rajaab
22-07-2005, 05:03 PM
هبوط الفقه الاسلامي
بعد تلاميذ المجتهدين جاء اتباع المذاهب ومقلدوها ، فلم يستمروا على الطريقة التي سار عليها الائمة واصحاب المذاهب في الاجتهاد واستنباط الاحكام ، ولا على الطريقة التي سار عليها تلاميذ المجتهدين من تتبع الدليل وبيان وجه الاستدلال والتفريع على الاحكام وشرح المسائل ، وانما عني اتباع كل امام او علماء كل مذهب بالانتصار لمذهبهم وتأييد فروعه واصوله بكل الوسائل . فلم يعنوا بتتبع صحة الدليل وترجيح الدليل الراجح على المرجوح ولو خالف مذهبهم ، وانما كانوا تارة يعنون باقامة البراهين على صحة ما ذهبوا اليه وبطلان ماخالفه . وتارة كانت عنايتهم منصرفة الى تأييد مذهبهم بالاشادة بالائمة واصحاب المذاهب ، فشغل ذلك علماء المذاهب وصرفهم عن الاساس الاول وهو القرآن والحديث ، وصار الواحد منهم لايرجع الى نص قرآني او حديث ، الا ليلتمس فيه ما يؤيد مذهب امامه . وبهذا حصرت ابحاثهم في مذاهبهم وفترت همتهم عن الاجتهاد المطلق ، وعن الرجوع الى المصادر الاساسية لاستمداد الاحكام منها . وحصر همهم في الاجتهاد في المذهب ، او في المسألة الواحدة منه ، اوتقليده تقليدا دون تبصر . وبلغ من تقليدهم ان قالوا ان كل اية او حديث يخالف ما عليه اصحابنا -اي مذهبهم - فهو مؤول اومنسوخ . وجعلوا تقليد مذهب من المذاهب فرضا على المسلم ، واخذوا يدرسون في المعاهد الاسلامية كالازهر الشريف ، قول صاحب جوهرة التوحيد في وجوب التقليد :
وواجب تقليد حبر منهم كذا حكى القوم بلفظ يفهم
بل ذهبوا الى اقفال باب الاجتهاد على المسلمين ، وقالوا بعدم جواز الاجتهاد ، حتى صار كثير من العلماء ممن هم اهل للاجتهاد ، وتوفرت فيهم اهلية الاجتهاد لايجرؤن على الاجتهاد ، وعلى القول انهم مجتهدون . وقد بدأ هذا الانحطاط في اواخر القرن الرابع الهجري . الا انه كان في اول الامر حتى نهاية القرن السادس الهجري واوائل السابع ، فيه شيء من الارتفاع . فقد وجد مجتهدون ووجد علماء في الوقت الذي كان امثال القفال يقولون باقفال ابواب الاجتهاد .
ولكنه منذ اوائل القرن السابع الهجري حتى اواخر القرن الثالث عشر الهجري كان انحطاطا تاما ، ولكنه كان في حدود الاسلام ، فكان الانحطاط في التفكير ، ولكن الآراء الفقهية كانت آراء اسلامية . اما بعد اواخر القرن الثالث عشر أي منذ سنة 1274 هــ . حتى الان فقد وصل الانحطاط الى حد ان خلطت الاحكام الشرعية بالقوانين غير الاسلامية ووصل الحال الى ابعد حد من حدود الانحطاط .
وقد كان من جراء هذا الانحطاط الفقهي ، ان جر الى عسر حمل الناس على اعمال الاحكام الشرعية . فبعد ان كانت الشريعة الاسلامية تسع العالم باسره جعلوها تضيق عن اهلها ، حتى يضطروا الى ان يتناولوا غيرها من القوانين الاخرى ، فيما لايرقى اليها . واصبح كثير من الاتقياء من المسلمين يتخاصمون الى شريعة غير الشريعة الاسلامية . وكان في اواخر الدولة العثمانية من الجهل بالاسلام ومن جهلة الفقهاء ، ما كان السبب الاكبر في تأخر المسلمين وزوال دولتهم . فقد كان هنالك فقهاء جامدون مستعدون للفتوى بتحريم كل جديد ، وتكفير كل مفكر . ومن طريف ما وقع في ذلك من المضحكات المبكيات ان ظهرت قهوة البن فافتى بعض الفقهاء بتحريمها ، وظهر الدخان فأفتوا بتحريمه ، ولبس الناس الطربوش فافتى الفقهاء بتحريم لبسه ، وظهرت المطابع وعزمت الدولة على طباعة القران الكريم ، فحرم بعض الفقهاء طبعه ، وظهر التلفون فحرم بعض الفقهاء التكلم به ، وجرت غير ذلك امور ، حتى آل الامر في الفقه الاسلامي ان جهل جهلا تاما عند المسلمين . وقد تحول الامر من دراسة الاحكام الشرعية الى دراسة القوانين الغربية ، وانشئت مدارس الحقوق ، تلك المدارس التي يعتبر وجودها في بلاد المسلمين لطخة عار عليهم وفي اواخر الدولة العثمانية -وقد كانت الدولة الاسلامية ورئيسها خليفة المسلمين - عمدوا للفقه الاسلامي يقلدون به الفقه الغربي في التقنين . فوضعوا المجلة سنة 1286 هجرية قانونا مدنيا وصدرت الاراده السنية بالعمل بها في سنة 1293 هـ ، وكانوا قبل قد وضعوا قانون الجزاء سنة 1274هـ . وجعلوه محل الحدود والجنايات والتعزير ، ووضعوا قانون التجارة سنة 1276 هـ . ثم وضعوا الدستور لألغاء نظام الخلافة كله سنة 1294 هـ . ولكنه الغي ثم اعيد سنة 1326 هـ . الموافق سنة 1908 م . ولكنهم حاولوا التوفيق بينه وبين الاسلام وابقوا نظام الخلافة . وهكذا انحط الفقه وتحول الى قوانين وتركت الاحكام الشرعية واخذت الاحكام من غير الاسلام بحجة موافقتها للاسلام ، وسادت فكرة خاطئة ان كل ما يوافق الاسلام يؤخذ من أي انسان ، وانحطت همم العلماء وصاروا في جملتهم مقلدين . الاان ذلك كان يرى فيه ظل للاسلام ، ولكن بعد زوال الخلافة ، واستيلاء الكفار من الانكليز والفرنسيين على البلاد ، ثم صيرورة البلاد الاسلامية دولا على الاساس القومي ، عربيا كان اوتركيا او ايرانيا او غيره ، محى الفقه الاسلامي من الوجود في علاقات الناس ، ومن التعلم والتعليم ، ولم يبق يدرس الافي بعض البلدان كالازهر في مصر وكالنجف في العراق وكجامع الزيتونة في تونس ، الا انه يدرس كما تدرس الفلسفة اليونانية . وبلغ الانحطاط حدا فضيعا اذ زال الفقه الاسلامي من الوجود في علاقات المسلمين .
بعد تلاميذ المجتهدين جاء اتباع المذاهب ومقلدوها ، فلم يستمروا على الطريقة التي سار عليها الائمة واصحاب المذاهب في الاجتهاد واستنباط الاحكام ، ولا على الطريقة التي سار عليها تلاميذ المجتهدين من تتبع الدليل وبيان وجه الاستدلال والتفريع على الاحكام وشرح المسائل ، وانما عني اتباع كل امام او علماء كل مذهب بالانتصار لمذهبهم وتأييد فروعه واصوله بكل الوسائل . فلم يعنوا بتتبع صحة الدليل وترجيح الدليل الراجح على المرجوح ولو خالف مذهبهم ، وانما كانوا تارة يعنون باقامة البراهين على صحة ما ذهبوا اليه وبطلان ماخالفه . وتارة كانت عنايتهم منصرفة الى تأييد مذهبهم بالاشادة بالائمة واصحاب المذاهب ، فشغل ذلك علماء المذاهب وصرفهم عن الاساس الاول وهو القرآن والحديث ، وصار الواحد منهم لايرجع الى نص قرآني او حديث ، الا ليلتمس فيه ما يؤيد مذهب امامه . وبهذا حصرت ابحاثهم في مذاهبهم وفترت همتهم عن الاجتهاد المطلق ، وعن الرجوع الى المصادر الاساسية لاستمداد الاحكام منها . وحصر همهم في الاجتهاد في المذهب ، او في المسألة الواحدة منه ، اوتقليده تقليدا دون تبصر . وبلغ من تقليدهم ان قالوا ان كل اية او حديث يخالف ما عليه اصحابنا -اي مذهبهم - فهو مؤول اومنسوخ . وجعلوا تقليد مذهب من المذاهب فرضا على المسلم ، واخذوا يدرسون في المعاهد الاسلامية كالازهر الشريف ، قول صاحب جوهرة التوحيد في وجوب التقليد :
وواجب تقليد حبر منهم كذا حكى القوم بلفظ يفهم
بل ذهبوا الى اقفال باب الاجتهاد على المسلمين ، وقالوا بعدم جواز الاجتهاد ، حتى صار كثير من العلماء ممن هم اهل للاجتهاد ، وتوفرت فيهم اهلية الاجتهاد لايجرؤن على الاجتهاد ، وعلى القول انهم مجتهدون . وقد بدأ هذا الانحطاط في اواخر القرن الرابع الهجري . الا انه كان في اول الامر حتى نهاية القرن السادس الهجري واوائل السابع ، فيه شيء من الارتفاع . فقد وجد مجتهدون ووجد علماء في الوقت الذي كان امثال القفال يقولون باقفال ابواب الاجتهاد .
ولكنه منذ اوائل القرن السابع الهجري حتى اواخر القرن الثالث عشر الهجري كان انحطاطا تاما ، ولكنه كان في حدود الاسلام ، فكان الانحطاط في التفكير ، ولكن الآراء الفقهية كانت آراء اسلامية . اما بعد اواخر القرن الثالث عشر أي منذ سنة 1274 هــ . حتى الان فقد وصل الانحطاط الى حد ان خلطت الاحكام الشرعية بالقوانين غير الاسلامية ووصل الحال الى ابعد حد من حدود الانحطاط .
وقد كان من جراء هذا الانحطاط الفقهي ، ان جر الى عسر حمل الناس على اعمال الاحكام الشرعية . فبعد ان كانت الشريعة الاسلامية تسع العالم باسره جعلوها تضيق عن اهلها ، حتى يضطروا الى ان يتناولوا غيرها من القوانين الاخرى ، فيما لايرقى اليها . واصبح كثير من الاتقياء من المسلمين يتخاصمون الى شريعة غير الشريعة الاسلامية . وكان في اواخر الدولة العثمانية من الجهل بالاسلام ومن جهلة الفقهاء ، ما كان السبب الاكبر في تأخر المسلمين وزوال دولتهم . فقد كان هنالك فقهاء جامدون مستعدون للفتوى بتحريم كل جديد ، وتكفير كل مفكر . ومن طريف ما وقع في ذلك من المضحكات المبكيات ان ظهرت قهوة البن فافتى بعض الفقهاء بتحريمها ، وظهر الدخان فأفتوا بتحريمه ، ولبس الناس الطربوش فافتى الفقهاء بتحريم لبسه ، وظهرت المطابع وعزمت الدولة على طباعة القران الكريم ، فحرم بعض الفقهاء طبعه ، وظهر التلفون فحرم بعض الفقهاء التكلم به ، وجرت غير ذلك امور ، حتى آل الامر في الفقه الاسلامي ان جهل جهلا تاما عند المسلمين . وقد تحول الامر من دراسة الاحكام الشرعية الى دراسة القوانين الغربية ، وانشئت مدارس الحقوق ، تلك المدارس التي يعتبر وجودها في بلاد المسلمين لطخة عار عليهم وفي اواخر الدولة العثمانية -وقد كانت الدولة الاسلامية ورئيسها خليفة المسلمين - عمدوا للفقه الاسلامي يقلدون به الفقه الغربي في التقنين . فوضعوا المجلة سنة 1286 هجرية قانونا مدنيا وصدرت الاراده السنية بالعمل بها في سنة 1293 هـ ، وكانوا قبل قد وضعوا قانون الجزاء سنة 1274هـ . وجعلوه محل الحدود والجنايات والتعزير ، ووضعوا قانون التجارة سنة 1276 هـ . ثم وضعوا الدستور لألغاء نظام الخلافة كله سنة 1294 هـ . ولكنه الغي ثم اعيد سنة 1326 هـ . الموافق سنة 1908 م . ولكنهم حاولوا التوفيق بينه وبين الاسلام وابقوا نظام الخلافة . وهكذا انحط الفقه وتحول الى قوانين وتركت الاحكام الشرعية واخذت الاحكام من غير الاسلام بحجة موافقتها للاسلام ، وسادت فكرة خاطئة ان كل ما يوافق الاسلام يؤخذ من أي انسان ، وانحطت همم العلماء وصاروا في جملتهم مقلدين . الاان ذلك كان يرى فيه ظل للاسلام ، ولكن بعد زوال الخلافة ، واستيلاء الكفار من الانكليز والفرنسيين على البلاد ، ثم صيرورة البلاد الاسلامية دولا على الاساس القومي ، عربيا كان اوتركيا او ايرانيا او غيره ، محى الفقه الاسلامي من الوجود في علاقات الناس ، ومن التعلم والتعليم ، ولم يبق يدرس الافي بعض البلدان كالازهر في مصر وكالنجف في العراق وكجامع الزيتونة في تونس ، الا انه يدرس كما تدرس الفلسفة اليونانية . وبلغ الانحطاط حدا فضيعا اذ زال الفقه الاسلامي من الوجود في علاقات المسلمين .