المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دور البابا يوحنا بولس الثاني فى العلاقات الاسلامية - المسيحية



khaled emesh
18-07-2005, 01:59 PM
يمكن اختصار دور البابا الراحل يوحنا بولس الثاني في العلاقات الاسلامية – المسيحية بعبارة واحدة هي ان هذه العلاقات كانت قبل يوحنا بولس الثاني شيء. واصبحت معه شيئاً آخر. اما بعده فالامر متروك لمن جاء بعده.
تصوروا لو ان البابا لم يقف من حيث المبدأ ضد ربط الدين – أي دين – بالارهاب. تصوروا لو انه لم يبادر بعد جريمة 11 ايلول 2001 الى اعطاء الضوء الاخضر لعقد لقاء اسلامي – مسيحي على مستوى عال في روما ليعلن اللقاء ان الدين – كل دين – براء من الارهاب. وبالتالي فان الاسلام ليس منبعاً للارهاب، وانه لا يشكل مع الارهاب وجهين لحالة واحدة. تصوروا لو انه قال العكس من ذلك كما ردد بعض قساوسة الحركة الصهيونية المسيحانية في الولايات المتحدة امثال جيري فولويل وفرانكلين غراهام وبات روبرتسون وهال ليندسي وسواهم... بل تصوروا لو انه سكت ولم يقل شيئاً، بحيث يمكن تفسير سكوته على انه موافقة ضمنية. أين كانت العلاقات الاسلامية – المسيحية اليوم؟
تصوروا لو ان البابا لم يقف ضد الحرب الاميركية - البريطانية على العراق. تصوروا لو انه لم يقل انها غير اخلاقية وغير مبررة. تصوروا لو قال العكس كما كانت تريد واشنطن ولندن. ماذا كان قد حل بالعلاقات الاسلامية – المسيحية؟ حتى عندما زلق لسان الرئيس جورج بوش وقال انها صليبية جديدة، تصوروا لو ان البابا أيّد، او سكت ولم يقل انها حرب منافية للقيم المسيحية. أين كنا اليوم؟
تصوروا لو ان البابا بعد ان زار اسرائيل ووقف بخشوع امام حائط المبكى (البراق) امتنع عندما زار بعد ذلك سوريا عن دخول المسجد الأموي الكبير في دمشق، حيث وقف بخشوع ايضاً امام مثوى القديس يوحنا المعمدان الذي نسميه نحن المسلمين بالنبي يحيى ونعتبره ولياً مكرماً من أولياء الله الصالحين.
تصوروا لو انه رفض الاجتماع الى الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بحجة انه زعيم ارهابي، كما كان يروج اعداؤه وأعداء القضية الفلسطينية من الاسرائيليين وغير الاسرائيليين. تصوروا لو لم يرفع لواء الحق الفلسطيني ويدافع عنه في لقاءاته حتى مع الاسرائيليين أنفسهم. اين كانت العلاقات الاسلامية – المسيحية في فلسطين وتالياً في العالم العربي، بل وفي العالم الاسلامي اجمع؟
تصوروا لو انه وافق على المقترحات التي قدمت اليه بضمان استقلال المواقع الدينية المسيحية في القدس وبضمان حرية الوصول اليها، مقابل السكوت على انتهاك الحق الوطني للفلسطينيين في ارضهم المحتلة... اي كارثة كان يمكن ان تصيب العلاقات الاسلامية – المسيحية؟
تصوروا لو ان البابا لم يدعُ الى السينودس من اجل لبنان. تصوروا لو انه بصفته قيّماً روحياً على المسيحيين انحاز اليهم بالمطلق اثناء الحرب الفتنة ولم يحاول ان يوفق بينهم وبين اخوانهم في الوطن. ماذا كان حل بالعلاقات الاسلامية – المسيحية في لبنان؟
تصوروا لو ان البابا لم يدع المسلمين (السنّة والشيعة والدروز) الى المشاركة في السينودس. تصوروا لو انه لم يشأ الاستماع الى وجهة نظرهم، ولم يشركهم في امر الارشاد الرسولي. تصوروا لو انه لم يحثّ المسيحيين اللبنانيين في الارشاد على مواصلة دورهم الرائد في العالم العربي بصفتهم جزءاً من لحم هذه الأمة ودمها ومن بنائي ثقافتها ومنقذي لغتها من التتريك. اين كنا الآن؟
تصوروا لو ان البابا استبعد المسلمين من مؤتمرات الحوار بين الاديان التي دعا اليها ورعاها شخصياً وهي المؤتمرات التي ساهمت في مدّ جسور التفاهم والاحترام بين المسلمين والمسيحيين على مستوى العالم كله.
اكثر من ذلك. تصوروا لو ان البابا قال "لا" لمحافظ مدينة روما – عندما زاره المحافظ للاستئناس برأيه في شأن طلب تقدم به سفراء الدول الاسلامية في ايطاليا لبناء مسجد ومركز ثقافي اسلامي في العاصمة الايطالية. ثم تصوروا معنى الـ"نعم" التي شدد عليها مقرونة بالطلب الى المحافظ بأن يقدم الارض مجاناً لبناء المشروع.
صحيح ان الحوار الاسلامي مع الفاتيكان بدأ قبل ان يتولى البابا يوحنا بولس الثاني السدة البابوية، وصحيح انه انطلق من القواعد التي أقرّها الفاتيكان الثاني في عام 1964. وصحيح ان لقاءات عمل عقدت في الفاتيكان مع مسؤولين من رابطة العالم الاسلامي بمكة المكرمة، برعاية وتشجيع من المملكة العربية السعودية، ثم مع جمعية الدعوة الاسلامية – العالمية في ليبيا، الا ان البابا الراحل دفع تلك اللقاءات الى مستوى عالٍ، واهتم بها شخصياً، مما مكّن العلاقات الاسلامية – المسيحية من ان تحقق على يديه قفزات كبيرة الى الامام، وان تفتح آفاقاً واسعة، وأن ترسي قواعد جديدة للانطلاق نحو المزيد من التعاون البناء.
كان البابا الراحل جريئاً في المواقف التي اتخذها. وكان أكثر ما يكون جرأة في الاعتذارات التي قدمها الى كل الشعوب التي تعرضت على مدى التاريخ للاساءة باسم الكنيسة الكاثوليكية.
في ذلك الوقت من عام 1992 نشرتُ مقالة في جريدة "النهار" اشدت فيها بهذا الموقف الاعتذاري الاخلاقي الرفيع وتساءلت في الوقت نفسه: متى يعتذر البابا ايضاً عن الاساءات التي ارتكبها الفرنجة عندما غزوا منطقتنا باسم الصليبية، علماً بأن ضحايا تلك الغزوات لم يكونوا مسلمين فقط، ولكنهم كانوا مسلمين ومسيحيين ويهوداً؟
خالد عميش
khaled emesh