مشاهدة النسخة كاملة : قصة طويلة لكنها رااائعة
ابو الدحم
02-07-2005, 04:57 AM
الجزء الأول : الأنامل السحرية ..
- حسين .. ضع هذا الشريط ..
وصدحت موسيقى هادئة في السيارة ... بدأت بعدها فتاة أجنبية ترطن بلغتها مترنمة في هدوء وحزن ..
- إلى أين آنسة غادة ؟؟
- توجه إلى القرطاسية ثم إلى محل لبيع الآلات الموسيقية ..
- أمرك ..
كان الطريق طويلا وخاليا من السيارات ... فشرعت غادة تنظر من النافذة إلى أطلال الجبال السامقة في تلك الظلمة ... والى الأفق الممتد من فوقها ... بينما أمسكت يدها بطرحتها لتغطي بها نصف وجهها ...
سرحت بعيدا مع ألحان الأغنية الهادئة وأطرقت برأسها إلى اليمين وهي تتمتم لنفسها :
اليوم ستلمسين بداية حلمك بأناملك السحرية .. لتضاهي بها هذه الألحان العذبة ..
اليوم ستعيشين في الجو الذي لطالما تقت إليه ... وسترحلين إلى عالم مرهف لا مثيل له على أرض الواقع ..
ثم أرتفع صوتها قليلا وهي تقول : يكاد قلبي ينفطر ...
وصلت السيارة إلى القرطاسية فأسرعت غادة بمغادرتها وابتاعت بعض أدوات الرسم بالفحم ثم خرجت بخطوات متعجلة لتعود إلى مقعدها ..
وهناك .. في ذلك المحل التجاري ... راحت يدها تتلمس الأسطح الخشبية المصقولة ... واحتارت في اللون الذي ستختاره .. أيكون الخشبي الغامق .. أم البني المحمر .. أم تراه يكون اللون الأسود اللامع ؟؟
وفي النهاية .. استقرت على أخذ البيانو الخشبي الغامق ... وبادرت إلى البائع لتعرف سعره .
- ياااااااااه .. إنه باهظ الثمن ..
- لكنك اخترت أجود الأنواع آنستي .. صدقيني لن تندمين على اختياره ... سيرافقك مدى الحياة .. ثم إن عليه ضمانا لمدة 3 سنوات ..
- لا بأس .. سآخذه ...
وامتدت يدها إلى الحقيبة .. وأخرجت النقود التي جمعتها طيلة خمسة أشهر لتدفعها للبائع ...
ثم قالت لنفسها ... ما أقسى هذه الحياة .... جهد خمسة أشهر .. يذهب في لحظة ... ليس عدلا ..
لكن فرحتها بالبيانو كانت قد غمرتها تماما .. حتى أنستها ثمنه الباهظ ..
وانطلقت إلى بيتها .. تحتضن قطعه المفككة في حجرها ... وتعد الثواني لتركيبه وتجربة صوته الساحر ..
وبعد أن انتهت من تركيب آخر قطعة .. قربت كرسيها الدوار منه .. ومررت أناملها على أزراره بحب ... وهي تنظر إليه نظرة حالمة ..
ثم قالت : علي أن أبدأ أولا بتعلم السلم الموسيقي .. ترى أي هذه الأزرار يمثل الدو ؟؟
وانهمكت في تدريباتها حتى النخاع .. وما هي إلا سويعات حتى وجدت أصابعها تتحرك برشاقة .. لتعزف لحنا سمعته في إحدى البرامج ... يقطر حزنا ورقة ...
فصارت تكرره وتكرره وتكرره ... وفجأة .. اتكأت بمرفقيها على البيانو وأمسكت رأسها بكفيها لينسدل شعرها إلى الأمام ....
وشرعت تبكي .............
ابو الدحم
02-07-2005, 04:59 AM
الجزء الثاني (هروب)
اقتربت يد حانية و ربتت على كتف غادة بينما همست صاحبتها قائلة:ما الأمر يا غادة؟
التفتت غادة في حركة سريعة إلى مصدر الصوت..و ما أن وقعت عيناها على وجه رهف الذي اكتسى قلقاً..حتى أشاحت برأسها بعيداً و هي تمسح بقايا الدموع من على وجنتيها...و من ثم تنهدت بقوة في محاولة يائسة لطرد تلك الذكريات الأليمة التي اجتاحتها...
عادت رهف تسأل مجدداً:غادة..ما بك؟..هل كنت تبكين..؟
حاولت غادة أن تطبع ابتسامة على شفتيها و هي تجيب:لا شيء..لا شيء يا رهف..
تطلعت رهف إلى غادة باستنكار مما جعل غادة تسرع معقبة:صحيح..انظري إلى البيانو لقد اشتريته اليوم..أليس جميلاً! لقد حرصت على اختياره من أجود أنواع الخشب....
مطت رهف شفتيها على مضض..بينما اعتدلت غادة على كرسيها الدوار..و هي تكمل:سأعزف لك لحناً لن تنسيه أبداً...
و مع آخر حروفها أخذت غادة تعزف على البيانو مقطوعة موسيقية هادئة..
ألقت رهف نظرة فاحصة على غادة و قالت:و ماذا ستفعلين بالبيانو ؟
ابتسمت غادة و هي ما تزال تعزف..و أجابت رهف قائلة:أنت تعلمين كم أحب العزف على البيانو..لقد كان حلماً من أحلامي أن أقتني واحداً..و لا أخفيك أنني أفكر في إعداد حفلة أدعو إليها صديقاتي..و عندها سأريهن براعتي في العزف..
تنهدت رهف و عقبت قائلة:و لما كل هذا..؟
تجاهلت غادة سؤالها و اكتفت بالصمت.. فعادت رهف لتكمل في عصبية:يكفي أرجوك توقفي..صوته يجلب لي الصداع..
ضربت غادة بكفها على مفاتيح البيانو فانطلقت نغمة قوية لا علاقة لها باللحن الذي كان يعزف قبل قليل..و تجمدت الأنامل السحرية..بينما بقي بصر صاحبتها معلقاً بسطح البيانو الخشبي..و غزت الدموع مقلتيها و هي تتمتم قائلة:لماذا تحاولين دوماً أن تحطمي سعادتي يا رهف...و كأننا لسنا أختين!...
بدت ملامح التعجب على رهف و هي تجيب قائلة:أنا يا غادة..؟كل ما في الأمر أن حالك يؤلمني..فمنذ الحادث و أنت تعيشين في عالم آخر..أهو هروب من الواقع..من الحقيقة..ماذا دهاك يا غادة؟
لم تعقب غادة بكلمة..فتنهدت رهف بدورها و قالت:لا فائدة منك..على كل اتصل عادل قبل قليل و هو قادم لرؤيتك..
نظرت غادة إلى رهف و عقبت قائلة:عجباً لما لم يتصل على هاتفي المحمول؟؟
أكملت رهف و هي ترفع خصلة انسد لت على جبينها قائلة:قال أنه وجده مقفلاً..لكنه بدا غاضباً ..
سألت غادة في تعجب:غاضب؟ ترى ماذا يريد؟
لكن رهفاً لم تجبها ...و مضت تصعد الدرج بخطا ثقيلة و هي تردد:اسمحي لي يا غادة فعلي أن أستعد لمتحان الغد..
رمقتها غادة بنظرة استنكار..ثم ألقت ببصرها على البيانو..بينما تسارعت نبضات قلبها بشكل جعلها تشعر بالقلق..
كل القلق..
ابو الدحم
02-07-2005, 05:01 AM
الجزء الثالث : الثنائي
.. نظرت غادة إلى نفسها ... لم يعجبها ما ترتديه .. فهي من النوع الذي يقدس الأناقة ويقتبس منها الثقة بالنفس .. وذلك مع الجميع دون استثناء .. فكيف إذا كان الزائر هو خطيبها ؟؟
ولما كان عليها أن تفتح له الباب فقد سارعت إلى ارتداء شرشف الصلاة المهمل ليغطي ما تحته وركضت إلى الباب وقلبها يخفق بقوة ..
- السلام عليكم ..
ابتسمت غادة وهي تنظر إلى قطعة الجاتو الضخمة التي يحملها عادل وقالت :
- وعليك السلام .. لم هذا التعب ؟ تفضل ..
دخل عادل بخطوات بطيئة .. ووجهه لا يحمل أية تعبيرات .. مما جعل غادة تتساءل أكثر عما إذا كان غاضبا كما قالت رهف أم لا ..
- كنت تصلين ؟؟
تلعثمت غادة وهي تقول : نعم نعم .. انتظرني في حجرة الضيوف لو سمحت سآتي حالا ..
ثم راحت تثب وثبات رشيقة إلى غرفتها بعد أن تأكدت أنه لا يراها .. وبدأت رحلة التأنق التي حاولت جاهدة أن تقصرها قدر المستطاع ..
- تبدو شهية ..
- حقا ؟؟ يسرني ذلك ..
- أنت دائما مبتكر في هداياك ..
- هذا من ذوقك ..
شعرت برسميته غير المعتادة .. فبادرت إلى سؤاله بكل صراحة :
- عادل ..
- نعم ..
- قالت رهف بأنك كنت تبدو غاضبا عندما تحدثت بالهاتف .. هل فعلت شيئا يزعجك ؟؟
- ............
- عادل ..
- كلا .. إن رهف تبالغ دائما .. رجاء اطلبي منها أن توفر انطباعاتها لنفسها .. إذ دائما تسبب لك قلقا لا مبرر له ..
- عادل .. ماذا أصابك ؟؟ رهف لم تفعل ما يستحق كل هذا الانفعال ..
تنهد عادل بقوة .. وهو يحاول أن يقبض على ثورته بقبضته الحديدية ويعيد الى وجهه ذاك القناع الصامت من أي معنى ..
- أنا آسف .. يبدو أنني لست على ما يرام اليوم ..
- لكن ... ماذا حدث ؟؟
- بعد عودتي من العمل شعرت بضيق هائل يجثم على صدري .. وقلت لنفسي .. ليس هناك من يستطيع تسليتي وإسعادي الا غادة الحبيبة .. فأسرعت لشراء قطعة الجاتو .. ومن هناك اتصلت على هاتفك المحمول .. لكنه كان مغلقا .. واستمرت محاولاتي لنصف ساعة .. في النهاية .. اضطررت للاتصال بالبيت .. لكنهم أخبروني أنك لست موجودة .. مما ملأني غيظا وتعاسة .. ربما لهذا ظنت رهف أني غاضب .. هذا كل شيء ..
تمتمت غادة في تعاطف :
- عادل ..
نظر إليها عادل وبعينيه بحر من العواطف المتماوجة .. ثم أمسك بيديها وهو يقول في همس :
- لم أعد أحتمل الانتظار .. متى ستدخلين إلى القفص ؟؟
- عدنا ..
- أرجوك يا غادة .. فكري بالأمر جيدا .. لا أجد سببا واحدا لتأجيل الزفاف كل هذه المدة ..
حاولت غادة أن تهرب بوجهها من نظراته الفاحصة وقالت :
- الدراسة ..
- ما معنى الدراسة ؟؟ تستطيعين إكمالها في بيت الزوجية .. أقسم لك أن أوفر كل أسباب الراحة لك .. فقط وافقي ..
- أرجوك لنناقش الأمر فيما بعد .. تعال معي .. أريد أن أريك مفاجأة ..
وأمسكت بيده في مرح ثم راحت تسحبه بكل ما أوتيت من قوة .. لكنه ما تزحزح من مكانه ..
- كالجبل الراسخ ........ انهض ..
- أين قوة النساء التي يتحدث عنها الجميع ؟؟
وضعت يدها على خاصرتها وقالت :
- قوة النساء في كيدهن ..
قال بلا مبالاة :
- كيدي لي إذن ...
قطبت غادة حاجبيها في غضب مصطنع .. وعقلها يبحث عن حيلة ما .. ثم قفزت فجأة كقطة نحوه .. وراحت تزغزغه في كل مكان تقع يدها عليه .. فما لبث الجبل أن استحال إلى تل رملي هش .. وصاح بتوسل :
- كفى كفى .. أنا استسلم ..
ضحكت غادة قائلة :
- من الأقوى إذن ؟؟
- إن كيدكن عظيم .. عرفت نقطة ضعفي .. لكن اصبري علي .. عندما أدخلك إلى قفصي سأعرف كيف أوقفك عند حدك ..
- ولم لا تفعل ذلك الآن ؟؟
- لا زلنا مخطوبين ..
- كفاك مراوغة .. وهيا معي لأريك المفاجأة ..
- ما هي ؟؟
- شيء اشتريته .. تعال ... هيـــــــــــا ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
ابو الدحم
02-07-2005, 05:03 AM
الجزء الرابع(أسرار)
أسرعت غادة تعدو نحو غرفتها و من خلفها كان عادل..و مضت تصعد الدرجات في سرعة و رشاقة و ما أن وصلت غرفتها حتى استدارت نحو خطيبها و هي تقول:أغمض عينيك..
أجابها عادل و هو يحاول أن يجمع أنفاسه المتقطعة:و لماذا؟
لوحت غادة بكفيها في حماس و هي تجيب:عادل لا تجادلني..
ارتسمت ابتسامة صافية على ثغر عادل فأغمض عينيه مستسلماً و هو يتمتم:طلباتك أوامر يا أميرتي..
أطلقت غادة ضحكة جذلة..و من ثم اقتادت عادل إلى داخل غرفتها..و سارت به في أرجائها حتى وصلت إلى البيانو..
عندها همست لخطيبها قائلة: الآن افتح عينيك..
أجابها عادل ساخراً:هل أنت متأكدة..
أجابت غادة في دلال و طفولية:عادل! كف عن ذلك..
فتح عادل عينيه في هدوء..و ما أن وقع بصرة على تلك الآلة الموسيقية الضخمة حتى ظهرت عليه ملامح الدهشة..بينما أسرعت غادة تجلس على كرسيها الدوار و هي تسأل في لهفة :ما رأيك؟؟
لكن عادلاً لم يجبها
-عادل ما رأيك؟
-هــا عذراً غادة..
ابتسمت غادة و عادت تسأل:
-إلى أين مضت بك أفكارك..
-لا شيء..لكنني دهشت فحسب..ترى هل تجيدين العزف عليه..؟
-بالطبع و أنوي أن أبتكر مقطوعات أنافس فيها مقطوعات بتهوفن المشهورة...
-كنت أظنك تملكين موهبة الرسم و الجدال فقط و ها أنا اليوم أكتشف أنك عازفة مغرمة بالبيانو...
-حتى تعلم كم أنت محظوظ بي..فأنا جوهرة لا تقدر بثمن..و صاحبة أكثر الأنامل إبداعاً في هذا العالم.
-يبدو أن الغرور بدأ يغزوك..كفي عن المبالغة....
قطبت غادة حاجبيها في غضب و عقبت قائلة:سأثبت لك..سأعزف لك مقطوعة رائعة تجعلك تغادر إلى عالم الخيال..
-كلا أرجوك فأنا أريد أن أغادر إلى عملي..
نهضت غادة من كرسيها في حركة حادة و عقبت:مستحيل..ستتناول طعام العشاء معنا اليوم..
لكن عادلا أجابها و هو يغادر الغرفة:لا أستطيع يا عزيزتي..فلدي الكثير من الأشغال..
لحقت به غادة و عادت تكرر في إلحاح:
-أرجوك عادل أبقى من أجلي..أرجوك..لقد أعددت لحناً رائعاً سأعزفه لك عند العشاء..ستكون أمسية رائعة..
أجابها عادل و هو يمضي على الدرج بسرعة:
-صدقيني غادة لا أستطيع..أعدك أن أبقى للعشاء في المرة القادمة
-وعد؟
-وعد..و الآن هلا أحضرتي معطفي من غرفة الجلوس..سأنتظرك في فناء منزلكم..
أومأت غادة برأسها إيجاباً..و انطلقت لتجلب المعطف و ما هي إلا ثوان حتى كان المعطف ينسدل فوق كتفي عادل..
و قبل أن يمضي خارجاً التفت إلى غادة التي كانت تقف خلفه و باغتها قائلاً:غادة..هل تثقين بي..؟
أجابت غادة في انفعال:بالطبع..كيف لك أن تشك في ذلك؟!..
رمقها عادل بنظرة استنكار و عقب قائلاً:لطالما كنت واضحاً وصريحاً..فمنذ خطبتنا و أنا أفضي إليك بأسراري و تفاصيل حياتي..لقد جعلت من نفسي كتاباً مفتوحاً لك أن تقرئيه متى شئت..أما ما أعرفه عنك فهو لا يتجاوز صفحتين من عمرك.. ما الذي تخفينه عني من أسرار؟ ترى بما ذا ستفاجئنني بالغد..أحياناً أشعر بأنني عاجز عن فهمك..و أن بيننا الكثير من الأسوار التي لم تهدم بعد...هل تخشين دخول قفص الزوجية حقاً..أم أنك تخشين مني؟..
خيم الصمت لدقائق فهمت غادة بالمغادرة إلى غرفتها لولا أن عادلا سحبها من يدها..فارتفع جزء من كم قميصها وظهر من تحته حرقاً قاتم اللون..عندها سأل عادل غادة في قلق:غادة ما هذا؟
سحبت غادة يدها بسرعة..وغطت الحرق بكمها و هي تتمتم:لا شيء..ألم تقل بأن لديك الكثير من الأعمال..
رمقها عادل بنظرة فاحصة وسأل:هل أنت غاضبة..
أجابت غادة باقتضاب:و لما الغضب..فلا بد من الصراحة حتى لا تنهار علاقتنا..
-لكنك لم تجيبيني..
-...............
-على كل لن أغادر حتى أرى ثغر أميرتي يبتسم...
-.............
-هيا غادة..
رسمت غادة ابتسامة واهنة على شفتيها..و مضت خلف عادل لتودعه..و ما أن رحل بسيارته..حتى أشاحت بالكم عن يدها..و من ثم أخذت ترمقه في حزن..و هي تتمتم :لا بد أن أذهب غداً إلى أخصائية تجميل..فعلي أن أتخلص من هذا الحرق..فبقاءه يذكرني بالحادث..و أنا لا أريد لعادل أن يعلم بشأن ما حدث..
مضت غادة تغادر نحو غرفتها بخطى ثقيلة..و إذا بها تحس بشيء تحت قدمها..فانحنت لتحمله..لقد كان ظرفاً ..
تفحصته غادة في استنكار ثم تمتمت قائلة:لا بد أنه سقط من معطف عادل..لا بأس سأعطيه إياه متى حضر لزيارتي..
ثم صمتت للحظة وظل بصرها معلقاً بالظرف بينما حار سؤال في أعماقها
-ترى هل أعرف عن عادل كل شيء حقاً؟..
ابو الدحم
02-07-2005, 05:08 AM
الجزء الخامس : كابوس ..
صوت الموسيقى ينساب بنعومة .. يخالطه صوت محرك السيارة .. وهمهمات لعاشقين وصلا لذروة الحب والهيام ..
يتلو ذلك بثواني صوت صراخ وارتطام شديدين ..
( ربيـــــــــــــــــــع .. ربيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع )
نداء أنثوي يقطع الفؤاد .. مفعم بالحرقة والارتياع .. صورة يد محترقة تمتد في استنجاد تتخللها سحب ضبابية .. وتمسك بقطعة من قميص رجالي ملوث بالدم .. وذو أطراف محترقة ..
( أخرجوه .. أرجوكــــــــــــــــم .. )
..........
هنا .. استيقظت غادة من نومها لتجد نفسها متشبثة بغطائها ... بينما غرقت وسادتها بالدموع ..
جلست في إعياء وهي تمسح دموعها ... وراحت تستعيد حلمها الأليم .. الذي ما فتئ يزورها من حين إلى حين ..
مدت يدها إلى زر المصباح لتضيئه ... وفوجئت بأن الساعة ما تزال الثانية صباحا .. أي أنه ما زال عليها أن تنام 5 ساعات إضافية ... فتنهدت بقوة وهي تتمتم :
- لا سبيل إلى النوم الآن .. ماذا أفعل ؟؟
قلبت بصرها تبحث عن شيء ما تضيع به وقتها ريثما يعاودها النوم .. فتوقفت عيناها عند جهاز التسجيل .. حيث يقبع جواره شريط أثير إلى قلبها .. حاولت عدة مرات أن تتخلص منه لكنها لم تستطع .. أزاحت الغطاء جانبا ونهضت تقدم خطوة وتؤخر أخرى .. حتى وصلت إلى الشريط .. فأمسكت به برهبة .. ثم وضعته في الجهاز .. وأخذت تستمع .. فما لبثت دموعها أن عاودت الانهمار ..
استدارت إلى خزانة ملابسها .. وأخرجت كيسا بلاستيكيا .. يحوي قطعة قماش ذات أطراف محترقة .. وأخذت تملي عينيها منه وقد غطت على بصرها غشاوة من الدمع ..
ثم انتفضت فجأة .. وقالت لنفسها باستنكار :
- إن هذه لخيانة صريحة لعادل .. ويحي ما الذي أفعله ؟؟
ثم ألقت بالكيس داخل الخزانة .. وركضت إلى جهاز التسجيل فأغلقته .. ثم تنهدت ..
( لماذا أحاول دائما أن أجدد الألم وأنكأ الجرح ؟؟ كل الناس يهربون من الذكريات الأليمة .. ويحاولون طمسها بتجديد حياتهم وإدخال البهجة عليها .. أما أنا .. فلا أعيش إلا معها .. ولا أبحث إلا عنها .. رغم توفر أسباب السعادة لي ......... )
وارتفع صوتها وهي تقول :
- أففففففف .. أليس هناك ما يزيل عني هذه الكآبة ؟؟
وفجأة .. اتجه نظرها صوب ركن قصي في حجرتها .. كانت قد وضعت فيه شرشف الصلاة ذا اللون الأرجواني .. وخيل إليها أنه يضيء بنور غريب وسط عتمة حجرتها .. فأخذت تقترب منه رويدا رويدا .. وسمعت صوتا يلامس شغاف قلبها .. وينادي باسمها : ( تعالي إلي .. تعالي .. فلدي كل ما تبحثين عنه .. ) وصلت إليه وامتدت يدها .. لكنها ما كادت تلمسه حتى ارتدت يدها في عنف وهي تقول بتذمر : اووه أنا لا أصلي فروضي .. فكيف أصلي النافلة ؟؟؟
وعاد الصوت ليقول ( وما يضرك أن تجربي .. فلعل تجربتك هذه تدفعك لأداء كل فروضك بعدها .. اقتربي مني .. أعدك أن تجدي راحتك بين جنباتي )
شعرت بالحنين يجرفها .. وأحست بالحزن على نفسها يطغى ليصل للذروة .. لكنها أبت وكابرت .. وخافت أن يعاودها النداء .. فهربت إلى سريرها للتو .. وشرعت تراود النوم عن نفسه مرارا .. حتى أسلمها القياد .. فغابت في لججه .. وأبحرت فوق أمواجه .. لترى نفسها تقف أمام البيانو الضخم .. وقد تحول إلى قطعة هلامية برزت من وسطها أزراره البيضاء على شكل أنياب حادة .. فاتسعت عيناها وعجلت بالهروب .. فما كان منه إلا أن لاحقها .. وأثناء هروبها سقطت في حفرة مظلمة لتجد نفسها جوار إنسان مسجى تشتعل أذناه نارا .. ويطفح وجهه بالرعب والألم .. فاقتربت منه قليلا لتتعرف عليه .. فإذا به ربيع .. وإذا بيده تتشبث بيدها لتنقذه .. فيحترق معصمها من أثر مسكته .. وتصرخ وهي لا تدري أتهرب منه أم تدنو وتنقذه .. وبينما هي كذلك إذ ظهر فجأة عادل بقوام هائل لم تعهده .. وضرب جسدها بكلتا يديه صارخا : ابتعدي يا فاجرة ..
فطار جسدها عاليا .. وراح يهوي في هاوية سحيقة .. إلى أن استقر فجأة على قطعة قماشية .. أرجوانية اللون .. التقطته وطارت به ثانية كبساط الريح .. ونظرت غادة إليها بدهشة تمتزج بالامتنان .. فرأتها تنظر لها بعتب حنون .. ثم تلفها بالكامل .. ليعم الظلام .. ويهدأ كل شيء ...
القصة طبعا منقولة من احد المنتديات
ولها بقية سأكملها ان شاء الله في وقت اخر
ولكني الآن في انتظار تعليقاتكم
وشكرا
مع تحيات ابو الدحم
قرأت جزء من القصه حلو كتير ومشكور خيي ابو الدحم :shakehand
ابو الدحم
03-07-2005, 05:03 AM
اشكرك اخوي على المرووور
ابو الدحم
03-07-2005, 05:05 AM
]اشكرك اخوي على المرووور
وان شاء الله راح اكملها متى ما سنحت
لي الفرصة
ابو الدحم
04-07-2005, 03:44 AM
الجزء السادس (طيف الماضي)
ألقت رهف نظرة متفحصة على غادة و تمتمت في خفوت:حمداً لله....إنها نائمة..
سحبت رهف خطواتها في بطء شديد و اتجهت بها نحو المسجل الضخم القابع في أحد أركان الغرفة..و ما أن وصلت إليه حتى أخرجت شريطاً من جيب سترتها...لتضعه في عجل داخل ذلك الجهاز بعد أن أخرجت الشريط الذي كان يبيت داخله ليستقر بدوره في جيبها..
تنهدت رهف و هي تحدث نفسها بصوت منخفض قائلة:حمداً لله...كل شيء على ما يرام..
(( رهف...ماذا تفعلين هنا؟))
التفت رهف نحو غادة بحركة حادة و قد بدت عليها علامات الارتباك..و أخذت تسرق النظرات من هنا و هناك حنى وقع بصرها على قطعة القماش الأرجوانية..فأسرعت تجيب أختها في عجل: فكرت في أن آخذ شرشف صلاتك حتى أغسله مع شرشفي...
اعتدلت غادة على سريرها..و مررت كفيها بين خصلات شعرها المتشابكة..و قالت في كسل: لا داعي لذلك..فأنا ..
بترت عبارتها فجأة و عقبت قائلة:لا بأس..أنا لا أمانع..
أسرعت رهف تحمل تلك القطعة الأرجوانية بين ذراعيها لتتخذ منها عذراً يسمح لها بالمغادرة...
تثاءبت غادة في تثاقل و ألقت نظرة على ساعتها...فهتفت قائلة:يا إلهي لقد تأخرت على الجامعة..
ألقت غادة نظرة أخرى على ساعتها و أكملت:لا بأس سأتغيب اليوم..
مع آخر حروفها سمعت غادة صوت تساقط المطر..فهرعت إلى النافذة و فتحتها..ومن ثم أخذا نفساً عميقاً..لتتغلغل رائحة المطر في جميع جوارحها...بينما تكونت سحب ضبابية من الماضي أمام عينيها...و تطايرت عبارات عتيقة إلى عقلها...
((ربيع...ما الذي دهاك ؟ منذ الحادث و أنت تتحاشى رويتي أو حتى محادثتي...
-........................
-ثم ما هذا الظلام الذي يعم المكان...بالكاد أرى ما تحت قدمي...
-أحيانا يكون الظلام أفضل من النور...
-كف عن ذلك....سأفتح الستائر...
-كلا لا تفعلي...
-لما لا؟
-لا أريد أن تمحى صورتي السابقة من ذهنك...
-ربيع...
-لا بد أن نفترق..
-لا تقل هذا أرجوك..
-كفي عن المثالية..لماذا نخدع أنفسنا؟...كيف لك أن تعيشي مع إنسان لم يبقى منه سوى الرماد...كيف لك أن تنظري إلى وجه بلا معالم...كيف لك أن تحلمي بجوار رجل أقصى آماله أن يبيت تحت التراب...لم أعد من
تعرفين...لقد حولني الحريق إلى وحش...))
تساقطت دموع حارة من عيني غادة...بينما هبت نسمات قوية أ طارت بخصلات شعرها لترتطم بوجهها..مما أجبر غادة على العودة إلى الواقع...
ارتفع صوت رنين الهاتف فجأة..فأسرعت غادة إليه في محاولة يائسة لتحرر من قيود أرقتها..و رفعت السماعة..و ما أن قربتها إلى إذنها حتى سمعت صوت عادل يقول:السلام عليكم...
هتفت غادة:عادل؟!
-كيف حال أميرتي؟
-بخير ما دمت بخير...
-لن أطيل عليك فلدي الكثير من المشاغل..هل تركت مظروفاً عندك البارحة؟؟
-آه..نعم يبدو أنه سقط من جيب معطفك...
-حمداً لله...خفت أن تفوتني الرحلة..
-أي رحلة؟
-نسيت أن أخبرك بأنني سأسافر اليوم..
-و هل هذا أمر ينسى؟!
-كنت أنوي إخبارك البارحة..لكن ابتسامتك العذبة أنستني كل شيء
-أنت دائماً هكذا..تفحمني بلباقة..
-أخيرا اعترفت بذلك..هل تستطيعين أن ترسلي لي المظروف فهو يحوي تذكرة السفر..؟
- لا تقلق سأرسلها إلى مكتبك مع حسين..إلى اللقاء الآن..
-إلى اللقاء..
انطلقت غادة تنزل الدرج وهي تحمل ذاك الظرف بأطراف أصابعها..و من ثم فتحت الباب الرئيسي و أخذت تنادي حسين من خلفه رغم أن المطر لم يتوقف..و ما أن ظهر أمامها حسين حتى أعطته الظرف و أمرته أن يوصله إلى مكتب عادل...عندها وضع حسين طرداً أم الباب فسألته قائلة:ما هذا ؟
-لقد وصل بالبريد يا آنستي...
-لا بأس..ناولني إياه..
-تفضلي..آنستي..
أمسكت غادة الطرد بين كفيها...وقلبته بحثاً عن اسم المرسل...و ما أن وقع يصرها على ما كانت تبحث عنه حتى تسمرت في مكانها..و اكتست ملامحها بثوب من الدهشة...بينما ردد لسانها:
مستحيل...
لقد مرت ثلاث سنوات...
مستحيل...
ربيع..
ابو الدحم
04-07-2005, 03:47 AM
الجزء السادس (طيف الماضي)
ألقت رهف نظرة متفحصة على غادة و تمتمت في خفوت:حمداً لله....إنها نائمة..
سحبت رهف خطواتها في بطء شديد و اتجهت بها نحو المسجل الضخم القابع في أحد أركان الغرفة..و ما أن وصلت إليه حتى أخرجت شريطاً من جيب سترتها...لتضعه في عجل داخل ذلك الجهاز بعد أن أخرجت الشريط الذي كان يبيت داخله ليستقر بدوره في جيبها..
تنهدت رهف و هي تحدث نفسها بصوت منخفض قائلة:حمداً لله...كل شيء على ما يرام..
(( رهف...ماذا تفعلين هنا؟))
التفت رهف نحو غادة بحركة حادة و قد بدت عليها علامات الارتباك..و أخذت تسرق النظرات من هنا و هناك حنى وقع بصرها على قطعة القماش الأرجوانية..فأسرعت تجيب أختها في عجل: فكرت في أن آخذ شرشف صلاتك حتى أغسله مع شرشفي...
اعتدلت غادة على سريرها..و مررت كفيها بين خصلات شعرها المتشابكة..و قالت في كسل: لا داعي لذلك..فأنا ..
بترت عبارتها فجأة و عقبت قائلة:لا بأس..أنا لا أمانع..
أسرعت رهف تحمل تلك القطعة الأرجوانية بين ذراعيها لتتخذ منها عذراً يسمح لها بالمغادرة...
تثاءبت غادة في تثاقل و ألقت نظرة على ساعتها...فهتفت قائلة:يا إلهي لقد تأخرت على الجامعة..
ألقت غادة نظرة أخرى على ساعتها و أكملت:لا بأس سأتغيب اليوم..
مع آخر حروفها سمعت غادة صوت تساقط المطر..فهرعت إلى النافذة و فتحتها..ومن ثم أخذا نفساً عميقاً..لتتغلغل رائحة المطر في جميع جوارحها...بينما تكونت سحب ضبابية من الماضي أمام عينيها...و تطايرت عبارات عتيقة إلى عقلها...
((ربيع...ما الذي دهاك ؟ منذ الحادث و أنت تتحاشى رويتي أو حتى محادثتي...
-........................
-ثم ما هذا الظلام الذي يعم المكان...بالكاد أرى ما تحت قدمي...
-أحيانا يكون الظلام أفضل من النور...
-كف عن ذلك....سأفتح الستائر...
-كلا لا تفعلي...
-لما لا؟
-لا أريد أن تمحى صورتي السابقة من ذهنك...
-ربيع...
-لا بد أن نفترق..
-لا تقل هذا أرجوك..
-كفي عن المثالية..لماذا نخدع أنفسنا؟...كيف لك أن تعيشي مع إنسان لم يبقى منه سوى الرماد...كيف لك أن تنظري إلى وجه بلا معالم...كيف لك أن تحلمي بجوار رجل أقصى آماله أن يبيت تحت التراب...لم أعد من
تعرفين...لقد حولني الحريق إلى وحش...))
تساقطت دموع حارة من عيني غادة...بينما هبت نسمات قوية أ طارت بخصلات شعرها لترتطم بوجهها..مما أجبر غادة على العودة إلى الواقع...
ارتفع صوت رنين الهاتف فجأة..فأسرعت غادة إليه في محاولة يائسة لتحرر من قيود أرقتها..و رفعت السماعة..و ما أن قربتها إلى إذنها حتى سمعت صوت عادل يقول:السلام عليكم...
هتفت غادة:عادل؟!
-كيف حال أميرتي؟
-بخير ما دمت بخير...
-لن أطيل عليك فلدي الكثير من المشاغل..هل تركت مظروفاً عندك البارحة؟؟
-آه..نعم يبدو أنه سقط من جيب معطفك...
-حمداً لله...خفت أن تفوتني الرحلة..
-أي رحلة؟
-نسيت أن أخبرك بأنني سأسافر اليوم..
-و هل هذا أمر ينسى؟!
-كنت أنوي إخبارك البارحة..لكن ابتسامتك العذبة أنستني كل شيء
-أنت دائماً هكذا..تفحمني بلباقة..
-أخيرا اعترفت بذلك..هل تستطيعين أن ترسلي لي المظروف فهو يحوي تذكرة السفر..؟
- لا تقلق سأرسلها إلى مكتبك مع حسين..إلى اللقاء الآن..
-إلى اللقاء..
انطلقت غادة تنزل الدرج وهي تحمل ذاك الظرف بأطراف أصابعها..و من ثم فتحت الباب الرئيسي و أخذت تنادي حسين من خلفه رغم أن المطر لم يتوقف..و ما أن ظهر أمامها حسين حتى أعطته الظرف و أمرته أن يوصله إلى مكتب عادل...عندها وضع حسين طرداً أم الباب فسألته قائلة:ما هذا ؟
-لقد وصل بالبريد يا آنستي...
-لا بأس..ناولني إياه..
-تفضلي..آنستي..
أمسكت غادة الطرد بين كفيها...وقلبته بحثاً عن اسم المرسل...و ما أن وقع يصرها على ما كانت تبحث عنه حتى تسمرت في مكانها..و اكتست ملامحها بثوب من الدهشة...بينما ردد لسانها:
مستحيل...
لقد مرت ثلاث سنوات...
مستحيل...
ربيع..
ابو الدحم
04-07-2005, 03:52 AM
الجزء السابع : قلق
مرت أكثر من نصف ساعة ... والطرد لا يزال مغلقا .. وموضوعا على مكتب غادة بينما تتأمله هي في ريبة ...
دارت بها الأفكار .. ووضعت ألوف الاحتمالات لما يمكن أن يحويه هذا الصندوق الصغير .. لكنها لم تتجرأ أن تفتحه وتوقف هذا التيار المزعج من القلق ..
وبينما هي تجوب بعقلها في ردهات الماضي .. اذ دخلت والدتها فجأة مما جعلها تنتفض بعنف .. فقالت الأم :
- بسم الله الرحمن الرحيم ... هل أفزعتك ؟؟
ابتسمت غادة في لطف وقالت :
- لا أبدا ... لكنك فاجأتني ... مرحبا بك أمي ... منذ زمن لم تدخلي غرفتي ...
- وأنا منذ زمن لم أرك تخرجين من غرفتك ... لماذا تحبسين نفسك فيها كالراهبات ؟؟ أليس لي حق عليك ؟؟ رغم الوحدة وبعد أخيكما عني إلا أنكما لا تهتمان لكل ذلك أنت ورهف ...
شعرت غادة بشيء من الضيق لما اعتادته من تذمر أمها دون انقطاع ... وهذا ما جعلها تهرب من مجالستها ... لكنها شعرت أيضا بوخز الضمير فقالت :
- نعم معك حق .. أنا آسفة .. تعرفين كم أحب غرفتي ... لكنني لا أفهم لم لا تأتي أنت وتجلسين فيها معي ..
- أوووه .. كنت أعرف بأن الحوار لن يجدي معك ... دعك من هذا الآن فأنا أريد إخبارك بشيء يخص رهف ..
- رهف ؟!!
- أجل يا ابنتي ... لقد اتصل أخوك اليوم ليخبرني أنه وجد لها عريسا ..
قالت غادة بفرح :
- حقا ؟؟؟؟ هذا رائع جدا يا أمي ..
قاطعتها الأم بلهجة بادية الحزن قائلة :
- لا تفرحي كثيرا يا غادة .. فالعريس متزوج ..
بدت الخيبة على وجه غادة وسكتت لبرهة ثم قالت :
- هل هذا يعني أنك لن توافقي ؟؟
هتفت الأم بغضب :
- بالطبع لن أوافق .. ابنتي لا يعيبها شيء حتى تتزوج من رجل متزوج .
- أمي .. لا تندفعي كثيرا وراء عاطفتك وتقولي أشياء ليست صحيحة .. أنت تعلمين أن بدانة رهف تقف عائقا أمام طريق كل من يخطبها .. وهاهي تبلغ الخامسة والعشرين ... وقلما تجدين عرسانا يلائمونها سنا ... أمي ... لا تكوني السبب في تعاسة رهف وأنت تظنين أنك تريدين سعادتها ..
قطبت الأم حاجبيها في استنكار شديد .. ثم قالت :
- ما الذي أسمعه منك يا غادة ؟؟ هل تعقلين ما تقولين ؟؟ أم أن غرورك جعلك لا تفكرين إلا بنفسك وبسعادتك ... ألا يهمك شأن أختك ؟؟؟ كيف تريدينني أن ألقي بها في أحضان أول خاطب أيا كانت مواصفاته لمجرد ألا يفوتها القطار ؟؟
استشاطت غادة من الغضب حين سمعت اتهامات أمها الظالمة .. لكنها حاولت أن تتماسك قليلا وألا يعلو صوتها على والدتها ... فصمتت لمدة طويلة .. لكن أمها لم تمهلها لكي تهدأ .. بل راحت تكيل لها اللوم والتقريع .. مما جعلها تزمع السكوت التام .. وعدم إبداء رأيها الذي قتل في المهد .. وظلت على صمتها ذاك .. حتى أفرغت أمها كل شحنات الغضب في غرفتها .. وتابعتها بنظرها وهي تمضي خارجا .. ثم ألقت برأسها على الوسادة بعنف .. وأرسلت دموعها على خدها .. لا يوقفها شيء ..
شعرت بعاطفة جياشة تجاه أختها الكبرى رهف .. وتمنت لو كان الأمر بيدها .. لكن عقلية أمها لا يمكن أن تتغير .. لابد من فعل شيء ما .. لابد ..
وفكرت بأن تخبر أختها بالأمر قبل أن تعلن أمهما الرفض لهذا العريس دون علم رهف .. فقفزت من مكانها .. لكنها ما لبثت أن تسمرت خطواتها أمام الطرد الذي ظل ينتظر فوق المكتب .. فعادت الى دوامة القلق .. ومدت يدا مرتجفة إليه .. لتفتح شرائطه .. وتزيح الغطاء عنه ...
ومن أعماقه تلألأ فستان تفاحي رائع .. قد وشي بخيوط فضية باهتة .. رفعته غادة بانبهار .. لتكتشف أنه عاري الأكتاف والصدر إلا من خيطين رفيعين .. وقد ارتفع ذيله حتى تخطى الساق ..
والى جواره في الصندوق .. قبعت بطاقة متناهية في الصغر .. تحوي رقم جوال وكلمتين ليس إلا :
هــلا الـتـقـيـنـا ؟؟
ابو الدحم
04-07-2005, 03:54 AM
الجزء الثامن (وجوه)
ألقت غادة نظرة مطولة على الفستان..و تمتمت في نفسها قائلة :هل هو ربيع حقاً..؟
إنه يعلم أنني أحب هذا اللون...لا بد أنه هو..ترى لماذا يريد أن يراني..؟
شعرت غادة بالاختناق..لقد تجمعت الأفكار في رأسها..لوهلة ظنت أنها ستنفجر و تتحول إلى أشلاء..
عندها نهضت مسرعة إلى صديقها العزيز..إلى البيانو..و بدأت بالعزف....موسيقى حزينة ملأت أرجاء الغرفة..
مرت الدقائق تجر خلفها الساعات لكن غادة لم تتوقف..بل أصبحت تتمايل مع النغمات الصادرة من مفاتيحه البيضاء و السوداء..
و بينما هي كذلك..إذا بباب غرفتها يفتح بقوة ليرتطم بدوره على الجدار..توقفت غادة في حركة تلقائية..و استدارت نحو الباب و هتفت:رهف..ما هذا..؟
تحركت رهف في عصبية زائدة و اتجهت نحو غادة و هي تهتف بصوت متمرد:هل هذا صحيح؟
تطلعت غادة نحو رهف في تعجب و سألتها بدورها:عما تتكلمين؟
أمسكت رهف كتفي غادة بقوة و هي تكرر:هل تريد أمي أن تبقيني هنا للأبد؟
أشاحت غادة ببصرها بعيداً و هي تتمتم:هل استرقت السمع كعادتك يا رهف..؟
أبعدت رهف كفيها عن كتف غادة و هي تعقب:و هل هناك ما أفعله؟؟..
ثم ألقت نظرة حاقدة غاضبة على غادة..فقامت تلك الأخيرة تربت على شعر أختها في حنان و هي تقول:أمي أعلم بمصلحتك..رهف..صدقيني سيــ...
صرخت رهف في وجهها قائلة:غادة أبعدي يدك عني..أبعديها هيا..
تنحت غادة في حركة حادة و عقبت في استنكار:رهف؟!
تطلعت رهف إليها و عيناها ما زالت تحمل شظايا الحقد و الحسد و من ثم قالت و صوتها يعلو شيئاً فشيئا..
:أكرهك يا غادة..أكرهك..لطالما كنت فتاة البيت المدللة و المحبوبة..خصوصاً من أمي..لما ؟..هل لأنك الأجمل لقد دمرت حياتي يا غادة..حجبت عني بنورك ضوء الشمس..و سرقت مني بهجة الحياة..كلما أنظر إلى شعرك المنسدل..إلى رشاقتك..إلى ملامح وجهك..أشعر بالعجز..بالفشل..و أهمس لنفسي أختي الصغرى ستكون أماً عما قريب..و أنا..لا شيء...الكل يقارنني بك.. أمي صديقاتي..الكل يطالبني أن أكون مثلك..كم مرة سمعتك تضحكين بصحبة عادل..تمنيت أن أكون مكانك...كل ما أملكه هو الأحلام و الأماني..أما الواقع فهو ملكك لوحدك..
لن تملي علي أمي رغباتها..لا يهمني أن أتزوج رجلاً ذا مكانة مثل عادل..لا يهمني كلام الناس..كل ما أريده أن أعيش..و لن أسمح لكائن من كان أن يسلبني حياتي...
انطلقت رهف تغادر الغرفة و قد تركت غادة في وضع لا تحسد عليه..تساءلت في أعماقها..هل هذه رهف؟؟..هل هي أختي التي عهدتها بجانبي تواسيني؟؟...ماذا دهاها..ما الذي صنع بيننا هذه الحواجز؟؟...هل كانت تقاوم دوماً تلك المشاعر...هل كانت تلبسها ثوب الحنان رغماً عنها...منذ متى تكرهني؟؟أنا لا ذنب لي..ذنب من إذاً أهو ذنب أمي...؟
لوهلة أحسست أنني أرى وجهين مختلفين وجه أخت ..و وجه عدوة..لما يا رهف؟..
أطلقت غادة دموعاً محبوسة..و رمت بنفسها فوق سريرها..و شعرت برائحة الياسمين تفوح من ذلك الفستان..رفعت رأسها و تلمسته بأطراف أصابعها..و همست في ضيق: أكاد أنفجر..
تسللت نغمات المسيقى الحزينة إلى أذنيها من دون عزف..فهزت غادة رأسها بقوة..و و ضعت يديها على مسمعيها..عندها تتالى شريطا من الذكريات في مخيلتها..لتقف عند كلمتين..هلا التقينا؟..
هلا التقينا؟؟..
لم تشعر غادة بنفسها إلا و هي تردد هلا التقينا؟؟
أمسكت غادة بهاتفها الخليوي في محاولة للهروب..و ضربت أصابعها الأرقام في توتر ..و انتظرت وهلة و إذا بصوت يجيبها:كنت واثقاً بأنك ستتصلين..
صمت غادة و أخذت تحلل هذا الصوت القديم..لتهتف:ربيع..
أطلق ربيع ضحكة قصيرة و عقب:بالطبع ربيع من كنت تظنين؟
-لقد مرت ثلاث سنوات..
-لقد كنات أكثر من ذلك بكثير بالنسبة لي على الأقل..
-......
-ماذا بك..أنا ربيع فعلاً..معك حق أن تشك بذلك فقد..
قاطعته قائلة :ربيع أنا مخطوبة..
-أعلم ذلك..عادل أليس هذا اسمه.؟
-لماذا عدت؟؟
-لأني ما زلت أحبك..
-ربيع أنت من تركني..
-و ها أنا أعود..غادة لقد أجريت عمليات جراحية عدة...لو رأيتني الآن لما عرفتني..لقد بت شخصاً آخر..كل هذا لأنني أردت أن أراك ثانية...
-لكنك ما زلت تحتفظ بصوتك..
-كنت واثقا أنك لن تنسيني..لو لم يكن لي مكان في قلبك لما اتصلت بي..
-ربيع أنا مخطوبة..هل تعي ذلك..؟
-أعلم ذلك..كل ما أريده أن تكوني صديقتي..نتحدث عبر الهاتف..نتبادل الرسائل عبر الإنترنت...
-و نتقابل..؟
-أنا لا أطلب سوى صداقتك..ما رأيك يا غادة القلب و الروح؟؟
***********************************************************
ابو الدحم
04-07-2005, 03:57 AM
الجزء التاسع : أوحال ..
مرت الأيام رتيبة خاوية ... انقطعت فيها غادة عن الذهاب للجامعة ... وأغلقت جوالها وانعزلت في غرفتها .. لا يؤنسها في وحدتها سوى البيانو الأثير وفرشاة الرسم الحبيبة ..
أوحت لها الأحداث برسومات رهيبة .. فكانت كلما نظرت إلى لوحاتها تسري القشعريرة في بدنها .. وتشيح بوجهها عنها .. لقد كانت ناطقة بالحياة ..
أما ربيع فاحتار في الوصول إليها .. وعاش تلك الفترة قلقا من ردها الذي لم يصله بعد .. إذ طلبت منه أن يعطيها فرصة للتفكير ..
ونظرا لهذا الحال المزري فقد رأت غادة بأن عليها أن تكسر الروتين وتفعل شيئا ممتعا يعيد إليها حيويتها ويكون ملاذا لها من نهش الأفكار الموجع ..
لذا سارعت بإخبار أمها أنها على وشك إقامة حفل ضخم لصديقاتها .. واستغرقت عدة أيام ريثما تجهز كل شيء .. ثم قامت بدعوة صديقاتها .. وأخبرت رهف أن بإمكانها أن تدعو من تشاء هي أيضا .. لكن رهف لم تكن كثيرة الصديقات مثل غادة .. بل فضلت إقامة علاقات قليلة وراسخة .. لذا .. لم تدع سوى سامية .. أخلص صديقة لها ..
وفي اليوم الموعود .. وقبل حضور الضيوف ... كانت غادة على أتم استعداد لمهرجانها الضخم .. ولنلق نظرة سريعة على مظهرها ومظهر المنزل بالعموم ..
ارتدت غادة الفستان الذي أهداها ربيع إياه .. مما أثار استياء رهف كثيرا .. إذ كشف الفستان عن جزء من فخذ غادة .. وأظهر مفاتنها بشكل وقح .. فبدت كراقصة في ملهى ليلي ..
لكن غادة لم تأبه لتعليقات رهف اللاذعة .. إذ أن ثقتها بنفسها كانت تتخطى نظرة الآخرين لها بمراحل ..
واكتفت بالتجاهل التام ..
أما غرفة الضيوف فقد أخرجت بعض الأرائك من صدرها ليحل محلها البيانو الضخم وقد زينته شرائط وورود مجففة وردية اللون ..
وضمت طاولة الطعام في غرفة أخرى صنوفا شهية من الطعام يسيل لمرآها اللعاب ..
باختصار كان كل شيء جاهزا تماما ..
وبدأت الفتيات بالتوافد .. وضجت الغرفة بالأصوات الهازلة .. وما لبث صوت البيانو أن ارتفع بعد إلحاح الفتيات على غادة أن تعزف .. عندها هربت رهف إلى غرفتها لتتصل بسامية التي تأخرت ..
- آلو
- السلام عليكم ..
- وعليكم السلام ورحمة الله .. لماذا تأخرت ؟؟
- سأخرج الآن ..
- أسرعي أرجوك .. أكاد أختنق من الوحدة ..
- حسنا .. أنا قادمة ..
وصلت سامية .. فعم الهدوء .. وسلمت الفتيات عليها برسمية .. وبدى واضحا أن وجودها غير مرغوب إطلاقا ..
لكن سامية كانت ألطف مما يجب .. واحتوت الجميع ببسمتها الصافية رغم النفور الواضح في العيون .. ثم جلست في أحد الأركان .. وأخذت تنظر إلى البيانو بصمت ..
على أن الأمور لم تسر على ما يرام .. إذ سرعان ما قالت فتاة خبيثة تدعى سارة :
- غادة بدأنا نشعر بالملل .. ألن نمرح قليلا ؟؟
كانت ترمي إلى الرقص .. وقد تعمدت ذلك لأنها تعلم أن سامية تعتقد بحرمة الموسيقى .. فأرادت إغاظتها ..
ولم تكن غادة بأقل خبث منها .. فقد فهمت مقصدها على الفور فركضت لإحضار المسجل ..
وسرعان ما تحول المكان إلى قاعة رقص ..
وتعالت الصيحات عندما توسطت غادة الغرفة وأخذت ترقص باحتراف .. وتميل يمنة ويسرة .. فيرتفع فستانها القصير أكثر فأكثر لتظهر ملابسها الداخلية من تحته ...
ومن بين أصوات التصفيق والصراخ صدرت همهمات غاضبة من قبل سامية .. ثم همست لرهف :
- ألا يوجد مكان آخر نهرب إليه من هذا الدعر ؟؟
كان وجه رهف محتقنا .. فقدت أحرجتها غادة بما فيه الكفاية .. لذا سارعت بأخذ سامية إلى حجرتها .. وجلستا على سريرها الواسع ... والصمت يدق جنبات قلبيهما ..
وهمست رهف :
- أنا آسفة ..
كانت سامية في حالة من الشرود .. لكنها أجابت رهف دون أن تنظر إليها :
- ما من خطأ تعتذرين من أجله ..
- بلى .. كان علي أن أتوقع ذلك .. وألا أدعوك من البداية ..
- أتظنين أن ما فعلناه كان صحيحا ؟؟
- أتعنين هروبنا ؟؟
- أجل ..
- وماذا بإمكاننا أن نفعل أكثر من ذلك ..
امتعضت سامية وقالت :
- هذا هو الواقع الدامي ... كم نحن ضعاف النفوس ..
- سامية .. لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ..
- كلا .. ليس هذا هو أقصى ما نستطيع .. حتى الآن لم نصب بأي أذى في سبيل دعوتنا ..
- ألا تسمين تلك النظرات الساخرة أذى يا سامية ..
- وهل تقارنين النظرات بالدماء ؟؟ لقد أرخص الدعاة أرواحهم ولم يبالوا .. ونحن هنا .. نكتفي بالصمت والهروب ثم نقول أوذينا بنظراتهم .. ألم أقل لك إننا ضعاف النفوس ..
صمتت رهف قليلا وأطرقت تفكر .. ثم قالت :
- ما تقولينه هو عين الصواب .. كان علينا أن نفعل شيئا يعذرنا أمام الله ..
- أخبريني .. كيف رضيت لأختك بهذا الزي ..
- لقد كلمتها مرارا .. لكنها أصمت أذنيها .. على كل .. أنت ترين أنه ليس أسوأ من ملابس صديقاتها .. فالصاحب ساحب كما يقولون ..
وفي غرفة الضيوف كان فلاش الكاميرا يلتمع بين الفينة والفينة .. آخذا لقطات حميمة للصديقات الست .. لكنه توقف فجأة معلنا انتهاء الفيلم .. فجلست الفتيات في إرهاق بعد أن أعياهن رقص السلو على نغمات غادة الرومانسية .. وقالت إحداهن :
- أنا جائعة ..
ضحكت غادة وقالت :
- لا تقلقي .. لقد أعددت لكن وليمة لن تحلمن بمثلها ..
قفزت سارة من مكانها وقالت :
- حقا ؟؟
- وماذا تظنين ؟؟ لقد كنت أعلم أنكن مدمنات للرقص .. والرقص رياضة عنيفة تحتاج لوجبة دسمة بعدها ..
- انك رائعة بحق .. هيا إذن عجلي لنا بها ..
- تفضلن إذن لغرفة الطعام .. سأصعد لأنادي رهف وسامية ..
- اقترح أن ترسلي لهما أطباقهما .. لا نريد ثقيلي الدم معنا ..
- ليس من اللياقة ذلك يا عزيزتي لابد من الأصول ..
مطت سارة شفتيها بقرف .. وقالت :
- لو كان البيت بيتي لأريتك كيف أتحرر من كل هذه القيود المسماة بالأصول ..
وانتهت الحفلة .. وعاد كل طير إلى عشه .. ونام الجميع .. بينما احتضنت غادة باقة ورد أهدتها إياها إحدى صديقاتها .. وغابت في دوامة من البكاء المرير .. وصورة ربيع لا تفارق مخيلتها للحظة ..
لقد كانت تراه في كل ركن من الغرفة أثناء الحفل ..
رأته يصفق لها وهي ترقص ..
رأته يرمقها بإعجاب وهي تعزف ..
رأته يمد لها الشوكة ويطعمها بيده ..
شعرت بأن الحفلة أقيمت من أجله ... لا هروبا منه .. وامتطت قارب ذكرياتها .. تعيش فيه أحلى الأيام .. وتذرف الدموع السخية ..
أنى لها الهروب ممن نال منها القلب والروح .. ولم يتركها حتى في المنام ..
لابد أن تلقاه ..
لابد أن تروي ظمأها الذي طال لثلاث سنوات ..
لابد ..
ابو الدحم
04-07-2005, 03:58 AM
الجزء العاشر(حيرة)
ألقت غادة نظرة سريعة على ساعتها..و تمتمت: إنها الخامسة صباحاً...
لقد غلبها الأرق رغم الجهد الذي بذلته في الحفلة بين العزف و الرقص و الإشراف على الوليمة..
تنهدت بعمق و أرسلت نظرة متفحصة على هاتفها الخلوي..و همست لنفسها قائلة:إن كان فعلاً هو..فلابد أنه ما زال مستيقظاً إلى الآن... فهذه عادته..
عندها استدركت بسرعة قائلة:ما لي اهتم بأمر ربيع؟ أما زال في قلبي بعد كل تلك السنين..لما أخشى الاعتراف بذلك؟..عجباً لي..قبل ثلاث سنوات و بعد أن تعرفت عليه في غرف المحادثة على الإنترنت كنت أخشى أن لا أجده بين صفحاتها...استمتع بحديثه..و استشعر صوته..لقد أحببته..بل بت أهواه..حتى أنني لم أستطع أن أكتم هذا الشعور عنه..أخبرته..فانقطعت أخباره..شعرت حينها بالضيق..بالندم..و همست لنفسي ليته يعود فكل ما أريده صداقته..
اقتربت غادة من نافذتها و هي ترقب شروق الشمس و استرسلت قائلة:بعدها بأيام جاء لخطبتي..يومها أحاطتني السعادة فبت أبني أرض أحلامي طوبة طوبة..و على أرض الواقع..لوهلة شعرت بالانتصار...فقد رأيت الوجه الذي لامس صاحبه شغاف قلبي..و أمتعت أذني بصوته حتى بات هذا الصوت جزءاً من ذاكرتي... ليس له أن يمحى..و لكن..
أشاحت غادة بوجهها بعيداً و أرسلت دموعاً غزيرة...اقتربت أكثر من نافذتها..و فتحتها..فتدفقت نسائم الصبح الندية مختلطة بعبير الفجر و أطارت بخصلات شعر غادة..
رغم أن غادة كانت كثيرات الصديقات إلا أنها لم تتحدث لإحداهن عن ألامها..أحلامها..في الحقيقة لم تكن تبحث عنهن إلا و قت اللهو..و الرقص..و الغناء..فهذا ما هن أهل له..لذا كانت غادة صديقة نفسها..تحكي لها دوماً.. تلومها..تسألها..
تطوف بها هنا و هناك..
عادت غادة تحدث نفسها عن ربيع قائلة:لقد حسدنا الكل على حبنا و سعادتنا..فكان الحادث الذي فرقنا..لقد طلب فراقي بسبب تشوه علا وجه..نسي أنني أحببته قبل أن أرى معالم ذلك الوجه..
ضحكت غادة و عقبت:يا لسخرية الزمان..الوجه الذي تمنيت أن أره فرق بيني و بين صاحبه..و ها هو يعود في محاولة لإصلاح ما كسر..هل هذا ممكن؟...و لما لا ؟..كل شيء ممكن..
كما أنه لم يطلب سوى صداقتي ..لا أنكر أنني في لحظة ما فضلت صداقته على أن يغادر ني للأبد..علي أن أتخذ قراراً سريعاً..
رمت غادة بجسدها على مقعدها الوثير و أغمضت جفنيها لتأسرها الذكريات...عمرها يمر أمامها...لحظات تجري في عجل..
فتحت غادة عينيها بهدوء...و ارتسمت ابتسامة هادئة على وجهها وعقبت قائلة سأقوم باختبار...
أسرعت غادة تمسك بالهاتف..لتطلب رقماً..و من ثم اعتدلت على كرسيها الأثير أمام البيانو..و ما أن سمعت محدثها يقول:آلو..
حتى وضعت السماعة جانباً في مكان ما قرب البيانو..و بدأت تعزف..تسارعت أناملها فوق مفاتيح البيانو..و اعتلت النغمات حتى ملأت أرجاء الغرفة...مضت ربع ساعة و غادة على حالها..و ما أن أنهت عزف مقطوعتها حتى هرعت إلى سماعة الهاتف..و أمسكت بها..حاولت أن تقول شيئاً لكن أنفاسها المتسارعة سبقتها..فأتاها صوت ربيع قائلاً:صباح الورد و الفل و الياسمين يا غادة
ابتسمت غادة و عقبت
-هل عرفته؟؟
-بالطبع فأنا لن أنسى هذا اللحن ما حييت..
-اثبت لي..
-لقد عزفت لي هذا اللحن في يوم عيد ميلادك التاسع عشر..أتذكرين؟
-و كيف لي أن أنسى الأيام التي قضيناها سوياً..
-هل يعني ذلك أنك قبلت صداقتي؟
-هذا سيعتمد على لقاءنا
هتف ربيع قائلاً
-لقاءنا أتعنين..
-أريد أن أراك يا ربيع..أرد أن أرى ماذا فعلت السنوات الثلاث بشخصك..أريد أن أحدث ربيع الذي كان جزءاً من أحلامي يوماً ما..
-ألم يعد لي وجود في أحلامك يا غادة..
-لقاءي بك سيحدد ذلك
-كم أنا مشتاق لرؤيتك...لعزفك..لحديثك...لبسمتك..
-...........................
-غادة ما لك لا تردين؟؟
-عذراً لقد سرحت قليلاً..
-متى و أين اللقاء؟
-سأرسل تفاصيل موعدنا إلى بريدك الإلكتروني..هل غيرت عنوانك؟
-كلا لم أفعل..أما زلت تذكرينه؟
-و كيف لي أن أنساه!
-سأنتظرك..
أنهت غادة المكالمة..تسمرت للحظات في مكانها..ثم قفزت في سعادة..و بدأت تدور حول نفسها..
و تدور..و تدور..
و تطايرت ضحكاتها هنا وهناك..
اقتربت إلى النافذة..و أخرجت رأسها و هي تهتف:سألقاه...ياه..سألقاه..
لكنها بهتت فجأة ..فلقد تسرب إليها بعض القلق...و عادت تتساءل..
-ماذا لو لم يكن الشخص الذي أحببت..ماذا لو غيرته معارك الحياة..ماذا عن واقعي؟...الحياة التي أحياها..
هزت غادة رأسها بقوة لتنفض عن رأسها تلك الأفكار..و إذا بصوت الهاتف يرتفع ..
رمت غادة نظرة إلى ساعتها و تمتمت:إنها السادسة و النصف..لا بد أنه هو..
و هرعت ترفع السماعة..و ما أن لا مست تلك السماعة أذنها حتى هتفت:ربيع..
-ربيع؟!
تلعثمت غادة..ذلك لأن الصوت الذي أتاها لم يكن صوت ربيع...
فقد كان هذا آخر صوت تتوقع أن تسمعه في هذا الوقت..
صوت عادل..
**********************************
ابو الدحم
04-07-2005, 04:02 AM
الجزء الحادي عشر : مفارقة ..
أغلقت غادة السماعة بكل قوتها .. وقلبها يكاد يتوقف من شدة الاضطراب ...
وشرعت تفكر في طريقة تتخلص بها من هذه الورطة ..
لكن الهاتف لم يعطها فرصة طويلة ... فما لبث أن دق ثانية ..
دارت الأفكار بسرعة جنونية في عقل غادة .. انتظرت قليلا عل دقات الهاتف أن تتوقف .. لكن لا فائدة .. فعلى ما يبدو أن عادل مصر تماما على محادثتها ..
أخيرا رفعت غادة السماعة بيد مرتجفة وهي تقول لنفسها ( يا الهي لم أهابه لهذه الدرجة ؟؟ )
كست صوتها بنبرة النوم .. وهي تقول :
- آلو ..
- السلام عليكم ..
- وعليكم السلام ورحمة الله ..
تثاءبت ثم قالت :
- هذا أنت يا عادل .. حمدا لله على سلامتك يا حبي ..
- كيف حال حلوتي الرقيقة ؟؟
- بخير .. مرهقة قليلا .. فقد أقمت حفلة بالأمس لصديقاتي .. ليتك كنت معي ..
- غادة ..
- نعم ..
- اتصلت قبل قليل .. وخيل إلى أنني سمعت صوتك تهتفي باسم ربيع ..
- أووووووه .. أنا لم أرفع السماعة إلا الآن .. لاشك أنك أخطأت بالرقم ..
- ربما ..
غص حلق غادة لكل هذه الأكاذيب ... لقد وضعت نفسها في موقف دقيق للغاية .... إن عادل رجل طاهر لأبعد الحدود ... وان كانت قد اعتادت الكذب ... لكنها تأبى أن تمارس هذا الدور على أمثال عادل ... فهناك أشخاص يبلغون من السمو ما يجعل المحيطين بهم يترفعون عن كل دنيء أثناء صحبتهم ...
وطالت المكالمة ... وكل منهما يبث الآخر لواعج قلبه ... وبدوا كعاشقين ثملين من كأس الغرام ... وان صدق أحدهما وكذب الآخر ...
وحين ودع عادل غادته الأثيرة ... كانت الأخيرة في حال يرثى لها ... وقد استبد بها الألم ... ولم تشعر في حياتها بعذاب الضمير كما شعرت به في تلك اللحظة القاسية ...
أيمكن أن تستمر طوال حياتها على هذا المنوال ؟؟
كيف سمحت لنفسها بتقبل هذه الفكرة الصبيانية ؟؟ هل تظن نفسها في أوروبا ... تبيت الليلة مع زوجها .. وغدا تبيت مع عشيقها ؟؟
وتمتمت لنفسها :
- عادل .. أنت لا تستحق مني هذا .. لكن ماذا أفعل .. وشخص ربيع يلاحقني حتى وأنا معك ...
ربيع هو كل حياتي ... لكنني بالرغم من ذلك أشعر بأنني أكن لك الحب أيضا ..... أوووووه ماذا دهاني ؟؟
وزحف الصداع إلى رأسها شيئا فشيئا ... حتى كاد أن يفجره ... وبالرغم من كل محاولاتها لمقاومة هذا الألم الممض ... إلا أن صرخة مدوية أفلتت من بين شفتيها .. حتى ظنت أنها صدرت من شخص آخر ...
فتح الباب بقوة .. وتوافد أشخاص كثر إلى حجرتها ... فلم تستطع تبين هوياتهم ... لكنها شعرت بقربهم الشديد والتفافهم حولها ... وسمعت صرخات خافتة ونشيج وآهات ... ثم أظلمت دنياها ... فاستسلمت لتلك الظلمة المدلهمة .. إلا أنها ما لبثت أن شعرت بطعم حلو يخالط لعابها .. وتبددت الظلمة مجددا .. لتتبين صورة رهف وهي جالسة على حافة السرير .. بينما تقف والدتها خلفها بوجه بادي القلق .. وسمعت رهف تقول :
- اطمئني يا أمي .. هاهي تعود إلى وعيها ..
- أووه ابنتي .. الحمد لله ..
وشرعت الأم تبكي في صمت .. بينما حاولت غادة أن تعتدل في جلستها وهي تقول في ضعف :
- ماذا حدث ؟؟
عاونتها رهف وهي تجيب :
- أظن أنه فقر الدم .. فوجهك مصفر جدا .. لكنني أتعجب لأنه أصابك باغماءة .. لابد أن تجري تحليلا ..
- آه .. أجل .. فقر الدم .. لا تتعجبي يا أختي .. فقد داهمتني الشقيقة .. وأظن جسدي لم يستطع مقاومتها فحصل ما حصل .. أريد كوب ماء ..
هرعت الأم التي اكتفت بالبكاء والصمت لتجلب كأس ماء لابنتها المدللة .. فاستغلت رهف غياب أمها لتقول :
- استغفري الله يا غادة .. فما هذا إلا بذاك ........
نظرت غادة إلى أختها نظرة طويلة تحمل ألف معنى .. لكنها التزمت الصمت .. وشعرت رهف بأن أختها تنفذ إلى أعماقها بنظرتها الحارقة تلك .. فارتبكت وصرفت بصرها عنها وهي تقول :
- ما بك ؟؟ كنت أنتظر عاصفة من عواصفك التي تجتاحني كلما نصحتك ..
أطرقت غادة وقد غالبتها دمعة أبت إلا أن تترقرق .. ثم قالت :
- هل كنت تعنين ما قلته ؟؟
دهشت رهف لاستكانة غادة هذه المرة .. فقد اعتادت منها المكابرة وسلاطة اللسان رغم أنها تكبرها ب3 أعوام .. وطال صمتها فعادت غادة تلح عليها .......
- ماذا أصابك ؟؟ أعنيت ما قلته ؟
- أجل .. معذرة .. أقصد ..
- لم أنت مضطربة ؟؟
ملأت رهف رئتيها بالهواء ثم تمالكت نفسها وقالت :
- غادة .. تعلمين أن ما فعلته بالأمس كان غاية في ال .. .. أوه كلا لست أريد شتمك لكن الأجدر بك أن تخجلي مما فعلته .. كيف تستطيعين فعل ذلك والله ينظر إليك ؟؟ أما تستحين من ربك ؟؟
صمت مطبق خيم على الشقيقتين .. ووجف قلب رهف المرهف .. خوفا من أن تحصل بينها وبين أختها خصومة كبيرة .. وحين ظنت أنها ستسمع جواب أختها وجدت أمهما أمامها تحمل كأس الماء فقررت الانسحاب متذرعة بعملها .. وتركت غادة في أسوأ حال ..........
أخذت غادة تفكر في شخصيتها المتذبذبة .. وشعرت بأن هذه الوقفة بالذات ستكون جادة .. وستغير من مجرى حياتها .. لكن .. وكالعادة .. سرعان ما تلاشى إحساسها بالذنب .. وداهمتها الأفكار حول ربيع .. فألقت بكل همومها خلف ظهرها ونهضت بنشاط .. متوجهة إلى الحاسب الآلي ................ لترسل لربيع تفاصيل اللقاء ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ابو الدحم
04-07-2005, 04:06 AM
الجزء الثاني عشر( قلب و عقل )
ألقت غادة نظرة مطولة في المرآة..و تمتمت:ممــم المكياج..الفستان..آه و شعري..نعم كل شيء ممتاز كم أنا رائعة..
أطلقت غادة ضحكة قصيرة..بينما ارتفع صوت جرس الهاتف فجأة..فرفعت غادة سماعة الهاتف في حركة لا إرادية..
عندها جاءها صوت عادل يقول:السلام عليك و رحمة الله..
-و عليك السلام..عادل؟؟..عجباً هذه المرة الثانية التي تتصل علي فيها اليوم..
-اشتاقت أذني لسماح صوتك..و أبت عيني إلا أن تراك..
-و ماذا عن قلبك؟؟
-إنه ينبض باسمك...و ينشر حبك في أرجاء جسدي..لقد أرغمني على المجيء رغم أشغالي الكثيرة..
تلعثمت غادة و هتفت:
-أتعني أنك قادم يا عادل؟؟
-بل أنا أمام منزلك..ما رأيك في المفاجأة؟؟
-...
-غادة..ما الأمر؟؟
-لا لا شيء..يا لها من مفاجأة رائعة..سأنزل لأفتح لك..
أغلقت غادة سماعة الهاتف و قد بدا عليها القلق..و ألقت نظرة سريعة على ساعتها و هتفت:أتمنى أن لا يطيل الجلوس..حتى ألحق بموعدي مع ربيع..
أسرعت غادة تنزل الدرج..و أخيراً اتجهت إلى فناء المنزل الخارجي و فتحت الباب لربيع و قد تصنعت ابتسامة على ثغرها..ثم قالت:أهلاً بفارسي..
دلف عادل وهو يرسم ابتسامة عذبة..و ما أن رأى غادة حتى تعلق بصره بها..و تسمرت أطرافه للحظات..مما جعل غادة تلوح بيدها أمامه قائلة:عادل هل أنت بخير؟
أيقظ سؤال غادة عادل من شروده فأجاب قائلاً:يبدو أن فارسك قد أسر..
سألته في تعجب:و من يجرأ على أسره؟؟
أجابها:جمالك..سحرك..بريقك..
أشاحت غادة بوجهها خجلاً و هي تعقب:أنت دوماً هكذا..أميرتك تدعوك للدخول..
أجابها و قد اتسعت ابتسامته:أنا في طوع أميرتي حتى تدخل القفص..
التفتت إليه و سألته في دلال:و ماذا سيحدث بعد أن تدخل القفص؟؟
أطلق عادل ضحكة قصيرة و قال:يبدو أنني سأظل في طوعها أبد الدهر..
ضحكت غادة بدورها..و اصطحبت خطيبها إلى الداخل..
جلس عادل على مقعد وثير..و جلست غادة بجواره..
ظل عادل يحدثها عن رحلته..و مغامرته..بينما اكتفت غادة بهز رأسها إيجاباً بين الحين و الآخر..كما أنها كنت تختلس النظر لساعتها كلما تمكنت من ذلك..حتى باغتها عادل بسؤال:
غادة ما بك ؟؟هل تسمعينني؟؟
-غادة؟
-نــ..نعم نعم عادل..
-ما الذي يشغلك..
-لا شيء سواك..لكن..
-ما الأمر؟؟
-كنت أنوي أن أذهب لزيارة إحدى صديقاتي..لا يهم..هل تسمح لي سأذهب لأخبرها بعدم حضوري..
-كلا لا تفعلي..فلقد تذكرت عملاً مهماً علي القيام به..
-كلا عادل أبقى أرجوك..أستطيع زيارتها في يوم آخر
-صدقيني..لدي كثير من الأعمال..أذهبي و قضي وقتاً ممتعاً..
-عادل..لا أدري ماذا أقول؟
ابتسم عادل و اقترب من غادة و أخرج علبة صغيرة من جيبه..ثم فتحها أمام غادة و هو يقول:
قولي..قبلت هديتك يا عادل..
ألقت غادة نظرة مطولة على العقد الماسي الذي كان يتوسط العلبة..و بدت على وجهها علامات الذهول..
ضحك عادل و أخرج العقد من علبته معقباً:ما رأيك أن تزيني به عنقك قبل ذهابك إلى صديقتك..استديري سألبسك إياه..
-صديقتي...؟؟
-استديري يا غادة..هيا ..
استدارت غادة ببطء...و هي تشعر أنها ليست بحال جيدة..و بينما كان عادل يقلدها العقد..تجمعت عبرات في حلقها..و دارت أحاديث في خلدها..آه يا عادل..ليتك تعرف من تكون صديقتي المزعزمة..ماذا ستفعل لو علمت أنك تزينني لربيع...أشعر بالاختناق...تلك الأفكار تقتلني ببطء..تشنقني..
تلمست غادة العقد بأطراف أصابعها..تسارعت أنفاسها..بينما اكتسى و جهها بملامح الحزن..و الهم..
-غادة..ألم يعجبك العقد..؟
تنبهت غادة لحالها فالتفتت إلى عادل و قد رسمت ابتسامة على وجهها و عقبت:
-يا إلهي يا عادل إنه رائع...أنت تحرجني دوماً بكرمك...
-لقد حصلت على ما أريد..إنها تلك الابتسامة..فهي أغلى من كنوز الدنيا..سأذهب الآن يا غادة..
-سأرافقك إلى الباب..
-كلا لا تفعلي أذهبي و أنهي أمورك حتى لا تتأخري على صديقتك..
لم تجادله غادة..فقد شعرت أن قدميها لا تقوى على حملها..فقالت:
-إلى اللقاء يا عادل..
غادر عادل..و بقيت غادة..تسمرت للحظات...ثم ارتمت على أحد المقاعد و قد سمحت لدموعها بالهطول..و من بين حزنها همست:أنت لا تستحق ذلك يا عادل..أنت أنبل رجل رأيته في حياتي..ما ذنبك؟..كل ما فعلته أنك أحببتني..أما أنا..
بترت غادة عبارتها..عادت تتلمس العقد ..و أغمضت عيناها في استسلام..و بدأت تستمع إلى ذلك الصراع الذي قد نشب في أعماقها..
صراع بين قلبها..و عقلها..
فقد صرخ هذا الأخير في أعماقها قائلاً:غادة..ألا يكفي أن عادلاً يحبك..؟
أجاب القلب:ربما كان يحبها لكنها تهوى ربيع..تعشقه...تذوب في أعماقه اسألني أنا؟
-و ما أدراك أيها القلب؟..غادة أنصتي لي..ما تفعلينه ليس عرفاً في مجتمعك..و لا أخلاقك...ما يدريك أي شخص بات ربيع؟..أتلقي بنفسك في فخ الماضي..
-إنها تفعل ذلك..من أجل حبها..من أجل بقائها..من أجل حياتها..
-و ماذا عن مستقبلك يا غادة..هل ستدعيه أسيراً لما تسمينه حب..ما عاد لربيع مكان في قلبك...كل ما في الأمر أنك تشعرين بانجذاب نحو ماض بات واقع..
-كف عن ذلك أيها العقل..أنا قلبها..إنها ما زالت تحب ربيعا..مازلت نبضاتي تنطق باسمه..
-إذن أجبني..هل هناك مكان للعادل فيك..
-ربما..لست أدري..فحب ربيع قد طغى على خلجاتي و حجب عني الشعور بأي حب آخر..
-فكري يا غادة...لا تحطمي حياتك من أجل رغبات..
-لا تسمعي كلامه يا غادة..أنت تحبين ربيعاً دون شك..هيا اخلعي هذا الطوق من عنقك..لا تجعلي خطوبتك لعادل تقيدك..
هتف لسان غادة بدوره قائلاً:نعم..لا بد أن أرى ربيع..لا بد أن أسقي ظمأ ثلاث سنوات..لا بد أن أطفأ نار الشوق التي تشتعل بداخلي..
أمسكت غادة بعقدها..و أزاحته عن عنقها..و ألقت نظرة عليه و هو بين يديها..ثم قالت:اعذرني يا عادل..فما يشعر به قلبي.. أقوى بكثير مما يفكر فيه عقلي..
******************************
ابو الدحم
04-07-2005, 04:08 AM
الجزء الثالث عشر :
وقفت غادة على حافة الشارع أمام مجمع تجاري ضخم بعد أن صرفت سائقها .. والتصقت عباءتها بجسدها بسبب الرياح الشديدة التي أخذت تهب دون توقف ..وقفت غادة على حافة الشارع أمام مجمع تجاري ضخم بعد أن صرفت سائقها .. والتصقت عباءتها بجسدها بسبب الرياح الشديدة التي أخذت تهب دون توقف ..
شعرت بالقشعريرة والوحدة ... وسرى البرد في جسدها فقف شعرها .. وراحت تدعك ذراعها بكفها بغية نشر الدفء الذي غادرها قبل لحظات ..
راحت عيناها تجوبان بين السيارات باحثة عنه بلهفة .. وقلبها يتسارع لحظة بعد لحظة .. لم تكن تدري ماهو شعورها بالضبط .. هل هو قلق أم شوق .. أم خوف أم سعادة ..
وأقبلت من بعيد سيارة فخمة فتعلقت عيناها بها شاعرة بقوة أنها تقله بداخلها .. وبهرت كشافات السيارة بصرها حين توجهت إليها مباشرة .. وتوقفت بمحاذاتها .. وقد أطل من نافذتها شاب غريب عنها .. لكنه في غاية الوسامة ..
نظرت إليه في حيرة .. فابتسم وقال :
- ما بك ؟؟ هيا اصعدي يا غادة ..
وحين سمعت اسمها تيقنت من شخصه الذي لم تعرفه بسبب عملية التجميل .. فراحت تنظر إليه وقد تسلل إليها شعور بالرهبة والخيبة معا .. رهبة من شكله الجديد الذي أوحى لها بأنها ستركب مع رجل لا تعرفه .. وخيبة أمل كان يراودها بأن ترى ذلك الوجه القديم الأثير الذي أحبته .. وعرفت حينها أنها لن تراه إلا في خيالها وذكرياتها ..
دارت كل تلك الأفكار في ذهنها بسرعة البرق مع دورانها هي حول السيارة لتركب من الجهة الأخرى ..
وانطلقت السيارة فورا براكبيها المتيمين .. فتتابعت الذكريات في ذهنيهما مراجعين كل المواقف القديمة والهمسات واللمسات التي حدثت في نفس هذا المكان ..
اختطفت غادة نظرة إلى وجه ربيع .. فوجدته مبتسما ينظر أمامه نظرة حالمة .. حاولت تجاهله قليلا لتختبر نفسها .. لكنها لم تستطع أن تتمالك نفسها أكثر فراحت تتأمله وقد أخرست المشاعر المتضاربة لسانها ..
قال دون أن يلتفت إليها :
- اكشفي وجهك .. اشتقت إليه كثيرا ..
أزاحت الغطاء عن وجهها بتلقائية من اعتاد ذلك .. فاختلس نظرة .. ثم أوقف السيارة جانبا وعاد ينظر اليها بإمعان ..
مضت لحظات وكل منهما لا يزيح عينه عن الآخر .. ثم قال ربيع :
- كما أنت .. جميلة ونضرة .. وكأن السنوات الثلاث لم تزد على عمرك شيئا ..
- أما أنت فشخص آخر تماما ..
خرج صوتها مبحوحا ومتعبا .. فأجفل ربيع لدى سماعه وقال :
- ما بك ؟؟ هل أنت مريضة ؟؟
قالت في هيام وبدت كالنائمة وهي تتكلم :
- أنا مريضة بحبك .. لقد أتعبتني المشاعر المتناقضة .. ولم أعد أستطيع النوم بهدوء منذ أن عدت الى حياتي ..
- إذن فأنا أستحق العقاب .. لما فعلته بغادة العمر ..
عادا للصمت ثانية .. فامتدت يده تحاول الإمساك بها .. عندها دق قلبها كطبول الحرب وأسرعت تقول :
- أين كنت تنوي أخذي ؟؟
ارتدت يده .. وقال ببرود :
- هل تريدين أن تعرفي ؟؟
- بالتأكيد ..
- إلى دار الأحلام ..
- أتقصد المطعم إياه ..
- أجل ..
- يااااااااااااه .. أتصدق أنني لم أزره طيلة الأعوام الثلاث ..
- حقا ؟؟ لماذا ؟؟
- تجنبت ذكراك .. كنت أهرب من خيالك طيلة الوقت .. لكنه رغم ذلك ألح في الالتصاق بي .. ولم يفارقني للحظة ..
- ............ وما الذي يذكرك بي ؟؟
- انطلق وسأخبرك في الطريق ..
عاد ربيع يقود سيارته .. بينما حكت له غادة عن الثوب المحترق والشريط .. ونغمات البيانو .. واللوحات التي رسمتها له .......... وتدفق حديثها العذب دون توقف .. وربيع في غاية الطرب كأنما يستمع إلى معزوفة رقراقة من معزوفات بيتهوفن أو موزارت ..
وحين وصلا الى المطعم هبطت غادة من السيارة بسرعة .. وشملت المطعم بنظراتها كأنها تريد احتضانه بين جوانحها .. فلهذا المكان الذي جمعهما كثيرا مكانة خاصة في قلبها ..
واختار ربيع إحدى الزوايا المنعزلة في قسم العائلات .. وطلب بعض الحواجز الخشبية ذات العجلات لحجب المكان عن الأنظار .. كما طلب البوظة الفاخرة التي يقدمها ذلك المطعم .. ثم عاد أدراجه إلى غزالته فوجدها شاردة الذهن ..
- فيم تفكرين ؟؟
- أنت تعلم ..
اتكأ بمرفقيه على الطاولة وقرب وجهه من وجهها والتقت نظراتهما ثانية .. ثم همس :
- لا أعلم .. ولكنني أتمنى ألا تفكري بغيري طيلة حياتك .. أتمنى أن تكوني لي وحدي ..
ثم ارتد إلى الوراء وأطرق بحزن قائلا :
- رغم أنني أعلم أن ذلك مستحيل ..
صمتت غادة وعيناها تجوبان في وجهه الحزين .. وراحت تفكر في كلماته التي تقطر ولها وأسى ..
أي حال يعيش هذان التعسان ؟؟ لم يبقي كل منهما للآخر هذا الكم من الإخلاص والعشق رغم تفريق القدر بينهما .. ؟؟ ثم لم يجتمعا وكل منهما موقن بأنه لم يعد للآخر كما كان ؟؟ لم يعذبان نفسهما وبعضهما .. ويجددان الألم .. وينكآ الجراح ؟؟
تساقطت الدمعات من عينيها من جراء هذه الخواطر .. فتنبه لها ربيع .. وتأثر بشدة لرؤية دموعها .. وتمتم :
- آسف .. أأثرت أشجانك ؟؟
لم تجبه غادة بل أستمرت في البكاء .. وبدأت تشهق .. اصطرع الألم والحب والقلق في قلبها .. تذكرت عادل ووفاءه وكرمه .. تذكرت نظراته الهائمة وهداياه الثمينة .. رأته أمامها ينظر في خيبة .. خيبة رجل وثق بحية رقطاء مثلها ..
ثم عادت تنظر إلى ربيع ومحياه الوسيم .. وحيويته الحارقة .. ومرحه الدائم .. هاهو أمامها الآن .. طوع أمرها وبين يديها .. لطالما مدت يديها إلى طيفه لتكتشف أنه سراب .. مجرد سراب .. لكنه هذه المرة حقيقة جلية واضحة .. لم تكن تتصور أنه يوم أن يكون حقيقة .. سيكون حقيقة مرة .. مرة للغاية ..
شعرت بيده تلامس يدها مواسية .. فسرى في موضع لمسته مثل عمود النار اللاهب .. وانتفض جسدها كمن مسه تيار كهربي .. فرفع ربيع يده بذهول .. ثم أرخى عينيه وقال :
- لم أكن أريد للقائنا أن يكون مؤلما لك ..
همست :
- يبدو أنه لن يكون إلا كذلك ..
- لماذا ؟؟ ألم تعودي تحبينني يا غادة ؟؟ ظننتك متلهفة لرؤيتي ..
- أنا كذلك لكن ..
- ماذا ؟؟
- وضعنا غير طبيعي ..
- وهل بإمكاننا أن نصححه ؟؟
- لست أدري ..
تنهدت بقوة ورددت كلماتها ثانية .. ثم عادت لشرودها ..
ووصلت البوظة .. فأخذا يأكلانها بصمت .. لكن ربيع أبى إلا أن يشيع جو المرح ثانية .. فأخذ يحكي لها حكايات رائعة أنستها أحزانها .. ولم يهدأ باله إلا عندما رآها تضحك من أعماقها .. وتكاد تستلقي على ظهرها من شدة الضحك .. .. حينها أخذ ينظر إليها بإعجاب وحب .. كم تضج بالحياة وعنفوان الشباب .. كم تزهر عمره وتغسل قلبه من كل هم .. غادة هي غادة التي أحبها منذ زمن .. رفض أن يصدق أنها باتت لغيره فقال :
- غادة ..
- نعم ..
- أنت لي ..
تصاعدت الدماء إلى وجهها الفاتن وقالت دون شعور :
- أجل ..
- للأبد ..
- للأبد ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ابو الدحم
04-07-2005, 04:10 AM
الجزء الرابع عشر(صدمة)
علت صرخة قوية في غرفة غادة..ثم تبدد صدها..تتالت أنفاس غادة في عجل..و فتح باب غرفتها على مصراعيه لتدخل رهف و والدتها..فاقتربت الأم الحنونة من ابنتها و احتضنتها..بينما سألت رهف أختها و كل ملامح و جهها تنطق بالقلق:غادة هل أنت بخير؟..ما بك؟ ..لما كنت تصرخين..؟
نظرت غادة إلى رهف و أجابتها عبر أنفاسها المتتالية:لا شيء يا رهف لا شيء..
سألت الأم بدورها ابنتها :هل أنت متأكدة يا حبيبتي..؟
رسمت غادة ابتسامة صفراء و عقبت:أنا بخير يا أمي..صدقيني..
عقبت رهف بدورها:لا تقلقي يا أمي ستكون بخير..بإذن الله..سأبقى عندها...أذهبي و اخلدي للنوم..
رسمت والدة غادة قبلة على جبين ابنتها الأثيرة..و غادرت الغرفة بعد أن أوصتهما أن يتدثرا جيداً...فالجو كان بارداً..و الأمطار تهطل بغزارة في الخارج..
خيم الصمت للحظات...لكن سؤال رهف بدد هدوء الغرفة حيث قالت:لا تظني أنك أطفأت تساؤلاتي بإجابتك تلك..
تنهدت غادة و أجابت:
- كان مجرد كابوس يا رهف..
-و إلى متى ستتكرر الكوابيس؟؟
-لست أدري؟..اسأليها علها تجيبك..
-غادة هل تخفين علي شيئاً ما..؟
-رهف كل ما في الأمر أنني أشعر بالضيق هذه الأيام..
-لقد تجمعت الذنوب على قلبك حتى أشعرتك بالضيق..إلى متى يا غادة؟!..البيانو..الأغاني..الفساتين العارية..كلها تكبلك بالسلاسل..لتلقي بك في العذاب..
-أنا فتاة عصرية يا رهف..
-هل الحضارة و العصرية فيما ما تفعلين!..كفي عن ذلك يا غادة لا تختفي حول أقنعة زائفة..
-رهف..أنت لا تعلمين شيئاً..كل ما في الأمر أنني مشغولة الفكر..
-بم يا غادة؟..بالمستقبل..؟أي مستقبل ستجنين و أنت على هذه الحال؟؟
هتفت غادة قائلة:
-كفي يا رهف..اهتمي بشؤونك..
-أنا قلقة عليك يا غادة.
-أرجو أن لا تنسي أنك مريضة بالقلب..و أن قلبك بحاجة للعناية أكثر مني..هلا تركتني..أريد أن أنام..
شحب وجه رهف فجأة..فسحبت آثار الهزيمة خلفها و مضت لتغادر الغرفة في صمت..
مسحت غادة شعرها بيديها لتطرد بقايا أفكار عالقة..و من ثم ألقت نظرة على باب غرفتها و تمتمت في صمت:آسفة رهف..أنت من أجبرني على ذلك..
التقطت غادة علبة دواء كانت بجوارها..و تناولت منها حبة مهدئة..و همست في أسى:إلى متى ستظل تلك الأفكار تلاحقني؟..إلى متى سيظل حب ربيع يعذبني؟..إلى متى سيظل ذلك الشعور بالذنب يطوقني؟..إلى متى سأظل أطعن عادلاً في ظهره؟..و كأنني في دوامة...ليس لها إلا مخرجين...عادل...أو ربيع...
أمسكت غادة برأسها بقوة..و هزته في عنف و هي تردد:يا إلهي..ما الذي دهاني؟..لقد انتهى بي الأمر إلى الحبوب المهدئة..و الأقراص المنومة..علي أن أتخذ قراراً..و بأسرع وقت....
تنهدت غادة في عمق و أكملت :لقد مضى أسبوع على لقاءي بربيع..و في كل يوم كنت أزداد لهفة لسماع صوته..لرؤيته..و بالمقابل أزداد آسى و ألم على نفسي..و على عادل..بل حتى على ربيع...
التقطت غادة علبة أخرى من المضمدة المجاورة لسريرها..و تناولت قرصاً آخر و هي تتمتم:النوم هو الحل الوحيد للهروب من أرض الواقع...
ثم ألقت برأسها على وسادتها..و استسلمت للنوم...
تتالت الساعات..و جاء وقت الظهيرة بشمسه القوية التي تسللت أشعتها إلى غرفة غادة..و أجبرتها على الاستيقاظ..تثاءبت غادة..و مطت شفتيها في ملل..ثم أسرعت تغسل وجهها و تبدل ثوبها..فوقت الغداء بات وشيكاً..
وضعت غادة بعضاً من المساحيق على وجهها لتخفي آثر الإرهاق المحفورة في أركانه..و هذبت شعرها..و ما أن همت أن تغادر غرفتها حتى علا صوت الهاتف..أقبلت غادة إليه..و رفعت السماعة ..و قالت بصوت بارد:ألو..
-السلام عليك يا غادتي..ما به صوتك؟
-و عليك السلام..لا شيء لكنني لم أنم جيداً البارحة..
-غادة..أود أن أزورك اليوم..فأنا..
-عادل أرجوك فأنا متعبة بعض الشيء..هلا زرتني في يوم آخر..
-غادة أصدقيني القول..ما بك؟..فكلما اتصل عليك أجدك نائمة..أو متعبة..و حتى لو كلمتك فإنك تدوماً تسرحين بذهنك ..هل هناك ما يقلقك..
-..................
غادة؟
-نعم عادل..هل قلت شيئاً..
-أ رأيت..أنت لست طبيعية..يبدو لي و كأنك تتهربين مني..
-لا تقل هذا يا عادل..أنا مشغولة فقط بامتحاناتي..
-بودي أن أصدقك....قلبي يقول غير ذلك..
-دعك من قلبك..و اسمع كلام غادتك..
-ليس أمامي خيار آخر..
-سأتصل بك لا حقاً..
-لقد سمعت هذه الكلمة مراراً لكنني أنا من يتصل دائماً..
-عادل..أرجوك..
-حسناً..حسناً اعتني بنفسك..
-إلى اللقاء..
-إلى اللقاء..
أقفلت غادة الخط و تنهدت بقوة و همست لنفسها: متى سأرسم نهاية لكل هذا؟.. متى؟
اتجهت غادة إلى باب غرفتها و ما أن فتحت بابها حتى سمعت صوت رهف تجادل والدتها بشأن العريس المتقدم لها..رهف ترجو أمها أن تغير مفاهيمها من أجلها..و والدتها تصر على رأيها..فما كان من غادة إلا أن عادت أدراجها و قد تركت باب غرفتها مفتوحاً...فلقد ملت من سماع تلك الأسطوانة يومياً..و بات تكررها أمراً مألوفاً بالنسبة لها..فاقتربت من هاتفها و تطلعت إليه في وله و هي تردد:لقد اشتقت إليه..هو الوحيد القادر على رسم الابتسامة على ثغري..
رفعت غادة سماعة الهاتف و ضربت أصابعها الأرقام في عجل..و كادت تعتصر السماعة عندما جاءها صوته قائلاً:غادة..حبي كيف حالك؟؟
تبسمت غادة و كأن المياه قد عادت إلى وجهها الشاحب و قالت:بخير ما دمت بخير..لكن شوقي إليك أتعبني..ألن نلتقي ثانية..
-أحلم بذلك..متى تريدين أن يكون اللقاء؟
-سأرتب ذلك ثم أخبرك..ربيع..كيف حال حبنا..؟
-إنه يزداد صلابة مع الأيام..
-ألن تشغلك الأيام عني؟
-كيف لها أن تنسيني حياتي..غادة أنا أحبك..أحبك..أحبك...
ضحكت غادة في دلال و عقبت:إلى اللقاء الآن يا حبي..
-كلا غادة لا تنهي المكالمة...
-لا أستطيع أن أطيل..إلى اللقاء يا ربيع..
-إلى اللقاء يا زهرتي الرائعة.
أقفلت غادة السماعة و ارتسمت عليها علامات الفرح و السرور..و ارتمت على سريرها و هي تتمتم في و له:إنه يحبني..
>>غادة من ربيع؟؟<<
اعتدلت غادة على سريرها..و ألقت نظرة إلى مصدر الصوت الذي لم يكون سوى رهف التي اقتربت في عصبية و هي تكرر:هذا الاسم..هل هو خطيبك السابق؟
ذهلت غادة من وقع المفاجأة..و تبخرت الكلمات على أطراف لسانها..بينما عادت رهف تكرر:غادة أ هو خطيبك السابق..؟
تلعثمت غادة و أجابت:اخفضي صوتك ستسمعنا أمي يا رهف..و مع آخر حروفها جرت غادة نحو الباب و أغلقته بإحكام و من ثم تسندت عليه و أكملت:رهف الأمر ليس كما تظنين؟
رمقتها رهف بنظرات استنكار و أكملت:ليس كما أظن...هل هو خطيبك السابق أم لا..؟
-.................
-غادة أجيبيني..
-بلى هو..
-لقد طفح الكيل يا غادة..خفت أن تسمعنا أمي و نسيت من يراك لحظة بلحظة؟..ما عدت أفهمك..
هتفت غادة:يكفي رهف..هذه حياتي..
-حياتك ليست ملكاً لك و حدك..إنها متعلقة بسمعتنا و مصيرنا..
-أنا أحادثه فقط لا أكثر..
ازدادت عصبية رهف و هي تقول:فقط..كم أنا محظوظة بأنك أختي..
هتفت غادة بدورها :رهف ليس ذنبي أنك لم تتزوجي إلى الآن فلا تحطمي حياتي بغيرتك..
تسارعت أنفاس رهف في استنكار و عقبت:ما الذي تقولينه؟
-نعم أنت غاضبة لأنني جذابة و الكل يحبني و يهواني..أنت قلتها يوماً يا رهف..
-لقد كنت في حالة غضب و ضعف فحسب..
-بل أنت كذلك..يوماً ما ستفعلين ستمسكين بسماعة الهاتف في سبيل أن تجدي من يسقيك جرعات من الحب..
صرخت رهف قائلة:اصمتي يا غادة..اصمتي..
لكن صوتها بدأ يذهب شيئاً..فشيئاً..و بدت على وجهها ملامح التعب...مما جعل غادة تقترب من أختها و هي تسأل في قلق:رهف..هل أنت بخير؟..رهف..
لكن رهف لم تجبها..بل انهارت تماماً..و وقعت على الأرض..لتصرخ غادة بجل صوتها:
رهف أختي ماذا حل بك؟ ...
*************************************
ابو الدحم
04-07-2005, 04:13 AM
الى هنا وسأكمل في وقت آخر
ولكنني يهمني رأيكم
هل هي جيدة
أم لاتستحق
الإكمال
SAD ANGEL
04-07-2005, 11:08 PM
بصراحة القصة رائعة;)
مشكور أخوي والله يعطيك العافية على النقل لأنه القصة طويلة جدا لكنها تستاهل النقل :o
بتمنى ما تتأخر علينا لأنه القصة روعة وأحداثها حزينة :( لكنها حلوة وبكل جزء تصير أحداث جديدة :)
يالله ناطرين البقية ما تتأخر علينا!!!!! :33:
والله يعطيك العافية مرة ثانية:ciao:
الملاك الحزين
water-angel
05-07-2005, 02:50 AM
القصة روعة:biggthump
وننتظر التكملة على احر من الجمر
عاشقه برشلونه
05-07-2005, 03:26 AM
مشكور اخوي واوووووووووووو على القصة انتظر الجزء السابع انشاء الله بالطريق:jester: :jester: :jester:
ftm ftm
05-07-2005, 03:17 PM
القصة تشوق.... وناطرة الباقي.:arms:
لا تطول علي.:hello:
شكرا.
ابو الدحم
06-07-2005, 05:47 AM
الاخوة sad -angel
وwater-angel
و عاشقة برشلونة
و ftm-ftm
اشكركم على المرووور
بالنسبة لعاشقة برشلونة كيف تنتظرين الجزء السابع
لقد انزلته منذ مدة
والآن انتظروا بعض التكملة
وشكرا
ابو الدحم
06-07-2005, 05:50 AM
الجزء الخامس عشر : لحظة صفاء </B>
صوت مخطط القلب يقطع الصمت في كل ثانية .. كما يقطع الخط الأحمر ذو المنحنيات الشاشة السوداء المخيفة .. تلك الشاشة التي لطالما أعلنت وفاة البعض وأنذرت بقرب أجل البعض الآخر .. تلك القطعة كالحة اللون التي تبقى العيون متعلقة بها رغما عنها .. تتطلع في قلق .. فتبتسم حينا وترتاع أحيانا ..
بحثت غادة بين سطور المنحنيات عن مشاعر أختها .. فلم تنبئها بشيء .. يا لهذه الأجهزة الجافة .. ألا يستطيع هذا الجهاز أن يفهم أن القلب ليس مجرد عضلة تنبض بإيقاع مدروس و منتظم ؟؟
ألا يمكنه أن يعي يوما أن هذا المكان مخزن لضمائر البشر وأحلامهم وأحاديثهم السرية .. مجلس لأحبائهم .. ومرتع لمعاناتهم .. وحافظ لأسرارهم ....... أوااااه أيها القلب .. بقدر ما نحبك ونعلي مكانتك بقدر ما تعذبنا وتحيل حياتنا جحيما ..
استطالت اللحظات .. ورهف في غيبوبة تبدو بلا نهاية .. مل الجميع الانتظار .. وتكاثرت الأسئلة .. وازدحمت الاستفهامات .. وكل ذلك يرد عليه الطبيب بإيماءة غاية في الاختصار .. لا يفهم منها شيء ..
رهف في غيبوبة ........ ترى أي شيء ترى الآن في مخيلتها .. وبأي شيء تفكر ؟؟ أم أنها لا تعي شيئا .. وتسبح في بحر من العدم ..
كانت أم غادة تنظر إليها بريبة مشوبة بالتأنيب .. وكلما التقت نظراتها تراجعت الذكريات بغادة إلى لحظة سقوط رهف بين يديها .. لقد دب الرعب في كل خلية من جسمها .. وظنت لوهلة أن شقيقتها الحبيبة قد فارقت الحياة .. وسرعان ما ظهرت أمها نتيجة لصراخها الهستيري .. وكادت غادة أن تفقد الاثنين معا بسبب عدم تماسكها ..
وحين نقلت رهف إلى المشفى ألحت أم غادة على سؤالها عما دار بينهما من حوار ... وكانت الورطة شديدة التعقيد هذه المرة .. لكن غادة خرجت منها بحل سهل ومقنع جدا .. لقد ألقت بالسبب على آخر ما سمعته من حوار بين رهف ووالدتها .. انه العريس يا أمي ... لقد أثرت حفيظتها بما يكفي .. وقتلت آمالها برفضك ..
يا لهول ما أفعل .. لم أكن أعلم بأني دنيئة لهذه الدرجة ... ألا يكفي أن ألقي بالتبعات على غيري حتى أضيف إلى هذا الإثم إشعار والدتي بالذنب بدل رعايتها والتخفيف عنها ؟؟
تعاقبت الساعات .. فطلبت أم غادة منها أن تعود للمنزل .. بينما تبقى هي كمرافق .. وولت غادة .. تجر أذيال الخيبة والقلق ..
واحتواها البيت وحدها .. فاحتضنت وسادتها .. وأخذت تبكي بحرقة .. لقد باتت تكره نفسها .. فكل يوم تتكشف لها حقارتها وشر دخيلتها .. كل يوم تخطو نحو الرذيلة خطوات واسعة .. ترى كم بقي لتصبح في عداد الشياطين ؟؟ وهل لمثلها أوبة ؟؟
مرت عدة أيام .. علمت فيها غادة أن شقيقتها دخلت في غيبوبة بسبب مرض القلب .. ولا يعلم أحد متى ستصحو ... إن كان هناك أمل في صحوتها ..
وأصيبت غادة من جراء ذلك بحالة اكتئاب مزمن ... وازداد تناولها للحبوب المهدئة ... وظهرت الهالات السوداء حول عينيها إضافة إلى هزالها الشديد ... مما أثر على فقر الدم .. فأصبحت تتكرر عليها الاغماءات .. وصار الدوار ملازما لها ...
وصفها عادل بأنها أصبحت خيالا ... وبأنه يخشى ألا يجدها يوما ... وقد بلغ قلقه عليها أقصى درجاته ... وبات الشك يراوده ...
أما ربيع .. فقد كان أنسها الوحيد .. وملاذها من هذا الحال المزري .. كانت تشكو له كل شيء .. لكنه لم يروي ظمأها بالرغم من ذلك ... لأنها كانت تبحث عمن يكشف لها حقيقتها ويعرفها بنفسها أكثر .. لا عمن يستر عيوبها .. ويغطيها إلى أجل ..
وازداد الغم وتكالب عليها الهم ... فقالت لنفسها : لماذا أهرع دائما لربيع وأشكو إليه .. بينما يكون حديثي مع عادل سطحيا بعيدا عن أعماقي ودواخلي ؟؟
بدا لها كأن مصباحا أضيء في ذهنها .. فهي لم تفكر في ذلك من قبل ..
أسرعت إلى الهاتف .. ورفعت السماعة ضاغطة على رقم عادل بيد مسرعة مرتجفة :
- آلو ..
- مرحبا عادل ..
- وعليكم السلام .. هذه تحيتنا ... غادة غير معقول ..
- لماذا ؟؟ أليس من حقي أن أتصل بك ؟؟
- لم أقصد هذا .. لكن المرات التي تتصلي بها علي تعد على الأصابع .. إن هذا يوم السعد بلا شك ..
ضحكت مجاملة .. خفق قلبها .وهي تستعيد قرارها .. وتلعثمت في محاولتها للبدء ..
- ما بك يا عزيزتي .. أما زلت حزينة من أجل رهف ؟؟
- ايييييه يا عادل .. وهل يمكنني نسيانها ؟؟
- هوني عليك .. فلو كانت مستيقظة لما رضيت بما تفعلينه بنفسك ..
بدأت الدموع بأداء مهمتها اليومية.. واهتز صوت غادة وهي تقول :
- أخشى بأنها لن تسامحني حينها .. صدقني أعتقد بأنها ستكون سعيدة بحالي هذا ..
- ما هذا الذي تقولينه ؟؟ غادة حبيبتي لا تجعلي الأحداث ت ..
- أرجوك أن تسمعني حتى النهاية يا عادل ..
- أمرك .. تفضلي يا غالية ..
- عادل أنا .. أنا .. أنا السبب .. فيما حدث لرهف ..
- ............ أسمعك ..
- أجل .. أنا السبب .. لقد جرت بيننا مشادة كلامية ... بدأت أتهمها بأنها تغار مني ... ولم يحتمل قلبها الضعيف هذه الاتهامات القاسية .. فسقطت حالا .. عادل .. أشعر بأنني أسوأ انسانة في الوجود .. ليتك تعرفني على حقيقتي .. حتى أنت كنت دائما أخطئ بحقك .. أرجوك أن تسامحني .. عدني بأنك ستسامحني مهما فعلت .. عادل .......... أنا أحبك ..
في هذه اللحظة .. وبينما يمارس عادل دور المستمع الصامت .. انغرست هذه الكلمة في قلب غادة بعنف .. ووجدت نفسها تستنكر ما قالته ....... ماذا .؟؟ أحبه ؟؟ بأي درجة من الصدق قلت هذه الكلمة ؟؟
لم تستطع أن تكذب نفسها .. أو تجد مبررا لما قالته سوى ما وصلت إليه من صفاء مشاعرها وانقشاع بعض ما اختفى عنها من أحاسيس ..
والتقطت أذناها كلمات عادل المواسية بينما كانت تفكر في هذا الأمر ..
- أتعرفين .. هذه أول مرة أراك فيها في لحظة ضعف .. حبيبتي .. هل تسمحين لي بزيارتك الآن ؟؟ فلدي ما أقوله لك .. وأفضل أن يكون وجها لوجه ..
هتفت من بين دموعها :
- أجل عادل .. تعال .. أنا بحاجة إليك .. كن بجانبي ..
وطار عادل إليها .. وفي لمح البصر وجد نفسه أمام باب المنزل الموحش يدق الجرس ........
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ftm ftm
06-07-2005, 11:57 AM
وين الباقي ؟؟؟:bigeyes:
بسرعة ابي اعرف شنو صار:sad2:
غادة اذا ما صارت خوش بنية بالنهاية>>>>
راح ادعي عليه.:09:
وشكرا على القصة وايد تشوق:)
ابو الدحم
06-07-2005, 08:36 PM
الجزء السادس عشر(صراحة)
تنهد عادل ثم عاد ينظر إلى غادة في حزن جامح..تنهد ثانية و قال:
-يا إلهي يا غادة...هل نظرت إلى وجهك الشاحب في المرآة؟..أنت تعذبين نفسك بيدك..بأفكارك..
تنهدت بدورها و قالت:
-كلما أتذكر أنني السبب في دخول رهف المستشفى أشعر أنني سأجن..أشعر أنني زففتها إلى الموت بيدي..
-لا تقولي ذلك..رهف في غيبوبة فحسب..
-ما الفرق بين وضعها..و بين الموت؟
-الأمل يا غادة..ستفيق من غيبوبتها بإذن الله و تعود إليكم..
-متى؟....متى؟..
و مع آخر حروفها أخذت غادة تبكي بحرقة...اقترب منها عادل و حاول تهدئتها قائلاً:
-غادة..كل شيء مكتوب قبل أن نأتي إلى هذا العالم...إنه القدر..و لا نملك حياله غير الرضا و التسليم..كفكفي دموعك..فهي لن تفيد..ادعي لها في كل أحوالك..في جلوسك و وقوفك...في صلاتك و خلوتك..إنها الآن في أقصى الحاجة إليك...إلى إحساسك بها..و حبك لها..و خوفك عليها...لعلها تشعر دون أن تعي..لعلها تسمع دون أن تفيق..كوني بجوارها دوماً بقلبك و دعائك..كفى دموعاً بالله عليك..ارحمي هاتين العينين..
حاولت غادة أن تتماسك..و شعرت ببعض الأمان..لقد طمأنها كلام عادل..و أثار فيها الشجون..همست لنفسها:معك حق يا عادل أنها لعبة القدر..ربيع...و عادل...أحدهما يؤنس قلبي..و الآخر يطمئن روحي...أي منهما الواقع..و أي منهما الخيال..من هو الذي أحب؟؟...عادل الحنون...أم ربيع العاشق...
-غادة؟....إلى أين ذهبت..
تنبهت غادة إلى صوت عادل و تمتمت:لا شيء..
-أ ما زلت تفكرين بها؟
-عادل...أتعدني أن تصدقني القول؟
-و متى كذبت عليك يا غادة؟!
-من أنا..؟
-أنت غادة..
-و من تكون غادة؟
-غادة ماذا دهاك ؟...كفي عن الألغاز..
-هل أنا سيئة ؟.. قاسية؟...بلا مشاعر؟
-ما الذي يجعلك تقولين ذلك؟
-أجبني يا عادل.. لماذا تظنني أقول ذلك؟
-سأكون صريحاً معك...منذ عودتي من السفر و أنا أشعر بمدى تغيرك..تخالجني الريبة في تصرفاتك..تتهربين من النظر إلي...تسرحين...و تتململين أحياناً من حضوري..و كأنني بت شخصاً بارد الملامح في حياتك...تذكرينني بالأيام الأولى من خطبتنا...غادة هل نضب حبك نحوي..
-كلا يا عادل..
-هل ازداد؟
-.............
-غادة هل تحبين شخصـ...
نظرت غادة بحركة حادة إلى عادل و قالت:ماذا قلت؟
تلعثم عادل و أجاب:
-لست أدري ماذا دهاني..أعوذ بالله من الشيطان الرجيم...أنا آسف يا غادة..اغفري لي...لقد أتعبني التفكير أنا أيضاً..ابتعادك عني مؤخراً و طريقة تعاملك أشعلت الصراع في أعماقي..تساءلت كثيراً عن ما أصابك نحوي..و لم أجد تفسيراً سوى..أعوذ بالله من الشيطان الرجيم...
-أنت لا تثق بي...فكيف لنا أن نكون زوجين؟
تنبهت غادة لعبارتها تلك و تساءلت في أعماقها:لماذا أبحث عن ثقته و أنا..لماذا أنا قلقة بشأن ذلك..أتراني أحبه؟
انتزعها صوت عادل الذي أجابها قائلاً:
-نحن زوجان بالفعل..غادة أنا أخشى أن أفقدك ..كما أن للثقة حدود..فإن زادت باتت تفريط..و إن قلت عن حدها المعقول تحولت إلى شك..غادة المسألة متعلقة بقلبي أنا..لا أكثر..
شعرت غادة ببعض الضيق..لقد ظهرت لها حقيقتها جلية واضحة..و هذا ما أربكها و جعلها تقول و قد همت بالمغادرة:
-أكاد أختنق يا عادل..سأذهب إلى غرفتي..أريد أن أعزف على البيانو..فذلك سيريحني..قليلاً..
-لكني لا أنوي أن غادر..
-عادل أرجوك..
-غادة هذا ليس عدلاً..كلما ناقشتك في أمر ما فررت هاربة..
-عادل دعني وشأني أشعر بصداع يفتت رأسي..
-غادة أرجوك..لطالما أجبت رغباتك..من حقي أن تطيعيني و لو مرة أنسيت إنني زوجك...إن كنت تغضبين من أفكاري فأثبت لها خطأها..
نظرت غادة إلى عيني عادل..فرأت تلك النظرات القلقة..المهتمة التي لم تكن قد رأتها قط في عيني ربيع..تلك النظرات جذبتها في صمت و جعلتها تجلس مستسلمة مستمعة..عندها أكمل عادل:
-غادة لم أكن صريحاً معك قبلاً كما سأكون صريحاً معك الآن..
-أنا أستمع..
-غادة..ما تشعرين به من هم و ضيق ليس بسبب ما حدث لرهف فقط..
-لماذا أشعر بالضيق إذن..أه صحيح ربما أحب شخصاً آخر..
لقد رمت غادة بهذه العبارة حتى تخرج كل ما في أعماق عادل من شكوك و ظنون نحوها..لكنه خيب ظنها بإجابته حيث قال:أخطأت يا فتاة...لم أعني ذلك..غادة حجابك.. عزفك على البيانو..شغفك بالتصوير..و الموسيقى...ألا تظنين أن لها أي تأثير فيما تشعرين به حالياً..
تنهدت غادة و همست لنفسها..يبدو أنه سيمطرني بالنصائح هو الآخر..أيريد أن يلعب دور رهف..آه يا رهف..
تنهدت غادة ثانية و أجابت في جفاف:
-عادل صوت البيانو يطربني..ينسيني همومي..
-بدليل تلك العينين التي يبدو أنهما لم تذوقا طعم النوم الهانئ منذ أيام..غادتي..هل جربت قراءة القران في أعماق الليل..أعلم أنك تملكين صوتاً عذباً..فهلا رتلت به القرآن..غادة جربي قراءته و لو مرة..ستشعرين بشيء عجيب ينساب في أعماقك...ستنامين قريرة العين...عندها ستندمين على اللحظات التي قضيتها أمام البيانو..
-أتناقض نفسك... أنت أحببتني و أنا هكذا يا عادل..
-غادة أنا لم أحببك لتصرفاتك أو لجمالك..لقد أحببت روحك..غادة أنا مسئول عنك..و قلق عليك..
-فلتهتم إذن ب...
بترت غادة عبارتها فجأة...و تذكرت رهف.. همست لنفسها هي الأخرى كانت تقول أنها قلقة علي...هل أنا على خطأ و الكل على صواب..كلا الكل يفعل مثلي..صديقاتي..المجتمع المحيط بي..المذيعات..المشهورين..أنا على صواب..آه يا رهف..اشتقت لنصائحك المملة..
نظر إليها عادل متأسفاً و قال:
-لا بأس يا غادة..أنا ذاهب..
-انتظر يا عادل..هل لك أن تأخذيني إلى رهف..أريد أن أكون بجوارها كما قلت لي..
ابتسم عادل و قال :سأنتظرك في السيارة....
أعدت غادة نفسها و مضت بسرعة إلى عادل..و ما أن رأى ذلك الأخير حجابها حتى تنهد قائلاً:غادة..
أجابته على عجل:أنا أحتاج إلى بعض الوقت يا عادل..
أدار عادل المحرك و مضى نحو المستشفى..خيم الصمت ثقيلاً على السيارة..حتى وصل الاثنان إلى المستشفى..عندها قالت غادة لعادل:عادل لقد ارتحت بالحديث إليك..
-حقاً..أم أنك تجاملينني..
-ما حاجتي للمجاملة..عادل هل ستظل تحبني..
-بالطبع..
-مهما فعلت...
نظر إليها عادل ملياً ثم ابتسم و أجابها وهو يغادر:مهما فعلت..
ظلت غادة ترقب سيارته التي اختفت تماماً بين الزحام ثم اتجهت نحو غرفة أختها..و ما أن وصلتها حتى فتحت الباب بهدوء...كانت والدة غادة نائمة على كرسي بعيد عن سرير رهف..فاقتربت غادة من رهف..تأملتها..و تمتمت :كم أنت صفراء يا رهف و شاحبة..
أمسكت غادة كف أختها و قبلتها..و عادت تتمتم :هل تسمعينني يا رهف..أنا آسفة..رهف أفيقي بالله عليك..أمي نذرت إن استيقظت من غيبوبتك ستزوجك لمن تختارين..هل أنت سعيدة..رهف أنا بحاجة إليك..شاجريني..أنبيني..أمطريني بنصائحك التي لا تنتهي..لكن لا تتركيني وحدي...سأكون طوع أمرك..رهن إشارتك..رهف أنت عمري..و ساعدي..ربما كنا مختلفتين لكن دمنا واحد..أرى في ملامحك شيئاً مني..أرجوك أفيقي..
شعرت غادة بيد تربت على كتفها فالتفتت لصاحبتها..فإذا هي والدتها ..
سألتها غادة قائلة:أمي لماذا لا تجيب؟اشتقت لسماع صوتها..
احتضنت الأم ابنتها و همست:ادعي لها يا غادة..ادعي لها يا حبيبتي..
************************************
ابو الدحم
06-07-2005, 09:29 PM
الجزء السابع عشر : عودة وقرار .. </B>
في تلك الليلة استحضرت غادة كلمات عادل في ذهنها كلمة كلمة .. كانت تشعر بغرابتها وتميزها .. لم يسبق لأحد أن أراح قلبها بكلماته كما فعل عادل اليوم ...
تململت غادة في فراشها .. كم أصبحت تكره وقت النوم وتتمنى ألا ينتهي النهار أبدا ..
وضعت كفها أسفل خدها وأخذت تحاول جاهدة أن تنام بلا فائدة .. أغمضت عينيها فرأت هذه العبارة مكتوبة بكلمات مضيئة :
هل جربت قراءة القران في أعماق الليل ؟؟
وسرعان ما وجدت نفسها تنهض من سريرها لتتناول المصحف المغبر وتفتحه بشكل عشوائي ..
نظرت إليه بوجل ... وارتسم على محياها الحزن والشوق .. أخذت نفسا عميقا ثم قرأت :
( قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى * ومن أعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى * وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ) </B>
واختنق صوتها بالبكاء ........ فأغلقت المصحف ووضعت يديها على وجهها تبكي أيامها .. تبكي آلامها .. وتبكي مصيرها ...
ووجدت لسانها يخاطب ربها من بين الدموع بصوت مرتجف :
- يا رب .. يا ربي اني أسرفت كثيرا .. كثيرا جدا .. يا رب .. أكنت تخاطبني بكلماتك ؟؟ أشئت أن أفتح هذه الصفحة بالذات لأتلقى رسالتك ؟؟ أجل أجل .. الهي .. اني المعنية .. اني أنا المعرضة عن ذكرك .. أنا العمياء .. لالا بل أنا البصيرة بفسقي .. كل شيء واضح أمامي .. رزقتني العقل المفكر والإرادة والعلم .. ووضعت في طريقي أناسا ينصحونني ويبصروني بما أغلق عيني عنه .. لكنني أعرضت عن كل ذلك .. فابتليت بضنك العيش .. فهل تقبل يا رب توبتي ؟؟ هل تقبل أوبتي ورجعتي ؟؟ هل تنظر إلى بعدما أغضبتك كثيرا ولم أبالي ؟؟ أم ستحشرني عمياء كما قلت لي قبل قليل ؟؟ هل ستحفظني وترعاني ؟؟ أم ستنساني ؟؟ يا رب لا تنساني .. أرجوك .. ماذا أفعل بدونك ؟؟ والى من تكلني ؟؟ رب أنت اللطيف فالطف بحالي .. أنت المنقذ فأنقذني من تخبطي .. أنقذني من عنائي وحيرتي .. ألهمني الصواب وجنبني الزلل .. بين لي طريقي .. أأختار ربيع ؟؟ أم عادل ؟؟ ربيع أم عادل يا رب ؟؟ يا رب ..
وتطاولت بها اللحظات .. ما بين تفكير ودعاء وبكاء .. ما بين ندم وعزم على اتخاذ القرار ..
تذكرت رهف ورقدتها المجهولة .. ترى لو كانت مكانها ماذا ستفعل .. وما الذي سيحدث من حولها ؟؟
من سيكون الأسبق للاطمئنان عليها ؟؟ ومن سيلازمها ويلهج لسانه بشفائها ؟؟ من يحبها أكثر ؟؟
شقشقة العصافير تتعالى بالخارج وضوء فجري خافت قد بدأ يتسرب .. يا الهي هل نامت حقا ..؟؟
رن هاتفها المحمول .. نظرت بقلق إلى شاشته .. انه ربيع .. هل تتجاهله ؟؟ إنها لم تتخذ قرارها بعد .. لكن قلبها غلبها فالتقطت الهاتف بسرعة من يخاف أن يتوقف رنينه وضغطت الزر الأخضر ..
- آلو ..
- صباح الورد الجوري ..
- ربيع ..
- هل كنت تفكرين بي ؟؟
- ربيع .. اسمعني ..
- بل أنت اسمعيني .. أشتقت اليك .. لم أعد أتحمل غيابك .. أرجوك أن توافقي على التقاءنا ثانية .. ارفقي بساكن قلبك .. أم أن ساكنه قد غادره ؟؟
- لا .. لم يغادر .. لقد تغلغلت جذوره في أعماقه حتى باتت تؤلمه وتدميه ..
- ألهذه الدرجة حبي يعذبك ؟؟
- بل انه يقتلني كل يوم ألف مرة .. لذلك .. أعتزم على ..
- لا تقولي بأنك ستتركينني .. هذا يعني نفيي إلى عالم موحش .. عالم خرب كئيب .. أنت من تضفين على حياتي الجمال والعذوبة والرقة .. أنت بمثابة الماء الذي يجري على الصحراء فيجعلها حديقة غناء .. أنت عمري يا غادة ..
ترقرقت العبرات في مقلتيها .. وقالت :
- لماذا أسأت الظن ؟؟ لم يكن هذا مقصدي يا ربيع الحياة .. أنا إن كنت ماء حياتك .. فأنت الهواء الذي أتنفسه .. لكنني لا أستطيع تجاهل نداء العقل .. صبرا يا ربيع .. لا تفهمني خطأ .. كل ما أريده منك أن تتوقف عن محادثتي حتى أتصل أنا بك .. وعندها سأشرح لك كل شيء .. والآن أرجوك أن تنهي المكالمة ..
- هل بيننا أسرار ؟؟
- لا .. قلت بأني سأخبرك .. لكن في الوقت المناسب .. رجاء ..
- حسنا .. كما تشائين .. ثقي بأنني سأنتظر مكالمتك اليوم قبل الغد ... لا تطيلي عذابي ..
- لا .. لن أرتاح طالما تتعذب أنت .. لذلك سأعجل قدر استطاعتي ..
- إلى اللقاء ..
- مع السلامة ..
وفي المساء .. اتصلت غادة بعادل وطلبت منه المجيء لأمر هام ... ثم أغلقت السماعة .. واحتوت نفسها بذراعيها بينما راحت دموعها تهمي ... كما لم تفعل من قبل ..
ابو الدحم
06-07-2005, 09:33 PM
الجزء الثامن عشر (اعتراف)
تعلق بصر غادة بعادل الذي كان يجلس أمامها و كأنها تراه للمرة الأولى...مما جعل عادل يسأل غادة في استنكار:
-لماذا تنظرين إلي هكذا؟..هل أنا وسيم إلى هذه الدرجة..
تنبهت غادة لحالها فأشاحت ببصرها و لم تجب..فعقب عادل قائلاً:
-أ تعلمين تبدين اليوم أفضل من البارحة بكثير..
ابتسمت غادة ابتسامة صفراء و عقبت قائلة:
-ذلك لأنني استمعت إلى نصيحتك..
-حقا.. لا أصدق..أخيراً يا غادة...الحمد لله..الحمد لله..
نظرت إليه غادة بنظرات حزينة..و تساءلت في أعماقها..هل أخبره؟..هل أحطم سعادته؟..كلا لا أستطيع..إنني لا أستطيع..علي أن أنهي الأمر..لقد اتخذت قراري .. من حقه أن يعلم..مهما كان ذلك صعباً..أو مستحيلاً..من حقه أن يعلم..لن أتراجع..نعم لن أتراجع...
جذبها صوت عادل نحو الواقع قائلاً:غادة فيم سرحت؟
-عادل..أريد أن أطلب منك طلباً...
-طلباتك أوامر ..ماذا تريدين مني يا أميرتي؟
-عادل أرجوك..كف عن تلك الكلمات فأنا لا أستحقها..
-كيف لي أن أكف؟!..أنت حبي..و زوجتي..أنت سعادتي و مستقبلي..بل حياتي بأسرها...باختصار أنت كل شيء..
تطلعت غادة إلى وجهه و أجابت بصوت مخنوق:أنت مخطئ...أنا لا شيء..
-لماذا تقولين ذلك..غادة لم أعهدك هكذا..ما الأمر؟
انطلقت دموع غادة غزيرة..لقد حاولت أن تبقيها حبيسة المقل لكن بلا جدوى..عندها اقترب منها عادل و همس لها قائلاً:غادتي..لا تبكي..أرجوك لا تبكي...غادة دموعك تهزني..
صرخت غادة من بين دموعها قائلة:بل أنا من يرجوك يا عادل...أطلق سراحي..
-أطلق سراحك؟!..
ارتفع صوت غادة أكثر و هي تقول:
-نعم يا عادل..أرجوك طلقني...
نظر إليها عادل كالمصعوق و تراجع قائلاً:أ هذا طلبك؟
شعرت غادة أن الكلمات تحتضر في جوفها فما كان منها إلا أنها أومأت برأسها إيجاباً..
وضع عادل رأسه بين كفيه و هو يتمتم:لماذا؟..ماذا فعلت حتى تطلبي مني المستحيل؟
استجمعت غادة بعض قواها..بينما ظلت دموعها تهطل في غزارة و هي تقول:العيب فيني و ليس فيك..أنت أنبل رجل عرفته في عالمي..حنانك كان يدثرني...طيبتك..معدنك..عادل..أي فتاة في العالم تحلم بفارس مثلك..لكنني لا أستحقك..
التفت إليها عادل في حركة حادة و قال:أقبلك بكل عيوبك..
صرخت غادة قائلة:عادل..ألا تفهم..أريدك أن تطلق سراحي..
صرخ عادل بدوره قائلاً:هكذا بكل سهولة..ماذا عن أحلامنا..عن خططنا..عن عائلتنا؟!
-أحلامنا لم تعد واحده يا عادل...كل منا عليه أن يمضي في سبيل..
-غادة... كنت أراك تتغيرين..تبتعدين..كنت أشعر بك تذبلين بين أناملي.. و لكن لم يخطر ببالي أن أفقدك نهائياً..أ ما عاد لي مكان في قلبك..؟
-.................................
اقترب منها عادل أكثر و كرر عليها سؤاله..لكنها لم تجبه..فأمسك كتفيها بكفيه و صرخ فيها مكرراً:
-أ ما عاد لي مكان في قلبك..هل انتهى كل شيء..؟
لكن غادة لم تجب بل مررت كفيها على و جنتيها لتمسح دموعاً أبت أن تجف..
فكرر عادل سؤاله مرة أخرى..عندها تطلعت إليه و قد استجمعت كل قوتها و أجابته في حزم:نعم يا عادل..لم يعد هناك مكان لك في قلبي..كف عن تعذيبي..أعطني حريتي..
تراجع عادل في صمت و قد اكتست ملامحه بالذهول و هو يردد:مستحيل..
عقبت غادة في أسى:إنها الأقدار يا عادل..كل شيء مكتوب قبل أن نكون في هذا العالم..أنسيت؟!..لا شيء مستحيل..
شعر عادل بنفسه يتهاوى..فتطلع إليها..و هو يتمتم:
-أنت لست غادة بالتأكيد..
-و من سأكون غيرها..للأسف ما أنا إلا هي..
أسند عادل ظهره إلى الجدار..و ظل يرمقها بنظرات مطولة..بينما أشاحت غادة بصرها بعيداً لعلها تهرب من نظراته المتسائلة..والمصدومة.. و عندما شعرت بعدم جدوى ذلك عقبت و هي تهم بمغادرة الغرفة قائلة:عادل..سأذهب الآن و أنا على يقين أنك ستعطيني ما طلبت..
لكن يده أمسكت معصمها بقوة..فالتفتت إليه في حركة حادة و هي تهتف قائلة:عادل ماذا دهاك؟
أجابها عادل بلهجة لم تعهدها:ستذهبين معي..
هتفت غادة في ذعر:إلى أين ؟
أجابها بنفس لهجته السابقة:إلى بيتنا..أ نسيت أنني زوجك..و لي حق الطاعة عليك..
حركت غادة رأسها في ذهول و هي تتمتم:أجننت..؟
لكن عادلا أجابها في حزم:أين عباءتك؟
نظرت غادة إليه...لقد بدا جاداً جداً ..و لأبعد الحدود..عندها حاولت أن تخلص يدها من قبضته و هي تصرخ قائلة:لا يحق لك أن تأخذني إلى أي مكان..
عندها صرخ فيها بدوره:أنا أنقذك من نفسك يا غادة..أنت لا تعين ما طلبته..
-بلا أعي..عادل أنا لست مجنونة..
-أعطني سبباً مقنعاً لأعطيك ما تريدين..
-أنا لأحبك يا عادل..
-أنت كاذبة..
-أنا لا أحبك..
-أنت كاذبة...
-لا أحبك ..لا أحبك..دعني فأنا أحب شخصاً آخر..
تنبهت غادة إلى كلماتها التي أفلتتها من بين شفتيها..بينما تسمر عادل في مكانه بلا حراك و هو يتمتم:هل تعنين ما قلته..؟
تلعثمت غادة...و تراجعت حتى استندت على الحائط..فاقترب منها عادل و هو يكرر سؤاله بصوت غاضب...فتسارعت أنفاسها..و همست لنفسها لن أتراجع ..نعم لن أتراجع..كفاني تعذيباً لنفسي..كفاني أرقاً.... أغمضت عينيها فهي لا تريد أن ترى تعابير وجهه و أجابت بحزم:نعم أنا أحب شخصاً آخر..
تراجع عادل بضع خطوات..عندها فتحت غادة عينيها لتراه..لقد بدا لها شخصاً آخر لا تعرفه..نظر إليها عادل نظرة نارية و سألها:منذ متى...؟
تجمدت الكلمات على أطراف لسانها فأعاد عليها سؤاله في عصبية لم تعدها :منذ متى..؟
أجابته و قد عاودت دموعها الهطول:منذ أن عدت من سفرك الأخير..
-من هو؟
-...................
-قلت لك من هو يا غادة..؟
-أتعدني أنك لن ترتكب أية حماقة...
-أتهتمين لأمري؟..لا أظن ذلك..انطقي ...من هو يا غادة..؟
-عادل أرجوك..
-أ كاد أفقد صبري...من هو..؟
-إنه....إنه خطيبي السابق..ربيع..لقد اتصل بي منذ مدة و...
بترت غادة عبارتها بسرعة...بينما مرر عادل يده على رأسه في عصبية و هو يتمتم:خونتي يا غادة..هكذا بكل بساطة..
أشاحت غادة ببصرها..بينما ابتسم عادل وسط عصبيته ساخراً و هو يقول:يا لي من مغفل؟..كان علي أن أتنبه لتلك النظرة التي بدت على وجهك عندما أخبرتك بشأن أفكاري...يا لي من مغفل إذ أحببتك يوماً..لقد خنتني يا غادة..
عقبت غادة في حزن:عادل..اســ...
صرخ فيها عادل قائلا:يكفي يا غادة..ماذا ستقولين لي..؟بماذا ستبررين موقفك؟..أنت لا تملكين عذراً واحداً..
ثم رمقها بنظرة مطولة و عقب:معك حق نحن لا نناسب بعضنا البتة..
-.................
-لم تبكين يا آنسة..يا محترمة..يا وفية..لم تبكين..يا إلهي هل آذيت مشاعرك؟..أنسيت أنك أنت من خنتني لا أنا؟
-............................
-كفي عن دموع التماسيح تلك..
-.............................
-قلت لك كف عن البكاء..ألا تسمعين..لا أريد أن أسمع صوتك
-...............................
-كف يا غادة..
و مع حروف كلماته تلك ارتفعت يده لتصفع غادة لكنها تراجعت بسرعة...
فتمتمت غادة قائلة:لك أن تضربني يا عادل..لك أن تقول ما شئت..فذنبي و ذنبك هو الحب..
-و هل تركت لي شيئاً حتى أقوله..لقد صدمتني..أطلقت علي رصاصة محكمة...دمرتني..حسبي الله و نعم الوكيل فيك..أعطيتك كل شيء..كل ما أملك..و في النهاية كان جزائي السم الذي زرعته بيدك في أحشائي..قطعت كل ما بيننا..و أحرقت كل جميل في علاقتنا...لقد انتهى كل شيء.
نظر عادل إليها نظرة الوداع...و مضى مغادراً..تجمدت غادة في مكانها للحظات..و من ثم أسرعت تركض خلفه ..حتى وصلت فناء منزلهم..صرخت باسمه لكنه لم يجبها..صرخت باسمه مرات متتالية فتوقف و لم ينظر إليها..عندها اقتربت منه ..و أخرجت من جيبها العقد الماسي الذي قدمه لها و مدت به يدها و هي تقول:أنا لا أستحقه يا عادل..خذه.
نظر عادل إلى العقد ملياً ثم أشاح بوجهه قائلاً:عندما قدمته لك لم أفكر إن كنت تستحقينه أم لا..لقد قدمته لك لأنني كنت أحبك..
-إذن خذه..فأنت لم تعد تحبني..
التفت عادل إليها بحركة حادة..و أجابها بصوت بارد:أنت طالق يا غادة..
***********************************
ابو الدحم
06-07-2005, 09:34 PM
الجزء التاسع عشر : هذا هو الواقع ..
ظلت غادة تنظر إلى الباب حيث كان يقف عادل .. هذه هي آخر مرة تراه فيها ..
ترددت كلمة ( أنت طالق ) في أذنها فأغمضت عينيها بألم .. يا الهي لماذا تسمع هذه الكلمة البغيضة مرتين ولما تصبح زوجة حقيقية بعد ؟؟
استدارت ببطء .. وأخذت تصعد السلالم .. كاسفة البال .. منكسة الرأس .. مكسورة الخاطر .. وعند المدخل استندت بيدها إلى قائم البوابة .. ونظرت إلى موضع قدميها .. يحق لها ألا تنظر إلا إلى هناك .. كيف سيتسنى لها أن ترفع رأسها ثانية بعد كل ما فعلته ..
سقطت دمعتان .. فسارعت بمسحهما وهي تردد لنفسها :
- لماذا أبكي ؟؟ أليس هذا ما أردته ؟؟
التفتت إلى الخلف .. وقالت :
- هل أبكيه ؟؟
شعرت برغبة جامحة لكي تركض خلفه .. ترتمي في أحضانه وتقول : أنا آسفة .. عد إلى ..
عادل .. أي إنسان أنت ؟؟
خيل إليها أنها ترى طيفه .. فبدت على وجهها ملامح العطف والحنين .. مدت يدها إلى فمها تكتم شهقة خفيفة .. لماذا تشعر نحوه بهذا الانشداد ؟؟
صرخت وهي تهز رأسها بعنف ..
- الممنوع مرغوب .. هذا كل شيء .. كل شيء ..
وأخذت تركض ناحية غرفتها وهي تردد هذه الكلمات بصوت يقطعه البكاء كل حين ..
وحالما وصلت لحظتها والدتها فتبعتها بانزعاج وخوف .. ودخلت حجرتها وهي تقول :
- ما بك يا ابنتي ؟؟ أفزعتني ..
استدارت غادة وارتمت في أحضان أمها .. وأفرغت كل الشحنات المتراكمة على كتف هذه الوالدة الطيبة .. التي ما زادت على قولها وهي تربت على ظهر ابنتها :
- اهدئي يا ابنتي .. كل ما فوق التراب تراب ..
- أمي ..
- نعم يا حبيبتي ..
ابتعدت غادة عن أمها خطوات قليلة ثم قالت دون أن تنظر إليها :
- لقد انفصلت عن عادل ..
حملقت أمها فيها بذهول .. وألجمتها المفاجأة فبقيت صامتة لحظات وقد اتسعت عيناها إلى أقصى حد ..
- ماذا تقولين ؟؟ ل .. لكن .. لماذا ؟؟
- ....................
- لا حول ولا قوة إلا بالله .. كلما ظننت بأنني قد اطمأننت عليك وعلى مستقبلك تعودي فتفجعينني وترجعي الهم إلي ..
- ظننتك ستواسيني ..
- كيف أواسيك وأنا لا أعرف السبب .. أووووه يا ابنتي .. لابد أنك محسودة ..
لم تكن غادة ترغب بالمناقشة .. فكررت مستسلمة :
- أجل .. أظن ذلك ..
أمالت الأم رأسها بأسى وهي تقول :
- كيف أستطيع مساعدتك ؟؟
- لا تفعلي شيئا يا أمي .. ثقي بأن غادة ستعود إلى نضارتها في غضون أيام .. وسوف تطمئنين حينها علي ولن تسعك الدنيا من السعادة ..
نظرت الأم إليها بشك وقالت :
- ولماذا أنت واثقة ؟؟
ارتبكت غادة فقالت بسرعة :
- أشعر بذلك ..
تنهدت الأم ثم استدارت وهي تضرب كفا بكف وتحوقل وتنعي حظها .. ثم خرجت وكلماتها ما زالت ترن في أذن غادة وهي تقول :
- ما هذا الهم ؟؟ الولد تفصلني عنه آلاف الكيلومترات .. يعيش في غربة ويرفض الزواج .. والبنت الكبرى في غيبوبة ولا أحد يعلم مصيرها إلا الله .. أما الصغرى فحزينة دائما وكلما خطبت انفصلت عن خطيبها .. الجميع يذبل أمامي وأنا لا أملك شيئا .. رحمتك يا رب .. اللهم لا اعتراض .. اللهم لا اعتراض ..
احتضنت غادة وسادتها وهي تشيع أمها بنظراتها المتأسفة على هذه الانسانة البائسة الضعيفة .. كم يؤلمها أن تكون سببا في شقاء من تفانت في تدليلها وخدمتها ..
وأمام هذه الخواطر عاهدت نفسها أن تسعد أمها بأسرع وقت ممكن .. والى الأبد ..
دارت الأفكار بها حتى توقفت عند عادل مجددا .. فاسودت الدنيا أمامها ثانية .. لقد انتهى كل شيء .. أليس هذا ما سعت إليه بنفسها ؟؟ لكن أنى للقلب أن يعي منطق العقل .. انه يسير خلف عواطفه فقط ..
عواطف ؟؟ أي عواطف ؟؟ هل تكن شيئا لعادل ؟؟
أمسكت رأسها بتذمر وهي تقول بصوت مرتفع :
- أووووووووووووووووووووووه ... يكفي .. يكفي ..
ثم فتحت عينيها والتقطت جوالها .. وراحت تتحسسه بحب وهي تقول : ليس في قلبي سوى رجل واحد .. ولن يسعدني سواه ... ربيع .. الآن يمكنني أن ألقاك .. بكل حرية ..
عجلت بطلب رقمه .. لكن ما إن سمعت صوت الرنين حتى انقطع الاتصال .. وأعطاها جوالها نغمة الانشغال ..
عاودت الاتصال .. فوجدت هاتفه مغلق .. ماذا حدث ؟؟ هل انتهى الشحن ؟؟
هزت كتفيها وقالت : ربما ..
ارتمت على فراشها بإعياء .. فإذا بطيف عادل يهاجمها بشراسة .. نهضت فزعة .. وأحضرت ورقة وقلما .. وقد قررت أن تكتب له رسالة .. عل ذلك يخفف عنها .. ويكون لها عذرا عنده .. من يدري ؟؟
لكن ما إن خطت الاستفتاح حتى رن جوالها .. فقفزت إليه وخفق قلبها حين رأت رقم ربيع ..
- مرحبا ..
- أهلا ..
- هل اتصلت ؟؟
- أجل .. لكن ..
- أعرف .. أعرف .. لقد كنت مشغولا لذلك أغلقته أنا آسف ..
- ربيع ..
- ما أجمل الاسم من فمك ..
- ربيع لسوف يتحقق أملك باللقاء ..
صرخ ربيع بفرح :
- حقا ؟؟
ابتسمت غادة بدلال وقالت :
- أجل .. ألم أعدك بذلك ؟؟
- متى وأين ؟؟ اليوم ؟؟ في أي ساعة ؟؟
- ههههههههههه .. تمهل .. أنا لم أقل اليوم ..
- آآآه .. لقد أتعبتني يا غادة .. ولم أعد أطيق الانتظار لحظة واحدة ..
- حسنا يا عزيزي .. لك أن تختار تفاصيل اللقاء كما تشاء ..
- عجبا ؟؟
- ماذا ؟؟
- ثمة شيء قد تغير صحيح ؟؟
- أنت ذكي دائما .. لكنني لن أخبرك حتى نلتقي ..
- لنلتقي اليوم إذن .. في ذات المكان .. ما رأيك ؟؟
- أوووه .. ذلك لن ينفع فيجب أن أزور رهف اليوم ..
- وما أدراها عنك .. إنها نائمة ولن تعرف من زارها ومن لم يزرها ..
- ربيع كيف تقول هذا ؟؟
- حسنا حسنا .. لنلتقي غدا ..
- موافقة ..
- هه .. لحظة لحظة .. أجل سآتي الآن ..
- ماذا تقول ؟؟
- كنت أكلم صديقي .. يجب أن أذهب الآن .. سأكلمك ثانية حينما أتفرغ .. إلى اللقاء ..
- إلى اللقاء ..
أغلقت السماعة .. ونظرت أمامها .. لتجد الورقة مشرعة تدعوها لكتابة الرسالة .. فما لبثت أن تساقطت دمعاتها .. وهي تمسك بالقلم ..
هـل تـكـتـبـهـا ؟؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ابو الدحم
06-07-2005, 09:36 PM
الجزء العشرون (طعنة)
ارتدت غادة أجمل ثيابها، و وضعت بعضاً من مساحيق التجميل على وجهها، و بالطبع لم تنسى أن تهذب شعرها على نحو رائع، لقد بدت جميلة للغاية و كأنها نجمة سقطت من السماء.
ألقت غادة نظرة فاحصة على مظهرها في المرآة، و همست لنفسها قائلة:ياه يا غادة..كم أنت فاتنة و جميلة..أخيراً ستبتسم لك الحياة..ستحققين كل أحلامك..ستودعين الأحزان إلى الأبد..نعم إلى الأبــد..
اتسعت ابتسامة غادة مع حروفها الأخيرة بينما سرح فكرها في ثوب الزفاف الأبيض و القفص الذهبي...و ربيع فارس أحلامها الأزلي و الأبدي..
أطلقت غادة ضحكة جذلة و هي تسأل نفسها:أ سيفرح ربيع بالخبر؟..نعم لا بد أنه سيكون في قمة السرور..أخيراً يا غادة..
دارت غادة حول نفسها في سعادة جامحة، و هي تطلق ضحكات قصيرة، و..
<غادة..ماذا دهاك؟... هل أنت بخير يا ابنتي؟!>
توقفت غادة بغتة و التفتت إلى والدتها و قد احمرت و جنتاها خجلاً، و أجابت بصوت متلعثم:لا شيء يا أمي..أ...أنا بخير..
اقتربت والدتها و قد بدا عليها القلق و سألت باستنكار:غادة..هل أنت بخير حقاً؟!..من أنا إذاً..؟
نظرت إليها غادة في ذهول و أجابت بسرعة:أمي أنا بخير حقاً..أ ظننتي فقدت عقلي؟!..كل ما في الأمر أنني أشعر بالسعادة اليوم..
تنهدت الأم الحنون و عقبت:الحمد لله..ظننت أن طلاقك للمرة الثانية قد أصابك بـــ...الحمد لله..الحمد لله..
ابتسمت غادة و هي تطمأن أمها قائلة:لا تقلقي علي يا أمي فابنتك قوية..
غمغمت الأم قائلة في أسى:لا توجد امرأة قوية يا ابنتي و إن حاولت أن يظهر عليها ذلك..
اتسعت ابتسامة غادة و هي تقترب نحو والدتها..و من ثم قبلت كفيها و هي تقول:كلا يا أمي..المرأة قوية بجمالها..بذكائها..و بكيدها..
رمقتها والدتها بنظرة مليئة بالحنان و هي تعقب قائلة:أتظنين؟
أومأت غادة برأسها إيجاباً و هي تقول:بالتأكيد يا والدتي..انظري إلي فأنا خير مثال على هذا..
تنهدت الأم في أسى و هي تقول:ما فائدة القوة إن لم تجلب لصاحبها السعادة..عادل كان..
قاطعتها غادة في حدة:عادل...عادل..إلى متى يا أمي؟..متى ستفهمينني؟..عادل ماضي و انقضى..ما عاد له أي وجود في قاموس حياتي..و لا في طياتي مشاعري..
رمقتها الأم بنظرات غمرها الشك..لكنها آثرت أن تغادر غرفة غادة في هدوء و صمت، و أغلقت باب حجرة غادة خلفها..
أطلقت غادة زفرة حارة و هي تردد: ليتك تعلمين يا أمي؟..أنا أضعف كثيراً مم أبدو..لكنني أردت أن تطمأني علي..لعلك تنسين انفصالي عن عادل..ترى ماذا ستكون ردة فعلك لو علمت أنني أنا من طلب الانفصال..؟
حركت غادة رأسها بقوة و هي تتمتم:يا إلهي..لماذا يصر هذا الاسم على تحطيم البسمة على شفتي..عادل..كلا لن أسمح لأحد ما أن يسلبني حبي..لن أتنازل عن أحلامي و حياتي لمجرد ماضي..
انطلقت غادة إلى درج في خزانتها، و فتحت أحد أدراجه، و من ثم أخرجت صندوقاً عتيقاً، نفخت فيه فانجلى عنه الغبار و فتحته في حماس، تلمست محتوياته في بطء و قد ارتسمت على وجهها علامة الظفر، و بسرعة وضعته في حقيبتها و ارتدت عباءتها الضيقة و رمت غطاء خفيف على وجهها، و مضت مسرعة..
ركبت غادة السيارة و أمرت سائقها بأن يتوجه نحو أحد المراكز التجارية، و ما أن وصلت حتى صرفت سائقها، تماماً كما في المرة السابقة، و ظلت تنتظر دقائق، و ما أن لاحت لها سيارة ربيع من بعيد حتى اتسعت ابتسامتها و هي تغمغم:أخيراً..
وقفت سيارة ربيع أمامها، و فتح زجاج نافذتها ببطء ليطل منه ربيع و قد زين ثغره بابتسامة جذابة قائلاً:تفضلي يا أميرتي..
دارت غادة حول السيارة و من ثم دلفت داخلها، و ما أن ألقت بجسدها فوق المقعد المجاور لمقعد ربيع حتى هتف هذا الأخير قائلاً و قد أدار محرك سيارته:كيف حالك يا أميرتي..؟
ابتسمت غادة و هي تقول:أميرتك لم تكن أفضل حالاً من اليوم..
انطلق ربيع بسيارته و هي يعقب:حقاً؟...كم أنا سعيد بسماع هذا يا أميرتي..
ترددت كلمته الخيرة في ذهنها...أميرتي..و رجعت بها الذكريات نحو الوراء..نحو عادل..لطالما نادها بأميرتي..أميرتي الفاتنة...تنهدت غادة و هي تحرك رأسها بقوة لعلها تتخلص من تلك الذكريات التي باتت تزورها كثيراً، فألقى عليها ربيع نظرة جانبية و هو يعقب:ماذا بك يا غادة؟..
-......................
-أميرتي هل أنت على ما يرام؟
-ربيع هل لي أن اطلب طلباً؟
-طلباتك أوامر يا أميرتي؟
-كف عن هذا يا ربيع..
-ما الأمر؟
-فقط لا تناديني بأميرتي..لقبني بما شئت.إلا هذا اللقب..
-و لم..؟
ارتسم هذا السؤال في ذهنها..و همست لنفسها:نعم..لم ؟..لم لا أريد أن أسمع هذا الاسم..علي أن أواجه الواقع بقوة..علي أن أتجاهل ذكرى عادل و أقاومها..لن أسمح له بأن يتدخل في حياتي..و إن ذكرتني به الكلمات و المواقف..ما بيني و بين عادل انتهى..ترى هل تؤلمني ذكراه؟..
-غادة..هل تسمعينني؟
تنبهت غادة لصوت ربيع..فأطلقت ضحكة جذلة و هي تعقب قائلة:أتعلم..سمني بما شئت..حتى لو بأميرتي..
-ما بك اليوم يا سحر الشرق؟!
-أشعر بالسعادة..هذا كل شيء..
-أ ما عاد حبك لي يعذبك؟!..
-من العذاب ما هو ألذ من الشهد..
-أنت فعلاً مختلفة اليوم..يبدو أن غادتي قد عادت إلي..
-لطالما كانت بجوارك بروحها و إن سرح عقلها..
توقفت السيارة أمام ذلك المطعم الذي جمعهما قبل الفراق و في لقائهما الأول بعد العودة و الوفاق، دلفت غادة المطعم و هي تتأبط ذراع ربيع، مما جعله يردد قائلاً و هو يحمل تلك الابتسامة الجذابة:لابد أنك تخفين شيئاً ما..ماذا هناك يا درتي؟
حملت غادة ابتسامة واثقة على ثغرها و هي تجيبه:أنتم هكذا أيها الرجال..عديمو الصبر..
-ما دام الأمر كذلك هل ستعذبينني بالانتظار..؟
-سأموت حينها..ربيع أنت قلبي..فكيف لي أن أعذب قلبي؟
-إن كنت أنا قلبك..فأنت روحي ذاتها..و أروع شيء حدث في حياتي بأسرها..حبي الأول..و الأخير..
أطرقت غادة رأسها خجلاً و هي تشعر بسعادة غامرة.
استقر الاثنان في جناح خاص، و استترا بالحواجز الموجودة في المطعم، عندها أشاحت غادة ذلك الغطاء الخفيف الذي كان على وجهها فهتف ربيع قائلاً:يا إلهي..إنك تزدادين جمالاً في كل مرة..
توردت وجنتا غادة و هي تجيبه قائلاً: أنت أيضاً يا ربيع تزداد وسامة في كل مرة
-ربما لأن حبي لك يزداد مع كل ثانية ..
-لن يستطيع أحد ما مجاراتك في الحديث..
-لأن أحدهم لم يظفر بشابة رائعة مثلك..
مع حروفه الأخيرة لامست كفه يد غادة، فأغمضت تلك الأخيرة عينها و هي تهمس:قل أنه ليس حلماً..
-إنه ليس حلما يا غادة..افتحي عينيك يا أميرتي..فبنظراتك تنبض الحياة..
فتحت غادة عينيها و أدارت بصرها فيما حولها إلى أن وصلت إليه فتعلق بصرها به، عندها هتفت لنفسها:أنا لم أخطأ..ربيع يستحق التضحية..يستحق الحب..نعم هو من يقدرني..هو من يقدر غادة..
-أتوق شوقاً لسماع المفاجأة التي وعدتني بها يا غادتي..
تنبهت غادة بصوته فابتسمت، و أسرعت تفتح حقيبتها، و من ثم أخرجت تلك العلبة التي دستها فيها و فتحتها أمامه و هي تهمس في دلال:أتذكرها..؟
ابتسم ربيع و هو يخرج الخاتم من تلك العلبة و عقب قائلاً:بالطبع..إنه الخاتم الذي قدمته لك يوم أن خطبتك..
تراجعت للخلف في ثقة و هي تقول:يبدو أن التاريخ يعيد نفسه..
بدت علامات التوتر على ربيع و هو يسألها:ماذا تعنين..لم أفهم؟
-عجباً يا ربيع..و أنا التي أقول أنك أذكى الذين قابلتهم قاطبة..
-ربما..لكنني لم أستطع أن أخمن مقصدك..
-عزيزي ربيع..أخيراً سيجتمع الشمل..و سألقاك في النور..بلا خوف..و بلا شعور بالذنب..
-غادة..هلا أوضحت..؟
-سأسهل عليك..حبنا سينتهي نهاية سعيدة..
سألها ربيع بحذر: و ما هذه النهاية؟
-خمن؟
-الزواج؟!
-أحسنت..ما رأيك بهذه المفاجأة..؟
ارتفع صوت ربيع و هو يقول:أ تعنين أنك تركت عادل؟
-فعلت هذا من أجلك..و من أجل حبنا..
ضرب ربيع قضيته بسطح المنضدة و هو يهتف:لم لم تخبريني قبلاً..
-ربيع اهدأ الأمر لا يستحق هذا الانفعال..يفترض بك أن تكون مسرور جداً..
حاول ربيع أن يتمالك نفسه و هو يقول:جننت يا غادة..لابد أنك جننت دون شك..
-جننت؟..ماذا دهاك يا ربيع ؟..ألم تقل أنني حبك الأول و الأخير..
نظر إليها ربيع نظرة مطولة و من ثم أشاح بوجهه بعيداً عنها و هو يقول:عندما عدت طلبتك صديقة..لا زوجة..
-و ما الفرق دام السبب واحد..الحب..
تطلع إليها ربيع مجدداً و هو يقول:غادة لا أستطيع الزواج منك..
-لم..لم يا ربيع..؟
-.................
-أخبرني بالله عليك..
-...................
-أجبني إن كنت تحبني حقاً..
أشاح ربيع بوجهه و هو يجيبها قائلاً:غادة..أنا أب لطفلة لم تتجاوز من العمر بضعة أشهر..
أنا متزوج..متزوج يا غادة..
***********************************
ابو الدحم
06-07-2005, 09:38 PM
الجزء الحادي والعشرين : القشة التي قصمت ظهر البعير ..
للحظة تجمدت ملامح غادة ونظراتها ... توقف الزمن بالنسبة لها .. بينما حرك ربيع أنامله بعشوائية في توتر شديد .. وتعلقت عيناه ببقعة في الطاولة التي أمامه .. تحاشيا لأي ردة فعل من قبل غادة ..
ثم قطعت الصمت ضحكة عصبية من قبل غادة وهي تلوح بيدها وتقول :
- لا شك أنها مزحة سمجة ..
قطب ربيع حاجبيه في ألم .. وقال :
- يؤسفني أن أضعك في مثل هذا الموقف .. صدقيني يا غادة أنا لا أمزح .. هذه هي الحقيقة التي لطالما أخفيتها عنك .. آنا آسف ..
نظرت إليه في استنكار وقد تجمعت العبرات غزيرة في مقلتيها .. أخذ صدرها يعلو ويهبط بينما لم تبارح عيناها وجهه .. مما زاد من ارتباكه .. قالت بضعف :
- آسف ؟؟ على أي شيء تتأسف ؟؟ وبأي وجه حق تدفع بي إلى الهاوية ؟؟ آسف على تدمير حياتي ؟؟ آسف على استغلالي والتلاعب بي ؟؟ آسف على امتهاني وامتهان العلاقة المقدسة التي سعيت إليها رامية بكل شيء يقف في وجهها عرض الحائط ؟؟ خبرني عم تتأسف ؟؟ هل سبق أن رأيت القاتل يعتذر للمقتول ؟؟
- ولكنني كنت صريحا معك .. ولم أطلب منك الزو......
- كف عن المراوغة أيها الوقح .. أما زلت تبحث عن عذر ؟؟
نظر ربيع إليها باستعطاف وحاول أن يقترب منها وهو يقول :
- أرجوك يا غادة أن تفهميني .. ليس الأمر كما تتصورين .. لقد خلت أنني أحبها لكن عندما تزوجتها لم تفارقي مخيلتي للحظة .. أنا أتعذب معها .. ولكن ليس لي خيار .. إنها تملك ضدي الكثير ..
بكت غادة بحرقة وارتفع نشيجها وهي تغطي وجهها بكفيها .. ولم تستطع التفوه بكلمة لدقائق .. تمنت لو تصفعه .. تمنت لو تنهي حياته كما أنهى حياتها برعونته وحبه الأجوف .. تمتمت بصوت مهتز خافت :
- كيف سولت لك نفسك خداعي ؟؟
- صدقيني أنا أحبك .. لكنني لم أرد من علاقتنا سوى الصداقة البحتة ..
قاطعته صارخة وهي تتكئ على حافة المنضدة :
- هل تظن نفسك في أمريكا ؟؟ كيف تتصور أن بمقدورك إقامة علاقة مع فتاة مخطوبة ؟؟ كيف تستنكر علي سعيي لتتويج صداقتنا بالزواج ؟؟
- ............
تغشتها أمواج الحب المجنون ثانية فتوسلت :
- يحل لك يا ربيع الزواج بثانية ..
أطرق قائلا :
- لا أستطيع .. إن ذلك يعني تدمير أسرتين لا أسرة واحدة ..
أحست بنار تأكل قلبها .. لقد أذلت نفسها ثانية من أجله ولم يبالي .. أي دناءة هذه ؟؟ لماذا تتمسك به بكل هذه الحماقة ؟؟ وهل ترضى لنفسها أن تكون زوجة لشخص بهيمي التفكير ؟؟
نهضت بغتة فتشبث بها وهو يقول :
- امنحيني فرصة .. دعيني أحكي لك أي ضغط أقع تحته ..
طوحت بيده وهي تصرخ صرخة هادرة :
- لا أريد أن أسمع قصتك أيها النذل ... لقد انتهى كل شيء ...
استدارت بقوة راكضة إلى الخارج فناداها ربيع بلهفة :
- غادة انتظري .. غادة ..
ركض خلفها ... فوجدها تتصل بهاتفها على السائق خارج المطعم .. وجسمها كله يرتجف .. اقترب بخفة حتى كاد أن يلامسها .. وما إن أحست بأنفاسه حتى انتفضت بعنف فأجفل هو الآخر ثم عاود الاقتراب وهو يهمس :
- حبيبتي .. ليس عدلا .. ألن تستمعي إلى ؟؟
ضغطت على أسنانها بغيظ وتكلمت من بينها قائلة :
- انظروا من يتحدث عن العدل .. ابتعد من هنا .. قبل أن تثير الريبة ..
- غادة أ ...
صرخت صرخة خافتة محملة بالقسوة ونفاذ الصبر قائلة في حسم :
- ابتعد ...
تراجع ربيع عدة خطوات للخلف .. ثم شملها بنظرة حزينة ... أغلق عينيه بعدها وهمس :
- الوداع ...
أشاحت بوجهها ... وهي تكتم شهقة عنيفة .. ثم عاودت النظر .. فرأته يبتعد .. ويمضي .. بقوامه الرشيق .. ومشيته الرائعة التي لمحت فيها شيئا من الانكسار هذه المرة ..
يمضي وقد خلف وراءه كومة من بقايا إنسانة .. لم يبق لها من هذه الدنيا شيء سوى الألم والندم .. يمضي ببرود .. كممارس حاذق للتعذيب والتدمير ...
خطت خطوة للأمام .. التمست فيها قلبها الذي غادر مبقعا الأرض بدمائه المهدرة .. ثم ارتدت وقد اغرورقت عيناها بالدمع .. حين تذكرت أنها لن تجد قلبا .. بل مجرد أشلاء تلفظ أنفاسها الأخيرة ..
وحملتها السيارة إلى بيتها .. طريق مملوء بالجثث والمدافن .. محترق بالغش والخيانة .. مخضب بحمرة الدم وسواد المستقبل ..
دارت رأسها التي لم تعد تتحمل أكثر .. وشعرت بأنها بالكاد ترى ما أمامها .. لكنها تماسكت حتى احتوتها غرفتها .. وهناك سقطت .. قريبا من الباب ..
لم تدر كم بقيت .. لكنها حين استفاقت وجدت نفسها ما زالت وحيدة ... فعلمت أنه لم يدر عنها أحد ..
لمت قدميها إلى صدرها .. وقد أصيبت بحالة من الذهول وجف الدمع من عينيها تماما .. أجل .. يكفيك يا عيني .. فما عاد في جسدي قطرة تذرف ..
جالت ببصرها في الحجرة ... والتقت عيناها بعيني ذلك التمثال القابع فوق البيانو .. فسرت قشعريرة في كامل جسدها .. لكأنه يشمت بحالها .. تبا لهذا الحال ..
استغفرت ربها .. ثم نهضت تجاه التمثال الذي كان يمثل ولدا أشقر الشعر يمسك بحمامة تفرد جناحيها ويدفعها نحو السماء لتطير ..
همست لنفسها :
- أتذكرين من أهداك هذا التمثال يا غادة ؟؟ أتذكرين ماذا قال لك يومها ؟؟ .......
سرحت ببصرها وهي تمسك بالتمثال بكلتا يديها رغم صغره .. وتردد في أعماقها صوت ذو صدى عميق يقول :
- معا .. ننطلق إلى الحرية ... ونحلق بجناح أبيض لجنة ملونة ..
- ولن نعود من هناك أبدا .. صحيح ؟؟
- بكل تأكيد ..
تأوهت وهي تغمض عينيها .. تلمست طريقها إلى الشريط الذي يأخذها إلى تلك الجنة كلما سمعته .. فتحت جهاز .. فإذا بشريط آخر يقبع هناك .. سحبته وهي تتأمله باستغراب :
- عجيب .. لم يسبق لي أن رأيت هذا الشريط من قبل .. من وضعه هنا ؟؟
أعادته إلى مكانه .. وضغطت على زر التشغيل ..
دار بكرات الشريط قليلا بصمت .. ثم تعالى صوت هادئ .. لطالما اشتاقت غادة لسماعه ...
انه صوت رهف ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
SAD ANGEL
07-07-2005, 04:48 PM
والله بجد القصة رووووووعة :) :)
والله بتجنن وأحداثها مثيرة جدا جدا
مشكور أخي أبو الدحم على ذوقك باختيار القصة ونقلها ;)
وناطرين البقية على أحر من الجمر:vereymad: لا تتأخر علينا الله يخليك
لأنه الاحداث صارت مشوقة جدا جدا :vereymad:
والله يعطيك العافية على جهودك بالنقل :ciao:
الملاك الحزين
ftm ftm
08-07-2005, 01:58 PM
ناطرة الباقي :wink2:
ftm ftm
08-07-2005, 01:59 PM
ناطرة الباقي :wink2:
وشكرا :smile2:
SAD ANGEL
11-07-2005, 11:48 AM
ليه تتأخر علينا بالبقية يا أخ أبو الدحم!!!!!!!؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
الله يسامحك ليه تعمل فينا هيك :(
ناطرين التكملة :vereymad: لا تتأخر علينا الله يخليك
تعبتنا وياك:sad2:
لكن مشكور على كل حال ومعذور كمان :ciao:
الملاك الحزين
الوردة السوداء
12-07-2005, 10:58 PM
قصة رائعة
شكراً جزيلاً
أنتظر البقية بفارغ الصبر http://www.wa3d.net/up1/uploads/6b2ac3eecd.gif
ابو الدحم
19-07-2005, 12:02 PM
الجزء الثاني و العشرين (حنين)
ألقت غادة نظرة متعجبة على تلك البكرات التي ما زالت تدور،و أسرعت تخرج الشريط من المسجل ،لتقلبه بين يديها بشيء من الشك.تساءلت في أعماقها :منذ متى يبيت هذا الشريط هنا..؟
تنهدت غادة بعمق حالما ظهرت صورة شقيقتها في مخيلتها..و همست لنفسها :يا ه يا رهف ..كم اشتقت إليك..و لصوتك..رؤيتي لتلك الأجهزة التي تحيط بك تخفيني..تقيدك..و تعذبني..إلى متى يا رهف؟..إنني أحترق ..و ببطء..ما هي إلا أيام و أستحيل إلى خيط دخان..أنا في أشد الحاجة إليك..يقتلني الحنين إلى أيامنا الغابرة..آه يا رهف..
ألقت غادة نظرة أخرى على الشريط،و من ثم وضعته حيث كان بعد أن أعادته من إلى بدايته...
جلست بجواره و كلها آذان صاغية،فدارت البكرات و تعالى ذلك الصوت الهادئ ناشراً في أنحاء الغرفة مزيجاً من الحنين..
الشوق..
الألم..
(( السلام عليك و رحمة الله و بركاته..عزيزتي غادة..في البداية لا أخفيك أنني كنت قد تراجعت أكثر من مرة عن تسجيل هذا الشريط..ربما لأنني كنت قلقة من ردة فعلك..و ربما لأنني خشيت أن أفقدك..رغم أنني أشعر بذلك الآن..فأنت بعيدة عني..بيين و بينك مسافة بلا حدود..بلا نهاية..اقترب منك خطوة..فتتراجعين عني خطوات..رغم أن دماءنا واحدة..و أصولنا واحدة..تربينا معاً..و كبرنا معاً..ما الذي حدث؟..ماذا أصابنا؟..هل غيرنا الزمان كما تغير؟..لست أدري..لا أنكر أنني قد أسأت إليك يوماً..ولكن صدقيني كان ذلك رغماً عني..أخشى أن يأتي يوم ننسى فيه أننا أختان..
صديقتان...
أتذكرين يا غادة..أتذكرين طفولتنا؟..فتلك الأيام لا تنسى..حينها كنا نفكر بقلوبنا لا بعقولنا....إذا غضبنا سرعان ما نغفر..و إذا بكينا سرعان ما نضحك..
رغم أنك كنت تصغرينني بسنة إلا أنك كنت معي ..فقد كتبنا حروفنا الأولى معاً..و تعلمنا الصلاة لله معاًاً..أذكر يومها كم كنت سعيدة بذلك الشرشف الأرجواني الذي أهدته لك جدتنا...رغم أنه كان كبيراً جداً عليك حينها..و أذكر أيضاً أن أمي كانت تضعه لك في درج في خزانتك..لكنك كنت في كل ليلة تخرجينه..و تحتضنينه..تحدثيه..و تلاعبينه..و كأنه دمية..لقد وعدته أن لا تتخلي عنه أبداً..لكنك خلفت وعدك..و أصبحت قطعة القماش الأرجوانية وحيدة..تذرف الدموع في ركن من أركان غرفتك..لم يا غادة؟..لم تتحول وعودنا إلى سراب ؟؟...لم تتحول أحلامنا إلى أوهام...؟
أذكر مرة أنك أخبرتني بخوفك من الظلام...فلماذا رضيت بحياة لا تشع فيها نور الطمأنينة؟..و لا تلمع بين حنايا السعادة..؟
هل أنت راضية عن وضعك أختي..لا تقولي لي مقولتك المعهودة..كل فتاة تستطيع أن تصبح عصرية..لا بتخليها عن ما ربيت عليه..بل بتحقيقها طموحاتها..بصمودها في وجه العاصفة..بثباتها على دينها..
لقد اشتقت لغادة..تلك الفتاة الصغيرة البريئة..اشتقت لتلك الفتاة التي كانت تتفاخر علي بسرعة حفظها لسور من القرآن..اشتقت إلى تلك الفتاة التي كانت تضع مصروفها كله في صندوق التبرعات بالمدرسة..اشتقت إلى أختي..
أنا واثقة أن بعض تلك الأعمال ما زالت في أعماقك..تحت طيات أفكارك..كل ما أنت بحاجة إليه هو إيقاظها..استعادتها..
أرجوك يا غادة...أنا لا أطالبك بأكثر من المحاولة..فأنا أشعر بك..نعم أشعر بذلك الأنين الذي يتعالى داخلك..ربما هو أنين الماضي..و ربما كان أنين الحاضر..
لماذا اختلفنا؟..لماذا تفرقنا؟..هل هي دروب الحياة؟..أم تعدد الأهداف؟..أم سوء الصحاب..؟
ليس من العيب أن نخطئ..لكن من المؤسف أن نستمر في الخطأ..أسرعي أختي فباب التوبة مفتوحة..أسرعي قبل أن تشرق الشمس من مغربها..
ما عسانا أن نكسب في هذه الحياة.. حب..زواج.. عمل.. أطفال.. أحفاد..ثم ماذا؟..
مصيرنا أن نتدثر بالتراب...أن نسأل ..أن نحاسب..ثم نتجه نحو دار الخلود..إما جنة..و إما نار..عندها لن تنفع دموع..و لن تنفع أعذار..
ما حياتنا إلا اختبار..إما رسوب..أو نجاح..
قد تكون طريق النجاح شاقة في البداية..لكن ثمارها تستحق بذل الجهد..تستحق الصبر..تستحق المثابرة..
غادة إنني أمد بيدي إليك..أمسكها و لنبحر معاً على سفينة السلام..أرجوك يا غادة أمسكها..تعلقي بها..فصورتك المتعبة..الضائعة..الباهتة.. تعذبني..كيف لا و أنت قطعة مني..
أنت أختي..و حبيبتي..
و صديقتي..
سأدعو لك..
و سأنتظرك يا أخيتي..
و كلي أمل أنك ستأتين..
ستعودين..
أسرعي يا غادة..فالوقت يمضي سريعاً...
........................................
..........................................
........................................))
انتهى الشريط..لكن غادة لم تبرح مكانها..و تساقطت دموع محترقة..تبحث في وجنيها عن قبور تدفن فيها...و بدأ صدرها يعلو و يهبط...و من بين شفتيها تفجرت الكلمات:أنا آتية يا رهف..نعم..لن يطول انتظارك يا عزيزتي..و لن يخيب أملك ..أنا قادمة..يا أختي...
أسرعت غادة تلبس خمارها..و قلبها يرتجف بين ضلوعها في قسوة..لم؟..ليست تدري...و ما هي إلا ثوان حتى كانت تقبع في السيارة..أفكار شتى دارت في مخيلتها..ذكريا ت طفولة..و كلام عميق المعنى..و مشاعر متأججة..حائرة بين الصواب..و الخطأ..
أخيراً وقفت السيارة أمام باب المستشفى ..و هرعت غادة تغادر السيارة..في شوق..و في حنين..و مضت تجوب دهاليز المستشفى..حتى وصلت إلى غرفة أختها..توقفت للحظات..و كأنها تسترجع كلمات رهف..
سأنتظرك يا أخيتي..
و كلي أمل أنك ستأتين..
عندها عقبت غادة:لقد أتيت..أنا هنا يا رهف..
و مع حروف كلماتها الأخيرة فتحت غادة باب الغرفة بقوة و هي تصرخ:رهف لقد أتيت..
لكن صوتاً ناعماً -كانت تجلس صاحبته بجوار سرير رهف -أجابها:لم تخبريني بمرض رهف يا غادة؟..
اقتربت غادة من صاحبة الصوت و هي تتمتم:سامية..كيف عرفت؟
ألقت سامية نظرة حزينة على رهف و هي تجيب:والدتك أخبرتني..كنت أتمنى أن أكون بجوارها منذ دخولها المشفى..
جلست غادة على طرف سرير رهف و هي تجيب:سامية..هوني عليك..
ابتسمت سامية ابتسامة صفراء و هي تقول:لا تقلقي علي يا غادة..أنا بخير..حمداً لله على كل حال..
تنهدت غادة بعمق و هي تعقب:لماذا تتهافت علينا المصائب نحن بالذات؟
-غادة الله يصيب الناس بأنواع البلاء..لعلهم يصبروا و يحتسبوا فيكون لهم الأجر و الثواب..
-انظري إليها يا سامية..إنها أقرب للشبح من الإنسان..ليتها تفيق؟
-ستفيق بإذن الله..أدعي لها يا غادة..إنها بحاجة لدعواتك..
-لا أظن..أشعر بأنها قد ماتت ..كل ما بقي منها جسد يتنفس..جسد بلا صوت..بلا إحساس..لن تعود..صدقيني..
-استغفري الله يا غادة..و لا تيأسي من رحمة الله..استغفري الله يا غادة..فلا يعلم الغيب إلا الله..
-استغفر الله..استغفر الله..
-هل تفتقدينها؟
-أكثر من ما يمكنك تصوره..أنا..
قاطعها صوت هاتفها المحمول..فاستأذنت سامية ..و غادرت غرفة أختها و هي ترمق تلك الأرقام الغريبة التي ارتسمت على شاشة جهازها..
و همست من أعماقها:أتراه ربيع؟..ربما كان هو؟..هل أرد؟
ما زال الهاتف يرن بلا توقف..أخيراً استجمعت غادة شجاعتها و أجابت و هي تقول:ألو..
أتاها صوت يقول:غادة..أين انتم..أتصل عليكم منذ مدة لكن لا من مجيب..هل حدث شيء..؟
تلعثمت غادة و هي تقول: رائف..أ هذا أنت؟
***************************************
ابو الدحم
19-07-2005, 12:05 PM
الجزء الثالث والعشرون : ساميـــــــــــــة..</STRONG>
عادت غادة إلى غرفة رهف وقد بدت عليها امارات الاكتئاب .. وجلست بصمت .. بينما تطلعت إليها سامية قائلة :
- هل أنت على ما يرام ؟؟ دخلت بغير الوجه الذي خرجت به ..
تمتمت غادة بخفوت وعينها ملتصقة بالأرض :
- لا .. لا شيء ..
- آمل أن تعتبريني كأختك ..
رفعت غادة إلى سامية عينيها فأشاحت الثانية بنظراتها في خفر ..
تنهدت غادة وهي تتأمل سامية بعينين متلألئتين .. شتان بينها وبين هذه الفتاة .. شتان بين وقاحة غادة وجرأتها وبين حياء سامية ورقتها .. وتساءلت في داخلها .. هل تفتقد شيئا من معالم الأنوثة بسبب ذلك ؟؟ لقد اعترف الجميع بأنها تضج بالحياة وتأسر القلوب بجمالها .. لكن هل أخلاقها كانت ستستميل الرجال لو لم توهب هذه الفتنة ؟؟
اعتراها شيء من الخجل وعدم الرضى عن نفسها .. كيف أغفلت ذلك ؟؟ أم أن عصرية المرأة توجب عليها أن تخسر نعومتها الأخلاقية ؟؟
عادت تتساءل : هل توجد في زماننا هذا فتيات تنطبق عليهن صفة العذراء في خدرها ؟؟
واتجهت أصابع الإجابة فورا إلى تلك الجالسة أمامها .. لكن كيف استطاعت أن تحافظ على هذه الصفة وهي تعيش في نفس المجتمع الذي تعيش فيه الأخريات ؟؟
شعرت بأن سامية تكسوها هالة من الغموض .. وتمنت لو تستطيع أن تجتاز هذه الهالة دون عناء لتجوب في داخل هذه الشخصية التي كانت رهف تحب التحدث عنها طوال الوقت وتصفها وكأنها آتية من عالم آخر .. حقا لقد كانت رهف مبهورة بها .. ايـــــــــــــــــــه .. يا رهف لقد أحسنت اختيار الصديقة المخلصة .. ليتك تعودي إلى وعيك لتريها كيف تجلس جوارك بصبر ..
وجدت نفسها تقول فجأة :
- سامية هل أستطيع أن أستشيرك في أمر ؟؟
أجابت سامية بابتسامة واسعة :
- بكل تأكيد ..
تلكأت غادة قليلا ثم قالت :
- اتصل أخي قبل قليل .. ولعلك تعرفين أنه مسافر لإكمال دراسته .. لكنه لا يدري شيئا عن رهف .. وقد .............
- أسمعك ..
- لقد كان يتساءل عن سبب غيابنا عن المنزل .. لكنني لم أخبره بالحقيقة .. ما رأيك ؟؟
- بماذا ؟؟
- هل أخبره بشأن رهف أم لا ؟؟
- بل لا بد أن يعرف ..
شحب وجه غادة .. فقد كانت تتمنى أن تؤيدها سامية في إخفاء الأمر عن رائف .. هتفت :
- لكن ظروفه لن تسمح له بالمجيء .. كل ما هنالك أننا سنسبب له القلق وكفى ..
- حسنا .. هل وضعت نفسك مكانه ؟؟
- ماذا تقصدين ؟؟
نظرت سامية إلى رهف بحزن وقالت :
- جميعنا لا نعلم ما هو مصير رهف .. ولو حدث لها شيء لا سمح الله فان أخاك لن يغفر لك عدم إخباره ..
نظرت غادة إليها نظرة تجمع ما بين الفزع والغضب قائلة :
- ستبقى رهف بخير .. وستعود لنا أفضل مما سبق .. أتسمعين ؟؟
احتفظت سامية بهدوئها وقالت دون أن تنظر إلى غادة :
- يجب أن تنظري إلى الأمر بواقعية أكبر .. هل تظنين أن رهف لا تعني لي شيئا حتى أتوقع لها الشر ؟؟ إن رهف أعز صديقاتي على الإطلاق وقد كانت بمثابة السلوان لي في جميع الأوقات .. صدقيني لم نخف عن بعضنا شيئا يوما ما .. حتى أدق الأسرار ..
لفتت العبارة الأخيرة نظر غادة فأخذت تحدق في سامية وهي تبحث عن الكلمات ثم قالت ببطء :
- وهل .. هل حدثتك رهف بخصوصي ؟؟
بانت على وجه سامية ملامح الأسى .. وفركت يديها وهي تتهرب من الإجابة ..
لكن غادة كعادتها حاصرتها بنظراتها وإلحاحها قائلة :
- أتخفين عني شيئا يا سامية ؟؟ أرجوك أخبريني ماذا قالت رهف عني .. فمنذ سقطت في غيبوبتها والألم يعتصر قلبي لشعوري بأنني السبب في ذلك .. سامية .. أنا .... رهف تركت لي ما يشبه الوصية .. لكنني ... أنا أريد أن أعرف المزيد .. سامية .... لقد فاض بي ..
أجهشت غادة بالبكاء وقد خنقتها مشاعرها تجاه أختها .. فاقتربت سامية منها وأمسكت يدها مواسية ثم قالت :
- هوني عليك .. ليس الأمر كما تتصورين .. إن قلب رهف رغم مرضه كبير .. كبير جدا .. أكبر مما تصورين .. اهدئي .............. وسأقص عليك كــــــل شيء .. :afraid:
ابو الدحم
19-07-2005, 12:07 PM
الجزء الرابع و العشرون(ضياع)
(لقد كنت بالنسبة لها أكثر من أخت..لقد أحبتك لدرجة أنك أصبحت شغلها الشاغل..كل ما في الأمر أنها كانت قلقة عليك كثيراً..لطالما حدثتني عن بعض تصرفاتك و هي تذرف دموعها...كنت أرى خوفها عليك يطل من كل ملامحها..حتى صوتها كان يعلوه القلق..أذكر أنها أخبرتني في مرة أنك تحملين شيئاً ما في أعماق قلبك..شيء ما أشبه بالبرعم الذي يبيت تحت طبقات شتى من الجليد..كانت تريد أن تحيل ذلك الجليد إلى ماء حتى تروي ذلك البرعم فيزهو و يكبر..)
أشاحت غادة ببصرها بعيداً و هي تحاول إخفاء دموع تساقطت على وجنتيها..فربتت سامية على كتفها في حنان و هي تعقب :غادة ..قريباً سيأتي الربيع..و ستذوب الثلوج..
التفتت غادة نحو سامية و حملت كفها بين يديها و هي تحاول رسم ابتسامة على وجهها الشاحب..ثم تطلعت إلى وجهه سامية مباشرة و هي تهمس: لقد ذابت يا سامية...لكنها استحالت إلى فيضان دمر كل شيء..و لم يعد لذلك البرعم وجود..
-غادة..أشعر أن بداخلك ألف برعم و برعم...إن غاب واحد فسيزهر أحدها..
-صدقيني كلهم ضاعوا..
-كلا يا غادة ..أنا أشعر بأحدها الآن..
- أين هو يا سامية؟..أين هو؟
-قلبك يا غادة..
-قلبي؟
-أجل قلبك ..إنه يخفق..
-إ نه يخفق منذ أن ولدت..فما الجديد..؟
-إنه يخفق بقوة يا غادة..و كأنه يجدد دماءه..ينظر في حاضره و ماضيه..إنه يجدد حياته..إنه يولد ..
-أنت تحاولين مساعدتي فحسب..
-هذا برعم آخر..
-ماذا تعنين؟
-لقد بدأت تشعرين بأنك في حاجة إلى المساعدة..إلى يد تنتشلك من بحر العواصف الذي تعيشين فيه إلى بر الأمان..
-سامية..انظري إلى الأمور بمنظار من الواقعية..أنا لا أطيق الابتعاد عن نمط حياة اعتدته و ألفته..لا أستطيع أن أغير صديقاتي..و حياتي..و عمري..
-كيف تقولين ذلك و أنت لم تجربي..؟
-أنا لا أحتاج إلى تجربة فاشلة..
-في القديم كنا نظن أن الإنسان لا يستطيع الطيران..و ها هو اليوم يطير..
-لأن عالمه قد تغير ..قد تطور...
-بل لأنه سعى إلى تطوير عالمه و تحسينه..غادة الطريق شاقة لكنها ممتعة و لها ثمار الشهد..
-أرجوك يا سامية..لا أريد أن أتحدث في هذا الموضوع..
-و لكن..
قاطعتها غادة في صرامة :هذا يكفي..
-أنا آسفة إن كنت قد أزعجتك..
-أنا من يجب عليها أن تعتذر..سامية أنا آسفة..لست أدري ما الذي حل بي مؤخراً..ربما هي الظروف التي أمر بها..
-لا عليك..
-سامية هل لي أن أطلب منك طلباً؟
-بالطبع يا عزيزتي..ماذا تريدين؟
-هل لي أن أكلمك من وقت لآخر؟
-بالطبع..هذا يسعدني جداً...
-لا أعرف كيف أشكرك يا سامية..
-لا تقولي هذا يا غادة..أ تعلمين أنت تشبهين رهف كثيراً..
-حقاً؟
-نعم..طريقة حديثك...ابتسامتك...و عنادك..
التفتت غادة نحو رهف و تلمست يدها في حنان و هي تهمس:أ رأيت؟..لست أنا الوحيدة التي تقول بأنك عنيدة..رهف أ تراك تسمعينني؟..أنا هنا بجوارك..رهف كم أحبك يا أختي..ربما اكتشفت هذا متأخرة جداً ...أنا نادمة على الأيام التي ضيعتها في فهم معنى الأخوة..استيقظي يا رهف...أنا في شوق غامر لحضنك ..بعيداً عن كل تلك الأسلاك التي تحيط بك..بعيداً عن هذه الغرفة الكئيبة..عن هذا المنى البشع..أريد أن احتضنك هناك..في منزلنا..في المكان الذي ربينا فيه..جمعنا فيه أحلى ذكرياتنا..لعبنا..ضحكنا..تخاصمنا..تعاركنا..و بكينا...و عفونا..متى تعودين إلى منزلنا؟..اشتقت لدفئك..و عبقك..و روحك...
عافاك الله يا أختي..عافك الله يا رهف..
**********************
عادت غادة إلى منزلها...و مضت تصعد الدرج نحو غرفتها.و ما أن وصلتها حتى ألقت بجسدها على سريرها لتفرغ في وسادتها شحنات من الصراع الذي احتدم داخلها حتى لم يبقى لها من الدموع ما تذرفه...شعور بالضياع كاد يخنقها..يقيدها..لقد بدأت تفقد كل طعم للحياة..صور شتى حامت حولها..ربيع ..عادل ..رهف..
اتجهت نحو البيانو..تلمست سطحه الخشبي بأناملها..و جذبت مقعدها لتجلس أمامه..و لم تشعر بنفسها إلا و هي تعزف..و تعزف..بكل كيانها...و بسرعة لا مثيل لها..و كأنها تحاول الهروب من تلك الضوضاء التي تخترق مسمعها..أصوات شتى قادمة من الماضي و كأنها خناجر طاعنة اتخذت من قلبها ملاذا و ملجأ..
((أنا قلقة عليك يا غادة.
أرجو أن لا تنسي أنك مريضة بالقلب..و أن قلبك بحاجة للعناية أكثر مني..هلا تركتني..أريد أن أنام..
سأحبك مهما فعلت..
غادتي..هل جربت قراءة القران في أعماق الليل..أعلم أنك تملكين صوتاً عذباً..فهلا رتلت به القرآن..غادة جربي قراءته و لو مرة..ستشعرين بشيء عجيب ينساب في أعماقك
غادة... كنت أراك تتغيرين..تبتعدين..كنت أشعر بك تذبلين بين أناملي.. و لكن لم يخطر ببالي أن أفقدك نهائياً..أ ما عاد لي مكان في قلبك..؟
أنت لست غادة بالتأكيد..
أنت كاذبة...
لقد صدمتني..أطلقت علي رصاصة محكمة...دمرتني..حسبي الله و نعم الوكيل فيك..أعطيتك كل شيء..كل ما أملك..و في النهاية كان جزائي السم الذي زرعته بيدك في أحشائي..قطعت كل ما بيننا..و أحرقت كل جميل في علاقتنا...لقد انتهى كل شيء.
أنت طالق يا غادة..
أنا متزوج..متزوج يا غادة..
آسف ؟؟ على أي شيء تتأسف ؟؟ وبأي وجه حق تدفع بي إلى الهاوية ؟؟ آسف على تدمير حياتي ؟؟ آسف على استغلالي والتلاعب بي ؟؟ آسف على امتهاني وامتهان العلاقة المقدسة التي سعيت إليها رامية بكل شيء يقف في وجهها عرض الحائط ؟؟ خبرني عم تتأسف ؟؟ هل سبق أن رأيت القاتل يعتذر للمقتول ؟؟
أنت طالق يا غادة..
أنا متزوج..متزوج يا غادة..))
توقفت بغتة و أغلقت أذنيها بكفيها و هي تصرخ:يكفي..هذا يكفي..لم أعد أحتمل..
تعالت الضحكات من حولها..فصرخت و صرخت ..لم أعد احتمل..ماذا تريدون مني؟..لقد أخذتم كل شيء..دعوني..اتركوني و شأني...و تعالى صراخها أكثر فأكثر..و تعالت الضحكات بدورها..و ازدادت الضوضاء من حولها..فدارت حول نفسها ..و اهتزت بقوة كوردة وسط العاصفة..و أي عاصفة؟..ألوان شتى اختلطت أمامها..شاحبة..بشعة..و محطمة..رسمت بفرشاة الحزن..بالخيانة..و بالغدر..
توقفت غادة ..فإذا بها ترى نفسها أمام مرآتها..بصحبة و جوه كثيرة ..شامتة..ساخرة..فعادت تصرخ بشدة :اصمتوا..دعوني و شأني ..أتركوني..
لكن تلك الوجوه لم تتوقف..بل ارتفع صوتها و هي تقول:يا ل غبائك يا غادة..أنت نكرة...لا شيء..بلا هوية..و بلا بصمات..
فعادت تصرخ بدورها:كلا ..لن تسلبوني هويتي..يكفيكم ما أخذتموه مني..يكفي..ما عدت أقوى على الاحتمال..
و مع آخر حروفها ألقت بذلك التمثال الذي كان يقف فوق البيانو على مرآتها..فتحطم الزجاج..و تناثر هنا و هناك..لكن صوت الضحكات تزايد أكثر فأكثر..
عندها فقدت غادة سيطرتها على أعصابها..
كسرت كل شيء أمامها..
مزقت أوراقها الجامعية و ثيابها الثمينة..
أفرغت قطن وسادتها هنا و هناك..و استحالت غرفتها إلى فوضى عارمة..
و لم يتوقف ذلك الصوت..
و لم تكف هي عن الصراخ لوهلة..
فقد نفذت دموعها و لم يبقى لها سلاح سواه..
حتى انهارت تماماً..
لتسقط مغشياً عليها..
وسط مئات الضحكات الشامتة..
و الساخرة..
*****************************
ابو الدحم
19-07-2005, 12:11 PM
الجزء الخامس والعشرون : وأخيرا ..</STRONG>
فوجئت أم غادة برؤية ابنتها مغشيا عليها .. وأفزعتها أكثر الفوضى التي لحقت بغرفتها ..
لم تستطع أن تخمن ما حدث .. بل إنها لم تجد وقتا للتفكير .. فأسرعت بالاتصال على الطوارئ .. ثم حاولت أن تيقظ غادة ببضع قطرات من العطر ..
فتحت غادة عينيها بألم .. وكأنها لا ترغب في الاستيقاظ .. فشجعتها والدتها على النهوض والذهاب إلى غرفة رهف لأن غرفتها ليست صالحة حاليا لاستقبال الطبيب ..
فيما بعد قالت غادة بأنها لا تذكر أنها نهضت وسارت على قدميها كل هذه المسافة ..
جلست الأم بجانب ابنتها تبكي .. وهي تشعر بالعجز التام عن مساعدة هذه البنية الضعيفة .. دعت في قلبها أن يعود رائف ليشد من أزرها .. فالبيت من دون رجل بيت مائل ..
وصل الطبيب .. وفحص غادة جيدا .. ثم قال :
- يبدو أنها أصيبت بانهيار عصبي .. ضغطها منخفض جدا .. ألم تكوني معها ؟؟
- لا يا دكتور .. كنت في الخارج عندما حدث لها ذلك ..
- ألم تلاحظي شيئا غير عادي ؟؟
- بلى.. وجدت زجاج مرآتها محطما .. والفوضى تعم حجرتها ..
- هذا يؤكد أقوالي .. إن ذلك خطير يا سيدتي .. خصوصا إذا تكرر .. أرجو أن تسمحي لي بمتابعتها إن حدث ذلك مرة أخرى ..
-هذا لطف منك يا دكتور .. أعدك أن أوافيك بأخبارها إن استجد شيء لا سمح الله .. ولكن لماذا أصابتها هذه الحالة ؟؟
-أعتقد أنها تعاني من قلق وقلة في النوم .. أو أن لديها مشكلة تكتمها .. عليك ألا تسمحي لها أن تكثر من المهدئات والحبوب المنومة .. إلا بعد استشارة الطبيب .. تفضلي .. هذه ورقة العلاج .. والآن إلى اللقاء ..
-شكرا لك يا دكتور ..
جلست الأم تنتظر استيقاظ ابنتها وهي تفكر .. لم يعد لديها ما تفعله سوى الانتظار جوار الفراش .. كل يوم تستيقظ لتفطر على عجل ثم تتوجه إلى المشفى حيث رهف .. تسلم عليها وبعدها تتوجه إلى مسجد المستشفى ... لتصلي الضحى ثم تدعو لابنتها بالشفاء .. وتعود وقت الغداء لتجلس مع غادة قليلا ثم تخرج ثانية إلى المشفى ..
يالها من حياة .. حتى عندما تعود إلى البيت لتأخذ قسطا من الراحة تجد ابنتها الثانية في غيبوبة .. هل ستفقدهم جميعا كما فقدت أباهم ؟؟
بدأت غادة تتحرك ويتقلص جفناها .. إنها على وشك الاستيقاظ .. فتحت عينيها بإرهاق ونظرت إلى أمها ثم أسبلتهما ثانية .. فأمسكت الأم بيدها مشجعة وقالت :
-هل أنت بخير يا حبيبتي ؟؟ ماذا حدث لك ؟؟
-أممممممم
-ارتاحي ..
-أمي ..
اقتربت الأم منها وهي تقول :
-نعم يا صغيرتي ..
-.... ماذا حدث ؟؟
-أنا التي أسألك .. فقد وجدتك مغشيا عليك في حجرتك .. لماذا كسرت المرآة ؟؟
قطبت غادة حاجبيها وقالت :
-أنا ؟؟
وفجأة تذكرت كل شيء .. وزمت شفتيها ثم قالت :
-يبدو أنني أرهقت نفسي أكثر من اللازم ..
-غادة .. هل هذا بسبب عادل ؟؟
اجتاح الألم قلب غادة ثانية عند سماعها اسم عادل .. فلم تتمالك نفسها ووجدت دموعها تهمي ..
-غادة حبيبتي .. لا يعني ذلك أنك فشلت .. كثيرات هن اللاتي يفسخن خطوبتهن أكثر من مرة .. لكنهن يتزوجن فيما بعد ويسعدن في حياتهن ..
-ليس هذا ما يعذبني يا أمي .. أنا أبكي ندما .. لقد كنت حمقاء .. حمقاء جدا ..
-لا تؤنبي نفسك هكذا .. إن عادل لم يعرف قيمتك .. فلماذا تعذبين نفسك من أجله ..
-عادل لم يعرف قيمتي ؟؟؟ أرجوك لا تقولي هذا يا أمي .. أرجوك ألا تسيئي إليه .. أنت لم تعرفيه كما عرفته ..
-ولكنه رغم ذلك تركك يا ابنتي ..
-بل أنا التي تركته يا أمي ..
اتسعت عينا الوالدة وهي تقول بذهول :
-ماذا تقولين ؟؟
-أجل .. ألم أقل لك كنت حمقاء .. لكن .. لقد انتهى كل شيء .. أواااه يا أمي .. أنا أتعذب .. أتعذب كثيرا ..
أجهشت غادة بالبكاء .. فتقطع قلب والدتها عليها وأخذت تبكي معها .. بكت الاثنتان طويلا .. ثم راحت الأم تتحدث من بين دموعها قائلة :
-ليتني أعرف ما تخبئينه عني .. كلكم هكذا .. لم يصارحني أحد منكم بتفاصيل حياته .. تعيشون بغموض .. تتعذبون .. ولكنكم لا تشكون لي .. ألست أمكم ؟؟ أين أنت يا رائف ؟؟ تعال وانظر إلى أختيك كيف تذبلان .. أو عساك تكون مثليهما ؟؟ ما أثقل الحمل بدونك يا أبا رائف .. تركتني وحيدة أعيل ثلاثة أطفال .. ورحلت أنت .. رحلت بعيدا جدا .. رحلت إلى عالم آخر .. رحمك الله يا أبا رائف .. كنت خير عون لي في كل شيء .. والآن .. ما حيلتي وأنا بلا رجل ؟؟ حتى ابني تركني وذهب ..
ارتاعت غادة لكل هذا الزخم المكبوت من المشاعر .. لم تعتد من والدتها أن تتحدث عن معاناتها الشخصية .. فهي تخدم الجميع وتتفانى من أجلهم على حساب نفسها .. ولم يفكر أحد منهم يوما ما أن يهتم بآلامها هي .. بمشاكلها هي .. وكأنها آلة وليست بشرا .. لكنها لم تتذمر .. بل رضيت بقدرها وكتمت كل ذلك في قلبها .. وكانت تردد في أعماق الليل : ( إنما أشكو بثي وحزني لله )
أسرعت غادة بتجفيف دموعها .. والتقطت كف أمها المعروقة لتقبلها وتقول :
-كفاك يا أمي .. كفاك .. سامحيني لأني أثرت شجونك .. سامحيني لأني كنت أنانية .. لم أكن أفكر سوى بنفسي حين اتخذت قراراتي الغبية .. حين أهملت صحتي ودراستي .. حين عشت متوحدة في غرفتي .. لم أفكر بك .. كم أنا عاقة .. لذلك لم أوفق في حياتي .. أرجوك أن تغفري لي .. دموعك تعذبني أكثر .. كفى يا أمي أتوسل إليك ..
كفكفت الأم دموعها .. وحاولت أن تبتسم وهي تقول :
-رضي الله عنك يا حبيبتي .. لا تقولي بأنك لست موفقة .. فأنا أدعو لك دائما .. وأريدك أن تكوني ناجحة في كل شيء .. وترفعي رأسي بين الناس ..
احتضنت غادة أمها وهي تبكي وتقول :
-أنت أم طيبة ..
*******************
-هل أنت جاهزة يا غادة ؟؟
التقطت غادة حقيبتها وأصلحت هندامها ثم ركضت إلى السلم وهي تصرخ :
-أجل يا أمي .. لنذهب ..
ركبتا السيارة وقالت الأم :
-إلى المطار يا حسين ..
ثم غرقت في أفكارها .. ولم تكن غادة ببعيدة كثيرا عما تفكر فيه والدتها .. كلتاهما انتظرتا هذه اللحظة طويلا .. ها هو رائف سيعود أخيرا ..
-كم اشتقت إليك يا أخي .. أتمنى أن يصل بالسلامة ..
ولما وصلتا .. أخذتا تبحثان بين المسافرين الكثر .. لكن دون جدوى .. ومن بعيد أقبل رجل طويل له جسد رياضي .. ولحية كثة .. يدفع عربة حقائب أمامه .. تطلعت غادة إليه بريبة .. ثم ما لبثت أن اتسعت عيناها بدهشة كبيرة وهي ترى ابتسامته :
-رااااااائف .. انظري يا أمي ..
بالطبع عرفت الأم ابنها قبل غادة لكنها كانت أيضا مندهشة فلم تتكلم ..
-السلام عليكم ..
-وعليكم السلام يا ولدي .. أهلا بك يا حبيبي ..
قبل رائف رأس أمه .. ثم صافح غادة مراعاة لأنظار الناس .. وقال مداعبا :
-لنترك الأحضان في البيت ..
لم تكن غادة قد خرجت من دهشتها بعد لكنها قالت :
-رائف .. لقد تغيرت كثيرا .. بالكاد عرفتك ..
لم لحيته بقبضته وقال :
-أمن أجل اللحية ؟؟
-أجل .. منذ متى وأنت تربيها ؟؟
أمسك بيدها ووضعها على عربة الحقائب وقال :
-دعك من الأسئلة الفضولية الآن وادفعي لي العربة .. أريد أن أحادث أمي ..
-يا سلام .. أنا أدفع لك عربتك .. حسنا .. إكرام الضيف ثلاثة أيام .. وبعدها سأريك النجوم في الظهر ..
ضحك الجميع وهم يتوجهون نحو السيارة .. واشتركوا في حوار محموم .. وحين وصلوا لم يكن الكلام قد انتهى رغم طول المسافة ..
لكن رائف ما كاد يرى البيت حتى خيم عليه الوجوم ..
هبط من السيارة ببطء .. ثم همس :
-هل هي هنا ؟؟
ردت عليه غادة وهي تشاركه حزنه :
-لا .. إنها بالمشفى منذ سقطت في غيبوبتها .. ونحن نزورها كل يوم ..
-أريد أن أذهب إليها ..
ربتت الأم على كتفه وقالت :
-لنؤجل الزيارة .. عليك أن ترتاح قليلا فركوب الطائرة لثمانية عشر ساعة ليس بالأمر الهين ..
أذعن رائف لأمه وارتقى السلم .. وكانت أمه قد جهزت له حماما .. وبخرت له حجرته .. فقالت غادة :
-الله الله .. ما كل هذا التدليل .. ألا يحق لي أن أغار ؟؟
قرصت الأم غادة في ذراعها وقالت :
-أنت لا تشبعين أبدا .. هيا لنتركه الآن ..
شيعهما رائف بنظراته .. ثم أخذ حماما على عجل .. وراح في سبات عميق ..
ابو الدحم
19-07-2005, 12:13 PM
الجزء السادس و العشرون (حوار)
تقلبت غادة في سريرها مرارا طلباً للنوم و لكن بدون جدوى..لذا فقد نهضت من سريرها و فتحت درجاً في مكتبها و أخرجت منه بعض الأقراص المنومة التي كانت قد خبأتها حتى لا تراها والدتها..و همت أن تتناولها لولا أن شيئاً ما جذبها..فألقت غادة بالأقراص على سطح مكتبها..أرهفت سمعها..شعرت بشيء من الراحة ينساب في حناياها..و جذبها ذلك الصوت فسارت قدماها على عجل دون أن تشعر..بينما ارتفع ذلك الصوت العذب الهادئ أكثر فأكثر..فأحاطت غادة سكينة وهدوء لم تظفر بها مسبقاً...بينما بدأ قلبها يخفق بسرعة..لم؟..إنها لا تدري؟...أطلت الدموع من عينيها..كيف ؟..إنها أيضاً لا تدري..كل ما كانت تعيه أنها اقتربت من مصدر الصوت..ذلك الصوت الذي كان يحلق حراً قوياً كطير جارح...أصابها ..أين ؟...و متى؟..كلها أسألها تحتاج إلى إجابة..و فجأة توقفت قدمها..أمام غرفة أخيها رائف..و أسندت ظهرها إلى باب غرفته الذي كان مفتوحاً و قد أغمضت عينيها في استسلام..بينما تابع هو ترتيله دون أن يشعر بوجودها..
((و قلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا*يرسل السماء عليكم مدرارا*و يمددكم بأموال و بنين*و يجعل لكم جنات و يجعل لكم أنهارا *مالك لا ترجون لله وقارا*و قد خلقكم أطوارا))
سألت نفسها..فما لكم لا ترجون لله وقارا..فما لكم لا ترجون لله وقارا..و قد خلقكم أطوارا..لم أفعل هذا بنفسي؟..ماذا دهاني؟..ما أنا إلا تراب..و مصيري أن أستودع التراب..الكل سيتركني..الكل سيمضي بعيداً عني..و سأبقى وحدي..بلا أنيس..كيف غفلت عن ذلك؟..و لقد خلقكم أطوارا..كيف تناسيت أن بعد شبابي هرم..و بعد قوتي ضعف..لم خنت نفسي؟..لم أذللتها؟..لم لم أرجو لله و قارا؟..ماذا جنيت؟..آذيت أختي و تسببت في نومها على فراش ليس بفراشها..أبكيت أمي..جعلتها تذوق طعم الخيبة مرات عدة..أقلقت رائفا..و طعنت عادلا..بل طعنت نفسي بحقيقتي..آه..هذا لا يحتمل..
<<غادة..منذ متى و أنت هنا؟..لم أشعر بوجودك>>
رسمت غادة ابتسامة باهتة على شفتيها و هي تحدق في رائف..لقد تغير..ذلك البريق الذي يطل من عينيه..ذلك الهدوء الذي يغلفه..ذلك النور الذي يشع من وجهه..نعم لقد تغير..
نهض رائف من كرسيه و اقترب منها و هو يلوح بيده أمام عينيها في قلق..
فأشاحت هي ببصرها و قد أطلقت ضحكة مرحة..فضحك بدوره و هو يقول :ماذا دهاك يا فتاة..؟
-أمرك يثير فضولي..
-لم؟
-شكلك..طريقة حديثك..حركاتك..كلك..
-أمممم..ألا تروقك لحيتي...؟
-إنها أكثر ما يثير عجبي..رائف..ماذا حدث؟
-ببساطة..لقد تغلغل النور في جوانحي..لقد تحولت إلى شخص آخر...أو بالأصح لقد ولدت من جديد..
-لقد تغيرت بالفعل..لا أصدق أنك لم تعد رائفاً الذي غادرنا منذ سنتين..لقد بت أكثر نضجاَ..
-حتى أنت يا غادة لقد تغيرت..
-أنا؟
-نعم أنت..لقد أصبحت شاحبة..حزينة..لم أعد استشف تلك الابتسامة المرحة التي كنت تنشرينها هنا و هناك..
-رائف..أشعر بأنني أهوي من قمة جبل..أهوي نحو القاع..أصرخ و لا أحداً يسمعني..و كأنني أعيش بفردي في هذا العالم..
اقترب رائف من غادة و هو يمد يده إليها..و من ثم قال:غادتي لقد عدت..و لن أدعك تسقطين أبداً..كل ما أطلبه منك أن تتشبثي بيدي..أن تستجمي قوتك..و تعززي إيمانك و ثقتك بالله عز وجل..
تلمست غادة يده الممدودة..احتضنتها بين كفيها و هي تهمس:ماذا لو جذبتك معي نحو القاع؟
مسح رائف دموعاً تدلت على وجنتي غادة و هو يجيبها:أنا واثق بأنك لن تفعلي..نحن إخوة يا غادة..و لن يستطيع أحدنا أن يلحق الضرر بالآخر..
أشاحت غادة بوجهها بعيدا و هي تقول:أنت تجهل أي فتاة صرت..تجهل من هي غادة..لقد بت بارعة في تحطيم القلوب..في نشر الرماد..صدقني ...لقد بت شخصاً آخر..لكنه شخص يحتضر..و ببطء..
زفر رائف بحرارة..و قد ازداد قلقه على أخته..فأدار و جهها نحوه بكفه و هو يقول:غادة أ تخفين شيئاً عني؟
-بل أشياء يا رائف..
-هل لي أن أشاطرك إياها؟
-قلب المرآة بئر من الأسرار..و بئري مطمور تحت كثبان رملية لا حدود لها...
-أ هو عادل؟..لقد علمت بانفصالكما..
-رائف هلا عفيتني؟
-أريد أن أساعدك..أنت أختي..و حقيبة أسراري..أ نسيت..؟
-كيف لي أن أنسى..
-هل تريدني أن أكلم عادل بشـ
-إياك أن تفعل..
-ليس من العيب أن نخطئ..لكن من العيب أن نستمر في الخطأ..
-ما ينتابني ليس له أي علاقة بعادل..
-غادة..أعلم أنه لا يحق لي أن أسأل لكن هل ؟..هل تحبينه؟
-.........................
-غادة أنا آسف ما كان علي أن أسألك سؤالاً كهذا..
-رائف هل شعرت يوماً بالضياع..هل شعرت بأنك سجين لم و لماذا و لا أدري..
-كل إنسان تقابله ظروف..
-ليس هنالك أقسى من ظروفي..
-مشكلتك يا غادة أنك لا تنظرين أبداً لمن هم دونك..
-ذلك لأنه لا أحد دوني..
-ربما كنت أجهل أي ظروف تعنين لكنني واثق بأن هناك من يعيش أقصى منها..الحياة دوارة يا غادة..مغامرة كبيرة..و خطيرة..اسأليني أنا عن ذلك..
-رائف...هل مررت بظروف قاسية أنت أيضاً؟
-نعم..و لكنها أثرت علي إيجابا يا غادتي حتى بت أفتخر بها..
-أتعني أنها لها علاقة بما أنت عليه الآن..
-نعم..و لله الحمد..
-ما هي؟
ضحك رائف بدوره و هو يقول:قلب الرجل يا آنسة بئر أسرار أعمق بكثير من بئر المرآة..
ضحكت غادة و هي تعقب:هكذا إذن..
-واحدة بواحدة..كما أن هناك شيء آخر نسيت أن أقوله لك..
-ما هو؟
-لن تستطيعي أن تجذبينني إلى القاع أبداً يا ذكية..أنسيت أنني قوي البنية..
ضحكت غادة فرمقها رائف بنظرة مطولة..
سألته:رائف..ماذا هناك؟
-تبدين جميلة و أنت تضحكين..كم اشتقت لهذا الصوت المرح...
احمرت وجنتي غادة و أشاحت ببصرها بعيداً و هي تقول:أنت تقول ذلك لأنك أخي..
-أنا لا أعرف مصطلح المجاملة يا فتاة..و ما في قلبي على طرف لساني..
-أ تعني أن لي مكان في قلبك..
-بل أنت جزء منه يا غادة..
-يبدو أن الغربة قد علمتك المجاملة..؟
-كلا لم تفعل..و لن أسمح لها أن تفعل..لا أنكر أنها علمتني الحنين و الشوق..لقد ذقت أياماً أمر من العلقم..الوحدة..الغربة..الضعف.. مصطلحات أدخلتها الغربة جبراً في قاموسي..صورتكم لم تفارق بالي قط..أنت و والدتي..و رهف
-صحيح ألا ترغب بزيارة رهف؟
-أنني أتوق لذلك..
-إذن سأجعل حسين يجهز السيارة..
-ما رأيك أن أقلك أنا إلى هناك..
-لكنك لا تملك سيارة..
-لقد استأجرت واحدة قبل ساعات..
-كلا سنذهب مع حسين..
-لم؟..دعيني أريك شيئاً من مهارتي في القيادة..
-رائف لا أريد أن أضيع في طرقات المدينة..
-غادتي..أني أحفظ الشوارع و الطرقات عن ظهر قلب..أنسيت أنني قد ربيت هنا..و عشت معظم حياتي هنا..
-ألم تنسك شوارع بريطانيا الفسيحة شوارعنا؟
-لن تستطيع غربة سنتين أن تمحي عمراً بأسره..
-رائف سأعترف لك بأمر خطير..
-ما هو يا آنسة غادة..؟
-كم أنا فخورة بك..
-لا أصدق هذه أول مرة تمتدحينني فيها..
-لا تفرح..فلن أكررها..
-لقد اشتقت إليكم كثيراً..إلى المرح..الجو العائلي..إلى كل شيء..لا أصدق أنني هنا..لقد مضى وقت طويل...
-معك حق..على كل سأمضي لارتداء ملابسي و كتابة وصيتي..
-ألا تثقين بي..؟
-آخر مرة سمعت فيها عبارتك تلك كانت عندما اصطدمت بعمود النور..
-لا أذكر ذلك..
-أنا واثقة بأنك ستحاول أن لن تتذكر..أنا ذاهبة.. دقائق و أنتهي..
همت غادة بالمغادرة لولا أن رائفاً أوقفها قائلاً:غادة انتظري؟
توقفت غادة و التفتت نحوه و هي تسأل:ما الأمر يا أخي؟
مضى رائف نحو خزانته و أخرج منها كيساً و حمله بيده و هو يقول:غادة..هل لي أطلب منك طلباً..؟
-أنت تأمر يا أروع أخ في العالم؟
-ألن تعتبريه تدخلاً في أمورك الخاصة؟
-لقد عانيت كثيراً في السنتين السابقتين..كنت بحاجة إليك..و ما زلت..كنت على استعداد أن أضحي بأي شيء حتى أراك..أسمعك..و أحكي لك..أنت أخي..درعي..و رفيق طفولتي..لطالما تحملت عني عقاب والدتي..لطالما حميتني..دافعت عني..فلتأمرني يا أخي..أنا خادمتك..
-غادتي..لم و لن تكوني خادمتي..أنتي أختي..و هذا يشعرني بسعادة تطاول السحاب..و لا أريدك إلا أختي..
مد رائف بالكيس نحو غادة ..فسألته في استنكار:ما هذا؟
-غادة..بما أنني سأصتحبك معي فهلا..
-ما الأمر؟
-غادة حجابك البارحة لم يرق لي..و بما أنك لا تملكين غيره حسب ظني فلقد اشتريت لك آخر..
-رائف؟
-غادة أنت درتي..و ما كنت لأجعل درتي عرضة لأنظار..أخاف عليك من النسمات..فكيف لا أخاف عليك من نظرات الرجال..
-رائف أنت تبالغ..اسمعني..
-ألا يحق لي أن أحمي درتي من الأذى..من المهانة..من الذل..غادة أنت لست لوحة للعرض..لست دمية باستطاعة أي شخص أن يلهو بالنظر إليها..هذا طلبي يا غادة..فهلا حققته لي..
************************************
في أمان اللهhttp://forum.hawaaworld.com/images/smilies1/smile03.gif
ابو الدحم
19-07-2005, 12:18 PM
الجزء السابع والعشرون : ما رأيك؟</STRONG> ؟
أخذت غادة الكيس من يد رائف وهي تتحاشى النظر إليه .. ثم أسرعت إلى غرفتها دون كلمة .. فتبسم رائف وعاد لحجرته ..
جلست غادة في حجرتها تنظر إلى الكيس دون أن تفتحه ... إن نفسيتها الثائرة المتمردة تجعلها تشعر بالغضب من أي شخص يحاول تغييرها .. وقد عودت نفسها على الاستقلال في كل شيء .. حتى في اتخاذ القرارات .. وقلما كانت تستشير أحدا .. لقد عاشت حياتها وهي تشعر بأنها قوية ومتفردة ...
أما الآن .. فقد بدأت تشعر بالخور يداهمها ... وبأنها لا تستطيع المتابعة دون يد تسندها ... لكأنها صارت عمياء تحتاج لمرشد ...
قالت لنفسها بصوت منخفض :
- لعلني كنت مخطئة إذ وضعت نفسي في قارورة تمنع الآخرين من لمسي أو الاقتراب مني وتمنعني من التحرك بحرية وانطلاق ... حتى لا تخدش قارورتي ... كم كنت غبية حين فهمت الحرية بهذا الفهم المعوج ... والآن .. ها قد تحطمت الزجاجة الهشة التي كنت أخدع نفسي بها .. ظننت أنها ستحميني من كل العواصف ... وإذا بها تتهشم عند أول صدمة ...
ابتسمت وأخذت نفسا عميقا .. ثم قالت :
- لا بأس .. أشعر وكأنني كنت فرسا برية متوحشة ... ثم روضت .. لكن دون لجام ..
نهضت وهي تحمل الكيس بين يديها .. ثم أفرغت محتوياته والتقطت الكاب ووضعته على جسدها وهي تنظر إلى المرآة ... كان فضفاضا جدا وقد خلا من أي نقش أو تطريز .. إلا أنه كان مريحا للنظر وذو قماش بارد ناعم ..
- لا بأس بشكلي به .. كنت أحسب الحجاب الشرعي سيجعلني مسخا ..
وسمعت صرخة رائف وهو يقول :
- أهذه دقائقك يا غادة ؟؟
فأسرعت بارتداء الكاب ثم ألقت على نفسها نظرة رضا مشوبة بالحرج ... وبعدها رحلت ..
***********************
في حجرة رهف كانت تتصاعد أنفاسها الرتيبة .. وقد أسبلت عيناها في سلام ...
اقترب رائف ببطء ... وجلس على الكرسي الذي بجوار الفراش بعد أن قربه أكثر .. ثم التقط يد رهف ... وفي تلك اللحظة .. بكى ...
نظرت غادة إلى أخيها الحنون بألم ... ما أصعب أن يبكي الرجل ..
لم تتمالك نفسها هي الأخرى فاستدارت لتخفي دموعها .. بينما أخذ صدر والدتها يئز من خلفها ...
رفع رائف بصره إلى والدته المكلومة ... فتعالت شهقاتها وهي تقول بصوت ضعيف :
- من يواسيني فيها ؟؟ لقد بدأت أفقد الأمل ..
أغمض رائف عينيه .. كم تحرقه هذه العبارة .. أيترك رهف ترحل وهو ينظر إليها دون حراك ؟؟
أيترك ذلك القلب المرهف المعطاء دون مساعدة ؟؟ لماذا يشعر بالعجز ؟؟ ألأن الجميع من حوله عاجز ؟؟ ولكن الله لا يعجزه شيء .. وهو يملك أن يعيد رهف إلى أحبائها في طرفة عين .. فلم اليأس ؟؟
فتح عينيه وقد تسرب بعض الأمل إلى قلبه .. ونهض ليحتضن والدته ويجلسها مكانه وهو يقول :
- أماه لا تيأسي من رحمة الله .. ادعي لها فدعاء الأم مستجاب .. ولن يخيب الله رجائك .. صدقيني ..
- هل ستعود يا رائف .. كن صادقا أرجوك .. لا أريد أن أتشبث بخيوط وهمية ..
- الله وحده يعلم يا أمي ... لكنك يجب أن تتشبثي بالأمل مهما كان ضعيفا ... ومن أحسن الظن بالله أعطاه الله على قدر ظنه ... عن إذنك الآن .. أريد أن أتحدث إلى الطبيب ..
ودار حوار طويل تناهى إلى مسامع غادة وأمها .. لكنه كان بالإنجليزية .. لذا قالت الأم لغادة :
- ماذا يقولان ؟؟؟
- بالكاد أفهم يا أمي .. لكنني أظن أنهما يتناقشان حول مدى أهمية بقاء رهف هنا ..
وعاد رائف وقد اعتلاه بعض الهم .. لكنه تماسك أمام والدته قليلا وقال :
- الطبيب يقول انه بإمكاننا نقلها للبيت لأنها ستتلقى عناية أكبر هناك بين أهلها ..
هتفت غادة :
- ولكن ..
نظر رائف إلى غادة خلسة نظرة أفهمتها أن تصمت .. فبترت عبارتها وهي تنظر إلى رهف بحزن ..
وقالت الأم :
- ومتى سيكتب لها الخروج ؟؟
- اليوم إن شئت يا أمي ..
- هذا أفضل .. فأنا لا أشعر بأنها مرتاحة هنا ...
- إذن سأخبر الطبيب بموافقتك ..
خرج رائف فلحقت غادة به .. وما إن أغلقت الباب خلفها حتى قالت :
- رائف ماذا قال لك الطبيب ؟؟
استدار رائف وألقى عليها نظرة ثم أرخى عينيه وهو يقول :
- أظنك قد فهمت .. لكنني خشيت أن تتحدثي أمام أمي .. فتفهم هي الأخرى ..
حملقت غادة في رائف وقد امتلأت عيناها بالدموع .. ثم أسندت يدها إلى الحائط وهي تتمتم :
- إذن .. فلا أمل ؟؟
- كلا .. أنا لم أقل ذلك .. لكن الطبيب يقول بأنه ليس في مقدورهم فعل شيء لها بعد الآن .. ووجودها في المشفى لا داعي له ..
- ما الفرق ..
- فرق كبير يا غادة .. فالطب هو الذي عجز فقط ... لكن هناك من لا يعجزه شيء .. لا تنسي ..
******************
مضت عدة أيام عاد فيها الاستقرار إلى البيت ..
قلما كانت غادة تخرج في تلك الفترة .. فليس هناك سوى الذهاب إلى الجامعة والعودة منها ..
بينما تفانت والدتها في العناية برهف .. وكانت شغلها الشاغل ...
دخل رائف ذات يوم على غادة في حجرة الجلوس فوجدها تتحدث إلى سامية بالهاتف .. وسرعان ما أغلقت السماعة إذ لم تكن تحب أن يستمع إليها أحد ..
جلس رائف أمامها ووضع إحدى قدميه على ركبة الأخرى .. وتظاهر بالشدة وهو يقول :
- مع من كنت تتحدثين يا بنت ؟؟
تجاوبت غادة معه وهي تتظاهر بالخوف والارتباك وقالت :
- مع مع .. مع سديكتي ..
- هههههههه .. اسمعي جئت لأستشيرك في أمر ..
- ما هو يا حضرة القاضي ؟؟
- فكرت في أن آخذكم معي إلى بريطانيا .. أنت تكملين دراستك بينما تعالج رهف .. فربما يستطيعون فعل شيء لها هناك..
- أممممممم .. إنها فكرة غريبة وصعبة .. لكنها ليست مستحيلة ..
ثم غمزت بعينها وهي تقول :
- أشك في أنك تفعل ذلك لمصلحتنا .. كل ما تريده هو أن تأنس بنا فقط ..
- يالك من سيئة .. لا أخفيك أن الوحشة شيء مريع وقاتل .. وقد جعلتني أفكر في الزواج كثيرا لكن أ ...
بتر عبارته حين سمع شهقة غادة ورأى عينيها تتسعان فجأة .. فقطب حاجبيه وقال :
- ماذا هناك ؟؟ هل رأيت جنيا ؟؟
قفزت غادة من مكانها وهي تقول :
- بل خطرت ببالي فكرة مدهشة .. اسمع .. لدي عروس تفوق كل المقاييس التي قد تضعها .. تلك التي كنت أتحدث إليها قبل قليل .. إنها تتمتع بمواصفات تتناسب مع شخصك الكريم بشكل مذهل و ....
أخذت غادة تصف فتاة الأحلام وهي ترفع يدها وتخفضها وتأتي بحركات تمثيلية مضحكة بينما راح رائف يراقبها بهدوء .. ثم تسللت يده إلى شيء ما و ...
سلاشششششششش ..
تسمرت غادة في مكانها وهي تنظر مبوهتة إلى يد رائف التي تحمل الكاميرا .. ثم صرخت بغيظ وهي تقول وسط ضحكات رائف :
- لم فعلت هذا ؟؟؟ هااااااااه ... تبا لقد أفسدت علي فرحتي ...
ثم ألقت بجسدها على الأريكة بينما استمر رائف يضحك حتى كاد أن يستلقي وهو يقول :
- ستكون صورة رائعة بحق .. وسأريها للعروس يوم الزفاف وأقول لها : هذه غادة أثناء وصفها لك ...
طوحت غادة بإحدى الوسائد تجاه رائف ثم غادرت الغرفة وهي تقول :
- لا تحلم بأن أخطبها لك .. حتى تقبل قدمي اعتذارا ...
شيعها رائف بنظرات الوداد .. ثم همس لنفسه :
- أخيرا عدت يا غادة ..... الحمد لله ..
************************************************
ابو الدحم
19-07-2005, 12:26 PM
sad angel
ftm ftm
الوردة السوداء
اشكركم على متابعتكم وردودكم
اتمنى ان تعجبكم التكملة
وآسف على التأخير
ftm ftm
19-07-2005, 01:56 PM
sad angel
وآسف على التأخير
وين اصرفها هذي?!!!:12:
بس يلا بسامحك عشان كسرت خاطري بس:09: :D
يعطيك العافية .القصة روعة .ورائف اروع:love: :D
ومشكور اويد بس مو طول علينا مرة ثانية.
اختكم فطوم:flowers1:
sanra bullock
20-07-2005, 07:24 PM
قصة روعة بتجنن
:) :D
وبإنتظار التكملة على احر من الجمر
ابو الدحم
21-07-2005, 06:40 AM
الجزء الثامن و العشرون(مستحــيل) ....
غادرت غادة بوابة الجامعة في عجل و هي تتمتم:يا إلهي لقد تأخرت..لابد أن رائفاً غاضب جداً مني الآن..
لقد كان الشارع المقابل لبوابة الجامعة مكتظاً بالسيارات..لذا ألقت غادة نظرات متفحصة على تلك السيارات القابعة هنا و هناك...و همهمت في ضيق:أين هو؟..و أنا التي كنت أظن أنه ينتظرني..
ألقت نظرة على ساعتها و من ثم تنهدت في حنق و هي تكرر:عجباً أين هو؟
دارت غادة ببصرها مجدداً..حتى وقع نظرها على سيارة بيضاء تبعد عنها بضع أمتار..
دققت النظر إليها...و من ثم اكتست ملامح وجهها بمزيج من الاستنكار و القلق..و دب في أعماقها سؤال يبحث بإصرار عن جواب:هذه سيارتنا..إنني أرى حسينا هناك..عجباً! أين رائف؟..فمنذ عودته و هو يصر أن يقلني إلى كل مكان..حتى أنه يوصلني إلى الجامعة..و يعود لاصطحابي حالما أنتهي ..ربما أتى حسين هذا من تلقاء نفسه..علي أن أتصل برائف...
ضربت أصابع غادة رقم هاتف رائف المحمول في عجل..انتظرت بضع لحظات ثم قالت في حنق:يا إلهي هاتفه مقفل..لابد أن ذلك الكسول ما زال نائماً..لا يهم علي أن أمضي إلى بيتنا فشمس الظهيرة حارقة..
مضت غادة تجر الخطى بين الزحام نحو السيارة البيضاء..و ما أن وصلت حتى رمت بحقيبتها جانباً بينما ألقت بجسدها على المقعد الخلفي..عندها تحركت السيارة و انطلقت مسرعة..
التفتت غادة نحو حسين و قالت بلهجة آمرة:حسين..شغل أحد أشرطة الأغاني التي وضعتها في ذلك الصندوق الأمامي..
-عذراً يا آنسة..لا يوجد أي منها..
-ما الذي تقوله؟..لطالما كانت هنا..أو أضعتها..؟
-كلا و لكن السيد رائف تخلص منها..
-رائف؟..تخلص منها ؟
-نعم يا آنستي كلها..
-هكذا إذن..لا بأس..على كل لا تسرع..
-حسناً آنستي..
تنهدت غادة بقوة و هي تهمس لنفسها قائلة:يبدو أنك فعلاً تغيرت يا رائف..لكنني لا أستطيع أن أصدق ذلك..سبحان الله..رائف الذي كان ما أن ينزل شريط لأحد المغنين في الأسواق إلا و يسرع لشرائه يفعل ذلك..سبحان مغير الأحوال..ليتني أملك نصف قوته..نصف عزيمته..أتراني أملك القوة على تغير حاضري؟..كفاك هراء يا غادة هذا أمر شبه مستحيل..كلا..رائف استطاع ذلك..فلم لا أستطيع أنا؟..كل ما ينقصني هو الإرادة..ليتني أجدها...
لمحت غادة طيف مكتبة من بعيد..و صرخت:حسين توقف..
-ما الأمر آنستي؟
-أريد دخول تلك المكتبة..
-حسناً آنستي..
رغم أن غادة لا تحب القراءة..إلا أنها كانت تنوي شراء كتاب حتى تقرأه على رهف..لا تتعجبن..فقد سمعت غادة من إحداهن أن بعض المصابين بالغيبوبة بإمكانهم سماع ما يدور حولهم..و لكن ليس بوسعهم الاستيقاظ...و بالرغم من أن غادة لم تكن تعلم مدى صحة هذه المعلومة..أو ما إذا كانت أختها من هذا الصنف أم لا..إلا أنها أصرت على شراء كتاب.. ربما بدافع الأمل..
أو الأخوة..
أو الإحساس بالذنب..
*************************
دلفت غادة إلى منزلها..و كعادتها ما أن دلفت حتى صرخت بجل صوتها:ماذا طبختي اليوم يا أماه؟..أكاد أتضور جوعاً..
و لكنها لم تتلق رداً..
وضعت غادة جلبابها على أحد المقاعد و هي تنادي:أمي..رائف..أين أنتما؟
أقبل رائف نحوها يجر الخطى..فاقتربت هي منه بدورها في عجل و هي تقول:هكذا تتركني انتظر..لم لم تأتي لاصطحابي يا أخي الكسول..؟..هل النوم أهم مني؟..أم ماذا كنت تفعل..؟
رمق رائف غادة بنظرات لم تعهدها..فاستدركت تلك الأخيرة قائلة:رائف ما بك؟..آسفة إن كنت أزعجتك بكلامي..
لكنه لم يحرك ساكناً..فعقبت غادة في عجل:رائف هل أنت مريض..؟
زفر رائف زفرة حارة..و قال بصوت مخنوق :غادة أريد أن أخبرك أمراً..
ابتسمت غادة و هي تقول:قبل أن تفعل..أريد أن أخبرك بأمر مهم..لقد اشتريت كتاباً لأقرأه على رهف..أظنك تعدني غبية..صحيح..اسمع إذن..
قاطعها رائف قائلاً:غادة ما عاد ينفع هذا..
تغيرت ملامح غادة فجأة مع تلك الدمعة التي هطلت من عين رائف...و سألت في قلق: مم..ماذا تقصد؟
-غادة..أنت مؤمنة..و المؤمن مبتلى...و يؤمن بأن ما أصابه لم يكن ليخطـ
-رائف... ما الذي تريد أن تقوله؟
-غادة..رهف..رهف
ازداد قلق غادة و ارتفع صوتها و هي تقول:ما بها رهف؟
-...................................
-لا تصمت بالله عليك ما بها رهف..؟
-غادة..رهف توفيت منذ ساعتين..
-أ هذه مزحة سمجة؟..أنت تمزح صحيح..؟
ازداد صوت رائف اختناقاً و هو يقول:عظم الله أجرك يا غادة..
أطلقت غادة ضحكة عصبية و هي تعقب في توتر شديد:كف عن هذا يا رائف؟..قل لي أنك تمزح..أنت تحاول إخافتي فحسب..
-........................
قالت غادة في عصبية: هيا قل لي أنها مزحة ثقيلة..
-ليتها كانت كذلك يا غادة..ليتها كانت كذلك..
-مستحيل ..أنت تكذب علي..
-رهف ماتت يا غادة..
-كلا..لم تمت..أنت تكذب علي..
-ماتت يا غادة..ماتت..
صرخت غادة وهي تتراجع في ذعر إلى الخلف:مستحيل..مستحيل..مستحيل..
تسمرت غادة في مكانها للحظات مع حروف كلماتها الأخيرة..بدت كتمثال جامد..بلا روح..بلا وميض..
و من ثم ألقت نظرة على وجه رائف المبلل بالدموع..و إن كان يحاول جاهداً أن يخفيه عنها..تسارعت أنفاسها..هل هذا ممكن؟..هل رهف ماتت؟..مستحيل...
أدارت غادة ببصرها نحو باب غرفة رهف..و ركضت نحوه..بسرعة جنونية..و كلها أمل..أو أحلام أقنعت نفسها بها..
نادها رائف من خلفها:غادة توقفي..
لكنها لم تستمع إليه..تعالى هتافه و لكن دون جدوى..فركض بدوره خلفها..و وصلت غادة إلى باب الغرفة.. فتحته بقوة حتى ارتطم بالجدار..و توقفت...و من خلفها توقف رائف..بينما علا صوت بكاء مكتوم من جانب سرير رهف..دققت غادة النظر..إنها والدتها..تلك المرأة التي كان صدرها يعلو و يهبط بقوة..تلك المرأة التي بدت أشبه بورقة تتأرجح بقوة في وسط العاصفة...يغلفها صوت أنين..و دموع بلا نهاية..
اقتربت غادة ببطء شديد..بطء امتزج بالخوف..و الرجاء..
خطوة تجر خطوة..
و أخيراً وصلت..لترى جسداً نحيلاً يرقد على فراش أبيض و بلا حراك..
ابتسمت غادة و هي تتحسس أطراف رهف الباردة مما جعل رائف يهتف قلقاً و بصوت مبحوح:غادة هل أنت بخير..؟
التفتت إليه غادة و هي ما زالت تحمل ابتسامتها تلك..و من ثم أدارت ببصرها نحو والدتها..و جثت على ركبتها بقربها و هي تقول:لم البكاء يا أمي؟..فرهف نائمة فحسب
ازدادت دموع الأم في الهطول..
فوضعت غادة كفها على وجنة أمها المبللة بالدموع..و هي تكرر:أمي صدقيني..رائف هذا لا يعرف شيئاً رهف نائمة فحسب..
أمسكت الأم بكف ابنتها و هي تقول بصوت بالكاد تستطيع تميز كلماته:رهف ماتت يا غادة..لقد ذهبت و تركتنا..لن نسمع صوتها مجدداً..انتهى كل شيء..كل شيء..لقد غابت كما تغيب الشمس..و لن تشرق في دنيانا ثانية..
سحبت غادة يدها في حركة حادة و قد تغيرت ملامح وجهها و قالت في حدة:كلا يا أمي إنها نائمة..رهف لم تمت..
تطلعت الأم إلى ابنتها في حزن شديد..بينما صرخت غادة:لم هذه النظرات..أختي لم تمت..
استدارت غادة نحو رائف الذي كان يراقبها في حزن مستنجدة:أخبرها يا رائف..أخبرها بأن رهف نائمة فحسب..
أطلق رائف زفرة حارة أقوى من سابقتها و هو يقول:غادة..تعالي معي..
وقفت غادة في عصبية و هي تردد:إذن أنتما لا تصدقاني..سأثبت لكما ذلك..
و انطلقت غادة نحو سرير رهف و بدأت في هز جسدها بقوة و هي تخاطبها:رهف حبيبتي استيقظي..أخبريهما أنني على صواب..
هيا رهف استيقظي..
أفيقي بالله عليك..
كفى مزاحاً.. هيا رهف..
لم لا تردين علي..؟
لم جسدك بارد هكذا...؟
أطلقت الأم شهقة فزع مكتومة..بينما اقترب رائف بسرعة من غادة..و قد بلغ به القلق مبلغه و خاطبها:غادة كفي عن هذه التصرفات بالله عليك..هيا معي..
لكن غادة لم تجبه بل تابعت حديثها إلى رهف و قد بدأت تفقد السيطرة على كبح دموعها:
-رهف..أفيقي أرجوك..إن أفقت سأفعل ما تريدين..سأنفذ كل أوامرك..أعدك..بل أقسم لك..رهف بالله عليك أفيقي..
ازداد قلق الأم و بكاؤها في آن واحد..مع هطول دموع غادة..فما كان من رائف إلا أن أمسك ذراعي غادة بقوة و هو يصرخ:غادة..كفى هيا بنا..
صرخت غادة بدورها:دعني يا رائف..لا أريد أن أذهب لأي مكان..سأبقى هنا لأقرأ على رهف ذلك الكتاب..أنا واثقة أنها ستفيق حالما أقرأه عليها..صحيح يا رهف..؟لم لا تجيبيني؟..لم لا تردي علي؟..أرجوك يا رهف..لا تتركني وحدي..
طوقها رائف بذراعيه فقد بدا أنها قد فقدت صوابها بالفعل و هو يكرر قائلاً:هيا بنا يا غادة..
حاولت غادة أن تتملص منه بكل ما تملك من قوة و هي تصرخ بجل صوتها:اتركني لن أذهب إلى أي مكان..رهف ..قولي له أن يدعني.. هل تسمعينني؟.. لا تقلقي..لن أجعلهم يضعوك تحت التراب..أنا واثقة من أنك ستستيقظين قريباً..هيا رهف..هيا
-غادة..توقفي بالله عليك..رهف ماتت
-دعني يا رائف دعني..اتركني أيها الكاذب.. رهف لم تمت..
أحكم رائف تطويق غادة..و بدأ يجرها بعيداً..بينما صرخت تلك الأخيرة..:دعني يا رائف..اتركني..أمي قولي له أن يدعني..أمي أخبريه بأن رهف ستفيق..رهف..أختي..لن أنعتك بالبدينة بعد الآن..لن أتهمك بالتخلف..سأفعل ما تريدين فقد عودي...عودي إلي..كفي عن الصمت بالله عليك..
أشاحت الأم ببصرها بعيداً نحو ذلك الجسد النحيل البارد..
بينما احمرت عينا غادة من البكاء و هي تردد:دعني رائف ..لا أريد أن أغادر..لا أريد..
صرخ فيها رائف و هو يحاول إخراجها من غرفة رهف:غادة بالله عليك أفيقي لنفسك..
و مع حروف كلماته الأخيرة..أدارها رائف نحوه بقوة..و أمسك كتفيها بشدة و هو يقول في حزم:غادة انظري إلي..
أجابته غادة بصوت مخنوق:ماذا تريد مني بعد؟
-انظري إلي..
-ها أنا أفعل..هلا تركتني الآن أعود..فربما أفاقت رهف في أي ثانية..
أمسك رائف بكوب ماء كان على طاولة بجواره..و أفرغ محتواه في وجه غادة لعلها تعود إلى رشدها..
تسمرت للحظات..بينما علا صوت شهقاتها المتتابعة..حتى لم تعد تستطيع أن تحمل نفسها
فجثت على ركبتيها..و رمت بنفسها على الأرض و هي تبكي بحرقة..
تبكي رفيقة طفولتها..
و صديقتها الأولى..
و أختها الكبرى..
اقترب رائف منها..و مسح بيده على شعرها و هو يهمس:غادة..عليك أن تتقبلي موت رهف..عليك أن تصدقي ذلك..و أن تواجهيه بإيمان..و صبر..
نظرت غادة إلى رائف و قد انتفخت عيناها من كثرت البكاء و هي تردد بصوت مذبوح:لا أريد أن أصدق..لا أريد أن أصدق..أنا السبب..
نعم أنا السبب..
*******************
ابو الدحم
21-07-2005, 06:41 AM
الجزء التاسع والعشرون : استيقظي يا غادة ..</B>
مضت الأيام التالية .. كئيبة قاسية .. كانت من أصعب المراحل التي شهدتها غادة في حياتها .. لم تستطع تحمل فكرة أن رهف تغسل الآن في الدور السفلي أو أن جنازتها تمضي بجسدها إلى غير رجعة .. حيث سترقد وحيدة تحت الأرض التي ما زالت غادة تمشي عليها ..
هاهما تفترقان دون سابق إنذار .. دون كلمة وداع أو حتى نظرة أخيرة .. كل ذلك جعل غادة تشعر أن موت رهف مجرد حلم .. وهم يعيشه خيالها المريض في إحدى نوبات الهستيريا التي كثرت في الآونة الأخيرة ..
غص البيت في تلك الأيام بالأقارب والأصحاب الذين قدموا من كل صوب للتعزية .. لكن غادة لم تسمح لأحد برؤيتها أو دخول معتزلها المظلم إلا رائف وسامية .. حتى أمها تجنبت الالتقاء بها لكيلا تستمع إلى مواعظ التقاليد والعيب وغير ذلك ..
كانت سامية أكثر شخص أسندت غادة إليه ظهرها الضعيف .. خصوصا وقد كثفت هذه الصديقة الوفية زياراتها في فترة العزاء لتساهم في إعداد المكان وتهيئته للزوار الكثر ..
مضت الأيام تلو الأيام وغادة لا تكاد تخرج من دائرة الكآبة والحزن والتشاؤم .. أصبحت الحياة في نظرها على حافة الهاوية .. فربما يخطفها الموت هي أيضا على حين غرة .. كما خطف رهف اليانعة المليئة بالآمال والحب والحماس ..
واقتربت عطلة رائف من نهايتها .. لكنه كان يتجنب فتح الموضوع خوفا من ردات الفعل .. إضافة إلى أنه كان يفضل التضحية بمشواره الدراسي الذي قطعه في سبيل البقاء مع أمه .. وربما كفرت هذه التضحية عن خطأه في تركها سنتين كاملتين دون عائل ..
ذات يوم طرق رائف الباب على غادة فسمع صوتها الضعيف يأذن له بالدخول .. فتح الباب برفق ودلف إلى الداخل دون كلمة .. أسند ظهره إلى الباب وراح يطالع غادة وهي تعتمد بوجهها على كفيها وقد التصقت بجهاز التسجيل الذي كان شريط رهف يدور فيه ..
اقترب رائف فاعتدلت غادة في جلستها دون أن تنظر إليه .. وأغلقت الجهاز ثم التقطت وسادة صغيرة طوتها في حجرها واتكأت عليها .. وقد غرق وجهها بالدموع ..
جلس رائف على حافة السرير وهمس :
- أما زلت تعيشين الماضي ؟؟
- ليس لي إلا ذلك ..
- لماذا ؟؟
- لأنه لم يعد لي غيره .. ولا أريد سواه ..
- غادة .. إن كنت تظنين أنه لم يعد هناك جدوى من حياتك فنحن نعتقد غير ذلك .. نحن بحاجة إليك يا غادة ..
نظرت غادة إلى أخيها غير مصدقة ما يقول وهمست وهي تضيق عينيها :
- من الذي بحاجة إلي ؟؟ ماذا أشكل في حياتك أو حياة الآخرين ؟؟ يمكنك أن تتزوج وتسافر وتأخذ أمي معك .. ماذا سينقصك إن لم أكن معكم ؟؟ يمكن لصديقاتي أن يتابعن حياتهن دوني .. يمكن لعادل أن يجد له رفيقة أفضل مني .. حتى سامية ستتزوج يوما ما وتبتعد عني .. وربما تنساني كذلك .. ما أنا ؟؟ لاشيء .. لن يتغير شيء في الوجود إن مت .. لربما كانت رهف أنفع للآخرين مني .. ليتني مت بدلا عنها .. ليت الأمر كان بيدي ..
امتعض رائف بشدة مما سمع .. لكنه كبت غيظه وأمسك كف غادة برفق وهو يقول :
- أولا .. يجب أن تستغفري الله مما قلت .. فأنت لست أعلم من الله بأمور خلقه .. لقد اختار الله رهف إلى جانبه ولم يخترك لحكمة ما .. لا نستطيع أن نخمن ما هي هذه الحكمة لكن علينا أن نؤمن إيمانا مطلقا بأن الحكمة من ذلك عظيمة .. وعلينا أن نسلم بما حدث ونرضى ونحمد الله على كل حال ..
ثانيا .. الله عز وجل لا يخلق شيئا عبثا .. عليك أن تثقي بأن الله خلقك وأنعم عليك بعمر أطول من عمر رهف لا لتتمني الموت وتستسلمي للسلبية والتشاؤم بل لتؤدي دورا مهما لا يستطيع غيرك أن يؤديه .. وحتى لو كان الأمر بيدك فأمت نفسك وأحييت رهف لتؤدي دورك بالنيابة فهي لن تستطيع .. لأنها لم تخلق لذلك .. فكل ميسر لما خلق له .. ربما لم تعرفي ما هو دورك بعد .. لكن عليك أن تثقي بكينونته .. وتسعي للاهتداء إليه وأدائه على أكمل وجه ..
صدقيني يا غادة نحن بأمس الحاجة لك .. إن تخليت عنا فكيف نشعر بجو العائلة ؟؟ تخيلي كيف سيكون حال أمنا لو فقدتك أنت الأخرى ؟؟ وأنا .. إلى من سألجأ إن احتجت إلى قلب كبير يفهمني ويفهم رغباتي ويحتوي مشاعر الأخوة في ؟؟ لماذا ترفضين تصديقي حين أخبرك بأنني كنت كالضائع في الغربة بدونكم جميعا ؟؟ غادة .. هل تنصتين إلي ..
شرقت غادة بالدمع .. وهي تستمع إلى كلمات أخيها الرقيقة .. أحست بأنها انتشلتها من بين ركام الألم الذي حرمها حتى من التفكير السليم .. كان رائف يحاول كل يوم أن يوقظها من حالتها البائسة .. لكنها كانت تصمت وتصم أذنيها .. فيخرج رائف من حجرتها يجر أذيال الخيبة .. لكنها اليوم تشعر بأنها قادرة على فهم الكلمات جيدا .. لقد نفذ صوت رائف إلى أعماقها المظلمة كشعاع ساخن ..
نظرت إلى الشريط ثانية .. ثم تمتمت :
- كلكم تقولون ذلك .. أنت .. وسامية .. ورهف أيضا .. حتى عادل قبل أن يتركني كان يقول ذلك ..
صمتت قليلا ثم تابعت :
- رائف .. أنت تعلم عن هذا الشريط .. صحيح ؟؟ سبق أن أسمعتك إياه ..
- أجل ..
- لا أدري ما أقول لكن .. أود أن أفعل شيئا من أجلها .. وكلما أحسست بهذه الرغبة أجدني أعود للاستماع إلى الشريط وكأنه وصيتها التي تركتها لنا دون أن تدري أنها كذلك .. لكنني بعدما أنتهي أشعر بالتيه .. ولا أعرف من أين أمسك بالخيط ..
رائف .. أتكون الحكمة من موتها هي هدايتي أنا ؟؟
ضغط رائف على كفها برفق وقال وهو يثبت عينيه على عينيها :
- ربما .. لو كانت هذه هي الحكمة فهي كافية .. ألا تظنين أن إنقاذك من النار أمر عظيم ؟؟ لكننا مهما بذلنا من جهد فلن يستطيع عقلنا القاصر فهم هذه الأمور .. كما أنني لا أريدك أن تعودي إلى عقدة الذنب هذه ..
بكت غادة بحرقة وهي تقول :
- كيف تقول بأن ذلك كاف ؟؟ كان بإمكاني أن أستقيم دون أن تموت رهف ... أتضحي بعمرها وأحلامها من أجلي أنا ؟؟ لماذا يضحي الجميع من أجلي بينما لا أهتم أنا سوى بنفسي .. أنا لا أستحق عمر رهف لا أستحقه ..
- غادة ما الذي تقولينه ؟؟ أرجوك أن تتوقفي عن الإحساس بأنك السبب في موتها .. سيقودك هذا الإحساس إلى إغضاب ربك .. وافناء عمرك في لاشيء .. رهف ماتت لأنها كانت مريضة بالقلب لا لأنك كنت عاصية ..
زفر رائف بقوة وقد مل من مماراة غادة كل يوم دون جدوى .. ثم قال :
- فكري بأنك لو استقمت من الآن فستنال رهف أجر كل حسنة تقومين بها .. فكري كم سيرفع ذلك من درجاتها عند الله .. ألا تشعرين بالسعادة إذا فكرت بأن رهف تعيش الآن في قصر مليء بكل المتع تحيط به الحدائق الغناء والأنهار والشلالات ؟؟ ألا تسعدين إذا علمت أنها في هذه اللحظة تغني تحت ظل شجرة ذهبية وتداعب الطيور وتأكل ما لذ وطاب من الطعام .. ؟؟ لم لا تساعدينها على الوصول إلى كل ذلك بدلا من البكاء والتسخط طيلة الوقت ؟؟
تعجبت غادة مما سمعته وقالت :
- أأستطيع ؟؟
- بالتأكيد .. الميت لا يصله من الأعمال سوى أربعة أشياء .. وكلها في وسعك عملها : الحج والعمرة والصدقة والدعاء .. هل هناك أبسط من ذلك ؟؟ ..
صرخت غادة وكأنها وجدت كنزا :
- أحقا ما تقول ؟؟
ابتسم رائف وقال :
- أقسم على ذلك ..
سرحت غادة قليلا وقد لاحت على شفتيها ابتسامة مضيئة وأشرق وجهها بالبشر .. ثم أمسكت بيد رائف بقوة وقالت :
- اشهد علي إذن أنني لن أتخلى عنها ما حييت .. كن لي عونا يا رائف .. وذكرني بعهدي كلما نسيت .. وادع الله أن يتقبل مني .. وأن يتوب علي ..
اغرورقت عينا رائف وقال :
- الحمد لله ..
لكن العبرة خنقته فلم يتمكن من المتابعة .. نهض من مكانه وغادر الحجرة مؤجلا موضوعه الذي قدم من أجله إلى وقت آخر ..
ابو الدحم
21-07-2005, 06:54 AM
sanra bullock (http://www.montada.com/member.php?u=234918) http://images.montada.com/statusicon/user_offline.gif vbmenu_register("postmenu_3791118", true);
أشكرك على المرور
وأتمنى أن تكون التكملة أعجبتك
sanra bullock
21-07-2005, 02:20 PM
التكملة روعة وعجبتني كتير :)
وانا متابعة القصة لحد ما اتخلص:biggthump
ftm ftm
21-07-2005, 06:51 PM
:jap005:
الله يرحم رهف:cray:
الحمدلله ان غادة اهتدت.
انا قايلة رائف هذا خوش ريال:D
يعطيك الف الف عافية ابو الدحم :)القصة غرااام :biggthump
وناطرة الباقي :bigeyes:
Thanks Again
اختكم فطوم:flowers1:
sanra bullock
23-07-2005, 08:19 PM
يلا كمل الباقي pleaseeeeeeeeeeee
القصة كتير حللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللوة
كل شوي بفتح حتى اشوف ازا حطيت جزء جديد :05:
بتمنى تحط الجزء بأقرب وقت لأني بدي اعرف النهاية بسرعة:)
:biggthump
ابو الدحم
24-07-2005, 11:10 AM
ftm ftm (http://www.montada.com/member.php?u=263677)
sanra bullock (http://www.montada.com/member.php?u=234918)
أشكركن على المرور
وأتمنى تعجبكم
حتى النهاية
ابو الدحم
24-07-2005, 11:23 AM
الحلقة الثلاثون (خبر سار؟!)
مضت الأيام تجر الأيام و أحوال غادة في تغير عجيب.. فغادة التي نعرفها باتت شخصا آخر كأنما ولدت من جديد...
لقد أصبحت نقية و طيبة.. مشرقة بنور الإيمان و عبق الهداية..
انطلقت نحو أعماق السكون و الطمأنينة.. كطائر حر يرفرف في فضاء السعادة.. بلا قيود و بلا أحزان.. و ذابت طبقات الجليد.. حتى رأى ذلك البرعم وجه الشمس الضاحك.. فحياها في حبور و بدأ رحلته نحو الحياة.. نحو الحقيقة.. و عبر بر النجاة.. و بدأ يفهم معنى الوجود.. و قرر أن ينمو تحت سماء الشريعة الإسلامية السمحة.. بعزيمة و إرادة لا تهدها جبال و لا تضعفها عواصف..
و مع بداية رحلة غادة إلى النور رافقتها سامية..تنصحها و توجهها...تشجعها و تشد من أزرها..حتى أصبحت سامية صديقة غادة المقربة و الحميمة...
أما رائف فقد كان السوار الذي أحاط بغادة ليذكرها و يعينها.. و ليشحذ عزيمتها و إرادتها التي ازدادت قوة يوماً بعد يوم...
و فتحت أبواب السعادة لغادة.. و شع قلبها بالنور و الرضا و الراحة.. و كأن مياه الينابيع الجبلية العذبة الباردة تتدفق في عروقها لتكسبها حيوية و نشاطاً و أملاً..
أخيراً ذاقت غادة طعم الشهد..بلا مسكنات أو مهدئات...بل بآيات بينات...و بطاعة رب العباد. *****************
ارتفع رنين الهاتف فرفعت غادة السماعة لتجد محدثتها تقولhttp://forum.hawaaworld.com/images/smilies1/smile25.gifهاي) غادة..أين أنت لقد افتقدناك كثيراً..
اعتدلت غادة في جلستها و عقبت قائلة في هدوء:السلام عليك و رحمة الله و بركاته يا فاتن..فهذه تحية الإسلام..
-إذاً ما سمعته كان صحيحاً؟!
-و ماذا سمعت يا فاتن؟
-هكذا يا غادة كيف استطاعوا أن يغسلوا دماغك ؟!.
-ما الأمر... لم كل هذه العصبية؟!
-كيف سمحت للمعقدين بجذبك في صفهم؟!
-معقدين؟!
-نعم..معقدين...يظنون أنهم ما زالوا يعيشون في العصر الغابر..
-كفي عن ذلك يا فاتن..بل هم الأذكياء..السعداء..الذين اتبعوا طريق النجاة...طريق الحبور و الأمان..
-ماذا؟!..هل أنت على ما يرام..؟
-لم أكن يوماً أحسن مني الآن..
-أنسيت أي سعادة كنت تجدينها برفقتنا؟!
-لقد كانت سعادة زائفة...ترسم ضحكات مقنعة على الوجوه ..و تدمر في الأعماق ألاف المعاني و الحروف..
-أوتريدين أن تتخلفي عن ركبنا.. ركب الرفاهية والتطور..!؟
- عزيزتي .. قد كنت مثلك في السابق... ولكنني حينما اقتربت من هؤلاء الناس وجدت ما لم أجده معكن..وجدت السكون الروحي الذي أعاد إلى قلبي نبضاته...استبدلت الأغاني الماجنة بكلام عذب صافي..بكلام الله عز وجل...استبدلت الثياب القصيرة الفاحشة بثياب فضفاضة و أنيقة...و بدأت أقرأ و أقرأ..فأحببت العلم الذي دعا إليه ديننا الحنيف.. العلم أساس و بداية.. و الإسلام ينبوع يتدفق بلا نهاية.. نحو مجد و حضارة.
--ذلك عهد انقضى..
-لم لا نجدده يا فاتن؟!..فباب التوبة ما زال مفتوحاً..
-إياك أن تبدئي يا غادة..أوستنصحينني أيضاً..!
-أريد الخير لك يا فاتن فأنت صديقتي لسنوات طوال..
-لقد كنت صديقتك..و بيدك الآن أن تحافظي على هذه الصداقة أو تدمريها..
-فاتن!
-إما نحن و إما المعقدين..
-................................
-لم الصمت..؟..فيم تفكرين؟..نحن أم هم؟
-الأمر لا يحتاج للتفكير كل ما في الأمر أن شريط حياتي مر سريعاً أمام عيني.. كم كنت قاسية و فظة مع أناس كثيرين..
-ماذا تعنين؟
-لقد استعدت نفسي يا فاتن و لن أبعثر كرامتها بمعاص و مجون..
-هكذا إذن.. لا نريد أن نراك ثانية يا غادة..
-فاتن..اسمعــــــ...
أغلقت فاتن الخط قبل أن تكمل غادة كلامها.. و مضت اللحظات و غادة تمسك بسماعة الهاتف..و إذا بصوت يجذبها من سرحانها قائلاً:حسناً فعلت يا أختي..
وضعت غادة سماعة الهاتف جانباً بينما اتسعت ابتسامتها و هي تقول:منذ متى و أنت هنا؟..
كان رائف متكأً على باب حجرة غادة عندما وجهت إليه سؤلها السابق..فدلف إلى حجرة أخته بخطى واثقة و هو يقول: يخيل الي أنك لست نادمة على ما فعلته للتو..؟!
-ربما شعرت بالندم فعلاً..لكنه ندم على أيام ضيعتها لهواً..و على أناس مزقت قلوبهم بقسوة.
-من تقصدين بكلامك..رهف أم عادل؟
-عادل..أدعو الله أن يرزقه فتاة صالحة تستحقه.. أما رهف فأدعو الله أن ينير قبرها و أن يجعله روضة من رياض الجنة..
-لم تجيبني يا غادة..
-سأحتفظ بالإجابة لنفسي..هل لديك مانع..؟
-كلا..هل يستطيع أحد في هذا البيت أن يقول لغادة لا..
-ذلك لأنني أملك شخصية قوية و إحساسا مرهفاً..
-كوني واقعية رجاء..
-أتريد أن أثبت لك..
-ممممممممممممم..حسناً ..
-منذ عدة أيام و أنت تعرج على غرفتي..
-هذا أمر طبيعي..أنا أخوك و قلق عليك..
-دعني أكمل ..
-حسناً...حسناً لا تغضبي و ماذا بعد..
-أنت تريد أن تحدثني بموضوع ما و لكنك محرج..مرتبك..لست أدري..
-يا لك من فتاة كيف شعرت بهذا..؟!
-أنسيت أنني أختك..و أن لي شخصية قوية و إحساساً مرهفاً..
-حسناً أيتها العبقرية في ماذا كنت أريد أن أحدثك؟.
اقتربت غادة من أخيها و هي تضم كفيها خلف ظهرها و ابتسامتها تتسع شيئاً فشيئاً و هي تقول:هذا ما ستخبرني به الآن..
ابتسم رائف بدوره قائلاً:لن أفعل..هيا ارني شخصيتك القوية..
انطلقت غادة إلى باب غرفتها و أقفلته بالمفتاح ثم أشارت بالمفتاح إلى أخيها و هي تقول:إذن لن تغادر غرفتي حتى أعرف ما يدور في بالك..
جلس رائف على أقرب مقعد و هو يعقب:هذا ليس عدلاً..هذا ابتزاز..
جلست غادة قرب أخيها و هي تهمس قائلة:هاك المفتاح..و لكن أخبرني يا رائف ما الأمر؟..قلبي يحدثني بأنه خبر سار..
-غادة..أنت تعلمين أن فترة إجازتي شارفت على الانتهاء..و تعلمين أنني سآخذكما معي أنت و والدتي..و..
صمت رائف للحظات فعقبت غادة في عجل قائلة:و..ما بك رائف أكمل..
-ماذا لو اصطحبت ثلاثة أشخاص معي عوضاً عن اثنين..
-ماذا تعني؟..لا تكلمني بالألغاز أرجوك..
-قبل وفاة رهف كنت تحدثينني عن سامية..و كما سمعت منك أنها فتاة طيبة و خدومة..و أنها ساعدتك كثيراً قبل و بعد وفاة رهف..ففكرت لو..
قاطعته غادة قائلة:هل تنوي خطبتها...؟
التفت رائف إليها التفاتة حادة فعقبت قائلة:هل تنوي خطبتها حقاً..؟
-نعم..إن شاء الله..
-قل أنك جاد في ذلك..
-ما بك غادة..؟
-قلها أرجوك..
-أنا جاد في ذلك..هل ارتحت الآن..
قفزت غادة من على كرسيها و أمسكت كتفي رائف و هي تردد:ألف مبروك يا أخي ألف مبروك..لقد كنت أنوي أن أفاتحك في الموضوع مجدداً لكنني لم أعرف كيف و متى..لقد سهلت علي الأمر كثيراً..حمداً لله ..أخيراً سيعود الفرح إلى بيتنا..حمداً لله..سأذهب لأكلم سامية الآن..
-على رسلك يا فتاة..لم أخبر أمي بعد..
-أوتظنها ستمانع..أنا سأخبرها بنفسي..
-انتظري يا غادة..
لكن غادة التقطت المفتاح من يد رائف و مضت مسرعة نحو غرفة والدتها و رائف يركض خلفها يرجوها أن تتمهل..
و ما أن وصلت غادة إلى باب غرفة والدتها حتى أمسك رائف ذراعها مانعاً إياها أن تطرق الباب قائلاً:مهلاً..لا أريدها أن تعرف الآن.
استدارت غادة نحو أخيها و سألته في عجب:لم...؟
جذب رائف ذراع غادة مجبراً إياها على السير خلفه و هو يقول:ليس هنا.. ستسمعنا أمي..
-و لماذا لا تريدها أن تعرف؟
-ليس الآن..هناك أمر آخر أريد أن استوثق منه قبلاً..
رمقته غادة بنظرة حائرة وعقبت و هي تدلف إلى غرفتها: أي أمر بالله عليك..أ لم تقل أنك تريد خطبة سامية؟!
دلف رائف بدوره إلى الغرفة و من ثم أقفل الباب خلفه بإحكام.. و غادة تراقبه في استنكار و تعجب و قد عقدت ذراعاً فوق الأخرى..
التفت رائف نحوها..و ما أن رأى نظراتها حتى قابلها بالابتسام..
فردت غادة ذراعيها بقوة نحو الأرض و هي تعقب في انفعال:لم الابتسام ؟! أنت تثيرني..
اقترب منها رائف و هو ما زال يحمل تلك الابتسامة.. فأشاحت بوجهها جانباً و تنهدت في ملل و من ثم عادت تنظر إليه و هي تقول:هل لي بتوضيح..؟
توقف رائف أمامها مباشرة و عقب قائلاً:يبدو أنك لا تملكين شخصية قوية و إحساساً مرهفاً فحسب.. بل و فضولية أيضاً..
-أنت أخي و شأنك هو شأني.. أنا لست فضولية.. أفهمت؟!
-أوه.. حسناً.. حسناً لا تغضبي.
-أيهمك حقاً ألا أغضب؟!.
-بالطبع يهمني.. لأنك أختي.. و على الأخت أن تساعد أخاها.. أليس كذلك؟!
-رائف.. اختصر و أفصح..
-أريد أن أعرف رأيها في الأمر أولاً..
-من ؟.. سامية؟!.. بالتأكيد ستوافق فلن تجد أفضل منك..
-أريد أن أعرف رأي سامية و ليس رأيك؟
-رائف؟.. بدأت أغضب.
-أوه كلا..لا تغضبي فأنا بحاجة لمساعدتك أريدك أن تفاتحي سامية بالأمر و تعرفي ردها.
-ألست واثقاً من نفسك؟
-ليس للأمر علاقة بالثقة.. إنها بداية حياة مختلفة و مستقبلية.. و أكبر دليل على ذلك هو أن البعض ينفصلون بعد ارتباطهم و لأسباب غير مفهومة.. مثل ما حدث معك و مع عادل..
اتسعت عينا غادة فجأة فهي لم تتوقع أن يرد اسم عادل في الموضوع.. و من ثم أشاحت ببصرها و هي تتمتم في خفوت:ما حصل بيننا أمر مختلف.. على كل معك حق ليس للأمر علاقة بالثقة في النفس..
بدا على رائف التوتر و هو يجيب:آسف يا غادة..فلم أقصد أن أضايقك.. كل ما في الأمر أن.
قاطعته غادة قائلة: دعنا من الماضي الآن..
-أ هو مجرد ماض بالنسبة لك؟
اخترق هذا السؤال أعماق غادة.. و همست تحدث نفسها ليتني أعرف.. ليتني..و لكنها ردت على أخيها في محاولة للتهرب من الإجابة قائلة:ما قصتك يا رائف؟
-عادل صديقي العزيز..و أنت أختي الصغرى.. لقد كنت أسعد البشر بخطبتكما.. و لكن..
أجبرت غادة ابتسامة بالظهور على شفتيها و هي تقول مقاطعة:يبدو أنك لم تعد بحاجة لمساعدتي..
-حسناً.. حسناً سأصمت..متى ستحدثينها..؟
-متى ما غادرت غرفتي.
-لك ذلك.. إلى اللقاء.
مضى رائف مغادراً تاركاً غادة تعيد في أعماقها ذاك السؤال...
"هل عادل مجرد ماض بالنسبة لي..؟"
"ليتني أدري.."
***************************
ضربت أصابع غادة رقم هاتف سامية بسرعة.. فلقد كانت تهاتفها كثيراً مؤخراً..
و ظلت تمسك السماعة لثوان حتى أتاها صوت محدثتها قائلاً:السلام عليكم..
ابتسمت غادة و هي تجيب:و عليك السلام و رحمة الله و بركاته يا سامية.. كيف حالك ؟
-بخير و الحمد لله يا عزيزتي.
-هناك أمر أريد أن أستشيرك فيه.
-خيراً إن شاء الله..ما الأمر الذي يشغلك يا صديقتي..؟.
-أخي قرر أن يتزوج..
-حقاً؟!.. مبروك يا غادة..ألف ألف مبروك..و متى ستخطبون له؟.
-قريباً إن شاء الله إذا وافقت الفتاة.. أ تظنينها ستوافق على الاقتران بأخي؟
-رغم أنني لا أعرف من هي إلا أنني أظنها ستوافق..فمن يرفض فتى طيباً و خلوقاً و طموحاً مثل رائف؟!
-معك حق..كما أنه حنون جداً يا سامية.. و متفهم إلى أبعد الحدود.. إنه شاب رائع بحق..
-لحظة.. المهم رأي من سيخطبها و ليس رأيك يا صديقتي..
-أ تصدقين؟..لقد قال لي ذلك أيضاً.
-من هو؟..رائف؟
-و من غيره..
-معه حق إذن.. و من هي سعيدة ال..
قاطعتها غادة و قد بدا عليها الارتباك:ما رأيك في لندن؟
-عفواً!
-أنا أسألك ما رأيك في لندن؟
-و لم هذا السؤال العجيب؟
- لأن أخي سيصطحب معه زوجته المستقبلية إلى لندن.. و نحن طبعاً سنرحل معه كما أخبرتك.
-إذن فأنت بحاجة إلى رأي زوجته المستقبلية لا رأيي أنا.
-ماذا لو كنت مكانها؟
-غادة ما قصتك؟
-أجيبيني فحسب.
-كنت سأفكر في هذا الأمر.
-سامية.. أجيبيني إجابة واضحة..
-غادة أنا لم أعد أفهمك..
تنهدت غادة و عقبت في حنق:أنا لست جيدة في مثل هذه الأمور..
-أي أمور؟!
-الجمع بين رأسين في الحلال.
-لم أفهم؟
-كيف أوصل لعروسة أخي المستقبلية رغبة أخي في التقدم لخطبتها؟!
-كوني طبيعية و هادئة.
-و هذا ما أفتقده..ليتك تريني أنا متحمسة لدرجة أنني فقدت تركيزي..
--ليتني كنت أستطيع المساعدة..
-لكنك تستطيعين فأنت تعرفينها..
-حقا و إلى أي مدى..؟.
-أكثر مما تتصورين..
-شوقتني لمعرفتها..
-اسمعي يا سامية ما عدت أحتمل..اعترف بأنني لست جيدة في مثل هذه الأمور..
-لا بأس أخبريني من هي أولاً..و أعدك أن أساندك في الأمر..
-حقاً؟
-حقاً..و الآن من هي؟
-إنها..إنها..
-غادة.. ما الذي يربكك فهي ليست هنا ؟!
-كيف ذلك و أنا أحدثها الآن!
-غادة.. أ تعنين؟
هتفت غادة و هي تعتصر سماعة الهاتف بقوة:سامية هل تقبلين بأخي رائف زوجاً لك..؟
تجمدت سامية في مكانها للحظات.. و ضاعت الكلمات من بين شفتيها..بل حتى من ذهنها.. و من ثم ارتسمت ابتسامة على ثغرها و هي تسترجع ما دار بينها و بين غادة من حديث.. و همست: كنت أنا المقصودة.. يا لي من غبية.. كيف لم انتبه.. !
صعدت الدماء إلى وجهها .. وبدأت صور كثيرة تتدافع إلى مخيلتها .. تذكرت شكل رائف حين لمحته في أيام العزاء .. تذكرت حياءه .. وغضه لبصره .. تذكرت كيف كان يطرق باب غادة ثم يدير ظهره للباب .. وكيف كان يتفانى في خدمة والدته وأخته .. لقد كانت تشعر في تلك الأيام بإعجاب شديد تجاه هذا الرجل الخلوق البار .. وكانت تتمنى لو كان لها أخ مثله .. لكنها لم تتخيل أبدا أن يتقدم لخطبتها .. كم حلمت بشاب ملتزم تزين وجهه لحية كثة .. ويضيء وجهه بنور الإيمان .. أرادت أن تسترسل مع خيالاتها لكنها تذكرت صديقتها المسكينة التي أخذت تصرخ عبر السماعة بقلق و تقول في تتابع:سامية.. سامية هل أنت بخير؟.. أجيبيني بالله عليك
أجابتها سامية بصوت خافت:أنا بخير يا غادة لا تقلقي..
تنهدت غادة في عمق و قالت:حمدا ًلله.. ماذا دهاك لقد قلقت عليك؟
-لقد أفزعتني بصراخك..و فاجأتني بكلماتك.. لم يخطر ببالي لوهلة أنها أنا..
-أنا آسفة..أخبرتك أنني لست جيدة في مثل هذه الأمور..و الآن ما رأيك؟
-لست أدري؟
-و في أي قاموس سأجد تفسيراً لـ (لست أدري)
-امنحيني بعض الوقت لأفكر..
-من يرفض شاباً طيباً و خلوقاً.. أليس هذا كلامك؟!.
-أعلم أنني قلت هذا..
-إذن أنت بحاجة للتفكير بسبب لندن..
-الأمر برمته في حاجة إلى التفكير..
-لا بأس خذي وقتك.. فقط أردتك أن تعلمي أنك ستظلين صديقتي أياً كان ردك...
-أنا واثقة من هذا.
-سأتركك الآن لتفكري.. في أمان الله.
-في أمان الله.
*********************************
ابو الدحم
24-07-2005, 11:24 AM
الجزء الواحد والثلاثون : شريك العمر </B>
في تلك الليلة لم تستطع سامية أن تنام .. فقد أخذت الأفكار تتزاحم في مخيلتها .. تماوجت رغباتها وتضاربت .. حتى أصابتها بانزعاج شديد .. فهي لا تريد أن تبتعد عن أهلها كل هذا البعد .. لكنها في نفس الوقت لا تريد أن ترد شابا ترضى منه دينه وخلقه .. خاصة في هذا الزمان الذي يندر فيه الرجال الذين تصح تسميتهم بذلك ..
شعرت سامية برغبة شديدة تراودها لتكاشف أمها بالموضوع .. فهي من ذلك النوع من البنات الذي لا يجد راحته إلا عند الأم .. القلب الكبير الذي يتفهم ويحنو .. ويتدبر سائر الأمور ..
لقد بنت والدتها معها صداقة متينة وجسرا لا ينقطع مهما عظمت الأسرار وبدت مستحيلة عن الإفصاح .. فكانت سامية لا تخفي شيئا عن والدتها أبدا .. ولا يهدأ بالها إلا حين تتحدث إليها .. أما والدتها فقد كانت تناقشها في الأمر وحينما تصل معها إلى بر الأمان تتركها لتتخذ قرارها بنفسها ..
لكن ما يضيق الخناق على سامية هذه المرة .. هو شدة حساسية الموضوع .. إذ كيف تفضي فتاة شديدة الحياء مثل سامية أمر تقدم شاب إليها إلى أمها ؟؟ ذلك أمر لا يكون ..
تنهدت سامية بعمق ثم قالت لنفسها : لم لا أجرب ؟؟ لربما استطاعت أن تخمن ما بي وتريحني من عناء الشرح ..
نهضت سامية من فراشها بهدوء .. ولفت نفسها بشال سماوي ثم خرجت من الغرفة .. وتوجهت إلى غرفة الجلوس حيث وجدت أمها تهدهد أختها الصغيرة لتنام .. وقد وضعت أمامها كتابا ضخما أخذت تقرأ فيه ..
وما إن سمعت حفيف أقدام ابنتها حتى رفعت رأسها وهمست :
- سامية أما زلت ساهرة ؟؟
همست سامية بصوت أقرب إلى الوشوشة :
- لم أستطع النوم .. ألم تنم رلى بعد ؟؟
- بلى لقد نامت .. احمليها إلى سريرها ثم تعالي ..
حملت سامية أختها بين يديها بحنان وهي تشعر بالارتباك .. فلقد نادتها أمها وذلك يعني أنها قرأت شيئا ما في وجهها ..
كادت رلى أن تسقط منها لكنها أمسكت بها بقوة فاستيقظت الطفلة وبكت بينما قالت الأم :
- سامية .. ما بك ؟؟ هاتيها فأنت لست على ما يرام ..
جلست سامية على الأريكة تحاول استعادة رباطة جأشها ريثما تعود والدتها .. لكنها أخفقت في كل المحاولات .. وعادت أمها لتجدها كما هي .. مضطربة وقلقة ..
جلست والدة سامية إلى جانبها وأحاطت كتفيها بيدها وهي تقول :
- حسنا .. لنرى ماذا أصاب الآنسة سامية ..
قالت سامية معاتبة :
- أمـــــــي ..
ابتعدت الأم قليلا ثم استدارت لتواجه ابنتها وعادت تقول :
- لم تستطيعي النوم ويظهر عليك الارتباك .. كما أنك كدت تسقطين أختك .. بلا شك لديك ما يقلقك .. هيا تشجعي ..
- لكنني لا أستطيع .. انه موضوع دقيق و ...
تأملت والدتها وجهها وهي تكرر وراءها :
- موضوع دقيق ؟؟
سادت لحظة صمت ثم ضحكت الأم وهي تقول :
- إذن لنلعب لعبة ..
نظرت سامية إلى أمها بدهشة وهي تقول :
- لعبة ؟؟
- أجل .. لماذا لا تعطيني أول حرف من الموضوع الذي تريدين التحدث فيه وأنا سأخمن .. وان عجزت تعطيني الحرف الثاني وهكذا ..
- حسنا .. أول حرف هو ....... خ
- امممممم خيانة ؟؟
- هههههه .. لا طبعا ..
- طيب .. خوف ..
- كلا ..
- إذن خصام ..
- أمي فكري جيدا .. لم أكن لأتحرج من أي من هذه الموضوعات ..
- حسنا أعطيني الحرف الثاني ..
- ط ..
- طاء .. خط .. خطر .. لالا .. أها ..
حملقت الأم في ابنتها وقد تبينت الأمر .. فأرخت سامية عينيها في خفر ..
- يا الهي .. سامية .. أحقا ؟؟ تعنين خطبة ؟؟
أومأت الفتاة برأسها دون أن ترفع عينيها .. فندت عن الأم صرخة خافتة ثم ابتسمت في حنان وأحاطت وجه ابنتها بكفيها .. وهي تقول :
- كم أنا سعيدة بصراحتك .. هيا .. ارفعي رأسك واحكي لي ماذا حصل .. وكيف عرفت بالأمر قبلنا ..
- انه أخو صديقتي .. وقد اتصلت بي تسألني رأيي لأنه يكمل دراسته في لندن وسيأخذني معه .. فخشي أن أكون متعلقة بكم وألا أوافق بسبب ذلك .. هذا ما خمنته ..
- وأنت ما رأيك ؟؟ هل خوفه في محله ؟؟
قالت سامية بحزن :
- بكل تأكيد .. هذا أمر لا يحتاج إلى سؤال .. لكنني محتارة جدا ..
- اسمعي يا عزيزتي .. عندما أنجبتك كنت أنا الأخرى بعيدة عن أهلي كل البعد .. وقد كان أول ما خطر لي أنك يوما ما ستكبرين وستمرين بنفس تجربتي فكيف سيكون شعوري في ذلك الوقت ؟؟ .. كنت دائما أفكر في أنكم ستبتعدون جميعا .. خصوصا البنات .. وكنت أواجه ذلك بحزن شديد .. لكن ..
سرحت الأم قليلا ببصرها وهي تتابع :
- الفتاة مستقبلها مع زوجها إن كانت تريد الزواج .. والشاب مستقبله تحدده وظيفته .. وهذه الأيام تحتم على الرجل أن يبحث عن عمل في كل بقاع الأرض .. وذلك شاق جدا .. خصوصا إن كان وحيدا ... لكن عندما يجد من ترافقه وترعاه وتتحمل معه كل الظروف فان ذلك يقويه ويشد من عزيمته ..
والفتاة أيضا يحصل معها نفس الشيء .. فحين تجد نصفها الآخر الذي تسكن إليه وتستمد منه الشجاعة والأقدام .. فان ذلك سيزيد من عزمها على النجاح .. لأنها حينها لن تنجح وحدها .. بل ستنجح معها أسرة كاملة .. وحين يتشارك الزوجان في حلو الحياة ومرها .. ويذوقا معا الفقر أو الغربة أو الفشل ويتدرجا معا في الصعود إلى القمة .. يكون ذلك أدوم للعشرة بينهما .. ويحس كل منهما تجاه الآخر بالامتنان .. وبأنه أحسن الاختيار حين انتقى لنفسه رفيقا بمثل هذا الصبر والطموح ..
التقت عينا الأم بعيني ابنتها فوجدت فيها نفس الإلتماع الذي كانت تراه في عينيها حينما كانت شابة وكانت تعزي نفسها بهذه الكلمات .. فشعرت بحنان جارف واقتربت من سامية وهي تقول :
- لقد أصبحت ناضجة بما يكفي لتفهمي ما أقول .. إنني لن أقف في طريق نجاحك أبدا حتى لو كان ذلك سيبعدك عني .. فسعادتي تكتمل برؤيتك سيدة مجتمع وداعية عظيمة وربة منزل من الدرجة الأولى .. سواء كان ذلك في لندن أو في غيرها ..
تمتمت سامية بهمس :
- أمي ..
ولم تلبث أنا غابت في أحضانها وعيناها تطفر بالدمع .. لقد فتحت لها والدتها آفاقا جديدة مخفية بذلك مشاعر الحزن التي تحس بها ..
ولما فتحت الأم قلبها لابنتها لم يكن أمام الابنة إلا أن تقابل الإحسان بالإحسان .. وتحكي لوالدتها كل شيء ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جلس رائف مع والد سامية وأخويها يتحدثون في أمور شتى .. وفي الغرفة المجاورة جلست الأمان معا .. أما غادة فقد كانت في غرفة سامية تساعدها في ترتيب نفسها واختيار الأنسب نظرا لأنها تعرف ذوق أخيها ... وقد انتقدت أم غادة ذلك بشكل حاد لأنه يخالف العادات .. لكن غادة لم تكن تبالي بشيء من ذلك أبدا ..
نظرت غادة إلى
سامية بإعجاب وهي تقول :
- لم أرك يوما أجمل منك الآن ..
- شكرا .. هذا بفضل نصائحك ..
كانت سامية قد ارتدت ثوبا أبيض يتكون من طبقتين .. طبقة بلون الحليب وطبقة أخرى فوقها من الشيفون الأبيض الشفاف .. وقد زينت هذه الطبقة بورود ليمونية باهتة .. وكان للثوب ذيل جميل يزحف وراءها كلما تحركت .. وله أكمام تضيق من ناحية الكتف ثم تأخذ في الاتساع حتى تصبح فضفاضة من ناحية الرسغ .. بينما أسدل الشعر الكستنائي على الكتفين وزين بفراشات بيضاء متناهية في الصغر ..
- هل أنت مستعدة ؟؟
وضعت سامية يدها على قلبها وابتسمت وهي تهمس :
- كلا أنا مرتبكة جدا ..
- سبحان الله .. أنا لا أذكر أن قلبي خفق خفقة واحدة في ذلك اليوم ..
- معقول ؟؟
- المسألة مسألة خجل يا عزيزتي ..
- أتقصدين أنك ..
- نعم أنا لا أخجل من الرجال .. دعينا من هذا الآن .. ستدخلين شئت أم أبيت .. من حسن حظي أني سأكون هناك ..
- ومن حسن حظي أيضا فان وجودك سيخفف من وطأة اللقاء ..
- وطأة ؟؟ استر يا رب .. لو سمعك رائف لولى مغضبا ..
- لا لم أقصد ذلك أبدا انــ ..
قاطعتها غادة وهي تدفعها أمامها قائلة : هيا هيا .. لا تكثري من الحديث فرائف ينتظر على أحر من الجمر ..
- لحظة .. يجب أن أخبر أمي أولا ..
- حسنا سأناديها ..
وتوجهت غادة إلى حجرة الضيوف وهمست في أذن أم سامية :
- خالتي .. سامية تريدك ..
نهضت الأم وهي تقول :
- عن إذنكم ..
ثم توجهت إلى غرفة ابنتها حيث وجدتها عند الباب فقالت :
- ما الخطب ؟؟
- أمي أنا جاهزة ..
- رائع .. إن ذوق غادة فريد فعلا على ما يبدو ..
- أجل يا أمي .. إنها رائعة ..
- حسنا سأكلم والدك الآن ..
- ماما أنا خائفة ..
- حبيبتي .. اذكري الله واستعيني به تطمئني ..
ثم تحدثت الأم إلى زوجها فطلب من رائف أن يتفضل إلى الحجرة المجاورة حيث تجلس أمه وأخته ..
وتحرك الشاب المتأنق وقلبه يكاد يخرج من مكانه .. وتمتم لنفسه : يالها من لحظة .. ينقلب فيها الرجل إلى طفل صغير ..
وجلس على حافة الأريكة وهو متحفز فعلقت غادة ساخرة :
- ستسقط بالتأكيد .. ارجع إلى الخلف ففي الأريكة متسع ..
نظر إليها معاتبا ولم يعلق كعادته .. بل نفذ أمرها بصمت .. وفي تلك اللحظة فتح الباب ودخلت سامية وهي تهمس : السلام عليكم ..
اختطف رائف نظرة سريعة ملأت قلبه بالفرح ثم غض بصره وهو يرد : وعليكم السلام ورحمة الله ..
واقتربت سامية بكأس العصير وهو يهتز وقربته إليه فلم يرفع عينه لكنه لمح يدها النحيلة .. ثم التقط الكأس وقال : شكرا ..
كانت غادة تتأمل كل ذلك بسرور عظيم .. ثم رأت سامية تقترب منها وتجلس بجوارها وكأنها تلتمس عندها الأمان ..
مضت لحظات .. رفع رائف بعدها نظره فوجد سامية تطرق برأسها وكأنها تستجدي الأرض أن تبتلعها .. فانتهز الفرصة وشملها بتأملاته فخفق قلبه بعنف وهتف في أعماقه .. نعم هي ما أريد .. لا سبيل للتراجع ..
تحامل على نفسه ليتحدث فبدأ قائلا :
- كيف حالك ؟؟
رفعت سامية وجهها ونظرت إليه ثم أطرقت ثانية وهي تقول :
- الحمد لله ..
- أنت تخرجت من قسم الصيدلة صحيح ؟؟
- أجل ..
- ألا تنوين إكمال دراستك ؟؟
- إن توافرت الفرص فليس هناك ما يمنع ..
ابتسم رائف وقد بدأ الاضطراب ينزاح عنه شيئا فشيئا .. وداخله شعور بالأنس فسألها :
- ما رأيك بالمغتربين ..
اختلست سامية نظرة إلى غادة فوجدتها تبتسم .. ثم نظرت إلى رائف وقالت :
- أرى أن لديهم فرصة عظيمة للدعوة لا تتوفر لغيرهم .. وعليهم أن يستغلوها خير استغلال ..
وحين التقت النظرات .. تبادلت الكثير من المعاني .. وتفاهمت بشكل أكبر ..
عندها فقط أخرج رائف علبة مربعة من جيبه وناولها لأمه .. فنهضت وجلست بقرب سامية وألبستها السوار الذي كان بداخل العلبة ثم قبلتها وهي تقول بفرح يطفح على وجهها : مبروك يا ابنتي ..
فهمست سامية : الله يبارك فيك ..
وانطلقت زغرودة من الأم رغما عنها فابتسم رائف .. وألقى نظرة أخيرة على سامية .. فبادلته ابتسامته ثم خرجت من الغرفة كالبرق ..
وحين نظر رائف إلى غادة .. تفاجأ برؤية الدموع في عينيها .. فأجفل وقال :
- ما بك ؟؟
- ليت رهف كانت معنا .. لكانت سعادتها ستطغى علينا جميعا حين ترى أخاها يتزوج صديقتها المفضلة .....
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ابو الدحم
24-07-2005, 11:27 AM
الجزء الثاني و الثلاثون (وداعاً أيها الماضي)
أشرقت الشمس معلنة ولادة يوم جديد و سعيد.. و أقبلت تحتوي الأرض بنورها الذهبي كأم حنونة.. وقد أرسلت في الفضاء دفئاً و نوراً بلا حدود.. و على عجل تسللت أشعتها عبر زجاج النافذة إلى الغرفة.. غير آبهة بقماش الستارة الثقيل.. و مضت تجوب المكان في بهجة طفل صغير.. قبل أن تداعب وجه سامية في محاولة لإيقاظها من النوم..
فتحت سامية عينيها في بطء شديد.. و تطلعت إلى الساعة القابعة بجوارها.. و من ثم تحسست بيدها المنطقة المجاورة لها من السرير.. فبدت لها خالية.. عندها اعتدلت سامية بحركة حادة.. و جابت ببصرها أنحاء الغرفة و هي تتمتم:عجباً أين هو؟!
غادرت سامية سريرها متجهة نحو النافذة.. أزاحت بعضاً من أجزاء الستارة جانباً و ألقت نظرة عبر الزجاج و قد ارتسمت ابتسامة على شفتيها.. و بدأت تتسع شيئاً فشيئاً و هي تهمس:ما زلت لا أصدق.. و كأنني أعيش حلماً جميلاً.. لقد مضى أسبوع كامل على زواجنا أنا و رائف.. ياه ما أسرع الأيام!.. لقد بدت لي كساعات معدودة.. بل ثوان.
مضت سامية تستبدل ثيابها و تسرح شعرها.. و ما أن انتهت حتى ألقت نظرة مطولة على مظهرها في المرآة و هي تسترجع ذكريات الأسبوع الأخير في مخيلتها.. و عقبت قائلة:الحمد الله.. إنه واقع رائع.. يفوق جمال الأساطير.. الحمد الله.
تعالى طرق على الباب.. فهتفت سامية في حنان:أدخل يا رائف..
دلف رائف إلى الحجرة.. و أغلق الباب خلفه و هو يقول: كيف حال وردتي اليوم؟
ابتسمت سامية و هي تجيب:بخير..ما دام هناك رائف ليسقيها بحبه.
ابتسم رائف بدوره و قد تعلق بصره بسامية.. و عقب قائلاً: تبدين اليوم جميلة جداً.. كفتاة من دنيا الحكايات.
توردت وجنتا سامية خجلاً.. و عقبت في خفوت:أنت تقول ذلك كل يوم.. أواتفعل ذلك لتسعدني؟!
اقترب رائف منها و أمسك كفيها و هو يعقب في حنان جارف:هذه حقيقة يا سامية.. فأنت عالم من الجمال و الحنان و الحب.. وردة أشرقت في حياتي.. و سأظل أحتويها بين ذراعي حتى لا تذبل أبداً.
نظرت سامية إلى عيني رائف و قلبها الغض يرقص فرحاً في أعماقها.. عالمها كله يبتسم الآن أمامها.. و في صورة رجل لطالما حلمت به.. في رائف.
أطلقت سامية ضحكة هادئة و من ثم عقبت قائلة و نظرات رائف المحبة تحتويها: كم أنت رائع يا رائف!.. كلماتك صنعت لي جناحين.. و علمتني كيف أطير في حياة تنبع بالأمل و الحب و السعادة.. كيف تفعل ذلك؟!
اتسعت ابتسامة رائف و هو يعقب قائلاً:ذلك لأن الكلمات لا تنبع من لساني..
عقبت سامية بدورها قائلة:من أين إذن؟!
ضم رائف كفي سامية بين كفيه و حملهما في ببطء و من ثم أشار بهما إلى قلبه.. بينما تابعته نظرات سامية حتى توقفت حيث أشار.. فهمس رائف قائلاً:أحبك يا سامية.
رفعت سامية بصرها نحوه و عقبت في سعادة:و أنا أحبك أيضاً يا رائف.. و سأظل أحبك لآخر يوم في حياتي.
مرت دقائق من الصمت و إن كانت نظراتهما تتحدث بآلاف الكلمات.. بكلمات يعجز عن وصفها لسان.. لأنها تذوب في القلوب.. بقوة و سلاسة.
و في محاولة لإزالة ذلك الصمت قالت سامية:و الآن أين كنت يا زوجي الحبيب؟
ضحك رائف و عقب قائلاً:أسبح في أعماق خيالك.. و أغوص في بحور حبك.
عقدت سامية ذراعيها و هي تقول:و ماذا وجدت؟!
-وجدت كل ما أبحث عنه.. في قلب نابض و روح رائعة.. فيك يا زوجتي الحبيبة.
ضحكت سامية و من ثم عقبت قائلة:رائف بالله عليك إلى أين ذهبت هذا الصباح؟
-أخبرتك..لقد كنت أسبح في.
قاطعته سامية قائلة:رائف أرجوك.
-يا إلهي.. أنت تشبهين غادة إلى حد ما.
-و غادة تقول بأنني أشبهك.
-اليوم عرفت كم غادة تحبني.. إذ جمعتني بك.
-و جمعتني بك.. رائف.. أنت ربيع عمري كله.. حبي الأول و الأخير.
-حقاً؟!
-أوفي ذلك شك يا فارسي.. و الآن أين كنت؟
-يا إلهي كم أنت عنيدة!
-رائف.. إلى متى علي أن انتظر الإجابة؟!
-حسناً.. لقد ذهبت لشراء تذاكر السفر.
-سبحان الله.. الوقت يمضي سريعاً.. و دون أن نشعر به.
-كنت أنوي أن أخبرك حالما وصلت.. و لكني خشيت أن تضيع ابتسامتك من على ثغرك.
-ما دمت بجواري فلن تضيع ابتسامتي إن شاء الله.
تعالى صوت الطرق على الباب مجدداً.. و لكن الطارق هذه المرة كان يطرق بشدة.. مما جعل رائف يمضي مسرعاً نحو الباب.. و يفتحه بحركة حادة.. و ما أن وقع نظره على الطارق حتى هتف في قلق:غادة ما الأمر؟.. هل حصل شيء؟
و استدركت سامية بدورها و قد انتقل إليها قلق رائف:ما الأمر يا غادة؟
التقطت غادة أنفاسها في عجل و أجابتهما بصوت متقطع و هي تشعر بنظراتهما تحاصرها في حيرة: هيا تعالا معي بسرعة.. فهناك مفاجأة تنتظركما في الأسفل.
عقب رائف في استنكار:مفاجأة؟!
جذبت غادة سامية و رائف ليتبعاها و هي تجيب أخاها في حماس شديد: نعم إنها مفاجأة رائعة.. هيا بالله عليكما أسرعا.
التفت رائف نحو سامية في عجب.. ليقابله وجه سامية الذي حمل العديد من التساؤلات.. و مضى الاثنان خلف غادة التي كانت تسير بسرعة.. و كل الحماس يغمرها.. حتى وصلت إلى باب الفناء الخارجي.. عندها فتحت الباب بقوة و على مصراعيه و هي تهتف في سعادة:ما رأيكما؟
ما أن وقع بصر سامية و رائف على ذلك الصندوق الخشبي الضخم.. حتى هتفا معاً و في آن واحد:مستحيل!
ضحكت غادة ضحكة قصيرة.. و مضت تقترب من ذلك الصندوق بخطى بطيئة و هي تقول:هل فاجأتكما؟
سألها رائف في حيرة:غادة.. هل هذا هو البيانو الذي كان في غرفتك؟
عقبت سامية بدورها قائلة و هي تهز رأسها نفياً:لا أظن يا رائف.. ربما كان يشبهه فقط.
ربتت غادة على سطح الصندوق الخشبي و عقبت في نشوة:لقد أزلت مفاتيح العزف.. و أزلت الأوتار أيضاً.. باختصار أزلت كل ما فيه من أدوات و معدات.. و ذلك بمساعدة مختص طبعاً.. و أبقيت هيكله العام كما هو.. و من ثم اتفقت مع منسق للحدائق.. فأبقينا غطاء البيانو العلوي مفتوحاً و من ثم ملأنا الجزء الداخلي من البيانو بتربة زراعية.. و زرعنا فيها هذه الشتلات الملونة الرائعة.. و كذا فعلنا بالمسار العميق الناتج عن إزالة مفاتيح العزف.. ما رأيكما الآن بهذه الهدية؟
اقتربت سامية من ذلك الصندوق و هي تهتف في سعادة: يا لها من هدية رائعة يا غادة.. بل مذهلة.. الآن فقط فهمت لماذا كنت لا تسمحين لنا بدخول غرفتك مؤخراً.. حتى لا نكتشف غياب البيانو.
عقب رائف بدوره في اندهاش:إنها تحفة رائعة بحق.. كيف فعلت ذلك؟
ابتسمت غادة في حبور وعقبت قائلة:أ نسيت أنني طالبة في كلية التربية الفنية؟
و من ثم وضعت غادة يديها على خصرها و أكملت قائلة:كما أن هناك شيئاً مهماً لم تعرفه عني بعد يا أخي العزيز.
وضع رائف يديه على خصره بدوره و هو يجبها قائلاً:و ما هو يا أختي العزيزة؟
ضحكت غادة و عقبت قائلة:أنت أمام فتاة عبقرية تحمل اسم غادة.
مط رائف شفتيه و عقب قائلاً: حقاً؟!.. إذن فأنت ورثت العبقرية مني.
اقتربت سامية من غادة و أحاطتها بذراعها و هي تقول:أنت مخطئ.. لا أحد يمتلك عبقرية غادة.. فهي فتاة بارعة بحق.. و خير دليل على ذلك هديتها المدهشة.
ابتسمت غادة ابتسامة هادئة و عقبت في خفوت:حمداً لله أنها قد أعجبتكما.. كان علي أن أقدمها لكما ليلة زفافكما.. و لكنها كانت تحتاج إلى بعض الوقت حتى تكتمل.
أجابتها سامية في حنان:و لكنك قدمت لكلينا هدية لا تقدر بثمن منذ زمن.
سألت غادة في استنكار:حقاً.. و ماذا قدمت لكما يا ترى؟
اقترب رائف من أخته و همس قائلاً:جمعتنا أنا و سامية معاً.. و هل مثل هذه الهدية يقدر بثمن؟!
عقبت سامية في خفوت:بالطبع لا.
أدارت غادة ببصرها بينهما و من ثم عقبت قائلة:بل أنا المحظوظة بكما و بأمي.. فأنتم هديتي..
و سعادتي..
و عائلتي كلها.
*************************
تقلبت غادة في فراشها عدة مرات.. و من ثم رمت نظرة سريعة على ساعة يدها و تمتمت في ضيق:إنها الثانية صباحاً و لم أنم بعد..
غادرت غادة سريرها.. و مضت تجوب غرفتها في خطى بطيئة.. و قد تركت أناملها تسبح هنا و هناك.. بينما بدأ عقلها يترجم كل شيء يقابلها إلى ذكرى.. حتى وصلت إلى حقيبتها التي أعدتها للسفر.. ألقت عليها نظرة مطولة.. و من ثم تنهدت في حزن.. و بدأت تمسح سطحها الجلدي بكفها و هي تحدث نفسها:لا أصدق أنها ليلتي الأخيرة هنا.. غداً أغادر غرفتي.. بيتي.. وطني.. إلى عالم آخر.. بعيد جداً.. و لكني سأحمل ذكرياتي معي.. و سيظل الحنين يرافقني إلى أن أعود.. حتماً سأعود يوماً.. إن شاء الله.
تنهدت غادة مرة أخرى.. و أدارت ببصرها في أنحاء غرفتها.. حتى وقع بصرها على خزانة ملابسها.. فمضت نحوها تجر الخطى.. و اقتربت يدها من مقبض الخزانة.. لكنها عادت إلى الخلف في حركة حادة.. أشاحت غادة ببصرها بعيداً و هي تتمتم: آه يا خزانتي.. جمعت في داخلك ذكريات شتى.. و بصور متعددة.. ماض أليم.. أتمنى أن أنساه.. و أتوق لذكراه.. عجباً لي!.
عادت غادة تنظر لخزانتها و من ثم استجمعت شجاعتها و فتحتها قائلة:و لن أغادر حتى أضع حداً لهذا التناقض.
و من ثم أخرجت صندوقاً صغيراً من أحد أدراجها و هي تكمل:إن كنت سأبدأ حياة جديدة.. فلأبدأها بشجاعة.
أزالت غادة غطاء الصندوق و عقبت في خفوت:و بمواجهة أخيرة..مع الماضي.
أخرجت غادة ظرفاً بني اللون من صندوقها.. و فتحته ببطء شديد.. و بنفس ذلك البطء أخرجت محتوياته التي كانت مجموعة من الصور الفوتوغرافية.. صور لها مع ربيع.. و أخرى مع عادل.. و بدأت تقلبها بين يديها.. فأمطرت الذكريات عليها من كل صوب.. لترتسم ابتسامة على شفتيها.. لا تلبث أن تمحى بزفرة حادة.. و فجأة سقطت الصور من بين يديها.. و عقبت و هي تهز رأسها في عنف:لا.. لا يحق لي النظر إلى هذه الصور.. ربيع وعادل غادرا حياتي للأبد.. و أصبحا رجلين أجنبيين بالنسبة لي.. صورهما باتت ماض لا يحق لي الاحتفاظ به.
أخذت غادة تلتقط صورة تلو أخرى من على الأرض.. لتمزقها في عجل.. و قلبها يخفق بقوة.. و تناثرت الأجزاء الممزقة هنا و هناك..
عادت غادة إلى صندوقها.. و أخذت تبحث فيه عن صور أخرى لتمزقها.. و لكن بصرها و قع على ذلك العقد الماسي.. هدية عادل الأخيرة لها.. فحملته بين كفيها.. و مضت به نحو المرآة.. و لبسته حول عنقها.. و تحسسته بأطراف أصابعها.. و أغمضت عينيها و هي تستعيد كلمات عذبة من الماضي.. كلمات عادل..
"كم أنت رائعة يا أميرتي".
أطلقت غادة زفرة حارة و هي تقول في أسى:أه يا عادل.. كم أخطأت في حقك.. و في حق نفسي.. لطالما تساءلت عن ذلك الشعور الذي يكنه لك قلبي.. أعلم أنك أحببتني.. و لكنني بعت ذلك الحب بحب زائف.. ما أغباني.. أضعتك من أجل إنسان لا يحمل من الإنسانية إلا الاسم فحسب.. ليتك أخذتني معك يومها.. ليتك لم ترحل و تتركني.. أنت لم تخسر يا عادل.. أنا من خسر.. كيف لا و قد خسرت قلباً أحبني حتى النخاع!
اتجهت غادة نحو خزانتها.. و أخرجت منها الفستان التفاحي اللون الذي أهداه لها ربيع.. و أمسكته بيديها و هي تردد في صوت مخنوق:عندما رأيتك لأول مرة شعرت بسعادة تغمرني.. تحلق بي فوق الغيوم.. و همست لنفسي.. مبارك يا غادة.. قد عاد حبك.. يبدو أن الحياة ستبتسم لك أخيراً.. اليوم فقط عرفت الحقيقة.. لقد كنت أول خيوط اللهب التي أحاطت بي لتحرقني.. لتقتلني ببطء.. لتسلبني أغلى ما أملك.. أختي.. و حياتي.. و حبي.
ابتسمت غادة في سخرية و هي تكمل: لا أعرف كيف صدقتك يا ربيع.. لا أعرف كيف أسرتني كلماتك.. لم دمرتني؟..لم أحلتني في لحظة من اللحظات إلى رماد؟.. حبك مات في قلبي.. بل أنا من خنقه في مهده.. أوهمت نفسي أنني أحبك.. كذبت على قلبي و قلبي صدق الكذبة.. كم أكرهك يا ربيع.. كم أكرهك.. لم دمرتني؟..لم فعلت ذلك بي؟.
و أخذت غادة تهز الفستان بقوة و صوتها المخنوق يعلو شيئاً فشيئاً:لم فعلت ذلك؟.. أجبني.. أجبني أيها المخادع.. نعم مخادع.. خدعتني بكلماتك.. ألم تقل لي كم أبدو جميلة في الفساتين الضيقة والملابس العارية القصيرة؟!.. حتى أنك بدأت تهديني إياها.. ألم تعلم أصابعي العزف على البيانو؟!.. حتى غدوت أعزف لك في كل يوم مقطوعتين أو ثلاث.. ألم تحملني على كشف وجهي كلما رافقتك في نزهة؟!.. أحطتني بالأغاني.. رجوتني أن أرقص حتى باتت تلك عادتي.. ماذا جنيت منك يا ربيع؟!.. لقد جذبتني نحو الهلاك.. نحو الظلام.. حتى كدت أن أقع في الهاوية.. و أنا بغبائي تبعتك.. صماء.. عمياء.. أسمع بأذنيك.. و أرى بعينيك.. ماذا فعلت بي يا ربيع؟!.. حرقت أيامي و كدت تحرقني.. أي إنسان أنت؟!.. أتكون من شياطين الإنس؟!.. أجبني يا ربيع.. لم هويت علي بالطعنات؟!.. أجب قلباً وأدته.. أجبني.
ركضت غادة نحو مكتبها.. و تناولت من أحد أدراجه مقصا ًحاداً.. و هوت به على الفستان التفاحي.. حتى أحالته إلى قطع قماش بالية و هي تصرخ:كم أكرهك يا ربيع..كم أكرهك..
رمت المقص جانباً.. و دموعها تهطل سيلاً جارفاً على وجنتيها.. و بدأت تمزق ما بقي منه بيديها و هي ما زالت تردد:كم أكرهك يا ربيع.. لم أعد بحاجة إليك.
و عندما لم يبقى من الفستان شيء تستطيع أن تمزقه.. أمسكت بالعقد الماسي الذي كان يحيط بعنقها.. و جذبته بقوة.. و من ثم نظرت إليه في تحد و هي تقول: سأدمر ماضي الحزين كله.. سأعيش حياة بلا ربيع.. و بلا عادل.
و رفعت يدها بغية أن تلقي بالعقد عبر النافذة.. لكن يدها توقفت حيث هي لحظات.. لتنطلق كلمات خافتة من ثغر غادة: لن أستطيع.. لن أكذب على نفسي مجدداً.. لن أنساك يا عادل ما حييت.. لأنني.. لأنني..
ضمت غادة العقد إلى صدرها و أخذت تبكي بحرقة و هي تقول: لأنني أحبك.. أحبك.. تأخرت كثيراً حتى عرفت حقيقة مشاعري.. عرفتها في وقت لم يعد فيه من حقي أن أحبك.. أنا آسفة يا عادل.. آسفة.
مسحت غادة دموعها.. و مضت نحو نافذة غرفتها.. و ما أن فتحتها حتى عبأت رئتيها بالهواء.. و رسمت ابتسامة واهنة على شفتيها و هي تتمتم: كان علي أن أواجه الماضي بحلوه و مره.. فهناك حياة جديدة تماماً في انتظاري.. و علي أن أواجهها بقوة و إيمان.. أعدك يا نفسي.. لن أخذلك ثانية.. أعدك.
أسرعت غادة ترتب غرفتها.. و ما أن انتهت حتى أقبلت نحو العقد الماسي.. و وضعته داخل حقيبة السفر.. و بجانب شريط رهف و هي تهمس: يبدو أنك سترافقني في رحلتي أيها العقد.
و مع حروف كلماتها الأخيرة ارتفع آذان الفجر.. فأقبلت غادة نحو نافذتها.. و أخذت تردد خلف المؤذن في خشوع حتى انتهى.. كلمات عذبة تذوب في أعماقها.. نداء يبدد سكون الليل.. لتعلن ولادة يوم جديد.
و من أعمق أعماقها دعت الله أن يوفقها في رحلتها.. و أن يهديها لما فيه الخير و الفلاح.. في الدنيا و الآخرة..
و برغم من أن دموعها عادت لتسقط من جديد..
إلا أن شعوراً بالراحة و الأمان غمرها..
مع نسيمات الفجر الأولى..
*******************************
غادرت غادة غرفتها.. و مضت لتنزل الدرج.. لكنها توقفت فجأة و اتجهت إلى غرفة رهف القابعة في نهاية الممر.. و ما أن وصلت حتى فتحت باب الغرفة بهدوء.. و جابت بنظرها هنا و هناك.. و أخيراً تنهدت في أسى.. و همست قائلة: يبدو أن وقت الرحيل قد حان.. لا تقلقي يا رهف سنصطحبك معنا.. فحبك سيظل في قلوبنا.. إلى الأبد.
وصل لمسمعي غادة صوت رائف يستعجلها في النزول.. فأقفلت باب الغرفة و مضت مسرعة لتركب السيارة بصحبة سامية و والدتها.. و رائف طبعاً.. و بينما كانت السيارة تسير في شوارع المدينة.. تعلق بصر غادة بالنافذة.. فكل ما كان يمر بها في طريقها كان يشعل في قلبها قناديل الحنين و الحزن من أجل الفراق.. هنا كتبت قصة حياتها.. هنا عاشتها لحظة بلحظة.. منذ ولادتها و إلى اليوم.. هنا عرفت الحب.. و الأخوة.. و الصداقة.
وقفت السيارة.. و غادرها الجميع إلى داخل المطار.. و على نحو سريع أنهى رائف إجراءات السفر.. و ما هي إلا دقائق حتى كانت غادة فوق مقعدها في الطائرة المتجهه إلى لندن.
تلاحقت أنفاسها.. فربتت سامية على كتفها في حنان و هي تقول:ما بك يا غادة.. هل أنت خائفة ؟!
ابتسمت غادة و عقبت:ربما قليلاً.. ماذا عنك؟
-أنا أيضاً أشعر ببعض الخوف.. و الحزن أيضاً.. فنحن سنغادر عالمنا إلى عالم آخر غريب عنا..
-و بعيد أيضاً.
-بدأت أفتقد أهلي.. إخوتي و أبي.. و أمي.
-انتظري قليلاً فلم نقلع بعد.
-لا أستطيع.. بدأت اشتاق لكل شيء.. حتى هديتك.
-هديتي؟!
-كان بودي أن آخذها معي.. و لكن ذلك صعب جداً بسبب حجمها.. لذا طلبت من أمي الاعتناء بها إلى أن نعود.
-و ماذا لو أسرتنا أرض الغربة للأبد..؟
-مستحيل.. فجذورنا هنا.. و ماضينا هنا.. و أحلامنا ستزهر حتماً هنا..
-معك حق..
-أدعو الله أن يساعدنا في نشر النور.. و أن يعيد الحياة إلى كثير من القلوب بعبق الإسلام.
-أميين..
-أميين..
أقلعت الطائرة.. و بدأت ترتفع شيئاً فشيئاً.. عندها سمعت غادة صوت بكاء خافت.. فالتفتت إلى مصدره لتجد أمها تذرف الدمع غزيراً.. فمالت غادة نحوها و همست قائلة :لا تبكي يا أمي.. فدموعك غالية.
عقبت الأم بصوت متهدج:ليس بيدي يا بنيتي.. ليس بيدي.
مالت غادة أكثر و هي تمسك بكفي والدتها و تضمهما في حنان بين كفيها: سنعود يوماً ما يا أمي..إن شاء الله.. لا تبكي.. بل ادعي لنا بالتوفيق.. أرجوك يا أمي كفكفي دموعك.
هتفت الأم و الدموع لا تفارق عينيها:أسأل الله أن يبارك لنا حيث ذهبنا.. و أن يرزقنا الصبر على فراق الأحبة.. و أن يوفقنا لما يحبه و يرضاه.
عقبت غادة في خفوت: أميين.
و أشاحت ببصرها نحو النافذة.. لتراقب مدينتها التي أخذت تصغر و تصغر.. حتى اختفت تماماً.. عندها لم تستطع غادة أن تحبس دموعها أكثر.. فغادرت دموعها المقل..
بينما همس لسانها..
إلى اللقاء يا أرضي..
يا ذكرياتي..
يا حبي..
يا نبضي..
يا كل عمري.
*********************************
ابو الدحم
24-07-2005, 11:29 AM
الـنهـايــــــــة
أغلقت أسيل دفترا ضخما ذا لون عودي .. مكتوب عليه ( مذكرات ) .. وتنهدت بعمق وهي تنظر إلى الدفتر بتمعن ثم همست : يالها من حياة ..
حملت الدفتر بين ذراعيها وتوجهت إلى غرفة في العلية وطرقت الباب وهي تقول :
- عمتي هل تسمحين لي بالدخول ؟؟
- طبعا يا حبيبتي .. تفضلي ..
ولجت أسيل إلى الغرفة بهدوء ثم أغلقت الباب وهي ما تزال متشبثة بالدفتر .. قالت :
- لقد أنهيت قراءته كله .
نظرت عمتها غادة من فوق عويناتها إليها وابتسمت قائلة :
- وما رأيك ؟؟
تقدمت أسيل ووضعت الدفتر على الطاولة التي كانت غادة تمدد قدميها عليها ثم جلست على الأريكة وهي تقول :
إن لك حياة حافلة يا عمتي .. الآن عرفت لم تملكين هذا العزم وهذه القوة .. لقد صقلتك الأيام .. لكن ..
- لكن ماذا ؟؟
- كأن هناك شيئا ناقصا .. بل أشياء .. هناك فترة من حياتك لم تكتبي عنها أو .. ربما تعمدت الإبهام حتى لا نفهم شيئا ..
ابتسمت غادة وهي تتأمل ابنة أخيها رائف .. وقالت :
- أنت ذكية جدا يا أسيل .. لا يخفى عليك شيء ..
ثم نظرت إلى الأوراق التي أمامها بشرود .. ولوهلة ظنت أسيل أن عمتها ستتجاهل الأمر .. لكن غادة ما لبثت أن رفعت بصرها وقالت وقد بدى عليها الهم :
- أسيل حبيبتي .. هناك أمر لابد أن تفهميه .. كل إنسان لديه شطحات في حياته .. ربما كانت هفوات صغيرة .. وربما كانت كوارث .. ربما اعتبرها هو خطأ عظيما لم يقترفه أحد سواه وخجل منها .. رغم أنها قد لا تكون في نظر الناس بهذه الفداحة ..
في مطلق الأحوال ما يمكن أن نسميه خطأ في الشرع فلابد أن يخفى .. أتعرفين لماذا ؟؟
- لا ..
- لأنه إن تحدث بها ونسبها إلى نفسه .. فسيكون قد هتك ستر ربه له .. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( كل أمتي معافى إلا المجاهرون ) يعني كل الناس من الممكن أن يتوبوا ويقلعوا عن المعاصي إلا الذين يجهرون بمعاصيهم ويتحدثون بها كواقع أو عادة أو مصدر للفخر .. فهؤلاء لا يعافون من مرضهم هذا ويفضحهم الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق ..
تطلعت أسيل إلى عمتها في خوف .. كانت تراها ملاكا لا يخطئ أبدا .. اتخذتها قدوة منذ أن رأت النور .. وأعجبت بشخصيتها وتمنت أن تصبح مثلها .. لكن هاهي الحقائق تتكشف بغموض .. ان عمتها الآن تعترف أن ماضيها تلوث بشيء ما .. وترفض أن تحدد ما هو هذا الشيء .. عمتها الفاضلة فعلت شيئا خاطئا .. يا للحقيقة المرة ..
فهمت غادة ما يدور في ذهن أسيل .. وشعرت بالاهتزاز الذي سببته لها كلماتها .. فابتسمت ومدت لها يدها لتقترب ..
نهضت أسيل وجلست جوار غادة فأحاطت الأخيرة كتفيها بذراعها وهي تقول :
- أسيل .. ما كنت لأقول هذا إلا لأنك أسيل .. أنت لست ساري ولا قصي .. أنت أسيل .. الفتاة الرقيقة التي تخطو إلى النضوج بسرعة .. الفتاة التي أرى فيها كل آمالي التي لم أستطع الوصول إليها .. كلما نظرت إليك تذكرت نفسي عندما كنت في مثل سنك .. وحمدت الله لأنه أحاطك بأناس على قدر كبير من الوعي ليبصروك حين يضعف بصرك .. لقد وهبك الله والدين قمة في الأخلاق والتعقل والالتزام .. لكنني أردت أن أوصل لك مفهوما جديدا .. إن لم ينبع الالتزام من قلبك فقد تزل قدمك حتى لو أحطت نفسك بكل هذه الأسوار .. بالتأكيد أنت أفضل من غيرك لأن لديك من تسندين له ظهرك .. لكن ذلك لا يمنع أن تخور العزيمة يوما ما .. لابد أن تعي كل شيء في هذه الدنيا .. حتى لا تفتني حين تري أهل الفجور يمرحون فتميل نفسك لمثل هذا المرح .. حين يقل وعيك بأثر الذنب وحرقة الإثم بعد اقترافه تزيد رغبتك في مغادرة عالمك الصالح إلى عالم هؤلاء الذين يتظاهرون بالسعادة ليخدعوك وما ذاقوا السعادة قط .. من أجل ذلك فقط سمحت لك أن تقرئي مذكراتي .. لكن هناك أشياء من الصعب أن تجاوز ذاكرتنا إلى عقول غيرنا .. ولا أستطيع أن أوضح أكثر ..
نظرت أسيل إلى عمتها بحب وقد شاع الاطمئنان في قلبها قليلا .. وقالت :
- عمتي أنت قلت أن الله وهبني والدين عظيمين .. وأنا لا أنكر ذلك .. لكنك لم تقولي بأن الله وهبني عمة رائعة هي أغلى هبة قدمها الله لي ..
احتضنت غادة ابنة أخيها وقد اجتاحتها الذكريات مجددا .. آه يا أسيل .. لو رأيت عمتك رهف .. لأحببتها أكثر ..
كادت عيناها أن تطفر بالدمع لولا أن دق الباب شخص ما فرفعت أسيل رأسها وقالت :
- لابد أنها أمي ..
- تفضلي يا سامية ..
دلفت سامية إلى الغرفة وقالت حين رأت أسيل :
- يا سلام .. ما هذا المنظر الشاعري .. أسيل بحثت عنك في كل مكان حتى يئست .. ماذا تفعلين هنا ؟؟
- أتحدث مع عمتي ..
- ألا تعلمين أنها مشغولة بتحضير الدرس ؟؟
هتفت غادة :
- لا تؤنبيها .. تعلمين كم أحب الحديث مع أسيل ..
- أجل .. أجل .. إنها بلسمك .. أليس هذا ما تقولينه دائما ؟؟
- سامية .. يبدو أن الغيرة قد أفقدك تعقلك ..
ضحكت سامية برقة ثم قالت :
- بالطبع كنت أمزح ..
ثم قالت بجدية :
- هل انتهيت ؟؟ هناك جمع غفير ينتظرك في البدروم ..
- أوه .. أجل .. تقريبا .. سألملم أوراقي وأنزل في الحال ..
- ما هو عنوان محاضرتك يا عمتي ؟؟
نظرت غادة إلى أسيل نظرة ذات معنى وقالت :
- ( شـاب نشــأ في طــــاعة الله )
قالت سامية :
- أتمنى لك التوفيق .. هيا يا أسيل أحتاج إليك في الضيافة ..
- حاضر أمي ..
وخرجت الاثنتان فخيم السكون على الحجرة .. أمسكت غادة بدفتر مذكراتها وقلبته .. ثم أخرجت مظروفا من أحد الملفات أمامها وأعادته إلى الدفتر .. وهمست :
- ليتني أستطيع أن أخبرك يا أسيل .. لكنني بالتأكيد لن أفعل .. لقد ظل سر ربيع وعادل لي وحدي .. وسيظل كذلك للأبد .. حتى يحتضنني التراب .. غفر الله لي ..
شردت ببصرها وشريط حياتها يدور بسرعة عائدا إلى تلك الأيام العصيبة ..
خمسة عشر عاما مضت .. ولا زالت الأحداث كأنما دارت بالأمس .. ويح هذه الذاكرة .. متى ستنسى ؟؟
لقد ارتضت لنفسها الحياة دون زواج .. وسخرتها للدعوة إلى الله .. والاهتمام بالجيل الصاعد .. ارتقت درجات العلم درجة درجة .. ووصلت إلى ما لم تكن تتخيل الوصول إليه في غضون سنوات ..
أغرقت نفسها في بحر الأشغال .. واهتمت بعظائم الأمور لتنسى توافه ذكرياتها .. لتنسي هذا القلب الموجوع حبه .. لتنسيه خيانته وخيانة الآخرين له .. لتنسيه الشعور بالامتنان تجاه شخص بات مجرد طيف .. لتنسيه الرغبة في الاعتذار والمحاولة من جديد ..
لقد بذلت كل ما تستطيع لتحقق ذلك .. لكن قلبها المخلص أبى إلا أن يخلص .. فوهبته لربها يقلبه كيف يشاء .. وراحت تدعو كل ليلة في عمق الظلام ( اللهم لا تذل قلبي لغيرك .. ومتعني بحبك وحدك .. واملأ جوانحي به .. اللهم اجعل حبك أحب إلى من الماء البارد على الظمأ ) ..
لملمت غادة شعث نفسها مع أوراقها .. وألقت نظرة أخيرة مملوءة بالحب والأسى .. على دفترها الأثير.. ثم مضت إلى الأسفل وقد نفضت من رأسها كل الذكريات الأليمة ....... تقريبا ..
ابو الدحم
24-07-2005, 11:33 AM
انتهت القصة اتمنى أن تكون
قد أعجبتكم وأنتظر ردودكم
ملاحضة:
هذه القصة منقولة وهي للكاتبتين دونا وتيمة
في موقع عالم حواء
Batistuta
24-07-2005, 02:18 PM
قصه أكثر من رائعه ألف شكر لك أخي الكريم على نقلك لنا
السلام عليكم :)
ftm ftm
24-07-2005, 03:10 PM
ماشاالله :)
يا سلام عليك قصة غرااام:biggthump
خلتني افكر باشياء كان لازم افكر فيها من زمان وما انساها:33:
يعطيك الف الف عافية :)
ومشكور على النقل الرائع:ciao:
sanra bullock
25-07-2005, 04:37 PM
الله ما اروع القصة
احلا شعور في الدنيا انك تعرف الطريق المستقيم في النهاية
على كل حال مشكور كتير كتير لأنك نقلتها
arwaf1
25-07-2005, 07:18 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خير على القصة يا اخي روعة في مضمونها وتتطرق لنقط يجب علينا مراجعتها
مشكور اخي على القصة
nadaaa
26-07-2005, 12:05 AM
قصه روعه والله يعطيك الف عافيه شكرا كتير في الحقيقه هذه القصه من اجمل القصص اللتي قراتها في حياتي بحيث يتعلم منها الانسان ما يستطيع نسينها
جونينيو
26-07-2005, 06:05 AM
الف شكر القصة قرائتها كااامله
ومشكوور يالغالي
LongJohnSilver
26-07-2005, 09:45 AM
في البداية ، أحب أشكرك أخوي العزيز على نقلك للقصة..
في الحقيقة ، من أجمل القصص اللي قرأتها على الإطلاق ، وأكثرها تأثيراً.. قصة رائعة ، رائعة جداً في الحقيقة..
حسيت نفسي عايش الجو مع العائلة ، وماحسيت بالوقت وأنا أقرأها..
ابو الدحم
28-07-2005, 10:51 PM
Life_End (http://www.montada.com/member.php?u=81633)
ftm ftm (http://www.montada.com/member.php?u=263677)
sanra bullock (http://www.montada.com/member.php?u=234918)
arwaf1 (http://www.montada.com/member.php?u=217296)
nadaaa (http://www.montada.com/member.php?u=262452)
جونينيو (http://www.montada.com/member.php?u=206498)
LongJohnSilver (http://www.montada.com/member.php?u=88140)
أشكركم على المتابعة حتى النهاية
وأتمنى أنها أعجبتكم فعلا
مستشارة
29-07-2005, 02:37 AM
مشكور اخوي ابو الدحم على هالمشاركة الحلوة
ابو الدحم
31-07-2005, 01:05 AM
مشكورة أنت أختي المستشارة على المرور
mr. anas
31-07-2005, 12:38 PM
القصة ولا أروع
مشكور على القصة
تحياتي Anas
ابو الدحم
04-08-2005, 10:43 AM
mr. anas (http://www.montada.com/member.php?u=48961) http://images.montada.com/statusicon/user_offline.gif vbmenu_register("postmenu_3837347", true);
أشكرك على متايعة القصة
حتى نهايتهاوعلى ردك
ابو الدحم
14-09-2005, 02:42 PM
أشكر جميع من تابع القصة حتى نهايتها
جميع حقوق برمجة vBulletin محفوظة ©2025 ,لدى مؤسسة Jelsoft المحدودة.
جميع المواضيع و المشاركات المطروحة من الاعضاء لا تعبر بالضرورة عن رأي أصحاب شبكة المنتدى .