المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : 11 سبتمبر



النايم
08-10-2001, 02:27 PM
بقلم: مارك وبر

مدير معهد مراجعة التاريخ بكاليفورنيا



http://ihr.org/news/010917attacks.html



جاءت الحرب إلى عقر دار أمريكا في مفاجأة فظيعة مدمرة ومعها آلاف الضحايا وصور مذهلة للموت والدمار. ونحن نشعر بالحزن - مع كل إخواننا من المواطنين - على موت العديد من ضحايا هجوم 11 سبتمبر على مركز التجارة العالمية بنيويورك ومبنى البنتاجون (وزارة الدفاع). ولكن يجب أن يأتي الفهم والوضوح بعد مشاعر الحزن والغضب.



قال الرئيس جورج بوش على التلفاز الأمريكي "كانت أمريكا هدفا للهجوم لأننا النبراس المضيء للحرية وفرص الحياة بهذا العالم" ، ثم قال في اليوم التالي أن "الحرية والديمقراطية تتعرضان للهجوم" وأن مقترفي الجريمة قد سددوا ضربتهم ضد "كل محبي الحرية في كل مكان بالعالم".



ولكن إذا ما كان المستهدف هو "الديمقراطية ومحبي الحرية" فلماذا إذن لم يقم أحد بالهجوم على سويسرا أو اليابان أو النرويج؟ إن ادعاءات بوش تعادل في زيفها كلا من إعلان الرئيس ويلسون في الحرب العالمية الأولى أن الولايات المتحدة كانت تحارب لكي "تجعل العالم مكانا آمنا للديمقراطية" وكذلك تأكيدات الرئيس روزفلت في الحرب العالمية الثانية بأن الولايات المتحدة كانت تحارب من أجل "الحرية والديمقراطية".



كثرت التكهنات في أعقاب هجوم 11 سبتمبر عن تحديد شخصية الجناة. هذا في حد ذاته اعتراف بكثرة عدد من يبغضون هذه البلاد إلى الدرجة التي يصعب معها تحديد من قاموا بهذا الهجوم الانتحاري اليائس بهذه الصورة المتقنة الإعداد.



كان هذا الهجوم المفجع متوقعا ، ففي عام 1993 قام الإسلاميون الجذريون بتفجير قنبلة بمبنى مركز التجارة العالمية راح ضحيته ستة أرواح. قامت الولايات المتحدة في شهر أغسطس من عام 1998 بتوجيه ضربات بالصواريخ ضد أفغانستان والسودان، ضربات قال عنها كبار موظفي حكم كلنتون أنها إشارة البدء "لحرب حقيقية ضد الإرهاب" ، وفي أعقاب تلك الهجمات حذر أحد كبار رجال الاستخبارات بحكومة كلنتون من أن "احتمال الأخذ بالثأر من الأمريكيين عال جدا جدا" ( الصفحة الأولى - عدد 21 أغسطس 1998 من الواشنطون بوست) .



يروج زعماؤنا السياسيون ومعهم وسائل الإعلام لتلك الفكرة الخيالية التي لا يقبلها العقل من أن هجوم 11 سبتمبر لم يكن له سبب يستثيره ولا علاقة له بما تفعله الولايات المتحدة. يريدون من كل واحد منا أن يصدق أن سبب هذا الهجوم هو تلك الكراهية المتأصلة لأمريكا لدى الكثير من الناس بهذا العالم وخاصة في بلاد العرب والمسلمين، وأن تلك الكراهية هي الدافع للجناة ولا علاقة للسياسات الأمريكية بتلك الدوافع. لكن الواضح هو أن هؤلاء الذين قاموا بالهجوم على مراكز القوة الأمريكية المالية والعسكرية كانوا حانقين على تأييد هذه البلاد منذ سنوات عديدة لدولة إسرائيل وسياساتها العدوانية وقمعها الإجرامي القاتل واحتلالها الوحشي للعرب والمسلمين ، كذلك أيضا الضربات الأمريكية الجوية والحرب الاقتصادية ضد أفغانستان والسودان والعراق وإيران.



أمريكا هي الدولة الوحيدة التي تدعي لنفسها حق إرسال الجنود والطائرات الحربية إلى أي ركن من أركان المعمورة جريا وراء ما يسميه قادتنا السياسيين "المصالح الحيوية القومية". لقد حذر جورج واشنطون بشدة – وكذلك حذر غيره من الرواد الأول لبلادنا – من مثل تلك الغطرسة الإمبريالية. وكذلك تحدث أمريكيون بعيدو النظر - عن هموم ومشاغل مماثلة في القرن العشرين - مثل هاري إلمر بارنز وجارت جاريت وبات بيوكنان.



إن الحرب الحديثة أمر نظري غير ملموس عند معظم الأمريكيين ، هي شيء يحدث بالبلاد البعيدة فقط . ضحايا الهجمات الجوية الأمريكية وضربات القنابل في فيتنام ولبنان والسودان وليبيا والعراق وصربيا كلها تبدوا كما لو كانت غير حقيقية. لا يعيرها اهتماما إلا قلة من عامة الأمريكيين لأن العمليات الحربية الأمريكية في العادة ليس لها أثر يذكر على حياتهم اليومية. ومثلما كان سكان روما في القرن الثاني لا يحسون بالمعارك التي تخوضها جيوشهم على أطراف الإمبراطورية الرومانية فإن سكان سييتل وكلفيلاند لا يكادون يشغلون أنفسهم اليوم بأمر الدمار الذي تجلبه القوات الأمريكية والطائرات الحربية على العراق مثلا.



لقد اتهم رمزي كلارك - المدعي العام الأمريكي السابق – الولايات المتحدة بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية" ضد شعب العراق "تفوق كل ما عداها من حيث الحجم والقسوة والشر المستطير" ودلل على قوله بتقارير الأمم المتحدة وبحثه الخاص على أرض العراق. كان كلارك قد أعلن في عام 1996 أن أكثر من مليون عراقي - بينهم أكثر من نصف مليون طفل - قد ماتوا نتيجة لنقص الغذاء والدواء من أثر الحظر الذي فرضته الولايات المتحدة على العراق منذ عام 1990 واستمرار ضربه بالقنابل.



كانت مادلين ألبرايت – وزيرة الدولة إبان حكم كلنتون – قد دافعت عن عمليات القتل الجماعي حينما سألوها خلال مقابلة في عام 1996 "لقد سمعنا عن موت أكثر من نصف مليون طفل (نتيجة لفرض الحظر على العراق) وهذا يزيد عن عدد من مات من الأطفال في هيروشيما. فهل ذلك يستحق هذا الثمن؟" فأجابت بقولها "نحن نعتقد أن ذلك يستحق هذا الثمن (حدث ذلك في مقابلة بالبرنامج التليفزيوني "60 دقيقة" في 12 مايو 1996).



وعد الرئيس بوش اليوم بشن "حملة جهادية" و"حربا ضد الإرهاب" و"حملة مستمرة" لمحو "شرور الإرهاب" ، لكن تلك الصيحات ترن فارغة إذا ما تفحصنا سجل مساندة حكومة الولايات المتحدة نفسها للإرهاب خلال حرب فيتنام على سبيل المثال. لقد أيدت الولايات المتحدة "الإرهابيين" في أفغانستان خلال الثمانينيات - بما فيهم أسامة بن لادن "المتهم الأول" في هجوم 11 سبتمبر - في كفاحهم لطرد الغزاة السوفييت.



استقبل الرؤساء الأمريكيون بالحفاوة في البيت الأبيض اثنين من رؤساء الوزراء الإسرائيليين هما مناحم بيجن وإسحق شامير وكلاهما له سوابق موثقة كإرهابي ، وقد رحب الرئيس بوش نفسه في واشنطون برئيس وزراء إسرائيل الحالي إريل شارون الذي تقوم قواته باغتيال القادة الفلسطينيين وتوجيه الضربات الإجرامية "الثأرية" للشعب الفلسطيني. بل إن لجنة إسرائيلية رسمية قد وجدت أن شارون يتحمل قدرا من المسئولية عن المذابح الفلسطينية بمعسكرات اللاجئين الفلسطينيين بصبرا وشاتيلا عام 1982.



وكما هو متوقع، لم يضيع القادة اليهود والصهاينة وخدمهم من الأمريكيين فرصة استغلال هجوم 11 سبتمبر لمصلحتهم الخاصة مستغلين فرصة الشعور العام بالغضب الأعمى والرغبة في الثأر فطالبوا بتدخل عسكري أمريكي جديد ضد أعداء إسرائيل الكثيرين.



لذلك فمن المتوقع خلال الأسابيع القادمة أن تقوم حكومة الولايات المتحدة بالضرب الشديد بتشجيع من الرأي العام الغاضب. إن الخطر الأعظم هو أن مثل ذلك الرد الانفعالي المدفوع بالعاطفة سوف يزيد من خطورة التوتر القائم ويشجع حدوث المزيد من أعمال العنف القاتل. المطلوب الآن ليس "حملة جهادية" انتقامية وإنما المطلوب هو سياسات مدروسة ومتوازنة أساسها العقل والعدل.



لا شك أن معظم الأمريكيين سوف يستمرون في قبول ما يقوله لهم قادتهم السياسيين والإعلام العام خلال الأشهر والسنوات القادمة. لكن الوقع الهائل لهجوم 11 سبتمبر – الذي جلب إلى مدننا لأول مرة رعب ودمار الهجوم من السماء – سوف يدفع بالأعداد المتزايدة من الأمريكيين الواعين إلى كشف الأكاذيب التي تروجها صفوة السياسيين والمثقفين وحلفائهم الصهاينة لفرض إرادتهم على العالم. إن المزيد والمزيد من الناس سوف يفهمون أن السياسة الخارجية لحكومتهم لابد وأن يكون لها من العواقب ما قد يصيبنا هنا أيضا.



عند تأسيس الدولة الصهيونية في عام 1948 حذر سكرتير الدولة جورج مارشال - وحذر معه كل المستوى العالي من خبراء الشئون الخارجية الأمريكيين – من أن التأييد الأمريكي لإسرائيل سوف يكون له آثار خطيرة في المدى البعيد. لقد أثبتت الأحداث صحة مخاوفهم.



وعلى المدى البعيد، سوف ينمي هجوم 11 سبتمبر مزيدا من الوعي الجماهيري بالدور الإمبريالي الذي تقوم به حكومتنا في هذا العالم، بما في ذلك إعادة تقييم واعية لتلك "العلاقة الخاصة" الشاذة مع الدولة اليهودية العرقية. وفي غضون ذلك سوف يزداد الغضب ضد هؤلاء الذين أخضعوا المصالح الأمريكية - والمبادئ الأساسية للعدل والإنسانية - للمطامع اليهودية الصهيونية.



لقد استهدف معهد المراجعة التاريخية على وجه التحديد - من خلال عمله الدراسي لأكثر من عشرين عام – منع مثل هذه الكوارث المماثلة للهجوم على نيويورك وواشنطون. وسوف نتابع رسالتنا لمزيد من توعية الرأي العام بالتاريخ والشئون العالمية ومزيد من الشعور العام بالمسئولية عن السياسات التي تسببت في نمو ذلك الغضب الذي تسبب في هجوم 11 سبتمبر. لقد زادت أهمية عملنا هذا في المستقبل عن أي وقت مضى.