المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خواطر و نثر مقامة للدكتور/ عائض القرني



The Majestic
26-07-2005, 11:51 PM
قال الراوي : جاءنا رجلٌ مهموم ... وقد أنهكته الغموم ... فهو من الحزن مكظوم ... فقال :
ايها الناس ... حل بنا البأس ... وذهب منا السرور والإيناس ... وتفرد بنا الشيطان ...
فأسقمنا حميم الأحزان ...

فهل منكم رجلٌ رشيد ... رأيه سديد ... يصرف عنا هذا العذاب الشديد ... فقام منا ... شيخٌ
ينوب عنا ... وهو أكبرنا سنا ... فقال : ايها الرجل الغريب ... شأنك عجيب ... تشكو الهم
والوصب ... والغم والنصب ... وأراك لم يبق منك إلا العصب ... أما تدعو الرحمن ... أما
تقرأ القرآن ... فإنه يذهب الأحزان ... ويطرد الوحشة عن الإنسان ... ثم إعلم وأفهم ...
لتسعد وتسلم ...

إن من أعظم الأمور ... في جلب السرور ... الرضا بالمقدور ... وأجتناب المحذور ... فلا
تأسف على ما فات ... فقد مات ... ولو أنه كنوزٌ من الذهب والجنيهات ... وأترك المستقبل
حتى يُقبل ... ولا تحمل همه وتنقل ... ولا تهتم بكلام الحساد ... فلا يُحسدُ إلا من ساد
... وحظي بالإسعاد ... وعليك بالأذكار ... فهي تحفظ الأعمار ... وتدفع الأشرار ... وهي
أُنس الأبرار ...وبهجة الأخيار ...

وعليك بالقناعة ... فإنها اربح البضاعة ...

وأملأ قلبك بالصدق ... وأشغل نفسك بالحق ...

وإلا شغلتك بالباطل ... وأصبحت كالعاطل ...

وفكر في نعم الله عليك ... وكيف ساقها إليك ...

من صحةٍ في بدن ... وأمنُ في وطن ... وراحةٌ قي سكن ... ومواهبٌ وفطن ... مع ما صرف من
المحن ... وسلم من الفتن ...

وأسأل نفسك في النعم التي بين يديك ... هل تريد كنوز الدنيا في عينيك ؟... أو أموال
قارون بين يديك ؟... أوقصور الزهراء في رجليك ؟... أو حدائق دمشق في أًُذنيك ؟... وهل
تشتري ملك كسرى بأنفك ولسانك وفيك ؟... مع نعمة الإسلام ... ومعرفتك للحلال والحرام ...
وطاعتك للملك العلام ...

ثم أعطاك مالاً ممدوداً ... وبنين شهوداً ... ومهد لك تمهيداً ... وقد كنت وحيداً فريداً
... وأذكر نعمة الغذاء والماء والهواء ... والدواء والكساء ... والضياء والهناء مع صرف
البلاء ... ودفع الشقاء ... ثم إفرح بما جرى عليك من أقدار ... فأنت لا تعرف ما فيها من
الأسرار ... فقابل النعمة بالشكر ... وقابل البلية بالصبر ... وإذا أصبحت فلا تنتظر
المساء ... وأغفر لكل من قصر في حقك وأساء ... وأغسل قلبك سبعاً من الأضغان ... وعفره
الثامنة بالغفران ... وأنهمك في العمل ... فإنه يطرد الملل ...

وأحمد ربك على العافية ... والعيشة الكافية ... والساعة الصافية ... فكم في الأرض من
وحيدٍ وشريد ... وطريدٍ وفقيد ... وكم في الأرض من رجلٍ غُلب ... ومالٍ سُلب ... وملكٌ
نُهب ... وكم من مسجون ... ومغبونٌ ومديون ... ومفتونٌ ومجنون ... وكم من سقيم ...
وعقيمٍ ويتيم ... ومن يلازمه الغريم ... والمرَضُ الأليم ... وأعلم أن الحياة غرفةً
بمفتاح ... تصفقها الرياح ... لا صخبٌ فيها ولا صياح ... وهي كما قال إبن فارس :-

ماءٌ وخبزٌ و ظِل ،،،،، ذاك النعيم الأجل

كفرتُ نعمة ربي ،،،،، إن قلت إني مُقل

وأعلم أن لكل باب من الهم مفتاحاً من السرور ... للذنب ربٍ غفور ... والفلك يدور ...
وأنت لا تدري بعاقبة الأمور ... وملكُ كسرى لا تغني عنه كِسرة ... ويكفي من البحر قطرة
... فلا تذهب نفسك حسرة ... ولا تتوقع الحوادث ... ولا تنتظر الكوارث ... ولا تحرم نفسك
لتجمع للوارث ... ويغنيك عن الدنيا مصحفٌ شريف ... وبيتٍ لطيف ... ومتاعٍ خفيف ... وكوز
ماءٍ ورغيف ... وثوبٍ نظيف ... والعزلةُ مملكة الأفكار ... والدواء كل الدواء في صيدلية
الأذكار ... وإذا أصبحت طائعاً لربك ... وغناك في قلبك ... وأنت آمنٌ في سربك ... راضٍ
بكسبك ... فقد حصلت السعادة ... ونلت الزيادة ... وبلغت السيادة ... وأعلم أن الدنيا
خداعة ... لا تساوي همّ ساعة ... فأجعلها طاعة ... فلما إنتهى من وعظه ... أعجب بلفظه
... وحسن لحظه ... وقال له : جزاك الله عني خير الجزاء ... فقد صار كلامك عندي أشرف
العزاء .

المصدر :-

مقامات / عائض بن عبدالله القرني

Batistuta
27-07-2005, 03:14 AM
صح لسان الشيخ

وبارك الله فيك على نقلك لنا لهذه الخاطره

منتظرين إبداعاتك أخوي الكريم

في أمان الله وحفظه :ciao:

روحي روحك
27-07-2005, 11:29 AM
مشكور على هذه الكلمات التي توضع في ميزانك .

تحياتي

روحــــــــــــــــي .

The Majestic
29-07-2005, 01:09 AM
مشكورين اخواني على المرور الجميل

وعلى الكلمات الرائعة اللي احطها وسام على صدري


ودمتم...:ciao:

الناقد العربي
04-08-2005, 07:11 AM
يا سيدي! صاحب الأدب! يا عائذاً بمقامات العرب، ومقامات النفس أولى بالأدب، فتلك لشداة العلم مغناة وطرب، ومن معانيها لغات تجتذب، فهلا دعوت بمقامات جار الله الزمخشري، وقد عاتب النفس، ولامها، وعاهد الله على تصويب مواقع أقدامها، ألم يقل: كأنما سمع في بعض إغفاءات الفجر مصوتاً يقول: يا أبا القاسم: أجل مكتوب وأمل مكذوب.. ألم يقل فيها: فعاهدت ربي إن نجاني منها: ألا أطأ بقدمي بساط السلطان، ولا واصلاً أذياله بالسلطان، وأن أغصب نفسي حتى تقيء ما أكلت من طعامهم، وأن أمحو اسمي من دفتر العطاء.. لعل المرء يقنع بمنهج الله، ولا يلقي بيديه إلى التهلكة بترك واجب من واجبات الحق عليه.. ولعله يقف موقف الطمع في الدين لا في الدنيا..وتوظيف المصطلحات على غير وجه الحق فيها إضعاف للأمة، وخلاف المرتجى لعلمائها، وكنت أرى أن المقامات من ضعيف الأدب لأنها تعليمية، وما وجدت خيراً من مقامات الزمخشري وشرحه عليها.. تجد النفس اللوامة التي تحاسب شيطانها، ولا تطمئن إلى مقامها..
بورك اختيار من اختار غير أن النفس تجد وراء السطور ضعفاً لا يليق بالعلماء الذين تلوذ بهم الأمة في شدائدها، ويتبعهم الناس.. عسى الشيخ يخرج من قوالب المقامات وهي قوالب الضعف والتكلف إلى قوالب الإبداع السليم، ومثل شيخنا يرتجى لهذه المهمة الأدبية.. الفكرة الجديدة تقتضي ثوباً جديداً، ولو أنها لا تأبى الثياب القديمة، والغنى غنى النفس بالإبداع.. لذا تجدني بدأت موافقاً وانتهيت مخالفاً في الشكل الأدبي.. وغرضنا الحركة العقلية والنفسية وفي الحركة بركة كما تقول العامة في الشام.
*د.عبد الكريم محمد حسين

حنان العالم
09-08-2005, 02:28 PM
خاطرة جميلة بالمرررة وفيها شئ جذبني لها

ماقصرت يسلمواا

:biggthump