المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطر جريمة فصل الدين عن الحياة



rajaab
02-09-2005, 06:19 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

فصل الدين عن الحياة أخطر جريمة في تاريخ المسلمين

كَثُرَ الحديث في الآونة الأخيرة عن الجريمة، وانبرى الكتّاب والصحفيون وأساتذة الجامعات ورجال القانون وغيرهم يحلّلون ويكتبون في أسباب الجريمة ودوافعها وعوامل انتشارها وكيفية معالجتها . و كان كل هذا ردة فعل حقيقية على عدد من الجرائم البشعة التي حصلت مؤخرًا وهزّت مشاعر الناس هزا عنيفا ، و إن كانت الدولة عن طريق الجهات الرسمية التي تناولت الموضوع قد استغلته لصرف أنظار الناس عن حقيقة حادثتي الرابية والشميساني وإدراجهما في قائمة القضايا الإجرامية الفردية التي أشغلت الناس وذلك لإخفاء الدافع السياسي الكامن وراء الحادثتين .

و البحث في الجريمة وأسبابها وكيفية معالجتها ومنع استفحالها في المجتمع لابدَّ وأن يقود إلى البحث في النظام المطبَّق في المجتمع وفي الأساس الذي انبثق عنه هذا النظام . صحيح أن الجريمة هي مخالفة النظام الذي ينظّم أفعال الإنسان من قِبَلِ أفراد في المجتمع ،إلا أن الجريمة ليست جزءاً من فطرة هؤلاء الأفراد ، ولا هي مرض أصاب هؤلاء الأفراد دون غيرهم . ولذلك فإن استفحال أمر الجريمة وكثرة عدد المجرمين يعود إلى فساد الأساس الذي يقوم عليه المجتمع وفساد النظام الذي يُنَظِّم العلاقات في المجتمع وهذا لأن صلاح المجتمع يؤدي إلى صلاح أفراده ، وفساد المجتمع يؤدي إلى فساد أفراده .

و الدولة في الأردن تفصل الدين الإسلامي عن الحياة ، وتطبق النظام الرأسمالي الديمقراطي عملياً في الحكم والاقتصاد والتعليم وجميع مناحي الحياة، والمجتمع في الأردن يخضع خضوعاً تاماً لنمط العلاقات الرأسمالية وللطريقة الرأسمالية في العيش منذ أن هُدِمت الخلافة وأبعد الاسلام عن التطبيق في معترك الحياة إبعاداً كلياً .

والنظام الرأسمالي الديمقراطي الذي يُطَبَّق في الأردن وفي دول العالم الإسلامي قاطبة ولو بشكل ممسوخ يُعتبر بحق الأب الشرعي لمعظم أشكال الجرائم في أيامنا هذه ، وفي كنفه ترعرعت الجريمة المنظمة على صورة لم يعرفها التاريخ البشري من قبل . فالدولة الرأسمالية _أيا كانت هذه الدولة_ هي دولة الجرائم، والمجتمع الرأسمالي هو بحق مجتمع الجريمة .

ذلك أن المبدأ الرأسمالي يفصل الدين عن الحياة . ويصوِّر الحياة بأنها منافع ، ويجعل المنفعة مقياسا لأعمال الإنسان، ويُسقط من اعتباره كل قيمة في الحياة سوى القيمة المادية ، ويُعَرِّف السعادة بأنها الأخذ بأكبر نصيب من المتع الجسدية . والمبدأ الرأسمالي لا ينظر للمجتمع إلا نظرة ثانوية ، ولا يبالي بما يجب أن يكون عليه المجتمع، لأنه مبدأ فردي ويخص نظرته بالفرد، ويرى وجوب ضمان الحريات لكل فرد من أفراد المجتمع بغض النظر عما سيؤول إليه حال المجتمع في ظل هذه الحريات .

وفي المجتمع الرأسمالي تطغى الأنانية والطموح الذاتي والركض وراء المتعة والمنفعة ،وهمُّ كل فرد فيه المادة البحتة التي يشبع بها جوعاته المادية البحتة، فهو لا يغش في البيع حتى تربح تجارته، وإذا ربحها بالغش يصبح الغش مشروعا، وهو لا يُطعِم الفقراء _حين يُطعمهم_ إجابة لأمر الله بالصدقة، وإنما يطعمهم حتى لا يسرقوه ، فإذا كان تجويعهم يزيد ثروته فإنه يُقدم على تجويعهم .

والنظام الاقتصادي الرأسمالي يجعل الثمن المنظِّم الوحيد لتوزيع الثروة على أفراد المجتمع، فمن يملك الثمن يمكنه حيازة السلع والحصول على الخدمات، ومن لا يملك الثمن لا يمكنه حيازة السلع ولا الحصول على الخدمات.ولوجود الثمن في يد الأفراد لا بدَّ من المساهمة في إنتاج السلع والخدمات . وهذا يعني أنه لا يستحق الحياة إلا من كان قادرا على المساهمة في إنتاج السلع والخدمات، أما مَن كان عاجزاً عن ذلك لأنه خُلق ضعيفاً أو لأن هناك ضعفا طرأ عليه فإنه لا يستحق الحياة .

وحتى استغفال الناس ، بل وحتى استغلالهم وأخذ حقوقهم يُعتبر أمراً مشروعا أو على الأقل غير خاضع للمساءلة القانونية ما دام الاستغلال والاستغفال يحصلان برضى الناس، لأن الدولة لا تتدخل ما لم يكن هناك اعتداء على الحريات، ولأن القانون عندهم لا يحمي المغفلين .

وأخطر من ذلك كله عدم وجود الوازع الداخلي الذي يمنع الأفراد من ارتكاب الجريمة، ففصل الدين عن الحياة يعني أنه لا رقابة على الإنسان من الله، فلا يبقى إلا رقابة القانون والمساءلة القانونية ، ولذلك فإن مَن يضمن لنفسه الإفلات من رقابة القانون ومساءلته فإنه يُقدِم على ارتكاب الجريمة _أية جريمة_ ما دام يضمن حصول المنفعة له بارتكابها .

أما علاقة أصحاب هذا المبدأ بغيرهم من الشعوب والأمم فهي الجريمة الكبرى في هذا المبدأ . ذلك أنهم اتخذوا من الاستعمار طريقة لنشر مبدئهم في العالم ،ومع الزمن أصبح الاستعمار هدفا بحد ذاته ، هذا الاستعمار الذي اكتوت بناره وذاقت ويلاته وعانت من جرائمه وفظائعه معظم الشعوب . (فخطورة هذا المبدأ تتعدى مسألة شيوع الجريمة الفردية في المجتمع ليكون خطرا داهما ومصيبة كبرى على الحياة الإنسانية بأسرها ) مما يدفعنا للقول بأن علاقة أصحاب المبدأ الرأسمالي بغيرهم من الشعوب و الأمم علاقة إجرامية، وأن الأمة أو الشعب الذي يعتنق هذا المبدأ أو يأخذ به شعب مجرم وأمة مجرمة ، وأن الدولة التي تطبق الأنظمة الرأسمالية هي بالضرورة دولة مجرمة .

وعليه فإن فصل الدين الإسلامي عن الحياة هو أخطر جريمة تمّ ارتكابها في حياة الأمة الإسلامية على مدى التاريخ وأن الحريات التي يتغنى بها الغربيون هي أُسّ البلاء ومكمن الداء لأنها تحوِّل المجتمع إلى غابة وحوش يأكل القوي فيها الضعيف، وينحدر فيها الإنسان إلى درك الحيوان ،فالحريات هي التي كانت وراء انتشار الرذيلة بهذا الشكل المريع ، وهي التي أدت إلى ظهور الجريمة المنظَّمة وسيادة الأنانية على العلاقات بين الناس وتفشي الآفات المخيفة في المجتمع كالشذوذ الجنسي وتعاطي المخدرات ، إلى جانب وقوع الناس في دوامة الحياة الاستهلاكية والصراع على المنافع المادية والجري وراء الطموح غير المشروع الذي لا يقف عند حد من الحدود .

أما الإسلام الذي جرى استبعاده ووضع أنظمته على الرف بدل وضعها موضع التطبيق فإنه يجعل الحلال والحرام مقياساً لأعمال الإنسان وليس المنفعة، والسعادة في نظر الإسلام هي نوال رضوان الله وليس الحصول على أكبر قدر من المتع الجسدية، وهو لا يقبل الانفصال عن الحياة ولا يقبل بإعطاء الحرية للأفراد وإطلاق العنان لغرائزهم تسير بهم سير البهائم فيصبح همهم الوحيد التمتع بأكبر قدر من المتع الجسدية الأمر الذي يعتبره المبدأ الرأسمالي قمة السعادة، بل يقيد أفعال الإنسان بأحكام الشرع، ويحد تصرفاته بأوامر الله ونواهيه ولا جدال في أن الله أعلم بما هو أهدى للبشر وأصلح لهم.

والإسلام عالج الجريمة بصرامة القانون حين شرّع العقوبات الصارمة على الجرائم وجعل من هذه العقوبات زواجر لزجر الناس عن ارتكاب الجرائم قال تعالى [ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب ] أي في شرع القصاص لكم _ وهو قتل القاتل _ حكمة عظيمة هي بقاء المهج وصونها لأن القاتل في الغالب إذا عَلِمَ أنه يُقتل فإنه لا يُقدِم على القتل ،كما عالج الجريمة بإيجاد الوازع الداخلي عند الأفراد في المجتمع بالتخويف من عذاب الله للمجرمين في الآخرة، فالمسلم حين يقرأ قوله تعالى [ إن المجرمين في ضلال وسعر، يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر ] وأمثلتها من آيات الوعيد فإنه يأخذه الهول ويتولاه الفزع ويهُون عليه كل عذاب في الدنيا إذا تصوّر عذاب الآخرة وهولُه ، وبذلك تكون العقيدة الإسلامية بمثابة الرادع الذاتي الذي يردع أفراد المسلمين عن اقتراف الجرائم صغيرها وكبيرها .

ولذلك فإن الجناية الحقيقية والجريمة الكبرى تكمن في إبعاد الاسلام عن معترك الحياة، والجناة الحقيقيون والمجرمون الكبار هم من يتحكمون في توجيه الحياة في بلاد المسلمين من سياسيين ومفكرين ورجال اقتصاد وإعلام وغيرهم من المضبوعين بالثقافة الغربية والمفتونين بطريقة الغرب في الحياة، وذلك لأنهم يُخضعِون المجتمع في البلاد الإسلامية لنمط العلاقات الرأسمالية وللطريقة الرأسمالية في العيش، ويسوقون المجتمع ويسيرون به في طريق الجريمة والانحلال والإباحية وفساد الأخلاق، خاصة وأنهم قد استجابوا استجابةً كاملة للحملة التي تتزعمها أمريكا اليوم من أجل تسويق الأفكار الرأسمالية في بلاد المسلمين وسائر بلدان العالم .

ولا خلاص للمسلمين إلا بالخلاص من هؤلاء المجرمين، وإعادة تحكيم الاسلام في جميع علاقاتهم، وإقامة دولة الخلافة التي تُطبِّق أحكام الاسلام، وتحمله رسالة إلى العالم .

قال تعالى [ إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون * لايُفتر عنهم وهُمْ فيه مُبلِسون * وما ظلمناهم ولكن كانوا هُمُ الظالمين ] .



صفر1419

23/06/1998 م