المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مسابقة في الدموع!



مهندس رأفت
04-09-2005, 11:52 PM
مسابقة في الدموع!



عرفنا أرييل شارون رئيس وزراء إسرائيل في أدوار كثيرة، جنرالا ورئيس حزب وداعيا إلي إقامة المستوطنات في الضفة الغربية وغزة ومشجعا ومفيدا لها ووزيرا يتولي هذه المهمة.. ولكن هذه أول مرة نراه

مخرجا مسرحيا وسينمائيا عالميا ومن طراز نادر يفوق كل، وأكرر كل، مخرجي هوليوود وبوليود أيضا!

كانت البداية في تصريح لأحد جنرالات إسرائيل.قال:

ـ يجب أن نسمح لمستوطني غزة بإظهار مشاعرهم. وظهرت مشاعر المستوطنين علي شاشات التليفزيون العالمية

والعربية وهم يغادرون القطاع طواعية أو ورجال الجيش الإسرائيلي يحملونها إلي الأتوبيسات التي نقلتهم

خارج غزة.

كان بعض المستوطنين يبكون لأنهم يتركون »بيوتهم«.

وكان البعض يحرقون البيوت والمرافق والمزارع.

وكانوا يدمرون أنابيب المياه والصرف الصحي.

وتركوا خلفهم لافتات ضخمة تقول للبلدوزرات الإسرائيلية:

ـ لا تدعوا حجرا واحدا سليما، اهدموا البيوت.

وكان المشهد المثير أن يبكي رجال الجيش الإسرائيلي مع المستوطنين وهم يحملونهم إلي الأتوبيسات المغادرة

حتي أن مراسل صحيفة التايمز البريطانية كتب يصف المشهد بأنه مسابقة في الدموع.. من يبكي أكثر

المستوطن المغادر أم الجندي الذي يحمله ويرغمه علي المغادرة!

وصار واضحا للعالم كله أن أرييل شارون يطبق بداية خارطة الطريق وأنه أول رئيس وزراء في تاريخ إسرائيل

يجعل الإسرائيليين يقفون في مواجهة الإسرائيليين.

وأراد شارون أن يزيد المشهد دموعا فخطب في بداية الانسحاب من غزة يقول:

ـ الانسحاب مؤلم ولكنه ضروري لأمن إسرائيل.

***

الصحف العالمية التي وصفت الانسحاب قالت إن المقاومة ضده كانت من 5000 شاب جاءوا من خارج القطاع،

أما المستوطنون في غزة فقد انتقل معظمهم بهدوء وبساطة قبل موعد الانسحاب.

والواضح أن الشباب الذين جاءوا من خارج القطاع سمح لهم بالدخول.

كان الجيش هو الذي سمح لهم بدخول غزة ليقاوموا القطاع حتي تنجح المسرحية أمام شاشات التليفزيون.

وهكذا ظهر الانسحاب من غزة أمام شاشات التليفزيون وكأن شارون قد أرغم المستوطنين علي ترك أراضيهم

الإسرائيلية مع أن الانسحاب تم من أرض عربية هي غزة.

وقالت وكالات الأنباء:

ـ لقد أقام المستوطنون في غزة 38 سنة بحيث صارت أرضهم.

.. وكأن الأرض تتغير هويتها بطول مدة الاحتلال.

وقال المستوطنون:

ـ هذه أرض إسرائيلية طبقا للتوراة.

ومعروف أن غزة لا وجود لها في التوراة.

وما جاء في صحيفة أوروبية هو أن كل أسرة من المستوطنين حصلت علي 300 ألف جنيه استرليني كتعويض.

وأذيع أيضا أنهم نقلوا إلي قرية بين غزة وعسقلان في قرية اسمها »حمامة«

أرغم عرب فلسطين عام 1948 علي الهرب منها بعد احتلال اليهود لها.

وقد هدمت القرية العربية وإن كانت ملامحها لا تزال قائمة.

والبيوت التي أقيمت للمستوطنين الإسرائيليين هي بيوت جاهزة التركيب.

ومعني ذلك أن المستوطنين تركوا أرضا عربية ليقيموا في أرض عربية أخري وإن اطلقوا عليها اسم نيتزان.

وفي غزة كانت هناك مستوطنات تقيم في بعضها 10 أسر وفي بعضها أقل من هذا العدد.

ويحرس هذه المستوطنات الجيش الإسرائيلي.

ومن هنا فإن حراسة المستوطنين في مقار إقامتهم الجديدة أرخص لميزانية إسرائيل.

***

المفروض أن الانسحاب أدي إلي أزمة سياسية في إسرائيل.

والأزمات السياسية تؤدي عادة إلي أزمات اقتصادية.

ولكن ما جري في إسرائيل خلال الأيام الماضية كان أمرا غريبا لو صح أنه كانت هناك أزمة من أي نوع.

ارتفعت أسعار أسهم الشركات الإسرائيلية.

وراجت أموال البورصة.

وهذا يقطع بأن الأحوال علي ما يرام.. جدا.

والشعب الإسرائيلي راض جدا عن هذا الانسحاب بدليل أنه في آخر استفتاء قال 57% من الإسرائيليين

إنهم يوافقون علي الانسحاب.

وقال شارون:

ـ نستطيع الآن أن نضمن إسرائيل.

وأصر علي ألا يدخل الفلسطينيون المستوطنون إلا في أكتوبر بعد أن يكون قد تم هدم كل البيوت

وتدمير ما فيها.

***

أثير في الوقت نفسه جدل كان شارون هو المسئول عنه.

الجدل حول من المسئول عن الانسحاب من غزة.

شارون ورجاله يقولون إنهم أرادوا ذلك ليبسطوا نفوذهم الكامل علي الضفة الغربية فقرار الانسحاب لمصلحة

إسرائيل.

والمقاومة الفلسطينية تقول إن الانسحاب تم تحت ضغط المقاومة والسلطة الفلسطينية ترفض

أن تشارك في هذه الأقوال، أو أن تتباهي بقوة المقاومة.

صائب عريقات الوزير الفلسطيني تجنب الحديث عن ذلك.

وأبومازن قال إن الانسحاب تم بناء علي تضحيات الشعب الفلسطيني واكتفي بذلك.

وإسرائيل بمسرحية الانسحاب أرادت أن تقول:

ـ هذا قرار إسرائيلي ونفذه الجيش الإسرائيلي.

***

السؤال الذي يطرح نفسه:

ـ ما هي الخطوة القادمة.. ومن الذي يقوم بها؟.

المفروض أن ينفذها شارون وهي تطبيق خارطة الطريق.

ولكنه وضع شرطا هو:

ـ سحب سلاح المقاومة.. وحل حماس التي اعتبرتها واشنطن جماعة إرهابية وليست جماعة وطنية دينية.

وفي الوقت نفسه بمسرحية الانسحاب فإن شارون أراد أن يقول لأمريكا:

ـ لا أستطيع أن أواجه الشعب الإسرائيلي بانسحاب آخر.

وقال رجاله:

ـ دعوا شارون يسترح ستة أشهر علي الأقل قبل أن يقوم بانسحاب آخر.

وبعد ستة أشهر سيجيء عام 2006.

وفي هذا العام هناك صراع علي رئاسة الأحزاب الإسرائيلية كلها ومنها الليكود.

وشارون يقول لأمريكا:

ـ سينافسني علي رئاسة الليكود بنيامين نتنياهو وزير المالية السابق الذي استقال لأنه لا يوافق

علي الانسحاب من غزة،

فهو أكثر تشددا مني فهل تضغطون عليّ لأنسحب أكثر فتعطون الفرصة لنتنياهو ليتطرف أكثر.

أما حزب العمل فإنه قال إن انضمامه لحكومة شارون كان لهدف واحد وهو تحقيق الانسحاب من غزة وإعطاء

أغلبية لشارون حتي يوافق الكنيست علي الانسحاب.

وإلي أن يحدد حزب العمل سياسة جديدة واضحة بالنسبة للفلسطينيين فلن يحصل هذا الحزب علي أغلبية

في الكنيست تمكنه من تأليفه وزارة.

وما دام الحزب مترددا غامضا بالنسبة للأراضي الفلسطينية المحتلة فستبقي إسرائيل منقسمة..

وسيدفع الثمن الفلسطينيون.

***

ـ ما هي حقيقة الموقف في غزة الآن؟

شارون انسحب ولم ينسحب.

لا يزال يسيطر علي حدود غزة برا وبحرا وجوا وحتي حدودها مع إسرائيل.

وفي غزة 1،4 مليون فلسطيني يعيش مليون منهم علي الغذاء الذي تقدمه لهم الأمم المتحدة.

وما دامت غزة محاصرة بالإسرائيليين فإن غزة لا تستطيع أن تتحرر اقتصاديا إلا بموافقة شارون.

وارداتها وصادراتها تتم بتصريح من إسرائيل.

ولا يزيد عدد عمالها الذين يعملون في إسرائيل علي 3000.

ولا تتسع غزة لأربعة ملايين فلسطيني هم سكانها وسكان الضفة الغربية معا.

ولكن هذا ما يريده شارون.

إن أراد الفلسطينيون دولة فهي في غزة.

واعتمد 60 مليونا لبناء بيوت للإسرائيليين في القدس الشرقية ولتطويرها.

وقد خلق واقعا جديدا في القدس الشرقية بحيث لا يمكن أن تصبح عاصمة للفلسطينيين.

وخلق واقعا جغرافيا في الضفة الغربية بموافقة الرئيس الأمريكي جورج بوش.

وقد قال إن انسحابه من غزة كان خطوة أحادية الجانب، أي من جانبه وحده ومن طرفه وحده.

وكل ما يتم الآن في فلسطين من جانبه وحده.

وكان العالم الغربي دواما ضده ولكنه نجح ويجب أن نعترف بذلك من أن يجعل من غزة مسابقة للدموع.

قال:

ـ هي دموع الإسرائيليين.

والحقيقة أنها دموعنا وحدنا التي ستنهمر طويلا وكثيرا!





إذا الشعب يومًا أراد الحياة **** فلا بـد أن يستجيب القدر



و لا بد لليـل أن ينجـلي **** و لا بـد للقيد أن ينكسر