سرّي للغاية
05-10-2005, 12:29 AM
ملفات وحقائق عن الدور الإيراني التخريبي في العراق
ملف إعلامي حول التدخل الإيراني في العراق: حقيقة أم وهم؟
من إعداد د. أيمن الهاشمي
العراق اليوم عراق دموي مخضب تختلط فيه الأشلاء والدماء: تفجيرات يذهب ضحيتها العشرات ولا تترك مدينة سواء في الشمال أو الجنوب فضلاً عن وسط العراق إلا وقد نالها نصيب من هذه الأعمال الدموية التي لا ترحم، اغتيالات تخلف قتلى من جميع الطوائف والأعراق: أساتذة وأكاديميين، علماء دين، رجال شرطة، قضاة، مسؤولين في الحكم، متعاونين مع المحتل، وآخرين رافضين للاحتلال، أبرياء ليس لهم أثر في شيء؛ بالإضافة إلى جنود الاحتلال والمقاومين. والأطراف المتحاربة والمتصارعة لا يبدو أنها تملك أفقاً سياسياً للحل، وتصر على الوصول إلى أقصى درجات القوة للحسم. وفي هذا الخضم المائج تطل علينا الرأس الإيرانية تريد أن تضع قدماً لها في هذه الأرض المستباحة تساعدها في ذلك عوامل كثيرة على الساحة الإقليمية والدولية والمحلية.
وللبحث في الدور الإيراني الذي تلعبه في العراق لا بد من تتبع حقيقة الأهداف الإيرانية في العراق واستراتيجيتها لتحقيق تلك الأهداف، وأخيراً رصد المتغيرات المؤثرة على تلك الاستراتيجية.
الأهداف الإيرانية في العراق:
يمثل العراق للسياسة الإيرانية عدة معطيات هامة:
1 - بوابة مهمة لتحقيق الحلم الفارسي بإقامة إمبراطورية شيعية في العالم الإسلامي؛ هذا الهدف الذي يمثل حلم إيران الصفوية منذ حدوث ما يعرف بثورة الآيات. وفي وثيقة كشف النقاب عنها حديثا كانت سارية المفعول في عهد خاتمي نفسه أوضحت الغاية العظمى لهذه الدولة الصفوية؛ فقد أرسل مجلس شورى الثورة الثقافية الإيرانية رسالة إلى المحافظين في الولايات الإيرانية، وكتب عليها: (سري للغاية)، كان مما جاء فيها:
«الآن بفضل الله، وتضحية أمة الإمام الباسلة قامت دولة الإثني عشرية في إيران بعد عقود عديدة، ولذلك فنحن ـ وبناء على إرشادات الزعماء الشيعة المبجلين ـ نحمل واجباً خطيراً وثقيلاً وهو تصدير الثورة؛ وعلينا أن نعترف أن حكومتنا فضلاً عن مهمتها في حفظ استقلال البلاد وحقوق الشعب فهي حكومة مذهبية، ويجب أن نجعل تصدير الثورة على رأس الأولويات. لكن نظراً للوضع العالمي الحالي والقوانين الدولية ـ كما اصطُلح على تسميتها ـ لا يمكن تصدير الثورة، بل ربما اقترن ذلك بأخطار جسيمة مدمرة. ولهذا فإننا من خلال ثلاث جلسات وبآراء شبه إجماعية من المشاركين وأعضاء اللجان وضعنا خطة خمسينية تشمل خمس مراحل، ومدة كل مرحلة عشر سنوات لنقوم بتصدير الثورة الإسلامية إلى جميع الدول، ونوحد الإسلام أولاً؛ لأن الخطر الذي يواجهنا من الحكام الوهابيين وذوي الأصول السنية أكبر بكثير من الخطر الذي يواجهنا من الشرق والغرب؛ لأن هؤلاء (أهل السنة والوهابيين) يناهضون حركتنا، وهم الأعداء الأصليون لولاية الفقيه والأئمة المعصومين، حتى إنهم يعدُّون اعتماد المذهب الشيعي مذهباً رسمياً ودستوراً للبلاد أمراً مخالفاً للشرع والعرف. وإن سيطرتنا على هذه الدول تعني السيطرة على نصف العالم، ولإجراء هذه الخطة الخمسينية يجب علينا بادئ ذي بدء أن نحسن علاقاتنا مع دول الجوار، ويجب أن يكون هناك احترام متبادل وعلاقة وثيقة وصداقة بيننا وبينهم حتى إننا سوف نحسِّن علاقتنا مع العراق بعد الحرب؛ وذلك أن إسقاط ألف صديق أهون من إسقاط عدو واحد. إن الهدف هو فقط تصدير الثورة؛ وعندئذ نستطيع رفع لواء هذا الدين الإلهي وأن نُظهر قيامنا في جميع الدول، وسنتقدم إلى عالم الكفر بقوة أكبر، ونزين العالم بنور الإسلام والتشيع حتى ظهور الإمام المهدي الغائب عجّل الله فرجه».
2 ـ مخزن نفطي هام يضاف للثروة النفطية الإيرانية لتصبح الحصيلة ثروة هائلة في أيدي الإيرانيين؛ حيث يبلغ احتياطي نفط العراق ما يقارب 112.5 مليار برميل مكتشف حتى الآن، ويتوقع أن يوجد خزين آخر يقدر بـ250 مليار برميل غير مكتشف. إن البئر العراقية كانت وما تزال تعطي من النفط الخام يومياً أكثر من 13 ألف برميل في غالب الحالات، أي ما يعادل ما تعطيه 900 بئر أمريكية، وأضعاف ما تعطيه الآبار السعودية والكويتية والإيرانية بنسب تتراوح بين 50 و600%. وتنتج إيران حالياً ما يزيد قليلاً عن 4 ملايين برميل يومياً في حين بدأ إنتاجها يتناقص سنوياً بمعدل 250 ألفاً إلى 300 ألف برميل. وتحتل إيران المركز الثالث في احتياطي النفط (90 بليون برميل)، ويتراوح الإنتاج الإيراني بين (3.5 و4) ملايين برميل يومياً.
3 ـ عمق استراتيجي طبيعي لإيران، وخط دفاع أول ضد اجتياحها أو احتوائها ومحاولة تغيير نظامها. وعلى مدى التاريخ كان العراق الباب الرئيسي للحملات العسكرية التي اجتاحت إيران (بلاد فارس)، وزاد من خطورة هذه الجبهة حديثاً أن الثروة النفطية الإيرانية بمجملها تتركز على الحدود العراقية الغربية والجنوبية. وجاءت الحرب العراقية ضد إيران غداة انتصار ما أطلق عليه ثورة الخميني لتؤكد الأهمية الاستراتيجية لهذا الهدف.
4 ـ ورقة سياسية في سوق المساومات على الساحة الدولية: فإيران لها مشروعها النووي الطموح، ولها مشروعها الإمبراطوري، ولن تتخلى عنهما بسهولة؛ ولذلك تسعى إيران بكل قوة لامتلاك أوراق على الساحة الدولية تقايض بها استمرارها في هذين المشروعين. ومنذ الاحتلال الأمريكي للعراق في أبريل 2003م لعبت إيران دوراً انتهازياً في المسألة العراقية، وسعت بانتظام إلى اعتبار دعمها للمحتلين الأمريكيين من خلال وكلائها العراقيين، ودورها هناك ورقة للمساومة مع الأمريكيين وخاصة السعي لامتلاك السلاح النووي؛ فالمسألة النووية الإيرانية لم تعد تحتمل كثيراً من التأجيل. أو كما قالت واشنطن تايمز الناطقة باسم المحافظين الأمريكيين المتطرفين: (الوضع لم يعد يطاق).
الاستراتيجية الإيرانية في العراق:
لتحقيق هذه الأهداف تحركت القيادات الإيرانية على محورين:
المحور الأول: احتواء شيعة العراق.
المحور الثاني: التعامل مع الشيطان الأكبر.
احتواء شيعة العراق:
انطلق النشاط الإيراني على الساحة الشيعية في العراق في عدة مسارات:
1 ـ احتواء القيادات والتيارات الشيعية المتنافسة: ويسيطر اليوم على الشارع الشيعي في العراق عدة مرجعيات وتيارات أهمها: مرجعية علي السيستاني، وتيار الصدر الذي يقوده مقتدى الصدر، وجماعة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بزعامة عبدالعزيزالحكيم، وبدرجة أقل حزب الدعوة بفروعه المختلفة، وهناك تيار آخر مدعوم من إيران يعمل بصمت داخل مدن الجنوب وبعيداً عن الضجة الإعلامية كما يمارسها الآخرون وهو تيار المرجع (المدرِّسي) الذي يقود ما يعرف بـ (منظمة العمل الإسلامي) وهذه المنظمة أكثر قوة وتنظيماً، وتمتلك الشرعية الدينية الشيعية التي تؤهلها أن تكون مرجعية دينية قوية مدعومة بمليارات إيران. ولا شك أن السياسة الإيرانية في العموم تقوم على احتواء التيارات الشيعية كلها، والتعامل مع كل فصيل وشخصية قيادية تبرز على الساحة لحصد أي نجاح يحققه أي طرف شيعي. ويبقى التعامل مع هذا الفصيل أو ذاك مرتبطاً إلى حد بعيد بالتداخلات المختلفة داخل الساحة الإيرانية والخلافات بين المحافظين والإصلاحيين، وبقدرة هذا الفصيل على تحقيق الهدف الشيعي بهيمنتهم على أوضاع العراق. ولعل موقف إيران من مقتدى الصدر وحركته يوضح لنا جانباً كبيراً من طبيعة الدور الذي تقوم به إيران في احتواء الشيعة العراقيين؛ فهناك تياران داخل القيادة الإيرانية حول الموقف من العراق: الأول: يقوده الزعيم الإيراني علي خامنئي ويدعمه الرئيس السابق هاشمي (رفسنجاني) ويدعم هذا التيار الزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر. ويقود التيار الثاني الرئيس محمد خاتمي والإصلاحيون، وهو يرفض التعامل والتعاون مع مقتدى الصدر إلى حد أن خاتمي رفض استقباله لدى زيارته إلى طهران، كما أن هذا التيار يفضل دعم المرجع علي السيستاني والقيادات والقوى العراقية المؤيدة للتعاون السلمي مع الأمريكيين والبريطانيين على أساس أن ذلك يشكل أفضل ضمانة لحصول الشيعة العراقيين على مطالبهم، وعلى حصة كبيرة في تركيبة الحكم الجديدة.
2 ـ تسلل المخابرات الإيرانية إلى العراق: كانت الأداة الرئيسية لإيران في تنفيذ استراتيجيتها للمخابرات الإيرانية ونتيجة التنسيق الأميركي ـ الإيراني دخلت المخابرات الإيرانية إلى العراق. ونتيجة أبوتها للتنظيمات السياسية المذهبية تسلَّلت إلى مجلس الحكم الانتقالي. وتشير تقارير صحفية إلى أن جهاز مخابرات فيلق القدس الإيراني ومخابرات الحرس الثوري الإيراني يقومان بالدور الأخطر على صعيد أجهزة الاستخبارات داخل العراق، ولعل الكشف عن الدور المزدوج لأحمد الجلبي وعلاقته الطويلة مع المخابرات الإيرانية يوضح إلى أي حد وصل الدور الذي مارسته المخابرات الإيرانية على الساحة العراقية. وتشير معلومات صحفية مؤكدة إلى افتتاح 18 مكتباً للاستخبارات الإيرانية تحت مسميات مختلفة أبرزها الجمعيات الخيرية لمساعدة الفقراء، وتوزيع المال والأدوية والمواد الغذائية، وترتيب الانتقال إلى العتبات المقدسة وضمن ميزانية تتجاوز مئة مليون دولار. وضمن المخطط الإيراني شراء ولاء رجال دين أغلبهم شيعة وأقلية سنية رصد فيه مبلغ 5 ملايين دولار سنوياً للترويج والدفاع عن إيران، وتجميل صورة مواقفها في الشارع العراقي وأحياناً عبر المنابر. وفي المعلومات الاستخباراتية أن إيران استأجرت واشترت 5700 وحدة سكنية من البيوت والشقق والغرف في مختلف أنحاء العراق، وخاصة فى النجف، وكربلاء ليسكن فيها رجال الاستخبارات الإيرانية ورجال فيلق القدس الاستخباراتي. ولعل تصريح مدير المخابرات العراقية الحالي، اللواء محمد الشهواني، من أنه لم يتمكن من فتح فرع للمخابرات الحكومية العراقية في المحافظات الجنوبية لأن المخابرات الإيرانية لاتسمح بذلك! خير دليل على حجم التغلغل المخابراتي الإيراني في العراق.
3 ـ تدفق الأفراد والأموال على العراق: ويشير حجم المساعدات النقدية الإيرانية المدفوعة إلى مقتدى الصدر وحده عدا التيارات الأخرى خلال الأشهر الأخيرة أنها تجاوز سقف 80 مليون دولار، إلى جانب تدريب رجاله، وإرسال معونات إنسانية شملت الغذاء والأدوية والمعدات والأثاث. ومثال على ذلك ما ذكرته صحيفة (جمهوري إسلامي) الإيرانية أن إمام جمعة شيراز الشيخ الحائري الشيرازي أرسل 150 حاجاً على حسابه إلى العتبات المقدسة الشيعية وإلى كربلاء، وسيراً على الأقدام بناء على طلبهم. وهذا الاندفاع البشري الإيراني نحو العراق بحيث وصل عددهم إلى مئات الآلاف، كما قامت بلديات إيرانية عديدة أبرزها بلدية طهران بدور كبير في تولي الخدمات في الأماكن المقدسة كالنظافة والتشجير وزرع شتول الزهور، ورش المياه عبر صهاريج قادمة من إيران وعمالة إيرانية يساعدها عمال عراقيون موظفون تدفع لهم بلدية طهران أجورهم. أحد التجار الإيرانيين تبرع بحمولة 10 أطنان من المياه المعدنية أرسلها إلى كربلاء في أربعين الإمام الحسين منتصف أبريل من العام الماضي، ومؤسسة الأوقاف وهي مؤسسة غير رسمية أخذت على عاتقها تأمين كل المصاحف الإيرانية وكتب الأدعية المطلوبة للعتبات المقدسة الشيعية، وكل مؤسسة أهلية تقدم للعراق في هذه المناسبة عطاء أو مساعدة تعتبر جزءاً من ميزانيتها الخاصة. هذا فضلاً عن حضور الآلاف من الإيرانيين للتطوع لطهي الطعام وتوزيع المياه أو العصائر أو التنظيف في العتبات المقدسة، وأخيراً للخبز الإيراني الساخن وجبة تقدم لزوار العتبات.
ونتيجة للضوء الأخضر (الأميركي ـ البريطاني) اكتظَّت الأسواق وغرف التجارة العراقية بالتجار الإيرانيين، ومنه تسلَّلت إلى أجهزة المافيات (سرقة ونهب) بدون النظر إلى عرقها أو مذهبها؛ إذ تشاركت الأحزاب الكردية مع الأحزاب السياسية الشيعية (فيلق بدر وجماعات البرازاني والطالباني) في نهب كل ما طالته أيديهم وباعوه إلى التجار الإيرانيين، وقد وصف أحد العراقيين الدور الإيراني في العراق قائلاً: خرجت إيران ـ بعد احتلال العراق ـ بأكبر حصة من وليمة ذبح الدولة العراقية بما فيها مخلفات الجيش العراقي التي تبرع الحكيم بنقلها إلى إيران.
4 ـ السيطرة الإعلامية من خلال الصحف التي تمولها وقنوات البث الفضائي والأرضي؛ فقد قامت شركة التلفزيون الرسمية في إيران بافتتاح قناة فضائية على غرار قناة الجزيرة القطرية باسم (العالم) تبث باللغة العربية من محطات تقوية على طول الحدود العراقية لكسب تأييد العراقيين، وكان لها دور هام خلال الغزو الأميركي للعراق حين توقف البث العراقي وبقيت قناة العالم تبث لسائر المدن العراقية ومنها يستقي العراقيون أخبارهم وتحليلاتهم (لعدم وجود إستلام فضائي آنذاك لدى العراقيين) كما أن إيران دعمت إنشاء محطات تلفزيون فضائية موالية لها (مثل الفرات والفيحاء والأنوار) والعشرات من محطات الإذاعة المحلية، وتتحدث تقارير صحفية عن وجود 300 إعلامي إيراني بشكل دائم في العراق.
التعامل مع الشيطان الأكبر:
يندهش كثيرون من حقيقة أن هناك تعاوناً بين إيران والولايات المتحدة؛ وحقيقة العلاقة بين الطرفين هي من الحقائق المغيبة والتي هي جزء من ألاعيب السياسة ودهاليزها، ولا يمكن فهم العلاقات الإيرانية الأمريكية في الخمسة والعشرين سنة الأخيرة إلا بقراءة كتاب (رهينة خميني) الذي ألفه (روبرت كارمن درايفوس) وهو باحث فرنسي متخصص في الشؤون الاستخبارية شغل في أواخر السبعينيات ومطلع الثمانينيات مدير قسم الشرق الأوسط في مجلة (أنتلجنس ريفيو)، هذا الكتاب الذي تم تأليفه وطبعه في عام 1980م، ونسخه المتداولة قليلة جداً، ولا ندري لماذا لم يطبع مرة أخرى بعد ترجمته في أوائل الثمانينيات؟ وبعد استعراض الأدلة الكثيرة يخلص الكتاب إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق كارتر قد قام بتعمد هادئ وتدبير مسبق خبيث على حد وصف المؤلف لمساعدة الحركة الإسلامية التي نظمت الإطاحة بشاه إيران، واشتركت إدارة كارتر في كل خطوة ابتداءً من الاستعدادات الدعائية إلى تجهيز الأسلحة والذخيرة، ومن الصفقات التي تمت خلف (الكواليس) مع الخونة في جيش الشاه إلى الإنذار النهائي الذي أعطي للزعيم المهزوم في يناير 1979م لمغادرة إيران. ويمثل هذا فصلاً آخر من فصول الخيانة التي مارستها الدوائر الحاكمة في التاريخ السياسي للولايات المتحدة.
وعند رصد التعاون الأمريكي الإيراني في السنوات الأخيرة لا يفوتنا التنسيق الجاد والهادف بين الإدارة الأمريكية والحكومة الإيرانية حول أفغانستان. وهو ما لم ينفه الإيرانيون فحسب، بل أكَّدوه أيضاً. وبعدها طلب الطرف الإيراني من الطرف الأميركي علناً بأن يحفظ الجميل الإيراني لقاء الخدمات التي قدَّمها في رحلة احتلال أفغانستان التي وصلت إلى درجة توفير طائرات تنقل أنصار التحالف الشمالي ضد طالبان إلى خطوط الجبهة الأمامية.
لقد عرفت وأيقنت إيران أنها لا تستطيع أن تغزو العراق وأن تفوز به، فيتعين أن تقوم بهذا قوة أخرى. وعدم قيام الولايات المتحدة بغزو العراق واحتلاله في عام 1991م سبب خيبة أمل هائلة لإيران بعد أن إفتضح دورها في ما سمي بإنتفاضة الجنوب 1991. والحقيقة أن السبب الأولي لعدم قيام الولايات المتحدة بغزو العراق آنذاك كان معرفتها بأن تدمير الجيش العراقي من شأنه أن يجعل من إيران القوة المهيمنة بين القوى المحلية في الخليج العربي. وكان من شأن غزو العراق أن يدمر توازن القوة العراقي ـ الإيراني الذي كان الأساس الوحيد لما اعتبر استقراراً في المنطقة.
أما تدمير النظام العراقي فلم يكن من شأنه أن يجعل إيران آمنة فحسب، إنما كان من شأنه أيضاً أن يفتح آفاقاً لتوسعها. فالخليج العربي ـ أولاً ـ مليء بالشيعة، وكثيرون منهم متوجهون صوب إيران لاعتبارات دينية. وعلى سبيل المثال فإن منشآت تحميل النفط السعودي تقع في منطقة غالبيتها الساحقة من الشيعة. وثانياً: ليست هناك - دون الجيش العراقي الذي يقف بالمرصاد لإيران - قوة عسكرية في المنطقة يمكنها أن توقف الإيرانيين. فباستطاعتهم أن يصبحوا القوة المهيمنة في الخليج العربي.
أما في غزو العراق الأخير فقد سبقت الحرب جلسات ولقاءات سرية عقدت في عدة عواصم أوروبية بين ضباط إيرانيين ونظرائهم الأمريكيين كذلك عبر الضغط على حلفائها من الشيعة العراقيين للتنسيق والإشتراك مع جهود الولايات المتحدة لغزو العراق.
كمالا بد من تحليل الدور الذي قام به أحمد الجلبي في العلاقات الإيرانية الأمريكية، والذي كشف عنه عديد من الصحف الأمريكية والغربية. ولكن أبرز التحليلات التي ظهرت في تفسير هذا الدور ما كتبه جورج فريدمان مدير مؤسسة (ستراتفور) الخاصة للاستخبارات العالمية يوم 19 فبراير الماضي في نشرة مؤسسته الشهرية بعنوان (أحمد الجلبي وصلاته الإيرانية)، وشكك فريدمان في بداية مقالته بكثير من الأخبار الصحافية التي تشير إلى أن الولايات المتحدة تعرضت للاستغلال من جانب إيران مستخدمة الجلبي أداة في ذلك لدفعها إلى غزو العراق، وكان المعنى الضمني لهذا أنه كان من شأن الولايات المتحدة أن تختار مساراً آخر لولا حملة المعلومات المغلوطة من الجلبي. وبيّن الكاتب سذاجة هذا الطرح؛ أولاً: لأن الولايات المتحدة لديها أسبابها الخاصة لغزو العراق، وثانياً: لأن المصالح الأميركية والإيرانية لم تكن شديدة التباعد في هذه الحالة. ويقول فريدمان: «إن استراتيجية إيران مع الولايات المتحدة كانت تعتمد إنه إذا ما تعرضت الولايات المتحدة لمتاعب في العراق فإنها ستصبح معتمدة إلى أقصى درجة على الإيرانيين وعملائهم الشيعة، وإذا ما هبّ الجنوب العراقي الشيعي يصبح مركز الولايات المتحدة حرجاً؛ لهذا فإنه إذا كانت هناك متاعب ـ وكانت المخابرات الإيرانية على ثقة كبيرة بأنه ستكون هناك متاعب ـ فسيصعد النفوذ الشيعي صعوداً كبيراً قبل أن ينسحب الأميركيون. كانت مهمة الجلبي أن يعطي للأميركيين مُسوّغاً للغزو، وهو ما فعله بحكاياته عن أسلحة الدمار الشامل، إنما كانت له مهمة أخرى وهي حماية جانبين دقيقين من المعلومات من الأميركيين: الأول: كان عليه أن يحمي المدى الذي وصل إليه الإيرانيون في تنظيم الجنوب الشيعي في العراق، والثاني: كان عليه أن يحمي أية معلومات عن خطط صدام حسين لشن حملة حرب عصابات بعد سقوط بغداد، كان هذان أمرين دقيقين، وإذا أُخذا بجملتهما فسيكون من شأنهما أن يخلقا حالة الاعتماد (الأميركية) التي تمس حاجة الإيرانيين إليها.
ويواصل الكاتب حديثه فيقول: «أما بالنسبة للولايات المتحدة فإن لها سياسة معروفة تستخدم فيها خطوط الصدع بين أعداء محتملين لإحداث انقسام بينهم، فتتحالف مع الأضعف ضد الأقوى إن خط الصدع في العالم الإسلامي هو بين السنة والشيعة، السنة مجموعة أضخم بكثير (عددياً) من الشيعة، وانتهاجاً للاستراتيجية الكبرى الأميركية يذهب المنطق إلى أن حل المشكلة هو بالدخول في تحالف من نوع ما مع الشيعة، ومفتاح الدخول إلى الشيعة هو الدولة الشيعية الكبرى إيران. ثمة شيء واحد كان لا بد أن يعرفه الجلبي ولم يخبر الأميركيين به بالتأكيد: أن صدام حسين سيشن حرب عصابات. وبشأن هذه النقطة لا يوجد أي شك في أن البنتاغون قد فوجىء، والأمر أهمه كثيراً».
«لم يشارك الجلبي بمعلوماته المخابراتية التي كان الإيرانيون يملكونها بالتأكيد؛ وذلك لأن الإيرانيين أرادوا أن يغرق الأميركيون في حرب عصابات؛ فمن شأن هذا أن يزيد الاعتماد الأميركي على الشيعة وعلى إيران، ويسرِّع رحيل الأميركيين. كانت المخابرات الإيرانية قد توغلت بعمق في العراق. وكانت الاستعدادات لحرب العصابات واسعة للغاية. كانت إيران تعرف، وكذلك الجلبي. مع ذلك كانت الولايات المتحدة ستغزو، إنما كان يمكنها أن تستعد على نحو أفضل عسكرياً وسياسياً. لم يبلغ الجلبي البنتاغون بما كان يعرفه، وقد أدى هذا إلى جعل الحرب مختلفة بدرجة هائلة».
ولكن الشيء الأخطر الذي يذكره الكاتب في مقالته الهامة «أن هذه اللعبة لم تَرُقْ لوكالة الاستخبارات المركزية التي كانت تفهم أن الجلبي لم يكن حقاً مصدراً بالمعنى التقليدي للكلمة إنما كان مخلباً جيوسياسياً، إلا أنها لم تتصل بوزارة الدفاع بهذا الشأن حتى كانت هذه الوزارة تواجه المتاعب في العراق» وإلى هنا ينتهي مقال الكاتب الأمريكي.
ومن هنا أدركت الولايات المتحدة مدى المستنقع الذي جرتها إليه إيران بواسطة الجلبي في العراق لتدفعها إلى مزيد من الاعتماد على الشيعة العراقيين ومن ثم إيران، ولعل إقالة (تينيت) في أعقاب هرب الجلبي إلى النجف ومساعده إلى إيران ومقتل مسؤول الاستخبارات الإيرانية في العراق يصب في هذا الاتجاه.
اللعبة الإيرانية في أرض الرافدين
«القيادة الإيرانية تقوم بدور مزدوج في العراق؛ فهي ليست راغبة في أن تنجح أمريكا بسهولة في هذا البلد، لكنها في الوقت نفسه ليست راغبة في أن يخفق الأمريكيون كلياً هناك؛ لأن هذا الإخفاق سيشكل حينذاك تهديداً للأمن القومي الإيراني». هذا قول مسؤول أوروبي كبير معلقاً على الدور الإيراني الذي تمارسه على الساحة العراقية.
حول تدفق الإيرانيين إلى العراق
بتنسيق مشترك بين عدد من الأحزاب العراقية المتعاونة مع الإحتلال ذات التوجهات الطائفية والتي دخلت الى أرض العراق العظيم على متن دبابات الغزاة، وبين السلطات الإيرانية، فقد تم تدفقت أعداد كبيرة من الايرانين الى العراق عبر الحدود العراقية الإيرانية ولازال تدفقهم مستمراً حيث بلغ عدد الداخلين لحد الآن مئات الآلاف تم توزيع إنتشارهم في مناطق جنوب ووسط العراق ذات الأغلبية الشيعية، وقامت تلك الأحزاب بترويج معاملات إصدار هويات الأحوال المدنية وشهادات الجنسية لهؤلاء لدى دوائر الأحوال المدنية والجنسية في المحافظات الجنوبية والوسطى، وذلك لغرض تخريب البنية الديمغرافية للمدن العراقية لصالح ذوي الأصول الفارسية، وتماثلاً لما يجري في شمال العراق من عمليات لإدخال عشرات الألوف من أكراد تركيا وايران الى العراق وإسكانهم في المناطق الشمالية وتهجير العوائل العربية والتركمانية من مناطق سكناهم تحت إشراف ضباط المخابرات الصهيونية.
منذ فترة ليست بالقصيرة والكثير من المسؤولين العراقيين يصرحون بالخفاء والعلن أن جهات خارجية متورطة في أحداث الفتنة والتخريب والتفجيرات التي تقع في مختلف مدن العراق، إستغلالا للوضع الأمني الشاذ في العراق بسبب الإحتلال، وكان موضوع اتهام جهات خارجية بالتحريض أو تنفيذ جرائم القتل الجماعي في العراق ملتبسا ومحفوفا بالشبهات لأن جهة عراقية لم تعلن عن القبض على مقاتل أجنبي ولم يعترف أحد أنه عميل لجهة أجنبية قام بتفجير أو تخريب في العراق، ومع ذلك فإن المهتمين بالشأن الأمني العراقي كانوا واثقين أن هذا الأمر ليس اتهاما باطلا وليس مجرد مشجب تعلق عليه مسؤولية جرائم التفجير والأغتيال والقتل والتصفيات الجسدية في العراق، رغم أن مرتكبي والمحرضين على هذه الجرائم ومخططيها ومموليها لم يتم القبض على أحد منهم، وطالما أن قاتلا أو مغتالا لم يعترف بجريمته وطالما ان محرضا أو ممولا لم يلق القبض عليه، وطالما ان عميلا لجهة أجنبية لم يفتضح أمره، وطالما ان معلومات موثوقة لم يتم الاشارة اليها، فلماذا يصر المسؤولون العسكريون والمدنيون في الحكومة العراقية على تحميل مسؤولية الفوضى الأمنية وحمامات الدم والقتل الجماعي والاغتيالات الفردية والمتعددة على عاتق جهات أجنبية او قوى خارجية؟
وظن البعض أن هذه الأتهامات ماهي إلا مجرد شكوك وتخمينات بربط تواجد مجموعة من الارهابيين في العراق بالأعمال الارهابية وبالذات العمليات الانتحارية. الى أن جاءت تصريحات وزير الدفاع السابق حازم الشعلان ووزير الداخلية فلاح النقيب بتسمية (إيران) كونها تقف وراء تخريب الوضع الأمني في العراق، وأنها العدو الأول للعراق. وحاولت أطراف يهمها أن تبقى لأيران يد طولى في العراق، الى الدفاع المستميت عن إيران والتعريض بوزيري الداخلية والدفاع والإتهام لهما بأنهما من بقايا نظام صدام الدموي! وتلك تهم جاهزة لدى هؤلاء، وكلنا يتذكر أن بعض تلك الأطراف كانت (إيرانية أكثر من الأيرانيين) حين طالبت بدفع تعويضات الى الجارة المسلمة إيران جراء الحرب العراقية الأيرانية، متناسين أن إيران هي التي رفضت القرارات الدولية بوقف القتال طيلة 8 سنوات!! وأنها مازالت نخون الأمانة وترفض إعادة 180 طائرة عراقية مابين مدنية وعسكرية أودعها النظام السابق لديها عام 1991.
يـــــتـــبع . . .
ملف إعلامي حول التدخل الإيراني في العراق: حقيقة أم وهم؟
من إعداد د. أيمن الهاشمي
العراق اليوم عراق دموي مخضب تختلط فيه الأشلاء والدماء: تفجيرات يذهب ضحيتها العشرات ولا تترك مدينة سواء في الشمال أو الجنوب فضلاً عن وسط العراق إلا وقد نالها نصيب من هذه الأعمال الدموية التي لا ترحم، اغتيالات تخلف قتلى من جميع الطوائف والأعراق: أساتذة وأكاديميين، علماء دين، رجال شرطة، قضاة، مسؤولين في الحكم، متعاونين مع المحتل، وآخرين رافضين للاحتلال، أبرياء ليس لهم أثر في شيء؛ بالإضافة إلى جنود الاحتلال والمقاومين. والأطراف المتحاربة والمتصارعة لا يبدو أنها تملك أفقاً سياسياً للحل، وتصر على الوصول إلى أقصى درجات القوة للحسم. وفي هذا الخضم المائج تطل علينا الرأس الإيرانية تريد أن تضع قدماً لها في هذه الأرض المستباحة تساعدها في ذلك عوامل كثيرة على الساحة الإقليمية والدولية والمحلية.
وللبحث في الدور الإيراني الذي تلعبه في العراق لا بد من تتبع حقيقة الأهداف الإيرانية في العراق واستراتيجيتها لتحقيق تلك الأهداف، وأخيراً رصد المتغيرات المؤثرة على تلك الاستراتيجية.
الأهداف الإيرانية في العراق:
يمثل العراق للسياسة الإيرانية عدة معطيات هامة:
1 - بوابة مهمة لتحقيق الحلم الفارسي بإقامة إمبراطورية شيعية في العالم الإسلامي؛ هذا الهدف الذي يمثل حلم إيران الصفوية منذ حدوث ما يعرف بثورة الآيات. وفي وثيقة كشف النقاب عنها حديثا كانت سارية المفعول في عهد خاتمي نفسه أوضحت الغاية العظمى لهذه الدولة الصفوية؛ فقد أرسل مجلس شورى الثورة الثقافية الإيرانية رسالة إلى المحافظين في الولايات الإيرانية، وكتب عليها: (سري للغاية)، كان مما جاء فيها:
«الآن بفضل الله، وتضحية أمة الإمام الباسلة قامت دولة الإثني عشرية في إيران بعد عقود عديدة، ولذلك فنحن ـ وبناء على إرشادات الزعماء الشيعة المبجلين ـ نحمل واجباً خطيراً وثقيلاً وهو تصدير الثورة؛ وعلينا أن نعترف أن حكومتنا فضلاً عن مهمتها في حفظ استقلال البلاد وحقوق الشعب فهي حكومة مذهبية، ويجب أن نجعل تصدير الثورة على رأس الأولويات. لكن نظراً للوضع العالمي الحالي والقوانين الدولية ـ كما اصطُلح على تسميتها ـ لا يمكن تصدير الثورة، بل ربما اقترن ذلك بأخطار جسيمة مدمرة. ولهذا فإننا من خلال ثلاث جلسات وبآراء شبه إجماعية من المشاركين وأعضاء اللجان وضعنا خطة خمسينية تشمل خمس مراحل، ومدة كل مرحلة عشر سنوات لنقوم بتصدير الثورة الإسلامية إلى جميع الدول، ونوحد الإسلام أولاً؛ لأن الخطر الذي يواجهنا من الحكام الوهابيين وذوي الأصول السنية أكبر بكثير من الخطر الذي يواجهنا من الشرق والغرب؛ لأن هؤلاء (أهل السنة والوهابيين) يناهضون حركتنا، وهم الأعداء الأصليون لولاية الفقيه والأئمة المعصومين، حتى إنهم يعدُّون اعتماد المذهب الشيعي مذهباً رسمياً ودستوراً للبلاد أمراً مخالفاً للشرع والعرف. وإن سيطرتنا على هذه الدول تعني السيطرة على نصف العالم، ولإجراء هذه الخطة الخمسينية يجب علينا بادئ ذي بدء أن نحسن علاقاتنا مع دول الجوار، ويجب أن يكون هناك احترام متبادل وعلاقة وثيقة وصداقة بيننا وبينهم حتى إننا سوف نحسِّن علاقتنا مع العراق بعد الحرب؛ وذلك أن إسقاط ألف صديق أهون من إسقاط عدو واحد. إن الهدف هو فقط تصدير الثورة؛ وعندئذ نستطيع رفع لواء هذا الدين الإلهي وأن نُظهر قيامنا في جميع الدول، وسنتقدم إلى عالم الكفر بقوة أكبر، ونزين العالم بنور الإسلام والتشيع حتى ظهور الإمام المهدي الغائب عجّل الله فرجه».
2 ـ مخزن نفطي هام يضاف للثروة النفطية الإيرانية لتصبح الحصيلة ثروة هائلة في أيدي الإيرانيين؛ حيث يبلغ احتياطي نفط العراق ما يقارب 112.5 مليار برميل مكتشف حتى الآن، ويتوقع أن يوجد خزين آخر يقدر بـ250 مليار برميل غير مكتشف. إن البئر العراقية كانت وما تزال تعطي من النفط الخام يومياً أكثر من 13 ألف برميل في غالب الحالات، أي ما يعادل ما تعطيه 900 بئر أمريكية، وأضعاف ما تعطيه الآبار السعودية والكويتية والإيرانية بنسب تتراوح بين 50 و600%. وتنتج إيران حالياً ما يزيد قليلاً عن 4 ملايين برميل يومياً في حين بدأ إنتاجها يتناقص سنوياً بمعدل 250 ألفاً إلى 300 ألف برميل. وتحتل إيران المركز الثالث في احتياطي النفط (90 بليون برميل)، ويتراوح الإنتاج الإيراني بين (3.5 و4) ملايين برميل يومياً.
3 ـ عمق استراتيجي طبيعي لإيران، وخط دفاع أول ضد اجتياحها أو احتوائها ومحاولة تغيير نظامها. وعلى مدى التاريخ كان العراق الباب الرئيسي للحملات العسكرية التي اجتاحت إيران (بلاد فارس)، وزاد من خطورة هذه الجبهة حديثاً أن الثروة النفطية الإيرانية بمجملها تتركز على الحدود العراقية الغربية والجنوبية. وجاءت الحرب العراقية ضد إيران غداة انتصار ما أطلق عليه ثورة الخميني لتؤكد الأهمية الاستراتيجية لهذا الهدف.
4 ـ ورقة سياسية في سوق المساومات على الساحة الدولية: فإيران لها مشروعها النووي الطموح، ولها مشروعها الإمبراطوري، ولن تتخلى عنهما بسهولة؛ ولذلك تسعى إيران بكل قوة لامتلاك أوراق على الساحة الدولية تقايض بها استمرارها في هذين المشروعين. ومنذ الاحتلال الأمريكي للعراق في أبريل 2003م لعبت إيران دوراً انتهازياً في المسألة العراقية، وسعت بانتظام إلى اعتبار دعمها للمحتلين الأمريكيين من خلال وكلائها العراقيين، ودورها هناك ورقة للمساومة مع الأمريكيين وخاصة السعي لامتلاك السلاح النووي؛ فالمسألة النووية الإيرانية لم تعد تحتمل كثيراً من التأجيل. أو كما قالت واشنطن تايمز الناطقة باسم المحافظين الأمريكيين المتطرفين: (الوضع لم يعد يطاق).
الاستراتيجية الإيرانية في العراق:
لتحقيق هذه الأهداف تحركت القيادات الإيرانية على محورين:
المحور الأول: احتواء شيعة العراق.
المحور الثاني: التعامل مع الشيطان الأكبر.
احتواء شيعة العراق:
انطلق النشاط الإيراني على الساحة الشيعية في العراق في عدة مسارات:
1 ـ احتواء القيادات والتيارات الشيعية المتنافسة: ويسيطر اليوم على الشارع الشيعي في العراق عدة مرجعيات وتيارات أهمها: مرجعية علي السيستاني، وتيار الصدر الذي يقوده مقتدى الصدر، وجماعة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بزعامة عبدالعزيزالحكيم، وبدرجة أقل حزب الدعوة بفروعه المختلفة، وهناك تيار آخر مدعوم من إيران يعمل بصمت داخل مدن الجنوب وبعيداً عن الضجة الإعلامية كما يمارسها الآخرون وهو تيار المرجع (المدرِّسي) الذي يقود ما يعرف بـ (منظمة العمل الإسلامي) وهذه المنظمة أكثر قوة وتنظيماً، وتمتلك الشرعية الدينية الشيعية التي تؤهلها أن تكون مرجعية دينية قوية مدعومة بمليارات إيران. ولا شك أن السياسة الإيرانية في العموم تقوم على احتواء التيارات الشيعية كلها، والتعامل مع كل فصيل وشخصية قيادية تبرز على الساحة لحصد أي نجاح يحققه أي طرف شيعي. ويبقى التعامل مع هذا الفصيل أو ذاك مرتبطاً إلى حد بعيد بالتداخلات المختلفة داخل الساحة الإيرانية والخلافات بين المحافظين والإصلاحيين، وبقدرة هذا الفصيل على تحقيق الهدف الشيعي بهيمنتهم على أوضاع العراق. ولعل موقف إيران من مقتدى الصدر وحركته يوضح لنا جانباً كبيراً من طبيعة الدور الذي تقوم به إيران في احتواء الشيعة العراقيين؛ فهناك تياران داخل القيادة الإيرانية حول الموقف من العراق: الأول: يقوده الزعيم الإيراني علي خامنئي ويدعمه الرئيس السابق هاشمي (رفسنجاني) ويدعم هذا التيار الزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر. ويقود التيار الثاني الرئيس محمد خاتمي والإصلاحيون، وهو يرفض التعامل والتعاون مع مقتدى الصدر إلى حد أن خاتمي رفض استقباله لدى زيارته إلى طهران، كما أن هذا التيار يفضل دعم المرجع علي السيستاني والقيادات والقوى العراقية المؤيدة للتعاون السلمي مع الأمريكيين والبريطانيين على أساس أن ذلك يشكل أفضل ضمانة لحصول الشيعة العراقيين على مطالبهم، وعلى حصة كبيرة في تركيبة الحكم الجديدة.
2 ـ تسلل المخابرات الإيرانية إلى العراق: كانت الأداة الرئيسية لإيران في تنفيذ استراتيجيتها للمخابرات الإيرانية ونتيجة التنسيق الأميركي ـ الإيراني دخلت المخابرات الإيرانية إلى العراق. ونتيجة أبوتها للتنظيمات السياسية المذهبية تسلَّلت إلى مجلس الحكم الانتقالي. وتشير تقارير صحفية إلى أن جهاز مخابرات فيلق القدس الإيراني ومخابرات الحرس الثوري الإيراني يقومان بالدور الأخطر على صعيد أجهزة الاستخبارات داخل العراق، ولعل الكشف عن الدور المزدوج لأحمد الجلبي وعلاقته الطويلة مع المخابرات الإيرانية يوضح إلى أي حد وصل الدور الذي مارسته المخابرات الإيرانية على الساحة العراقية. وتشير معلومات صحفية مؤكدة إلى افتتاح 18 مكتباً للاستخبارات الإيرانية تحت مسميات مختلفة أبرزها الجمعيات الخيرية لمساعدة الفقراء، وتوزيع المال والأدوية والمواد الغذائية، وترتيب الانتقال إلى العتبات المقدسة وضمن ميزانية تتجاوز مئة مليون دولار. وضمن المخطط الإيراني شراء ولاء رجال دين أغلبهم شيعة وأقلية سنية رصد فيه مبلغ 5 ملايين دولار سنوياً للترويج والدفاع عن إيران، وتجميل صورة مواقفها في الشارع العراقي وأحياناً عبر المنابر. وفي المعلومات الاستخباراتية أن إيران استأجرت واشترت 5700 وحدة سكنية من البيوت والشقق والغرف في مختلف أنحاء العراق، وخاصة فى النجف، وكربلاء ليسكن فيها رجال الاستخبارات الإيرانية ورجال فيلق القدس الاستخباراتي. ولعل تصريح مدير المخابرات العراقية الحالي، اللواء محمد الشهواني، من أنه لم يتمكن من فتح فرع للمخابرات الحكومية العراقية في المحافظات الجنوبية لأن المخابرات الإيرانية لاتسمح بذلك! خير دليل على حجم التغلغل المخابراتي الإيراني في العراق.
3 ـ تدفق الأفراد والأموال على العراق: ويشير حجم المساعدات النقدية الإيرانية المدفوعة إلى مقتدى الصدر وحده عدا التيارات الأخرى خلال الأشهر الأخيرة أنها تجاوز سقف 80 مليون دولار، إلى جانب تدريب رجاله، وإرسال معونات إنسانية شملت الغذاء والأدوية والمعدات والأثاث. ومثال على ذلك ما ذكرته صحيفة (جمهوري إسلامي) الإيرانية أن إمام جمعة شيراز الشيخ الحائري الشيرازي أرسل 150 حاجاً على حسابه إلى العتبات المقدسة الشيعية وإلى كربلاء، وسيراً على الأقدام بناء على طلبهم. وهذا الاندفاع البشري الإيراني نحو العراق بحيث وصل عددهم إلى مئات الآلاف، كما قامت بلديات إيرانية عديدة أبرزها بلدية طهران بدور كبير في تولي الخدمات في الأماكن المقدسة كالنظافة والتشجير وزرع شتول الزهور، ورش المياه عبر صهاريج قادمة من إيران وعمالة إيرانية يساعدها عمال عراقيون موظفون تدفع لهم بلدية طهران أجورهم. أحد التجار الإيرانيين تبرع بحمولة 10 أطنان من المياه المعدنية أرسلها إلى كربلاء في أربعين الإمام الحسين منتصف أبريل من العام الماضي، ومؤسسة الأوقاف وهي مؤسسة غير رسمية أخذت على عاتقها تأمين كل المصاحف الإيرانية وكتب الأدعية المطلوبة للعتبات المقدسة الشيعية، وكل مؤسسة أهلية تقدم للعراق في هذه المناسبة عطاء أو مساعدة تعتبر جزءاً من ميزانيتها الخاصة. هذا فضلاً عن حضور الآلاف من الإيرانيين للتطوع لطهي الطعام وتوزيع المياه أو العصائر أو التنظيف في العتبات المقدسة، وأخيراً للخبز الإيراني الساخن وجبة تقدم لزوار العتبات.
ونتيجة للضوء الأخضر (الأميركي ـ البريطاني) اكتظَّت الأسواق وغرف التجارة العراقية بالتجار الإيرانيين، ومنه تسلَّلت إلى أجهزة المافيات (سرقة ونهب) بدون النظر إلى عرقها أو مذهبها؛ إذ تشاركت الأحزاب الكردية مع الأحزاب السياسية الشيعية (فيلق بدر وجماعات البرازاني والطالباني) في نهب كل ما طالته أيديهم وباعوه إلى التجار الإيرانيين، وقد وصف أحد العراقيين الدور الإيراني في العراق قائلاً: خرجت إيران ـ بعد احتلال العراق ـ بأكبر حصة من وليمة ذبح الدولة العراقية بما فيها مخلفات الجيش العراقي التي تبرع الحكيم بنقلها إلى إيران.
4 ـ السيطرة الإعلامية من خلال الصحف التي تمولها وقنوات البث الفضائي والأرضي؛ فقد قامت شركة التلفزيون الرسمية في إيران بافتتاح قناة فضائية على غرار قناة الجزيرة القطرية باسم (العالم) تبث باللغة العربية من محطات تقوية على طول الحدود العراقية لكسب تأييد العراقيين، وكان لها دور هام خلال الغزو الأميركي للعراق حين توقف البث العراقي وبقيت قناة العالم تبث لسائر المدن العراقية ومنها يستقي العراقيون أخبارهم وتحليلاتهم (لعدم وجود إستلام فضائي آنذاك لدى العراقيين) كما أن إيران دعمت إنشاء محطات تلفزيون فضائية موالية لها (مثل الفرات والفيحاء والأنوار) والعشرات من محطات الإذاعة المحلية، وتتحدث تقارير صحفية عن وجود 300 إعلامي إيراني بشكل دائم في العراق.
التعامل مع الشيطان الأكبر:
يندهش كثيرون من حقيقة أن هناك تعاوناً بين إيران والولايات المتحدة؛ وحقيقة العلاقة بين الطرفين هي من الحقائق المغيبة والتي هي جزء من ألاعيب السياسة ودهاليزها، ولا يمكن فهم العلاقات الإيرانية الأمريكية في الخمسة والعشرين سنة الأخيرة إلا بقراءة كتاب (رهينة خميني) الذي ألفه (روبرت كارمن درايفوس) وهو باحث فرنسي متخصص في الشؤون الاستخبارية شغل في أواخر السبعينيات ومطلع الثمانينيات مدير قسم الشرق الأوسط في مجلة (أنتلجنس ريفيو)، هذا الكتاب الذي تم تأليفه وطبعه في عام 1980م، ونسخه المتداولة قليلة جداً، ولا ندري لماذا لم يطبع مرة أخرى بعد ترجمته في أوائل الثمانينيات؟ وبعد استعراض الأدلة الكثيرة يخلص الكتاب إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق كارتر قد قام بتعمد هادئ وتدبير مسبق خبيث على حد وصف المؤلف لمساعدة الحركة الإسلامية التي نظمت الإطاحة بشاه إيران، واشتركت إدارة كارتر في كل خطوة ابتداءً من الاستعدادات الدعائية إلى تجهيز الأسلحة والذخيرة، ومن الصفقات التي تمت خلف (الكواليس) مع الخونة في جيش الشاه إلى الإنذار النهائي الذي أعطي للزعيم المهزوم في يناير 1979م لمغادرة إيران. ويمثل هذا فصلاً آخر من فصول الخيانة التي مارستها الدوائر الحاكمة في التاريخ السياسي للولايات المتحدة.
وعند رصد التعاون الأمريكي الإيراني في السنوات الأخيرة لا يفوتنا التنسيق الجاد والهادف بين الإدارة الأمريكية والحكومة الإيرانية حول أفغانستان. وهو ما لم ينفه الإيرانيون فحسب، بل أكَّدوه أيضاً. وبعدها طلب الطرف الإيراني من الطرف الأميركي علناً بأن يحفظ الجميل الإيراني لقاء الخدمات التي قدَّمها في رحلة احتلال أفغانستان التي وصلت إلى درجة توفير طائرات تنقل أنصار التحالف الشمالي ضد طالبان إلى خطوط الجبهة الأمامية.
لقد عرفت وأيقنت إيران أنها لا تستطيع أن تغزو العراق وأن تفوز به، فيتعين أن تقوم بهذا قوة أخرى. وعدم قيام الولايات المتحدة بغزو العراق واحتلاله في عام 1991م سبب خيبة أمل هائلة لإيران بعد أن إفتضح دورها في ما سمي بإنتفاضة الجنوب 1991. والحقيقة أن السبب الأولي لعدم قيام الولايات المتحدة بغزو العراق آنذاك كان معرفتها بأن تدمير الجيش العراقي من شأنه أن يجعل من إيران القوة المهيمنة بين القوى المحلية في الخليج العربي. وكان من شأن غزو العراق أن يدمر توازن القوة العراقي ـ الإيراني الذي كان الأساس الوحيد لما اعتبر استقراراً في المنطقة.
أما تدمير النظام العراقي فلم يكن من شأنه أن يجعل إيران آمنة فحسب، إنما كان من شأنه أيضاً أن يفتح آفاقاً لتوسعها. فالخليج العربي ـ أولاً ـ مليء بالشيعة، وكثيرون منهم متوجهون صوب إيران لاعتبارات دينية. وعلى سبيل المثال فإن منشآت تحميل النفط السعودي تقع في منطقة غالبيتها الساحقة من الشيعة. وثانياً: ليست هناك - دون الجيش العراقي الذي يقف بالمرصاد لإيران - قوة عسكرية في المنطقة يمكنها أن توقف الإيرانيين. فباستطاعتهم أن يصبحوا القوة المهيمنة في الخليج العربي.
أما في غزو العراق الأخير فقد سبقت الحرب جلسات ولقاءات سرية عقدت في عدة عواصم أوروبية بين ضباط إيرانيين ونظرائهم الأمريكيين كذلك عبر الضغط على حلفائها من الشيعة العراقيين للتنسيق والإشتراك مع جهود الولايات المتحدة لغزو العراق.
كمالا بد من تحليل الدور الذي قام به أحمد الجلبي في العلاقات الإيرانية الأمريكية، والذي كشف عنه عديد من الصحف الأمريكية والغربية. ولكن أبرز التحليلات التي ظهرت في تفسير هذا الدور ما كتبه جورج فريدمان مدير مؤسسة (ستراتفور) الخاصة للاستخبارات العالمية يوم 19 فبراير الماضي في نشرة مؤسسته الشهرية بعنوان (أحمد الجلبي وصلاته الإيرانية)، وشكك فريدمان في بداية مقالته بكثير من الأخبار الصحافية التي تشير إلى أن الولايات المتحدة تعرضت للاستغلال من جانب إيران مستخدمة الجلبي أداة في ذلك لدفعها إلى غزو العراق، وكان المعنى الضمني لهذا أنه كان من شأن الولايات المتحدة أن تختار مساراً آخر لولا حملة المعلومات المغلوطة من الجلبي. وبيّن الكاتب سذاجة هذا الطرح؛ أولاً: لأن الولايات المتحدة لديها أسبابها الخاصة لغزو العراق، وثانياً: لأن المصالح الأميركية والإيرانية لم تكن شديدة التباعد في هذه الحالة. ويقول فريدمان: «إن استراتيجية إيران مع الولايات المتحدة كانت تعتمد إنه إذا ما تعرضت الولايات المتحدة لمتاعب في العراق فإنها ستصبح معتمدة إلى أقصى درجة على الإيرانيين وعملائهم الشيعة، وإذا ما هبّ الجنوب العراقي الشيعي يصبح مركز الولايات المتحدة حرجاً؛ لهذا فإنه إذا كانت هناك متاعب ـ وكانت المخابرات الإيرانية على ثقة كبيرة بأنه ستكون هناك متاعب ـ فسيصعد النفوذ الشيعي صعوداً كبيراً قبل أن ينسحب الأميركيون. كانت مهمة الجلبي أن يعطي للأميركيين مُسوّغاً للغزو، وهو ما فعله بحكاياته عن أسلحة الدمار الشامل، إنما كانت له مهمة أخرى وهي حماية جانبين دقيقين من المعلومات من الأميركيين: الأول: كان عليه أن يحمي المدى الذي وصل إليه الإيرانيون في تنظيم الجنوب الشيعي في العراق، والثاني: كان عليه أن يحمي أية معلومات عن خطط صدام حسين لشن حملة حرب عصابات بعد سقوط بغداد، كان هذان أمرين دقيقين، وإذا أُخذا بجملتهما فسيكون من شأنهما أن يخلقا حالة الاعتماد (الأميركية) التي تمس حاجة الإيرانيين إليها.
ويواصل الكاتب حديثه فيقول: «أما بالنسبة للولايات المتحدة فإن لها سياسة معروفة تستخدم فيها خطوط الصدع بين أعداء محتملين لإحداث انقسام بينهم، فتتحالف مع الأضعف ضد الأقوى إن خط الصدع في العالم الإسلامي هو بين السنة والشيعة، السنة مجموعة أضخم بكثير (عددياً) من الشيعة، وانتهاجاً للاستراتيجية الكبرى الأميركية يذهب المنطق إلى أن حل المشكلة هو بالدخول في تحالف من نوع ما مع الشيعة، ومفتاح الدخول إلى الشيعة هو الدولة الشيعية الكبرى إيران. ثمة شيء واحد كان لا بد أن يعرفه الجلبي ولم يخبر الأميركيين به بالتأكيد: أن صدام حسين سيشن حرب عصابات. وبشأن هذه النقطة لا يوجد أي شك في أن البنتاغون قد فوجىء، والأمر أهمه كثيراً».
«لم يشارك الجلبي بمعلوماته المخابراتية التي كان الإيرانيون يملكونها بالتأكيد؛ وذلك لأن الإيرانيين أرادوا أن يغرق الأميركيون في حرب عصابات؛ فمن شأن هذا أن يزيد الاعتماد الأميركي على الشيعة وعلى إيران، ويسرِّع رحيل الأميركيين. كانت المخابرات الإيرانية قد توغلت بعمق في العراق. وكانت الاستعدادات لحرب العصابات واسعة للغاية. كانت إيران تعرف، وكذلك الجلبي. مع ذلك كانت الولايات المتحدة ستغزو، إنما كان يمكنها أن تستعد على نحو أفضل عسكرياً وسياسياً. لم يبلغ الجلبي البنتاغون بما كان يعرفه، وقد أدى هذا إلى جعل الحرب مختلفة بدرجة هائلة».
ولكن الشيء الأخطر الذي يذكره الكاتب في مقالته الهامة «أن هذه اللعبة لم تَرُقْ لوكالة الاستخبارات المركزية التي كانت تفهم أن الجلبي لم يكن حقاً مصدراً بالمعنى التقليدي للكلمة إنما كان مخلباً جيوسياسياً، إلا أنها لم تتصل بوزارة الدفاع بهذا الشأن حتى كانت هذه الوزارة تواجه المتاعب في العراق» وإلى هنا ينتهي مقال الكاتب الأمريكي.
ومن هنا أدركت الولايات المتحدة مدى المستنقع الذي جرتها إليه إيران بواسطة الجلبي في العراق لتدفعها إلى مزيد من الاعتماد على الشيعة العراقيين ومن ثم إيران، ولعل إقالة (تينيت) في أعقاب هرب الجلبي إلى النجف ومساعده إلى إيران ومقتل مسؤول الاستخبارات الإيرانية في العراق يصب في هذا الاتجاه.
اللعبة الإيرانية في أرض الرافدين
«القيادة الإيرانية تقوم بدور مزدوج في العراق؛ فهي ليست راغبة في أن تنجح أمريكا بسهولة في هذا البلد، لكنها في الوقت نفسه ليست راغبة في أن يخفق الأمريكيون كلياً هناك؛ لأن هذا الإخفاق سيشكل حينذاك تهديداً للأمن القومي الإيراني». هذا قول مسؤول أوروبي كبير معلقاً على الدور الإيراني الذي تمارسه على الساحة العراقية.
حول تدفق الإيرانيين إلى العراق
بتنسيق مشترك بين عدد من الأحزاب العراقية المتعاونة مع الإحتلال ذات التوجهات الطائفية والتي دخلت الى أرض العراق العظيم على متن دبابات الغزاة، وبين السلطات الإيرانية، فقد تم تدفقت أعداد كبيرة من الايرانين الى العراق عبر الحدود العراقية الإيرانية ولازال تدفقهم مستمراً حيث بلغ عدد الداخلين لحد الآن مئات الآلاف تم توزيع إنتشارهم في مناطق جنوب ووسط العراق ذات الأغلبية الشيعية، وقامت تلك الأحزاب بترويج معاملات إصدار هويات الأحوال المدنية وشهادات الجنسية لهؤلاء لدى دوائر الأحوال المدنية والجنسية في المحافظات الجنوبية والوسطى، وذلك لغرض تخريب البنية الديمغرافية للمدن العراقية لصالح ذوي الأصول الفارسية، وتماثلاً لما يجري في شمال العراق من عمليات لإدخال عشرات الألوف من أكراد تركيا وايران الى العراق وإسكانهم في المناطق الشمالية وتهجير العوائل العربية والتركمانية من مناطق سكناهم تحت إشراف ضباط المخابرات الصهيونية.
منذ فترة ليست بالقصيرة والكثير من المسؤولين العراقيين يصرحون بالخفاء والعلن أن جهات خارجية متورطة في أحداث الفتنة والتخريب والتفجيرات التي تقع في مختلف مدن العراق، إستغلالا للوضع الأمني الشاذ في العراق بسبب الإحتلال، وكان موضوع اتهام جهات خارجية بالتحريض أو تنفيذ جرائم القتل الجماعي في العراق ملتبسا ومحفوفا بالشبهات لأن جهة عراقية لم تعلن عن القبض على مقاتل أجنبي ولم يعترف أحد أنه عميل لجهة أجنبية قام بتفجير أو تخريب في العراق، ومع ذلك فإن المهتمين بالشأن الأمني العراقي كانوا واثقين أن هذا الأمر ليس اتهاما باطلا وليس مجرد مشجب تعلق عليه مسؤولية جرائم التفجير والأغتيال والقتل والتصفيات الجسدية في العراق، رغم أن مرتكبي والمحرضين على هذه الجرائم ومخططيها ومموليها لم يتم القبض على أحد منهم، وطالما أن قاتلا أو مغتالا لم يعترف بجريمته وطالما ان محرضا أو ممولا لم يلق القبض عليه، وطالما ان عميلا لجهة أجنبية لم يفتضح أمره، وطالما ان معلومات موثوقة لم يتم الاشارة اليها، فلماذا يصر المسؤولون العسكريون والمدنيون في الحكومة العراقية على تحميل مسؤولية الفوضى الأمنية وحمامات الدم والقتل الجماعي والاغتيالات الفردية والمتعددة على عاتق جهات أجنبية او قوى خارجية؟
وظن البعض أن هذه الأتهامات ماهي إلا مجرد شكوك وتخمينات بربط تواجد مجموعة من الارهابيين في العراق بالأعمال الارهابية وبالذات العمليات الانتحارية. الى أن جاءت تصريحات وزير الدفاع السابق حازم الشعلان ووزير الداخلية فلاح النقيب بتسمية (إيران) كونها تقف وراء تخريب الوضع الأمني في العراق، وأنها العدو الأول للعراق. وحاولت أطراف يهمها أن تبقى لأيران يد طولى في العراق، الى الدفاع المستميت عن إيران والتعريض بوزيري الداخلية والدفاع والإتهام لهما بأنهما من بقايا نظام صدام الدموي! وتلك تهم جاهزة لدى هؤلاء، وكلنا يتذكر أن بعض تلك الأطراف كانت (إيرانية أكثر من الأيرانيين) حين طالبت بدفع تعويضات الى الجارة المسلمة إيران جراء الحرب العراقية الأيرانية، متناسين أن إيران هي التي رفضت القرارات الدولية بوقف القتال طيلة 8 سنوات!! وأنها مازالت نخون الأمانة وترفض إعادة 180 طائرة عراقية مابين مدنية وعسكرية أودعها النظام السابق لديها عام 1991.
يـــــتـــبع . . .