الشيخ ماجد
16-07-2005, 02:41 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه قصة الحجاج بن يوسف الثقفي ، وكيف تولى منصبه :
حكي عن عبد الملك بن عمير أنه قال لما بلغ أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان اضطراب أهل
العراق جمع أهل بيته وأولي النجدة من جنده وقال أيها الناس إن العراق كدر ماؤها وكثر غوغاؤها وأملولح عذبها وعظمخطبها وظهر ضرامها وعسر أخماد نيرانها فهل من ممهد لهم بسيف قاطع وذهن حامع وقلب ذكي وأنف حمي فيخمد نيرانها ويردع غيلانها وينصف مظلومها ويداوي الجرح حتى يندمل فتصفو البلاد وتأمن العباد فسكت القوم ولم يتكلم أحد فقام الحجاج وقال يا أمير المؤمنين أنا للعراق قال
ومن أنت لله أبوك قال أنا الليث الضمضام والهزبر الهشام أنا الحجاج بن يوسف قال ومن أين قال من ثقيف كهوف الضيوف ومستعمل السيوف قال أجلس لا أم لك فلست هناك ثم قال مالي أرى الرؤوس مطرقة والألسن معتقلة فلم يجبه أحد فقام إليه الحجاج وقال أنا مجندل الفساق ومطفىء نار النفاق قال ومن انت قال أنا قاصم الظلمة ومعدن الحكمة الحجاج بن يوسف معدن العفو والعقوبة آفة الكفر والريبة قال إليك عني وذاك فلست هناك ثم قال من للعراق فسكت القوم وقام الحجاج وقال انا للعراق فقال إذن أظنك صاحبها والظافر بغنائمها وإن لكل شيء يا ابن يوسف آية وعلامة فما آيتك وما علامتك قال العقوبة والعفو والاقتدار والبسط والازورار والادناء والابعاد والجفاء والبر والتأهب والحزم وخوض غمرات الحروب بجنان غير هيوب فمن جادلني قطعته ومن نازعني قصمته ومن خالفني نزعته ومن دنا مني أكرمته ومن طلب الأمان أعطيته ومن سارع إلى الطاعة بجلته فهذه آيتي وعلامتي وما عليك يا أمير المؤمنين أن تبلوني فان كنت للاعناق قطاعا وللأموال جماعا وللأرواح نزاعا ولك في الأشياء نفاعا وإلا فليستبدل بي أمير المؤمنين فان الناس كثير ولكن من يقوم بهذا الأمر قليل فقال عبد الملك أنت لها فما الذي تحتاج إليه قال قليل من الجند والمال فدعا عبد الملك صاحب جنده فقال هيىء له من الجند شهوته وألزمهم طاعته وحذرهم مخالفته ثم دعا الخازن فأمره بمثل ذلك فخرج الحجاج قاصدا نحو العراق قال عبد الملك بن عمير فبينما نحن في المسجد الجامع بالكوفة إذا أتانا آت فقال هذا الحجاج قدم أميرا على العراق فتطاولت الأعناق نحوه وأفرجوا له عن صحن المسجد فإذا نحن به يمشي وعليه عمامة حمراء متلثما بها ثم صعد المنبر فلم يتكلم كلمة واحدة ولا نطق بحرف حتى غص المسجد بأهله وأهل الكوفة يومئذ ذوو حالة حسنة وهيئة جميلة فكان الواحد منهم يدخل المسجد ومعه العشرون والثلاثون من أهل بيته ومواليه وأتباعه عليهم الخز والديباج قال وكان في المسجد يومئذ
عمير بن صابىء التميمي فلما رأى الحجاج على المنبر قال لصاحب له أسبه لكم قال اكفف حتى نسمع ما يقول فأبى ابن صابىء وقال لعن الله بني أمية حيث يولون ويستعملون مثل هذا على العراق وضيع الله العراق حيث يكون هذا أميرها فوالله لو دام هذا أميرا كما هو ما كان بشيء والحجاج ساكت ينظر يمينا وشمالا فلما رأى المسجد قد غص بأهله قال هل اجتمعتم فلم يزد عليه أحد شيئا فقال إني لا أعرف قدر اجتماعكم فهل اجتمعتم فقال رجل من القوم قد اجتمعنا أصلح الله الأمير فكشف عن لثامه ونهض قائما فكان أول شيء نطق بهأن قال والله إني لأرى رؤسا أينعت وقد حان قطافها وإني لصاحبها واني لأرى الدماء ترقرق بين العمائم واللحى والله يا أهل العراق إن أمير المؤمنين نثر كنانة بين يديه فعجم عيدانها فوجدني أمرها عودا وأصلبها مكسرا فرماكم بي لأنكم طالما أثرتم الفتنة واضطجعتم في مراقد الضلال والله لأنكلن بكم في البلاد ولأجعلنكم مثلا في كل واد ولأضربنكم ضرب غرائب الابل وإني يا أهل العراق لا أعد إلا وفيت ولا أعزم إلا أمضيت فاياي وهذه الزرافات والجماعات وقيل وقال وكان ويكون يا أهل العراق إنما أنتم أهل قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأتاها وعيد القرى من ربها فاستوثقوا واستقيموا واعملوا ولا تميلوا وتابعوا وبايعوا واجتمعوا واستمعوا فليس منى الاهدار والاكثار إنما هو هذا السيف ثم لا ينسلخ الشتاء من الصيف حتى يذل الله لأمير المؤمنين صعبكم ويقيم له أودكم ثم إني وجدت الصدق مع البر ووجدت البر في الجنة ووجدت الكذب مع الفجور ووجدت الفجور في النار وقد وجهني أمير المؤمنين إليكم وأمرني أن أنفق فيكم وأوجهكم لمحاربة عدوكم مع المهلب ابن أبي صفرة وإني أقسم بالله لا أجد رجلا يتخلف بعد أخذ عطائه بثلاثة أيام إلا ضربت عنقه يا غلام اقرأ كتاب أمير المؤمنين فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عبد الملك بن مروان إلى من بالكوفة من المسلمين سلام عليكم فلم يرد أحد شيئا فقال الحجاج اكفف
يا غلام ثم أقبل على الناس فقال أيسلم عليكم أمير المؤمنين فلا تردون شيئا عليه هذا أدبكم الذي تأدبتم به أما والله لأودبنكم أدبا غير هذا الأدب اقرأ يا غلام فقرأ حتى بلغ قوله سلام عليكم فلم يبق أحد إلا قال وعلى أمير المؤمنين السلام ثم نزل بعدما فرغ من خطبته وقراءته ووضع للناس عطاياهم فجعلوا يأخذونها حتى أتاه شيخ يرعش فقال أيها الأمير إنيعلى الضعف كما ترى ولي ابن هو اقوى مني على الاسفار أفتقبله بديلا مني فقال نقبله إيها الشيخ فلما ولى قال له قائل أتدري من هذا أيها الأمير قال لا قال هذا ابن صابىء الذي يقول
( هممت ولم افعل وكدت وليتني ... تركت على عثمان تبكي حلائله )
ولقد دخل هذا الشيخ على عثمان رضي الله عنه وهو مقتول فوطىء في بطنه فكسر ضلعين من أضلاعه فقال الحجاج ردوه فلما ردوه قال له الحجاج أنت الفاعل بأمير المؤمنين عثمان ما فعلت يوم قتل الدار إن في قتلك إيها الشيخ اصلاحا للمسلمين يا سياف اضرب عنقه فضرب عنقه وكان من أمره بعد ذلك ما عرف وسطر
ومن حكايات الحجاج ما حكي أنه لما أسرف في قتل أسرى دير الجماجم وأعطى الأموال بلغ ذلك أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان فشق عليه وكتب إليه اما بعد فقد بلغني عنك أسراف في الدماء وتبذير في العطاء وقد حكمت عليك في الدماء في الخطأ بالدية وفي العمد بالقود وفي الأموال أن تردها إلى مواضعها ثم تعمل فيها برأيي فإنما هو مال الله تعالى ونحن أمناؤه فإن كنت اردت الناس لي فما أغناني عنهم وإن كنت أردتهم لنفسك فما أغناك عنهم وسيأتيك عني أمران لين وشدة فلا يؤمننك إلا الطاعة ولا يوحشنك إلا المعصية وإذا أعطاك الله عز وجل الظفر فلا تقتلن
جانحا ولا أسيرا وكتب في أسفل الكتاب
( إذا أنت لم تترك أمورا كرهتها ... وتطلب رضائي بالذي أنا طالبه )
( فإن ترمني غفلة قرشية ... فيا ربما قد غص بالماء شاربه )
( وأن تر مني وثبة أموية ... فهذا وهذا كل ذا أنا صاحبه )
( فلا تأمننى والحوادث جمة ... فإنك تجزي بالذي أنت كاسبه )
( فلا تعد ما يأتيك مني وإن تعد ... يقمن به يوما عليك نوادبه )
( فلا تمنعن الناس حقا علمته ... ولا تعطين ما ليس للناس واجبه )
( فإنك أن تعطي الحقوق فإنما ... النوافل شيء لا يثيبك واهبه )
فلما ورد الكتاب على الحجاج كتب إلى أمير المؤمنين أما بعد فقد ورد كتاب أمير المؤمنين بذكر إسرافي وتبذيري في الأموال ولعمري ما بلغت في عقوبة أهل المعصية ولا قضيت حقوق أهل الطاعة فإن كان قتلي العصاة إسرافا وإعطائي المطيعين تبذيرا فليمض لي أمير المؤمنين ما سلف والله ما أصبت القوم خطأ فأوديهم ولا ظلمتهم عمدا فأقاديهم ولا قتلت إلا لك ولا أعطيت إلا فيك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وكتب في أسفل الكتاب
( إذا أنا لا أبغي رضاك وأتقي ... أذاك فليلي لا توارى كواكبه )
( وما لامرىء بعد الخليفة جنة ... تقيه من الأمر الذي هو راكبه )
( إذا قارف الحجاج فيك خطيئة ... لقامت عليه بالصباح نوادبه )
( إذا أنا لم أدن الشفيق لنصحه ... واقص الذي تسري إلي عقاربه )
( وأعط المواسي في البلاء عطية ... لرد الذي ضاقت علي مذاهبه )
( فمن يتقي بؤسي ويرجو مودتي ... ويخشى غدا والدهر جم نوائبه )
( وأمري إليك اليوم ما قلت قلته ... وما لم تقله لم أقل ما يقاربه )
( ومهما أردت اليوم مني أردته ... وما لم ترده اليوم إني مجانبه )
( وقف بي على حد الرضا لا أجوزه ... مدى الدهر حتى يرجع الدرحالبه )
( وإلا فدعني والأمور فإنني ... شفيق رفيق أحكمته تجاربه )
فلما انتهى الكتاب إلى عبد الملك قال خاف أبو محمد صولتي ولم يعاود لأمر كرهته إن شاء الله تعالى فمن يلومني على محبته يا غلام أكتب إليه الشاهد يرى ما لا يرى الغائب وأنت أعلى عينا بما هناك
وفي مروج الذهب للمسعودي أن أم الحجاج وهي الفارغة بنت همام ولدته مشوها لا دبر له فثقب له دبر وأبى أن يقبل الثدي وأعياهم أمره فيقال ان الشيطان تصور له في صورة الحرث بن كلدة حكيم العرب فسألهم عن ذلك فأخبره مخبر من أهله فقال لهم اذبحوا له تيسا وألعقوه من دمه وأولغوه فيه ثم أطلوا به وجهه ففعلوا ذلك فقبل الثدي فلأجل ذلك كان لا يصبر عن سفك الدماء وكان يخبر عن نفسه أن أكبر لذاته سفك الدماء وارتكاب أمور لا يقدر غيره عليها وكانت أمه متزوجة قبل أبيه الحرث بن كلدة فدخل عليها يوما في السحر فوجدها تخلل أسنانها فطلقها فسألته لم فعل فقال لها إن كنت باكرت الغداء فأنت شرهة وإن كان بقايا طعام بفيك فأنت قذرة فقالت كل ذلك لم يكن وإنما تخللت من شظايا السواك فقال قضي الأمر فتزوجها بعده يوسف بن عقيل الثقفي فأولدها الحجاج وقيل أن الحجاج تقلد الإمارة وهو ابن عشرين سنة ومات وله ثلاث وخمسون سنة وكان من عنف السياسة وثقل الوطأة وظلم الرعية والإسراف في القتل على ما لا يبلغه وصف أحصي من قتله الحجاج بأمره سوى من قتله في حروبه فكانوا مائة ألف وعشرين ألفا ووجد في سجنه خمسون ألف رجل وثلاثون ألف امرأة لم يجب على أحد منهم قطع ولا قتل وكان يحبس الرجال والنساء في موضع واحد ولم يكن لحبسه سقف يستر الناس من الحر والبرد وقيل للشعبي أكان الحجاج مؤمنا قال نعم بالطاغوت وقال لو جاءت كل أمة بخبيثها وفاسقها وجئنا بالحجاج وحده لزدنا عليهم والله أعلم وقد مضي القول في ذكر الفصحاء من الرجال وحكاياتهم وما أعان الله تعالى عليه واستحضرته من أخبارهم وأنا قائل أن شاء الله تعالى ما استحضرته من ذكر فصحاء النساء وأخبارهن وحكاياتهن والله المستعان
هذه قصة الحجاج بن يوسف الثقفي ، وكيف تولى منصبه :
حكي عن عبد الملك بن عمير أنه قال لما بلغ أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان اضطراب أهل
العراق جمع أهل بيته وأولي النجدة من جنده وقال أيها الناس إن العراق كدر ماؤها وكثر غوغاؤها وأملولح عذبها وعظمخطبها وظهر ضرامها وعسر أخماد نيرانها فهل من ممهد لهم بسيف قاطع وذهن حامع وقلب ذكي وأنف حمي فيخمد نيرانها ويردع غيلانها وينصف مظلومها ويداوي الجرح حتى يندمل فتصفو البلاد وتأمن العباد فسكت القوم ولم يتكلم أحد فقام الحجاج وقال يا أمير المؤمنين أنا للعراق قال
ومن أنت لله أبوك قال أنا الليث الضمضام والهزبر الهشام أنا الحجاج بن يوسف قال ومن أين قال من ثقيف كهوف الضيوف ومستعمل السيوف قال أجلس لا أم لك فلست هناك ثم قال مالي أرى الرؤوس مطرقة والألسن معتقلة فلم يجبه أحد فقام إليه الحجاج وقال أنا مجندل الفساق ومطفىء نار النفاق قال ومن انت قال أنا قاصم الظلمة ومعدن الحكمة الحجاج بن يوسف معدن العفو والعقوبة آفة الكفر والريبة قال إليك عني وذاك فلست هناك ثم قال من للعراق فسكت القوم وقام الحجاج وقال انا للعراق فقال إذن أظنك صاحبها والظافر بغنائمها وإن لكل شيء يا ابن يوسف آية وعلامة فما آيتك وما علامتك قال العقوبة والعفو والاقتدار والبسط والازورار والادناء والابعاد والجفاء والبر والتأهب والحزم وخوض غمرات الحروب بجنان غير هيوب فمن جادلني قطعته ومن نازعني قصمته ومن خالفني نزعته ومن دنا مني أكرمته ومن طلب الأمان أعطيته ومن سارع إلى الطاعة بجلته فهذه آيتي وعلامتي وما عليك يا أمير المؤمنين أن تبلوني فان كنت للاعناق قطاعا وللأموال جماعا وللأرواح نزاعا ولك في الأشياء نفاعا وإلا فليستبدل بي أمير المؤمنين فان الناس كثير ولكن من يقوم بهذا الأمر قليل فقال عبد الملك أنت لها فما الذي تحتاج إليه قال قليل من الجند والمال فدعا عبد الملك صاحب جنده فقال هيىء له من الجند شهوته وألزمهم طاعته وحذرهم مخالفته ثم دعا الخازن فأمره بمثل ذلك فخرج الحجاج قاصدا نحو العراق قال عبد الملك بن عمير فبينما نحن في المسجد الجامع بالكوفة إذا أتانا آت فقال هذا الحجاج قدم أميرا على العراق فتطاولت الأعناق نحوه وأفرجوا له عن صحن المسجد فإذا نحن به يمشي وعليه عمامة حمراء متلثما بها ثم صعد المنبر فلم يتكلم كلمة واحدة ولا نطق بحرف حتى غص المسجد بأهله وأهل الكوفة يومئذ ذوو حالة حسنة وهيئة جميلة فكان الواحد منهم يدخل المسجد ومعه العشرون والثلاثون من أهل بيته ومواليه وأتباعه عليهم الخز والديباج قال وكان في المسجد يومئذ
عمير بن صابىء التميمي فلما رأى الحجاج على المنبر قال لصاحب له أسبه لكم قال اكفف حتى نسمع ما يقول فأبى ابن صابىء وقال لعن الله بني أمية حيث يولون ويستعملون مثل هذا على العراق وضيع الله العراق حيث يكون هذا أميرها فوالله لو دام هذا أميرا كما هو ما كان بشيء والحجاج ساكت ينظر يمينا وشمالا فلما رأى المسجد قد غص بأهله قال هل اجتمعتم فلم يزد عليه أحد شيئا فقال إني لا أعرف قدر اجتماعكم فهل اجتمعتم فقال رجل من القوم قد اجتمعنا أصلح الله الأمير فكشف عن لثامه ونهض قائما فكان أول شيء نطق بهأن قال والله إني لأرى رؤسا أينعت وقد حان قطافها وإني لصاحبها واني لأرى الدماء ترقرق بين العمائم واللحى والله يا أهل العراق إن أمير المؤمنين نثر كنانة بين يديه فعجم عيدانها فوجدني أمرها عودا وأصلبها مكسرا فرماكم بي لأنكم طالما أثرتم الفتنة واضطجعتم في مراقد الضلال والله لأنكلن بكم في البلاد ولأجعلنكم مثلا في كل واد ولأضربنكم ضرب غرائب الابل وإني يا أهل العراق لا أعد إلا وفيت ولا أعزم إلا أمضيت فاياي وهذه الزرافات والجماعات وقيل وقال وكان ويكون يا أهل العراق إنما أنتم أهل قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأتاها وعيد القرى من ربها فاستوثقوا واستقيموا واعملوا ولا تميلوا وتابعوا وبايعوا واجتمعوا واستمعوا فليس منى الاهدار والاكثار إنما هو هذا السيف ثم لا ينسلخ الشتاء من الصيف حتى يذل الله لأمير المؤمنين صعبكم ويقيم له أودكم ثم إني وجدت الصدق مع البر ووجدت البر في الجنة ووجدت الكذب مع الفجور ووجدت الفجور في النار وقد وجهني أمير المؤمنين إليكم وأمرني أن أنفق فيكم وأوجهكم لمحاربة عدوكم مع المهلب ابن أبي صفرة وإني أقسم بالله لا أجد رجلا يتخلف بعد أخذ عطائه بثلاثة أيام إلا ضربت عنقه يا غلام اقرأ كتاب أمير المؤمنين فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عبد الملك بن مروان إلى من بالكوفة من المسلمين سلام عليكم فلم يرد أحد شيئا فقال الحجاج اكفف
يا غلام ثم أقبل على الناس فقال أيسلم عليكم أمير المؤمنين فلا تردون شيئا عليه هذا أدبكم الذي تأدبتم به أما والله لأودبنكم أدبا غير هذا الأدب اقرأ يا غلام فقرأ حتى بلغ قوله سلام عليكم فلم يبق أحد إلا قال وعلى أمير المؤمنين السلام ثم نزل بعدما فرغ من خطبته وقراءته ووضع للناس عطاياهم فجعلوا يأخذونها حتى أتاه شيخ يرعش فقال أيها الأمير إنيعلى الضعف كما ترى ولي ابن هو اقوى مني على الاسفار أفتقبله بديلا مني فقال نقبله إيها الشيخ فلما ولى قال له قائل أتدري من هذا أيها الأمير قال لا قال هذا ابن صابىء الذي يقول
( هممت ولم افعل وكدت وليتني ... تركت على عثمان تبكي حلائله )
ولقد دخل هذا الشيخ على عثمان رضي الله عنه وهو مقتول فوطىء في بطنه فكسر ضلعين من أضلاعه فقال الحجاج ردوه فلما ردوه قال له الحجاج أنت الفاعل بأمير المؤمنين عثمان ما فعلت يوم قتل الدار إن في قتلك إيها الشيخ اصلاحا للمسلمين يا سياف اضرب عنقه فضرب عنقه وكان من أمره بعد ذلك ما عرف وسطر
ومن حكايات الحجاج ما حكي أنه لما أسرف في قتل أسرى دير الجماجم وأعطى الأموال بلغ ذلك أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان فشق عليه وكتب إليه اما بعد فقد بلغني عنك أسراف في الدماء وتبذير في العطاء وقد حكمت عليك في الدماء في الخطأ بالدية وفي العمد بالقود وفي الأموال أن تردها إلى مواضعها ثم تعمل فيها برأيي فإنما هو مال الله تعالى ونحن أمناؤه فإن كنت اردت الناس لي فما أغناني عنهم وإن كنت أردتهم لنفسك فما أغناك عنهم وسيأتيك عني أمران لين وشدة فلا يؤمننك إلا الطاعة ولا يوحشنك إلا المعصية وإذا أعطاك الله عز وجل الظفر فلا تقتلن
جانحا ولا أسيرا وكتب في أسفل الكتاب
( إذا أنت لم تترك أمورا كرهتها ... وتطلب رضائي بالذي أنا طالبه )
( فإن ترمني غفلة قرشية ... فيا ربما قد غص بالماء شاربه )
( وأن تر مني وثبة أموية ... فهذا وهذا كل ذا أنا صاحبه )
( فلا تأمننى والحوادث جمة ... فإنك تجزي بالذي أنت كاسبه )
( فلا تعد ما يأتيك مني وإن تعد ... يقمن به يوما عليك نوادبه )
( فلا تمنعن الناس حقا علمته ... ولا تعطين ما ليس للناس واجبه )
( فإنك أن تعطي الحقوق فإنما ... النوافل شيء لا يثيبك واهبه )
فلما ورد الكتاب على الحجاج كتب إلى أمير المؤمنين أما بعد فقد ورد كتاب أمير المؤمنين بذكر إسرافي وتبذيري في الأموال ولعمري ما بلغت في عقوبة أهل المعصية ولا قضيت حقوق أهل الطاعة فإن كان قتلي العصاة إسرافا وإعطائي المطيعين تبذيرا فليمض لي أمير المؤمنين ما سلف والله ما أصبت القوم خطأ فأوديهم ولا ظلمتهم عمدا فأقاديهم ولا قتلت إلا لك ولا أعطيت إلا فيك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وكتب في أسفل الكتاب
( إذا أنا لا أبغي رضاك وأتقي ... أذاك فليلي لا توارى كواكبه )
( وما لامرىء بعد الخليفة جنة ... تقيه من الأمر الذي هو راكبه )
( إذا قارف الحجاج فيك خطيئة ... لقامت عليه بالصباح نوادبه )
( إذا أنا لم أدن الشفيق لنصحه ... واقص الذي تسري إلي عقاربه )
( وأعط المواسي في البلاء عطية ... لرد الذي ضاقت علي مذاهبه )
( فمن يتقي بؤسي ويرجو مودتي ... ويخشى غدا والدهر جم نوائبه )
( وأمري إليك اليوم ما قلت قلته ... وما لم تقله لم أقل ما يقاربه )
( ومهما أردت اليوم مني أردته ... وما لم ترده اليوم إني مجانبه )
( وقف بي على حد الرضا لا أجوزه ... مدى الدهر حتى يرجع الدرحالبه )
( وإلا فدعني والأمور فإنني ... شفيق رفيق أحكمته تجاربه )
فلما انتهى الكتاب إلى عبد الملك قال خاف أبو محمد صولتي ولم يعاود لأمر كرهته إن شاء الله تعالى فمن يلومني على محبته يا غلام أكتب إليه الشاهد يرى ما لا يرى الغائب وأنت أعلى عينا بما هناك
وفي مروج الذهب للمسعودي أن أم الحجاج وهي الفارغة بنت همام ولدته مشوها لا دبر له فثقب له دبر وأبى أن يقبل الثدي وأعياهم أمره فيقال ان الشيطان تصور له في صورة الحرث بن كلدة حكيم العرب فسألهم عن ذلك فأخبره مخبر من أهله فقال لهم اذبحوا له تيسا وألعقوه من دمه وأولغوه فيه ثم أطلوا به وجهه ففعلوا ذلك فقبل الثدي فلأجل ذلك كان لا يصبر عن سفك الدماء وكان يخبر عن نفسه أن أكبر لذاته سفك الدماء وارتكاب أمور لا يقدر غيره عليها وكانت أمه متزوجة قبل أبيه الحرث بن كلدة فدخل عليها يوما في السحر فوجدها تخلل أسنانها فطلقها فسألته لم فعل فقال لها إن كنت باكرت الغداء فأنت شرهة وإن كان بقايا طعام بفيك فأنت قذرة فقالت كل ذلك لم يكن وإنما تخللت من شظايا السواك فقال قضي الأمر فتزوجها بعده يوسف بن عقيل الثقفي فأولدها الحجاج وقيل أن الحجاج تقلد الإمارة وهو ابن عشرين سنة ومات وله ثلاث وخمسون سنة وكان من عنف السياسة وثقل الوطأة وظلم الرعية والإسراف في القتل على ما لا يبلغه وصف أحصي من قتله الحجاج بأمره سوى من قتله في حروبه فكانوا مائة ألف وعشرين ألفا ووجد في سجنه خمسون ألف رجل وثلاثون ألف امرأة لم يجب على أحد منهم قطع ولا قتل وكان يحبس الرجال والنساء في موضع واحد ولم يكن لحبسه سقف يستر الناس من الحر والبرد وقيل للشعبي أكان الحجاج مؤمنا قال نعم بالطاغوت وقال لو جاءت كل أمة بخبيثها وفاسقها وجئنا بالحجاج وحده لزدنا عليهم والله أعلم وقد مضي القول في ذكر الفصحاء من الرجال وحكاياتهم وما أعان الله تعالى عليه واستحضرته من أخبارهم وأنا قائل أن شاء الله تعالى ما استحضرته من ذكر فصحاء النساء وأخبارهن وحكاياتهن والله المستعان