المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (فداءً لك يا وطني)



النجمة الداكنة
15-08-2005, 02:19 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

(فداءً لك يا وطني)

هذه إحدى القصص التي ألفتها العام الماضي..أتمنى أن تنال إعجابكم.

كنت أبحث عنها وكانت ظلالٌ من الحزن قد أتت، ملفّعةٌ ترتدي ثوب عرسٍ قديم، حين رأيتها مربوطةً من يديها وصدرها أيقونةٌ تسبح فيها النبال، نبال الذين رموها بعقم الولادة، حينها جثوتُ على ركبتيّ وشددتُ إليها برأسي، وتهت إليها بلادي...

هاهي الآن ترحل عنا وتبكي، هي الأرض تبكي، هي الأرض ترحل عنا، تغادر عبر المحطات، تُسكن الحزن في أعماقنا...

ترقرقت الدموع من عينيّ، أمطارٌ انهمرت بحرقةٍ وألم ، تذكرت تلك الصورة، التي تمثل جزءاً من الماضي وآخر من الحاضر، تلك الذكرى التي ستبقى محفورةً في عقلي مدى الحياة.
يوم اقتحموا بيتنا وقبضوا على أبي، يوم أشبعوه ضرباً وركلاً ولم يكتفوا بذلك بل واعتدوا على أمي..وبدل أن يرحلوا ويتركوننا ننعم بقليلٍ من السلام بعد تلك الحادثة، هدموا بيتنا فوق رؤوسنا، مات أهلي جميعاً ليدفعوا بذلك حياتهم ثمناً لدفاعهم عن الوطن.
لم ينجُ أحدٌ سوايّ، بقيت أنا لأصرخ بأعلى صوتي وبكل ما أوتيت من قوة: هيهات أن نخضع..أن نستسلم للأعداء...
نعم بقيت لأُردد تلك العبارة لحناً على شكل أُهزوجة تبعث الحياة في الموتى، لِأُرددها حروفاً تمزق الخوف فينا وتمنح الدفء في الليل، رغم كل ما يحدث فإني سأظل أقول لهم: لست آبه لما ستفعلونه بي، لقد ذقت جميع أنواع العذاب المرّ واستلذذت به..أسمعتم، لست آبه!

دقائقُ وساعات، أيامٌ وشهور، سنينٌ مضت ونحن نناضل في سبيل استعادة أرضنا، بعد وفاة أهلي انضممت إلى جماعة من المجاهدين الفلسطينين، كنت أجمع لهم الحجارة ، إذ لم يكن لنا سلاحٌ غيره لندافع به عن أنفسنا، عن وطننا.
في ذلك الوقت كانت البلاد تحاصرها ثلةٌ من الجنود، وحوشً يشرعون أنيابهم للقتلى، أتذكّر كيف اختبأت ورفاقي إلى حين وكان الرصاص يئُزّ، حشرجات الألم، هتافات تنشد الحرية تسود الشوارع، فجأةً حاصرونا، قبضوا علينا وبأسلحتهم حاولوا إخافتناك(هيا ..أمامي إلى السجن) لم يتغيروا حتى الىن يُسمعوننا الجمل ذاتها، إلى السجن كنّا نروح معاً، ونعيد الكرّة فنهرب معاً....

كم من أطفالٍ من بلادي ذابوا مع الليل وذاب الطريق المؤدي إلى الخوف معهم، من يذكر اللحظة الفاجعة؟!
لم يرحموا كبيراً ولا صغيراً، لا امرأةً ولا رجلاً، لا رضيعاً ولا شيخاً...
لم يرحموا أحداً..حتى الأزهار..الأشجار عانت منهم أسوأ معاناة.
والجند الذي يشكل صفاً من الحقد يرسم وجه القتيل ووجه الشهيد، ووجوه الذين كانوا تواً معي، أين هم الىن؟! أودعوهم القلوب التي لن ترى السوء، لكن ترى الأنبياء التي تحمل أسمائهم، أريد أن أسألهم:أين الطريق المؤدي إلى الموت؟
لم يقتلنا الجوع بل صار اقتحام المجاعة فينا طريقاً يهدهد نعش المصلين، أيها المحتلون! أيها الأعداء! أوما نظرتم إلى المرآة؟! أوما رأيتم أشكالكم؟!
قملٌ وضفادعُ أجنبية تخطو بطاقيةٍ من حديد.
حاربونا..ولا زالوا، يقتلون الألوف بل وأكثر ولا يعبأون، كثيرٌ منا قتلوا، ذبحوا بوحشية والضمير الذي بقلوبهم لم يستيقظ! أين هو؟! ولِمَ السؤال؟!!!
مات ودفن في أعماق الأرض ،أيعقل ذلك(فلسطين) مهد الرسالات السماوية ومنها أمَّ النبيين وأُسري بالرسول من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى فيها، فكيف يزعم أولئك بأنها لهم!
يبدو أنه لا سبيل إلا القوة، يحاربوننا بالنار وسنحاربهم بالحجارة، حتى ىخر قطرة دم، إلا ان يطل فجر الحرية.
ما زلنا نقذف الحجارة الواحدة تلو الأخرى، نمطرهم بوابلٍ منها ولا نزال...أظنُ بانهم يخافوننا، اجل أظن ذلك، يحاولون إخفائه وراء ذاك الزي..وراء طلقات الرصاص.

الجنود يسدون وجه المنافذن سجنٌُ يضم العصافير هكذا كان حالنا، أفيقوا هنا الورد؟ لقد قلتُ ذلك ولكن العصافير المسجونة نامت نوماً أبدياً وكان المساء يعيد التذكَّر من يستفيق؟!
والآن و قد وقعت في أيديهم..بعد أن شدوا وثاقي..وأكثروا من تعذيبي..بعد أن ياست من الفرار..ماذا سيحدث؟!
إلهي ارحمني..أَكتب عليّ الشقاء؟!..مالذي أقوله يجب أن أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم...ومضيت أياماً وأنا في تلك الزنزانة الباردة أتلو ما حفظت من سور قرآنية، لم يعد الجوع يهمني فغذائي الإيمان..الإيمان بالله تعالى وحسب...

-انت..أما تعبت؟ألن تخبرنا أين اختبأ بقية أفراد عصابتك..أولئك المتمردين..ها؟! وبحق كتاب التلمود..أقسم أنهم ما إن يقعوا في يدي لأذيقهم من العذاب ما لم...
رددت على كلامه الوقح صارخاً:اخرس..أتحسب أن تهدديك هذا يخيفني لا والله..تريد قتلي لِمَ لا تفعل؟!..فهمت الجبان يخضع لأوامر قائده، تخاف أن تعصيه أليس كذلك وإلا...
-اصمت..اصمت..لو شءت قتلك لفعلت..لكني أريد تعذيبك أولاً!
-يا ماما لقد أرعبتني ...حقاً؟ هاك جسدي إذن...امطرني بنبالك، برصاصك، انهش جسدي أيها الكلب، أغرز أنيابك أيها الوحش..لست أبالي، فحلمي الحرية ومرادي الشهادة..ماذا تنتظر؟!!!!


فقد الجندي الإسرائيلي أعصابه ولم تعد السيطرة بزمام الأمور...فانفجر غضباً وانهال عليه بطلقاته الغادرة.
لقد مزقت تلك الرصاصات جسده الطاهر وفجرت ينابيع من الدماء التي عانقت دماء الزهور، دمٌ يرتدي ثوب ثأرٍ قديم، سينبت خبزاً وينبت ورداً للشعب، دماءٌ ستكتبُ على وجنة العشب والماء والشجر الأبيض اللون، ذي الرعشة الراعفة(فداءً لك يا وطني) بالأحمر القاني.
كانت هذه واحدة من صور الماضي التي تعيد تكرار نفسها فقط لنتذكر أنه مهما طال العذاب...مهما طال العذاب..مهما طال الظلم والعدوان..مهما انتشرت سحب الأعداء لابد لشمس الأحرار أن تسطع لتبيد تلك السحب.
وسنظل نردد:
ولي وطنٌ آليت ألا أبيعه
وألا أرى غيري له الدهر مالكا


تحياتي،،،
النجمة الداكنة

amawi
15-08-2005, 04:40 PM
اختي بداية موافقة
ارجو ان تحافظي على هذا الاسلوب الجميل

النجمة الداكنة
15-08-2005, 04:57 PM
شكرا على المرور يسلمووووووووووووووووو.

بو سراج
19-08-2005, 11:23 AM
ماشاء الله
أسلوبك حلو أختي


مشكور على القصة الرائعة

alzubair
24-08-2005, 11:20 PM
ولي وطنٌ آليت ألا أبيعه
وألا أرى غيري له الدهر مالكا


كلمات أكثر من رائعة ...

شكرا لكي أختي الكريمة ...

والله يجزيكي الخير ...

النجمة الداكنة
25-08-2005, 03:49 PM
شكرا لكم لقد شجعتموني على كتابة المزيد من القصص...

pina pina
25-08-2005, 06:44 PM
مجهودك رااائع :biggthump


مشكووووورين :p