المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حمل مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله



حق اليقين
29-07-2005, 06:03 AM
بتنسيقي على ملف ورد واحد

حمله من هنا :(الرابط مؤقت )

http://www.nexmicrosystems.com/index.php?file=d6e98ec374bde9e894be93e96ab45abe (http://www.nexmicrosystems.com/index.php?file=d6e98ec374bde9e894be93e96ab45abe)



***********

هذه الفتاوى التي ملئت الدنيا وشغلت الناس

لها قيمة كبيرة جدا وذلك لأن صاحبها صاحب تجربة كبيرة جدا فهو صاحب قلب وصاحب لسان وصاحب سنان سله الله تعالى على الكافرين والمنافقين والمرتدين والمخذلين والمبدلين والمعطلين

وأمضى قسطا كبيرا في حياته في السجون الشامية والمصرية لأنه كان يصدع بكلمة الحق

فما زادته تلك السجون سوى قوة ويقينا وجلدا في الثبات على الحق

ومات سجينا في سجن القلعة بدمشق

ولكنه لم يمت فهو حي معنا بكلامه الطيب النفيس الذي لا يدانيه كلام عند المتأخرين

وهذه ترجمته في البداية والنهاية لتلميذه البار ابن كثير رحمه الله :

ذِكْرُ وَفَاةِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ

قَالَ الشَّيْخُ عَلَمُ الدِّينِ الْبِرْزَالِيُّ فِي "تَارِيخِهِ": وَفِي لَيْلَةِ الِاثْنَيْنِ الْعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ تُوُفِّيَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ الْفَقِيهُ الْحَافِظُ الْقُدْوَةُ، شَيْخُ الْإِسْلَامِ تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ شَيْخِنَا الْإِمَامِ الْعَلَّامَةِ الْمُفْتِي شِهَابِ الدِّينِ أَبِي الْمَحَاسِنِ عَبْدِ الْحَلِيمِ بْنِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ مَجْدِ الدِّينِ أَبِي الْبَرَكَاتِ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ، ابْنِ تَيْمِيَّةَ الْحَرَّانِيُّ ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ، بِقَلْعَةِ دِمَشْقَ بِالْقَاعَةِ الَّتِي كَانَ مَحْبُوسًا فِيهَا، وَحَضَرَ جَمْعٌ كَثِيرٌ إِلَى الْغَايَةِ إِلَى الْقَلْعَةِ، فَأُذِنَ لَهُمْ فِي الدُّخُولِ عَلَيْهِ، وَجَلَسَ جَمَاعَةٌ عِنْدَهُ قَبْلَ الْغُسْلِ، وَقَرَءُوا الْقُرْآنَ، وَتَبَرَّكُوا بِرُؤْيَتِهِ وَتَقْبِيلِهِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا، وَحَضَرَ جَمَاعَةٌ مِنَ النِّسَاءِ فَفَعَلُوا مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ انْصَرَفُوا، وَاقْتُصِرَ عَلَى مَنْ يُغَسِّلُهُ، فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ ذَلِكَ أُخْرِجَ وَقَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ بِالْقَلْعَةِ وَالطَّرِيقِ إِلَى الْجَامِعِ، وَامْتَلَأَ الْجَامِعُ وَصَحْنُهُ، وَالْكَلَّاسَةُ، وَبَابُ الْبَرِيدِ، وَبَابُ السَّاعَاتِ، إِلَى اللَّبَّادِينَ وَالْفَوَّارَةِ، وَحَضَرَتِ الْجِنَازَةُ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ مِنَ النَّهَارِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَوُضِعَتْ فِي الْجَامِعِ وَالْجُنْدُ يَحْفَظُونَهَا مِنَ النَّاسِ مِنْ شِدَّةِ الزِّحَامِ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ أَوَّلًا بِالْقَلْعَةِ، تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ تَمَّامٍ، ثُمَّ صُلِّيَ عَلَيْهِ بِجَامِعِ دِمَشْقَ عَقِيبَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَحُمِلَ مِنْ بَابِ الْبَرِيدِ، وَاشْتَدَّ الزِّحَامُ، وَأَلْقَى النَّاسُ عَلَى نَعْشِهِ مَنَادِيلَهُمْ وَعَمَائِمَهُمْ لِلتَّبَرُّكِ، وَصَارَ النَّعْشُ عَلَى الرُّءُوسِ، تَارَةً يَتَقَدَّمُ وَتَارَةً يَتَأَخَّرُ، وَخَرَجَ النَّاسُ مِنَ الْجَامِعِ مِنْ أَبْوَابِهِ كُلِّهَا مِنْ شِدَّةِ الزِّحَامِ، وَكَانَ الْمُعْظَمُ مِنَ الْأَبْوَابِ الْأَرْبَعَةِ بَابِ الْفَرَجِ الَّذِي أُخْرِجَتْ مِنْهُ الْجِنَازَةُ، وَبَابِ الْفَرَادِيسِ، وَبَابِ النَّصْرِ، وَبَابِ الْجَابِيَةِ، وَعَظُمَ الْأَمْرُ بِسُوقِ الْخَيْلِ، وَتَقَدَّمَ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ هُنَاكَ أَخُوهُ زَيْنُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَحُمِلَ إِلَى مَقْبَرَةِ الصُّوفِيَّةِ، فَدُفِنَ إِلَى جَانِبِ أَخِيهِ شَرَفِ الدِّينِ عَبْدِ اللَّهِ، رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَكَانَ دَفْنُهُ وَقْتَ الْعَصْرِ أَوْ قَبْلَهَا بِيَسِيرٍ، وَغَلَّقَ النَّاسُ حَوَانِيتَهُمْ، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَنِ الْحُضُورِ إِلَّا الْقَلِيلُ مِنَ النَّاسِ أَوْ مَنْ عَجَزَ لِأَجْلِ الزِّحَامِ، وَحَضَرَهَا نِسَاءٌ كَثِيرٌ بِحَيْثُ حُزِرْنَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا، وَأَمَّا الرِّجَالُ فَحُزِرُوا بِسِتِّينَ أَلْفًا وَأَكْثَرَ إِلَى مِائَتَيْ أَلْفٍ، وَشَرِبَ جَمَاعَةٌ الْمَاءَ الَّذِي فَضَلَ مِنْ غُسْلِهِ، وَاقْتَسَمَ جَمَاعَةٌ بَقِيَّةَ السِّدْرِ الَّذِي غُسِّلَ بِهِ، وَقِيلَ: إِنَّ الطَّاقِيَّةَ الَّتِي كَانَتْ عَلَى رَأْسِهِ دُفِعَ فِيهَا خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَقِيلَ: إِنَّ الْخَيْطَ الَّذِي كَانَ فِيهِ الزِّئْبَقُ الَّذِي كَانَ فِي عُنُقِهِ بِسَبَبِ الْقَمْلِ، دُفِعَ فِيهِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا، وَحَصَلَ فِي الْجِنَازَةِ ضَجِيجٌ وَبُكَاءٌ وَتَضَرُّعٌ، وَخُتِمَتْ لَهُ خَتَمَاتٌ كَثِيرَةٌ بِالصَّالِحِيَّةِ وَالْبَلَدِ، وَتَرَدَّدَ النَّاسُ إِلَى قَبْرِهِ أَيَّامًا كَثِيرَةً لَيْلًا وَنَهَارًا، وَرُئِيَتْ لَهُ مَنَامَاتٌ كَثِيرَةٌ صَالِحَةٌ، وَرَثَاهُ جَمَاعَةٌ بِقَصَائِدَ جَمَّةٍ.

وَكَانَ مَوْلِدُهُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ عَاشِرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ بِحَرَّانَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَقَدِمَ مَعَ وَالِدِهِ وَأَهْلِهِ إِلَى دِمَشْقَ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَسَمِعَ الْحَدِيثَ مِنِ ابْنِ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَابْنِ أَبِي الْيُسْرِ، وَابْنِ عَبْدٍ، وَالشَّيْخِ شَمْسِ الدِّينِ الْحَنْبَلِيِّ، وَالْقَاضِي شَمْسِ الدِّينِ بْنِ عَطَاءٍ الْحَنَفِيِّ، وَالشَّيْخِ جَمَالِ الدِّينِ بْنِ الصَّيْرَفِيِّ، وَمَجْدِ الدِّينِ بْنِ عَسَاكِرَ، وَالشَّيْخِ جَمَالِ الدِّينِ الْبَغْدَادِيِّ ، وَالنَّجِيبِ بْنِ الْمِقْدَادِ، وَابْنِ أَبِي الْخَيْرِ، وَابْنِ عَلَّانَ، وَابْنِ أَبِي بَكْرٍ الْهَرَوِيِّ، وَالْكَمَالِ عَبْدِ الرَّحِيمِ، وَالْفَخْرِ عَلِيٍّ، وَابْنِ شَيْبَانَ، وَالشَّرَفِ بْنِ الْقَوَّاسِ، وَزَيْنَبَ بِنْتِ مَكِّيٍّ، وَخَلْقٍ كَثِيرٍ، وَقَرَأَ بِنَفْسِهِ الْكَثِيرَ، وَطَلَبَ الْحَدِيثَ، وَكَتَبَ الطِّبَاقَ وَالْأَثْبَاتَ، وَلَازَمَ السَّمَاعَ بِنَفْسِهِ مُدَّةَ سِنِينَ، ثُمَّ اشْتَغَلَ بِالْعُلُومِ، وَكَانَ ذَكِيًّا كَثِيرَ الْمَحْفُوظِ، فَصَارَ إِمَامًا فِي التَّفْسِيرِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، عَارِفًا بِالْفِقْهِ وَاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ، وَالْأَصْلَيْنِ وَالنَّحْوِ وَاللُّغَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعُلُومِ النَّقْلِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ، وَمَا تَكَلَّمَ مَعَهُ فَاضِلٌ فِي فَنٍّ مِنَ الْفُنُونِ الْعِلْمِيَّةِ إِلَّا ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ الْفَنَّ فَنُّهُ، وَرَآهُ عَارِفًا بِهِ مُتْقِنًا لَهُ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَكَانَ حَافِظًا لَهُ مَتْنًا وَإِسْنَادًا، مُمَيِّزًا بَيْنَ صَحِيحِهِ وَسَقِيمِهِ، عَارِفًا بِرِجَالِهِ مُتَضَلِّعًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَهُ تَصَانِيفُ كَثِيرَةٌ وَتَعَالِيقُ مُفِيدَةٌ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ، كَمَّلَ مِنْهَا جُمْلَةً وَبُيِّضَتْ وَكُتِبَتْ عَنْهُ، وَجُمْلَةٌ كَبِيرَةٌ لَمْ يُكْمِلْهَا، وَجُمْلَةٌ كَمَّلَهَا وَلَكِنْ لَمْ تُبَيَّضْ.

وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَعَلَى فَضَائِلِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ عَصْرِهِ، مِثْلُ الْقَاضِي الْخُوِيِّيِّ، وَابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ، وَابْنِ النَّحَّاسِ، وَابْنِ الزَّمْلَكَانِيِّ، وَغَيْرِهِمْ.

وَوُجِدَتْ بِخَطِّ ابْنِ الزَّمْلَكَانِيِّ أَنَّهُ اجْتَمَعَتْ فِيهِ شُرُوطُ الِاجْتِهَادِ عَلَى وَجْهِهَا، وَأَنَّ لَهُ الْيَدَ الطُّولَى فِي حُسْنِ التَّصْنِيفِ، وَجَوْدَةِ الْعِبَارَةِ، وَالتَّرْتِيبِ وَالتَّقْسِيمِ وَالتَّبْيِينِ، وَكَتَبَ عَلَى مُصَنَّفٍ لَهُ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ: ابْنِ الزَّمْلَكَانِيِّ أَنَّهُ اجْتَمَعَتْ فِيهِ شُرُوطُ الِاجْتِهَادِ عَلَى وَجْهِهَا، وَأَنَّ لَهُ الْيَدَ الطُّولَى فِي حُسْنِ التَّصْنِيفِ، وَجَوْدَةِ الْعِبَارَةِ، وَالتَّرْتِيبِ وَالتَّقْسِيمِ وَالتَّبْيِينِ، وَكَتَبَ عَلَى مُصَنَّفٍ لَهُ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ:



مَاذَا يَقُولُ الْوَاصِفُونَ لَهُ ********وَصِفَاتُهُ جَلَّتْ عَنِ الْحَصْرِ

هُوَ حُجَّةٌ لِلَّهِ قَاهِرَةٌ **********هُوَ بَيْنَنَا أُعْجُوبَةُ الدَّهْرِ

هُوَ آيَةٌ فِي الْخَلْقِ ظَاهِرَةٌ *******أَنْوَارُهَا أَرْبَتْ عَلَى الْفَجْرِ



وَهَذَا الثَّنَاءُ عَلَيْهِ وَكَانَ عُمْرُهُ نَحْوَ الثَّلَاثِينَ سَنَةً، وَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ وَصُحْبَةٌ مِنَ الصِّغَرِ، وَسَمَاعُ الْحَدِيثِ وَالطَّلَبُ مِنْ نَحْوِ خَمْسِينَ سَنَةً، وَلَهُ فَضَائِلُ كَثِيرَةٌ، وَأَسْمَاءُ مُصَنَّفَاتِهِ وَسِيرَتُهُ وَمَا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفُقَهَاءِ وَالدَّوْلَةِ، وَحَبْسُهُ مَرَّاتٍ، وَأَحْوَالُهُ، لَا يَحْتَمِلُ ذِكْرَ جَمِيعِهَا هَذَا الْمَوْضِعُ فِي هَذَا الْكِتَابِ.

وَلَمَّا مَاتَ كُنْتُ غَائِبًا عَنْ دِمَشْقَ بِطَرِيقِ الْحِجَازِ الشَّرِيفِ، وَبَلَغَنَا خَبَرُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ يَوْمًا لَمَّا وَصَلْنَا إِلَى تَبُوكَ، وَحَصَلَ التَّأَسُّفُ لِفَقْدِهِ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، هَذَا لَفْظُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ "تَارِيخِهِ".

ثُمَّ ذَكَرَ الشَّيْخُ عَلَمُ الدِّينِ فِي "تَارِيخِهِ" بَعْدَ إِيرَادِ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ جِنَازَةَ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي دَاوُدَ وَعِظَمَهَا، وَجِنَازَةَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بِبَغْدَادَ وَشُهْرَتَهَا، وَقَوْلَهُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَهْلِ الْبِدَعِ يَوْمُ الْجَنَائِزِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ جِنَازَةَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ كَانَتْ هَائِلَةً عَظِيمَةً بِسَبَبِ كَثْرَةِ أَهْلِ بَلَدِهِ وَاجْتِمَاعِهِمْ لِذَلِكَ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تُوُفِّيَ بِبَلَدِهِ دِمَشْقَ، وَأَهْلُهَا لَا يَعْشُرُونَ أَهْلَ بَغْدَادَ كَثْرَةً، وَلَكِنَّهُمُ اجْتَمَعُوا لِجِنَازَتِهِ اجْتِمَاعًا لَوْ جَمَعَهُمْ سُلْطَانٌ قَاهِرٌ وَدِيوَانٌ حَاصِرٌ لَمَا بَلَغُوا هَذِهِ الْكَثْرَةَ الَّتِي انْتَهَوْا إِلَيْهَا، هَذَا مَعَ أَنَّهُ مَاتَ بِالْقَلْعَةِ مَحْبُوسًا مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ يَذْكُرُونَ عَنْهُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً مِمَّا يَنْفِرُ مِنْهَا أَهْلُ الْأَدْيَانِ، وَاتَّفَقَ وَفَاتُهُ فِي سَحَرِ لَيْلَةِ الِاثْنَيْنِ الْمَذْكُورِ، فَذَكَرَ ذَلِكَ مُؤَذِّنُ الْقَلْعَةِ عَلَى الْمَنَارَةِ بِهَا، وَتَكَلَّمَ بِهِ الْحُرَّاسُ عَلَى الْأَبْرِجَةِ، فَمَا أَصْبَحَ النَّاسُ إِلَّا وَقَدْ تَسَامَعُوا بِهَذَا الْخَطْبِ الْعَظِيمِ وَالْأَمْرِ الْجَسِيمِ، فَبَادَرَ النَّاسُ عَلَى الْفَوْرِ إِلَى الِاجْتِمَاعِ حَوْلَ الْقَلْعَةِ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ أَمْكَنَهُمُ الْمَجِيءُ مِنْهُ، حَتَّى مِنَ الْغُوطَةِ وَالْمَرْجِ، وَلَمْ يَطْبُخْ أَهْلُ الْأَسْوَاقِ شَيْئًا، وَلَا فَتَحُوا كَثِيرًا مِنَ الدَّكَاكِينِ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُفْتَحَ أَوَائِلَ النَّهَارِ عَلَى الْعَادَةِ، وَكَانَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ سَيْفُ الدِّينِ تَنْكِزُ فِي بَعْضِ الْأَمَاكِنِ يَتَصَيَّدُ، فَحَارَتِ الدَّوْلَةُ مَاذَا يَصْنَعُونَ، وَجَاءَ الصَّاحِبُ شَمْسُ الدِّينِ غِبْرِيَالُ إِلَى نَائِبِ الْقَلْعَةِ، فَعَزَّاهُ فِيهِ، وَجَلَسَ عِنْدَهُ، وَفَتَحَ بَابَ الْقَلْعَةِ وَبَابَ الْقَاعَةِ لِمَنْ يَدْخُلُ مِنَ الْخَوَاصِّ وَالْأَصْحَابِ وَالْأَحْبَابِ، فَاجْتَمَعَ عِنْدَ الشَّيْخِ فِي قَاعَتِهِ خَلْقٌ مِنْ أَخِصَّاءِ أَصْحَابِهِ مِنَ الْبَلَدِ وَالصَّالِحِيَّةِ، وَجَلَسُوا حَوْلَهُ وَهُمْ يَبْكُونَ وَيُثْنُونَ، وَكُنْتُ فِي مَنْ حَضَرَ هُنَاكَ مَعَ شَيْخِنَا الْحَافِظِ أَبِي الْحَجَّاجِ الْمِزِّيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَكَشَفْتُ عَنْ وَجْهِ الشَّيْخِ وَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَعَلَى رَأْسِهِ عِمَامَةٌ بِعَذَبَةٍ مَغْرُوزَةٍ، وَقَدْ عَلَاهُ الشَّيْبُ أَكْثَرَ مِمَّا فَارَقْنَاهُ. وَأَخْبَرَ الْحَاضِرِينَ أَخُوهُ زَيْنُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَرَأَ هُوَ وَالشَّيْخُ مُنْذُ دَخَلَا الْقَلْعَةَ ثَمَانِينَ خَتْمَةً، وَشَرَعَا فِي الْحَادِيَةِ وَالثَّمَانِينَ، فَانْتَهَيْنَا فِيهَا إِلَى آخِرِ "اقْتَرَبَتْ" فَشَرَعَ عِنْدَ ذَلِكَ الشَّيْخَانِ الصَّالِحَانِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُحِبِّ، وَعَبْدُ اللَّهِ الزُّرَعِيُّ الضَّرِيرُ - وَكَانَ الشَّيْخُ يُحِبُّ قِرَاءَتَهُمَا - فَابْتَدَآ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ "الرَّحْمَنِ" حَتَّى خَتَمُوا الْقُرْآنَ وَأَنَا حَاضِرٌ أَسْمَعُ وَأَرَى.

ثُمَّ شَرَعُوا فِي غُسْلِ الشَّيْخِ - وَخَرَجْتُ إِلَى مَسْجِدٍ هُنَاكَ - وَلَمْ يَمْكُثْ عِنْدَهُ إِلَّا مِنْ سَاعَدَ فِي تَغْسِيلِهِ، وَفِيهِمْ شَيْخُنَا الْحَافِظُ الْمِزِّيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ كِبَارِ الصَّالِحِينَ، فَمَا فُرِغَ مِنْهُ حَتَّى امْتَلَأَتِ الْقَلْعَةُ بِالرِّجَالِ، وَكَذَلِكَ مَا حَوْلَهَا إِلَى الْجَامِعِ، فَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِدَرَكَاتِ الْقَلْعَةِ، وَضَجَّ النَّاسُ بِالْبُكَاءِ وَالثَّنَاءِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّرَحُّمِ، ثُمَّ سَارُوا بِهِ إِلَى الْجَامِعِ، فَسَلَكُوا طَرِيقَ الْعِمَادِيَّةِ عَلَى الْعَادِلِيَّةِ الْكَبِيرَةِ، ثُمَّ عَطَفُوا إِلَى بَابِ الْبَرِيدِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ سُوَيْقَةَ بَابِ الْبَرِيدِ كَانَتْ قَدْ هُدِمَتْ لِتُصْلَحَ، وَدَخَلُوا بِالْجِنَازَةِ إِلَى الْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ، وَالْخَلَائِقُ فِيهِ لَا يَعْلَمُ عِدَّتَهُمْ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، فَصَرَخَ صَارِخٌ: هَكَذَا تَكُونُ جَنَائِزُ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ، فَتَبَاكَى النَّاسُ عِنْدَ سَمَاعِ ذَلِكَ الصَّارِخِ، وَوُضِعَ الشَّيْخُ فِي مَوْضِعِ الْجَنَائِزِ مِمَّا يَلِي الْمَقْصُورَةَ، وَجَلَسَ النَّاسُ عَلَى غَيْرِ صُفُوفٍ، بَلْ مَرْصُوصِينَ لَا يَتَمَكَّنُ أَحَدٌ مِنَ السُّجُودِ إِلَّا بِكُلْفَةٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَذَانِ الظُّهْرِ بِقَلِيلٍ، وَجَاءَ النَّاسُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، وَكَثُرُوا كَثْرَةً لَا تُوصَفُ، فَلَمَّا أُذِّنَ الظُّهْرُ وَفُرِغَ مِنَ الْأَذَانِ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ عَلَى السُّدَّةِ بِخِلَافِ الْعَادَةِ لِيُسْرِعُوا بِالنَّاسِ، فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ خَرَجَ نَائِبُ الْخَطِيبِ لِغَيْبَتِهِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ إِمَامًا، وَهُوَ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ بْنُ الْخَرَّاطِ، ثُمَّ خَرَجَ النَّاسُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَامِعِ وَالْبَلَدِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَاجْتَمَعُوا بِسُوقِ الْخَيْلِ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ تَعَجَّلَ إِلَى مَقَابِرِ الصُّوفِيَّةِ، وَالنَّاسُ فِي بُكَاءٍ وَتَهْلِيلٍ، وَدُعَاءٍ وَثَنَاءٍ وَتَأَسُّفٍ، وَالنِّسَاءُ فَوْقَ الْأَسْطِحَةِ مِنْ هُنَاكَ إِلَى الْمَقْبَرَةِ يَبْكِينَ وَيَدْعِينَ.

وَبِالْجُمْلَةِ كَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا لَمْ يُعْهَدْ مِثْلُهُ بِدِمَشْقَ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي زَمَنِ بَنِي أُمَيَّةَ حِينَ كَانَ النَّاسُ بِهَا كَثِيرًا جِدًّا، ثُمَّ دُفِنَ عِنْدَ أَخِيهِ قَرِيبًا مِنْ أَذَانِ الْعَصْرِ، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ مِنَ النَّاسِ إِلَّا الْقَلِيلُ مِنَ الضُّعَفَاءِ وَالْمُخَدَّرَاتِ، وَمَا عَلِمْتُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ تَخَلَّفَ عَنِ الْحُضُورِ فِي جَنَازَتِهِ إِلَّا النَّفَرَ الْيَسِيرَ، وَتَرَدَّدَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ بُرْهَانُ الدِّينِ الْفَزَارِيُّ إِلَى الْمَقْبَرَةِ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَكُلَّ يَوْمٍ بُكْرَةَ النَّهَارِ، وَيَعُودُ وَهُوَ رَاكِبٌ عَلَى حِمَارِهِ، وَعَلَيْهِ الْجَلَالَةُ وَالْوَقَارُ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.

وَعُمِلَتْ لَهُ خَتَمَاتٌ كَثِيرَةٌ، وَرُئِيَتْ لَهُ مَنَامَاتٌ صَالِحَةٌ عَجِيبَةٌ، وَرُثِيَ بِأَشْعَارٍ كَثِيرَةٍ جِدًّا. وَقَدْ أُفْرِدَتْ لَهُ تَرَاجِمُ كَثِيرَةٌ، وَصَنَّفَ فِي ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُضَلَاءِ وَغَيْرُهُمْ، وَسَنَحْصُرُ مِنْ مَجْمُوعِ ذَلِكَ تَرْجَمَةً وَجِيزَةً فِي ذِكْرِ مَنَاقِبِهِ، وَفَضَائِلِهِ، وَشَجَاعَتِهِ، وَكَرَمِهِ، وَنُصْحِهِ، وَزَهَادَتِهِ، وَعِبَادَتِهِ، وَعُلُومِهِ الْكَثِيرَةِ الْمُحَرَّرَةِ، وَمُصَنَّفَاتِهِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ فِي الْعُلُومِ، وَمُفْرَدَاتِهِ فِي الِاخْتِيَارَاتِ الَّتِي نَصَرَهَا وَأَفْتَى بِهَا.

وَبِالْجُمْلَةِ كَانَ مِنْ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ، وَمِمَّنْ يُصِيبُ وَيُخْطِئُ، وَقَدْ صَحَّ فِي الْبُخَارِيِّ: {إِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ}. وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: كُلُّ أَحَدٍ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إِلَّا صَاحِبَ هَذَا الْقَبْرِ.

شايف
29-07-2005, 10:44 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيك اخي الكريم واجزل لك المثوبة والعطاء

اسال الله ان يزيدك علماً وينور بصيرتك ويثبت قلبك

تقبل مني ارق تحية

ابو خالد
05-08-2005, 08:31 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خيرا اخى الكريم
وجعله بميزان حسناتك
ونسئل الله ان يحسن ختاما
وان نكون ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه باذن الله
تقبل تحيتى وسلامى وشكرى
والسلام عليكم ورحمة الله