المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مستنقع الظلام



رفعت خالد
12-09-2005, 01:32 PM
مستنقع الظلام






















وضع فنجان القهوة على المنضدة جانبه و مرر كفه على شاربه...


جالسا على طرف فراشه المهترئ، كان ينظر إلى الأرض بين قدميه... نظرة تائهة، تجوب مدينة مشاكله الكئيبة.. كل الأبواب موصدة.. كل النوافذ حديدية..

رأى نفسه بأسمال بالية و رجل حافية.. يتسكع في تلك المدينة المجهولة الاسم... لافتات ضخمة لم يكتب فيها شيء... شوارع فسيحة، و لا سيارة تمر.. أعمدة الإنارة تنظر إلى الأرض في حزن و قد خبا نورها... إن المدينة بركة صمت.. مستنقع ظلام...



***






الأشياء ببيته القصديري جد محدودة.. سرير في ذلك الركن.. مليء هو بالثقوب التي وضع على بعضها رقع فظيعة الألوان... منضدة اعوجت إحدى أقدامها .. كرسي غير متجانس الأطراف... مرآة حائطية.. أو بالأحرى شظية زجاج مكسر... هذا كل شيء..




***




وافت المنية أمه و هو ابن الثالثة... فعاش طفولته مع أبيه.. ذلك الرجل الأشعث ذو الشارب الكثيف... يتذكر الضرب المبرح و المعاملة القاسية... يتذكر لحظات خلوته بركن من أركـان البيت، حيث كـان يُطلق العنان لجفونه و يسمح لها بأن تفيض دمعا دافئا...

بسبب عصبية أبيه المفرطة كانت تأتي هذا الأخير نوبات قلبية حادة، ينجو منها دائما بأعجوبة.. ثم يأتي ذلك اليوم الذي يطلب الأب من ابنه كأس ماء بنبرة غريبة، هادئة.. فيحضر الابن الكأس ليكتشف - طبعا - جثة أبيه وقد افترشت الأرض..





***




يرمقه وجهه من خلال قطعة الزجاج على الحائط... شعيرات بيضاء تطل من جانبي رأسه.. وكأنما تسخر من حياته و من شبابه المقتول.. يتحسسها بأصابعه المنهكة.. يشدها بقوة ثم يضحك... يشدها أكثر و يعلو صوت ضحكاته بأرجاء البيت...

يشوب قهقهته الطويلة تأوه متألم عندما يجتث بعضها لتظهر مكانها بقع دامية...

***




الكل في الحي يعرف ذلك الشاب طويل القامة، أشعث الرأس... يرونه وهو يمشي مشيته المشتتة، الغير مكترثة... ملابس ممزقة و حذاء قد خرجت من فمه أصابع نحيفة..

كان آنذاك يستأجر غرفة حقيرة بنصف ما يجنيه من عمله بإحدى المزارع... وحيدا، كان يذهب إلى العمل و يعود.. مطأطأ الرأس، لا يكلم أحدا..

أحيانا كان يقهقه بصوت عالي في الشارع بينما الناس يضجون من حوله... و أحينا أخرى يكلم نفسه و يصرخ بشدة.. مما جعل صبية الحي المزعجين يطاردونه و يشتمونه و ينعتونه بالمجنون...




***




لا زال يضحك ملأ فمه و هو يحملق في وجهه المجنون بالمرآة... سكت فجأة و تبدلت ملامحه إلى غضب و حنق شديدين.. لكم الزجاج بيده و هو يزمجر... ثم توالت لكماته بقوة و بكلتا يداه حتى تحطم الزجاج بالكامل و تحول إلى قطع اخترق بعضها يداه الداميتان...

***







أما الآن وقد دخل الشيخوخة من بابها الواسع.. لم يعد يعمل البتة، و أضحى يُمضي أيامه الطويلة المتبقية بكوخه القصديري وسط حي من أحياء المعوزين... و بات الكل متأكد تمام التأكد من كونه مجنون...




***




كان يواصل أنينه وهو يرمق شظية الزجاج المتبقية على الحائط...

تمكنت ابتسامة من التسلل إلى وجهه المشوه من أثر الألم المروع بيديه..

مد كفه المقوسة و التي انغرست بظهرها أشلاء زجاجية صغيرة.. مدها ببطء بطيء و على وجهه شيء من التصميم.. و بحركة سريعة انتزع شظية الزجاج و ابتسامته تتسع أكثر..

ثم...

غرسها مباشرة في قلبه...

فمه لم يصدر أنة و عينه لم تحرر دمعة... فقط هوى جسده المنهك ليرتطم بالأرض الصلبة.. القاسية...










تمت



شتنبر 2005

رفعت خالد
18-09-2005, 02:47 PM
قصة (بايخة) أليس كدلك ؟

M A M_2002
20-09-2005, 12:04 AM
تعبير جميل وتفاصيل دقيقه بس مع الاسف ما كان لها وجهه محدده

اذا كنت انت اللي كتبتها فما اقول الا ماشا الله عليك

وصفك للتفاصيل كان جيد

مع انها ممكن تسمى قصة قصيره

نتمنى لك التوفيق

وننتظر جديدك

تحياتي

رفعت خالد
20-09-2005, 09:24 PM
شكرا أخي على قراءتك عملي المتواضع...

لكن لم أفهم ماذا تعني عبارة( لا أعرف وجهة نظرها بالتحديد...

أرجو التوضيح

KYUUBI
23-09-2005, 08:46 PM
الصراحة ما شاء الله عليك تأليف ممتاز جدا .

M A M_2002
24-09-2005, 04:47 AM
لا يااخوي مهب وجهة نظر ..انا اقصد روايتك جميله

ولكن ما لها وجهه محدده (يعني ما لها موضوع معين تتكلم فيه )

ما لها حبكه وكانت مع الاسف قصيره حيل

يعني مع احترامي الشديد لك انا احب هذا الاسلوب القصصي كثير

لدرجة اني صرت اتعمق في القصه اتعمق اتعمق

فلما دخلت اجواء القصه اكتشفت انها انتهت وهذا اللي احبطني

اتمنى لك التوفيق

وننتظر جديدك

تحياتي

رفعت خالد
30-09-2005, 08:03 PM
أتمنى أن أكون عند حسن ظنك دائما... و انتظر المزيد إن شاء الله

deremboy
03-10-2005, 01:56 PM
مشكوووووووووور:02:

اندى جارسيا
08-10-2005, 01:09 AM
بصراحة قصتك ما تحمست ليها
لا تغضب هذه الحقيقة

رفعت خالد
08-10-2005, 07:33 PM
لا يا أخي العزيزي لن أغضب... هذا رأيك و أنا أحترمه بشدة... لكن كان سيكون أفضل لو بينت السبب أو الأسباب التي جعلتك تبدي هذا الرأي...

أنا لست شكسبير أو شارلز ديكنز كي أشعر بالحنق أو الغضب... أنا مبتدئ يا رجل..

تحياتي..