SAID ABO NAASA
09-09-2005, 06:33 PM
مأساة كاتب
سأكتب قصّة .
نعم ! اليوم بالذات وفي هذه اللحظات, سأكتب قصة .
كل الظروف متاحة لي .. الوقت و الصحة وعدم وجود ارتباطات اجتماعية خانقة و غياب زوجتي و أولادي عن البيت فوجودهم يعطّل حاسة الكتابة عندي –لا تتسرعوا في الحكم فأنا أحبهم كثيرا – و لكن زوجتي ( تُحرطق ) كثيرا في البيت ، يعني تصدر أصواتاً مرتفعة مزعجة وأولادي مشاغبون. إذاً سأغتنم الفرصة وأبدأ بالكتابة قبل أن يعودوا وينقلب البيت إلى سيرك حقيقي.
لا مشكلة على الإطلاق. الأمر بسيط ,يحتاج إلى قلم وورقة بيضاء و إلى جلسة مريحة . و لكن أين سأجلس؟
في الصالون ؟ لا.. لا أحبّ الصالونات, وما تختزنه من روائح المجاملات و الرياء و التكاذب و التشاوف.. سأختنق قبل البدء بالكتابة .
في غرفة النوم؟ لا.. ستتلاعب بأفكاري ذكريات الليالي الوردية و قد يسرقني سلطان النوم فأضيع فرصة ثمينة قلما يجود الزمان بمثلها .
على الشرفة ؟ أيضا هذا مكان مرفوض و لسوف تتشتّت أفكاري بفعل المناظرالمتنوعة و الحركات المتسارعة و المشاهد المحزنة و المفرحة و المثيرة للعجب .
في المطبخ؟ يا سلام ! وتعبق في أنفي روائح ما لذّ و طاب من الأطعمة و الفواكه و الحلويات (و عند البطون تضيع العقول ) فبدلا من أن أكتب قصة ,يخرج النص مقالة خزعبلاتية حول فن الطبخ .
إذا لم يبق أمامي غير الحمّام و غرفة الجلوس , ولسائل أن يسأل : لماذا لم أختر المكتب؟
الجواب سهل جدا : لا مكتب لدي .
صحيح أن الحمّام ملائم جدا للشرود و التفكير إلا أنه ليس مناسبا للكتابة على الإطلاق.
إذًا إلى غرفة الجلوس.
أيّ أريكة سأختار ؟ الصغيرة أم الكبيرة ؟ و كيف ستكون الجلسة المثلى للكتابة الإبداعية ؟
كل هذا لا يهم. المهمّ أن أبدأ بالكتابة .
لا بدّ أولا من البسملة و قراءة الوِرد الخاص بتلبية الحاجات, ومن ثم الدعاء من أجل أن يفتح الله عليّ بالأفكار .
...... ولا الضالين .. آمين .
وماذا بعد ؟ كل الظروف تيسّرت ,فارعف يا قلم !
القلم ! هذه هي المشكلة العويصة . لقد أخطأت الاختيار , أحضرت قلم حبر , وكان حريّا بي أن أجلب قلم رصاص لأنه مطواع , وفي ذيله ممحاة تساعدني على محو ما أريد ،دون تشطيب و خربشة و هو خفيف أيضا وممشوق القوام .
مع أنه لم يتطوّر و ظلّ ينزف اللون الرصاصي ولذا سميّ بهذا الاسم .
ترى لماذا لا يوجد قلم رصاص بألوان مختلفة ؟ أم تراه يوجد ولكنني الكاتب المخدوع آخر من يعلم .
ها قد أحضرت قلم الرصاص و معه المبراة حتى لا أقوم من مقامي وأقطع حبل أفكاري .
و هذه جلسة مريحة .. هيا ارعف أيها القلم !
الموضوع !! فعلا حول أي موضوع ستدور أحداث القصة ؟
المواضيع أكثر من الهمّ على القلب . فلمَ الحيرة ؟
هناك آلاف المشاكل السياسية و الاجتماعية والاقتصادية و الفنية و الأدبية و....
ولكن هنا بيت القصيد . على رأي المثل ( ودّك تحيّره خيّره ) الله لا يحيّر مخلوق .
سأحاول استخدام الاستقراء المنطقي و حذف المواضيع غير الملائمة للتطرّق إليها هذا اليوم .
أولا : السياسة . ما لي و السياسة ؟ فالسياسة للسياسيين و للصحافة و الصحافيين وللإذاعة و الإذاعيين و للتلفزة وال...(ماهي الكلمة المناسبة؟ )و التلفزيونيين .هموم في هموم .والله يعين .
كما لن أتحدث عن الديمقراطية و الديمقراطيين ولا عن الإرهاب و الإرهابيين .صارت الأخبار المنقولة بالصوت و الصورة تسبق أقلام الأدباء و الشعراء الحالمين .
إذًا سأختار موضوعا اجتماعيا , وما أكثر المشاكل الاجتماعية و أغناها فهي معين لا ينضب للأديب : زواج – طلاق- بطالة – فقر – يتم – مخدرات – جرائم أخلاقية و لا أخلاقية - ) ولكن هذه كلها صارت مكرّرة لدرجة أنها تحشر في فيلم سينمائي أو تلفزيوني واحد , ويستطيع المشاهد أن يتنبّأ بالخاتمة لمجرّد أن يتابع المقدّمة .
حقيقة لقد مللت القصص الاجتماعية . هل أتحدث عن الحبّ مثلا ؟ و هل هناك حبّ في أيامنا؟
الحبّ أنواع:عذري– إباحي – حب الزوجة – الأولاد- الوالدين – الأصحاب – الأقارب ( يا عيني على الأقارب !)
لن أناقش المثل السائر( الأقارب عقارب ) .
ولن أتحدث عن المشاكل الاقتصادية فهي تصبّ في المشاكل الاجتماعية و السياسية .
هل أتحدث عن الفن ؟ وما أدراك ما الفن ؟ الفنون سبعة .فعن أيّها سأتحدث؟ و هل ترك النقاد و الصحفيون مجالا لأحد كي يدلي بدلوه .
لم يبق أمامي إلا الأدب,بشؤونه و شجونه ,وما أثراه مادة للكتابة ؟! ولكن مهلا .
هناك مواضيع معاصرة كالعولمة و صراع الحضارات وحوارها و ثورة الاتصالات .فلمَ لا أختار واحدا منها ؟
لمَ لا أتحدث عن الكمبيوتر و الانترنت و المواقع الأدبية ؟ يا سلام ! عن هذا الموقع تحديدا .
كيف اكتشفته و صرت عضوا فيه ؟ وكيف أن قصصي الأدبية ذات العنوان الإبداعي لا يقرأها أو يتصفحها إلا القليل بينما القصص المحكية بالعامية المكسّرة وذات المضامين الإجرامية و العناوين الخلابة الخادعة تستأثر باهتمام القرّاء الكرام و تعليقاتهم .
حسنا ! لنفرض جدلا أنني كتبت في هذا الموضوع , فمن سيقرأ ؟ من سيقرأ ؟
وما أدراني بما سيقوله القارئ بعد إنهاء القراءة ؟- هذا إذا كلّف خاطره و قرأ بتمعّن ودقّة و سرح في المعاني و الدلالات المختبئة وراء السطور – أتراه سيمدحني أم يشتمني , ويلعن الساعة التي اختار فيها قصتي كي يقرأها ؟
على أية حال هذا هو الموضوع الذي فاز بشرف الظهور على صفحتي البيضاء أو التي كانت بيضاء قبل أن أملأها بخربشات و خطوط و دوائر و رسوم و أشكال سوريالية لو رآها محلل نفسي لقال إن عقدي النفسية تستعصي على الحلّ. هذا هو الموضوع إذا : ( لماذا أكتب؟ ).
أفّ ! يا ساتر ! و أخيرا فُرِجت , و طرق الموضوع باب عقلي ,طرقات جاءت متأخرة وهذا لا يهمّ (أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا ) .. طرقات مباغتة تشبه الطرقات التي أسمعها على الباب الآن .
إنها قوية جدا أشبه بحرطقات زوجتي . يا إلهي ! أتكون قد عادت إلى البيت ؟ يا ويلي !
إنها تناديني بعصبية كي أتحرّك لفتح الباب .
إذا لا بد أن أقوم من مقامي وأن أودّع الورقة و القلم و القصة و الكتابة .
وإلى أن تسنح لي فرصة أخرى للكتابة , أستودعكم الله .
سعيد أبو نعسة
سأكتب قصّة .
نعم ! اليوم بالذات وفي هذه اللحظات, سأكتب قصة .
كل الظروف متاحة لي .. الوقت و الصحة وعدم وجود ارتباطات اجتماعية خانقة و غياب زوجتي و أولادي عن البيت فوجودهم يعطّل حاسة الكتابة عندي –لا تتسرعوا في الحكم فأنا أحبهم كثيرا – و لكن زوجتي ( تُحرطق ) كثيرا في البيت ، يعني تصدر أصواتاً مرتفعة مزعجة وأولادي مشاغبون. إذاً سأغتنم الفرصة وأبدأ بالكتابة قبل أن يعودوا وينقلب البيت إلى سيرك حقيقي.
لا مشكلة على الإطلاق. الأمر بسيط ,يحتاج إلى قلم وورقة بيضاء و إلى جلسة مريحة . و لكن أين سأجلس؟
في الصالون ؟ لا.. لا أحبّ الصالونات, وما تختزنه من روائح المجاملات و الرياء و التكاذب و التشاوف.. سأختنق قبل البدء بالكتابة .
في غرفة النوم؟ لا.. ستتلاعب بأفكاري ذكريات الليالي الوردية و قد يسرقني سلطان النوم فأضيع فرصة ثمينة قلما يجود الزمان بمثلها .
على الشرفة ؟ أيضا هذا مكان مرفوض و لسوف تتشتّت أفكاري بفعل المناظرالمتنوعة و الحركات المتسارعة و المشاهد المحزنة و المفرحة و المثيرة للعجب .
في المطبخ؟ يا سلام ! وتعبق في أنفي روائح ما لذّ و طاب من الأطعمة و الفواكه و الحلويات (و عند البطون تضيع العقول ) فبدلا من أن أكتب قصة ,يخرج النص مقالة خزعبلاتية حول فن الطبخ .
إذا لم يبق أمامي غير الحمّام و غرفة الجلوس , ولسائل أن يسأل : لماذا لم أختر المكتب؟
الجواب سهل جدا : لا مكتب لدي .
صحيح أن الحمّام ملائم جدا للشرود و التفكير إلا أنه ليس مناسبا للكتابة على الإطلاق.
إذًا إلى غرفة الجلوس.
أيّ أريكة سأختار ؟ الصغيرة أم الكبيرة ؟ و كيف ستكون الجلسة المثلى للكتابة الإبداعية ؟
كل هذا لا يهم. المهمّ أن أبدأ بالكتابة .
لا بدّ أولا من البسملة و قراءة الوِرد الخاص بتلبية الحاجات, ومن ثم الدعاء من أجل أن يفتح الله عليّ بالأفكار .
...... ولا الضالين .. آمين .
وماذا بعد ؟ كل الظروف تيسّرت ,فارعف يا قلم !
القلم ! هذه هي المشكلة العويصة . لقد أخطأت الاختيار , أحضرت قلم حبر , وكان حريّا بي أن أجلب قلم رصاص لأنه مطواع , وفي ذيله ممحاة تساعدني على محو ما أريد ،دون تشطيب و خربشة و هو خفيف أيضا وممشوق القوام .
مع أنه لم يتطوّر و ظلّ ينزف اللون الرصاصي ولذا سميّ بهذا الاسم .
ترى لماذا لا يوجد قلم رصاص بألوان مختلفة ؟ أم تراه يوجد ولكنني الكاتب المخدوع آخر من يعلم .
ها قد أحضرت قلم الرصاص و معه المبراة حتى لا أقوم من مقامي وأقطع حبل أفكاري .
و هذه جلسة مريحة .. هيا ارعف أيها القلم !
الموضوع !! فعلا حول أي موضوع ستدور أحداث القصة ؟
المواضيع أكثر من الهمّ على القلب . فلمَ الحيرة ؟
هناك آلاف المشاكل السياسية و الاجتماعية والاقتصادية و الفنية و الأدبية و....
ولكن هنا بيت القصيد . على رأي المثل ( ودّك تحيّره خيّره ) الله لا يحيّر مخلوق .
سأحاول استخدام الاستقراء المنطقي و حذف المواضيع غير الملائمة للتطرّق إليها هذا اليوم .
أولا : السياسة . ما لي و السياسة ؟ فالسياسة للسياسيين و للصحافة و الصحافيين وللإذاعة و الإذاعيين و للتلفزة وال...(ماهي الكلمة المناسبة؟ )و التلفزيونيين .هموم في هموم .والله يعين .
كما لن أتحدث عن الديمقراطية و الديمقراطيين ولا عن الإرهاب و الإرهابيين .صارت الأخبار المنقولة بالصوت و الصورة تسبق أقلام الأدباء و الشعراء الحالمين .
إذًا سأختار موضوعا اجتماعيا , وما أكثر المشاكل الاجتماعية و أغناها فهي معين لا ينضب للأديب : زواج – طلاق- بطالة – فقر – يتم – مخدرات – جرائم أخلاقية و لا أخلاقية - ) ولكن هذه كلها صارت مكرّرة لدرجة أنها تحشر في فيلم سينمائي أو تلفزيوني واحد , ويستطيع المشاهد أن يتنبّأ بالخاتمة لمجرّد أن يتابع المقدّمة .
حقيقة لقد مللت القصص الاجتماعية . هل أتحدث عن الحبّ مثلا ؟ و هل هناك حبّ في أيامنا؟
الحبّ أنواع:عذري– إباحي – حب الزوجة – الأولاد- الوالدين – الأصحاب – الأقارب ( يا عيني على الأقارب !)
لن أناقش المثل السائر( الأقارب عقارب ) .
ولن أتحدث عن المشاكل الاقتصادية فهي تصبّ في المشاكل الاجتماعية و السياسية .
هل أتحدث عن الفن ؟ وما أدراك ما الفن ؟ الفنون سبعة .فعن أيّها سأتحدث؟ و هل ترك النقاد و الصحفيون مجالا لأحد كي يدلي بدلوه .
لم يبق أمامي إلا الأدب,بشؤونه و شجونه ,وما أثراه مادة للكتابة ؟! ولكن مهلا .
هناك مواضيع معاصرة كالعولمة و صراع الحضارات وحوارها و ثورة الاتصالات .فلمَ لا أختار واحدا منها ؟
لمَ لا أتحدث عن الكمبيوتر و الانترنت و المواقع الأدبية ؟ يا سلام ! عن هذا الموقع تحديدا .
كيف اكتشفته و صرت عضوا فيه ؟ وكيف أن قصصي الأدبية ذات العنوان الإبداعي لا يقرأها أو يتصفحها إلا القليل بينما القصص المحكية بالعامية المكسّرة وذات المضامين الإجرامية و العناوين الخلابة الخادعة تستأثر باهتمام القرّاء الكرام و تعليقاتهم .
حسنا ! لنفرض جدلا أنني كتبت في هذا الموضوع , فمن سيقرأ ؟ من سيقرأ ؟
وما أدراني بما سيقوله القارئ بعد إنهاء القراءة ؟- هذا إذا كلّف خاطره و قرأ بتمعّن ودقّة و سرح في المعاني و الدلالات المختبئة وراء السطور – أتراه سيمدحني أم يشتمني , ويلعن الساعة التي اختار فيها قصتي كي يقرأها ؟
على أية حال هذا هو الموضوع الذي فاز بشرف الظهور على صفحتي البيضاء أو التي كانت بيضاء قبل أن أملأها بخربشات و خطوط و دوائر و رسوم و أشكال سوريالية لو رآها محلل نفسي لقال إن عقدي النفسية تستعصي على الحلّ. هذا هو الموضوع إذا : ( لماذا أكتب؟ ).
أفّ ! يا ساتر ! و أخيرا فُرِجت , و طرق الموضوع باب عقلي ,طرقات جاءت متأخرة وهذا لا يهمّ (أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا ) .. طرقات مباغتة تشبه الطرقات التي أسمعها على الباب الآن .
إنها قوية جدا أشبه بحرطقات زوجتي . يا إلهي ! أتكون قد عادت إلى البيت ؟ يا ويلي !
إنها تناديني بعصبية كي أتحرّك لفتح الباب .
إذا لا بد أن أقوم من مقامي وأن أودّع الورقة و القلم و القصة و الكتابة .
وإلى أن تسنح لي فرصة أخرى للكتابة , أستودعكم الله .
سعيد أبو نعسة