SAID ABO NAASA
17-09-2005, 06:54 AM
مأساة طالب
لملم الصيف مباهجه و أعلن الهجرة نحو الجنوب مخلّفا فيّ التعاسة , مُلبسا الحياة ثوب الخريف الأصفر المُنذر بالموت الزؤام الذي يتلازم مع فتح المدارس أشداقها لاحتواء الطلاب في عام دراسي جديد .
ومثل كل الطلاب في العالم أنهمِك في التحضير لهذا العام الدراسي : شنطة و ومقلمة و دفاتر و كتبا . وينهمك والداي في التفكير بتوفير القسط المدرسي و بدل النقل و آلة مزعجة لعينة اسمها مُنبّه .كل التحضيرات سارت على قدم وساق ؛ و غدا صباحا سأذهب إلى المدرسة من جديد للدخول في صفّ جديد ورؤية معلمين مختلفين سيعملون جاهدين على إتخام عقلي بمعلومات جديدة .
إذا لا بدّ أن أنام باكرا كما نصحتني و تنصحني أمّي منذ التاسعة مساء , و لا بدّ أن أسمع نصيحتها التي قرعت سمعي عشرين مرّة .
و لا بدّ أن أقوم من أمام صديقي الوفيّ المعطاء الكمبيوتر الحبيب و أن أودّع أصدقائي الكثر الذين أحادثهم الآن و أتسلّى معهم عبر الأثير , و لا بدّ أن يقوموا هم أيضا إلى النوم ,فالمدرسة ليست واجبا كفائيا عليّ وحدي القيام به بل هي فرض عين عليهم أيضا .
عشرين مرّة ودّعنا بعضنا و ما زلنا نتضاحك لأن أحدا منا لم يقفل جهازه . مَن تراه يمتلك الشجاعة لأخذ المبادرة و الانسلاخ عن جهازه الحبيب ؟
سأكون الأعقل بينهم و سأبدأ أنا , و سأذهب إلى عدوّي اللدول المسمّى سريرا .
لماذا لا يظلّ الانسان صاحيا على الدوام ؟ فمنذ أن وُجدت على ظهر هذه المعمورة وأنا أشطب نصف عمري في موت فعليّ يدلّعه الناس بالنوم .
و يتفذلك الأطبّاء و علماء النفس بنظريات تفرض على أبناء جيلي سبع ساعات من النوم كحدٍّ أدنى ضاربين بعرض الحائط أفكار حبيب السهارى ( عمر الخيّام )و بيته الشعري المشهور:
فما أطال النوم عمرا و لا قصّر في الأعمار طول السهر
و أعلم أنني رغم أنفي سأصحو باكرا مهما سهرت و مهما قلقت فإن عقارب الساعة لن تتوقف و ستطحن الليل بِرَحاها معلنة انبلاج الفجر الجديد و ستبُّثّ سُمّها الزّعاف في عروق الزمن إن توقّف عن العدّ .كما أن عقربها الصغير المشاغب المسؤول عن تحديد وقت الصحو متحفّز للانقضاض على سمعي برَنينه النشاز .
أمّي لن تخطئ أبدا ,لقد تأكّدت من صلاحية المُنبّه و ربَطته عند الساعة السادسة صباحا ؛صارت مُثقّفة هي الأخرى تعرف الفرق بين amو pmليتها تُخطئ و تختار نوعية التوقيت الثانية pmلكنها و إن أخطأت فإن والدي يحمل في دماغه منبّها بيولوجيا فهو( يُقنبز ) كل يوم كشرطي حارس للزمن منذ شقشقات الفجر الأولى ، يصلي الفجر حاضرا جماعة مع أمّي و يحاول إطراب الكائنات بصوته الجهوريّ. هذا إذا منبّه ثانٍ .
وديك الجيران ؛ و ما أدراكم ما ديك الجيران ؟! إنه يؤذن ليل نهار و كأنه أعمى و لا يكفّ عن الصياح . سيأتي اليوم الذي ألقّنه فيه درسا لن ينساه و يسعدني بالانتقام منه و جزّ عنقه ؛ و التخلّص من المنبّه الثالث .
و جارتنا أمّ حسن منبّه رابع،لا يحلو لها الزعيق و الصراخ على ابنها حسن إلا عند السادسة صباحا .
طوال عمري و أنا أقول إنّ ابنها حسن اسم على غير مسمّى فهو ليس حسنا في شيء ؛عاقّ لوالديه و حمار في المدرسة و رغم ذلك فإن أمّه مُصرّة على أن تجعل منه اسما لامعا في دنيا الطبّ، و الويل ثمّ الويل لمن سيتعالج على يديه إن أصبح طبيبا - و إن هذه تفيد الشكّ طبعا - .
كل صباح على هذه الشاكلة يدبّ النزاع عند جيراننا من أجل إقناع حسن بالصحو و الذهاب إلى المدرسة .
و خادمتنا السيرلانكية ( سنكارا ) مُنبّه خامس ؛ تخفّ إلى سريري إن تخلّفت أُمّي عن هذا الواجب العظيم و تروح تهزّني مِن رأسي : إسها مستر ، إسها ؛ صار الساعة سيكس.و تكون فعلتها هذه حافزا لي على (فشّ خُلقي ) بأُمّي فأثور غاضبا : ألف مرّة قلت لك لا أريد أن أتصبّح بسنكارا .
و الطائرة المدنية مُنبّه سادس ؛ تمرّ من فوق منزلنا تماما عند السادسة صباحا و كأنّ المشرف على تنظيم الرحلات يتعمّد الانتقام من الناس فيوقظهم باكرا لأنّه محروم من النوم .
و سائق الحافلة المدرسية منبّه سابع و بائع الجرائد منبّه ثامن و ....
إذا و إزاء هذه المنبهات كلّها لا بدّ أن أصحو : تعبان , نعسان ،لم أشبع من النوم ، ممغوص ،رأسي يؤلمني ، أشعر بدوخة ، كل هذه الحجج لن تنفع مع أمّي و قد أعدّت لكل واحدة منها دواء شافيا .
إذا لا بدّ من الذهاب إلى المدرسة و الاجتماع بزملاء الدراسة من جديد ؛ كلّهم زملاء( قرف يقرفهم ) لماذا لا يوجد بينهم زميلات ؟ أكان ضروريا هذا الفصل العنصري بين الذكر و الأنثى؟ ما المشكلة في وجود العنصر النسائي في صفّنا ؟ هل ستنهدّ المدرسة ؟
أمفروض عليّ أن أُحشر كل يوم مع ثلاثين ذَكرا عُتلاً زنيما ،وجوههم تقطع الرزق .
لم لا أُكحّل ناظري في المدرسة برؤية حبيبة قلبي ( رشا ) التي تعرّفت إليها عن طريق الانترنت حفظه الله . و هل كنت سأنجح إن أسعدني الحظ بمزاملتها على مقعد الدراسة ؟
و ما أدراني فلربما أنجح بتفوّق إذا حُلّت عقدتي و صار اللقاء بها في المدرسة أمرا روتينيا يُفرّغ من راسي الشحنات العاطفية و يزرع مكانها النشاط و الحيوية و عشق مقاعد الدراسة من أجل الظّهور أمام( رورو) بمظهر الانسان الحركي الذكي الطموح .
هذه أحلام ، فحبيبتي ( رورو) ستُحشر هي أيضا مع بنات صفّها و سيظلّ عقلها مشغولا بي و لن تستوعب مثلي لا العلوم ولا الرياضيات و لا اللغات و ستلعن هي أيضا سجنا يُدلّعه الناس بالمدرسة .
آه ! يا حبيبتي (رورو ) ماذا تفعلين الآن ؟
أتغطّين في نوم عميق أم يفترسك القلق مثلي ؛ تشبكين أناملك تحت رأسك و تحملقين إلى السقف مُفكّرة فيما أفكّر فيه .
أُمّي تستهزئ بي بعد أن عرفت بقصة حبّي؛تقول :" أأنت طالب ؟ أنت طالب زواج و لست طالب علم .
عِشنا و شُفنا .. طلاب آخر زمن ."
لماذا لا أُفاتح والدي بأمر الزواج.وهل سيفتح رأسي قبل أن يُصاب بسكتة دماغية أم بعد أن يصرخ في وجهي مُلقيا على أُمّي تبعات التربية الخاطئة لولد مصروع يريد أن يتزوّج وهوفي صف البكالوريا ؟
لا.. لا . الزواج فِعلا تسرّع خاطئ . فلأخطبها مثلا و أكتب كتابي عليها – ملعون أبو الكتاب ، يلاحقني حتى و أنا أفكّر في الارتباط ( برورو)-
ماذا في الأمر ؟ ببساطة شديدة ؛سأعود من المدرسة فأجد والدي ّ و إخوتي في انتظاري ؛ سأبتسم في وجوههم على غير العادة و سأطبع على وجنة والدي قُبلات لم يعهدها من قبل إلا في الأعياد و المناسبا ت السعيدة – و ما أقلّها ! – ثم سأتنحنح و العرق يكدّني ثم أقول متلعثما : بابا .. بصراحة أريد أن أتزوّج ؛ صرت رجلا يا بابا و الزواج سنّة الحياة ، فما رأيك في أن تخطب لي ( رورو )؟
لست أدري ما سيحلّ به ؟ او بالأحرى ما سيحلّ بي أنا .
إخوتي سينقلبون على ظهورهم من الضحك .أُمّي ستلطم وجهها و صدرها .أما أبي فرغم أنه إنسان عاقل متّزن فأعتقد أنه سيطلّق العقل و الاتّزان في تلك اللحظة و سيفغر فاهُ و عينيه قائلا : ماذا؟
ٍو الله يستر مما بعد هذه الماذا اللعينة .
لم لا أحاول ؟ ماذا سأخسر ؟ سيعنّفني و يغسّلني ببهدلة من قاع الدّست ؟ لن أهتمّ .
سيلطمني على وجهي؟ سأطأطئ رأسي احتراما له ثم أرفع رأسي قائلا : اضربني مرة ثانية و ثالثة و عاشرة ، أريد أن أخطب رورو .
ما هذه الأفكار السوداوية ؛ أبي رجل متديّن لا يلطم الوجوه و يقبل النقاش الهادئ و يحترم الرأي الآخر و يحفظ حديث الرسول (ص) : يا معشر الشباب ،من استطاع منكم الباءة فليتزوّج ...
و لا أريد أن أكمل الحديث الشريف ، يكفيني هذا المقطع الرائع .
حبيبي يا رسول الله ! قلت : فليتزوّج . واللام هنا كما استوعبت من أستاذ اللغة العربية هي لام الأمر .
هكذا سأقول لوالدي و أنا أناقشه بهدوء و اتّزان .
سيقول لي : وماذا استطعت من الباءة يا ( فهلوي) زمانك ؛ و هل تملك شروى نقير ؟
سأتابع النقاش حتى أقنع والدي على الأقل بطلب يد(رورو) وحجزها حتى لا يلطشها من يدي أحد .
هذا من جهة عائلتي الكريمة ؛ فماذا عن (رورو) و أهلها ؟ كيف ستقنع والدها و عائلتها المحافظة ؟ وهل ستجرؤ على التفوّه بكلمة واحدة في موضوع كهذا؟ و لنفرض جدلا أنها تشجّعت و نجحت في طرح الموضوع فإن أتفه حُجّة سيدمغها بها أهلها هي : حتى يُنهي سعيد عِلمه و يجد وظيفة لائقة و يؤسّس بيتا شرعيا يضمّكما بين جناحيه تكونين قد تزوجتِ منذ زمن بعيد و صار عندك ثُـلّة من الأبناء و البنات .لا تقربي هذا الموضوع يا رشا .
لذا فأنا أيضا لن أفتح الموضوع الآن و سأؤجله حتى أحصل على الشهادة الثانوية و أدخل الجامعة ؛ كما سأدخل في النوم اللحظة و قد أعلنت دقّات الساعة الرابعة فجرا . لن أكترث ، تكفيني ساعتا نوم
سأكمل الباقي على مقعد الدراسة .
حقّا النوم لذيذ ،خاصة إذا ختمَـتْ رورو بذكراها الجميلة مرحلة القلق الليلي .
لكنّه لن يكون لذيذا و قد بدأ الديك يصيح معلنا حضور المُنبّه الأوّل .
ولن يكون لذيذا و أنا أسمع سعال والدي و هويتأهّب للصلاة معلنا حضور المُنبّه الثاني .
ولن يكون لذيذا و قد شرعت جارتنا أم حسن في عزف سيمفونيتها الصباحية : حَسَن و المدرسة .
و لن يكون لذيذا و المنبّه المشؤوم يتأهّب لاختراق طبلة أُذني .
ولن يكون لذيذا و الخادمة المخلصة في عملها (سنكارا ) – قاتلها الله – تتسلّل كالأفعى إلى غرفتي .
سامحك الله يا أبي ! أهو فرض واجب أن تجلب لنا الخادمة من سيريلانكا أو أثيوبيا؟
لِمَ لا تجلبها من السويد مثلا ؟ و ليكن اسمها( ساندريلا ) .
بلاش السويد يا سيدي ؛ من إيطاليا أو اليونان أو حتى البرازيل من اللواتي يرقصن في كرنفال الرّيو.
حينذاك ستتهادى الخادمة الحسناء إلى غرفتي برقـّّة و عذوبة و رشاقة مدغدغة شعر رأسي قائلة :
بليز مستر سئيد إسها .
سيكون الفرق شاسعا بين ( إسها) السيرلانكية و ( إسها) السويدية ؛ سأصحو مبتسما على الفور وأقول : يا عيون مستر سعيد . يسعد صباحك و صباح والدي العظيم ذي القرارات الصائبة و الاختيار الحسن .
في مثل هذه الحالة لن أكون في حاجة إلى المنبّه – ستحتفظ به أمي لشهر رمضان المبارك – و لن أُلقي بالا للمنبهات السبعة الأخرى و لن أجد ضرورة لارتكاب جريمة ذبح الدّيك ولا لمجابهة جارتنا
أمّ حسن و سأكتفي من المنبهات بصوت ساندريلا ؛ هذا إذا نِمتُ أصلا ؛و هذا إذا نام والدي أصلا ؛و هذا إذا زار النوم جفون أمّي و هي تقاوم الشكوك حول احتمال نشوء علاقةٍ ما بيني و بين الخادمة الشقراء الممشوقة أو بالأحرى بينها وبين أبي . أو حتى بين ساندريلا و أبناء الحيّ المعذّب الذي بدأت الحياة تدبّ فيه الآن .
وكيف لا يصحو الحيّ؟ و القاصي و الداني يسمع تهديد أمّ حسن ووعيدها .
سأنهض إذا و أكتم أنفاس المنبّه قبل أن يرنّ .
و سأفقأ عين ( سنكارا) إن سمعتُ وقع أقدامها باتّجاه غرفتي . و سأمضي إلى من بقي نائمامن أفراد عائلتي كي أزعجه . و سأمضي مُكرها إلى سجني اليومي ّ ..
السجن الذي يُدلّعه الناس بالمدرسة .
و إلى اللقاء في الحلقة الثانية من مأساة طالب سعيد أبو نعسة
لملم الصيف مباهجه و أعلن الهجرة نحو الجنوب مخلّفا فيّ التعاسة , مُلبسا الحياة ثوب الخريف الأصفر المُنذر بالموت الزؤام الذي يتلازم مع فتح المدارس أشداقها لاحتواء الطلاب في عام دراسي جديد .
ومثل كل الطلاب في العالم أنهمِك في التحضير لهذا العام الدراسي : شنطة و ومقلمة و دفاتر و كتبا . وينهمك والداي في التفكير بتوفير القسط المدرسي و بدل النقل و آلة مزعجة لعينة اسمها مُنبّه .كل التحضيرات سارت على قدم وساق ؛ و غدا صباحا سأذهب إلى المدرسة من جديد للدخول في صفّ جديد ورؤية معلمين مختلفين سيعملون جاهدين على إتخام عقلي بمعلومات جديدة .
إذا لا بدّ أن أنام باكرا كما نصحتني و تنصحني أمّي منذ التاسعة مساء , و لا بدّ أن أسمع نصيحتها التي قرعت سمعي عشرين مرّة .
و لا بدّ أن أقوم من أمام صديقي الوفيّ المعطاء الكمبيوتر الحبيب و أن أودّع أصدقائي الكثر الذين أحادثهم الآن و أتسلّى معهم عبر الأثير , و لا بدّ أن يقوموا هم أيضا إلى النوم ,فالمدرسة ليست واجبا كفائيا عليّ وحدي القيام به بل هي فرض عين عليهم أيضا .
عشرين مرّة ودّعنا بعضنا و ما زلنا نتضاحك لأن أحدا منا لم يقفل جهازه . مَن تراه يمتلك الشجاعة لأخذ المبادرة و الانسلاخ عن جهازه الحبيب ؟
سأكون الأعقل بينهم و سأبدأ أنا , و سأذهب إلى عدوّي اللدول المسمّى سريرا .
لماذا لا يظلّ الانسان صاحيا على الدوام ؟ فمنذ أن وُجدت على ظهر هذه المعمورة وأنا أشطب نصف عمري في موت فعليّ يدلّعه الناس بالنوم .
و يتفذلك الأطبّاء و علماء النفس بنظريات تفرض على أبناء جيلي سبع ساعات من النوم كحدٍّ أدنى ضاربين بعرض الحائط أفكار حبيب السهارى ( عمر الخيّام )و بيته الشعري المشهور:
فما أطال النوم عمرا و لا قصّر في الأعمار طول السهر
و أعلم أنني رغم أنفي سأصحو باكرا مهما سهرت و مهما قلقت فإن عقارب الساعة لن تتوقف و ستطحن الليل بِرَحاها معلنة انبلاج الفجر الجديد و ستبُّثّ سُمّها الزّعاف في عروق الزمن إن توقّف عن العدّ .كما أن عقربها الصغير المشاغب المسؤول عن تحديد وقت الصحو متحفّز للانقضاض على سمعي برَنينه النشاز .
أمّي لن تخطئ أبدا ,لقد تأكّدت من صلاحية المُنبّه و ربَطته عند الساعة السادسة صباحا ؛صارت مُثقّفة هي الأخرى تعرف الفرق بين amو pmليتها تُخطئ و تختار نوعية التوقيت الثانية pmلكنها و إن أخطأت فإن والدي يحمل في دماغه منبّها بيولوجيا فهو( يُقنبز ) كل يوم كشرطي حارس للزمن منذ شقشقات الفجر الأولى ، يصلي الفجر حاضرا جماعة مع أمّي و يحاول إطراب الكائنات بصوته الجهوريّ. هذا إذا منبّه ثانٍ .
وديك الجيران ؛ و ما أدراكم ما ديك الجيران ؟! إنه يؤذن ليل نهار و كأنه أعمى و لا يكفّ عن الصياح . سيأتي اليوم الذي ألقّنه فيه درسا لن ينساه و يسعدني بالانتقام منه و جزّ عنقه ؛ و التخلّص من المنبّه الثالث .
و جارتنا أمّ حسن منبّه رابع،لا يحلو لها الزعيق و الصراخ على ابنها حسن إلا عند السادسة صباحا .
طوال عمري و أنا أقول إنّ ابنها حسن اسم على غير مسمّى فهو ليس حسنا في شيء ؛عاقّ لوالديه و حمار في المدرسة و رغم ذلك فإن أمّه مُصرّة على أن تجعل منه اسما لامعا في دنيا الطبّ، و الويل ثمّ الويل لمن سيتعالج على يديه إن أصبح طبيبا - و إن هذه تفيد الشكّ طبعا - .
كل صباح على هذه الشاكلة يدبّ النزاع عند جيراننا من أجل إقناع حسن بالصحو و الذهاب إلى المدرسة .
و خادمتنا السيرلانكية ( سنكارا ) مُنبّه خامس ؛ تخفّ إلى سريري إن تخلّفت أُمّي عن هذا الواجب العظيم و تروح تهزّني مِن رأسي : إسها مستر ، إسها ؛ صار الساعة سيكس.و تكون فعلتها هذه حافزا لي على (فشّ خُلقي ) بأُمّي فأثور غاضبا : ألف مرّة قلت لك لا أريد أن أتصبّح بسنكارا .
و الطائرة المدنية مُنبّه سادس ؛ تمرّ من فوق منزلنا تماما عند السادسة صباحا و كأنّ المشرف على تنظيم الرحلات يتعمّد الانتقام من الناس فيوقظهم باكرا لأنّه محروم من النوم .
و سائق الحافلة المدرسية منبّه سابع و بائع الجرائد منبّه ثامن و ....
إذا و إزاء هذه المنبهات كلّها لا بدّ أن أصحو : تعبان , نعسان ،لم أشبع من النوم ، ممغوص ،رأسي يؤلمني ، أشعر بدوخة ، كل هذه الحجج لن تنفع مع أمّي و قد أعدّت لكل واحدة منها دواء شافيا .
إذا لا بدّ من الذهاب إلى المدرسة و الاجتماع بزملاء الدراسة من جديد ؛ كلّهم زملاء( قرف يقرفهم ) لماذا لا يوجد بينهم زميلات ؟ أكان ضروريا هذا الفصل العنصري بين الذكر و الأنثى؟ ما المشكلة في وجود العنصر النسائي في صفّنا ؟ هل ستنهدّ المدرسة ؟
أمفروض عليّ أن أُحشر كل يوم مع ثلاثين ذَكرا عُتلاً زنيما ،وجوههم تقطع الرزق .
لم لا أُكحّل ناظري في المدرسة برؤية حبيبة قلبي ( رشا ) التي تعرّفت إليها عن طريق الانترنت حفظه الله . و هل كنت سأنجح إن أسعدني الحظ بمزاملتها على مقعد الدراسة ؟
و ما أدراني فلربما أنجح بتفوّق إذا حُلّت عقدتي و صار اللقاء بها في المدرسة أمرا روتينيا يُفرّغ من راسي الشحنات العاطفية و يزرع مكانها النشاط و الحيوية و عشق مقاعد الدراسة من أجل الظّهور أمام( رورو) بمظهر الانسان الحركي الذكي الطموح .
هذه أحلام ، فحبيبتي ( رورو) ستُحشر هي أيضا مع بنات صفّها و سيظلّ عقلها مشغولا بي و لن تستوعب مثلي لا العلوم ولا الرياضيات و لا اللغات و ستلعن هي أيضا سجنا يُدلّعه الناس بالمدرسة .
آه ! يا حبيبتي (رورو ) ماذا تفعلين الآن ؟
أتغطّين في نوم عميق أم يفترسك القلق مثلي ؛ تشبكين أناملك تحت رأسك و تحملقين إلى السقف مُفكّرة فيما أفكّر فيه .
أُمّي تستهزئ بي بعد أن عرفت بقصة حبّي؛تقول :" أأنت طالب ؟ أنت طالب زواج و لست طالب علم .
عِشنا و شُفنا .. طلاب آخر زمن ."
لماذا لا أُفاتح والدي بأمر الزواج.وهل سيفتح رأسي قبل أن يُصاب بسكتة دماغية أم بعد أن يصرخ في وجهي مُلقيا على أُمّي تبعات التربية الخاطئة لولد مصروع يريد أن يتزوّج وهوفي صف البكالوريا ؟
لا.. لا . الزواج فِعلا تسرّع خاطئ . فلأخطبها مثلا و أكتب كتابي عليها – ملعون أبو الكتاب ، يلاحقني حتى و أنا أفكّر في الارتباط ( برورو)-
ماذا في الأمر ؟ ببساطة شديدة ؛سأعود من المدرسة فأجد والدي ّ و إخوتي في انتظاري ؛ سأبتسم في وجوههم على غير العادة و سأطبع على وجنة والدي قُبلات لم يعهدها من قبل إلا في الأعياد و المناسبا ت السعيدة – و ما أقلّها ! – ثم سأتنحنح و العرق يكدّني ثم أقول متلعثما : بابا .. بصراحة أريد أن أتزوّج ؛ صرت رجلا يا بابا و الزواج سنّة الحياة ، فما رأيك في أن تخطب لي ( رورو )؟
لست أدري ما سيحلّ به ؟ او بالأحرى ما سيحلّ بي أنا .
إخوتي سينقلبون على ظهورهم من الضحك .أُمّي ستلطم وجهها و صدرها .أما أبي فرغم أنه إنسان عاقل متّزن فأعتقد أنه سيطلّق العقل و الاتّزان في تلك اللحظة و سيفغر فاهُ و عينيه قائلا : ماذا؟
ٍو الله يستر مما بعد هذه الماذا اللعينة .
لم لا أحاول ؟ ماذا سأخسر ؟ سيعنّفني و يغسّلني ببهدلة من قاع الدّست ؟ لن أهتمّ .
سيلطمني على وجهي؟ سأطأطئ رأسي احتراما له ثم أرفع رأسي قائلا : اضربني مرة ثانية و ثالثة و عاشرة ، أريد أن أخطب رورو .
ما هذه الأفكار السوداوية ؛ أبي رجل متديّن لا يلطم الوجوه و يقبل النقاش الهادئ و يحترم الرأي الآخر و يحفظ حديث الرسول (ص) : يا معشر الشباب ،من استطاع منكم الباءة فليتزوّج ...
و لا أريد أن أكمل الحديث الشريف ، يكفيني هذا المقطع الرائع .
حبيبي يا رسول الله ! قلت : فليتزوّج . واللام هنا كما استوعبت من أستاذ اللغة العربية هي لام الأمر .
هكذا سأقول لوالدي و أنا أناقشه بهدوء و اتّزان .
سيقول لي : وماذا استطعت من الباءة يا ( فهلوي) زمانك ؛ و هل تملك شروى نقير ؟
سأتابع النقاش حتى أقنع والدي على الأقل بطلب يد(رورو) وحجزها حتى لا يلطشها من يدي أحد .
هذا من جهة عائلتي الكريمة ؛ فماذا عن (رورو) و أهلها ؟ كيف ستقنع والدها و عائلتها المحافظة ؟ وهل ستجرؤ على التفوّه بكلمة واحدة في موضوع كهذا؟ و لنفرض جدلا أنها تشجّعت و نجحت في طرح الموضوع فإن أتفه حُجّة سيدمغها بها أهلها هي : حتى يُنهي سعيد عِلمه و يجد وظيفة لائقة و يؤسّس بيتا شرعيا يضمّكما بين جناحيه تكونين قد تزوجتِ منذ زمن بعيد و صار عندك ثُـلّة من الأبناء و البنات .لا تقربي هذا الموضوع يا رشا .
لذا فأنا أيضا لن أفتح الموضوع الآن و سأؤجله حتى أحصل على الشهادة الثانوية و أدخل الجامعة ؛ كما سأدخل في النوم اللحظة و قد أعلنت دقّات الساعة الرابعة فجرا . لن أكترث ، تكفيني ساعتا نوم
سأكمل الباقي على مقعد الدراسة .
حقّا النوم لذيذ ،خاصة إذا ختمَـتْ رورو بذكراها الجميلة مرحلة القلق الليلي .
لكنّه لن يكون لذيذا و قد بدأ الديك يصيح معلنا حضور المُنبّه الأوّل .
ولن يكون لذيذا و أنا أسمع سعال والدي و هويتأهّب للصلاة معلنا حضور المُنبّه الثاني .
ولن يكون لذيذا و قد شرعت جارتنا أم حسن في عزف سيمفونيتها الصباحية : حَسَن و المدرسة .
و لن يكون لذيذا و المنبّه المشؤوم يتأهّب لاختراق طبلة أُذني .
ولن يكون لذيذا و الخادمة المخلصة في عملها (سنكارا ) – قاتلها الله – تتسلّل كالأفعى إلى غرفتي .
سامحك الله يا أبي ! أهو فرض واجب أن تجلب لنا الخادمة من سيريلانكا أو أثيوبيا؟
لِمَ لا تجلبها من السويد مثلا ؟ و ليكن اسمها( ساندريلا ) .
بلاش السويد يا سيدي ؛ من إيطاليا أو اليونان أو حتى البرازيل من اللواتي يرقصن في كرنفال الرّيو.
حينذاك ستتهادى الخادمة الحسناء إلى غرفتي برقـّّة و عذوبة و رشاقة مدغدغة شعر رأسي قائلة :
بليز مستر سئيد إسها .
سيكون الفرق شاسعا بين ( إسها) السيرلانكية و ( إسها) السويدية ؛ سأصحو مبتسما على الفور وأقول : يا عيون مستر سعيد . يسعد صباحك و صباح والدي العظيم ذي القرارات الصائبة و الاختيار الحسن .
في مثل هذه الحالة لن أكون في حاجة إلى المنبّه – ستحتفظ به أمي لشهر رمضان المبارك – و لن أُلقي بالا للمنبهات السبعة الأخرى و لن أجد ضرورة لارتكاب جريمة ذبح الدّيك ولا لمجابهة جارتنا
أمّ حسن و سأكتفي من المنبهات بصوت ساندريلا ؛ هذا إذا نِمتُ أصلا ؛و هذا إذا نام والدي أصلا ؛و هذا إذا زار النوم جفون أمّي و هي تقاوم الشكوك حول احتمال نشوء علاقةٍ ما بيني و بين الخادمة الشقراء الممشوقة أو بالأحرى بينها وبين أبي . أو حتى بين ساندريلا و أبناء الحيّ المعذّب الذي بدأت الحياة تدبّ فيه الآن .
وكيف لا يصحو الحيّ؟ و القاصي و الداني يسمع تهديد أمّ حسن ووعيدها .
سأنهض إذا و أكتم أنفاس المنبّه قبل أن يرنّ .
و سأفقأ عين ( سنكارا) إن سمعتُ وقع أقدامها باتّجاه غرفتي . و سأمضي إلى من بقي نائمامن أفراد عائلتي كي أزعجه . و سأمضي مُكرها إلى سجني اليومي ّ ..
السجن الذي يُدلّعه الناس بالمدرسة .
و إلى اللقاء في الحلقة الثانية من مأساة طالب سعيد أبو نعسة