شايف
24-09-2005, 11:29 AM
حقيقة ما كان بيني وبين الشيخ ابن باز
د. يوسف القرضاوي
الحديث عن العلامة ابن باز ذو شجون ، ومجال القول ذو سعة ، ولا نستطيع أن نوفي الشيخ ما يستحقه في هذه العجالة ، إنما هي كلمات سريعة ، كتبتها على عجل أودّع بها الشيخ الجليل وفاء لبعض حقه ، ومعرفة بقدره وتقديرا لمكانته وفضله.
إن موت العلماء الأفذاذ مصيبة كبيرة ، فإن الأمة تفقد بفقدهم الدليل الذي يهدي ، والنور الذي يضيء الطريق ، يقول علي كرم الله وجهه: http://www.binbaz.org.sa/Media/h2.gif إذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها إلا خلف منه ("]http://www.binbaz.org.sa/Media/h1.gif
وقال ابن عمر رضي الله عنهما: http://www.binbaz.org.sa/Media/h2.gif [u]إن الله لا يقبض العلم ينتزعه انتزاعا من صدور الناس ولكنه يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رءوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ("]ما قبض الله عالما إلا كان ثغرة في الإسلام لا تسد http://www.binbaz.org.sa/Media/h1.gif يؤكد هذا حديث عبد الله بن عمرو المتفق عليه http://www.binbaz.org.sa/Media/h2.gif [u]http://www.binbaz.org.sa/Media/h1.gif
موضوع كتاب الحلال والحرام
أرسل إليّ الشيخ -رحمه الله- منذ أكثر من ربع قرن كتابا يخبرني فيه أن وزارة الإعلام عرضت عليه كتابي "الحلال والحرام في الإسلام" هل يفسح له لدخول السعودية أو لا يفسح ، وأنه يود ألا يحرم القراء في السعودية من كتبي التي "لها ثقلها في العالم الإسلامي" على حد تعبير الشيخ ، وأن المشايخ لهم ملاحظات على الكتاب تتحدد في ثماني نقاط ذكرها ، وأنه يرجوني أن أعيد النظر فيها ، فإن اجتهاد الإنسان قد يتغير من وقت لآخر.
ورددت يومها على الشيخ برسالة رقيقة قلت له فيها: إن أحب علماء الأمة عليّ ألا أخالفه في رأي هو الشيخ ابن باز ، ولكن قضت سنة الله ألا يتفق العلماء على رأي واحد في كل المسائل ، وقد اختلف الصحابة بعضهم مع بعض ، واختلف الأئمة بعضهم مع بعض ، فما ضرهم ذلك شيئا ، اختلفت آراؤهم ولم تختلف قلوبهم وبعض هذه المسائل الثماني اختلف الناس فيها من قديم ، مثل قضية وجه المرأة أهو عورة أم ليس بعورة؟ وقضية الغناء بآلة وبغير آلة ، ما حكمه؟ وسيظل الناس يختلفون فيها إلى ما شاء الله ، ويرد بعضهم على بعض ، ولا حرج في ذلك ولا إنكار في مسائل الخلاف ، وهذا من سعة هذا الدين وصلاحيته لكل زمان ومكان.
وهناك قضايا فهمت عني خطأ ، فقد قيل: إني أبحت التدخين ، أو ترددت في الحكم عليه ، مع أني معروف بالتشدد في هذا الأمر ، ومن قرأ كتابي أو غيره تبين له ذلك بجلاء ، ومثل ذلك قضية جواز المودة مع الكافر ، وأنا لم أجز المودة مع كافر لو كان محادا محاربا لله ولرسوله وللمؤمنين ، إنما المودة مع المسالم الذي له حق على المسلمين ، ولهذا أجاز الشرع للمسلم أن يتزوج كتابية مع ما افترض أن يكون بين المرء وزوجه من مودة ورحمة.
استجابة تاريخية
وقلت في نهاية رسالتي للشيخ: أرجو ألا يكون خلافي في بعض المسائل سببا في منع كتابي من دخول السعودية ، وقد استجاب الشيخ -رحمه الله- فيما ظهر لي- إلى رغبتي ، وسمح لكتابي وغيره بدخول سوق السعودية.
واتصل حبل الود بيني وبين العلامة ابن باز في مناسبات كثيرة ، في مؤتمرات رابطة العالم الإسلامي ، وفي المجلس الأعلى للجامعة الإسلامية في المدينة المنورة ، وكنت عضوا فيه ، وكان الشيخ نائبا لرئيسه ، إذ كان رئيسه هو ولي عهد السعودية الأمير فهد بن عبد العزيز -حفظه الله- في ذلك الوقت ، وفي مجلس المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي التي أتشرف بعضويته ويرأسه الشيخ ، وفي المؤتمرات العلمية والدعوية العالمية التي أقيمت في السعودية ، مثل المؤتمر العالمي للاقتصاد الإسلامي في مكة المكرمة ، والمؤتمر العالمي للدعوة والدعاة في المدينة المنورة ، ومؤتمر مكافحة المسكرات والمخدرات والتدخين في المدينة المنورة أيضا.
نهج الاعتذار
أبى الشيخ على نفسه ألا يغادر السعودية ، وكم دُعي من أقطار وجهات شتى ، ولكنه اعتذر ، وعندما أقيم المؤتمر العالمي للسنة والسيرة في دولة قطر في افتتاح القرن الخامس عشر الهجري ، وجهنا إليه الدعوة وألححنا عليه ، ولكنه قال: إنه كان يود الاستجابة للدعوة ، ولكن هذا يفتح عليه أبوابا لا يستطيع سدها ، وأصر على موقفه ونهجه في الاعتذار.
لم أر مثل الشيخ ابن باز في وده وحفاوته بإخوانه من أهل العلم ، ولا في بره وإكرامه لأبنائه من طلبة العلم ، ولا في لطفه ورفقه بطالبي الحاجات من أبناء وطنه ، أو أبناء المسلمين عموما ، فقد كان من أحسن الناس أخلاقا ، الموطئين أكنافا الذين يألفون ويؤلفون.
ولقد رأيته في المجمع الفقهي يستمع وينصت إلى الآراء كلها ، ما يوافقه منها وما يخالفه ، ويتلقاها جميعا باهتمام ، ويعلق عليها بأدب جم ، ويعارض ما يعارض منها برفق وسماحة دون استعلاء ولا تطاول على أحد ، شاديا في العلم أو متناهيا ، متأدبا بأدب النبوة ، متخلقا بأخلاق القرآن.
لا أعرف أحدا يكرهه
لا أعرف أحدا يكره الشيخ ابن باز من أبناء الإسلام إلا أن يكون مدخولا في دينه أو مطعونا في عقيدته ، أو ملبوسا عليه ، فقد كان الرجل من الصادقين الذين يعلمون فيعملون ، ويعملون فيخلصون ، ويخلصون فيصدقون ، أحسبه كذلك والله حسيبه ، ولا أزكيه على الله تعالى.
المصدر : http://www.binbaz.org.sa/Display.asp?f=bzy0015
د. يوسف القرضاوي
الحديث عن العلامة ابن باز ذو شجون ، ومجال القول ذو سعة ، ولا نستطيع أن نوفي الشيخ ما يستحقه في هذه العجالة ، إنما هي كلمات سريعة ، كتبتها على عجل أودّع بها الشيخ الجليل وفاء لبعض حقه ، ومعرفة بقدره وتقديرا لمكانته وفضله.
إن موت العلماء الأفذاذ مصيبة كبيرة ، فإن الأمة تفقد بفقدهم الدليل الذي يهدي ، والنور الذي يضيء الطريق ، يقول علي كرم الله وجهه: http://www.binbaz.org.sa/Media/h2.gif إذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها إلا خلف منه ("]http://www.binbaz.org.sa/Media/h1.gif
وقال ابن عمر رضي الله عنهما: http://www.binbaz.org.sa/Media/h2.gif [u]إن الله لا يقبض العلم ينتزعه انتزاعا من صدور الناس ولكنه يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رءوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ("]ما قبض الله عالما إلا كان ثغرة في الإسلام لا تسد http://www.binbaz.org.sa/Media/h1.gif يؤكد هذا حديث عبد الله بن عمرو المتفق عليه http://www.binbaz.org.sa/Media/h2.gif [u]http://www.binbaz.org.sa/Media/h1.gif
موضوع كتاب الحلال والحرام
أرسل إليّ الشيخ -رحمه الله- منذ أكثر من ربع قرن كتابا يخبرني فيه أن وزارة الإعلام عرضت عليه كتابي "الحلال والحرام في الإسلام" هل يفسح له لدخول السعودية أو لا يفسح ، وأنه يود ألا يحرم القراء في السعودية من كتبي التي "لها ثقلها في العالم الإسلامي" على حد تعبير الشيخ ، وأن المشايخ لهم ملاحظات على الكتاب تتحدد في ثماني نقاط ذكرها ، وأنه يرجوني أن أعيد النظر فيها ، فإن اجتهاد الإنسان قد يتغير من وقت لآخر.
ورددت يومها على الشيخ برسالة رقيقة قلت له فيها: إن أحب علماء الأمة عليّ ألا أخالفه في رأي هو الشيخ ابن باز ، ولكن قضت سنة الله ألا يتفق العلماء على رأي واحد في كل المسائل ، وقد اختلف الصحابة بعضهم مع بعض ، واختلف الأئمة بعضهم مع بعض ، فما ضرهم ذلك شيئا ، اختلفت آراؤهم ولم تختلف قلوبهم وبعض هذه المسائل الثماني اختلف الناس فيها من قديم ، مثل قضية وجه المرأة أهو عورة أم ليس بعورة؟ وقضية الغناء بآلة وبغير آلة ، ما حكمه؟ وسيظل الناس يختلفون فيها إلى ما شاء الله ، ويرد بعضهم على بعض ، ولا حرج في ذلك ولا إنكار في مسائل الخلاف ، وهذا من سعة هذا الدين وصلاحيته لكل زمان ومكان.
وهناك قضايا فهمت عني خطأ ، فقد قيل: إني أبحت التدخين ، أو ترددت في الحكم عليه ، مع أني معروف بالتشدد في هذا الأمر ، ومن قرأ كتابي أو غيره تبين له ذلك بجلاء ، ومثل ذلك قضية جواز المودة مع الكافر ، وأنا لم أجز المودة مع كافر لو كان محادا محاربا لله ولرسوله وللمؤمنين ، إنما المودة مع المسالم الذي له حق على المسلمين ، ولهذا أجاز الشرع للمسلم أن يتزوج كتابية مع ما افترض أن يكون بين المرء وزوجه من مودة ورحمة.
استجابة تاريخية
وقلت في نهاية رسالتي للشيخ: أرجو ألا يكون خلافي في بعض المسائل سببا في منع كتابي من دخول السعودية ، وقد استجاب الشيخ -رحمه الله- فيما ظهر لي- إلى رغبتي ، وسمح لكتابي وغيره بدخول سوق السعودية.
واتصل حبل الود بيني وبين العلامة ابن باز في مناسبات كثيرة ، في مؤتمرات رابطة العالم الإسلامي ، وفي المجلس الأعلى للجامعة الإسلامية في المدينة المنورة ، وكنت عضوا فيه ، وكان الشيخ نائبا لرئيسه ، إذ كان رئيسه هو ولي عهد السعودية الأمير فهد بن عبد العزيز -حفظه الله- في ذلك الوقت ، وفي مجلس المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي التي أتشرف بعضويته ويرأسه الشيخ ، وفي المؤتمرات العلمية والدعوية العالمية التي أقيمت في السعودية ، مثل المؤتمر العالمي للاقتصاد الإسلامي في مكة المكرمة ، والمؤتمر العالمي للدعوة والدعاة في المدينة المنورة ، ومؤتمر مكافحة المسكرات والمخدرات والتدخين في المدينة المنورة أيضا.
نهج الاعتذار
أبى الشيخ على نفسه ألا يغادر السعودية ، وكم دُعي من أقطار وجهات شتى ، ولكنه اعتذر ، وعندما أقيم المؤتمر العالمي للسنة والسيرة في دولة قطر في افتتاح القرن الخامس عشر الهجري ، وجهنا إليه الدعوة وألححنا عليه ، ولكنه قال: إنه كان يود الاستجابة للدعوة ، ولكن هذا يفتح عليه أبوابا لا يستطيع سدها ، وأصر على موقفه ونهجه في الاعتذار.
لم أر مثل الشيخ ابن باز في وده وحفاوته بإخوانه من أهل العلم ، ولا في بره وإكرامه لأبنائه من طلبة العلم ، ولا في لطفه ورفقه بطالبي الحاجات من أبناء وطنه ، أو أبناء المسلمين عموما ، فقد كان من أحسن الناس أخلاقا ، الموطئين أكنافا الذين يألفون ويؤلفون.
ولقد رأيته في المجمع الفقهي يستمع وينصت إلى الآراء كلها ، ما يوافقه منها وما يخالفه ، ويتلقاها جميعا باهتمام ، ويعلق عليها بأدب جم ، ويعارض ما يعارض منها برفق وسماحة دون استعلاء ولا تطاول على أحد ، شاديا في العلم أو متناهيا ، متأدبا بأدب النبوة ، متخلقا بأخلاق القرآن.
لا أعرف أحدا يكرهه
لا أعرف أحدا يكره الشيخ ابن باز من أبناء الإسلام إلا أن يكون مدخولا في دينه أو مطعونا في عقيدته ، أو ملبوسا عليه ، فقد كان الرجل من الصادقين الذين يعلمون فيعملون ، ويعملون فيخلصون ، ويخلصون فيصدقون ، أحسبه كذلك والله حسيبه ، ولا أزكيه على الله تعالى.
المصدر : http://www.binbaz.org.sa/Display.asp?f=bzy0015