عصور الظلام الأوربية) أو(القرون الوسطى). وأن ذلك التقدم قد نقل وترجم إلى اللغات الأوربية، ومن ثم استفيد من ذلك فائدة عظيمة في مرحلة الثورة على الكنيسة وموقفها من الدين في أوربا.
الثالثة: العقل الإسلامي، وليس العربي(الذي وصم بالتخلف) هو الأداة الحقيقية التي تقدمت بهذه الأمة في تلك المجالات العلمية على يد بعض العلماء المسلمين في الكيمياء والطب والرياضيات والفلك، وغير ذلك. فالإسلام لم يحرم العلم والتقدم بل دعا إلى ذلك وحث عليه في سبيل إعداد القوة لرفع راية هذا الدين خفاقة في مشارق الأرض ومغاربها، والإسلام لم ينه عن الاستفادة من علوم الآخرين في صناعة التقدم، بل فتح المجال في ذلك بقوله: " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة..." ولفظ القوة هنا نكرة تفيد العموم لسبقها بـ(من) الدالة على الاستقصاء والعموم. وهذه النظرة الإسلامية أنكرها الكثير من التنويريين ووصل بهم الأمر إلى وصم مثل هذه النظرة بالتخلف والرجعية تبعا للكتاب الذي أسس تلك النظرة وما يحتويه من تشريع.
الرابعة: لقد كان فهم الإسلام للقوى فوق الطبيعية(الميتافيزيقية)، يختلف تماما عن فهم الفلسفات القديمة الإفلاطونية والأرسطية والتي نشأت في بلاد المسملين(السينوية والرشدية)، وكذا الأوربية في عصرها السابق للعصر التجريبي. ذلكم الفهم القرآني المتيسر قبوله عند العقول التي فطرت على الصفاء قبل اختلاطها بتجارب الحياة المختلفة وتشربها لمختلف النظرات والأفكار المتضادة، ذلكم الفهم الذي لا يلج دائرة متاهات العقول والحكم على الغيبي إلا من خلال النص المطلق عن حدود الزمان والمكان. تلكم الدائرة الضيقة التي انطلق منها الفلاسفة ليفسروا لنا الشاهد والحاضر من خلال بعض هرطقاتهم المبنية على الجوهر والعرض والعنصر والعقول والنفوس الفلكية والمثل الإفلاطونية والحركة التوسطية أو القطعية والجزء الذي لا يتجزأ أو الاتصال والهيولى وقدم نوع العناصر أو أشخاصها، والفيض الإفلاطوني، وغير ذلك من الألفاظ المجملة والمختلف في تحديدها والبرهنة عليها، ويكفي لبيان ذلك مناقضة اللاحق للأول في ذلك، والقول بما لا تعيه العقول ككسب الأشعري وطفرة النظام، وغير ذلك. أقول هذا لأبين مدى الانحراف(عند المتأخرين) عن الجادة التي رسمها القرآن وأوضحها الحبيب صلى الله عليه وسلم بألفاظ سهلة ميسرة تلقاها أصحابه الأول بالقبول والإيمان، وسار على أثرهم من رام طريق السعادة في هذه الحياة.
الخامسة: يقول بعض فلاسفة الغرب: " إن جهل الأولين وعدم معرفتهم بالعالم وأنفسهم واعتمادهم على الوسائل التقنية البسيطة للتحكم بهذا العالم، دفعهم إلى إلقاء مسؤولية كل ما يدهشهم على كائنات فوق طبيعية"، وهذا القول يتنزل على من لم يعرف الإسلام من منابعه الحقيقية، وعلى من عاش يقتات على تراث الفلاسفة الأول الذين لم يصلوا إلى الفصل في كثير من قضاياهم الفلسفية، ولذا كانت تفسيرات الفلاسفة الأول للعالم مما يصعب على العقول الإيمان بها والتحقق منها، والسبب كما ذكرت آنفا، كثرة الاعتراضات والإيرادات على كلامهم ممن جاء بعدهم. ويضاف لذلك موقف الكنيسة من كل قول يخالف النصوص المقدسة عندهم والمشتملة على المتناقضات والمنكرات في بدائه العقول كالقول بالتثليث وغير ذلك. كل ذلك دفع أوربا للبحث عن ملاذ آخر، للخلاص من تلك التناقضات، فحاولت تهذيب الأقوال الفلسفية، فاضطربوا في ذلك فيما يتعلق بالفكر والمادة أو الروح والمادة، أو العقل والمادة، أوالذات والموضوع، فمنهم من سفسط وأنكر الموجودات الخارجية، ومنهم من آمن بها، ومنهم من آمن بالعلة الأولى في نظرهم، ومنهم من ألحد وكفر بها كنيتشه وغيره من فلاسفة الوجودية الملحدين. ثم جاء المنهج التجريبي ليركز على المادة والحس ويلغي النظر في الفكر والروح وكل قوة طبيعية تجاوز المحسوس. واشتهر هذا المذهب وتشبث به الماركسيون الماديون، ثم عم ميدان البحث العلمي، وتناسى الناس ما يتعلق بالجانب الفكري والروحي، ونظر إليها من جانب مادي.
وهكذا تغلغل هذا المذهب في العصر الحديث وأصبح هذا التفسير والمنهج المستحق للقب العلم، وما عداه يسمى باسمه كالأدب والدين وغير ذلك. وأما العلم فهو الفيزياء والكيمياء والرياضيات التي تفسر لنا هذا الكون حسيا وتزيح عنا الغموض والضبابية، ولهذا نجد تقسيمات المراحل التعليمية إلى القسم العلمي والأدبي والشرعي، وكأن العلم الحقيقي هو الفيزياء والكيمياء والرياضيات، وهي بدعة باء بإثمها المذهب التجريبي، وشربها حتى الثمالة أذناب الغرب وأحصنة طروادة والله المستعان.
السادسة: لقد نبتت الكثير من العلوم العصرية في منبت سوء، فهي كخضراء الدمن، تلقفها جهال المسلمين دون تمحيص وتدقيق تحت مفعول سكرة الانبهار وعدم اليقين والتأصيل العقدي، فأثرت هذه العلوم في كثير من المنتسبين لهذا الدين، ثم انتقلت تلك العلوم إلى بلاد المسلمين فأثرت في كل من طالعها من أبناء الدنيا وطالبي الشهادات وصبغتهم بصبغتها المادية والإلحادية دون وعي منهم ورجوع إلى أهل الاختصاص في المجال العقدي. ومن الطبيعي أن كل من يقضي حياته على الاقتيات من هذه العلوم ويستأنس بها فمصيره إلى جهل بسيط أو مركب بما يجب لله من التعظيم والانقياد لكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. وقد طالعنا الكثير من العلوم العصرية من أحياء وفيزياء وكيمياء ورياضيات وعلم اجتماع ونفس وأنثربولوجيا وأدب حديث فما وجدنا فيها إلا غياهب الضلال ووحشة للنفوس المؤمنة لقلة ما يذكر فيها الباري سبحانه أو كتابه وسنة نبيه، وسيرها على منهج الفصل بين الدين والعلم(العلمانية المقيتة)، مع إمكان تحويرها وتطعيمها بالعقيدة الصافية وتفسيرها تفسيرا يتفق مع الإسلام بكل سهولة، مع بيان ما فيها من الضلال القادم من الغرب في ثوب التقدم والتكنولوجيا، بله الإلحاد والمادية وعدم الإيمان بالبعث وقدرة الله المتصف بصفات الكمال والجمال والجلال. لقد تأملت سبب الانحراف في هذا العالم، فوجدته في إعطاء العقل حرية التفكير متجاوزا دائرته التي هيئت له، ثم نظرت في اصحابه، فوجدت القوم في حيرة شديدة أوصلتهم في الأخير إلى نبذة كثير من القضايا الفلسفية السابقة المتعلقة بـ(الميتافيزيقياء) والبقاء تحت ظلال الحس والمشاهدة فيما يعرف بالمذهب الحسي التجريبي، فكان من أعظم نتائج ذلك غربة المعنى والروح والذات، مع التركيز على المادة واللفظ والموضوع، فتحولت المادة الصلبة إلى مادة سائلة، واحتار الكثير في علاقة الوعي بما ورائه، فخرجت لنا الكثير من الآراء الجديدة والنظريات الفلسفية الهوسرلية والهيدجرية والدريدية واختلط الأدب بالفلسفة والوعي بالفوضوية، فجاء بعض منظري الحركات الفلسفية في العالم العربي لينظروا لنا ويفلسفوا لنا عقلنا العربي نقدا وتصحيحا من خلال مطالعاتهم التي لا تتجاوز النظر في كتب المعاصرين كـ( ميشيل فوكو أو بعض كتب الرازي وابن سيناء)، فخلطوا بين الغث والسمين، ولم ينزلوا تلك الأقوال منزلها الحقيقي وفق مفهوم الصحابة للقرآن المسطر في كتب النقل المعتنية بسند النقل. ولضعف تلك المشاريع وجدنا ظاهرة تسلسلية منطلقة من تلك المشاريع فيما يعرف بـ( نقد النقد، ونقد نقد النقد...)، وهكذا ستستمر هذه السلسة في المستقبل وهو تسلسل جائز عند الجمهور؛ لن ينقذنا من ترهاته إلا الرجوع الحق لفهم السلف للذكر الحكيم من خلال ما سطره علماء هذه الأمة بالأسانيد الصحيحة إليهم.
السابعة: على المسلم المتيقن لما جاء به دينه أن يعلم: [أن التجربة والمشاهدة ليستا وسيلتي العلم القطعيتين، فالعلم لا ينحصر في الأمور التي شوهدت بالتجربة المباشرة، لقد اخترعنا الكثير من الأدوات للملاحظة الواسعة النطاق وللدراسة، ولكن الأشياء التي نلاحظها بهذه الوسائل كثيرا ما تكون أمورا سطحية ومتغيرة بتغير درجة دقة وتقدم الوسائل التي نلاحظها بها، أما النظريات التي نتوصل إليها بناء على هذه المشاهدات فهي أمور لا سبيل إلى ملاحظتها، والذي يطالع العلم الحديث يجد أن أكثر آرائه تفسير للملاحظات و أن هذه الآراء لم تجرب مباشرة وإنما تم الوصول إليها بالقياس.. ذلك أن بعض الملاحظات يدفع العلماء إلى الإيمان بوجود بعض حقائق لم تثبتها التجربة المباشرة، إن أي عالم من علماء عصرنا لا يجرؤ أن يخطو خطوة علمية واحدة دون الاعتماد على ألفاظ مثل القوة أو الطاقة أو الطبيعة أو الجاذبية أو الإشعاع أو الموجات الكهرومغنطيسية.. لكن أي عالم على ظهر الأرض لم ير مباشرة القوة أو الطاقة أو الطبيعة أو الجاذبية أو الإشعاع أو الموجات الكهرومغنطيسية..!!.. إن هذا العالم لا يستطيع تفسير هذه الألفاظ وما تعنيه إلا بالاستنباط والقياس.. وهى نفس الطريقة التي يصل بها المؤمن إلى الإيمان بالله….!!!! كلاهما قد صاغ كلمات تعبر عن وقائع معلومة لكي يبين عن علل غير معلومة .. كلاهما لا يستطيع أن يرى أو يمسك ما آمن به.. وكلاهما يؤمن إذن بما لم ير.. يؤمن بعلل غير معلومة.. علل غيبية.. أليست تلك هي التهمة التي طالما واجهنا بها المتشدقون بالنهج العلمي الرافضون للغيبيات؟!..
أجل، في معظم الأحوال لا يرى العالم الحقيقة مباشرة بل يصل إليها بالقياس والاستنباط والاستنتاج. والعلم الحديث لا يجرؤ على الادعاء أن الحقيقة محصورة فيما علمناه من التجربة المباشرة. إن ذرة الهيدروجين عبارة عن نواة تحتوى على بروتون واحد ومدار يدور فيه إليكترون واحد ، تلك حقيقة لا يجرؤ أي واحد من البشر على إنكارها، رغم أن أي واحد من البشر لم يرها قط.. !!.. ولا حتى بأقوى مجهر في العالم].
وعودا إلى بدء الحديث عن العلوم العصرية، نقول: إن هذه العلوم كان لها أعظم الأثر في إضعاف يقين الناس بعزة دينهم وإيمانهم بحقائق الغيب، ومن ثم خرج لنا كثير من مدعي الثقافة يتحدثون بألسنتنا متبجحين بما نالوه من شهادات موقوتة، فينشرون الفكر الغربي بغثه وسمينه في أوساط المسلمين، والله المستعان.
ولذا يحق لكل غيور عاقل أن يطالب بتعديل هذه المناهج المسماة بـ(العلمية)، كالفيزياء والكيمياء والرياضيات، ويربطها بالإسلام تفسيرا وتأسيسا، وهو أولى من المطالبة بتحويل المناهج الشرعية إلى مناهج علمية بلغة القوم(التفسير المادي)، والله من وراء القصد.
الثامنة: لنتخيل معا الخيال التالي: لنفرض أننا نعيش في كهف لا يمكننا تجاوزه إطلاقا، ونرى خارج ذلك الكف ظلالا تتحرك يمنة ويسرة، ولنفرض أن من بداخل الكهف علماء قد اكتشفوا الذرة والنواة والشحنات الموجبة والسالبة والجسيمات الضوئية...وغير ذلك، عندما يدرس أولئك تلك الظلال سيدرسونها من خلال ما تشبعت به عقولهم من تفسيرات داخل الكهف، ولن يتمكنوا من الوصول إلى حقيقة تلك الظلال، وسنجد تفسيراتهم تلك تتسم بما أسموه بالتفسير العلمي؛ لقيامه على المبادئ العلمية التي توصلوا إليها، فهنا تفسيران لتلك الظلال من حيث حركتها والسبب فيها، الأول: التفسير العلمي المزعوم، والثاني الحقيقي وهو أن تلك الظلال لكائنات حقيقية تتحرك خارج الكف فيعكس الضوء أجسامها المتحركة أمام الكهف. والتفسير الثاني لو كشف لأولئك العلماء لآمنوا به حقيقة ورفضوا تفسيراتهم تلك، وبمثل هذا يظهر الفرق بين المذهب المادي الحديث القائم على التجربة، والمذهب الذي يقوم في تفسيره على الوحي، فالمؤمن مطمئن في تفسيره لهذا الكون ويؤمن بأن تلك الذرة والبروتون والإليكترون كلها بقدر الله، وأن المحرك لها هو الله، وأن المتحكم في كل صغيرة وكبيرة في هذا الكون هو الله، وأن للكون غاية وحكمة وهدف، ومن هذا المنطلق نفسر مدى يقين المؤمن وسعادته، ومدى تذبذب المادي أيا كان(متمسلم أو كافر) في فكره وحياته. والله الهادي إلى سبيل الرشاد.
التاسعة: نرى أكثر مثقفي الإعلام المعاصر المتمثل في الجرائد والمجلات والقنوات الشيطانية والأدب المعاصر بفنونه وأجناسه المختلفة_ حاشا الأدب الإسلامي_ يعيش في دائرة( التفسير المادي حقيقة والإسلامي دعوى)، ولذا نجده بعيدا(غريبا) عن هموم الأمة الإسلامية؛ يرفل متشدقا بثقافته الوهمية المستقاة من مستنقع شكلي أوبنيوي أو نقد جديد أو تشريحي، ومفتخرا بمعرفته لـ( دي سوسير أو جوليا أو بروب أو ليفي شتروس أو إليوت أو دريدا، أو فوكو ياما، أو هنتنتغون، وغيرهم) ومتخذا من العلامات السرسرية(نسبة لدي سوسير) مَرْكبا له في حديثه العادي أو الأدبي. ومثل هذا الجاهل بحقيقة تعظيم الله لا يستبعد منه عدم احترامه وتعظيمه لثوابت الدين أو الولوغ في أعراض العلماء. وقد كان من ثمار هذه الغربة: مسارعة بعضهم إلى تهميش دور المعصية في حدوث ما قضاه الله وقدره من كوارث متناسيا النصوص المتكاثرة في الكتاب والسنة والدالة على الربط بين الأمرين، ولعل عذره القبيح ندرة قراءته لكتاب الله فضلا عن تدبره. ومن ثمار هذه الغربة: الفصل بين الشريعة والحياة في كثير من القضايا كقضية قيادة المرأة للسيارة، تحت دعوى الوعي الجندري، وتفعيل النقد النسائي فعليا، وهذا نوع من العلمنة المعاصرة التي يعيشها بعض الغرباء في وعيه أو عقله الباطن، وقد تصدر من آخرين جهلا دون قصد، وقليل ما هم. وواقع الكثير ينطبق عليهم:
من كان يأمل أن يرى ،،،،،، من سافل أمرا سنيا
فلقد رجا أن يجتني ،،،،،،، من عوسج رطبا جنيا
وهذه الفئة الجاهلة بما يستحق الله من التقدير والتعظيم والاتباع لما في كتابه، هي سبب البلاء لهذه الأمة المسلمة، ويصدق فيهم ما أخرجه الهروي وأبو موسى المديني وغيرهما موقوفا: "ما زال أمر بني إسرائيل معتدلا حتى نشأ فيهم المولدون أبناء سبايا الأمم التي سبتهم بنو إسرائيل من غيرهم فأفتوا فيهم بالرأي فأضلوهم"، فهذه الفئة هم سبايا الغرب فكريا وانبهارا بحضارته الزائفة، أحلوا ببلاد الإسلام النكبات بجهلهم وسخفهم وضعف شخصيتهم وفقدهم العزة والشموخ.
العاشرة: أدعو إخواني وأحبابي إلى لزوم العقيدة الصافية والنهل من القرآن الكريم والسنة الصحيحة بعيدا عن هرطقة كل مهرطق وسفسطة كل مسفسط، ولنعد العدة للحياة الحقيقية وهي الدار الآخرة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الأولى: من الملاحظ والمتفق عليه أن العرب يعتبرون في نظر الغربي أمة متخلفة غير متقدمة تقتات على مكتشفات الغرب، ملزمة بالتبعية المطلقة للهيمنة الغربية، وما يعرف الآن بـ(إمبريالية الرأسمالية المتقدمة)، وهذا الكلام حق، كحقيقة السحر في نظر المؤمن.
الثانية: يعلم مثقفوا الأمة العربية أن هذه الأمة قد تقدمت في المجالات العلمية قبل الثورات الصناعية في أوربا، أو ما يعرف بـ(عصور الظلام الأوربية) أو(القرون الوسطى). وأن ذلك التقدم قد نقل وترجم إلى اللغات الأوربية، ومن ثم استفيد من ذلك فائدة عظيمة في مرحلة الثورة على الكنيسة وموقفها من الدين في أوربا.
الثالثة: العقل الإسلامي، وليس العربي(الذي وصم بالتخلف) هو الأداة الحقيقية التي تقدمت بهذه الأمة في تلك المجالات العلمية على يد بعض العلماء المسلمين في الكيمياء والطب والرياضيات والفلك، وغير ذلك. فالإسلام لم يحرم العلم والتقدم بل دعا إلى ذلك وحث عليه في سبيل إعداد القوة لرفع راية هذا الدين خفاقة في مشارق الأرض ومغاربها، والإسلام لم ينه عن الاستفادة من علوم الآخرين في صناعة التقدم، بل فتح المجال في ذلك بقوله: " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة..." ولفظ القوة هنا نكرة تفيد العموم لسبقها بـ(من) الدالة على الاستقصاء والعموم. وهذه النظرة الإسلامية أنكرها الكثير من التنويريين ووصل بهم الأمر إلى وصم مثل هذه النظرة بالتخلف والرجعية تبعا للكتاب الذي أسس تلك النظرة وما يحتويه من تشريع.
الرابعة: لقد كان فهم الإسلام للقوى فوق الطبيعية(الميتافيزيقية)، يختلف تماما عن فهم الفلسفات القديمة الإفلاطونية والأرسطية والتي نشأت في بلاد المسملين(السينوية والرشدية)، وكذا الأوربية في عصرها السابق للعصر التجريبي. ذلكم الفهم القرآني المتيسر قبوله عند العقول التي فطرت على الصفاء قبل اختلاطها بتجارب الحياة المختلفة وتشربها لمختلف النظرات والأفكار المتضادة، ذلكم الفهم الذي لا يلج دائرة متاهات العقول والحكم على الغيبي إلا من خلال النص المطلق عن حدود الزمان والمكان. تلكم الدائرة الضيقة التي انطلق منها الفلاسفة ليفسروا لنا الشاهد والحاضر من خلال بعض هرطقاتهم المبنية على الجوهر والعرض والعنصر والعقول والنفوس الفلكية والمثل الإفلاطونية والحركة التوسطية أو القطعية والجزء الذي لا يتجزأ أو الاتصال والهيولى وقدم نوع العناصر أو أشخاصها، والفيض الإفلاطوني، وغير ذلك من الألفاظ المجملة والمختلف في تحديدها والبرهنة عليها، ويكفي لبيان ذلك مناقضة اللاحق للأول في ذلك، والقول بما لا تعيه العقول ككسب الأشعري وطفرة النظام، وغير ذلك. أقول هذا لأبين مدى الانحراف(عند المتأخرين) عن الجادة التي رسمها القرآن وأوضحها الحبيب صلى الله عليه وسلم بألفاظ سهلة ميسرة تلقاها أصحابه الأول بالقبول والإيمان، وسار على أثرهم من رام طريق السعادة في هذه الحياة.
الخامسة: يقول بعض فلاسفة الغرب: " إن جهل الأولين وعدم معرفتهم بالعالم وأنفسهم واعتمادهم على الوسائل التقنية البسيطة للتحكم بهذا العالم، دفعهم إلى إلقاء مسؤولية كل ما يدهشهم على كائنات فوق طبيعية"، وهذا القول يتنزل على من لم يعرف الإسلام من منابعه الحقيقية، وعلى من عاش يقتات على تراث الفلاسفة الأول الذين لم يصلوا إلى الفصل في كثير من قضاياهم الفلسفية، ولذا كانت تفسيرات الفلاسفة الأول للعالم مما يصعب على العقول الإيمان بها والتحقق منها، والسبب كما ذكرت آنفا، كثرة الاعتراضات والإيرادات على كلامهم ممن جاء بعدهم. ويضاف لذلك موقف الكنيسة من كل قول يخالف النصوص المقدسة عندهم والمشتملة على المتناقضات والمنكرات في بدائه العقول كالقول بالتثليث وغير ذلك. كل ذلك دفع أوربا للبحث عن ملاذ آخر، للخلاص من تلك التناقضات، فحاولت تهذيب الأقوال الفلسفية، فاضطربوا في ذلك فيما يتعلق بالفكر والمادة أو الروح والمادة، أو العقل والمادة، أوالذات والموضوع، فمنهم من سفسط وأنكر الموجودات الخارجية، ومنهم من آمن بها، ومنهم من آمن بالعلة الأولى في نظرهم، ومنهم من ألحد وكفر بها كنيتشه وغيره من فلاسفة الوجودية الملحدين. ثم جاء المنهج التجريبي ليركز على المادة والحس ويلغي النظر في الفكر والروح وكل قوة طبيعية تجاوز المحسوس. واشتهر هذا المذهب وتشبث به الماركسيون الماديون، ثم عم ميدان البحث العلمي، وتناسى الناس ما يتعلق بالجانب الفكري والروحي، ونظر إليها من جانب مادي.
وهكذا تغلغل هذا المذهب في العصر الحديث وأصبح هذا التفسير والمنهج المستحق للقب العلم، وما عداه يسمى باسمه كالأدب والدين وغير ذلك. وأما العلم فهو الفيزياء والكيمياء والرياضيات التي تفسر لنا هذا الكون حسيا وتزيح عنا الغموض والضبابية، ولهذا نجد تقسيمات المراحل التعليمية إلى القسم العلمي والأدبي والشرعي، وكأن العلم الحقيقي هو الفيزياء والكيمياء والرياضيات، وهي بدعة باء بإثمها المذهب التجريبي، وشربها حتى الثمالة أذناب الغرب وأحصنة طروادة والله المستعان.
السادسة: لقد نبتت الكثير من العلوم العصرية في منبت سوء، فهي كخضراء الدمن، تلقفها جهال المسلمين دون تمحيص وتدقيق تحت مفعول سكرة الانبهار وعدم اليقين والتأصيل العقدي، فأثرت هذه العلوم في كثير من المنتسبين لهذا الدين، ثم انتقلت تلك العلوم إلى بلاد المسلمين فأثرت في كل من طالعها من أبناء الدنيا وطالبي الشهادات وصبغتهم بصبغتها المادية والإلحادية دون وعي منهم ورجوع إلى أهل الاختصاص في المجال العقدي. ومن الطبيعي أن كل من يقضي حياته على الاقتيات من هذه العلوم ويستأنس بها فمصيره إلى جهل بسيط أو مركب بما يجب لله من التعظيم والانقياد لكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. وقد طالعنا الكثير من العلوم العصرية من أحياء وفيزياء وكيمياء ورياضيات وعلم اجتماع ونفس وأنثربولوجيا وأدب حديث فما وجدنا فيها إلا غياهب الضلال ووحشة للنفوس المؤمنة لقلة ما يذكر فيها الباري سبحانه أو كتابه وسنة نبيه، وسيرها على منهج الفصل بين الدين والعلم(العلمانية المقيتة)، مع إمكان تحويرها وتطعيمها بالعقيدة الصافية وتفسيرها تفسيرا يتفق مع الإسلام بكل سهولة، مع بيان ما فيها من الضلال القادم من الغرب في ثوب التقدم والتكنولوجيا، بله الإلحاد والمادية وعدم الإيمان بالبعث وقدرة الله المتصف بصفات الكمال والجمال والجلال. لقد تأملت سبب الانحراف في هذا العالم، فوجدته في إعطاء العقل حرية التفكير متجاوزا دائرته التي هيئت له، ثم نظرت في اصحابه، فوجدت القوم في حيرة شديدة أوصلتهم في الأخير إلى نبذة كثير من القضايا الفلسفية السابقة المتعلقة بـ(الميتافيزيقياء) والبقاء تحت ظلال الحس والمشاهدة فيما يعرف بالمذهب الحسي التجريبي، فكان من أعظم نتائج ذلك غربة المعنى والروح والذات، مع التركيز على المادة واللفظ والموضوع، فتحولت المادة الصلبة إلى مادة سائلة، واحتار الكثير في علاقة الوعي بما ورائه، فخرجت لنا الكثير من الآراء الجديدة والنظريات الفلسفية الهوسرلية والهيدجرية والدريدية واختلط الأدب بالفلسفة والوعي بالفوضوية، فجاء بعض منظري الحركات الفلسفية في العالم العربي لينظروا لنا ويفلسفوا لنا عقلنا العربي نقدا وتصحيحا من خلال مطالعاتهم التي لا تتجاوز النظر في كتب المعاصرين كـ( ميشيل فوكو أو بعض كتب الرازي وابن سيناء)، فخلطوا بين الغث والسمين، ولم ينزلوا تلك الأقوال منزلها الحقيقي وفق مفهوم الصحابة للقرآن المسطر في كتب النقل المعتنية بسند النقل. ولضعف تلك المشاريع وجدنا ظاهرة تسلسلية منطلقة من تلك المشاريع فيما يعرف بـ( نقد النقد، ونقد نقد النقد...)، وهكذا ستستمر هذه السلسة في المستقبل وهو تسلسل جائز عند الجمهور؛ لن ينقذنا من ترهاته إلا الرجوع الحق لفهم السلف للذكر الحكيم من خلال ما سطره علماء هذه الأمة بالأسانيد الصحيحة إليهم.
السابعة: على المسلم المتيقن لما جاء به دينه أن يعلم: [أن التجربة والمشاهدة ليستا وسيلتي العلم القطعيتين، فالعلم لا ينحصر في الأمور التي شوهدت بالتجربة المباشرة، لقد اخترعنا الكثير من الأدوات للملاحظة الواسعة النطاق وللدراسة، ولكن الأشياء التي نلاحظها بهذه الوسائل كثيرا ما تكون أمورا سطحية ومتغيرة بتغير درجة دقة وتقدم الوسائل التي نلاحظها بها، أما النظريات التي نتوصل إليها بناء على هذه المشاهدات فهي أمور لا سبيل إلى ملاحظتها، والذي يطالع العلم الحديث يجد أن أكثر آرائه تفسير للملاحظات و أن هذه الآراء لم تجرب مباشرة وإنما تم الوصول إليها بالقياس.. ذلك أن بعض الملاحظات يدفع العلماء إلى الإيمان بوجود بعض حقائق لم تثبتها التجربة المباشرة، إن أي عالم من علماء عصرنا لا يجرؤ أن يخطو خطوة علمية واحدة دون الاعتماد على ألفاظ مثل القوة أو الطاقة أو الطبيعة أو الجاذبية أو الإشعاع أو الموجات الكهرومغنطيسية.. لكن أي عالم على ظهر الأرض لم ير مباشرة القوة أو الطاقة أو الطبيعة أو الجاذبية أو الإشعاع أو الموجات الكهرومغنطيسية..!!.. إن هذا العالم لا يستطيع تفسير هذه الألفاظ وما تعنيه إلا بالاستنباط والقياس.. وهى نفس الطريقة التي يصل بها المؤمن إلى الإيمان بالله….!!!! كلاهما قد صاغ كلمات تعبر عن وقائع معلومة لكي يبين عن علل غير معلومة .. كلاهما لا يستطيع أن يرى أو يمسك ما آمن به.. وكلاهما يؤمن إذن بما لم ير.. يؤمن بعلل غير معلومة.. علل غيبية.. أليست تلك هي التهمة التي طالما واجهنا بها المتشدقون بالنهج العلمي الرافضون للغيبيات؟!..
أجل، في معظم الأحوال لا يرى العالم الحقيقة مباشرة بل يصل إليها بالقياس والاستنباط والاستنتاج. والعلم الحديث لا يجرؤ على الادعاء أن الحقيقة محصورة فيما علمناه من التجربة المباشرة. إن ذرة الهيدروجين عبارة عن نواة تحتوى على بروتون واحد ومدار يدور فيه إليكترون واحد ، تلك حقيقة لا يجرؤ أي واحد من البشر على إنكارها، رغم أن أي واحد من البشر لم يرها قط.. !!.. ولا حتى بأقوى مجهر في العالم].
وعودا إلى بدء الحديث عن العلوم العصرية، نقول: إن هذه العلوم كان لها أعظم الأثر في إضعاف يقين الناس بعزة دينهم وإيمانهم بحقائق الغيب، ومن ثم خرج لنا كثير من مدعي الثقافة يتحدثون بألسنتنا متبجحين بما نالوه من شهادات موقوتة، فينشرون الفكر الغربي بغثه وسمينه في أوساط المسلمين، والله المستعان.
ولذا يحق لكل غيور عاقل أن يطالب بتعديل هذه المناهج المسماة بـ(العلمية)، كالفيزياء والكيمياء والرياضيات، ويربطها بالإسلام تفسيرا وتأسيسا، وهو أولى من المطالبة بتحويل المناهج الشرعية إلى مناهج علمية بلغة القوم(التفسير المادي)، والله من وراء القصد.
الثامنة: لنتخيل معا الخيال التالي: لنفرض أننا نعيش في كهف لا يمكننا تجاوزه إطلاقا، ونرى خارج ذلك الكف ظلالا تتحرك يمنة ويسرة، ولنفرض أن من بداخل الكهف علماء قد اكتشفوا الذرة والنواة والشحنات الموجبة والسالبة والجسيمات الضوئية...وغير ذلك، عندما يدرس أولئك تلك الظلال سيدرسونها من خلال ما تشبعت به عقولهم من تفسيرات داخل الكهف، ولن يتمكنوا من الوصول إلى حقيقة تلك الظلال، وسنجد تفسيراتهم تلك تتسم بما أسموه بالتفسير العلمي؛ لقيامه على المبادئ العلمية التي توصلوا إليها، فهنا تفسيران لتلك الظلال من حيث حركتها والسبب فيها، الأول: التفسير العلمي المزعوم، والثاني الحقيقي وهو أن تلك الظلال لكائنات حقيقية تتحرك خارج الكف فيعكس الضوء أجسامها المتحركة أمام الكهف. والتفسير الثاني لو كشف لأولئك العلماء لآمنوا به حقيقة ورفضوا تفسيراتهم تلك، وبمثل هذا يظهر الفرق بين المذهب المادي الحديث القائم على التجربة، والمذهب الذي يقوم في تفسيره على الوحي، فالمؤمن مطمئن في تفسيره لهذا الكون ويؤمن بأن تلك الذرة والبروتون والإليكترون كلها بقدر الله، وأن المحرك لها هو الله، وأن المتحكم في كل صغيرة وكبيرة في هذا الكون هو الله، وأن للكون غاية وحكمة وهدف، ومن هذا المنطلق نفسر مدى يقين المؤمن وسعادته، ومدى تذبذب المادي أيا كان(متمسلم أو كافر) في فكره وحياته. والله الهادي إلى سبيل الرشاد.
التاسعة: نرى أكثر مثقفي الإعلام المعاصر المتمثل في الجرائد والمجلات والقنوات الشيطانية والأدب المعاصر بفنونه وأجناسه المختلفة_ حاشا الأدب الإسلامي_ يعيش في دائرة( التفسير المادي حقيقة والإسلامي دعوى)، ولذا نجده بعيدا(غريبا) عن هموم الأمة الإسلامية؛ يرفل متشدقا بثقافته الوهمية المستقاة من مستنقع شكلي أوبنيوي أو نقد جديد أو تشريحي، ومفتخرا بمعرفته لـ( دي سوسير أو جوليا أو بروب أو ليفي شتروس أو إليوت أو دريدا، أو فوكو ياما، أو هنتنتغون، وغيرهم) ومتخذا من العلامات السرسرية(نسبة لدي سوسير) مَرْكبا له في حديثه العادي أو الأدبي. ومثل هذا الجاهل بحقيقة تعظيم الله لا يستبعد منه عدم احترامه وتعظيمه لثوابت الدين أو الولوغ في أعراض العلماء. وقد كان من ثمار هذه الغربة: مسارعة بعضهم إلى تهميش دور المعصية في حدوث ما قضاه الله وقدره من كوارث متناسيا النصوص المتكاثرة في الكتاب والسنة والدالة على الربط بين الأمرين، ولعل عذره القبيح ندرة قراءته لكتاب الله فضلا عن تدبره. ومن ثمار هذه الغربة: الفصل بين الشريعة والحياة في كثير من القضايا كقضية قيادة المرأة للسيارة، تحت دعوى الوعي الجندري، وتفعيل النقد النسائي فعليا، وهذا نوع من العلمنة المعاصرة التي يعيشها بعض الغرباء في وعيه أو عقله الباطن، وقد تصدر من آخرين جهلا دون قصد، وقليل ما هم. وواقع الكثير ينطبق عليهم:
من كان يأمل أن يرى ،،،،،، من سافل أمرا سنيا
فلقد رجا أن يجتني ،،،،،،، من عوسج رطبا جنيا
وهذه الفئة الجاهلة بما يستحق الله من التقدير والتعظيم والاتباع لما في كتابه، هي سبب البلاء لهذه الأمة المسلمة، ويصدق فيهم ما أخرجه الهروي وأبو موسى المديني وغيرهما موقوفا: "ما زال أمر بني إسرائيل معتدلا حتى نشأ فيهم المولدون أبناء سبايا الأمم التي سبتهم بنو إسرائيل من غيرهم فأفتوا فيهم بالرأي فأضلوهم"، فهذه الفئة هم سبايا الغرب فكريا وانبهارا بحضارته الزائفة، أحلوا ببلاد الإسلام النكبات بجهلهم وسخفهم وضعف شخصيتهم وفقدهم العزة والشموخ.
العاشرة: أدعو إخواني وأحبابي إلى لزوم العقيدة الصافية والنهل من القرآن الكريم والسنة الصحيحة بعيدا عن هرطقة كل مهرطق وسفسطة كل مسفسط، ولنعد العدة للحياة الحقيقية وهي الدار الآخرة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.