المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رافقونا إلى مدينة "ترير" أقدم المدن الألمانية !



ابن الشمس
27-08-2005, 12:27 AM
http://news.bbc.co.uk/media/images/39257000/jpg/_39257077_granadamsq300.jpg
بعد انتظار دام خمسمئة عام، نجح المسلمون الإسبان أخيراً في بناء جامع بمدينة غرناطة، وعلى مرمى حجر من قصر الحمراء، الذي كان في السابق رمزاً للنفوذ الإسلامي في أوروبا.

وقد افتتح المسجد اليوم الخميس برفع آذان صلاة الظهر في غرناطة لأول مرة منذ طرد العرب من الأندلس قبل 511 سنة. وحضر الافتتاح الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، حاكم إمارة الشارقة، ووزراء من السلطة الوطنية الفلسطينية وتركيا وماليزيا، وعدد من سفراء الدول العربية والإسلامية، ومن علماء الدين الإسلامي، إضافة لشخصيات عامة من جميع أنحاء العالم، وممثلين عن الحكومة الإسبانية من بينهم عمدة غرناطة، الذي ينتمي لحزب يمين الوسط الحاكم.
وكان العمدة السابق الذي ينتمي لنفس الحزب قد عارض فكرة بناء المسجد لأسباب جمالية تتعلق بتناسق طراز المسجد المعماري مع المباني المحيطة به. ويقول مسلمو إسبانيا إن الجامع يرمز للبعث الإسلامي في أوروبا، وللتراث الإسلامي الغني الذي تتمتع به بلادهم.
احتجاجات
وأثار مشروع بناء الجامع غضب البعض في إسبانيا. فقد نقلت صحيفة ديلي تلغراف البريطانية عن صحفي إسباني في غرناطة قوله: "إن الجميع هنا يعارض بناء الجامع، لكنهم يعلمون أنهم غير قادرين على التعبير عن معارضتهم لاعتبارات سياسية".
وقد احتج بعض أهالي المنطقة في البداية بشدة على المشروع. فهم لم يتحملوا فكرة إقامة جامع ضخم وأنيق في قلب غرناطة، فظهرت على حوائط المدينة الشعارات المعادية للعرب والمسلمين مثل شعار "اخرجوا من هنا أيها العرب المسلمون".
وعندما قام مؤذن الجامع بتجربة رفع الآذان من قمة المئذنة، أصيب الجيران بصدمة حين سمعوا صوت المؤذن الذي لم يعتادوا عليه، وغاب عن المنطقة طيلة خمسة قرون.
ويعكس ذلك توتر العلاقات بين المسلمين والمسيحيين في غرناطة. ففي العام الماضي طالب المسلمون بالحق في إقامة صلاة الجمعة داخل "كاتدرائية ميزكيتا"، التي كانت في السابق مسجداً. وأثار هذا الطلب غضباً شديداً بين المسيحيين.
كما طالبت بعض الجماعات الإسلامية في غرناطة بأن تتوقف المدينة عن الاحتفال بعيد "لا توما" الذي تحيى فيه ذكرى سقوط الجيوش العربية في الأندلس. ونقلت صحيفة التايمز عن رجل يقيم في غرناطة منذ سنين طويلة قوله: "إن الليبرالية والتسامح ليست من طباعنا، والكثيرون منا يرفضون فكرة بناء جامع."
"لكن الجدل احتدم على مدى سنوات طويلة، ولم يعد هناك أي مبرر قانوني لمعارضة بناء الجامع. البعض يخشى من أن يعود العرب لاحتلال إسبانيا، لكنهم سيدركون أن هذا مستحيل لأننا نعيش في القرن الحادي والعشرين. وربما نستطيع أن نقدم مثالاً لحسن الجوار، يمكن أن يطبقه أطراف الصراع الدائر في الشرق الأوسط."
يذكر أن الحكم العربي الإسلامي في جنوب إسبانيا قد استمر نحو ثمانمئة عام قبل أن ينتهي عام 1492.
ولم يف الإسبان بوعدهم باحترام حرية اعتناق الدين الإسلامي، فأقاموا محاكم التفتيش لإجبار السكان على التحول إلى المسيحية، أما من رفض الانصياع فقد طرد أو قتل. كما هدمت المساجد وبنيت الكنائس محلها.
ولم يسلم إلا عدد محدود من المباني والمساجد التي شفع لها جمالها، كقصر الحمراء ومسجد قرطبة الذي تحول لكاتدرائية "مزكيتا".
ولا يزال التراث الشعبي المسيحي في إسبانيا يحمل حتى اليوم ذكريات الحروب التي استمرت لمئات السنين خلال الحقبة الدامية التي تلت سقوط الإمبراطورية الإسلامية في الأندلس.
وعلى سبيل المثال، فإن أهالي القرى الواقعة على التلال المحيطة بمدينة غرناطة مازالوا حتى اليوم يرددون تلك العبارة عند تعميد مواليدهم: "ها هو طفلك. أعطيته لي مسلماً. وأرده لك مسيحياً".
وعلى الجانب الآخر، فإن ذكريات الحكم العربي الإسلامي في الأندلس ما زالت حاضرة في أذهان المسلمين. والشعر العربي غني بالقصائد التي تتحدث عن الشوق والحنين للأندلس، التي يعتبرها الكثيرون أروع صور المجد الإسلامي.
ويصل الأمر عند بعض المتشددين الإسلاميين إلى المطالبة باستعادة الأندلس، فقد قال أسامة بن لادن في إحدى رسائله: "نسأل الله تبارك وتعالى أن يرينا الحق حقًا، لتستعيد الأمة عزتها وكرامتها ، وترفع راية التوحيد من جديد فوق كل أرض إسلامية سليبة ..ابتداء بفلسطين ووصولاً إلى الأندلس وغيرها من بلاد الإسلام الضائعة."
عقبات متتالية
وكانت قصة بناء الجامع طويلة ومليئة بالمشاكل، لكن افتتاحه أخيراً يشير إلى أن إسبانيا بدأت مرحلة تصالح مع ماضيها العربي الإسلامي، وذلك مع استمرار حركة الهجرة من دول المغرب العربي، وزيادة عدد المسلمين في إسبانيا.
وقد اشتريت قطعة الأرض التي بني عليها الجامع منذ اثنين وعشرين عاماً، وكانت أرضاً زراعية محصورة بين دير وكنيسة. وعندما أدرك مجلس المدينة أن المسلمين يريدون بناء جامع على تلك الأرض، صدر قرار بحظر بناء المباني الدينية عليها، وبتخصيصها للمباني السكنية فقط.
وعقب صدور هذا القرار، بدأت معركة قضائية استمرت لمدة تسعة أعوام وانتهت ببناء نموذج بالحجم الطبيعي للمئذنة لتقييم وقعها البصري والجمالي على المنطقة، وللاستماع لآراء سكان المنطقة. وقد أثارت المئذنة شكاوى من قبل الكاثوليك المحافظين في جميع أنحاء إسبانيا، وتصاعدت حدة التوتر في غرناطة، الأمر الذي أدى لتأجيل المشروع مرة أخرى.
وبدأ بعض المتشددين في غرناطة يطالبون بطرد مسلمي المدينة الذين يقدر عددهم بنحو خمسة عشر ألف شخص. لكن المدافعين عن دستور إسبانيا الجديد، الذي يكفل حرية الأديان، أيدوا بناء الجامع.
وأمرت سلطات غرناطة بتعديل تصميم الجامع وتصغير حجم المئذنة. وعندما أوشكت أعمال البناء على البدء، اكتشفت في الموقع أطلال رومانية، فتأجل المشروع لمدة عامين آخرين لحين التنقيب عن الآثار الرومانية، وعدل التصميم مرة أخرى للحفاظ على الأطلال الأثرية. وبدأت أعمال البناء عام 1988.
وقال المتحدث باسم الطائفة الإسلامية في إسبانيا، عبد الحق سالابيريا في مقابلة مع الديلي تلغراف: "إن مدينة غرناطة من الناحية التاريخية هي عاصمة الإسلام في أوروبا. وقد أسلم بعض الإسبان بحثاً عن جذورهم، وأسلم آخرون مثلي لأسباب إيمانية بحتة".
ويبلغ عبد الحق سالابيريا من العمر اثنين وأربعين عاماً، وهو أصلاً من إقليم الباسك، وأشهر إسلامه منذ اثنتي عشرة سنة. وقال عبد الحق: "لقد بذلنا خلال الأسابيع الماضية جهوداً لتهدئة مخاوف السكان المحليين، وأوضحنا لهم أن بناء الجامع لا يعني مجئ ابن لادن للأندلس، وإنما هو تعبير عن أحد أوجه التراث الإسباني."
ومن المتوقع أن يتردد على الجامع بانتظام نحو خمسمئة شخص، أغلبهم من الإسبان الذين أشهروا إسلامهم. ويقول عبد الحق: "العرب كسبوا بالقرآن أكثر بكثير مما كسبوه بالسيف. والجامع سيظهر أنه ليس من الغريب أن يوجد مسلمون في إسبانيا. ونحن لا نريد غزو إسبانيا مرة أخرى، بل نريد أن نقول إننا مواطنون إسبان". يذكر أن أغلبية المسلمين في الأندلس إبان الحكم العربي كانوا من الإسبان.
ثلاثة أجزاء
وقد استوحي التصميم المعماري لجامع غرناطة الكبير من تصميم مسجد قرطبة الشهير، والمسجد الأقصى. ويتكون مبنى الجامع من ثلاثة أجزاء هي: قاعة الصلاة، والمركز الإسلامي، والحدائق. وتؤدي البوابة الرئيسية إلى فناء مفتوح مزين بنافورات مرصعة بالموزاييك الأندلسي، صنعه عمال أرسلوا خصيصاً من مدينة فاس المغربية.
أما المركز الإسلامي، فهو عبارة عن مبنى من ثلاثة طوابق. وقد خصص الطابق العلوي لإقامة خادم الجامع والمؤذن. ويضم الطابق الأول قاعة للمؤتمرات تسع لمئة وأربعين شخصاً، ومكتبة، ومكاتب إدارية، وقاعة اجتماعات. وهناك قاعة رئيسية في الطابق الأرضي مخصصة للأنشطة الاجتماعية والتعليمية، وقاعة جلوس متعددة الاستخدامات ومطبخ
وسيقدم المركز الإسلامي العديد من الخدمات مثل تنظيم زيارات لتلاميذ المدارس وطلبة الجامعات وأعضاء الجمعيات الأهلية، وإصدار النشرات الإعلامية، وتنظيم المؤتمرات والمعارض ودروس تعليم القرآن واللغة العربية.
ويعد هذا أول مسجد يبنيه مسلمو إسبانيا، وليس مهاجرين، منذ طرد العرب من الأندلس.
المصدر : البي بي سي العربية