تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : وكان حلماً..(قصة قصيرة)



النجمة الداكنة
15-08-2005, 03:28 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

(وكان حلماً)

كان شاب يبلغ من العمر الخامسة والعشرين عاماً، قد وقف مع غيره من الآخرين ممن كتب عليهم التنقل دائماً في زحمة الحافلات وسيارات الأجرة، ممن لم يقدّر لهم أن يطفوا على السطح بل ظلوا مغمورين تحت الماء لا يستطيعون رفع رؤوسهم إلى أعلى لئلا يأتي اليوم الذي تنكسر فيه أعناقهم من شدة النظر للناس الذين قد ارتفعوا فوق السطح بل حلقوا في السماء، كان الجميع يتدافع لركوب الباص أولاً حتى لو تطلب الأمر منه ان يدفع بالآخر ويسقطه على وجه الأرض باستثناء هذا فقد كان صامتاً، متنحياً عنهم، محتضناً حقيبة سوداء صغيرة وكانه يعانق خلاصة عمره وكده وعرقه، فقد كان يمعن النظر في الفراغ، بعيداً غارقاً في عالم آخر فهو بذلك لم يدرك مرور الوقت، فقد ركب الجميع وسارت الحافلة دون أن يشعر، فقد فرض عليه هذا الأمر أن يستقل سيارة أجرة لإيصاله إلى موعده في وقته المحدد.
فاشار إلى سائق، فوقف وركب معه وسلمه ورقة كتب فيها العنوان الذي يمثل هدفه وانطلق السائق يطوي الطريق طياً، يستدير يمنة ويسرى وينعطف يميناً وشمالاً، بينما كان الشاب مستغرقاً في التفكير، محدقاً في الطرقات والمباني الضخمة، فكان عندما يسرع السائق كان يسرع قلبه بالخفقان فيحلم بالنجاح والشهرة والذيوع، يحلم أن اسمه أضيف إلى قائمة الكتّاب المعروفين فيبني قصوراً من الأحلام الوردية، وما إن يتعثر السير حتى يتوقف السائق فينتبه من أحلامه ويستحيل هذا القصر رمالاً تتناثر على رأسه، فيتذكر واقعه الأليم وكيف هو الىن، منذ شهرين متتاليين لم يحصل على النقود وفي عنقه زوجة وهي الآن تحمل بين أحشائها ابن له، فما مصيره عندما يخرج إلى هذا العالم وهو يسترجع كلام زوجته ونصحها له بان يبحث في عن عمل آخر ومقاومتها للضغط الذي يمارسه والديها عليها لتنفصل عنه وتتزوج ابن عمتها الذي لتوه عاد من فرنسا بعد إنهاء دراسته وهو يتعهد إدارة شركات أبيه.
يتذكر تلك الليالي التي أمضاها في كتابة القصص حتى أذان الفجر ليرسلها في الصباح الباكر إلى واحدة من دور النشر والطباعة وقلقه وانتظاره الطويل لوصول الرد، فقد كان كل يوم يفتح صندوق البريد علّه يجد الدواء الناجع إلا أنه يصعق في كل مرة بالرفض وعدم صلاحية قصصه للنشر، في هذه اللحظة يتمنى أن يدفن بين أوراقه وقلمه ليتوحد معهما إلى الأبد، فقد كان هذا الشعور المحبط يتجدد مع كل بادرة لقصة أو رواية يكتبها إلا انه بتشجيع واستنفار زوجته لهممه وإرادته يواصل المسيرة.
وهكذا تأرجحت احلامه وأمنياته بين الواقع والخيال إلا أنه ما زال لديه الأمل بان يرى العالم نتاجه وليتعرف عليه عن قرب لتواصل معه وهاهو الىن في طريقه إلى الدار الثالثة من دور النشر ليعرض عليها روايته الجديدة.
توقف السائق أمام بناء شاهق وهو يقول لقد وصلنا، بينما هو كان يقفز من طابق إلى آخر حتى وقعت عيناه على لافتة مكتوب عليها(الأمل للطباعة والنشر)، وكم كان يتوسم الأمل من الأمل لتحاول إحيائه ونشله من قبره، فأعاد عليه القول ثانية، فالتفت إليه وقال:
عفواً، كم الحساب؟،ثم ناوله أجرته ونزل وهو يحتمل حقيبته التي تحمل كنزه الوحيد، ووقف لبرهة وهو يتأمل(الأمل للطباعة والنشر9، وكم كان يتقدم خطوة ثم يرجع إلى الوراء أضعافها؛ خوفاً وخشية أن يلقى المصير ذاته،إلا أن حديث زوجته كان يتردد على مسامعه فيدفعه للتقدم إلى الأمام، وبالفعل دخل المبنى وانتقل إلى الطابق العاشر حيث مقر الدار هناك، وطلب من السكرتيرة أن تمنحه إذناً للدخول على المدير.
انتظر بضع دقائق، ثم أذن له بالدخول وقد اعترته حالة من الارتباك وتصبب العرق فبادر بالتحية والتعريف بنفسه، فقال:
أنا الأستاذ عادل الناصف، فرحب به وقال :أنا الأستاذ مهنا اليافعي.
تبادلا أطراف الحديث حتى شعر عادل بالارتياح إليه ووضع روايته بين يديه، فتناولهاالمدير وأخذ يقرأ(الطوفان) عنوان مثير لابد أنها رواية غريبة تحمل من الإثارة والتشويق الكثير، يا لها من بداية موفقة وأنهى المقابلة وكلف السكرتيرة أن تأخذ اسمه وعنوانه على أن يكون الرد بعد يومين وستتصل الدار به تلفونياً.

غادر عادل وهو مستبشر لما خبره من حسن معاملة وتفهم المدير وتقديره له وأسرع بالعودة إلى المنزل ليقصّ على زوجته، التي هي الأخرى فرحت بالخبر وظلا هما الاثنين في حالة من الترقب والانتظار ولو كان بوسعهما التحكم في عقارب الساعة ليمضي هذان اليومان سريعاً فعلاً.
وفي اليوم الثاني رنّ الهاتف وقال شخص بانه من الأمل للطباعة والنشر وأجابت عليه زوجته إذ كان نائماً بعد أن سهر طوال ليلته وهو يبتدأ رواية جديدة، فأسرعت إلى إيقاظه فقام فزعاً مرعوباً وتحادث مع المدير وفوجئ بقبول روايته، للوهلة الأولى لم يصدق إلا أن استكمل المدير كلامه وأنهاه بان يحضر إلى الدار للتعاقد وأن يأخذ مقدماً من المبلغ والباقي بعد النشر.
وفي صباح اليوم التالي تم التوقيع على العقد واستلم صالح جزءاً من المبلغ وأعلمه المدير بان عملية الطبع تستغرق شهراً كاملاً ومن ثم يتم التوزيع فوافق على ذلك.
مرّ عادل بالسوق واشترى بعض الحاجيات للمنزل وهدية لزوجته، وفي تلك الليلة احتفل الزوجان بهذه المناسبة السعيدة ورجعا إلى المنزل في ساعة متأخرة من الليل وخلدا إلى النوم العميق، إلا أن الزوجة لم تستطع النوم فهي في شهرها الأخير وهي تشعر بقرب ولادتها فالألم يتتابع عليها ولم تحب أن تزعج زوجها وتعكر عليه نومه الهنيء، فخرجت إلى الغرفة الأخرى، إلا أنها لم تستطع كتمان ألمها وتوجعها فهمت بالصراخه، فهبَّ إليها زوجها واحتضنها واتصل بوالدتها وتم نقلها للمستشفى.
وكان عادل لا يقر قرار حتى يطمئن عليها إلى أن زفت له البشرى بأنها وضعت مولودها وأنها بخير وعافية وقد أنجبت له ولداٌ كالقمر وقرر أن يسميه(وفاق)، لتزامن قدومه مع توافق والده لأول عقد في حياته ورضا والدي زوجته عنه فكانت مرحلة من الانسجام والتجانس بل التصالح مع الجميع،فأولاً مع دور النشر، ثانياُ مع والدي زوجته، ثالثاً المفاجأة الكبرى وهو ابنه(وفاق) الذي كان وليداً للعلاقة الحميمة القوية بين والديه.
ومرت الأيام وعادل مشغول بزوجته وابنه الذي ملأ عليه حياته وقد أغفل موضوع نشر روايته إلا أن تدافع المصاريف عليه وتكاثرها جعله في حيرة من أمره،إلى أن ذكرته زوجته بامر الرواية ، فعزم على أن يقابل المدير ليأخذ بقية المبلغ في اليوم التالي.
بينما هما في الحديث إذ طرق الباب طارق، فأقبل عادل على الباب وفتحه وإذا برجل ومعه ظرف في يده سلمه إياه بعد أن تأكد أنه الأستاذ عادل الناصف، وهو مظروف من مدير دار الأمل للطباعة والنشر وفيه تتمة المبلغ المتعاقد عيه لروايته الأولى(الطوفان)، ناول زوجته المبلغ وهو يصرخ لقد نشرت قصتي، لقد كتب اسمي، لقد أبصرت النور بعد ظلمة حالكة، وقال لها بأنه سيتجه إلى أقرب مكتبة ليقتني روايته وقد خرجت إلى حيز الوجود وصارت ملموسة بين أيدي الناس وفي أفكارهم وفي قلوبهم، وبالفعل دخل المكتبة ووجد قصته تتصدر لائحة الروايات المعروضة وقام بشرائها وقال له البائع بأنها آخر نسخة وأنك محظوظ بأن تحوز عليها. فضمها إليه وعانقها طويلاً وهو يمشي، ثم وقف متأملاً لغلافها فقد كان موحياً مضمون القصة ،فقد رسم عليه صورة قصر يقابله نهر وقد فاض وأتى على القصر وأهله، ثم التفت ليرى اسمه وقد خط على الكتاب، فذهل بوجود اسم غيره وهو(مهنا اليافعي)، فاغرورقت عيناه وصار يصرخ ياله من نذل، حقير، وهو يجري كأنه مجنون إلى أن وصل إلى شاطئ ،استلقى على قفاه وظل مركزاً نظره إلى البحر والدموع تنساب على خديه بصمت شديد، ثم فجأة علا صراخه وأخذ التراب في قبضة يده وصار يحثه على وجهه، ثم أدار عينيه إلى الرواية وتحسر عليها وفجأة استجمع قواه ولاح الشرر في عينيه وأخذ الرواية وقام بإفراد كل صفحة وصار يرفعها لتبلل بماء البحر، وبعد أن انتهى من ذلك اخذ الغلاف وقام بإحراقه، إذ كان يعتقد بانه سيخف عليه المصاب، إلا أنه بذلك قام بإحراق نفسه ثم أسقط نفسه في عرض البحر مستسلماٌ للموت دون مقاومة، دون أن يجد منجداً أو منقذاً له.
أما زوجته فقد كان القلق والخوف يأكل في جسدها إذ مرّ يومان على غيابه دون خبر أو علم، وفي اليوم الثالث قررت إبلاغ الشرطة وفي طريقها رأت تجمع كبير حول بائع الجرائد حتى استطاعت أن تدخل في وسط الجمع وأن تظفر بجريدة لتقف على الخبر الصحيح، فوجدت منشوراً في أول صفحة وبالخط العريض(قصة الكاتب الذي عرف بعد فوات الأوان)، وقد أرفق بالموضوع صورة له، فوقعت عيناها عليها لتأخذ ما تبقى لها من طاقة، لكنه استنزاف كامل لمجمل طاقتها، فلم تتمالك نفسها إلى أن خرّت على وجه الأرض.

_تمت_
تحياتي :ciao: ،،،
النجمة الداكنة

firstloma
15-08-2005, 03:44 PM
جميله جدا ومشكوووووووووووووووووور

amawi
15-08-2005, 04:36 PM
مشكور اختى
اسلوبك روعة للغاية
أتمنى لك مزيدا من التقدم

النجمة الداكنة
15-08-2005, 05:00 PM
يسلموووووووووووووو على المرور.

sanra bullock
16-08-2005, 03:54 AM
يسلم ايديك على القصة الرائعة:)

بجد انها قصة جميلة:biggthump

بو سراج
16-08-2005, 07:36 AM
مشكور أختي على القصة الرائعة
وتسلم يدك

النجمة الداكنة
16-08-2005, 09:13 AM
العفو يسلمووووووووووووو على المرور.