المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رسالة هامة جدا للمجاهدين في العراق



حق اليقين
19-07-2005, 04:47 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

أما بعد :

أيها الإخوة الكرام ، يا من رفعتم رأس الأمة عاليا

أيها المجاهدون في سبيل الله

هناك بعض النصائح السريعة لا بد منها حتى لا نقع فيما وقع فيه غيرنا

وقبل هذه النصائح أقول لكم :

لقد قامت ثورات التحرير في العالم الإسلامي من بيوت الله تعالى وعلى يد علماء أبرار أطهار رووا هذه الأرض الطيبة بدمائهم الزكية العطرة ، ولكنه كثيرا ما كان العدو يلتف على المقاومة الإسلامية من خلال الخونة والعملاء غير المكشوفين ، ويطالبهم بوقف القتال أو التفاوض معه حتى يكتشفهم ليضربهم أو يحاول تغيير أهدافهم الثابتة في مقاومة المحتل الكافر والظالم والباغي ، بل كثيرا ما كان يندس في صفوف المجاهدين أناس منافقون قد وضعهم العدو وشراهم بثمن بخس ، وبعد خروج المحتل المباشر يسلم هؤلاء العملاء والمنافقون الذين يحملون فكره وعفنه ونتنه فيكونون على الأمة أسوأ من العدو المباشر بكثير ، ولا تستطيع الأمة مقاومتهم بحجة أنهم من الأمة أو بحجة أنهم مسلمون ونحو ذلك ، وقد استلم بلاد الإسلام جميعا أناس من هذا القبيل فعاثوا في الأرض فسادا ولم يرقبوا في مؤمن ولا مؤمنة إلا ولا ذمة ، فأوصلوا الأمة إلى الهاوية ، ومكنوا للعدو من رقابها ، وأفرغوها من محتواها ، وجعلوها أمة لا قيمة لها ولا قدر ، ذليلة ضعيفة جبانة ، مستباحة الحرمات ، وقد حدث هذه من طنجة إلى جاكرتا ،دون استثناء بلد واحد ، ونحن لا نريد للمقاومة الإسلامية أن تقع فيما وقع فيه من قبلها ، ولا أن تؤتى من قبل أنفسها

والذي أريد أن أنبه الإخوة في المقاومة الإسلامية عليه ما يلي :

1. يجب أن يكون جهادنا في سبيل الله ليس إلا ففي البخاري عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْقِتَالُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّ أَحَدَنَا يُقَاتِلُ غَضَبًا وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً. فَرَفَعَ إِلَيْهِ رَأْسَهُ - قَالَ وَمَا رَفَعَ إِلَيْهِ رَأْسَهُ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ قَائِمًا - فَقَالَ « مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِىَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ». فلا يجوز أن يكون قتالنا من أجل الدنيا ولا من أجل البعث ولا من أجل الشهوات ولا من أجل المتاع الرخيص وفي البخاري عَنْ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ ».

وقال تعالى : {الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} (76) سورة النساء

الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله ; لتحقيق منهجه , وإقرار شريعته , وإقامة العدل "بين الناس" باسم الله . لا تحت أي عنوان آخر . اعترافا بأن الله وحده هو الإله ومن ثم فهو الحاكم:

والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت , لتحقيق مناهج شتى - غير منهج الله - وإقرار شرائع شتى - غير شريعة الله - وإقامة قيم شتى - غير التي أذن بها الله - ونصب موازين شتى غير ميزان الله !

ويقف الذين آمنوا مستندين الى ولاية الله وحمايته ورعايته .

ويقف الذين كفروا مستندين إلى ولاية الشيطان بشتى راياتهم , وشتى مناهجهم , وشتى شرائعهم , وشتى طرائقهم , وشتى قيمهم , وشتى موازينهم . . فكلهم أولياء الشيطان .

ويأمر الله الذين أمنوا أن يقاتلوا أولياء الشيطان ; ولا يخشوا مكرهم ولا مكر الشيطان:

فقاتلوا أولياء الشيطان , إن كيد الشيطان كان ضعيفًا .

وهكذا يقف المسلمون على أرض صلبة , مسندين ظهورهم إلى ركن شديد . مقتنعي الوجدان بأنهم يخوضون معركة لله , ليس لأنفسهم منها نصيب , ولا لذواتهم منها حظ . وليست لقومهم , ولا لجنسهم , ولا لقرابتهم وعشيرتهم منها شيء . . إنما هي لله وحده , ولمنهجه وشريعته . وأنهم يواجهون قوما أهل باطل ; يقاتلون لتغليب الباطل على الحق . لأنهم يقاتلون لتغليب مناهج البشر الجاهلية- وكل مناهج البشر جاهلية - على شريعة منهج الله ; ولتغليب شرائع البشر الجاهلية- وكل شرائع البشر جاهلية - على الله ; ولتغليب ظلم البشر - وكل حكم للبشر من دون الله ظلم - على عدل الله , الذي هم مأمورون أن يحكموا به بين الناس . .

كذلك يخوضون المعركة , وهم يوقنون أن الله وليهم فيها . وأنهم يواجهون قوما , الشيطان وليهم فهم إذن ضعاف . .إن كيد الشيطان كان ضعيفا . .

ومن هنا يتقرر مصير المعركة في حس المؤمنين , وتتحدد نهايتها . قبل أن يدخلوها . وسواء بعد ذلك استشهد المؤمن في المعركة - فهو واثق من النتيجة - أم بقي حتى غلب , ورأى بعينيه النصر ; فهو واثق من الأجر العظيم .

من هذا التصور الحقيقي للأمر في كلتا حالتيه , انبثقت تلك الخوارق الكثيرة التي حفظها تاريخ الجهاد في سبيل الله في حياة الجماعة المسلمة الأولى ; والتي تناثرت على مدى التاريخ في أجيال كثيرة . وما بنا أن نضرب لها هنا الأمثال ; فهي كثيرة مشهورة . . ومن هذا التصور كان ذلك المد الإسلامي العجيب , في أقصر فترة عرفت في التاريخ ; فقد كان هذا التصور جانبا من جوانب التفوق الذي حققه المنهج الرباني للجماعة المسلمة , على المعسكرات المعادية . . ذلك التفوق الذي أشرنا إليه من قبل في هذا الجزء . وبناء هذا التصور ذاته كان طرفا من المعركة الكلية الشاملة التي خاضها القرآن في نفوس المؤمنين , وهو يخوض بهم المعركة مع أعدائهم المتفوقين في العدد والعدة والمال ; ولكنهم في هذا الجانب كانوا متخلفين ; فأمسوا مهزومين !

وها نحن أولاء نرى الجهد الذي بذله المنهج في إنشاء هذا التصور وتثبيته . فلم يكن الأمر هينا . ولم يكن مجرد كلمة تقال . ولكنه كان جهدا موصولا , لمعالجة شح النفس , وحرصها على الحياة - بأي ثمن - وسوء التصور لحقيقة الربح والخسارة . . . (الظلال )



2. يجب أن يكون الولاء والبراء متأصلا في كل تصرفاتنا سواء في علاقاتنا مع القريب والبعيد إن كنا مؤمنين حقا قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (23) سورة التوبة

وقال تعالى : { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (4) سورة الممتحنة

وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (57) سورة المائدة

وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (51) سورة المائدة

إن هذه العقيدة لا تحتمل لها في القلب شريكا ; فإما تجرد لها , وإما انسلاخ منها . وليس المطلوب أن ينقطع المسلم عن الأهل والعشيرة والزوج والولد والمال والعمل والمتاع واللذة ; ولا أن يترهبن ويزهد في طيبات الحياة . . كلا إنما تريد هذه العقيدة أن يخلص لها القلب , ويخلص لها الحب , وأن تكون هي المسيطرة والحاكمة , وهي المحركة والدافعة . فإذا تم لها هذا فلا حرج عندئذ أن يستمتع المسلم بكل طيبات الحياة ; على أن يكون مستعدا لنبذها كلها في اللحظة التي تتعارض مع مطالب العقيدة .

ومفرق الطريق هو أن تسيطر العقيدة أو يسيطر المتاع ; وأن تكون الكلمة الأولى للعقيدة أو لعرض من أعراض هذه الأرض . فإذا اطمأن المسلم إلى أن قلبه خالص لعقيدته فلا عليه بعد هذا أن يستمتع بالأبناء والإخوة وبالزوج والعشيرة ; ولا عليه أن يتخذ الأموال والمتاجر والمساكن ; ولا عليه أن يستمتع بزينة الله والطيبات من الرزق - في غير سرف ولا مخيلة - بل إن المتاع بها حينئذ لمستحب , باعتباره لونا من ألوان الشكر لله الذي أنعم بها ليتمتع بها عباده , وهم يذكرون أنه الرازق المنعم الوهاب .

(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء - إن استحبوا الكفر على الإيمان -) . .

وهكذا تتقطع أواصر الدم والنسب , إذا انقطعت آصرة القلب والعقيدة . وتبطل ولاية القرابة في الأسرة إذا بطلت ولاية القرابة في الله . فلله الولاية الأولى , وفيها ترتبط البشرية جميعا , فإذا لم تكن فلا ولاية بعد ذلك , والحبل مقطوع والعروة منقوضة .

(ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون) . .

و(الظالمون) هنا تعني المشركين . فولاية الأهل والقوم - إن استحبوا الكفر على الإيمان - شرك لا يتفق مع الإيمان . (الظلال)

وهكذا تقررت تلك القاعدة الأصيلة الحاسمة في علاقات المجتمع الإسلامي ; وفي طبيعة بنائه وتكوينه العضوي الذي يتميز به عن سائر المجتمعات الجاهلية قديما وحديثا إلى آخر الزمان . ولم يعد هناك مجال للجمع بين "الإسلام" وبين إقامة المجتمع على أية قاعدة أخرى غير القاعدة التي اختارها الله للأمة المختارة . والذين يدعون صفة الإسلام , ثم يقيمون مجتمعاتهم على قاعدة أو أكثر من تلك العلاقات الجاهلية التي أحل الإسلام محلها قاعدة العقيدة , إما أنهم لا يعرفون الإسلام ; وإما أنهم يرفضونه . والإسلام في كلتا الحالتين لا يعترف لهم بتلك الصفة التي يدعونها لأنفسهم وهم لا يطبقونها , بل يختارون غيرها من مقومات الجاهلية فعلا !

وندع هذه القاعدة - وقد صارت واضحة تماما - لننظر في جوانب من حكمة الله في إقامة المجتمع الإسلامي على هذه القاعدة . .

إن العقيدة تمثل أعلى خصائص "الإنسان" التي تفرقه من عالم البهيمة ; لأنها تتعلق بالعنصر الزائد في تركيبه وكينونته عن تركيب البهيمة وكينونتها - وهو العنصر الروحي الذي به صار هذا المخلوق إنسانا في هذه الصورة - وحتى أشد الملحدين إلحادا وأكثر الماديين مادية , قد انتبهوا أخيرا إلى أن العقيدة خاصة من خواص الإنسان تفرقه فرقا أساسيا عن الحيوان .

ومن ثم ينبغي أن تكون العقيدة - في المجتمع الإنساني الذي يبلغ ذروة الحضارة الإنسانية - هي آصرة التجمع . لأنها العنصر الذي يتعلق بأخص خصائص الإنسان المميزة له عن البهائم . ولا تكون آصرة التجمع عنصرا يتعلق بشيء يشترك فيه الإنسان مع البهائم ! من مثل الأرض والمرعى والمصالح والحدود التي تمثل خواص الحظيرة , وسياج الحظيرة ! ولا تكون كذلك هي الدم والنسب والعشيرة والقوم والجنس والعنصرواللون واللغة . . فكلها مما يشترك فيه الإنسان مع البهيمة . وليس هناك إلا شؤون العقل والقلب التي يختص بها الإنسان دون البهيمة !

كذلك تتعلق العقيدة بعنصر آخر يتميز به الإنسان عن البهائم . . هو عنصر الاختيار والإرادة , فكل فرد على حدة يملك أن يختار عقيدته بمجرد أن يبلغ سن الرشد ; وبذلك يقرر نوع المجتمع الذي يريد أن يعيش فيه مختارا ; ونوع المنهج الاعتقادي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي والخلقي الذي يريد - بكامل حريته - أن يتمذهب به ويعيش . .

ولكن هذا الفرد لا يملك أن يقرر دمه ونسبه ولونه وقومه وجنسه . كما لا يملك أن يقرر الأرض التي يحب أن يولد فيها , ولغة الأم التي يريد أن ينشأ عليها . . إلى آخر تلك المقومات التي تقام عليها مجتمعات الجاهلية ! . .

إن هذه الأمور كلها يقضى فيها قبل مجيئه إلى هذه الأرض , ولا يؤخذ له فيها مشورة ولا رأي ; إنما هي تفرض عليه فرضا سواء أحب أم كره ! فإذا تعلق مصيره في الدنيا والآخرة معا - أو حتى في الدنيا وحدها - بمثل هذه المقومات التي تفرض عليه فرضا لم يكن مختارا ولا مريدا ; وبذلك تسلب إنسانيته مقوما من أخص مقوماتها ; وتهدر قاعدة أساسية من قواعد تكريم الإنسان ; بل من قواعد تركيبه وتكوينه الإنساني المميز له من سائر الخلائق !

ومن أجل المحافظة على خصائص الإنسان الذاتية , والمحافظة على الكرامة التي وهبها الله له متمشية مع تلك الخصائص ; يجعل الإسلام العقيدة - التي يملك كل فرد اختيارها بشخصه منذ أن يبلغ سن الرشد - هي الآصرة التي يقوم عليها التجمع الإنساني في المجتمع الإسلامي ; والتي يتقرر على أساسها مصير كل فرد بإرادته الذاتية . وينفي أن تكون تلك العوامل الاضطرارية , التي لا يد له فيها , ولا يملك كذلك تغييرها باختياره , هي آصرة التجمع التي تقرر مصيره طول حياته .

ومن شأن قيام المجتمع على آصرة العقيدة - وعدم قيامه على العوامل الاضطرارية الأخرى - أن ينشئ مجتمعا إنسانيا عالميا مفتوحا ; يجيء إليه الأفراد من شتى الأجناس والألوان واللغات والأقوام والدماء والأنساب والديار والأوطان بكامل حريتهم واختيارهم الذاتي ; لا يصدهم عنه صاد , ولا يقوم في وجوههم حاجز , ولا تقف دونه حدود مصطنعة , خارجة عن خصائص الإنسان العليا . وأن تصب في هذا المجتمع كل الطاقات والخواص البشرية , وتجتمع في صعيد واحد , لتنشى ء "حضارة إنسانية " تنتفع بكل خصائص الأجناس البشرية ; ولا تغلق دون كفاية واحدة , بسبب من اللون أو العنصر أو النسب والأرض . . .

"ولقد كان من النتائج الواقعية الباهرة للمنهج الإسلامي في هذه القضية ; ولإقامة التجمع الإسلامي على آصرة العقيدة وحدها , دون أواصر الجنس والأرض واللون واللغة والمصالح الأرضية القريبة , والحدود الإقليمية السخيفة ! ولإبراز "خصائص الإنسان" في هذا التجمع وتنميتها وإعلائها , دون الصفات المشتركة بينه وبين الحيوان . . كان من النتائج الواقعية الباهرة لهذا المنهج أن أصبح المجتمع المسلم مجتمعا مفتوحا لجميع الأجناس والألوان واللغات , بلا عائق من هذه العوائق الحيوانية السخيفة ! وأن صبت في بوتقة المجتمع الإسلامي خصائص الأجناس البشرية وكفاياتها , وانصهرت في هذه البوتقة وتمازجت , وأنشأت مركبا عضويا فائقا في فترة تعد نسبيا قصيرة . وصنعت هذه الكتلة العجيبة المتجانسة المتناسقة حضارة رائعة ضخمة , تحوي خلاصة الطاقة البشرية في زمانها مجتمعة , على بعد المسافات وبطء طرق الاتصال في ذلك الزمان .

"لقد اجتمع في المجتمع الإسلامي المتفوق:العربي والفارسي والشامي والمصري والمغربي والتركي والصينيوالهندي والروماني والإغريقي والأندونيسي والإفريقي . . . إلى آخر الأقوام والأجناس . . . وتجمعت خصائصهم كلها لتعمل متمازجة متعاونة متناسقة في بناء المجتمع الإسلامي والحضارة الإسلامية . ولم تكن هذه الحضارة الضخمة يوما ما "عربية " إنما كانت دائما "إسلامية " ولم تكن يوما ما "قومية " إنما كانت دائما "عقيدية " .

"ولقد اجتمعوا كلهم على قدم المساواة , وبآصرة الحب . وبشعور التطلع إلى وجهة واحدة . فبذلوا جميعا أقصى كفاياتهم , وأبرزوا أعمق خصائص أجناسهم , وصبوا خلاصة تجاربهم الشخصية والقومية والتاريخية في بناء هذا المجتمع الواحد الذي ينتسبون إليه جميعا على قدم المساواة , وتجمع فيه بينهم آصرة تتعلق بربهم الواحد , وتبرز فيها إنسانيتهم وحدها بلا عائق . وهذا ما لم يجتمع قط لأي تجمع آخر على مدار التاريخ !

"لقد كان أشهر تجمع بشري في التاريخ القديم هو تجمع الإمبراطورية الرومانية مثلا . فقد جمعت بالفعل أجناسا متعددة , ولغات متعددة , وألوانا متعددة , وأمزجة متعددة . ولكن هذا كله لم يقم على "آصرة إنسانية " ولم يتمثل في قيمة عليا كالعقيدة . . لقد كان هناك تجمع طبقي على أساس طبقة الأشراف وطبقة العبيد في الإمبراطورية كلها من ناحية ; وتجمع عنصري على أساس سيادة الجنس الروماني - بصفة عامة - وعبودية سائر الأجناس الأخرى . ومن ثم لم يرتفع قط إلى أفق التجمع الإسلامي ; ولم يؤت الثمار التي آتاها التجمع الإسلامي .

"كذلك قامت في التاريخ الحديث تجمعات أخرى . . تجمع الإمبراطورية البريطانية مثلا . . ولكنه كان كالتجمع الروماني , الذي هو وريثه ! تجمعا قوميا استغلاليا , يقوم على أساس سيادة القومية الانجليزية , واستغلال المستعمرات التي تضمها الإمبراطورية . . ومثله الإمبراطوريات الأوربية كلها . . الإمبراطورية الأسبانية والبرتغالية في وقت ما , والإمبراطورية الفرنسية . . كلها في ذلك المستوى الهابط البشع المقيت ! وأرادت الشيوعية أن تقيم تجمعا من نوع آخر , يتخطى حواجز الجنس والقوم والأرض واللغة واللون . ولكنها لم تقمه على قاعدة "إنسانية " عامة , إنما أقامته على القاعدة "الطبقية " . فكان هذا التجمع هو الوجه الآخر للتجمع الروماني القديم . . هذا تجمع على قاعدة طبقة "الأشراف" وذلك تجمع على قاعدة طبقة "الصعاليك" [ البروليتريا ] ; والعاطفة التي تسوده هي عاطفة الحقد الأسود على سائر الطبقات الأخرى ! وما كان لمثل هذا التجمع الصغير البغيض أن يثمر إلا أسوأ ما في الكائن الإنساني . . فهو ابتداء قائم على أساس إبراز الصفات الحيوانية وحدها وتنميتها وتمكينها . باعتبار أن "المطالب الأساسية " للإنسان هي "الطعام والمسكن والجنس" - وهي مطالب الحيوان الأولية - وباعتبار أن تاريخ الإنسان هو تاريخ البحث عن الطعام !!

"لقد تفرد الإسلام بمنهجه الرباني في إبراز أخص خصائص الإنسان وتنميتها وإعلائها في بناء المجتمع الإنساني . . وما يزال متفردا . . والذين يعدلون عنه إلى أى منهج آخر , يقوم على أية قاعدة أخرى , من القوم أو الجنس أو الأرض أو الطبقة . . إلى آخر هذا النتن السخيف السخيف , هم أعداء "الإنسان" حقا ! هم الذين لا يريدون لهذا الإنسان أن يتفرد في هذا الكون بخصائصه العليا كما فطره الله ; ولا يريدون لمجتمعه أن ينتفع بأقصى كفايات أجناسه وخصائصها وتجاربها في امتزاج وتناسق

ويحسن أن نذكر أن أعداء هذا الدين , الذين يعرفون مواضع القوة في طبيعته وحركته ; وهم الذين يقول الله تعالى فيهم: (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم) . . لم يفتهم أن يدركوا أن التجمع على أساس العقيدة سر من أسرار قوة هذا الدين , وقوة المجتمع الإسلامي الذي يقوم على هذا الأساس . . ولما كانوا بصدد هدم ذلك المجتمع أو إضعافه إلى الحد الذي يسهل عليهم السيطرة عليه ; وشفاء ما في صدورهم من هذا الدين وأهله ; ولاستغلالهم كذلك واستغلال مقدراتهم وديارهم وأموالهم . . لما كانوا بصدد تلك المعركة مع هذا المجتمع لم يفتهم أن يوهنوا من القاعدة التي يقوم عليها ; وأن يقيموا لأهله المجتمعين على إله واحد , أصناما تعبد من دون الله , اسمها تارة "الوطن" واسمها تارة "القوم" واسمها تارة "الجنس" . وظهرت هذه الأصنام على مراحل التاريخ تارة باسم "الشعوبية " وتارة باسم "الجنسية الطورانية " وتارة باسم "القومية العربية " وتارة بأسماء شتى , تحملها جبهات شتى , تتصارع فيما بينها في داخل المجتمع الإسلامي الواحد القائم على أساس العقيدة , المنظم بأحكام الشريعة . . . إلى أن وهنت القاعدة الأساسية تحت المطارق المتوالية , وتحت الإيحاءات الخبيثة المسمومة ; وإلى أن أصبحت تلك "الأصنام" مقدسات يعتبر المنكر لها خارجا على دين قومه ! أو خائنا لمصالح بلده !!!




يتبع :

حق اليقين
19-07-2005, 04:49 PM
تابع :
وأخبث المعسكرات التي عملت وما زالت تعمل في تخريب القاعدة الصلبة التي كان يقوم عليها التجمع الإسلامي الفريد في التاريخ . . كان هو المعسكر اليهودي الخبيث , الذي جرب سلاح "القومية " في تحطيم التجمع المسيحي , وتحويله إلى قوميات سياسية ذات كنائس قومية . . وبذلك حطموا الحصار المسيحي حول الجنس اليهودي ; ثم ثنوا بتحطيم الحصار الإسلامي حول ذلك الجنس الكنود !

وكذلك فعل الصليبيون مع المجتمع الإسلامي - بعد جهد قرون كثيرة في إثارة النعرات الجنسية والقومية والوطنية بين الأجناس الملتحمة في المجتمع الإسلامي . . ومن ثم استطاعوا أن يرضوا أحقادهم الصليبية القديمة على هذا الدين وأهله . كما استطاعوا أن يمزقوهم ويروضوهم على الاستعمار الأوربي الصليبي . وما يزالون . . حتى يأذن الله بتحطيم تلك الأصنام الخبيثة الملعونة ; ليقوم التجمع الإسلامي من جديد , على أساسه المتين الفريد . .

وأخيرا فإن الناس ما كانوا ليخرجوا من الجاهلية الوثنية بكلياتهم حتى تكون العقيدة وحدها هي قاعدة تجمعهم . ذلك أن الدينونة لله وحده لا تتم تمامها إلا بقيام هذه القاعدة في تصورهم وفي تجمعهم .

يجب أن تكون هناك قداسة واحدة لمقدس واحد , وألا تتعدد "المقدسات" ! ويجب أن يكون هناك شعار واحد , وألا تتعدد "الشعارات" ويجب أن تكون هناك قبلة واحدة يتجه إليها الناس بكلياتهم وألا تتعدد القبلات والمتجهات . .

إن الوثنية ليست صورة واحدة هي وثنية الأصنام الحجرية والآلهة الأسطورية ! إن الوثنية يمكن أن تتمثل في صور شتى ; كما أن الأصنام يمكن أن تتخذ صورا متعددة ; وآلهة الأساطير يمكن أن تتمثل مرة أخرى في المقدسات والمعبودات من دون الله أيا كانت أسماؤها . وأيا كانت مراسمها .

وما كان الإسلام ليخلص الناس من الأصنام الحجرية والأرباب الأسطورية , ثم يرضى لهم بعد ذلك أصنام الجنسيات والقوميات والأوطان . . وما إليها . . يتقاتل الناس تحت راياتها وشعاراتها . وهو يدعوهم إلى الله وحده , وإلى الدينونة له دون شيء من خلقه !

لذلك قسم الإسلام الناس إلى أمتين اثنتين على مدار التاريخ البشري . . أمة المسلمين من أتباع الرسل -كل في زمانه حتى يأتي الرسول الأخير إلى الناس كافة - وأمة غير المسلمين من عبدة الطواغيت والأصنام في شتى الصور والأشكال على مدار القرون . .

وعندما أراد الله أن يعرف المسلمين بأمتهم التي تجمعهم على مدار القرون , عرفها لهم في صورة أتباع الرسل - كل في زمانه - وقال لهم في نهاية استعراض أجيال هذه الأمة:(إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) . . ولم يقل للعرب:إن أمتكم هي الأمة العربية في جاهليتها وإسلامها سواء ! ولا قال لليهود:إن أمتكم هي بنو إسرائيل أو العبرانيون في جاهليتهم وإسلامهم سواء ! ولا قال لسلمان الفارسي:إن أمتك هي فارس ! ولا لصهيب الرومي:إن أمتك هي الرومان ! ولا لبلال الحبشي:إن أمتك هي الحبشة ! إنما قال للمسلمين من العرب والفرس والروم والحبش:إن أمتكم هي المسلمون الذين أسلموا حقا على أيام موسى وهارون , وإبراهيم , ولوط , ونوح , وداود وسليمان , وأيوب , وإسماعيل وإدريس وذي الكفل وذي النون , وزكريا ويحيى , ومريم . . كما جاء في سورة الأنبياء:[ آيات:48 - 91 ] .

هذه هي أمة "المسلمين" في تعريف الله سبحانه . . فمن شاء له طريقا غير طريق الله فليسلكه . ولكن ليقل:إنه ليس من المسلمين ! أما نحن الذين أسلمنا لله , فلا نعرف لنا أمة إلا الأمة التي عرفها لنا الله . والله يقص الحق وهو خير الفاصلين . . ( الظلال )

وقد أوتيت الحركات الإسلامية من ضعف الولاء والبراء أو انعدامه في نفوسهم وفي حياتهم ، ومن ثم فلا يجوز لكم أن تضعوا يدكم بيد كافر أو ملحد أو علماني أو مرتد أو قومي من أجل تحرير العراق لأنه لا صلة بيننا وبينهم فالعقيدة الإسلامية قد فرقت بيننا وبينهم فنقول لهم كما قال النبي إبراهيم عليه السلام ومن معه من المؤمنين { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (4) سورة الممتحنة

وفي البخاري عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ - رضى الله عنه - يَقُولُ أَتَى النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلٌ مُقَنَّعٌ بِالْحَدِيدِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَاتِلُ وَأُسْلِمُ. قَالَ « أَسْلِمْ ثُمَّ قَاتِلْ ». فَأَسْلَمَ ثُمَّ قَاتَلَ فَقُتِلَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « عَمِلَ قَلِيلاً وَأُجِرَ كَثِيرًا ».

وفي مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) وَقَالَ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) ». ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِىَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ».

فنحن لسنا بحاجة إلى هؤلاء والله غني عنهم فيجب أن يكون صفنا طاهرا ونقيا وخالصا لوجه الله تعالى حتى لو كنا في غاية الضعف فالله تعالى معنا ولن يتركنا وحدنا في الميدان وهو الذي يقول : { إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} (38) سورة الحـج
1. يجب أن نصدع بالحق ولو كان مرا ، فلا يجوز أن نكذب على أحد ( في غير الحرب وهي خدعة ) فلا نلتقي مع العلماني والبعثي والقومي والوثني والمنحرف والمتفلت ونقول لهم : سوف نجعل لكم مكانا بعد التحرير وستكونون فيما يسمى ( البرلمان ) فهذا لا يجوز شرعا ، بل لا يجوز أن يكون في المجتمع الإسلامي إلا مسلمون وأهل ذمة ليس إلا فالإلحاد والكفر والفسوق والعصيان لا رصيد له في دار الإسلام ، وليس معارضا لقوله تعالى : {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (256) سورة البقرة

فالمقصود بالإكراه هنا إجبار الكفار على الدخول في الإسلام ، إذ لا قيمة لإيمان المكره شرعا ، ولا يجوز أن نتصرف تصرفا إلا إذا عرفنا أنه مشروع يحبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} (36) سورة الأحزاب

ومن ثم يجب أن يكون المجتمع الإسلامي طاهرا نظيفا نقيا من كل شائبة

وليس من حقنا أن نكرم على الناس على حساب دين الله تعالى ، فالتعامل بين الناس يجب أن يكون وفق منهج الله تعالى وحده دون سواه

2. يجب الحذر من الرافضة فلا لقاء بيننا وبينهم ، وقد كانوا أكبر محرض للكفار على غزو بلاد المسلمين ومن أكبر المآزرين لهم عبر التاريخ ، فلا يجوز أن نثق بهم ولا أن نضع يدنا في يدهم ، فأيديهم نجسة قذرة كلها سم زعاف ، ونحن نختلف معهم في الأصول قبل الفروع ، وهذه كتبهم تشهد عليهم بهذا الضلال المبين ، وما دعوات التقريب التي تطلق هنا وهناك بين السنة والشيعة إلا ضلال في ضلال ، حيث يريد منا الرافضة ( وكلهم رافضة ) أن نعترف بكل أكاذيبهم وترهاتهم دون أن يتنازلوا عن خرافة من خرافاتهم ، فلا يجوز أن نلتقي وإياهم بحجة الوحدة الوطنية المزعومة أو وحدة التراب أو وحدة المصير أو المقاومة ، لأنهم كذابون غدارون خائنون لا يحبوننا أبدا قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (119) إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (120) سورة آل عمران

إنها صورة كاملة السمات , ناطقة بدخائل النفوس , وشواهد الملامح , تسجل المشاعر الباطنة , والانفعالات الظاهرة , والحركة الذاهبة الآيبة . وتسجل بذلك كله نموذجا بشريا مكرورا في كل زمان وفي كل مكان . ونستعرضها اليوم وغدا فيمن حول الجماعة المسلمة من أعداء . يتظاهرون للمسلمين - في ساعة قوة المسلمين وغلبتهم - بالمودة . فتكذبهم كل خالجة وكل جارحة . وينخدع المسلمون بهم فيمنحونهم الود والثقة , وهم لا يريدون للمسلمين إلا الاضطراب والخبال , ولا يقصرون في اعنات المسلمين ونثر الشوك في طريقهم , والكيد لهم والدس , ما واتتهم الفرصة في ليل أو نهار .

وما من شك أن هذه الصورة التي رسمها القرآن الكريم هذا الرسم العجيب , كانت تنطبق ابتداء على أهل الكتاب المجاورين للمسلمين في المدينة ; وترسم صورة قوية للغيظ الكظيم الذي كانوا يضمرونه للإسلام والمسلمين , وللشر المبيت , وللنوايا السيئة التي تجيش في صدورهم ; في الوقت الذي كان بعض المسلمين ما يزال مخدوعا في أعداء الله هؤلاء , وما يزال يفضي إليهم بالمودة , وما يزال يأمنهم على أسرار الجماعة المسلمة ; ويتخذ منهم بطانة وأصحابا وأصدقاء , لا يخشى مغبة الإفضاء إليهم بدخائل الأسرار . . فجاء هذا التنوير وهذا التحذير , يبصر الجماعة المسلمة بحقيقة الأمر , ويوعيها لكيد أعدائها الطبيعيين , الذين لا يخلصون لها أبدا , ولا تغسل أحقادهم مودة من المسلمين وصحبة . ولم يجيء هذا التنوير وهذا التحذير ليكون مقصورا على فترة تاريخية معينة , فهو حقيقة دائمة , تواجه واقعا دائما . . كما نرى مصداق هذا فيما بين أيدينا من حاضر مكشوف مشهود . .

والمسلمون في غفلة عن أمر ربهم:ألا يتخذوا بطانة من دونهم . بطانة من ناس هم دونهم في الحقيقة والمنهج والوسيلة . وألا يجعلوهم موضع الثقة والسر والاستشارة . . المسلمون في غفلة عن أمر ربهم هذا يتخذون من أمثال هؤلاء مرجعا في كل أمر , وكل شأن , وكل موضع , وكل نظام , وكل تصور , وكل منهج , وكل طريق !

والمسلمون في غفلة من تحذير الله لهم , يوادون من حاد الله ورسوله ; ويفتحون لهم صدورهم وقلوبهم . والله سبحانه يقول للجماعة المسلمة الأولى كما يقول للجماعة المسلمة في أي جيل:

(ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر) . .

والله سبحانه يقول:

(ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم , وتؤمنون بالكتاب كله , وإذا لقوكم قالوا:آمنا , وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ) . .

والله سبحانه يقول:

(إن تمسسكم حسنة تسؤهم , وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها) . .

ومرة بعد مرة تصفعنا التجارب المرة , ولكننا لا نفيق . . ومرة بعد مرة نكشف عن المكيدة والمؤامرة تلبس أزياء مختلفة ولكننا لا نعتبر . ومرة بعد مرة تنفلت ألسنتهم فتنم عن أحقادهم التي لا يذهب بها ود يبذله المسلمون , ولا تغلسها سماحة يعلمها لهم الدين . . ومع ذلك نعود , فنفتح لهم قلوبنا ونتخذ منهم رفقاء في الحياة والطريق ! . . وتبلغ بنا المجاملة , أو تبلغ بنا الهزيمة الروحية أن نجاملهم في عقيدتنا فنتحاشى ذكرها , وفي منهج حياتنا فلا نقيمه على أساس الإسلام , وفي تزوير تاريخنا وطمس معالمه كي نتقي فيه ذكر أي صدام كان بين أسلافنا وهؤلاء الأعداء المتربصين ! ومن ثم يحل علينا جزاء المخالفين عن أمر الله . ومن هنا نذل ونضعف ونستخذي . ومن هنا نلقى العنت الذي يوده أعداؤنا لنا , ونلقى الخبال الذي يدسونه في صفوفنا . .

وها هو ذا كتاب الله يعلمنا - كما علم الجماعة المسلمة الأولى - كيف نتقي كيدهم , وندفع أذاهم , وننجو من الشر الذي تكنه صدورهم , ويفلت على السنتهم منه شواظ:

(وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا . إن الله بما يعملون محيط) . .

فهو الصبر والعزم والصمود أمام قوتهم إن كانوا أقوياء ; وأمام مكرهم وكيدهم إن سلكوا طريق الوقيعة والخداع . الصبر والتماسك لا الانهيار والتخاذل ; ولا التنازل عن العقيدة كلها أو بعضها اتقاء لشرهم المتوقع أو كسبا لودهم المدخول . . ثم هو التقوى:الخوف من الله وحده . ومراقبته وحده . . هو تقوى الله التي تربط القلوب بالله , فلا تلتقي مع أحد إلا في منهجه , ولا تعتصم بحبل إلا حبله . . وحين يتصل القلب بالله فإنه سيحقر كل قوة غير قوته ; وستشد هذه الرابطة من عزيمته , فلا يستسلم من قريب , ولا يواد من حاد الله ورسوله , طلبا للنجاة أو كسبا للعزة !

هذا هو الطريق:الصبر والتقوى . . التماسك والاعتصام بحبل الله . وما استمسك المسلمون في تاريخهم كله بعروة الله وحدها , وحققوا منهج الله في حياتهم كلها . . إلا عزوا وانتصروا , ووقاهم الله كيد أعدائهم , وكانت كلمتهم هي العليا . وما استمسك المسلمون في تاريخهم كله بعروة أعدائهم الطبيعيين , الذين يحاربون عقيدتهم ومنهجهم سرا وجهرا , واستمعوا إلى مشورتهم , واتخذوا منهم بطانة وأصدقاء وأعوانا وخبراء ومستشارين . . إلا كتب الله عليهم الهزيمة , ومكن لأعدائهم فيهم , وأذل رقابهم , وأذاقهم وبال أمرهم . . والتاريخ كله شاهد على أن كلمة الله خالدة ; وأن سنة الله نافذة . فمن عمي عن سنة الله المشهودة في الأرض , فلن ترى عيناه إلا آيات الذلة والإنكسار والهوان . .

يتبع :

حق اليقين
19-07-2005, 04:52 PM
تابع :
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة النبوية :

فمن خرج

1 20 عن الصراط المستقيم كان متبعا لظنه وما تهواه نفسه ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين وهذا حال أهل البدع المخالفة للكتاب والسنة فإنهم إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ففيهم جهل وظلم لا سيما الرافضة فإنهم أعظم ذوي الأهواء جهلا وظلما يعادون خيار أولياء الله تعالى من بعد النبيين من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه ويوالون الكفار والمنافقين من اليهود والنصارى والمشركين وأصناف الملحدين كالنصيرية والإسماعيلية وغيرهم من الضالين فتجدهم أو كثيرا منهم إذا اختصم خصمان في ربهم من المؤمنين والكفار واختلف الناس فيما جاءت به الأنبياء فمنهم من آمن ومنهم من كفر سواء كان الاختلاف بقول أو عمل كالحروب التي بين المسلمين وأهل الكتاب والمشركين تجدهم يعاونون المشركين وأهل الكتاب على المسلمين أهل القرآن كما قد جربه الناس منهم غير مرة في مثل إعانتهم للمشركين من الترك وغيرهم على أهل الإسلام بخراسان والعراق والجزيرة والشام وغير

1 21 ذلك وإعانتهم للنصارى على المسلمين بالشام ومصر وغير ذلك في وقائع متعددة من أعظمها الحوادث التي كانت في الإسلام في المائة الرابعة والسابعة فإنه لما قدم كفار الترك إلى بلاد الإسلام وقتل من المسلمين ما لا يحصى عدده إلا رب الأنام كانوا من أعظم الناس عداوة للمسلمين ومعاونة للكافرين وهكذا معاونتهم لليهود أمر شهير حتى جعلهم الناس لهم كالحمير

وقال : وقد قال الله تعالى ويحلفون على الكذب وهم يعلمون سورة المجادلة وهذا حال الرافضة وكذلك اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إلى قوله لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله الأية سورة المجادلة وكثير منهم يواد الكفار من وسط قلبه أكثر من موادته للمسلمين ولهذا لما خرج الترك والكفار من جهة المشرق فقاتلوا المسلمين وسفكوا دماءهم ببلاد خرسان والعراق والشام والجزيرة وغيرها كانت الرافضة معاونة لهم على قتال المسلمين ووزير بغداد المعروف بالعلقمي هو وأمثاله كانوا من أعظم الناس معاونة لهم على المسلمين وكذلك الذين كانوا بالشام بحلب وغيرها من الرافضة كانوا من أشد الناس معاونة لهم على قتال المسلمين وكذلك النصارى

3 378 الذين قاتلهم المسلمون بالشام كانت الرافضة من أعظم أعوانهم وكذلك إذا صار لليهود دولة بالعراق وغيره تكون الرافضة من أعظم أعوانهم فهم دائما يوالون الكفار من المشركين واليهود والنصارى ويعاونونهم على قتال المسلمين ومعاداتهم

ولا بد من الرجوع للكتاب كله لبينا حقيقة الرافضة ومعاداتهم للإسلام والمسلمين

1. لا بأس من مخادعة العدو ففي البخاري عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- « الْحَرْبُ خُدْعَةٌ ».

ففي الموسوعة الفقهية : الْخَدِيعَةُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ : 12 - أَمَّا الْخَدِيعَةُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْحَرْبِ , فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَهْدٌ , فَلَا يَجُوزُ الْخُدَعُ , وَلَا التَّبْيِيتُ بِالْهُجُومِ الْغَادِرِ , وَهُمْ آمِنُونَ مُطْمَئِنُّونَ إلَى عَهْدٍ لَمْ يُنْقَضْ , وَلَمْ يُنْبَذْ , حَتَّى لَوْ كُنَّا نَخْشَى الْخِيَانَةَ مِنْ جَانِبِهِمْ . قَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } وَقَالَ : { فَأَتِمُّوا إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلَى مُدَّتِهِمْ } وَقَالَ : { فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ } وَأَمَّا إذَا اسْتَشْعَرَ الْإِمَامُ عَزْمَهُمْ عَلَى الْخِيَانَةِ بِأَمَارَاتٍ تَدُلُّ عَلَيْهَا لَا بِمُجَرَّدِ تَوَهُّمٍ , لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُمْ , وَلَا يَجُوزُ خَدْعُهُمْ وَلَا تَبْيِيتُهُمْ بِهُجُومٍ غَادِرٍ , وَهُمْ آمِنُونَ مُطْمَئِنُّونَ إلَى عَهْدٍ لَمْ يُنْقَضْ , وَلَمْ يُنْبَذْ . بَلْ يُنْبَذُ إلَيْهِمْ الْعَهْدُ ثُمَّ يُقَاتِلُهُمْ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً , فَانْبِذْ إلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ } . قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ : إمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً : أَيْ غِشًّا , وَنَقْضًا لِلْعَهْدِ مِنْ الْقَوْمِ الْمُعَاهَدِينَ فَاطْرَحْ إلَيْهِمْ الْعَهْدَ الَّذِي بَيْنَك وَبَيْنَهُمْ , عَلَى سَوَاءٍ أَيْ أَخْبِرْهُمْ إخْبَارًا ظَاهِرًا مَكْشُوفًا بِالنَّقْضِ , وَلَا تُنَاجِزُهُمْ الْحَرْبَ بَغْتَةً . 13 - فَأَمَّا بَعْدُ أَنْ نَبَذَ إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ , وَصَارَ عِلْمُهُمْ وَعِلْمُ الْمُسْلِمِينَ بِنَقْضِهِ عَلَى سَوَاءٍ , وَبَعْدَ أَنْ أَخَذَ كُلُّ خَصْمٍ حِذْرَهُ , فَإِنَّ كُلَّ وَسَائِلِ الْخُدْعَةِ مُبَاحَةٌ ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ غَادِرَةً , فَمَنْ جَازَتْ عَلَيْهِ الْخُدْعَةُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ , فَهُوَ غَافِلٌ وَلَيْسَ بِمَغْدُورٍ بِهِ . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : { الْحَرْبُ خُدْعَةٌ } وَجَاءَ فِي فَتْحِ الْبَارِي فِي الْحَدِيثِ : الْأَمْرُ بِاسْتِعْمَالِ الْحِيلَةِ فِي الْحَرْبِ مَهْمَا أَمْكَنَ , وَالنَّدْبُ إلَى خِدَاعِ الْكُفَّارِ , قَالَ النَّوَوِيُّ : اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ خِدَاعِ الْكُفَّارِ فِي الْحَرْبِ كُلَّمَا أَمْكَنَ , إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ نَقْضُ عَهْدٍ , أَوْ أَمَانٍ فَلَا يَجُوزُ . ( ر : أَمَانٌ , عَهْدٌ , هُدْنَةٌ ) . وَفِيهِ الْإِشَارَةُ إلَى اسْتِعْمَالِ الرَّأْيِ فِي الْحَرْبِ بَلْ الِاحْتِيَاجُ إلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ الشَّجَاعَةِ . وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ : مَعَ { الْحَرْبُ خُدْعَةٌ } الْحَرْبُ الْجَيِّدَةُ لِصَاحِبِهَا الْكَامِلَةُ فِي مَقْصُودِهَا إنَّمَا هِيَ الْمُخَادَعَةُ , لَا الْمُوَاجَهَةُ , وَذَلِكَ لِخَطَرِ الْمُوَاجَهَةِ وَحُصُولِ الظَّفَرِ مَعَ الْمُخَادَعَةِ بِغَيْرِ خَطَرٍ . قَالَ النَّوَوِيُّ : قَالَ الْعُلَمَاءُ : إذَا دَعَتْ مَصْلَحَةٌ شَرْعِيَّةٌ رَاجِحَةٌ إلَى خِدَاعِ الْمُخَاطَبِ , أَوْ حَاجَةٌ لَا مَنْدُوحَةَ عَنْهَا إلَّا بِالْكَذِبِ , فَلَا بَأْسَ بِالتَّوْرِيَةِ , وَالتَّعْرِيضِ . وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ مَكْرُوهٌ , وَلَيْسَ بِحَرَامٍ إلَّا أَنْ يُتَوَصَّلَ بِهِ إلَى أَخْذِ بَاطِلٍ , أَوْ دَفْعِ حَقٍّ فَيَصِيرُ عِنْدَئِذٍ حَرَامًا . وَفِي التَّوْرِيَةِ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ , فِي قِصَّةِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ بَعْدَ أَنْ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقُولَ : كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ : { إنَّ هَذَا أَيْ : النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ عَنَّانَا , وَسَأَلَنَا الصَّدَقَةَ , فَإِنَّا اتَّبَعْنَاهُ فَنَكْرَهُ أَنْ نَدَعَهُ } وَكُلُّ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ تَوْرِيَةٌ : وَقَصَدَ بِهَا إلَى مَعْنًى غَيْرِ الْمَعْنَى الْمُتَبَادَرِ مِنْهَا . وَمَعْنَى عَنَّانَا : كَلَّفَنَا بِالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي . وَمَعْنَى سَأَلَنَا الصَّدَقَةَ : طَلَبَهَا لِيَضَعَهَا فِي مَكَانِهَا الصَّحِيحِ . وَنَكْرَهُ أَنْ نَدَعَهُ : نَكْرَهُ أَنْ نُفَارِقَهُ . وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا أَرَادَ أَنْ يَغْزُوَ غَزْوَةً وَرَّى بِغَيْرِهَا . وَالْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا كَانَ يُرِيدُ غَزْوَ جِهَةٍ فَلَا يُظْهِرُهَا وَيُظْهِرُ غَيْرَهَا , كَأَنْ يُرِيدَ أَنْ يَغْزُوَ جِهَةَ الشَّرْقِ , فَيَسْأَلُ عَنْ أَمْرٍ فِي جِهَةِ الْغَرْبِ , فَيَتَجَهَّزُ لِلسَّفَرِ فَيَظُنُّ مَنْ يَرَاهُ , وَيَسْمَعُهُ أَنَّهُ يُرِيدُ جِهَةَ الْغَرْبِ . وَهَذَا فِي الْغَالِبِ فَقَدْ صَرَّحَ بِجِهَةِ غَزْوَةِ تَبُوكَ لِلتَّأَهُّبِ لَهَا .

2. يجب القيام بعلميات استشهادية وهي سلاح قوي جدا وفعال لا يحسنه العدو

وهذه العمليات أكثر الأساليب نكاية بالعدو ، وأقلها تكلفة وخسائر ، وغيرها من العمليات الهجومية خاصة ، يحشد لها الطاقات والإمكانيات ثم ينفذ الهجوم ، وربما تحدث خسائر للمهاجم بسبب تحصن المدافع ، أما العمليات الاستشهادية فخسائرها البشرية واحد من المجاهدين ، وتكلفتها لا تكاد تذكر بالنسبة للهجوم المباشر ، وغالباً لا تزيد تكلفتها عن قيمة وقود الناقلات المخصصة لنقل خمسين مجاهداً لتنفيذ الهجوم ، فمن الناحية المعنوية تأثيرها واضح على العدو ففيها كسر لقلوبهم وإرعاباً لهم وتدميراً لمعنوياتهم ، ومن الناحية المادية خسائر العدو فيها غالباً ما يكون مرتفعاً ، أما للمجاهدين فمن الناحية المادية فتكلفتها أقل من الهجوم المباشر ، ومن ناحية الخسائر البشرية فشهيد واحد بإذن الله .

ولكن لا يجوز التصريح باسم المجاهد حتى لا يمس أهله بأذى كما كان يحدث في فلسطين الحبيبة فعندما يعلنون عن اسم المجاهد يهدم بيته ويشرد أهله ويلقى القبض على أهله وليس هذا من الحكمة في شيء ، وفيه ضرر مؤكد

يتبع

حق اليقين
19-07-2005, 04:54 PM
تابع :
327

1. لا يجوز التفرقة بين المحتل الأصلي ( الأمريكان وغيرهم من الكفار ) وبين الذي يتعامل مع العدو كالحكومة العميلة وجنودها فحكمهم واحد ، بل هؤلاء الخونة أشد خطرا على الإسلام والمسلمين من العدو الأصلي المعلن عداوته لنا ، ومن ثم فإن الذي يتعامل من العدو أو يساعده أو يؤازره فحكمهم سواء بسواء ( يقتلون جميعا ) قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (51) سورة المائدة

ويحسن أن نبين أولا معنى الولاية التي ينهى الله الذين آمنوا أن تكون بينهم وبين اليهود والنصارى . .

إنها تعني التناصر والتحالف معهم . ولا تتعلق بمعنى اتباعهم في دينهم . فبعيد جدا أن يكون بين المسلمين من يميل إلى اتباع اليهود والنصارى في الدين . إنما هو ولاء التحالف والتناصر , الذي كان يلتبس على المسلمين أمره , فيحسبون أنه جائز لهم , بحكم ما كان واقعا من تشابك المصالح والأواصر , ومن قيام هذا الولاء بينهم وبين جماعات من اليهود قبل الإسلام , وفي أوائل العهد بقيام الإسلام في المدينة , حتى نهاهم الله عنه وأمر بإبطاله . بعد ما تبين عدم إمكان قيام الولاء والتحالف والتناصر بين المسلمين واليهود في المدينة . .

وهذا المعنى معروف محدد في التعبيرات القرآنية . وقد جاء في صدد الكلام عن العلاقة بين المسلمين في المدينة والمسلمين الذين لم يهاجروا إلى دار الإسلام:فقال الله سبحانه: (ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا) . . وطبيعي أن المقصود هنا ليس الولاية في الدين . فالمسلم ولي المسلم في الدين على كل حال . إنما المقصود هو ولاية التناصر والتعاون . فهي التي لا تقوم بين المسلمين في دار الإسلام والمسلمين الذين لم يهاجروا إليهم . . وهذا اللون من الولاية هو الذي تمنع هذه الآيات أن يقوم بين الذين آمنوا وبين اليهود والنصارى بحال , بعد ما كان قائما بينهم أول العهد في المدينة .

إن سماحة الإسلام مع أهل الكتاب شيء , واتخاذهم أولياء شيء آخر , ولكنهما يختلطان على بعض المسلمين , الذين لم تتضح في نفوسهم الرؤية الكاملة لحقيقة هذا الدين ووظيفته , بوصفه حركة منهجية واقعية , تتجه إلى إنشاء واقع في الأرض , وفق التصور الإسلامي الذي يختلف في طبيعته عن سائر التصورات التي تعرفها البشرية ; وتصطدم - من ثم - بالتصورات والأوضاع المخالفة , كما تصطدم بشهوات الناس وانحرافهم وفسوقهم عن منهج الله , وتدخل في معركة لا حيلة فيها , ولا بد منها , لإنشاء ذلك الواقع الجديد الذي تريده , وتتحرك إليه حركة إيجابية فاعلة منشئة . .

وهؤلاء الذين تختلط عليهم تلك الحقيقة ينقصهم الحس النقي بحقيقة العقيدة , كما ينقصهم الوعي الذكي لطبيعة المعركة وطبيعة موقف أهل الكتاب فيها ; ويغفلون عن التوجيهات القرآنية الواضحة الصريحة فيها , فيخلطون بين دعوة الإسلام إلى السماحة في معاملة أهل الكتاب والبر بهم في المجتمع المسلم الذي يعيشون فيه مكفولي الحقوق , وبين الولاء الذي لا يكون إلا لله ورسوله وللجماعة المسلمة . ناسين ما يقرره القرآن الكريم من أن أهل الكتاب . . بعضهم أولياء بعض في حرب الجماعة المسلمة . . وأن هذا شأن ثابت لهم , وأنهم ينقمون من المسلم إسلامه , وأنهم لن يرضوا عن المسلم إلا أن يترك دينه ويتبع دينهم . وأنهم مصرون على الحرب للإسلام وللجماعة المسلمة . وأنهم قد بدت البغضاء من أفواهم وما تخفي صدورهم أكبر . . إلى آخر هذه التقريرات الحاسمة .

إن المسلم مطالب بالسماحة مع أهل الكتاب , ولكنه منهي عن الولاء لهم بمعنى التناصر والتحالف معهم . وإن طريقه لتمكين دينه وتحقيق نظامه المتفرد لا يمكن أن يلتقي مع طريق أهل الكتاب , ومهما أبدى لهم من السماحة والمودة فإن هذا لن يبلغ أن يرضوا له البقاء على دينه وتحقيق نظامه , ولن يكفهم عن موالاة بعضه لبعض في حربه والكيد له . .

وسذاجة أية سذاجة وغفلة أية غفلة , أن نظن أن لنا وإياهم طريقا واحدا نسلكه للتمكين للدين ! أمام الكفار والملحدين ! فهم مع الكفار والملحدين , إذا كانت المعركة مع المسلمين !!!

وهذه الحقائق الواعية يغفل عنها السذج منا في هذا الزمان وفي كل زمان ; حين يفهمون أننا نستطيع أن نضع أيدينا في أيدي أهل الكتاب في الأرض للوقوف في وجه المادية والإلحاد - بوصفنا جميعا أهل دين ! - ناسين تعليم القرآن كله ; وناسين تعليم التاريخ كله . فأهل الكتاب هؤلاء هم الذين كانوا يقولون للذين كفروا من المشركين: (هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلًا) . . وأهل الكتاب هؤلاء هم الذين ألبوا المشركين على الجماعة المسلمة في المدينة , وكانوا لهم درعا وردءا . وأهل الكتاب هم الذين شنوا الحروب الصليبية خلال مائتي عام , وهم الذين ارتكبوا فظائع الأندلس , وهم الذي شردوا العرب المسلمين في فلسطين , وأحلوا اليهود محلهم , متعاونين في هذا مع الإلحاد والمادية ! وأهل الكتاب هؤلاء هم الذين يشردون المسلمين في كل مكان . . في الحبشة والصومال واريتريا والجزائر , ويتعاونون في هذا التشريد مع الإلحاد والمادية والوثنية , في يوغسلافيا والصين والتركستان والهند , وفي كل مكان !

ثم يظهر بيننا من يظن - في بعد كامل عن تقريرات القرآن الجازمة - أنه يمكن أن يقوم بيننا وبين أهل الكتاب هؤلاء ولاء وتناصر . ندفع به المادية الإلحادية عن الدين !

إن هؤلاء لا يقرأون القرآن . وإذا قرأوه اختلطت عليهم دعوة السماحة التي هي طابع الإسلام ; فظنوها دعوة الولاء الذي يحذر منه القرآن .

إن هؤلاء لا يعيش الإسلام في حسهم , لا بوصفه عقيدة لا يقبل الله من الناس غيرها , ولا بوصفه حركة إيجابية تستهدف إنشاء واقع جديد في الأرض ; تقف في وجه عداوات أهل الكتاب اليوم , كما وقفت له بالأمس . الموقف الذي لا يمكن تبديله . لأنه الموقف الطبيعي الوحيد !

وندع هؤلاء في إغفالهم أو غفلتهم عن التوجيه القرآني , لنعي نحن هذا التوجيه القرآني الصريح:

(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء . . بعضهم أولياء بعض . . ومن يتولهم منكم فإنه منهم . إن الله لا يهدي القوم الظالمين) . .

هذا النداء موجه إلى الجماعة المسلمة في المدينة - ولكنه في الوقت ذاته موجه لكل جماعة مسلمة تقوم في أي ركن من أركان الأرض إلى يوم القيامة . . موجه لكل من ينطبق عليه ذات يوم صفة: الذين آمنوا . .

ولقد كانت المناسبة الحاضرة إذ ذاك لتوجيه هذا النداء للذين آمنوا , أن المفاصلة لم تكن كاملة ولا حاسمة بين بعض المسلمين في المدينه وبعض أهل الكتاب - وبخاصه اليهود - فقد كانت هناك علاقات ولاء وحلف , وعلاقات اقتصاد وتعامل , وعلاقات جيره وصحبه . . وكان هذا كله طبيعياً مع الوضع التاريخي والاقتصادي والاجتماعي في المدينة قبل الإسلام , بين أهل المدينة من العرب وبين اليهود بصفة خاصة . . وكان هذا الوضع يتيح لليهود أن يقوموا بدورهم في الكيد لهذا الدين وأهله ; بكل صنوف الكيد التي عددتها وكشفتها النصوص القرآنية الكثيرة ; والتي سبق استعراض بعضها في الأجزاء الخمسة الماضية من هذه الظلال ; والتي يتولى هذا الدرس وصف بعضها كذلك في هذه النصوص .

ونزل القرآن ليبث الوعي اللازم للمسلم في المعركة التي يخوضها بعقيدته , لتحقيق منهجه الجديد في واقع الحياة . ولينشى ء في ضمير المسلم تلك المفاصلة الكاملة بينه وبين كل من لا ينتمي إلى الجماعة المسلمة ولا يقف تحت رايتها الخاصة . المفاصلة التي لا تنهي السماحة الخلقية . فهذه صفة المسلم دائما . ولكنها تنهي الولاء الذي لا يكون في قلب المسلم إلا لله ورسوله والذين آمنوا . . الوعي والمفاصلة اللذان لا بد منهما للمسلم في كل أرض وفي كل جيل .

(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء . . بعضهم أولياء بعض . ومن يتولهم منكم فإنه منهم , إن الله لا يهدي القوم الظالمين) .

بعضهم أولياء بعض . . إنها حقيقة لا علاقة لها بالزمن . . لأنها حقيقة نابعة من طبيعة الأشياء . . إنهم لن يكونوا أولياء للجماعة المسلمة في أي أرض ولا في أي تاريخ . . وقد مضت القرون تلو القرون ترسم مصداق هذه القولة الصادقة . . لقد ولي بعضهم بعضا في حرب محمد صلى الله عليه وسلم والجماعة المسلمة في المدينة وولي بعضهم بعضا في كل فجاج الأرض , على مدار التاريخ . . ولم تختل هذه القاعدة مرة واحدة ; ولم يقع في هذه الأرض إلا ما قرره القرآن الكريم , في صيغة الوصف الدائم , لا الحادث المفرد . . واختيار الجملة الاسمية على هذا النحو . . بعضهم أولياء بعض . . ليست مجرد تعبير ! إنما هي اختيار مقصود للدلالة على الوصف الدائم الأصيل !

ثم رتب على هذه الحقيقة الأساسية نتائجها . . فإنه إذا كان اليهود والنصارى بعضهم أولياء بعض فإنه لا يتولاهم إلا من هو منهم . والفرد الذي يتولاهم من الصف المسلم , يخلع نفسه من الصف ويخلع عن نفسه صفة هذا الصف "الإسلام" وينضم إلى الصف الآخر . لأن هذه هي النتيجة الطبيعية الواقعية:

(ومن يتولهم منكم فإنه منهم) . .

وكان ظالما لنفسه ولدين الله وللجماعة المسلمة . . وبسبب من ظلمه هذا يدخله الله في زمرة اليهود والنصارى الذين أعطاهم ولاءه . ولا يهديه إلى الحق ولا يرده إلى الصف المسلم:

(إن الله لا يهدي القوم الظالمين) . .

لقد كان هذا تحذيرا عنيفا للجماعة المسلمة في المدينة . ولكنه تحذير ليس مبالعا فيه . فهو عنيف . نعم ; ولكنه يمثل الحقيقة الواقعة . فما يمكن أن يمنح المسلم ولاءه لليهود والنصارى - وبعضهم أولياء بعض - ثم يبقى له إسلامه وإيمانه , وتبقى له عضويته في الصف المسلم , الذين يتولى الله ورسوله والذين آمنوا . . فهذا مفرق الطريق . .

وما يمكن أن يتميع حسم المسلم في المفاصلة الكاملة بينة وبين كل من ينهج غير منهج الإسلام ; وبينه وبين كل من يرفع راية غير راية الإسلام ; ثم يكون في وسعه بعد ذلك أن يعمل عملا ذا قيمة في الحركة الإسلاميةالضخمة التي تستهدف - أول ما تستهدف - إقامة نظام واقعي في الأرض فريد ; يختلف عن كل الأنظمة الأخرى ; ويعتمد على تصور متفرد كذلك من كل التصورات الأخرى . .

إن اقتناع المسلم إلى درجة اليقين الجازم , الذي لا أرجحة فيه ولا تردد , بأن دينه هو الدين الوحيد الذي يقبله الله من الناس - بعد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وبأن منهجه الذي كلفه الله أن يقيم الحياة عليه , منهج متفرد ; لا نظير له بين سائر المناهج ; ولا يمكن الاستغناء عنه بمنهج آخر ; ولا يمكن أن يقوم مقامه منهج آخر ; ولا تصلح الحياة البشرية ولا تستقيم إلا أن تقوم على هذا المنهج وحده دون سواه ; ولا يعفيه الله ولا يغفر له ولا يقبله إلا إذا هو بذل جهد طاقته في إقامة هذا المنهج بكل جوانبه:الاعتقادية والاجتماعية ; لم يأل في ذلك جهدا , ولم يقبل من منهجه بديلا - ولا في جزء منه صغير - ولم يخلط بينه وبين أي منهج آخر في تصور اعتقادي , ولا في نظام اجتماعي , ولا في أحكام تشريعية , إلا ما استبقاه الله في هذا المنهج من شرائع من قبلنا من أهل الكتاب . .

إن اقتناع المسلم إلى درجة اليقين الجازم بهذا كله هو - وحده - الذي يدفعه للاضطلاع بعبء النهوض بتحقيق منهج الله الذي رضيه للناس ; في وجه العقبات الشاقة , والتكاليف المضنية , والمقاومة العنيدة , والكيد الناصب , والألم الذي يكاد يجاوز الطاقة في كثير من الأحيان . . وإلا فما العناء في أمر يغني عنه غيره - مما هو قائم في الأرض من جاهلية . . سواء كانت هذه الجاهليةممثلة في وثنية الشرك , أو في انحراف أهل الكتاب , أو في الإلحاد السافر . . بل ما العناء في إقامة المنهج الإسلامي , إذا كانت الفوارق بينه وبين مناهج أهل الكتاب أو غيرهم قليلة ; يمكن الالتقاء عليها بالمصالحة والمهادنة ?

إن الذين يحاولون تمييع هذه المفاصلة الحاسمة , باسم التسامح والتقريب بين أهل الأديان السماوية , يخطئون فهم معنى الأديان كما يخطئون فهم معنى التسامح . فالدين هو الدين الأخير وحده عند الله . والتسامح يكون في المعاملات الشخصية , لا في التصور الاعتقادي ولا في النظام الاجتماعي . . إنهم يحاولون تمييع اليقين الجازم في نفس المسلم بأن الله لا يقبل دينا إلا الإسلام , وبأن عليه أن يحقق منهج الله الممثل في الإسلام ولا يقبل دونه بديلا ; ولا يقبل فيه تعديلا - ولو طفيفا - هذا اليقين الذي ينشئه القرآن الكريم وهو يقرر: (إن الدين عند الله الإسلام) . . (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه) . . (واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك) . . (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء . . بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم) . . وفي القرآن كلمة الفصل . . ولا على المسلم من تميع المتميعين وتمييعهم لهذا اليقين !

على أن الله - سبحانه - وهو يضع للجماعة المسلمة هذه القاعدة العامة الحازمة الصارمة , كان علمه يتناول الزمان كله , لا تلك الفترة الخاصة من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وملابساتها الموقوتة . . وقد أظهر التاريخ الواقع فيما بعد أن عداء النصارى لهذا الدين وللجماعة المسلمة في معظم بقاع الأرض لم يكن أقل من عداء اليهود . . وإذا نحن استثنينا موقف نصارى العرب ونصارى مصر في حسن استقبال الإسلام , فإننا نجد الرقعة النصرانية في الغرب , قد حملت للإسلام في تاريخها كله منذ أن احتكت به من العداوة والضغن , وشنت عليه من الحرب والكيد , ما لا يفترق عن حرب اليهود وكيدهم في أي زمان ! حتى الحبشة التي أحسن عاهلها استقبال المهاجرين المسلمين واستقبال الإسلام , عادت فإذا هي أشد حربا على الإسلام والمسلمين من كل أحد ; لا يجاريها في هذا إلا اليهود . .

وكان الله - سبحانه - يعلم الأمر كله . فوضع للمسلم هذه القاعدة العامة . بغض النظر عن واقع الفترة التي كان هذا القرآن يتنزل فيها وملابساتها الموقوتة ! وبغض النظر عما يقع مثلها في بعض الأحيان هنا وهناك إلى آخر الزمان .

وما يزال الإسلام والذين يتصفون به - ولو أنهم ليسوا من الإسلام في شيء - يلقون من عنت الحرب المشبوبة عليهم وعلى عقيدتهم من اليهود والنصارى في كل مكان على سطح الأرض , ما يصدق قول الله تعالى:

(بعضهم أولياء بعض) . . وما يحتم أن يتدرع المسلمون الواعون بنصيحة ربهم لهم . بل بأمره الجازم , ونهيه القاطع ; وقضائه الحاسم في المفاصلة الكاملة بين أولياء الله ورسوله , وكل معسكر آخر لا يرفع راية الله ورسوله . .

إن الإسلام يكلف المسلم أن يقيم علاقاته بالناس جميعا على أساس العقيدة . فالولاء والعداء لا يكونان في تصور المسلم وفي حركته على السواء إلا في العقيدة . . ومن ثم لا يمكن أن يقوم الولاء - وهو التناصر - بين المسلم وغير المسلم ; إذ أنهما لا يمكن أن يتناصرا في مجال العقيدة . . ولا حتى أمام الإلحاد مثلا - كما يتصور بعض السذج منا وبعض من لا يقرأون القرآن ! - وكيف يتناصران وليس بينهما أساس مشترك يتناصران عليه ?

إن بعض من لا يقرأون القرآن , ولا يعرفون حقيقة الإسلام ; وبعض المخدوعين أيضا . . يتصورون أن الدين كله دين ! كما أن الإلحاد كله إلحاد ! وأنه يمكن إذن أن يقف "التدين" بجملته في وجه الإلحاد . لأن الإلحاد ينكر الدين كله , ويحارب التدين على الإطلاق . .

ولكن الأمر ليس كذلك في التصور الإسلامي ; ولا في حس المسلم الذي يتذوق الإسلام . ولا يتذوقالإسلام إلا من يأخذه عقيدة , وحركة بهذه العقيدة , لإقامة النظام الإسلامي .

إن الأمر في التصور الإسلامي وفي حس المسلم واضح محدد . . الدين هو الإسلام . . وليس هناك دين غيره يعترف به الإسلام . . لأن الله - سبحانه - يقول هذا . يقول: (إن الدين عند الله الإسلام) . . ويقول: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه) . . وبعد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم لم يعد هناك دين يرضاه الله ويقبله من أحد إلا هذا "الإسلام" . . في صورته التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم وما كان يقبل قبل بعثة محمد من النصارى لم يعد الآن يقبل . كما أن ما كان يقبل من اليهود قبل بعثة عيسى عليه السلام , لم يعد يقبل منهم بعد بعثته . .

ووجود يهود ونصارى - من أهل الكتاب - بعد بعثه محمد صلى الله عليه وسلم - ليس معناه أن الله يقبل منهم ما هم عليه ; أو يعترف لهم بأنهم على دين إلهي . . لقد كان ذلك قبل بعثة الرسول الأخير . . أما بعد بعثته فلا دين - في التصور الإسلامي وفي حس المسلم - إلا الإسلام . . وهذا ما ينص عليه القرآن نصا غير قابل للتأويل . .

إن الإسلام لا يكرههم على ترك معتقداتهم واعتناق الإسلام . . لأنه (لا إكراه في الدين) ولكن هذا ليس معناه أنه يعترف بما هم عليه "ديناً ويراهم على دين" . .

ومن ثم فليس هناك جبهه تدين يقف معها الإسلام في وجه الإلحاد ! هناك "دين" هو الإسلام . . وهناك "لا دين" هو غير الإسلام . . ثم يكون هذا اللادين . . عقيدة أصلها سماوي ولكنها محرفه , أو عقيده أصلها وثني باقيه على وثنيتها . أو إلحاداً ينكر الأديان . . تختلف فيما بينها كلها . . ولكنها تختلف كلها مع الإسلام . ولا حلف بينها وبين الإسلام ولا ولاء . .

والمسلم يتعامل مع أهل الكتاب هؤلاء ; وهو مطالب بإحسان معاملتهم - كما سبق - ما لم يؤذوه في الدين ; ويباح له أن يتزوج المحصنات منهن - على خلاف فقهي فيمن تعتقد بألوهية المسيح أو بنوته , وفيمن تعتقد التثليث أهي كتابيه تحل أم مشركة تحرم - وحتى مع الأخذ بمبدأ تحليل النكاح عامه . . فإن حسن المعامله وجواز النكاح , ليس معناها الولاء والتناصر في الدين ; وليس معناها اعتراف المسلم بأن دين أهل الكتاب - بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم هو دين يقبله الله ; ويستطيع الإسلام أن يقف معه في جبهه واحدة لمقاومة الإلحاد !

إن الإسلام قد جاء ليصحح اعتقادات أهل الكتاب ; كما جاء ليصحح اعتقادات المشركين والوثنيين سواء .

ودعاهم إلى الإسلام جميعاً , لأن هذا هو "الدين" الذي لا يقبل الله غيره من الناس جميعاً . ولما فهم اليهود أنهم غير مدعوين إلى الإسلام , وكبر عليهم أن يدعوا إليه , جابههم القرآن الكريم بأن الله يدعوهم إلى الإسلام , فإن تولوا عنه فهم كافرون !

والمسلم مكلف أن يدعوا أهل الكتاب إلى الإسلام , كما يدعو الملحدين والوثنيين سواء . وهو غير مأذون في أن يكره أحداً من هؤلاء ولا هؤلاء على الإسلام . لأن العقائد لا تنشأ في الضمائر بالإكراه . فالإكراه في الدين فوق أنه منهي عنه , هو كذلك لا ثمره له .



يتبع :

حق اليقين
19-07-2005, 04:55 PM
تابع :
ولا يستقيم أن يعترف المسلم بأن ما عليه أهل الكتاب - بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم هو دين يقبله الله . . ثم يدعوهم مع ذلك إلى الإسلام ! . . إنه لا يكون مكلفاً بدعوتهم إلى الإسلام إلا على أساس واحد ; هو أنه لا يعترف بأن ما هم عليه دين . وأنه يدعوهم إلى الدين .

وإذا تقررت هذه البديهيه , فإنه لا يكون منطقياً مع عقيدته إذا دخل في ولاء أو تناصر للتمكين للدين في الأرض , مع من لا يدين بالإسلام .

إن هذه القضيه في الإسلام قضيه اعتقاديه إيمانيه . كما أنها قضيه تنظيميه حركيه !

من ناحيه أنها قضيه إيمانيه اعتقاديه نحسب أن الأمر قد صار واضحاً بهذا البيان اذي أسلفناه , وبالرجوع إلى النصوص القرآنيه القاطعه بعدم قيام ولاء بين المسلمين وأهل الكتاب .

ومن ناحية أنها قضية تنظيمية حركية الأمر واضح كذلك . . فإذا كان سعي المؤمن كله ينبغي أن يتجه إلى إقامة منهج الله في الحياة - وهو المنهج الذي ينص عليه الإسلام كما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بكل تفصيلات وجوانب هذا المنهج , وهي تشمل كل نشاط الإنسان في الحياة . . فكيف يمكن إذن أن يتعاون المسلم في هذا السعي مع من لا يؤمن بالإسلام دينا ومنهجا ونظاما وشريعة ; ومن يتجه في سعيه إلى أهداف أخرى - إن لم تكن معادية للإسلام وأهدافه فهي على الأقل ليست أهداف الإسلام - إذ الإسلام لا يعترف بهدف ولا عمل لا يقوم على أساس العقيدة مهما بدا في ذاته صالحا - (والذين كفروا أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف) . .

والإسلام يكلف المسلم أن يخلص سعيه كله للإسلام . . ولا يتصور إمكان انفصال أية جزئية في السعي اليومي في حياة المسلم عن الإسلام . . لا يتصور إمكان هذا إلا من لا يعرف طبيعة الإسلام وطبيعة المنهج الإسلامي . . ولا يتصور أن هناك جوانب في الحياة خارجة عن هذا المنهج يمكن التعاون فيها مع من يعادي الإسلام , أو لا يرضى من المسلم إلا أن يترك إسلامه , كما نص الله في كتابه على ما يطلبه اليهود والنصارى من المسلم ليرضوا عنه ! . . إن هناك استحالة اعتقادية كما أن هناك استحالة عملية على السواء . .

إنهما نهجان مختلفان , ناشئان عن تصورين مختلفين , وعن شعورين متباينين , ومثل هذا الاختلاف قائم على مدار الزمان بين قلب مؤمن وقلب لا يعرف الإيمان !

ويهدد القرآن المستنصرين بأعداء دينهم , المتألبين عليهم , المنافقين الذين لا يخلصون لله اعتقادهم ولا ولاءهم ولا اعتمادهم . . يهددهم برجاء الفتح أو أمر الله الذي يفصل في الموقف ; أو يكشف المستور من النفاق . ( الظلال )

وكذلك فإن هؤلاء الذين قبلوا أن يتعاملوا مع العدو وأن يكونوا أداة طيعة بيده ينفذون ما يريد فهم مرتدون عن دينهم وقتالهم واجب قبل قتال الكافر الأصلي

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

وَقَدْ اسْتَقَرَّتْ السُّنَّةُ بِأَنَّ عُقُوبَةَ الْمُرْتَدِّ أَعْظَمُ مِنْ عُقُوبَةِ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ : مِنْهَا : أَنَّ الْمُرْتَدَّ يُقْتَلُ بِكُلِّ حَالٍ , وَلَا يُضْرَبُ عَلَيْهِ جِزْيَةٌ , وَلَا تُعْقَدُ لَهُ ذِمَّةٌ بِخِلَافِ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ . وَمِنْهَا : أَنَّ الْمُرْتَدَّ يُقْتَلُ وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْقِتَالِ بِخِلَافِ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ الَّذِي لَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ كَأَبِي حَنِيفَة , وَمَالِكٍ , وَأَحْمَدَ . وَلِهَذَا كَانَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْمُرْتَدَّ يُقْتَلُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَحْمَدَ . وَمِنْهَا أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يَرِثُ , وَلَا يُنَاكَحُ , وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ , بِخِلَافِ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ , إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ , وَإِذَا كَانَتْ الرِّدَّةُ عَنْ أَصْلِ الدِّينِ أَعْظَمَ مِنْ الْكُفْرِ بِأَصْلِ الدِّينِ , فَالرِّدَّةُ عَنْ شَرَائِعِهِ أَعْظَمُ مِنْ خُرُوجِ الْخَارِجِ الْأَصْلِيِّ عَنْ شَرَائِعِهِ , وَلِهَذَا كَانَ كُلُّ مُؤْمِنٍ يَعْرِفُ أَحْوَالَ التَّتَارِ وَيَعْلَمُ أَنَّ الْمُرْتَدِّينَ الَّذِينَ فِيهِمْ مِنْ الْفُرْسِ وَالْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ شَرٌّ مِنْ الْكُفَّارِ الْأَصْلِيِّينَ مِنْ التُّرْكِ وَنَحْوِهِمْ , وَهُمْ بَعْدَ أَنْ تَكَلَّمُوا بِالشَّهَادَتَيْنِ مَعَ تَرْكِهِمْ لِكَثِيرٍ مِنْ شَرَائِعِ الدِّينِ خَيْرٌ مِنْ الْمُرْتَدِّينَ مِنْ الْفُرْسِ وَالْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ . وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ مَنْ كَانَ مَعَهُمْ مِمَّنْ كَانَ مُسْلِمَ الْأَصْلِ هُوَ شَرٌّ مِنْ التُّرْكِ الَّذِينَ كَانُوا كُفَّارًا , فَإِنَّ الْمُسْلِمَ الْأَصْلِيَّ إذَا ارْتَدَّ عَنْ بَعْضِ شَرَائِعِهِ كَانَ أَسْوَأَ حَالًا مِمَّنْ لَمْ يَدْخُلْ بَعْدُ فِي تِلْكَ الشَّرَائِعِ مِثْلُ : مَانِعِي الزَّكَاةِ وَأَمْثَالِهِمْ مِمَّنْ قَاتَلَهُمْ الصِّدِّيقُ . وَإِنْ كَانَ الْمُرْتَدُّ عَنْ بَعْضِ الشَّرَائِعِ مُتَفَقِّهًا , أَوْ مُتَصَوِّفًا أَوْ تَاجِرًا , أَوْ كَاتِبًا , أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَهَؤُلَاءِ شَرٌّ مِنْ التُّرْكِ الَّذِينَ لَمْ يَدْخُلُوا فِي تِلْكَ الشَّرَائِعِ وَأَصَرُّوا عَلَى الْإِسْلَامِ , وَلِهَذَا يَجِدُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ ضَرَرِ هَؤُلَاءِ عَلَى الدِّينِ مَا لَا يَجِدُونَهُ مِنْ ضَرَرِ أُولَئِكَ , وَيَنْقَادُونَ لِلْإِسْلَامِ وَشَرَائِعِهِ وَطَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَعْظَمَ مِنْ انْقِيَادِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَنْ بَعْضِ الدِّينِ وَنَافَقُوا فِي بَعْضِهِ , وَإِنْ تَظَاهَرُوا بِالِانْتِسَابِ إلَى الْعِلْمِ وَالدِّينِ , وَغَايَةُ مَا يُوجَدُ مِنْ هَؤُلَاءِ يَكُونُ مُلْحِدًا نُصَيْرِيًّا , أَوْ إسْمَاعِيلِيًّا , أَوْ رَافِضِيًّا , وَخِيَارُهُمْ يَكُونُ جَهْمِيًّا اتِّحَادِيًّا أَوْ نَحْوَهُ , فَإِنَّهُ لَا يَنْضَمُّ إلَيْهِمْ طَوْعًا مِنْ الْمُظْهِرِينَ لِلْإِسْلَامِ إلَّا مُنَافِقٌ , أَوْ زِنْدِيقٌ , أَوْ فَاسِقٌ فَاجِرٌ , وَمَنْ أَخْرَجُوهُ مَعَهُمْ مُكْرَهًا فَإِنَّهُ يُبْعَثُ عَلَى نِيَّتِهِ , وَنَحْنُ عَلَيْنَا أَنْ نُقَاتِلَ الْعَسْكَرَ جَمِيعَهُ إذْ لَا يَتَمَيَّزُ الْمُكْرَهُ مِنْ غَيْرِهِ . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ : عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : { يَغْزُو هَذَا الْبَيْتَ جَيْشٌ مِنْ النَّاسِ , فَبَيْنَمَا هُمْ بِبَيْدَاءَ مِنْ الْأَرْضِ إذْ خُسِفَ بِهِمْ فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , إنَّ فِيهِمْ الْمُكْرَهَ . فَقَالَ : يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ } . وَالْحَدِيثُ مُسْتَفِيضٌ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ أَخْرَجَهُ أَرْبَابُ الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ , وَحَفْصَةَ , وَأُمِّ سَلَمَةَ . فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ : عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ : { قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : يَعُوذُ عَائِذٌ بِالْبَيْتِ فَيُبْعَثُ إلَيْهِ بَعْثٌ فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنْ الْأَرْضِ خُسِفَ بِهِمْ فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ , فَكَيْفَ بِمَنْ كَانَ كَارِهًا . قَالَ : يُخْسَفُ بِهِ مَعَهُمْ وَلَكِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى نِيَّتِهِ } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ : عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : { عَبَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَنَامِهِ فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ , صَنَعْت شَيْئًا فِي مَنَامِك لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُهُ . فَقَالَ : الْعَجَبُ أَنَّ نَاسًا مِنْ أُمَّتِي يَؤُمُّونَ هَذَا الْبَيْتَ بِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ , وَقَدْ لَجَأَ إلَى الْبَيْتِ حَتَّى إذَا كَانُوا بِالْبَيْدَاءِ خُسِفَ بِهِمْ . فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ , إنَّ الطَّرِيقَ قَدْ يَجْمَعُ النَّاسَ . قَالَ : نَعَمْ , فِيهِمْ الْمُسْتَنْصِرُ وَالْمَجْنُونُ وَابْنُ السَّبِيلِ فَيَهْلِكُونَ مَهْلَكًا وَاحِدًا وَيَصْدُرُونَ مَصَادِرَ شَتَّى , يَبْعَثُهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نِيَّاتِهِمْ } وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ : عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : { قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةِ فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنْ الْأَرْضِ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ . قَالَتْ : قُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ , يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ , وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ . قَالَ : يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ } . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ : عَنْ حَفْصَةَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : سَيَعُوذُ بِهَذَا الْبَيْتِ - يَعْنِي الْكَعْبَةَ - قَوْمٌ لَيْسَتْ لَهُمْ مَنَعَةٌ وَلَا عَدَدٌ وَلَا عُدَّةٌ , يُبْعَثُ إلَيْهِمْ جَيْشٌ يَوْمَئِذٍ حَتَّى إذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنْ الْأَرْضِ خُسِفَ بِهِمْ } . قَالَ يُوسُفُ بْنُ مَاهَكَ : وَأَهْلُ الشَّامِ يَوْمَئِذٍ يَسِيرُونَ إلَى مَكَّةَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ : أَمَا وَاَللَّهِ مَا هُوَ بِهَذَا الْجَيْشِ فَاَللَّهُ تَعَالَى أَهْلَكَ الْجَيْشَ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَنْتَهِكَ حُرُمَاتِهِ الْمُكْرَهَ فِيهِمْ وَغَيْرَ الْمُكْرَهِ . مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَهُمْ مَعَ أَنَّهُ يَبْعَثُهُمْ عَلَى نِيَّاتِهِمْ . فَكَيْفَ يَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الْمُجَاهِدِينَ أَنْ يُمَيِّزُوا بَيْنَ الْمُكْرَهِ وَغَيْرِهِ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ بَلْ لَوْ ادَّعَى مُدَّعٍ أَنَّهُ خَرَجَ مُكْرَهًا لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ . كَمَا رُوِيَ { أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَسَرَهُ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ بَدْرٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , إنِّي , كُنْت مُكْرَهًا . فَقَالَ : أَمَّا ظَاهِرُك فَكَانَ عَلَيْنَا وَأَمَّا سَرِيرَتُك فَإِلَى اللَّهِ } . بَلْ لَوْ كَانَ فِيهِمْ قَوْمٌ صَالِحُونَ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ وَلَمْ يُمْكِنْ قِتَالُهُمْ إلَّا بِقَتْلِ هَؤُلَاءِ لَقُتِلُوا أَيْضًا فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ لَوْ تَتَرَّسُوا بِمُسْلِمِينَ وَخِيفَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إذَا لَمْ يُقَاتِلُوا فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ نَرْمِيَهُمْ وَنَقْصِدَ الْكُفَّارَ , وَلَوْ لَمْ نَخَفْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ جَازَ وَهِيَ أُولَئِكَ الْمُسْلِمِينَ أَيْضًا فِي أَحَدِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ . وَمَنْ قُتِلَ لِأَجْلِ الْجِهَادِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ هُوَ فِي الْبَاطِنِ مَظْلُومٌ كَانَ شَهِيدًا , وَبُعِثَ عَلَى نِيَّتِهِ , وَلَمْ يَكُنْ قَتْلُهُ أَعْظَمَ فَسَادًا مِنْ قَتْلِ مَنْ يُقْتَلُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ الْمُجَاهِدِينَ , وَإِذَا كَانَ الْجِهَادُ وَاجِبًا وَإِنْ قُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَا شَاءَ اللَّهُ فَقِيلَ مَنْ يُقْتَلُ فِي صَفِّهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِحَاجَةِ الْجِهَادِ لَيْسَ أَعْظَمَ مِنْ هَذَا , بَلْ قَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمُكْرَهَ فِي قِتَالِ الْفِتْنَةِ بِكَسْرِ سَيْفِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَ , وَإِنْ قُتِلَ , كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ { قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إنَّهَا سَتَكُونُ فِتَنٌ أَلَا ثُمَّ تَكُونُ فِتَنٌ أَلَا ثُمَّ تَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي , وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي , أَلَا فَإِذَا نَزَلَتْ أَوْ وَقَعَتْ فَمَنْ كَانَ لَهُ إبِلٌ فَلْيَلْحَقْ بِإِبِلِهِ , وَمَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ , وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِهِ , قَالَ : فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَرَأَيْت مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إبِلٌ , وَلَا غَنَمٌ , وَلَا أَرْضٌ قَالَ : يَعْمِدُ إلَى سَيْفِهِ فَيَدُقُّ عَلَى حَدِّهِ بِحَجَرٍ , ثُمَّ لِيَنْجُ إنْ اسْتَطَاعَ النَّجَاةَ . اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْت , اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْت اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْت . فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَرَأَيْت إنْ أُكْرِهْت حَتَّى يُنْطَلَقَ بِي إلَى إحْدَى الصَّفَّيْنِ أَوْ إحْدَى الْفِئَتَيْنِ فَيَضْرِبُنِي رَجُلٌ بِسَيْفِهِ أَوْ بِسَهْمِهِ فَيَقْتُلَنِي . قَالَ : يَبُوءُ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِك , وَيَكُونُ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ } . فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ بَلْ أَمَرَ بِمَا يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْقِتَالُ مِنْ الِاعْتِزَالِ أَوْ إفْسَادِ السِّلَاحِ الَّذِي يُقَاتِلُ بِهِ . وَقَدْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ الْمُكْرَهُ وَغَيْرُهُ ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ الْمُكْرَهَ إذَا قُتِلَ ظُلْمًا كَانَ الْقَاتِلُ قَدْ بَاءَ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِ الْمَقْتُولِ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي قِصَّةِ ابْنَيْ آدَمَ عَنْ الْمَظْلُومِ { إنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِك فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ } وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا صَالَ صَائِلٌ عَلَى نَفْسِهِ جَازَ لَهُ الدَّفْعُ بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّفْعُ بِالْقِتَالِ عَلَى قَوْلَيْنِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ : إحْدَاهُمَا : يَجِبُ الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَوْ لَمْ يَحْضُرْ الصَّفَّ . وَالثَّانِيَةُ : يَجُوزُ لَهُ الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِهِ . وَأَمَّا الِابْتِدَاءُ بِالْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ فَلَا يَجُوزُ بِلَا رَيْبٍ , وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَى الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَ , بَلْ عَلَيْهِ إفْسَادُ سِلَاحِهِ , وَأَنْ يَصْبِرَ حَتَّى يُقْتَلَ مَظْلُومًا فَكَيْفَ بِالْمُكْرَهِ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ الطَّائِفَةِ الْخَارِجَةِ عَنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ : كَمَانِعِي الزَّكَاةِ , وَالْمُرْتَدِّينَ , وَنَحْوِهِمْ , فَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْحُضُورِ أَنْ لَا يُقَاتِلَ وَإِنْ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ كَمَا لَوْ أَكْرَهَهُ الْكُفَّارُ عَلَى حُضُورِ صَفِّهِمْ لِيُقَاتِلَ الْمُسْلِمِينَ , وَكَمَا لَوْ أَكْرَهَ رَجُلٌ رَجُلًا عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ مَعْصُومٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ , وَإِنْ أَكْرَهَهُ بِالْقَتْلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ حِفْظُ نَفْسِهِ بِقَتْلِ ذَلِكَ الْمَعْصُومِ أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ , فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَظْلِمَ غَيْرَهُ فَيَقْتُلَهُ , لِئَلَّا يُقْتَلَ هُوَ , بَلْ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ الْقَوَدُ عَلَى الْمُكْرِهِ جَمِيعًا عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ : كَأَحْمَدَ , وَمَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ , فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ , وَفِي الْآخَرِ : يَجِبُ الْقَوَدُ عَلَى الْمُكْرِهِ فَقَطْ كَقَوْلِ : أَبِي حَنِيفَةَ , وَمُحَمَّدٍ , وَقِيلَ : الْقَوَدُ عَلَى الْمُكْرَهِ الْمُبَاشِرِ كَمَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ زُفَرَ , وَأَبُو يُوسُفَ : يُوجِبُ الضَّمَانَ بِالدِّيَةِ بَدَلَ الْقَوَدِ وَلَمْ يُوجِبْهُ . وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ : عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قِصَّةَ أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ وَفِيهَا أَنَّ الْغُلَامَ أَمَرَ بِقَتْلِ نَفْسِهِ لِأَجْلِ مَصْلَحَةِ ظُهُورِ الدِّينِ , وَلِهَذَا جَوَّزَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ أَنْ يَنْغَمِسَ الْمُسْلِمُ فِي صَفِّ الْكُفَّارِ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُمْ يَقْتُلُونَهُ إذَا كَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ . وَقَدْ بَسَطْنَا الْقَوْلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ , فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ يَفْعَلُ مَا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ لِأَجْلِ مَصْلَحَةِ الْجِهَادِ مَعَ أَنَّ قَتْلَهُ نَفْسَهُ أَعْظَمُ مِنْ قَتْلِهِ لِغَيْرِهِ كَانَ مَا يُفْضِي إلَى قَتْلِ غَيْرِهِ لِأَجْلِ مَصْلَحَةِ الدِّينِ الَّتِي لَا تَحْصُلُ إلَّا بِذَلِكَ وَدَفْعِ ضَرَرِ الْعَدُوِّ الْمُفْسِدِ لِلدِّينِ وَالدُّنْيَا , الَّذِي لَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِذَلِكَ أَوْلَى وَإِذَا كَانَتْ السُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ مُتَّفِقَيْنِ عَلَى أَنَّ الصَّائِلَ الْمُسْلِمَ إذَا لَمْ يَنْدَفِعْ صَوْلُهُ إلَّا بِالْقَتْلِ قُتِلَ وَإِنْ كَانَ الْمَالُ الَّذِي يَأْخُذُهُ قِيرَاطًا مِنْ دِينَارٍ , كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ , وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ , وَمَنْ قُتِلَ دُونَ حَرَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ } . فَكَيْفَ بِقِتَالِ هَؤُلَاءِ الْخَارِجِينَ عَنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ الْمُحَارِبِينَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ الَّذِينَ صَوْلُهُمْ وَبَغْيُهُمْ أَقَلُّ مَا فِيهِمْ , فَإِنَّ قِتَالَ الْمُعْتَدِينَ الصَّائِلِينَ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ , وَهَؤُلَاءِ مُعْتَدُونَ صَائِلُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ , وَأَمْوَالِهِمْ , وَحُرَمِهِمْ , وَدِينِهِمْ , وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ يُبِيحُ قِتَالَ الصَّائِلِ عَلَيْهَا , وَمَنْ قُتِلَ دُونَهَا فَهُوَ شَهِيدٌ , فَكَيْفَ بِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا كُلَّهَا وَهُمْ مِنْ شَرِّ الْبُغَاةِ الْمُتَأَوِّلِينَ الظَّالِمِينَ , لَكِنْ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُمْ يُقَاتَلُونَ كَمَا تُقَاتَلُ الْبُغَاةُ الْمُتَأَوِّلُونَ فَقَدْ أَخْطَأَ خَطَأً قَبِيحًا وَضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا فَإِنَّ أَقَلَّ مَا فِي الْبُغَاةِ الْمُتَأَوِّلِينَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ تَأْوِيلٌ سَائِغٌ خَرَجُوا بِهِ . وَلِهَذَا قَالُوا : إنَّ الْإِمَامَ يُرَاسَلُهُمْ , فَإِنْ ذَكَرُوا شُبْهَةً بَيَّنَهَا , وَإِنْ ذَكَرُوا مَظْلِمَةً أَزَالَهَا , فَأَيُّ شُبْهَةٍ لِهَؤُلَاءِ الْمُحَارِبِينَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ السَّاعِينَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا , وَالْخَارِجِينَ عَنْ شَرَائِعِ الدِّينِ وَلَا رَيْبَ أَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ أَنَّهُمْ أَقْوَمُ بِدِينِ الْإِسْلَامِ عِلْمًا وَعَمَلًا مِنْ هَذِهِ الطَّائِفَةِ بَلْ هُوَ مَعَ دَعْوَاهُمْ الْإِسْلَامَ يَعْلَمُونَ أَنَّ هَذِهِ الطَّائِفَةَ أَعْلَمُهُمْ بِإِسْلَامٍ مِنْهُمْ , وَأَتْبَعُ لَهُ مِنْهُمْ , وَكُلُّ مَنْ تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ مِنْ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ يَعْلَمُ ذَلِكَ وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يُنْذِرُونَ الْمُسْلِمِينَ بِالْقِتَالِ , فَامْتَنَعَ أَنْ تَكُونَ لَهُمْ شُبْهَةٌ بَيِّنَةٌ يَسْتَحِلُّونَ بِهَا قِتَالَ الْمُسْلِمِينَ كَيْفَ وَهُمْ قَدْ سَبَوْا غَالِبَ حَرِيمِ الرَّعِيَّةِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوهُمْ ؟ حَتَّى إنَّ النَّاسَ قَدْ رَأَوْهُمْ يُعَظِّمُونَ الْبُقْعَةَ وَيَأْخُذُونَ مَا فِيهَا مِنْ الْأَمْوَالِ , وَيُعَظِّمُونَ الرَّجُلَ وَيَتَبَرَّكُونَ بِهِ , وَيَسْلُبُونَهُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الثِّيَابِ , وَيَسْبُونَ حَرِيمَهُ وَيُعَاقِبُونَهُ بِأَنْوَاعِ الْعُقُوبَاتِ الَّتِي لَا يُعَاقَبُ بِهَا إلَّا أَظْلَمُ النَّاسِ وَأَفْجَرُهُمْ , وَالْمُتَأَوِّلُ تَأْوِيلًا دِينِيًّا لَا يُعَاقِبُ إلَّا مَنْ يَرَاهُ عَاصِيًا لِلدِّينِ , وَهُمْ يُعَظِّمُونَ مَنْ يُعَاقِبُونَهُ فِي الدِّينِ , وَيَقُولُونَ : إنَّهُ أَطْوَعُ لِلَّهِ مِنْهُمْ , فَأَيُّ تَأْوِيلٍ بَقِيَ لَهُمْ , ثُمَّ لَوْ قُدِّرَ أَنَّهُمْ مُتَأَوِّلُونَ لَمْ يَكُنْ تَأْوِيلُهُمْ سَائِغًا , بَلْ تَأْوِيلُ الْخَوَارِجِ وَمَانِعِي الزَّكَاةِ أَوْجَهُ مِنْ تَأْوِيلِهِمْ , أَمَّا الْخَوَارِجُ فَإِنَّهُمْ ادَّعَوْا اتِّبَاعَ الْقُرْآنِ , وَأَنَّ مَا خَالَفَهُ مِنْ السُّنَّةِ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ . وَأَمَّا مَانِعُوا الزَّكَاةِ فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُمْ قَالُوا : إنَّ اللَّهَ قَالَ لِنَبِيِّهِ : خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً وَهَذَا خِطَابٌ لِنَبِيِّهِ فَقَطْ فَلَيْسَ عَلَيْنَا أَنْ نَدْفَعَهَا لِغَيْرِهِ فَلَمْ يَكُونُوا يَدْفَعُونَهَا لِأَبِي بَكْرٍ وَلَا يُخْرِجُونَهَا لَهُ , وَالْخَوَارِجُ لَهُمْ عِلْمٌ وَعِبَادَةٌ وَلِلْعُلَمَاءِ مَعَهُمْ مُنَاظَرَاتٌ كَمُنَاظَرَتِهِمْ مَعَ الرَّافِضَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ , وَأَمَّا هَؤُلَاءِ فَلَا يُنَاظَرُونَ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ , فَلَوْ كَانُوا مُتَأَوِّلِينَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ تَأْوِيلٌ يَقُولُهُ ذُو عَقْلٍ , وَقَدْ خَاطَبَنِي بَعْضُهُمْ بِأَنْ قَالَ : مَلِكُنَا مِلِكٌ ابْنُ مَلِكٍ ابْنُ مَلِكٍ إلَى سَبْعَةِ أَجْدَادٍ , وَمَلِكُكُمْ ابْنُ مَوْلًى فَقُلْت : لَهُ : آبَاءُ ذَلِكَ الْمَلِكِ كُلُّهُمْ كُفَّارٌ , وَلَا فَخْرَ بِالْكَافِرِ , بَلْ الْمَمْلُوكُ الْمُسْلِمُ خَيْرٌ مِنْ الْمَلِكِ الْكَافِرِ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ } . فَهَذِهِ وَأَمْثَالُهَا حُجَجُهُمْ , وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ كَانَ مُسْلِمًا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُطِيعَ الْمُسْلِمَ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا وَلَا يُطِيعُ الْكَافِرَ . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ : عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : { اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ مَا أَقَامَ فِيكُمْ كِتَابَ اللَّهِ } . وَدِينُ الْإِسْلَامِ إنَّمَا يُفَضِّلُ الْإِنْسَانَ بِإِيمَانِهِ وَتَقْوَاهُ لَا بِآبَائِهِ , وَلَوْ كَانُوا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ خَلَقَ الْجَنَّةَ لِمَنْ أَطَاعَهُ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا , وَخَلَقَ النَّارَ لِمَنْ عَصَاهُ وَلَوْ كَانَ شَرِيفًا قُرَشِيًّا . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } وَفِي السُّنَنِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : " { لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ , وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ , وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَبْيَضَ , وَلَا لِأَبْيَضَ عَلَى أَسْوَدَ إلَّا بِالتَّقْوَى , النَّاسُ مِنْ آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ } . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ : عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِقَبِيلَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْهُ : { إنَّ آلَ أَبِي فُلَانٍ لَيْسُوا بِأَوْلِيَائِي إنَّمَا وَلِيِّي اللَّهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } . فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ مُوَالَاتَهُ لَيْسَتْ بِالْقَرَابَةِ وَالنَّسَبِ , بَلْ بِالْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى , فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي قَرَابَةِ الرَّسُولِ فَكَيْفَ بِقَرَابَةِ جِنْكِيزْ خَانْ الْكَافِرِ الْمُشْرِكِ , وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ أَعْظَمَ إيمَانًا وَتَقْوًى كَانَ أَفْضَلَ مِمَّنْ هُوَ دُونَهُ فِي الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى , وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَسْوَدَ حَبَشِيًّا وَالثَّانِي عَلَوِيًّا أَوْ عَبَّاسِيًّا .
يتبع

حق اليقين
19-07-2005, 04:56 PM
تابع :
1. يجب التعاون بين المجاهدين في سبيل الله على البر والتقوى لأن هدفهم واحد وهو مرضاة الله تعالى واتباع منهجه وأن يحذروا الفتنة فيما بينهم فالعدو يتربص بهم ليل نهار قال تعالى : { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (2) سورة المائدة

وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } (103) سورة آل عمران

وفي الترمذي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلاَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

وفي السنة لابن أبي عاصم93 عن النعمان بن بشير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

الجماعة رحمة والفرقة عذاب‏.‏ (حسن)

إنهما ركيزتان تقوم عليهما الجماعة المسلمة , وتؤدي بهما دورها الشاق العظيم . فإذا انهارت واحدة منهما لم تكن هناك جماعة مسلمة , ولم يكن هنالك دور لها تؤديه:

ركيزة الإيمان والتقوى أولا . . التقوى التي تبلغ أن توفي بحق الله الجليل . . التقوى الدائمة اليقظة التي لا تغفل ولا تفتر لحظة من لحظات العمر حتى يبلغ الكتاب أجله:

(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته) . .

اتقوا الله - كما يحق له أن يتقى - وهي هكذا بدون تحديد تدع القلب مجتهدا في بلوغها كما يتصورها وكما يطيقها . وكلما أوغل القلب في هذا الطريق تكشفت له آفاق , وجدت له أشواق . وكلما اقترب بتقواه من الله , تيقظ شوقه إلى مقام أرفع مما بلغ , وإلى مرتبة وراء ما ارتقى . وتطلع إلى المقام الذي يستيقظ فيه قلبه فلا ينام !

(ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) . .

والموت غيب لا يدري إنسان متى يدركه . فمن أراد ألا يموت إلا مسلما فسبيله أن يكون منذ اللحظة مسلما , وأن يكون في كل لحظة مسلما . وذكر الإسلام بعد التقوى يشي بمعناه الواسع:الاستسلام . الاستسلام لله , طاعة له , واتباعا لمنهجه , واحتكاما إلى كتابه . وهو المعنى الذي تقرره السورة كلها في كل موضع منها , على نحو ما أسلفنا .

هذه هي الركيزة الأولى التي تقوم عليها الجماعة المسلمة لتحقق وجودها وتؤدي دورها . إذ أنه بدون هذه الركيزة يكون كل تجمع تجمعا جاهليا . ولا يكون هناك منهج لله تتجمع عليه أمة , إنما تكون هناك مناهج جاهلية . ولا تكون هناك قيادة راشدة في الأرض للبشرية , إنما تكون القيادة للجاهلية .

فأما الركيزة الثانية فهي ركيزة الأخوة . . الأخوة في الله , على منهج الله , لتحقيق منهج الله:

(واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا , واذكروا نعمة الله عليكم , إذ كنتم أعداء , فألف بين قلوبكم , فأصبحتم بنعمته إخوانا . وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها . كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون) . .

فهي أخوة إذن تنبثق من التقوى والإسلام . . من الركيزة الأولى . . أساسها الاعتصام بحبل الله - أي عهده ونهجه ودينه - وليست مجرد تجمع على أي تصور آخر , ولا على أي هدف آخر , ولا بواسطة حبل آخر من حبال الجاهلية الكثيرة !

(واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) . .

هذه الأخوة المعتصمة بحبل الله نعمة يمتن الله بها على الجماعة المسلمة الأولى . وهي نعمة يهبها الله لمن يحبهم من عباده دائما . وهو هنا يذكرهم هذه النعمة . يذكرهم كيف كانوا في الجاهلية "أعداء" . . وما كان أعدى من الأوس والخزرج في المدينة أحد . وهما الحيان العربيان في يثرب . يجاورهما اليهود الذين كانوا يوقدون حول هذه العداوة وينفخون في نارها حتى تأكل روابط الحيين جميعا . ومن ثم تجد يهود مجالها الصالح الذي لا تعمل إلا فيه , ولا تعيش إلا معه . فألف الله بين قلوب الحيين من العرب بالإسلام . . وما كان إلا الإسلام وحده يجمع هذه القلوب المتنافرة . وما كان إلا حبل الله الذي يعتصم به الجميع فيصبحون بنعمة الله إخوانا .

وما يمكن أن يجمع القلوب إلا أخوة في الله , تصغر إلى جانبها الأحقاد التاريخية , والثارات القبلية , والأطماع الشخصية والرايات العنصرية . ويتجمع الصف تحت لواء الله الكبير المتعال .

(واذكروا نعمة الله عليكم , إذ كنتم أعداء , فألف بين قلوبكم , فأصبحتم بنعمته إخوانا) . .

ويذكرهم كذلك نعمته عليهم في إنقاذهم من النار التي كانوا على وشك أن يقعوا فيها , إنقاذهم من النار بهدايتهم إلى الاعتصام بحبل الله - الركيزة الأولى - وبالتأليف بين قلوبهم , فأصبحوا بنعمة الله إخوانا - الركيزة الثانية -:

(وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها) .

والنص القرآني يعمد إلى مكمن المشاعر والروابط:"القلب" . . فلا يقول:فألف بينكم . إنما ينفذ إلى المكمن العميق: (فألف بين قلوبكم) فيصور القلوب حزمة مؤلفة متآلفة بيد الله وعلى عهده وميثاقه . كذلك يرسم النص صورة لما كانوا فيه . بل مشهدا حيا متحركا تتحرك معه القلوب: (وكنتم على شفا حفرة من النار) . . وبينما حركة السقوط في حفرة النار متوقعة , إذا بالقلوب ترى يد الله , وهي تدرك وتنقذ ! وحبل الله وهو يمتد ويعصم . وصورة النجاة والخلاص بعد الخطر والترقب ! وهو مشهد متحرك حي تتبعه القلوب واجفة خافقة , وتكاد العيون تتملاه من وراء الأجيال !

وقد ذكر محمد بن إسحاق في السيرة وغيره أن هذه الآية نزلت في شأن الأوس والخزرج . وذلك أن رجلا من اليهود مر بملأ من الأوس والخزرج , فساءه ما هم عليه من الاتفاق والألفة , فبعث رجلا معه , وأمره أن يجلس بينهم , ويذكر لهم ما كان من حروبهم يوم "بعاث" ! وتلك الحروب . ففعل . فلم يزل ذلك دأبه حتى حميت نفوس القوم , وغضب بعضهم على بعض , وتثاوروا , ونادوا بشعارهم . وطلبوا أسلحتهم . وتوعدوا إلى "الحرة " . . فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاهم , فجعل يسكنهم , ويقول:" أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم " وتلا عليهم هذه الآية , فندموا على ما كان منهم , واصطلحوا وتعانقوا وألقوا السلاح رضي الله عنهم

وكذلك بين الله لهم فاهتدوا , وحق فيهم قول الله سبحانه في التعقيب في الآية:

(كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون) .

فهذه صورة من جهد يهود لتقطيع حبل الله بين المتحابين فيه , القائمين على منهجه , لقيادة البشرية في طريقه . . هذه صورة من ذلك الكيد الذي تكيده يهود دائما للجماعة المسلمة , كلما تجمعت على منهج الله واعتصمت بحبله . وهذه ثمرة من ثمار طاعة أهل الكتاب . كادت ترد المسلمين الأولين كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض . وتقطع بينهم حبل الله المتين , الذي يتآخون فيه مجتمعين . وهذه صلة هذه الآية بالآيات قبلها في هذا السياق .

على أن مدلول الآية أوسع مدى من هذه الحادثة . فهي تشي - مع ما قبلها في السياق وما بعدها - بأنه كانت هناك حركة دائبة من اليهود لتمزيق شمل الصف المسلم في المدينة , وإثارة الفتنة والفرقة بكل الوسائل . والتحذيرات القرآنية المتوالية من إطاعة أهل الكتاب , ومن الاستماع إلى كيدهم ودسهم , ومن التفرق كما تفرقوا . . هذه التحذيرات تشي بشدة ما كانت تلقاه الجماعة المسلمة من كيد اليهود في المدينة , ومن بذرهم لبذور الشقاق والشك والبلبلة باستمرار . . وهو دأب يهود في كل زمان . وهو عملها اليوم وغدا في الصف المسلم , في كل مكان ! ( الظلال)

أقول : ونحن لا نؤتى إلا من قبل أنفسنا فالحذر الحذر ففي مسلم عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِىَ الأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِى سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِىَ لِى مِنْهَا وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ وَإِنِّى سَأَلْتُ رَبِّى لأُمَّتِى أَنْ لاَ يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ وَأَنْ لاَ يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ وَإِنَّ رَبِّى قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنِّى إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لاَ يُرَدُّ وَإِنِّى أَعْطَيْتُكَ لأُمَّتِكَ أَنْ لاَ أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ وَأَنْ لاَ أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا - أَوْ قَالَ مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا - حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا وَيَسْبِى بَعْضُهُمْ بَعْضًا ».

2. يجب التركيز على الرؤوس العفنة والمؤثرة في المعركة لأن ذلك أنكى في العدو وكل من يتعاون مع العدو ( مسلم أو غير مسلم ) يجوز قتله ، سواء داخل العراق أو خارجها فالمعركة مفتوحة على كل الجبهات

3. لا يجوز قبول شروط العدو ولا حلوله التي تصرف المجاهد عن سبيل الله لأن العدو ماكر وخداع ولا عهد لهم ولا ذمة قال تعالى : { كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ} (8) سورة التوبة

وقال تعالى : { إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ} (2) سورة الممتحنة

وقال تعالى : { أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} (100) سورة البقرة

4. لا يجوز الاستسلام للعدو ولا لعملائه لأن الاستسلام معناه الموت وأذى المؤمنين ، بل يكون معه حزام ناسف متى شعر بالخطر استخدمه ، لأن في استسلامه خطرا على الإسلام والمسلمين ، ولا أحد يطالب به ، وقد يفشي أسرار المسلمين ، وقد يؤذى أهله وينكل بهم كما حدث في السجون الأمريكية وغيرها ، وقد خرج يجاهد في سبيل الله ، يبتغي مرضاة الله تعالى ، فليبذل نفسه رخيصة في سبيل الله تعالى

ففي مسند أحمد عَنْ أَنَسٍ أَنَّ حَارِثَةَ ابْنَ الرُّبَيِّعِ جَاءَ يَوْمَ بَدْرٍ نَظَّاراً وَكَانَ غُلاَماً فَجَاءَ سَهْمٌ غَرْبٌ فَوَقَعَ فِى ثُغْرَةِ نَحْرِهِ فَقَتَلَهُ فَجَاءَتْ أُمُّهُ الرُّبَيِّعُ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْتَ مَكَانَ حَارِثَةَ مِنِّى فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَسَأَصْبِرُ وَإِلاَّ فَسَيَرَى اللَّهُ مَا أَصْنَعُ. فَقَالَ « يَا أُمَّ حَارِثَةَ إِنَّهَا لَيْسَتْ بِجَنَّةٍ وَاحِدَةٍ وَلَكِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ وَإِنَّهُ فِى الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى ».

يتبع :

حق اليقين
19-07-2005, 04:58 PM
تابع :
1. يجوز ضرب مصالح العدو الحيوية والاقتصادية التي تنكي به في أي مكان في الأرض



2. يجب أن يكون هدفكم ليس فقط إخراج العدو من أرضكم ، بل إعادة الخلافة الإسلامية التي هي الحصن الحصين والركن المتين لهذه الأمة وهي عائدة بإذن الله تعالى ( وقد نجحت كثير من الحركات الإسلامية في إخراج العدو من أرضها ولكنها لم تنجح في إعطاء البديل الإسلامي فجاءها شر من العدو الخارجي (طغاة وفراعنة ساموها أشد العذاب ) ففي مسند أحمد عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ كُنَّا قُعُوداً فِى الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَكَانَ بَشِيرٌ رَجُلاً يَكُفُّ حَدِيثَهُ فَجَاءَ أَبُو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِىُّ فَقَالَ يَا بَشِيرُ بْنَ سَعْدٍ أَتَحْفَظُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى الأُمَرَاءِ. فَقَالَ حُذَيْفَةُ أَنَا أَحْفَظُ خُطْبَتَهُ. فَجَلَسَ أَبُو ثَعْلَبَةَ فَقَالَ حُذَيْفَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً عَاضًّا فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً جَبْرِيَّةً فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ ».

3. مهما ادلهمت الخطوب وتآمر العدو وفجر فالنصر آت بإذن الله تعالى فلا يأس ولا قنوط قال تعالى : {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ} (214) سورة البقرة

هكذا خاطب الله الجماعة المسلمة الأولى , وهكذا وجهها إلى تجارب الجماعات المؤمنة قبلها , وإلى سنته - سبحانه - في تربية عباده المختارين , الذين يكل إليهم رايته , وينوط بهم أمانته في الأرض ومنهجه وشريعته . وهو خطاب مطرد لكل من يختار لهذا الدور العظيم . .

وإنها لتجربة عميقة جليلة مرهوبة . . إن هذا السؤال من الرسول والذين آمنوا معه . من الرسول الموصول بالله , والمؤمنين الذين آمنوا بالله . إن سؤالهم: (متى نصر الله ?) ليصور مدى المحنة التي تزلزل مثل هذه القلوب الموصولة . ولن تكون إلا محنة فوق الوصف , تلقي ظلالها على مثل هاتيك القلوب , فتبعث منها ذلك السؤال المكروب: (متى نصر الله ?) . .

وعندما تثبت القلوب على مثل هذه المحنة المزلزلة . . عندئذ تتم كلمة الله , ويجيء النصر من الله:

(ألا إن نصر الله قريب) . .

إنه مدخر لمن يستحقونه . ولن يستحقه إلا الذين يثبتون حتى النهاية . الذين يثبتون على البأساء والضراء . الذين يصمدون للزلزلة . الذين لا يحنون رؤوسهم للعاصفة . الذين يستيقنون أن لا نصر إلا نصر الله , وعندما يشاء الله . وحتى حين تبلغ المحنة ذروتها , فهم يتطلعون فحسب إلى (نصر الله) , لا إلى أي حل آخر , ولا إلى أي نصر لا يجيء من عند الله . ولا نصر إلا من عند الله .

بهذا يدخل المؤمنون الجنة , مستحقين لها , جديرين بها , بعد الجهاد والامتحان , والصبر والثبات , والتجرد لله وحده , والشعور به وحده , وإغفال كل ما سواه وكل من سواه .

إن الصراع والصبر عليه يهب النفوس قوة , ويرفعها على ذواتها , ويطهرها في بوتقة الألم , فيصفو عنصرها ويضيء , ويهب العقيدة عمقا وقوة وحيوية , فتتلألأ حتى في أعين أعدائها وخصومها . وعندئذ يدخلون في دين الله أفواجا كما وقع , وكما يقع في كل قضية حق , يلقي أصحابها ما يلقون في أول الطريق , حتى إذا ثبتوا للمحنة انحاز إليهم من كانوا يحاربونهم وناصرهم أشد المناوئين وأكبر المعاندين . .

على أنه - حتى إذا لم يقع هذا - يقع ما هو أعظم منه في حقيقته . يقع أن ترتفع أرواح أصحاب الدعوة على كل قوى الأرض وشرورها وفتنتها , وأن تنطلق من إسار الحرص على الدعة والراحة , والحرص على الحياة نفسها في النهاية . . وهذا الانطلاق كسب للبشرية كلها , وكسب للأرواح التي تصل إليه عن طريق الاستعلاء . كسب يرجح جميع الآلام وجميع البأساء والضراء التي يعانيها المؤمنون , والمؤتمنون على راية الله وأمانته ودينه وشريعته .

وهذا الانطلاق هو المؤهل لحياة الجنة في نهاية المطاف . . وهذا هو الطريق . .

هذا هو الطريق كما يصفه الله للجماعة المسلمة الأولى , وللجماعة المسلمة في كل جيل .

هذا هو الطريق:إيمان وجهاد . . ومحنة وابتلاء . وصبر وثبات . . وتوجه إلى الله وحده . ثم يجيء النصر . ثم يجيء النعيم . . ( الظلال )

وقال تعالى : { وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} (146) سورة آل عمران

والمثل الذي يضربه لهم هنا مثل عام , لا يحدد فيه نبيا , ولا يحدد فيه قوما . إنما يربطهم بموكب الإيمان ; ويعلمهم أدب المؤمنين ; ويصور لهم الابتلاء كأنه الأمر المطرد في كل دعوة وفي كل دين ; ويربطهم بأسلافهم من اتباع الأنبياء ; ليقرر في حسهم قرابة المؤمنين للمؤمنين ; ويقر في أخلادهم أن أمر العقيدة كله واحد . وإنهم كتيبة في الجيش الإيماني الكبير:

(وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير . فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا) . .

. . وكم من نبي قاتلت معه جماعات كثيرة . فما ضعفت نفوسهم لما أصابهم من البلاء والكرب والشدة والجراح . وما ضعفت قواهم عن الاستمرار في الكفاح , وما استسلموا للجزع ولا للأعداء . . فهذا هو شأن المؤمنين , المنافحين عن عقيدة ودين . .

(والله يحب الصابرين) . .

الذين لا تضعف نفوسهم , ولا تتضعضع قواهم , ولا تلين عزائمهم , ولا يستكينون أو يستسلمون . . والتعبير بالحب من الله للصابرين . له وقعه . وله إيحاؤه . فهو الحب الذي يأسو الجراح , ويمسح على القرح , ويعوض ويربو عن الضر والقرح والكفاح المرير ! ( الظلال )



4. يجب اليقين أن الإقدام في المعركة لن يقرب الآجال والإحجام لن يبعده فهو قدر من الله تعالى ، فلنمت في ساحات الوغى موتة الشرفاء الأعزاء الخالدين قال تعالى :

{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} (145) سورة آل عمران

إن لكل نفس كتابا مؤجلا إلى أجل مرسوم . ولن تموت نفس حتى تستوفي هذا الأجل المرسوم . فالخوف والهلع , والحرص والتخلف , لا تطيل أجلا . والشجاعة والثبات والإقدام والوفاء لا تقصر عمرا . فلا كان الجبن , ولا نامت أعين الجبناء . والأجل المكتوب لا ينقص منه يوم ولا يزيد !

بذلك تستقر حقيقة الأجل في النفس , فتترك الاشتغال به , ولا تجعله في الحساب , وهي تفكر في الأداء والوفاء بالالتزامات والتكاليف الإيمانية . وبذلك تنطلق من عقال الشح والحرص , كما ترتفع على وهلة الخوف والفزع . وبذلك تستقيم على الطريق بكل تكاليفه وبكل التزاماته , في صبر وطمأنينة , وتوكل على الله الذي يملك الآجال وحده .

ثم ينتقل بالنفس خطوة وراء هذه القضية التي حسم فيها القول . . فإنه إذا كان العمر مكتوبا , والأجل مرسوما . . فلتنظر نفس ما قدمت لغد ; ولتنظر نفس ماذا تريد . . أتريد أن تقعد عن تكاليف الإيمان , وأن تحصر همها كله في هذه الأرض , وأن تعيش لهذه الدنيا وحدها ? أم تريد أن تتطلع إلى أفق أعلى , وإلى اهتمامات أرفع , وإلى حياة أكبر من هذه الحياة ? . . مع تساوي هذا الهم وذاك فيما يختص بالعمر والحياة ?!

(ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها . ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها) .

وشتان بين حياة وحياة ! وشتان بين اهتمام واهتمام ! - مع اتحاد النتيجة بالقياس إلى العمر والأجل - والذي يعيش لهذه الأرض وحدها , ويريد ثواب الدنيا وحدها . . إنما يحيا حياة الديدان والدواب والأنعام ! ثم يموت في موعده المضروب بأجله المكتوب . والذي يتطلع إلى الأفق الآخر . . إنما يحيا حياة "الإنسان" الذي كرمه الله واستخلفه وأفرده بهذا المكان ثم يموت في موعده المضروب بأجله المكتوب . . (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا) . .

(وسنجزي الشاكرين) . .

الذين يدركون نعمة التكريم الإلهي للإنسان , فيرتفعون عن مدارج الحيوان ; ويشكرون الله على تلك النعمة , فينهضون بتبعات الإيمان . .

وهكذا يقرر القرآن حقيقة الموت والحياة , وحقيقة الغاية التي ينتهي إليها الأحياء , وفق ما يريدونه لأنفسهم , من اهتمام قريب كاهتمام الدود , أو اهتمام بعيد كاهتمام الإنسان ! وبذلك ينقل النفس من الإنشغال بالخوف من الموت والجزع من التكاليف - وهي لا تملك شيئا في شأن الموت والحياة - إلى الإنشغال بما هو أنفع للنفس , في الحقل الذي تملكه , وتملك فيه الاختيار . فتختار الدنيا أو تختار الآخرة . وتنال من جزاء الله ما تختار ! ( الظلال )



5. يجب التعلق بالمنهج لا بالأشخاص قال تعالى : { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ} (144) سورة آل عمران

إن محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) ليس إلا رسولا . سبقته الرسل . وقد مات الرسل . ومحمد ( صلى الله عليه وسلم ) سيموت كما مات الرسل قبله . . هذه حقيقة أولية بسيطة . فما بالكم غفلتم عنها حينما واجهتكم في المعركة ?

إن محمدا رسول من عند الله , جاء ليبلغ كلمة الله . والله باق لا يموت , وكلمته باقية لا تموت . . وما ينبغي أن يرتد المؤمنون على أعقابهم إذا مات النبي الذي جاء ليبلغهم هذه الكلمة أو قتل . . وهذه كذلك حقيقة أولية بسيطة غفلوا عنها في زحمة الهول . وما ينبغي للمؤمنين أن يغفلوا عن هذه الحقيقة الأولية البسيطة !

إن البشر إلى فناء , والعقيدة إلى بقاء , ومنهج الله للحياة مستقل في ذاته عن الذين يحملونه ويؤدونه إلى الناس , من الرسل والدعاة على مدار التاريخ . . والمسلم الذي يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان أصحابه يحبونه الحب الذي لم تعرف له النفس البشرية في تاريخها كله نظيرا . الحب الذي يفدونه معه بحياتهم أن تشوكه شوكة . وقد رأينا أبا دجانة يترس عليه بظهره والنبل يقع فيه ولا يتحرك ! ورأينا التسعة الذين أفرد فيهم ينافحون عنه ويستشهدون واحدا إثر واحد . . وما يزال الكثيرون في كل زمان وفي كل مكان يحبونه ذلك الحب العجيب بكل كيانهم , وبكل مشاعرهم , حتى ليأخذهم الوجد من مجرد ذكره صلى الله عليه وسلم . . هذا المسلم الذي يحب محمدا ذلك الحب , مطلوب منه أن يفرق بين شخص محمد صلى الله عليه وسلم والعقيدة التي أبلغها وتركها للناس من بعده , باقية ممتدة موصولة بالله الذي لا يموت .

إن الدعوة أقدم من الداعية:

(وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل) . .

قد خلت من قبله الرسل يحملون هذه الدعوة الضاربة في جذور الزمن , العميقة في منابت التاريخ , المبتدئة مع البشرية , تحدو لها بالهدى والسلام من مطالع الطريق .

وهي أكبر من الداعية , وأبقى من الداعية . فدعاتها يجيئون ويذهبون , وتبقى هي على الأجيال والقرون , ويبقى اتباعها موصولين بمصدرها الأول , الذي أرسل بها الرسل , وهو باق - سبحانه - يتوجه إليه المؤمنون . . وما يجوز أن ينقلب أحد منهم على عقبيه , ويرتد عن هدى الله . والله حي لا يموت:

ومن ثم هذا الاستنكار , وهذا التهديد , وهذا البيان المنير:

(أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ? ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا . وسيجزي الله الشاكرين) . .

وفي التعبير تصوير حي للارتداد: (انقلبتم على أعقابكم) . . (ومن ينقلب على عقبيه) . فهذه الحركة الحسية في الانقلاب تجسم معنى الارتداد عن هذه العقيدة , كأنه منظر مشهود . والمقصود أصلا ليس حركة الارتداد الحسية بالهزيمة في المعركة , ولكن حركة الارتداد النفسية التي صاحبتها حينما هتف الهاتف:إن محمدا قد قتل , فأحس بعض المسلمين أن لا جدوى إذن من قتال المشركين , وبموت محمد انتهى أمر هذا الدين , وانتهى أمر الجهاد للمشركين ! فهذه الحركة النفسية يجسمها التعبير هنا , فيصورها حركة ارتداد على الأعقاب , كارتدادهم في المعركة على الأعقاب ! وهذا هو الذي حذرهم إياه النضر بن أنس - رضي الله عنه - فقال لهم حين وجدهم قد ألقوا بأيديهم , وقالوا له:إن محمدا قد مات:" فما تصنعون بالحياة من بعده ? فقوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم " .

(ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا) . .

فإنما هو الخاسر , الذي يؤذي نفسه فيتنكب الطريق . . وانقلابه لن يضر الله شيئا . فالله غني عن الناس وعن إيمانهم . ولكنه - رحمة منه بالعباد - شرع لهم هذا المنهج لسعادتهم هم , ولخيرهم هم . وما يتنكبه متنكب حتى يلاقي جزاءه من الشقوة والحيرة في ذات نفسه وفيمن حوله . وحتى يفسد النظام وتفسد الحياة ويفسد الخلق , وتعوج الأمور كلها , ويذوق الناس وبال أمرهم في تنكبهم للمنهج الوحيد الذي تستقيم في ظله الحياة , وتستقيم في ظله النفوس , وتجد الفطرة في ظله السلام مع ذاتها , والسلام مع الكون الذي تعيش فيه .

(وسيجزي الله الشاكرين) . .

الذين يعرفون مقدار النعمة التي منحها الله لعباده في إعطائهم هذا المنهج , فيشكرونها باتباع المنهج , ويشكرونها بالثناء على الله , ومن ثم يسعدون بالمنهج فيكون هذا جزاء طيبا على شكرهم , ثم يسعدون بجزاء الله لهم في الآخرة , وهو أكبر وأبقى . .

وكأنما أراد الله - سبحانه - بهذه الحادثة , وبهذه الآية , أن يفطم المسلمين عن تعلقهم الشديد بشخص النبي صلى الله عليه وسلم وهو حي بينهم . وأن يصلهم مباشرة بالنبع . النبع الذي لم يفجره محمد صلى الله عليه وسلم ولكن جاء فقط ليومىء إليه , ويدعو البشر إلى فيضه المتدفق , كما أومأ إليه من قبله من الرسل , ودعوا القافلة إلى الارتواء منه !

وكأنما أراد الله - سبحانه - أن يأخذ بأيديهم , فيصلها مباشرة بالعروة الوثقى . العروة التي لم يعقدها محمد صلى الله عليه وسلم إنما جاء ليعقد بها أيدي البشر , ثم يدعهم عليها ويمضي وهم بها مستمسكون !

وكأنما أراد الله - سبحانه - أن يجعل ارتباط المسلمين بالإسلام مباشرة , وأن يجعل عهدهم مع الله مباشرة , وأن يجعل مسؤوليتهم في هذا العهد أمام الله بلا وسيط . حتى يستشعروا تبعتهم المباشرة , التي لا يخليهم منها أن يموت الرسول صلى الله عليه وسلم أو يقتل , فهم إنما بايعوا الله . وهم أمام الله مسؤولون !

وكأنما كان الله - سبحانه - يعد الجماعة المسلمة لتلقي هذه الصدمة الكبرى - حين تقع - وهو - سبحانه - يعلم أن وقعها عليهم يكاد يتجاوز طاقتهم . فشاء أن يدربهم عليها هذا التدريب , وأن يصلهم به هو , وبدعوته الباقية , قبل أن يستبد بهم الدهش والذهول .

ولقد أصيبوا - حين وقعت بالفعل - بالدهش والذهول . حتى لقد وقف عمر - رضي الله عنه - شاهرا سيفه , يهدد به من يقول:إن محمدا قد مات !

ولم يثبت إلا أبو بكر , الموصول القلب بصاحبه , وبقدر الله فيه , الاتصال المباشر الوثيق . وكانت هذه الآية - حين ذكرها وذكر بها المدهوشين الذاهلين - هي النداء الإلهي المسموع , فإذا هم يثوبون ويرجعون ! ( الظلال )




********************

قال تعالى : { وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (105) سورة التوبة

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين