المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تقديم جهاد الدفع على كل شيء



حق اليقين
19-07-2005, 04:41 PM
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

كِتَابُ الْجِهَادِ

وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الْجِهَادِ بِبَدَنِهِ وَقَدَرَ عَلَى الْجِهَادِ بِمَالِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ بِمَالِهِ وَهُوَ نَصُّ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَكَمِ وَهُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ عِنْدَ قَوْلِهِ : { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا } فَيَجِبُ عَلَى الْمُوسِرِينَ النَّفَقَةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَعَلَى هَذَا فَيَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ الْجِهَادُ فِي أَمْوَالِهِنَّ إنْ كَانَ فِيهَا فَضْلٌ وَكَذَلِكَ فِي أَمْوَالِ الصِّغَارِ وَإِذَا اُحْتِيجَ إلَيْهَا كَمَا تَجِبُ النَّفَقَاتُ وَالزَّكَاةُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الرِّوَايَتَيْنِ فِي وَاجِبِ الْكِفَايَةِ فَأَمَّا إذَا هَجَمَ الْعَدُوُّ فَلَا يَبْقَى لِلْخِلَافِ وَجْهٌ فَإِنَّ دَفْعَ ضَرَرِهِمْ عَنْ الدِّينِ وَالنَّفْسِ وَالْحُرْمَةِ وَاجِبٌ إجْمَاعًا . قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ : سُئِلْت عَمَّنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَهُ مَا يُوفِيه وَقَدْ تَعَيَّنَ الْجِهَادُ فَقُلْت مِنْ الْوَاجِبَاتِ مَا يُقَدَّمُ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ كَنَفَقَةِ النَّفْسِ وَالزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ الْفَقِيرِ وَمِنْهَا مَا يُقَدَّمُ وَفَاءُ الدَّيْنِ عَلَيْهِ كَالْعِبَادَاتِ مِنْ الْحَجِّ وَالْكَفَّارَاتِ , وَمِنْهَا مَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ إلَّا إذَا طُولِبَ بِهِ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ , فَإِنْ كَانَ الْجِهَادُ الْمُتَعَيِّنُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ كَمَا إذَا حَضَرَهُ الْعَدُوُّ أَوْ حَضَرَ الصَّفَّ قُدِّمَ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ كَالنَّفَقَةِ وَأَوْلَى وَإِنْ كَانَ اسْتِنْفَارٌ فَقَضَاءُ الدَّيْنِ أَوْلَى إذْ الْإِمَامُ لَا يَنْبَغِي لَهُ اسْتِنْفَارُ الْمَدِينِ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ وَلِذَلِكَ قُلْت لَوْ ضَاقَ الْمَالُ عَنْ إطْعَامِ جِيَاعٍ وَالْجِهَادِ الَّذِي يَتَضَرَّرُ بِتَرْكِهِ قَدَّمْنَا الْجِهَادَ وَإِنْ مَاتَ الْجِيَاعُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ التَّتَرُّسِ وَأَوْلَى فَإِنَّ هُنَاكَ نَقْتُلُهُمْ بِفِعْلِنَا وَهُنَا يَمُوتُونَ بِفِعْلِ اللَّهِ . وَقُلْت أَيْضًا : إذَا كَانَ الْغُرَمَاءُ يُجَاهِدُونَ بِالْمَالِ الَّذِي يَسْتَوْفُونَهُ فَالْوَاجِبُ وَفَاؤُهُمْ لِتَحْصِيلِ الْمَصْلَحَتَيْنِ : الْوَفَاءِ وَالْجِهَادِ . وَنُصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ تُوَافِقُ مَا كَتَبْتُهُ وَقَدْ ذَكَرَهَا الْخَلَّالُ

وفي رد المحتار :

( فَقِيهٌ فِي بَلْدَةٍ لَيْسَ فِيهَا غَيْرُهُ أَفْقَهُ مِنْهُ يُرِيدُ أَنْ يَغْزُوَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ) بَزَّازِيَّةٌ وَغَيْرُهَا ( قَضَى الْمَدْيُونُ الدِّينَ الْمُؤَجَّلَ قَبْلَ الْحُلُولِ أَوْ مَاتَ ) فَحَلَّ بِمَوْتِهِ ( فَأَخَذَ مِنْ تَرِكَتِهِ لَا يَأْخُذُ مِنْ الْمُرَابَحَةِ الَّتِي جَرَتْ بَيْنَهُمَا إلَّا بِقَدْرِ مَا مَضَى مِنْ الْأَيَّامِ وَهُوَ جَوَابُ الْمُتَأَخِّرِينَ ) قُنْيَةٌ وَبِهِ أَفْتَى الْمَرْحُومُ أَبُو السُّعُودِ أَفَنْدِي مُفْتِي الرُّومِ وَعَلَّلَهُ بِالرِّفْقِ لِلْجَانِبَيْنِ وَقَدْ قَدَّمْتُهُ قَبْلَ فَصْلِ الْقَرْضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . [ فَرْعٌ ] فِي آخِرِ الْكَنْزِ يَنْبَغِي لِحَافِظِ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَنْ يَخْتِمَ مَرَّةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( قَوْلُهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ) هَذَا فِي غَيْرِ الْجِهَادِ الْمُتَعَيِّنِ , لِأَنَّ نَفْعَهُ لِلْمُسْلِمِينَ أَكْثَرُ ثَوَابًا مِنْ الْجِهَادِ حَيْثُ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ ( قَوْلُهُ قَضَى الْمَدْيُونُ إلَخْ ) أَفَادَ أَنَّ الدَّيْنَ إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا , فَقَضَاهُ الْمَدْيُونُ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ يُجْبَرُ الدَّائِنُ عَلَى الْقَبُولِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ ( قَوْلُهُ لَا يَأْخُذُ مِنْ الْمُرَابَحَةِ إلَخْ ) صُورَتُهُ : اشْتَرَى شَيْئًا بِعَشَرَةٍ نَقْدًا وَبَاعَهُ لِآخَرَ بِعِشْرِينَ إلَى أَجَلٍ هُوَ عَشَرَةُ أَشْهُرٍ , فَإِذَا قَضَاهُ بَعْدَ تَمَامِ خَمْسَةٍ أَوْ مَاتَ بَعْدَهَا يَأْخُذُ خَمْسَةً , وَيَتْرُكُ خَمْسَةً ط . أَقُولُ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَهُ مَا لَوْ أَقْرَضَهُ وَبَاعَهُ سِلْعَةً بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَأَجَّلَ ذَلِكَ , فَيُحْسَبُ لَهُ مِنْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ بِقَدْرِ مَا مَضَى فَقَطْ تَأَمَّلْ ( قَوْلُهُ وَعَلَّلَهُ إلَخْ ) عَلَّلَهُ الْحَانُوتِيُّ بِالتَّبَاعُدِ عَنْ شُبْهَةِ الرِّبَا , لِأَنَّهَا فِي بَابِ الرِّبَا مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ وَوُجِّهَ أَنَّ الرِّبْحَ فِي مُقَابَلَةِ الْأَجَلِ , لِأَنَّ الْأَجَلَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا , وَلَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ لَكِنْ اعْتَبَرُوهُ مَالًا فِي الْمُرَابَحَةِ إذَا ذُكِرَ الْأَجَلُ بِمُقَابَلَةِ زِيَادَةِ الثَّمَنِ , فَلَوْ أَخَذَ كُلَّ الثَّمَنِ قَبْلَ الْحُلُولِ كَانَ أَخْذُهُ بِلَا عِوَضٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ

وفي فتح العلي المالك :

وَنَصُّ مَا فِي الْمِعْيَارِ وَسُئِلَ بَعْضُ فُقَهَاءِ تِلِمْسَانَ جَوَابُكُمْ سَيِّدِي عَمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى فِي بِلَادِنَا وَعَظُمَ مِنْ أَجْلِهِ الْخَطْبُ وَاتَّسَعَتْ فِيهِ الْمَقَالَاتُ وَذَلِكَ أَنَّ الْخَلِيفَةَ أَصْلَحَ اللَّهُ صَالَحَ هَؤُلَاءِ النَّصَارَى الَّذِينَ أَخَذُوا سَوَاحِلَنَا إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَالْمُسْلِمُونَ يَرَوْنَ أَنَّ جِهَادَهُمْ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ فَصَارُوا يُغِيرُونَ عَلَى أَطْرَافِ بِلَادِهِمْ فَيَقْتُلُونَ وَيُضَيِّقُونَ بِهِمْ هَلْ ذَلِكَ طَاعَةٌ , أَوْ مَعْصِيَةٌ وَالْفَرْضُ أَنَّ الْخَلِيفَةَ لَا يُوَافِقُ عَلَى ذَلِكَ وَيُعَاقِبُ عَلَيْهِ أَجِيبُونَا أُرْشِدْتُمْ وَوُفِّقْتُمْ .

فَأَجَابَ

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَيَّدَ الدِّينَ الْمُحَمَّدِيَّ بِالْجِهَادِ وَوَعَدَ السَّاعِيَ فِيهِ بِالْوُصُولِ إلَى أَسْنَى الْمُرَادِ وَالشَّهِيدُ بِالْحَيَاةِ الْمَحْفُوفَةِ بِالرِّزْقِ وَالْحُسْنِ فِي بَرْزَخِ الْمَوْتِ وَالْإِمْدَادِ فَمَا مِنْ مَيِّتٍ إلَّا يَتَمَنَّى الْعَوْدَ إلَى الدُّنْيَا إلَّا الشَّهِيدُ لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ مِنْ ذِي الْعَرْشِ الْمَجِيدِ فَيَطْلُبَهَا لِيُزَادَ لَهُ مِنْ الْكَرَامَةِ مَا لَا عَيْنَ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ بَعْدَ الْمَعَادِ فَأَعْظِمْ بِهِ مِنْ وَصْفٍ لَا تُحْصَى فَضَائِلُهُ إذْ قَدِمْت عَلَى نَوَافِلِ الْخَيْرِ الْمُعَلَّى نَوَافِلُهُ عِنْدَ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْمَبْعُوثِ لِجَمِيعِ الْخَلَائِقِ الْمَبْعُوثِ بِجَمِيلِ الْخَلَائِقِ الْقَامِعِ بِلِسَانِهِ وَسَيْفِهِ وَبُرْهَانِهِ أَهْلَ الْبَاطِلِ وَالْعِنَادِ , وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ وَازَرُوهُ عَلَى إظْهَارِ الْخِزْيِ عَنْهُ مِنْ الْأَضْدَادِ فَجَلَبُوا بِبَرَكَتِهِ لِأُمَّتِهِ الْمَصَالِحَ وَبَذَلُوا لَهُمْ النَّصَائِحَ وَدَفَعُوا الْفَسَادَ صَلَاةً وَسَلَامًا فَنَالَ بِبَرَكَتِهِمَا مِنْ الْخَيْرَاتِ وَالْبَرَكَاتِ مَا يَخْرُجُ عَنْ الْمُعْتَادِ . أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا الْأَخُ الْكَرِيمُ مَسْجِدُهُ الْجَمِيلُ مُعْتَقَدُهُ , فَإِنَّ جَوَابَ سُؤَالِك يَتَوَقَّفُ عَلَى تَقْرِيرِ مُقَدِّمَةٍ بِتَقْرِيرِهَا يَتَبَيَّنُ مَا يَتَّضِحُ بِهِ الْمَسْئُولُ عَنْهُ فَنَقُولُ الصُّلْحُ الْوَاقِعُ بَيْنَ إمَامِ الْمُسْلِمِينَ وَأَعْدَاءِ الدِّينِ عَلَى ضَرْبَيْنِ : الضَّرْبُ الْأَوَّلُ حَيْثُ يَكُونُ الْجِهَادُ فَرْضَ كِفَايَةٍ . وَالثَّانِي حَيْثُ يَكُونُ فَرْضَ عَيْنٍ . أَمَّا الْأَوَّلُ فَحَيْثُ يَكُونُ الْمُسْلِمُونَ طَالِبِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ الْحَرْبِيِّينَ فَالصُّلْحُ لِمَصْلَحَةٍ يَرَاهَا الْإِمَامُ بِحَسَبِ اجْتِهَادِهِ جَائِزٌ عِنْدَ الْمَالِكِيِّينَ وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ سَحْنُونَ أَنَّهُ قَالَ لَا يَبْعُدُ فِي الْمُدَّةِ وَنَقَلَ ابْنُ شَاسٍ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّهُ اسْتَحَبَّ أَنْ لَا تَكُونَ الْمُدَّةُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إلَّا مَعَ الْعَجْزِ . وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي فَمَهْمَا تَعَيَّنَ الْجِهَادُ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يَجُزْ فِيهِ الصُّلْحُ كَمَا لَوْ كَانَ الْعَدُوُّ طَالِبًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ , وَقَدْ يَفْجَأُ مَوْضِعَهُمْ , وَهُوَ ضِعْفُ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ فَأَقَلُّ لَا شِدَّةَ وَعُدَّةَ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ نَزَلَ بِهِمْ , وَمَنْ قَارَبَهُمْ دَفْعَهُمْ فِي الْحِينِ وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ عَنْ الدَّاوُدِيِّ فَرْضِيَّةَ الْجِهَادِ عَلَى مَنْ يَلِي الْعَدُوَّ وَيَسْقُطُ عَمَّنْ بَعُدَ عَنْهُ وَقَرَّرَهُ الْمَازِرِيُّ بِأَنَّهُ بَيَانٌ لِتَعَلُّقِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ لِمَنْ حَضَرَ مَحَلَّ تَعَلُّقِهِ قَادِرًا عَلَيْهِ دُونَ مَنْ بَعُدَ عَنْهُ لِعُسْرِهِ , فَإِنْ عَصَى الْحَاضِرُ تَعَلَّقَ بِمَنْ يَلِيهِ وَحَاصِلُ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ الَّذِي هُوَ حُكْمُ الْجِهَادِ قَدْ يَعْرِضُ لَهُ مَا يُوجِبُهُ عَلَى الْأَعْيَانِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ . وَفِي تَلْقِينِ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ قَدْ يَتَعَيَّنُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ عَلَى مَنْ يَفْجَؤُهُمْ الْعَدُوُّ . وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ عَنْ سَحْنُونَ إنْ نَزَلَ أَمْرٌ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْجَمِيعِ كَانَ عَلَيْهِمْ فَرْضًا وَلَوْ سَبَى الْمُشْرِكُونَ النِّسَاءَ وَالذُّرِّيَّةَ وَالْأَمْوَالَ وَجَبَ اسْتِنْقَاذُهُمْ عَلَى مَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَخَافُوا عَلَى أَنْفُسهمْ , أَوْ عَلَى أَهْلِيهِمْ بِرُؤْيَةِ سُفُنٍ , أَوْ خَبَرٍ عَنْهَا فَكُلُّ مَا نُقِلَ فِي تَعَيُّنِ فَرْضِ الْجِهَادِ مَانِعٌ مِنْ الصُّلْحِ لِاسْتِلْزَامِهِ لِإِبْطَالِ فَرْضِ الْعَيْنِ الَّذِي هُوَ الْجِهَادُ الْمَطْلُوبُ فِيهِ الِاسْتِنْقَاذُ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ سُئِلَ مَالِكٌ أَوَاجِبٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ افْتِدَاءُ مَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ قَالَ نَعَمْ أَلَيْسَ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ أَنْ يُقَاتَلُوا حَتَّى يَسْتَنْقِذُوهُمْ قَالَ بَلَى قَالَ فَكَيْفَ لَا يَفْدُونَهُمْ بِأَمْوَالِهِمْ وَفِي مِثْلِ هَذَا أَعْنِي حَيْثُ يَتَعَيَّنُ الْجِهَادُ , حَكَى الْقَاضِي ابْنُ رُشْدٍ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ أَقْوَى مِنْ الذَّهَابِ إلَى حَجَّةِ الْفَرِيضَةِ ; لِأَنَّ الْجِهَادَ إنْ تَعَيَّنَ كَانَ عَلَى الْفَوْرِ وَالْحَجُّ قَدْ قِيلَ فِيهِ إنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي وَلَمَّا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ بِمَا فِيهَا مِنْ النُّصُوصِ لِلْأَئِمَّةِ تَعَيَّنَ بِهَا أَنَّ الْجِهَادَ فَرْضُ عَيْنٍ فِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ فَيُمْتَنَعُ فِيهِ الصُّلْحُ عَلَى كُلِّ حَالٍ لَا سِيَّمَا إنْ طَالَتْ مُدَّتُهُ , فَقَدْ عَادَتْ عَلَى الْعَدُوِّ أَهْلَكَهُ اللَّهُ مَصْلَحَتُهُ , وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ مَفْسَدَتُهُ , وَإِنْ تَخَيَّلْت فِيهِ مَصْلَحَةً فَهِيَ لِلْعَدُوِّ أَعْظَمُ مِنْ وُجُوهٍ مُكَمِّلَةٍ , فَإِنَّهُ يَتَحَصَّنُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَيُكْثِرُ مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ وَالْعُدَّةِ فَيَتَعَذَّرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الِاسْتِنْقَاذُ وَيَصْعُبُ عَلَيْهِمْ تَحْصِيلُ الْمُرَادِ بَعْدَ تَيَسُّرِهِ لَوْ سَاعَدَ التَّوْفِيقُ وَلَكِنَّ الْمَوْلَى جَلَّ جَلَالُهُ الْمَسْئُولُ فِي هِدَايَتِهِ إلَى سَوَاءِ الطَّرِيقِ فَمَا وَقَعَ مِنْ الصُّلْحِ هُوَ مَفْسَدَةٌ عَلَى الْإِسْلَامِ فَلَا يَكُونُ لَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إبْرَامٌ فَالصُّلْحُ الْمَذْكُورُ يَجِبُ نَقْضُهُ ; لِأَنَّهُ بِمُقْتَضَى الشَّرْعِ غَيْرُ مُنْبَرِمٍ فَحُكْمُهُ غَيْرُ لَازِمٍ عِنْدَ كُلِّ مَنْ حَقَّقَ أُصُولَ الشَّرِيعَةِ قَالَ فِي التَّلْقِينِ وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْجِهَادِ لِهُدْنَةٍ إلَّا مِنْ عُذْرٍ لَا يُقَالُ الصُّلْحُ الْمَسْئُولُ عَنْهُ دَاخِلٌ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ . وَالصُّلْحُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَا يَكُونُ فِي الْغَالِبِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ عَلَى أَنَّهُ حُكْمٌ اجْتِهَادِيٌّ مِنْ إمَامٍ فَلَا سَبِيلَ إلَى نَقْضِهِ ; لِأَنَّا نَقُولُ وَقَعَ ذَلِكَ عَقِبَ الدَّاهِيَةِ الدَّهْيَاءِ وَهِيَ انْتِهَازُ الْعَدُوِّ دَمَّرَهُ اللَّهُ الْفُرْصَةَ فِي بِلَادِ الْمَغْرِبِ مَعَ تَوَفُّرِ الْإِسْلَامِ وَالْعَدَدِ وَالْعَدُوُّ لَيْسَ لَهُ فِيهَا مَدَدٌ وَالْمُسْلِمُونَ لَا يَقْصِرُونَ عَنْ ضِعْفِ الْعَدُوِّ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ عَدُوُّهُمْ ضِعْفَهُمْ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الصُّلْحُ لِخَوْفِ اسْتِئْصَالِ الْكَافِرِينَ بَقِيَّةَ الْمُسْلِمِينَ . وَإِمَّا لِلْخَوْفِ مِنْ الْمُحَارَبِينَ وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِمُخَالَفَتِهِ الْفَرْضَ وَالثَّانِي كَذَلِكَ أَيْضًا ; لِأَنَّ الْخَوْفَ مِنْ الْمُحَارِبِ بِالْفَرْضِ مَعَ إمْكَانِ انْقِسَامِ الْعَدَدِ وَاتِّصَالِ الْمُسْلِمِينَ بِحُصُولِ الْمَدَدِ فَالْوَاجِبُ الْقِتَالُ , وَإِنْ كَانَ الْعَدُوُّ ذَا جَلَدٍ وَمَعَهُ كَثْرَةُ الْعَدَدِ فَلَا يَدْخُلُ الصُّلْحُ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَحُكْمُ الْجِهَادِ يُنْتَقَضُ إذَا تُبَيِّنَ فِيهِ الْخَطَأُ كَمَا نُقِلَ عَنْ سَحْنُونَ وَطُولُ الْمُدَّةِ فِي الصُّلْحِ الْمَذْكُورِ خَطَأٌ فَيُنْتَقَضُ الصُّلْحُ وَذَلِكَ أَيْضًا ; لِأَنَّ الصُّلْحَ الْمَذْكُورَ فِيهِ تَرْكُ الْجِهَادِ الْمُتَعَيَّنِ وَتَرْكُ الْجِهَادِ لِيُسَكِّنَّهُ مُمْتَنِعٌ فَالصُّلْحُ الْمَذْكُورُ مُمْتَنَع وَكُلُّ مُمْتَنِع غَيْرُ لَازِمٍ وَالْجِهَادُ فِي الْمَوْضُوعِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَزَلْ مُتَعَيَّنًا مِنْ زَمَنِ الْوَخْزَةِ إلَى الْآنِ وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ طَمِعَ قَوْمٌ فِي فُرْصَةٍ فِي عَدُوٍّ قُرْبَهُمْ وَخَشُوا إنْ أَعْلَمُوا الْإِمَامَ يَمْنَعُهُمْ فَوَاسِعٌ خُرُوجُهُمْ وَأَحَبَّ إلَى أَنْ يَسْتَأْذِنُوهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ سَمِعْت أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ إنْ نَهَى الْإِمَامُ عَنْ الْقِتَالِ لِمَصْلَحَةٍ حُرِّمَتْ مُخَالَفَتُهُ إلَّا أَنْ يَزْحَمَهُمْ الْعَدُوُّ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ طَاعَةُ الْإِمَامِ لَازِمَةٌ , وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ مَا لَمْ يَأْمُرْ بِمَعْصِيَةٍ وَمِنْ الْمَعْصِيَةِ النَّهْيُ عَنْ الْجِهَادِ الْمُتَعَيِّنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .