مشاهدة النسخة كاملة : مكتبة الحكايات الشعبية
_Oni_
22-10-2005, 07:42 PM
بقلم الكاتب: د. أحمد زياد محبك http://www.syrianstory.com/bullet1.gif
ساقية من عسل وساقية من سمن
جرت من باب القصر الملكي ساقيتان، إحداهما من عسل، والأخرى من سمن، فرحاً بشفاء ابن الملك من مرض عضال، ألم به سنوات طويلة، وانداحت الساقيتان في شوارع البلدة وطرقاتها، وأقبل الناس على جمع السمن والعسل في الجرار، ولم يبق أحد في المدينة، لم يختزن من السمن والعسل.
ولكن عجوزاً تقيم في طرف البلدة، تناهى إليها الخبر متأخراً، ولما خرجت من بيتها تحمل جرتيها، كانت الساقيتان قد نشفتا، ولم يبق فيهما شيء، فراحت تتبعهما، وتجمع ماعلق بحوافهما، وماتبقى في زواياهما، حتى بلغت منبعهما، عند باب القصر، فاكتفت بما ملأت به جرتيها من سمن وعسل، وحملت إحداهما على رأسها، واحتضنت
الأخرى إلى صدرها، وراحت تتدحرج في مشيتها، عائدة إلى بيتها، وقد نال منها التعب، والإرهاق.
وكان ابن الملك في شرفته، يرى إليها، فلم يعجبه صنيعها، وظن فيها الطمع والجشع، فلقد ظلت الساقيتان من الصباح إلى المساء، أفلم يكفها ماقد نالت؟ فما كان منه إلا أن حمل حصاة، وقذف بها الجرة التي على رأسها، فسقطت على الأرض، وتحطمت، وساح منها العسل، فقهقه بصوت عال، ضاحكاً منها، فالتفتت إليه، وأخذت تتأمله ملياً، ثم ماكان منها إلا أن رمت الجرة التي كانت تحتضنها، وقالت: "أسأل الله تعالى أن يوقعك في حب سلمى، مثلما أوقعت الجرة".
فأسرع إليها ابن الملك، ملهوفاً، وسألها: "ومن هي سلمى؟"، فقالت له: "صبية، عيناها عيناك، وفمها فمك، وأنفها أنفك، تشبهك في جمالها وملاحتها، إذ رآها من يعرفك حسبها أنت، وإذا رآك من يعرفها حسبك إياها"، فتلهف ابن الملك إلى لقائها، وقال لها: "هلا دللتني عليها، ياخالة"، فقالت له: "املأ لي الجرتين، أولاً"، فأمر الخدم، فملؤوا لها سبع جرار عسلاً، وسبع جرار سمناً، فقالت له: "إنها في بلد بعيد، بعيد جداً، وراء بغداد، يدعى شيراز..".
وهمت العجوز بالانصراف، ولكن ابن الملك لحق بها، وتوسل إليها أن تدله على طريق الوصول إليها، فقالت له: "إنها متزوجة يابني، وزوجها كبير الصاغة في شيراز، وهو يغار عليها غيرة شديدة، وقد وضع عليها سبعة أقفال، فليس إليها من سبيل".
فذهل ابن الملك، وأحس بخفق قلبه يزداد، وشعر برغبة كبيرة في الوصول إلى سلمى، ولقائها، أياً كان الثمن، فلقد وقع في حبها، وكأنما أجاب الله دعاء تلك العجوز.
ولم يلبث ابن الملك إلا أياماً، تجهز فيها بالخدم والأموال، ثم شد الرحال إلى شيراز، فلما بلغها نزل فيها متنكراً في زي تاجر، وظل يطوف في أسواقها وطرقاتها، ويتعرف على تجارها وأمرائها حتى اهتدى إلى كبير الصاغة فيها، فقصد إليه ذات مساء، وأقبل عليه وحياه، فدهش الصائغ لمرآه، بل ذهل، ولولا الثياب التي يرتديها، ولولا يقينه من أنه قد وضع على زوجته سبعة أقفال، لحسبه زوجته نفسها، فكل شيء فيه يشبهها: الأنف والعينان والوجه والفم، بل الحديث والكلام.
وقدم الشاب إلى الصائغ جوهرة نادرة، طلب منه أن يصوغ عليها خاتماً، يزين به بنصره، لا يصغر عنه، ولا يكبر، ثم قدّم له ثلاث جواهر هدية، فوق أجرته وطلب منه أن ينجزه في الصباح، وكان الصائغ يعد نفسه في الحقيقة لإغلاق الدكان، والذهاب إلى البيت، ولكنه أمام جود الشاب، لم يستطع الاعتذار، فوعده أن ينجزه له.
وأغلق الصائغ دكانه، ومضى إلى البيت، فتناول قليلاً من العشاء، وحدث زوجته بأمر الفتى الشاب، ووصفه لها، وأخبرها بما بينها وبينه من شبه، وأكد لها أن ذلك الفتى يكاد يكون هي نفسها، ثم أخبرها بأمر الخاتم، والمجوهرات، ورجاها ألا تشغله في شيء وأكب على صوغ الخاتم، وظل يعمل فيه حتى الصباح.
وكانت الزوجة تساهر زوجها، وترقبه وهو يصوغ الخاتم، وهي تتخيل ذلك الفتى الشاب، وتتمنى لو تراه، وقد شغلت به شغلاً.
ولما كان الصباح، انطلق الشاب إلى الصائغ، الذي كان ينتظره في دكانه بقلق واهتمام، فقدم إليه الخاتم، فجربه، فوجده صغيراً، فرده إليه، وطلب منه أن يحتفظ به لنفسه، ثم قدم له جوهرة أخرى، أروع من الأولى، وأثمن، وطلب منه أن يصوغ عليها خاتماً آخر يريده في المساء، ثم قدم له ثلاث جوهرات هدية، بالإضافة إلى أجرته.
فأغلق الصائع الدكان، من الداخل، حتى لا يشغله أحد، وأكب على صوغ الخاتم، بدقة وعناية واهتمام، فأمضى فيه معظم يومه، حتى إذا حل المساء، قصده الشاب فوجده في انتظاره، فلما قدم إليه الخاتم، جرّبه، فوجده أكبر من بنصره، فرده على الصائغ، وطلب منه أن يحتفظ به لنفسه، ثم قدم له جوهرة ثالثة، أروع من الأولى والثانية، وأثمن، وطلب منه أن يصوغ له عليها خاتماً،
يريده في الصباح، ثم قدم له ثلاثة جوهرات هدية، بالإضافة إلى أجرته.
وأقفل الصائغ الدكان، ومضى إلى بيته، وهو في قلق وخجل شديدين، فقص على زوجته ماكان من أمر الشاب، ورده الخاتمين عليه، وتقديمه له الجوهرات الثمينة، هدايا له، فدهشت الزوجة لكرم الشاب، وجوده، وطيبه، ثم تمنت على زوجها أن يسمح لها بتجريب الخاتم الذي صاغه له، وكان أصغر من بنصره، فقدمه إليها، فوضعته في إصبعها، فإذا هو يناسبها، وقد تألق في أنملها وازدان، فسألت زوجها أن تحتفظ به لنفسها، فقال لها: "هو لك"، فحملت الخاتم، ومضت تساهره، وتناجيه، وتتخيل الفتى الشاب فيه، وتتمنى لو تلقاه.
ومضى الزوج في صوغ الخاتم، فأكب عليه، معظم الليل، وهو يوليه من العناية والاهتمام جل مايستطيع، حتى أنهاه.
وفي الصباح قصد الدكان، وقعد ينتظر الفتى، فلما أطل عليه، رحب به، وقدم له الخاتم، وهو قلق مضطرب، فوضعه الفتى الشاب في بنصره، فجاء موافقاً له، فشكره، وأثنى عليه، ثم قدم له اثنتي عشرة جوهرة كبيرة، هدية، فدهش الصائغ، ودعا الشاب إلى مشاركته العشاء، فوعده بالحضور.
وفي المساء قدم الصائغ لضيفه أطايب الطعام، مما أشرفت على إعداده زوجته، نفسها، وأمرت الخدم أن يعنوا به العناية كلها، ثم لما كانت السهرة، أرسلت إليهما مع الخادم كأسين من الشراب، ووضعت في أحدهما منوماً، ونصحت الخادم أن تقدمه إلى زوجها.
وما إن رشف الزوج شيئاً من كأسه، حتى استغرق في نوم عميق، وقبل أن يتم الضيف كأسه، دخلت عليه سلمى زوجة الصائغ، فدهش كلاهما، وأخذ كل منهما بيد الآخر، وراح يتملى ملامحه، ويطيل فيه النظر، وهو معجب به، مفتون.
باح كل منهما للآخر بهواه، من قبل أن يراه، وأمضيا معاً ليلة فيها الأنس والنعيم، حتى طلع الفجر، وأشرف الزوج على أن يفيق، فكان لابد من الفراق، وخاف الفتى الشاب ألا يستطيع إليها الوصول، فسألها ماذا يفعل، فنصحت له بالنزول في الغد إلى البازار ، وحضور المزاد، فإن داراً مجاورة لها سوف تباع، وماعليه إلا أن يزيد في ثمنها، حتى يرسو البيع عنده، وعندئذ يمكن لهما أن يتواصلا من خلال ثغرة يحدثانها في الجدار الذي يفصل بين الدارين.
وكان للعاشقين مادبراه، فقد اشترى الشاب الدار، وأحدث في جدارها خرقاً، يفضي إلى غرفة في دار الصائغ، مهجورة، فكانا يلتقيان، ويتواصلان، وينعمان معاً بطيب اللقاء، والصائغ لا يشك في شيء، وكيف يشك، وهوا لذي وضع على زوجته سبعة أقفال؟!
وكان الفتى الشاب مايفتأ يزور الصائغ في دكانه، فيجلس معه ويسامره، وكان الصائغ يدعوه أحياناً إلى داره، فيلبي الفتى، وقد توطدت بينهما صداقة متينة، والصائغ لا ينتبه إلى مايدور وراءه في الخفاء، وإن كان قد عرف أن الفتى الشاب هو ابن ملك، وقد استغرب منه طول مقامه في البلد، ولكنه سوغه بالنزهة والفرجة والاستجمام.
ثم حان يوم كان فيه على الأمير أن يعود إلى بلاده، فقد أرسل إليه والده يعلن عن عزمه على التخلي عن العرش، وتوليته إياه، فحدث سلمى بالأمر، فقالت له: "أرحل معك"، وحين سألها عن زوجها، قالت له: "أتخلى عنه"، ثم عمدت إلى سيف زوجها، وكان قد صاغ قبضته بنفسه، ورصعها بأغلى الجواهر، فقدمته إلى عشيقها، وقالت له: "اذهب إلى زوجي، فشاوره في شرائه".
وحمل الأمير السيف ومضى به إلى الصائغ، فعرضه عليه، يسأله رأيه، فيه، فهو يريد شراءه، وقد ادعى أن أحد التجار قد عرض عليه شراءه، وما إن رأى الصائغ السيف حتى دهش، ولكنه ماكان ليشك في إخلاص زوجته، وهو الذي وضع عليها سبعة أقفال، فأخذ السيف بين يديه، وقلبه وتملاه، وأدام فيه النظر، وتفحصه، وهو بين شك ويقين، فكان كلما دقق فيه، ازداد به تعرفاً، ولكنه أنكر الأمر، ونصح للأمير بشراء السيف.
وما إن انصرف الأمير حتى أغلق الصائغ دكانه، وأسرع إلى بيته، وما إن وطئت قدمه أرض الدار، حتى صاح بزوجته، طالباً منها أن تحضر له سيفه، فتظاهرت بالتوعك، وأنكرت عليه صياحه، وقالت له:"سيفك في موضعه، فاطلبه تجده"، ومضى إلى حيث كان قد وضع سيفه، فوجده في مكانه، فخجل وتخاذل، وكتم الأمر، ووارى شكه واضطرابه.
وفي يوم آخر، قدم الأمير على الصائغ، يعرض عليه عباءة يشاوره في شرائها، وما إن رأى الصائغ العباءة حتى عرف فيها عباءته، فأخذها منه،وتفحصها، وتملاها، فازداد يقيناً بأنها عباءته، ولكنه تجاهل الأمر، وأخفى اضطرابه، ونصح للأمير بشرائها، ثم أغلق دكانه، وأسرع إلى بيته، وفعل مثل مافعل من قبل، حين رأى السيف، ولكنه خرج ثانية مخذولاً، فقد رأى عباءته في موضعها، وكانت زوجته سلمى هي التي دبرت الأمر، مثلما دبرته من قبل.
ومرت بضعة أيام، كانت الزوجة تتظاهر فيها بالتوعك والمرض، وكان الزوج يعرض عليها إحضار الطبيب، فكانت تنكر عليه أن تسمح لرجل أن يراها، فيزداد بذلك يقيناً بوفائها وإخلاصها، وإن كان يحس أن ثمة أمراً ما غريباً، يشعر به، ولا يستطيع تحديده.
وذات يوم دخل الأمير على الصائغ في الدكان، يصطحب معه جارية، جاء يشاوره في شرائها، وما إن رأى الصائغ الجارية حتى عرف فيها زوجته، وقد صبغت وجهها، وتنكرت في زي الجواري، فتقدم منها، وأخذ يتأملها، وهو في قلق واضطراب وغضب كبير، ولكنه ملك نفسه، ووارى مايجيش في داخله، ثم عمد إلى المثقب الذي يثقب به اللآلئ، فحمله، وتقدم منها، فأحدث في خديها جرحين خفيفين، وقال لصاحبه الأمير:"إن من عادة المرء إذا اشترى جارية، أن يفعل بها مثل ذلك، علامة"، ثم نصح له بشرائها، وبارك له فيها، وكان الزوج يريد بالجرحين، ترك أثر فيها، يفحمها به، حين يعود إلى البيت.
ولما مضى الأمير مع الجارية، أغلق دكانه، وأسرع إلى البيت، ولكن زوجته كانت سبقته، فغسلت الصبغ الذي دهنت به وجهها، ومدت الفراش، واستلقت فيه، وما دخل الزوج، ونادها، حتى أخذت تلطم وجهها، وتحدث فيه جروحاً بأظافرها، متظاهرة بالفزع الشديد، من دخوله المفاجئ عليها، وهي في المرض.
ولما رآها الزوج مجرحة الخدين بأظافرها، لم يستطع أن يتهمها بشيء، فصمت، وخرج مخذولاً ولكنه أدرك الحقيقة وعرف الأمر.
وأخيراً حان يوم رحيل الأمير، وكان من قبل قد كشف عن شخصه، وزار ملك البلاد، وتعرف إلى كبار الرجال، فتهيأت شيراز لوداعه، ونصبت الأقواس، ورفعت الأعلام، ولم ينسَ الأمير صاحبه الصائغ، فمر به في دكانه، قبل يوم من رحيله، يودعه، وقدم إليه هدايا لا تقدر بثمن، فحزن الصائغ لفراق صاحبه، وندم لشكوكه فيه، وأسف لسوء ظنه في زوجته، وعاد إلى يقينه بوفائها وإخلاصها.
وحين عاد الزوج إلى البيت في المساء، وأخبر زوجته بعزم الأمير على الرحيل، وصارحها بألمه لفراقه، فأبدت تأثراً خفيفاً لسفره، ولامته إذ لم يسمح لها بأن تراه طوال إقامته في البلد، ثم توسلت إليه أن يسمح لها بمشاركته في وداعه، فأبى، فعرضت عليه أن يأذن لها فقط بالإطلال من نافذة بيتها كيما تراه من بعد، قبل ذهابه، وهو الذي طالما حدثها عن شبهه بها، فوافق على أن لا تطيل المكث في النافذة.
وكانت سلمى قد هيأت كل شيء، ورتبت الأمور خير ترتيب، فما إن خرج موكب الأمير، وانضم إليه الصائغ لوداعه، حتى رأى زوجته إلى جانب الأمير، فلم يصدق ما رأى، وهو الذي أحكم إغلاق الأقفال السبعة عليها قبل خروجه، كعادته كل يوم، والتفت إلى نافذة بيته، فرأى زوجته واقفة فيها، ولا يظهر من وراء خمارها سوى عينيها، فاطمأن قلبه، ولكنه أعاد النظر إلى موكب الأمير، فإذا زوجته هي بنفسها إلى جانب الأمير، ورجع ببصره ثانية إلى نافذة بيته، فإذا هي تطل من النافذة، فحار في أمره، ولم يستطع أن يغادر الموكب، إذ كان عليه أن يبلغ معه حدود البلدة.
ولما بلغ الأمير حدود البلدة، ودعه صديقه الصائغ، وعاد إلى بيته كالريح، وارتقى درجات السلم وهو يلهث، وأقبل على النافذة، وإذا فيها دمية خشبية، على هيئة زوجته، وشكلها، قد ألبستها مثل ثيابها، ووضعتها أمام النافذة لخداعه.
وطاف الصائغ في أرجاء الدار ينادي "سلمى... سلمى... سلمى"، ولكن ما من مجيب.
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
الفتى نديم الملك
كان أحد الملوك قد رأى حلماً غريباً، أفاق عليه مزعوجاً، فأمر الحكماء والعرافين بالاجتماع وطلب منهم تفسيره، وكان قد رأى كلمة "لا" مكتوبة على أحد الألواح، ثلاث مرات، فقدمت له تفسيرات كثيرة، لم يقتنع بأحدها، مما زاد في قلقه واضطرابه، فما كان منه إلا أن صرف الحكماء والعرافين، وطلب من الوزير أن يجد له تفسيراً مناسباً، وإلا قطع رأسه، فاستمهله الوزير، فأمهله ثلاثة أيام.
ومضى الوزير إلى بيته مهموماً، يفكر ويتأمل، ويشاور ويسأل، ويقلب الأفكار، ويناقشها، وهو لا يستقر على قرار، وظل على هذه الحالة طوال المدة، ولم يصل في نهايتها إلى تفسير معقول، يفضي به إلى الملك، فما كان منه إلا أن خرج من بيته، يجر خطواته جراً، وهو لا يعرف ماذا يفعل؟ هل يعتذر إلى الملك؟ أم هل يسأله الإمهال؟ وكان يمشي بادي القلق، متعثر الخطا، يقدم رجلاً ويؤخر أخرى، مطرقاً، لا يرى ما أمامه، حائر اللب، شارد التفكير، وإذا فتى دون سن الشباب، يعترضه ويسأله عما به، فنظر الوزير إليه، مدهوشاً لجرأته، مأخوذاً بوسامته، وهو لا يستطيع الجواب، فأعاد عليه الفتى السؤال، فرجاه الوزير أن يكف عنه، وحاول صرفه، ولكن الفتى ألح عليه، فوجد الوزير نفسه مسوقاً إلى البوح بما في نفسه، والاعتراف، فحدثه بأمر الحلم، واشتغاله في تفسيره، فأبدى الفتى دهشته من الوزير، وعجب له، كيف يشغل بهذا الحلم، هذا الاشتغال كله، وهو حلم واضح التفسير، ثم قال له، وهو يبتسم:
- مثل هذا الحلم، لا يستحق مثل هذا الاهتمام، وماتفسيره سوى: أول لا، كل جسمك فيه شعر إلا راحة كفك، وثاني لا: ابن ابنك لك، وابن بنتك لا، وثالث لا عقلك يعجبك، عقل غيرك لا.
ودهش الوزير لروعة التفسير، وأسرع إلى قصر الملك، من غير أن يودع الفتى، أو يشكره، ولما دخل على الملك، ألقى عليه تفسير الحلم، وهو مزهو معتد، فأعجب الملك بالتفسير أي إعجاب، ولكنه أنكر على الوزير أن يكون هو نفسه صاحب التفسير، وأمره أن يعترف، ويصرح عمن فسره له، وحاول الوزير التملص وراوغ، ولكنه لم يجد في النهاية بداً من أن يحدث الملك بأمر الفتى، فروى له ماكان، فأمره الملك أن يحضره، فصعق الوزير، وطاش صوابه، فهو لا يعرف الفتى، بل لا يذكره، ولو رآه، ولكنه لم يجد بداً من الاستجابة، فطلب من الملك الإمهال، فأمهله ثلاثة أيام.
ورجع الوزير على الفور إلى الموضع الذي صادفه فيه الفتى، ونظر حوله، فرأى مقهى، يطل على الطريق، فقعد أمام باب المقهى، وأخذ يرقب الطريق، لعله يرى في الناس المارين ذلك الفتى، ومضى اليوم الأول، فلم يمر أحد يشبه ذلك الفتى في شيء، فقلق الوزير، ومر اليوم الثاني، مثل الأول، فازداد قلقه، وثارت شكوكه، ومر اليوم الثالث، من غير أن يرى أحداً ولو فيه بعض الشبه بذلك الفتى، فماكان منه إلا أن مضى إلى قصر الملك، يجر خطاه جراً، مهموماً مكدوداً، لا يعرف ماذا يفعل؟
وبينما الوزير في الطريق إلى الملك، وهو على تلك الحالة من الهم والانقباض وإذا الفتى نفسه أمامه، يحييه، فذهل الوزير، ولكنه ملك نفسه، وأمسك بيد الفتى على الفور، وأسرع به إلى الملك، من غير أن يحدثه بشيء، والفتى يساير الوزير، وهو لا يعلم على ماذا هو مقبل.
ولما أدخل الوزير الفتى على الملك، وقدمه إليه على أنه الفتى الذي فسر له الحلم، دهش له الملك، وأخذ بوسامته، وعندئذٍ حياه الفتى تحية إعظام وإجلال، فأعجب الملك بطلاقته وحسن تحيته، فرحب به، وأدناه منه، وعينه على الفور نديماً له، وأفسح له أفضل موضع في مجلسه.
ومنذ ذلك الحين غدا الفتى مرافق الملك، في كل آن، يأنس به، يطمئن إليه، ويشاوره في كثير من أمره، ويرتاح إليه، ويبوح له بأسراره، ويصحبه في زياراته وجلساته، ويقربه منه، ويدنيه، ويعزه ويكرمه، بل ويقدمه على وزرائه، وكبار رجال بلاطه، وهو مايزال بعد فتى، حتى إنه كان يوكل إليه النيابة عنه، وتمثيله في كثير من الاحتفالات والمناسبات، حتى عرفه أهل المملكة، وطار صيته في البلاد، وعم ذكره في كل مكان، وشهر بما عرف عنه من وسامة وذكاء، وإخلاص ووفاء.
وفي أحد الأعياد خرج الملك في موكب مهيب، يطوف في طرقات العاصمة، وشوارعها، وقد احتشد الناس في الشوارع والنوافذ والأسطحة، ينظرون إلى الملك ويرسلون إليه التحيات، ويهتفون بحياته، وكان الملك يتقدم هذا الموكب، على جواد مطهم، يتلوه وزيره الأول، ثم نديمه، وكان لايحظى باهتمام الناس أحد بعد الملك، غير الفتى، نديمه، بل إن بعضهم كان لا يعير الملك من الإلتفات والإهتمام، مثل ماكان يعير النديم.
وبينما كان الموكب يسير، كانت تقف في إحدى النوافذ فتاة حسناء، وما إن مر أمامها الملك، حتى أشارت إليه بإصبع من يدها إشارة خاصة، فهمها الملك.
ولما مر الوزير، أشارت له بأصبعين من يدها، إشارة خاصة، فهمها الوزير، ولما مر الفتى، أشارت إليه أيضاً بثلاثة أصابع من يدها، إشارة ثالثة خاصة، فهمها الفتى.
وبعد مضي يوم على الاحتفال، تزيى الملك بزيّ تاجر غريب وخرج من القصر خلسة، في وقت محدد، من غير أن يشعر به أحد، ومضى إلى البيت الذي رأى الفتاة في نافذته، ودق الباب، فخرجت له خادم عجوز، فأشار أمامها بإصبع من يده، مثل الإشارة التي كان قد رآها من الفتاة، فرحبت به الخادم وقادته إلى غرفة، رجته، أن ينتظر فيها قليلاً، وهي لا تعرف من يكون، ولم تلبث أن رجعت إليه تحمل دجاجة مشوية، ورغيف خبز، وكأس لبن، وضعتها بين يديه، وأخبرته أنها سترجع إليه بعد ساعة، ثم خرجت.
وما إن خرجت الخادم، حتى شمر الملك عن ساعديه، وأتى على كل ماوضعته الخادم بين يديه من طعام، فالتهم الدجاجة، والرغيف، وشرب كأس اللبن، وقعد ينتظر، وهو يمني نفسه، وبعد طول انتظار، دخلت عليه الخادم، فنظرت، فرأته قد التهم كل شيء، فأظهرت بعض الامتعاض، واصطنعت الأسف، ثم اعتذرت إليه، وأخبرته أن السيدة مريضة، وأنها ترغب في زيارته، في موعد آخر، فغضب الملك، ولكنه لم يجد غير الخروج، فحمل نفسه، وخرج ليعود إلى القصر، مغيظاً يجر أذيال الخيبة.
وفي اليوم التالي، تزيى الوزير بزي تاجر، وخرج إلى نفس البيت، فاستقبل بمثل ما استقبل به الملك، ففعل مثل مافعل الملك أيضاً، فلقي مالقيه الملك، فخرج مغيظاً، يجر أذيال الخيبة.
_Oni_
22-10-2005, 07:45 PM
وفي اليوم التالي استأذن الفتى الملك في الذهاب لعمل له خارج القصر، لن يتأخر فيه، فأذن له الملك، فخرج على الفور إلى البيت الذي رأى الفتاة في نافذته، وقرع الباب، فخرجت له الخادم، فقال لها: فلان، نديم الملك، فرحبت به، وقادته إلى الغرفة حتى كانت قد قادت إليها من قبل الملك ثم الوزير، وقدمت إليه مثل ماقد قدمت إليهما، ثم خرجت. ونظر الفتى إلى الطعام أمامه، ولم يلبث أن عمد إلى رغيف الخبز فقطعه قطعاً قطعاً، وإلى الدجاجة، فعرّقها تعريقاً، فعزل عظمها عن اللحم، وفتت اللحم، وزعه فوق الخبز، ثم صب كأس اللبن فوق الفتات، ثم غسل يديه، وقعد ينتظر، ولما دخلت الخادم، ورأت مافعل، أخبرته أن سيدتها بالانتظار، وقادته على الفور إلى مخدعها.
وفي المخدع التقته الفتاة، فرحبت به أروع ترحيب، ثم صرفت الخادم، وأغلقت الباب وراءها، فقد وفرت لديها كل ماسيحتاجانه، وأخذت تمر بهما الساعات، وهما في اجتناء ووصال، حتى حل المساء، فرجا النديم فتاته أن تسمح له بالعودة إلى القصر، على أن يعود إليها في اليوم التالي، فأبت عليه إلا أن يبقى الليل عندها، فلم يجد بداً من الاستجابة لطلبها، ولما كان الصباح، رجاها أن تسمح له بالعودة إلى القصر، فلم تسمح له، وهكذا ظلت تمنعه من تركها، حتى مرت بهما سبعة أيام، فأخذ الفتى يتوسل إليها ويرتجيها، ويعدها أن يعود إليها، حتى سمحت له، فخرج إلى القصر على الفور.
وكان الملك قد قلق على النديم أشد القلق، وثارت فيه شكوكه وظنونه، فلما دخل عليه بعد ذلك الغياب الطويل، تلقاه بالغضب الشديد، وسأله أن يعترف أين كان، فادعى زيارة أهله، فلم يصدقه، فذكر السفر، فكذبه، فذكر المرض، فرده، ثم ماكان منه إلا أن اتهمه بالخيانة، والتعاون مع الأعداء، ورمى به في السجن، حتى تحين محاكمته، ولم يجدِ شيئاً ذكاءُ الفتى، كما لم تنفع في شيء شفاعة الوزير، ولا توسله ولا رجاؤه في أن يعفو عن النديم.
ولبث الفتى في سجنه شهراً أو يزيد، قلقت الفتاة في الأيام الأولى عليه، وكانت تنتظر عودته، ثم شكت فيه، ولم تلبث أن وصمته بالغدر والخيانة، وتناسته، واصطنعت السلوى عنه، ولكنها لم تستطع أن تنساه، وكانت تتوقع دائماً أن يعود إليها، وترتجيه ولو طيف خيال.
حتى كان يوم أعلن فيه الملك خيانة الفتى النديم، وأرسل في أنحاء المملكة الرسل، يعلنون الحكم عليه بالإعدام، ويذيعون في الناس جريمته، ويدعونهم إلى اجتماع في يوم محدد، ليشهدوا إعدامه، في إحدى الساحات الكبرى.
وفي اليوم المحدد ألبس الفتى النديم ثياب الإعدام، وعلق في صدره بيان ذكر فيه جرمه، وهو الخيانة العظمى، وسار به الجند في موكب، يطوف به في الشوارع والطرقات، وقد احتشد الناس ليروا إليه، وفيهم النادم عليه، والآسف على شبابه، وفيهم الشامت به، والناكر له، وفيهم المتفرج الذي لا يبالي شيئاً، وهو يمرّ بهم متحملاً كلماتهم النابية، وإهاناتهم وشتائمهم ونظراتهم، من غير أن يبدي انفعالاً ما، حتى مر به الموكب بالنافذة التي كان رأى فيها الفتاة من قبل، فنظر إليها، فرآها فيها، وهي تنظر إليه، دامعة العينين، وكانت قد أدركت مما صار إليه حاله مبلغ صدقه ووفائه، ولما أصبح تحت نافذتها، قذفته برمانة، أصابته، ثم وقعت على الأرض، فانكسرت، وانفرطت حباتها وتناثرت، فنظر إليها وظل صامتاً، لا يريم، فلم تلبث أن قذفته بزجاجة عطر، فارتطمت بالأرض، وتحطمت، وانتشر شذاها، فنظر إليها ثانية، وابتسم، وأومأ إليها برأسه.
ولما بلغ موكبه ساحة الإعدام، حيث كان ينتظره الملك نفسه، ليشهد مع الوزير تنفيذ حكم الإعدام فيه، مضى بخطوات واثقة إلى منصة الإعدام، رافع الرأس، من غير أن يبدي انفعالاً، حتى بلغها، وإذا الملك يرسل وراءه الجند، فأحضروه بين يديه، فسأله الملك إن كان يطلب العفو، فأجابه أن "لا" فغضب الملك، ولكنه ملك نفسه، وأدناه منه، بحيث لا يسمعهما أحد، ثم سأله: "أريد أن أعرف أين كنت خلال الأيام السبعة التي غبت فيها عن القصر، قبل أن تشنق"، وعندئذ اعترف الفتى بالحقيقة، فدهش الملك، وأعلن على الفور العفو عن النديم، ففرح الناس بذلك فرحاً، ومشى موكب الملك، والنديم إلى جانبه، وأخذ يطوف بالشوارع والطرقات، والناس يحيون الملك والنديم، وقد تغير كل شيء.
وفي القصر خلا الملك بالنديم، وسأله أن يشرح له سرّ احتفال الفتاة به، واستقبالها إياه، على حين كانت قد رفضت استقباله، وهو الملك، وكان الملك قد اعترف للنديم بماكان من أمره في زيارته لها، فطلب النديم من الملك الأمان، فأعطاه الأمان، فأخبره بأنه كان قد قسم الخبز، وفتت اللحم، وسكب اللبن، وهو يعني بذلك أنه لن يبوح بشيء، ولو فتت لحمه، وأريق دمه، فأعجب الملك بذكائه، ولكنه سأله: "كيف بحت لي إذن بماكان؟"، فأجابه بأنه لم يفعل ذلك إلا بعد أن قذفته الفتاة بالرمانة فانفرط حبها، وهي تعني أن أفرط القضية، وبعد أن رمته بزجاجة العطر، وهي تعني أن أنشر الخبر، ولا تبق الأمر مكتوماً، فازداد إعجاب الملك بالنديم، وأدرك سر اعتذار الفتاة عن استقباله، وهو الذي التهم الطعام والشراب، ولم يفقه من الأمر شيئاً.
ثم ماكان من الملك إلا أن عين النديم وزيراً له، ثم أرسل وراء الفتاة، فزوجه إياها، وأقام لهما في القصر الأفراح، فالتقى المحبان، بعضهما ببعض فسعدا باللقاء، وعاشا في هناءة وسرور، بعد فراق وطول عذاب، وهوان.
التاجر حسن
كان في قديم الزمان تاجر كبير، ولم يكن له سوى ابن وحيد، اسمه حسن، فلما كبر التاجر وشاخ، لزم البيت، وحل ابنه محله في السوق، يبيع ويشتري.
وكان حسن فتى شاباً، مليح الوجه، حلو الحديث، جذب إليه كثيراً من المشترين، وذات يوم قصده درويش يرتدي مسوحاً غريبة، اشترى منه بعض القماش، ثم قعد عنده، وقد أعجبه منه حديثه، وراقه بيعه.
وبينما كان الدرويش عنده، كانت وفود المشترين تقدم عليه، حتى امتلأت خزانته بالنقود، وهو لا يعرف كيف وفد عليه الرزق؟ حتى إذا حل المساء، وجد أنه باع في السويعات التي مكث فيها الدرويش عنده، ماكان يبيعه من قبل في أيام، فلما حان له أن يغلق الدكان، دعا الدرويش إلى زيارته في اليوم التالي، فوعده الدرويش بذلك.
ولما كان اليوم التالي، حضر الدرويش، فحضرت معه وفود المشترين، تقصد الدكان أفواجاً أفواجاً، ودام الأمر على هذه الحالة عدة أيام، يأتي الدرويش إلى دكان حسن التاجر، فيبيع في ساعات مكثه لديه، مايبيعه في أسبوع، حتى ضج أصحاب الدكاكين المجاورة، فعقدوا العزم على مراجعة والد حسن في الأمر.
وأغلق التجار جميعاً دكاكينهم، وحملوا مفاتيحها، وقصدوا إلى دار والد حسن، فلما خرج إليهم ألقوا المفاتيح بين يديه، وأعلنوا اعتزالهم التجارة، فاستضافهم، ودعاهم إلى التحاور، فلما عرف منهم أمر الدرويش، وعدهم أن يمنع ابنه من النزول إلى السوق، وقرر أن يتخذ أجيراً، يعمل في الدكان، بدلاً من ابنه.
ونفذ والد حسن وعده، فانقطع حسن عن النزول إلى السوق أياماً، كان الدرويش يقصد فيها الدكان فلا يجده، فيعود أدراجه، حتى علم ذات يوم أن والد حسن، هو الذي منع ابنه من النزول إلى الدكان، بسببه هو، فقصد على الفور إلى دار والد حسن، فلما خرج له، عرفه بنفسه، وطلب منه أن يأذن لحسن بالعودة إلى الدكان، فرفض الأب طلبه، فنظر فيه الدرويش نظرة، فإذا هو معلق بين السماء والأرض، فأخذ يصيح، ويقطع الوعود بالسماح لابنه بالعودة إلى الدكان، فنظر فيه الدرويش نظرة، فإذا هو على الأرض.
وهكذا رجع حسن التاجر إلى الدكان، وأخذ الدرويش يزوره كل يوم، فيقعد عنده، فيبيع في حضوره، مالا يبيعه في أيام، حتى ذاع صيت حسن التاجر في البلد، وملأت شهرته الآفاق، وتناقل حديثه الغادي والرائح، فبلغ ابنة السلطان، فقررت النزول إلى السوق لشراء بعض الثياب من دكان حسن التاجر.
ونادى منادي السلطان في أصحاب الدكاكين، أن يرسل كل منهم في الغد أخته أو ابنته لتحل محله في الدكان، فقد عزمت ابنة السلطان على النزول إلى السوق.
فلما سمع حسن التاجر منادي السلطان شاور الدرويش في الأمر، فقال له:"اترك الأمر لي". ثم نصح له أن يكتحل، في اليوم التالي، وأن يتزيى بزي فتاة، وليقعد في الدكان، مدعياً أنه أخت حسن التاجر، ثم همس له: "فلتعلم أن ابنة السلطان ماقصدت السوق إلا من أجلك، فكن ذكياً".
وفي اليوم التالي اكتحل حسن التاجر، ووضع الخمار وتزيى بزي فتاة، وقعد في الدكان، ينتظر قدوم بنت السلطان.
ودخل موكب بنت السلطان السوق، يحف به الخدم والعبيد، هي في هودجها كالقمر، حتى إذا بلغت دكان حسن التاجر، نزلت إليه، فقام يحييها، ويرق لها في الحديث، جاعلاً من نفسه أخت حسن التاجر، ولقد دهشت بنت السلطان لجمال الأخت، وقدرت أن أخاها مثلها في الحسن، فتمنت لو تراه.
وأطالت بنت السلطان المكث عند حسن التاجر، وهو يحادثها ويؤانسها، ويسليها، وهي تنتقي أفخر الثياب، حتى إذا أرادت دفع ثمن ما اشترت، قال لها حسن التاجر، وهو يصطنع دور الأخت:
- أنا لا أعرف الأسعار، وسوف أسأل أخي، وغداً آتيك لأخذ الثمن.
فأطرقت بنت السلطان، وتأملت ملياً، ثم أدركت أن من يحدثها هو حسن التاجر نفسه، لا أخته، ولم تلبث أن انقادت إلى نظراته، فحددت له موعد اللقاء، وعرفته بمداخل القصر، وطريقه إلى جناحها فيه.
ولما كان اليوم التالي تنكر حسن التاجر، ومضى إلى القصر، في الموعد المضروب له، فأذن له بالدخول، فسلك طريقه إلى جناحها، وإذا هو أمام درج، وقف على كل درجة جندي، فاضطرب، وتردد، ولكنه ذكر أنه في زي فتاة، فمر بهم، وقلبه يخفق، حتى بلغ نهاية الدرج، فمضى على الفور إلى الباب الذي كانت قد دلته عليه، فقرعه، فإذ هي في الانتظار.
وأمضى العاشقان ساعات وساعات، يأنس كل منهما بالآخر ولا يستطيع عنه البعاد، حتى دخل الليل، فكان لابد من انصراف حسن التاجر، فخرج مثلما دخل، بحذر شديد.
وتكررت زيارة حسن التاجر، لبنت السلطان، حتى أخذ يزورها كل يوم، يحمل إليها أثواب الحرير، متنكراً في زي فتاة، يأتيها في الصباح، فلا يخرج إلا في المساء.
وكان يقعد في الدكان بدلاً من حسن التاجر صاحبه الدرويش، فكان يبيع ويشتري، محققاً الأرباح، ومنافساً أصحاب الدكاكين الأخرى.
ومرة ثانية اجتمع أصحاب الدكاكين وتشاوروا في الأمر، فعقدوا العزم على مراجعة والد حسن، فأغلقوا دكاكينهم، وحملوا مفاتيحها، ومضوا إليه، فلما خرج لهم، ألقوها بين يديه، فعجب لهم، فأخبروه أن ابنه لا ينزل إلى الدكان، وأن الدرويش هو الذي يحل محله، فلا يرد عليهم أحد من المشترين، فأنكر والد حسن ذلك، فأخبرهم أن ابنه ينزل كل يوم للسوق، وعندئذ ثارت شكوك التجار وقرّروا أمراً.
وما كان من التجار إلا أن اختاروا واحداًمنهم، رصد دار والد حسن، حتى إذا خرج حسن التاجر في الصباح، تبعه من وراء وراء، حتى رآه يدخل بيتاً، فكمن له خارجه، وماهي إلا برهة حتى خرجت فتاة، تمشي على عجل، فلبث ينتظر، وانتظر طويلاً، فلم يخرج أحد، فحدس أن الفتاة التي خرجت ليست إلا حسناً، وقد تنكر، فأعاد رصده في اليوم التالي، وحدث نفس ماحدث، فلما خرجت الفتاة، تبعها، وقد أيقن أنها حسن متنكراً، وإذا الفتاة تدخل قصر السلطان، ورجع الرجل إلى التجار يخبرهم، فتشاوروا، فقرروا إخبار السلطان.
فما كان من السلطان إلا أن أخلى غرفة ابنته، وملأها بالهشيم، ثم أحرقه، فامتلأت الغرفة بالدخان، ولما جاء حسن متنكراً، مرّ بالجند كعادته، ورقي الدرج، حتى بلغ الباب، فقرعه، ثم دخل، فاحتواه الدخان، ودمعت عيناه، وأطبق عليه الجند، فاقتادوه إلى السلطان.
وعلى الفور أمر السلطان بقطع رأسه، ولكن التاجر حسن رجا السلطان أن يأذن له بالكلام، فأذن، فأخبره، أن له شريكاً في الجرم، ولابد أن ينال معه العقاب، وإذا سأله السلطان من يكون أجابه بأنه الدرويش، من قبل قد أوصاه إنْ هو وقع في مأزق أن يقول مثل ذلك، وعندئذٍ أمر السلطان على الفور بإحضار الدرويش، ودلهم التاجر حسن على بيته.
وذهب نفر من الجند إلى بيت الدرويش، يطلبونه، فلما دخلوا عليه، رأوه يتنزه في حديقة قصره، فبهتوا لفخامة مارأوا، ثم أخبروه أن السلطان يطلبه، فاستأذن منهم أن يسمحوا له بارتداء ثيابه، فسمحوا له، فقادهم إلى غرفة كي ينتظروه، فدخلوا الغرفة، فإذا هي مليئة بأفخر الثياب العسكرية، وأرقاها، ودعاهم إلى ارتداء مايشاؤون ثم تركهم وخرج، فأقبل الجند على ارتداء الحلل العسكرية الفخمة، والتقليد بالسيوف المرصعة بالجواهر، وتعليق الأوسمة على الصدور، ولكن ماهي إلا هنيهة، حتى غلبهم النعاس، وأخذتهم سنة من النوم، فناموا، ورجع الدرويش، فرآهم ممددين على الأرض، وقد أغفوا فتركهم وخرج، متوقعاً وصول فريق آخر من الجند.
لقد أحس السلطان بتأخر جنده، فأرسل فريقاً آخر، فلما دخلوا على الدرويش، رأوه في حديقة قصره، متكئاً في مجلسه، وأمامه فواكه مما تشتهيه الأنفس، والغانيات تتبختر حوله، يقمن على خدمته ومنادمته، على حين كانت جوقة من المغنيين والمغنيات تؤدي أجمل الأغاني، وقد انفلتت ثلة من الراقصات، تتمايل على أعذب الألحان، فبهت الجند لما رأوا، وأخذهم الطرب، فوقفوا مشدوهين، يتأملون مايرون، فلما أتم الجوق غناءه، رحب الدرويش بالجند، ودعا كل واحد إلى انتقاء غادة من الغيد، والمضي بها، إلى حيث يشاء، في حديقة القصر، فتهافت الجند على مخاصرة الغيد، والاختلاء بهن تحت الظلال، وعلى المروج، ونظر إليهم الدرويش، وهو يتوقع وصول فريق ثالث.
وكان السلطان قد أحس أيضاً بتأخير الجند، فأرسل آخرين، فأتوا إلى القصر، حيث دلهم التاجر حسن، فإذا هم في اصطبل، ودخلوا أحد الأكواخ، فإذا هم في مستودع للتبن، ونظروا، فرأوا رفاقهم الجند، مستلقين على أكوام التبن، وهم في أسوأ حال، فواحد ملتف ببردعة حمار، وآخر معلق في عنقه عنان بغل، وثالث مرتد كيس شعير، فصاحوا بهم، فنهضوا، فرأوا ماهم فيه، فدهشوا، ومضوا يبحثون عن الدرويش، وإذا هم في مضمار الاصطبل، حيث تروض الخيول، ورفاقهم الجند مستلقون في هذا المضمار، فوق التراب والطين، وهم في أسوأ حال، فواحد مستلق إلى جانب حمار، وآخر يعانق بغلاً، وثالث قد توسد ذراع كلب ونام، وصاح بهم الجند، فنهضوا مذعورين، وقد بهتوا لما رأوا ثم مضوا يبحثون عن الدرويش.
ولما رأى الجند الدرويش هجموا عليه، فسلّم لهم، فقّيدوه، ووضعوه في كيس، وحملوه إلى السلطان، ولما صاروا إليه، قصوا عليه ماكان من أمرهم، واعتذروا لتأخرهم ثم ألقوا بين يديه ماحملوه، وإذا هم يلقون مجموعة عظام بالية نخرة، فغضب السلطان وثار، وقرر أن يذهب بنفسه لإحضار الدرويش، فنزل عن كرسي الحكم وصار إلى حديقة القصر، فإذا الدرويش فصاح الجند: الدرويش، الدرويش.
وبهت السلطان، فأمر، وهو يتلعثم، بقطع رأسه، فقاطعه الدرويش محتجاً، وقال له:
- لا يحق لك أيها السلطان أن تصدر حكماً في الناس وأنت جنب، فلا بد لك من الاغتسال أولاً.
وذهل السلطان، وقال للدرويش:
- أنت على حق.
والتفت إلى الجند يأمرهم أن يعدوا موكبه للمضي إلى الحمام، ولكن الدرويش أشار إلى البركة في حديقة القصر، وقال له:
- أمامك البركة، فهي أقرب، هيا فانزل فيها، واغتسل.
وماكان من السلطان إلا أن خلع ثيابه جميعاً، أمام الجند، فقد وقع تحت تأثير الدرويش، ثم أسرع إلى البركة، وألقى بنفسه فيها، وإذا هو في أرض عراء، لا طير فيها يطير، ولا وحش فيها يسير، فمشى على غير هدى، لا يعرف إلام يصير، حتى نال منه العطش والتعب، فرأى نبع ماء، فأقبل عليه، فعب منه وشرب، فأحس على الفور بشيء من التغير، فإذا هو امرأة، بشعر طويل، وثديين ممتلئين، فحار في أمره، ولم يعرف ماذا يفعل، فمشى حتى بلغ غابة، مليئة بالأشجار، فدخلها، فسمع صوت ضربات الفأس، فمضى إلى حديث الصوت، وإذا حطاب شاب، يكسر جذع شجرة يابس، وما إن رآه الحطاب، حتى أقبل عليه، ومخايل الإعجاب به، تلوح عليه، وهو ينظر إليه نظرات رغبة واشتهاء، فاضطرب السلطان وحار، ولكن ذكر أنه امرأة، فرضي وسلم، فلما عرض عليه الحطاب أن يتزوجه، قبل، في صمت، ومضى يسير وراء الحطاب، ويطيعه في كل ما يأمره به، فكان يجمع الحطب أكواماً أكواماً، وينقله إلى كوخه البعيد، ويعدّ الطعام، ويجلب الماء، ويشعل النار، ويهيئ الكوخ، ويغسل الثياب، ويقوم بواجب المرأة تجاه زوجها.
ومرت به الأيام والشهور، وهو زوجة للحطاب، حتى كبرت بطنه، واستدارت، وتحرّك الجنين في أحشائه، واستيقظ ذات صباح، وهو في المخاض، وبعد عناء، وضع ولداً، سمّاه "حسن"، ومرت الأيام، وكبر الولد، وحمل السلطان ثانية، ووضع صبياً آخر، سماه "حسين"، ولم تزل الأيام تمر، حتى وضع السلطان ولداً ثالثاً، سماه "حسون"، وكان خلال ذلك كله مايفتأ يساعد الحطاب، في الذهاب إلى الغابة، وتكويم الحطب، ونقله، وإعداد الطعام، وغسل الثياب.
وذات يوم كان السلطان يحمل كومة حطب، ويهبط بها على صخرة ملساء، وإذا قدمه تزل، فسقط، ووقع على الأرض، واصطدم رأسه بحجرة، ولكن لم يلبث أن نهض، فإذا هو خارج من البركة، فنظر، فرأى الجند والدرويش والتاجر حسن مازالوا جميعاً واقفين، فصاح بهم:
- ماتعبتم من الوقوف طوال هذا العمر؟ أنجبت أنا حسن وحسين وحسون، وأنتم مازلتم واقفين؟!
فضحك الجند، وصاحوا "السلطان" جن، جن السلطان، وثبّت الدرويش على السلطان الجنون، وأكده، لخروجه من البركة عارياً، ثم أمر بخلعه، فوافق الجند في الحال، ثم اقترح مبايعة التاجر حسن سلطاناً، فبايعوه، فارتقى التاجر حسن العرش، وتزوج ابنة السلطان، وأصبح هو السلطان، وقرّب إليه كلاً من أمه وأبيه، فأما الدرويش فودعه وارتحل إلى بلاد لا يعلمها إلا الله.
_Oni_
22-10-2005, 07:46 PM
وفي اليوم التالي استأذن الفتى الملك في الذهاب لعمل له خارج القصر، لن يتأخر فيه، فأذن له الملك، فخرج على الفور إلى البيت الذي رأى الفتاة في نافذته، وقرع الباب، فخرجت له الخادم، فقال لها: فلان، نديم الملك، فرحبت به، وقادته إلى الغرفة حتى كانت قد قادت إليها من قبل الملك ثم الوزير، وقدمت إليه مثل ماقد قدمت إليهما، ثم خرجت. ونظر الفتى إلى الطعام أمامه، ولم يلبث أن عمد إلى رغيف الخبز فقطعه قطعاً قطعاً، وإلى الدجاجة، فعرّقها تعريقاً، فعزل عظمها عن اللحم، وفتت اللحم، وزعه فوق الخبز، ثم صب كأس اللبن فوق الفتات، ثم غسل يديه، وقعد ينتظر، ولما دخلت الخادم، ورأت مافعل، أخبرته أن سيدتها بالانتظار، وقادته على الفور إلى مخدعها.
وفي المخدع التقته الفتاة، فرحبت به أروع ترحيب، ثم صرفت الخادم، وأغلقت الباب وراءها، فقد وفرت لديها كل ماسيحتاجانه، وأخذت تمر بهما الساعات، وهما في اجتناء ووصال، حتى حل المساء، فرجا النديم فتاته أن تسمح له بالعودة إلى القصر، على أن يعود إليها في اليوم التالي، فأبت عليه إلا أن يبقى الليل عندها، فلم يجد بداً من الاستجابة لطلبها، ولما كان الصباح، رجاها أن تسمح له بالعودة إلى القصر، فلم تسمح له، وهكذا ظلت تمنعه من تركها، حتى مرت بهما سبعة أيام، فأخذ الفتى يتوسل إليها ويرتجيها، ويعدها أن يعود إليها، حتى سمحت له، فخرج إلى القصر على الفور.
وكان الملك قد قلق على النديم أشد القلق، وثارت فيه شكوكه وظنونه، فلما دخل عليه بعد ذلك الغياب الطويل، تلقاه بالغضب الشديد، وسأله أن يعترف أين كان، فادعى زيارة أهله، فلم يصدقه، فذكر السفر، فكذبه، فذكر المرض، فرده، ثم ماكان منه إلا أن اتهمه بالخيانة، والتعاون مع الأعداء، ورمى به في السجن، حتى تحين محاكمته، ولم يجدِ شيئاً ذكاءُ الفتى، كما لم تنفع في شيء شفاعة الوزير، ولا توسله ولا رجاؤه في أن يعفو عن النديم.
ولبث الفتى في سجنه شهراً أو يزيد، قلقت الفتاة في الأيام الأولى عليه، وكانت تنتظر عودته، ثم شكت فيه، ولم تلبث أن وصمته بالغدر والخيانة، وتناسته، واصطنعت السلوى عنه، ولكنها لم تستطع أن تنساه، وكانت تتوقع دائماً أن يعود إليها، وترتجيه ولو طيف خيال.
حتى كان يوم أعلن فيه الملك خيانة الفتى النديم، وأرسل في أنحاء المملكة الرسل، يعلنون الحكم عليه بالإعدام، ويذيعون في الناس جريمته، ويدعونهم إلى اجتماع في يوم محدد، ليشهدوا إعدامه، في إحدى الساحات الكبرى.
وفي اليوم المحدد ألبس الفتى النديم ثياب الإعدام، وعلق في صدره بيان ذكر فيه جرمه، وهو الخيانة العظمى، وسار به الجند في موكب، يطوف به في الشوارع والطرقات، وقد احتشد الناس ليروا إليه، وفيهم النادم عليه، والآسف على شبابه، وفيهم الشامت به، والناكر له، وفيهم المتفرج الذي لا يبالي شيئاً، وهو يمرّ بهم متحملاً كلماتهم النابية، وإهاناتهم وشتائمهم ونظراتهم، من غير أن يبدي انفعالاً ما، حتى مر به الموكب بالنافذة التي كان رأى فيها الفتاة من قبل، فنظر إليها، فرآها فيها، وهي تنظر إليه، دامعة العينين، وكانت قد أدركت مما صار إليه حاله مبلغ صدقه ووفائه، ولما أصبح تحت نافذتها، قذفته برمانة، أصابته، ثم وقعت على الأرض، فانكسرت، وانفرطت حباتها وتناثرت، فنظر إليها وظل صامتاً، لا يريم، فلم تلبث أن قذفته بزجاجة عطر، فارتطمت بالأرض، وتحطمت، وانتشر شذاها، فنظر إليها ثانية، وابتسم، وأومأ إليها برأسه.
ولما بلغ موكبه ساحة الإعدام، حيث كان ينتظره الملك نفسه، ليشهد مع الوزير تنفيذ حكم الإعدام فيه، مضى بخطوات واثقة إلى منصة الإعدام، رافع الرأس، من غير أن يبدي انفعالاً، حتى بلغها، وإذا الملك يرسل وراءه الجند، فأحضروه بين يديه، فسأله الملك إن كان يطلب العفو، فأجابه أن "لا" فغضب الملك، ولكنه ملك نفسه، وأدناه منه، بحيث لا يسمعهما أحد، ثم سأله: "أريد أن أعرف أين كنت خلال الأيام السبعة التي غبت فيها عن القصر، قبل أن تشنق"، وعندئذ اعترف الفتى بالحقيقة، فدهش الملك، وأعلن على الفور العفو عن النديم، ففرح الناس بذلك فرحاً، ومشى موكب الملك، والنديم إلى جانبه، وأخذ يطوف بالشوارع والطرقات، والناس يحيون الملك والنديم، وقد تغير كل شيء.
وفي القصر خلا الملك بالنديم، وسأله أن يشرح له سرّ احتفال الفتاة به، واستقبالها إياه، على حين كانت قد رفضت استقباله، وهو الملك، وكان الملك قد اعترف للنديم بماكان من أمره في زيارته لها، فطلب النديم من الملك الأمان، فأعطاه الأمان، فأخبره بأنه كان قد قسم الخبز، وفتت اللحم، وسكب اللبن، وهو يعني بذلك أنه لن يبوح بشيء، ولو فتت لحمه، وأريق دمه، فأعجب الملك بذكائه، ولكنه سأله: "كيف بحت لي إذن بماكان؟"، فأجابه بأنه لم يفعل ذلك إلا بعد أن قذفته الفتاة بالرمانة فانفرط حبها، وهي تعني أن أفرط القضية، وبعد أن رمته بزجاجة العطر، وهي تعني أن أنشر الخبر، ولا تبق الأمر مكتوماً، فازداد إعجاب الملك بالنديم، وأدرك سر اعتذار الفتاة عن استقباله، وهو الذي التهم الطعام والشراب، ولم يفقه من الأمر شيئاً.
ثم ماكان من الملك إلا أن عين النديم وزيراً له، ثم أرسل وراء الفتاة، فزوجه إياها، وأقام لهما في القصر الأفراح، فالتقى المحبان، بعضهما ببعض فسعدا باللقاء، وعاشا في هناءة وسرور، بعد فراق وطول عذاب، وهوان.
التاجر حسن
كان في قديم الزمان تاجر كبير، ولم يكن له سوى ابن وحيد، اسمه حسن، فلما كبر التاجر وشاخ، لزم البيت، وحل ابنه محله في السوق، يبيع ويشتري.
وكان حسن فتى شاباً، مليح الوجه، حلو الحديث، جذب إليه كثيراً من المشترين، وذات يوم قصده درويش يرتدي مسوحاً غريبة، اشترى منه بعض القماش، ثم قعد عنده، وقد أعجبه منه حديثه، وراقه بيعه.
وبينما كان الدرويش عنده، كانت وفود المشترين تقدم عليه، حتى امتلأت خزانته بالنقود، وهو لا يعرف كيف وفد عليه الرزق؟ حتى إذا حل المساء، وجد أنه باع في السويعات التي مكث فيها الدرويش عنده، ماكان يبيعه من قبل في أيام، فلما حان له أن يغلق الدكان، دعا الدرويش إلى زيارته في اليوم التالي، فوعده الدرويش بذلك.
ولما كان اليوم التالي، حضر الدرويش، فحضرت معه وفود المشترين، تقصد الدكان أفواجاً أفواجاً، ودام الأمر على هذه الحالة عدة أيام، يأتي الدرويش إلى دكان حسن التاجر، فيبيع في ساعات مكثه لديه، مايبيعه في أسبوع، حتى ضج أصحاب الدكاكين المجاورة، فعقدوا العزم على مراجعة والد حسن في الأمر.
وأغلق التجار جميعاً دكاكينهم، وحملوا مفاتيحها، وقصدوا إلى دار والد حسن، فلما خرج إليهم ألقوا المفاتيح بين يديه، وأعلنوا اعتزالهم التجارة، فاستضافهم، ودعاهم إلى التحاور، فلما عرف منهم أمر الدرويش، وعدهم أن يمنع ابنه من النزول إلى السوق، وقرر أن يتخذ أجيراً، يعمل في الدكان، بدلاً من ابنه.
ونفذ والد حسن وعده، فانقطع حسن عن النزول إلى السوق أياماً، كان الدرويش يقصد فيها الدكان فلا يجده، فيعود أدراجه، حتى علم ذات يوم أن والد حسن، هو الذي منع ابنه من النزول إلى الدكان، بسببه هو، فقصد على الفور إلى دار والد حسن، فلما خرج له، عرفه بنفسه، وطلب منه أن يأذن لحسن بالعودة إلى الدكان، فرفض الأب طلبه، فنظر فيه الدرويش نظرة، فإذا هو معلق بين السماء والأرض، فأخذ يصيح، ويقطع الوعود بالسماح لابنه بالعودة إلى الدكان، فنظر فيه الدرويش نظرة، فإذا هو على الأرض.
وهكذا رجع حسن التاجر إلى الدكان، وأخذ الدرويش يزوره كل يوم، فيقعد عنده، فيبيع في حضوره، مالا يبيعه في أيام، حتى ذاع صيت حسن التاجر في البلد، وملأت شهرته الآفاق، وتناقل حديثه الغادي والرائح، فبلغ ابنة السلطان، فقررت النزول إلى السوق لشراء بعض الثياب من دكان حسن التاجر.
ونادى منادي السلطان في أصحاب الدكاكين، أن يرسل كل منهم في الغد أخته أو ابنته لتحل محله في الدكان، فقد عزمت ابنة السلطان على النزول إلى السوق.
فلما سمع حسن التاجر منادي السلطان شاور الدرويش في الأمر، فقال له:"اترك الأمر لي". ثم نصح له أن يكتحل، في اليوم التالي، وأن يتزيى بزي فتاة، وليقعد في الدكان، مدعياً أنه أخت حسن التاجر، ثم همس له: "فلتعلم أن ابنة السلطان ماقصدت السوق إلا من أجلك، فكن ذكياً".
وفي اليوم التالي اكتحل حسن التاجر، ووضع الخمار وتزيى بزي فتاة، وقعد في الدكان، ينتظر قدوم بنت السلطان.
ودخل موكب بنت السلطان السوق، يحف به الخدم والعبيد، هي في هودجها كالقمر، حتى إذا بلغت دكان حسن التاجر، نزلت إليه، فقام يحييها، ويرق لها في الحديث، جاعلاً من نفسه أخت حسن التاجر، ولقد دهشت بنت السلطان لجمال الأخت، وقدرت أن أخاها مثلها في الحسن، فتمنت لو تراه.
وأطالت بنت السلطان المكث عند حسن التاجر، وهو يحادثها ويؤانسها، ويسليها، وهي تنتقي أفخر الثياب، حتى إذا أرادت دفع ثمن ما اشترت، قال لها حسن التاجر، وهو يصطنع دور الأخت:
- أنا لا أعرف الأسعار، وسوف أسأل أخي، وغداً آتيك لأخذ الثمن.
فأطرقت بنت السلطان، وتأملت ملياً، ثم أدركت أن من يحدثها هو حسن التاجر نفسه، لا أخته، ولم تلبث أن انقادت إلى نظراته، فحددت له موعد اللقاء، وعرفته بمداخل القصر، وطريقه إلى جناحها فيه.
ولما كان اليوم التالي تنكر حسن التاجر، ومضى إلى القصر، في الموعد المضروب له، فأذن له بالدخول، فسلك طريقه إلى جناحها، وإذا هو أمام درج، وقف على كل درجة جندي، فاضطرب، وتردد، ولكنه ذكر أنه في زي فتاة، فمر بهم، وقلبه يخفق، حتى بلغ نهاية الدرج، فمضى على الفور إلى الباب الذي كانت قد دلته عليه، فقرعه، فإذ هي في الانتظار.
وأمضى العاشقان ساعات وساعات، يأنس كل منهما بالآخر ولا يستطيع عنه البعاد، حتى دخل الليل، فكان لابد من انصراف حسن التاجر، فخرج مثلما دخل، بحذر شديد.
وتكررت زيارة حسن التاجر، لبنت السلطان، حتى أخذ يزورها كل يوم، يحمل إليها أثواب الحرير، متنكراً في زي فتاة، يأتيها في الصباح، فلا يخرج إلا في المساء.
وكان يقعد في الدكان بدلاً من حسن التاجر صاحبه الدرويش، فكان يبيع ويشتري، محققاً الأرباح، ومنافساً أصحاب الدكاكين الأخرى.
ومرة ثانية اجتمع أصحاب الدكاكين وتشاوروا في الأمر، فعقدوا العزم على مراجعة والد حسن، فأغلقوا دكاكينهم، وحملوا مفاتيحها، ومضوا إليه، فلما خرج لهم، ألقوها بين يديه، فعجب لهم، فأخبروه أن ابنه لا ينزل إلى الدكان، وأن الدرويش هو الذي يحل محله، فلا يرد عليهم أحد من المشترين، فأنكر والد حسن ذلك، فأخبرهم أن ابنه ينزل كل يوم للسوق، وعندئذ ثارت شكوك التجار وقرّروا أمراً.
وما كان من التجار إلا أن اختاروا واحداًمنهم، رصد دار والد حسن، حتى إذا خرج حسن التاجر في الصباح، تبعه من وراء وراء، حتى رآه يدخل بيتاً، فكمن له خارجه، وماهي إلا برهة حتى خرجت فتاة، تمشي على عجل، فلبث ينتظر، وانتظر طويلاً، فلم يخرج أحد، فحدس أن الفتاة التي خرجت ليست إلا حسناً، وقد تنكر، فأعاد رصده في اليوم التالي، وحدث نفس ماحدث، فلما خرجت الفتاة، تبعها، وقد أيقن أنها حسن متنكراً، وإذا الفتاة تدخل قصر السلطان، ورجع الرجل إلى التجار يخبرهم، فتشاوروا، فقرروا إخبار السلطان.
فما كان من السلطان إلا أن أخلى غرفة ابنته، وملأها بالهشيم، ثم أحرقه، فامتلأت الغرفة بالدخان، ولما جاء حسن متنكراً، مرّ بالجند كعادته، ورقي الدرج، حتى بلغ الباب، فقرعه، ثم دخل، فاحتواه الدخان، ودمعت عيناه، وأطبق عليه الجند، فاقتادوه إلى السلطان.
وعلى الفور أمر السلطان بقطع رأسه، ولكن التاجر حسن رجا السلطان أن يأذن له بالكلام، فأذن، فأخبره، أن له شريكاً في الجرم، ولابد أن ينال معه العقاب، وإذا سأله السلطان من يكون أجابه بأنه الدرويش، من قبل قد أوصاه إنْ هو وقع في مأزق أن يقول مثل ذلك، وعندئذٍ أمر السلطان على الفور بإحضار الدرويش، ودلهم التاجر حسن على بيته.
وذهب نفر من الجند إلى بيت الدرويش، يطلبونه، فلما دخلوا عليه، رأوه يتنزه في حديقة قصره، فبهتوا لفخامة مارأوا، ثم أخبروه أن السلطان يطلبه، فاستأذن منهم أن يسمحوا له بارتداء ثيابه، فسمحوا له، فقادهم إلى غرفة كي ينتظروه، فدخلوا الغرفة، فإذا هي مليئة بأفخر الثياب العسكرية، وأرقاها، ودعاهم إلى ارتداء مايشاؤون ثم تركهم وخرج، فأقبل الجند على ارتداء الحلل العسكرية الفخمة، والتقليد بالسيوف المرصعة بالجواهر، وتعليق الأوسمة على الصدور، ولكن ماهي إلا هنيهة، حتى غلبهم النعاس، وأخذتهم سنة من النوم، فناموا، ورجع الدرويش، فرآهم ممددين على الأرض، وقد أغفوا فتركهم وخرج، متوقعاً وصول فريق آخر من الجند.
لقد أحس السلطان بتأخر جنده، فأرسل فريقاً آخر، فلما دخلوا على الدرويش، رأوه في حديقة قصره، متكئاً في مجلسه، وأمامه فواكه مما تشتهيه الأنفس، والغانيات تتبختر حوله، يقمن على خدمته ومنادمته، على حين كانت جوقة من المغنيين والمغنيات تؤدي أجمل الأغاني، وقد انفلتت ثلة من الراقصات، تتمايل على أعذب الألحان، فبهت الجند لما رأوا، وأخذهم الطرب، فوقفوا مشدوهين، يتأملون مايرون، فلما أتم الجوق غناءه، رحب الدرويش بالجند، ودعا كل واحد إلى انتقاء غادة من الغيد، والمضي بها، إلى حيث يشاء، في حديقة القصر، فتهافت الجند على مخاصرة الغيد، والاختلاء بهن تحت الظلال، وعلى المروج، ونظر إليهم الدرويش، وهو يتوقع وصول فريق ثالث.
وكان السلطان قد أحس أيضاً بتأخير الجند، فأرسل آخرين، فأتوا إلى القصر، حيث دلهم التاجر حسن، فإذا هم في اصطبل، ودخلوا أحد الأكواخ، فإذا هم في مستودع للتبن، ونظروا، فرأوا رفاقهم الجند، مستلقين على أكوام التبن، وهم في أسوأ حال، فواحد ملتف ببردعة حمار، وآخر معلق في عنقه عنان بغل، وثالث مرتد كيس شعير، فصاحوا بهم، فنهضوا، فرأوا ماهم فيه، فدهشوا، ومضوا يبحثون عن الدرويش، وإذا هم في مضمار الاصطبل، حيث تروض الخيول، ورفاقهم الجند مستلقون في هذا المضمار، فوق التراب والطين، وهم في أسوأ حال، فواحد مستلق إلى جانب حمار، وآخر يعانق بغلاً، وثالث قد توسد ذراع كلب ونام، وصاح بهم الجند، فنهضوا مذعورين، وقد بهتوا لما رأوا ثم مضوا يبحثون عن الدرويش.
ولما رأى الجند الدرويش هجموا عليه، فسلّم لهم، فقّيدوه، ووضعوه في كيس، وحملوه إلى السلطان، ولما صاروا إليه، قصوا عليه ماكان من أمرهم، واعتذروا لتأخرهم ثم ألقوا بين يديه ماحملوه، وإذا هم يلقون مجموعة عظام بالية نخرة، فغضب السلطان وثار، وقرر أن يذهب بنفسه لإحضار الدرويش، فنزل عن كرسي الحكم وصار إلى حديقة القصر، فإذا الدرويش فصاح الجند: الدرويش، الدرويش.
وبهت السلطان، فأمر، وهو يتلعثم، بقطع رأسه، فقاطعه الدرويش محتجاً، وقال له:
- لا يحق لك أيها السلطان أن تصدر حكماً في الناس وأنت جنب، فلا بد لك من الاغتسال أولاً.
وذهل السلطان، وقال للدرويش:
- أنت على حق.
والتفت إلى الجند يأمرهم أن يعدوا موكبه للمضي إلى الحمام، ولكن الدرويش أشار إلى البركة في حديقة القصر، وقال له:
- أمامك البركة، فهي أقرب، هيا فانزل فيها، واغتسل.
وماكان من السلطان إلا أن خلع ثيابه جميعاً، أمام الجند، فقد وقع تحت تأثير الدرويش، ثم أسرع إلى البركة، وألقى بنفسه فيها، وإذا هو في أرض عراء، لا طير فيها يطير، ولا وحش فيها يسير، فمشى على غير هدى، لا يعرف إلام يصير، حتى نال منه العطش والتعب، فرأى نبع ماء، فأقبل عليه، فعب منه وشرب، فأحس على الفور بشيء من التغير، فإذا هو امرأة، بشعر طويل، وثديين ممتلئين، فحار في أمره، ولم يعرف ماذا يفعل، فمشى حتى بلغ غابة، مليئة بالأشجار، فدخلها، فسمع صوت ضربات الفأس، فمضى إلى حديث الصوت، وإذا حطاب شاب، يكسر جذع شجرة يابس، وما إن رآه الحطاب، حتى أقبل عليه، ومخايل الإعجاب به، تلوح عليه، وهو ينظر إليه نظرات رغبة واشتهاء، فاضطرب السلطان وحار، ولكن ذكر أنه امرأة، فرضي وسلم، فلما عرض عليه الحطاب أن يتزوجه، قبل، في صمت، ومضى يسير وراء الحطاب، ويطيعه في كل ما يأمره به، فكان يجمع الحطب أكواماً أكواماً، وينقله إلى كوخه البعيد، ويعدّ الطعام، ويجلب الماء، ويشعل النار، ويهيئ الكوخ، ويغسل الثياب، ويقوم بواجب المرأة تجاه زوجها.
ومرت به الأيام والشهور، وهو زوجة للحطاب، حتى كبرت بطنه، واستدارت، وتحرّك الجنين في أحشائه، واستيقظ ذات صباح، وهو في المخاض، وبعد عناء، وضع ولداً، سمّاه "حسن"، ومرت الأيام، وكبر الولد، وحمل السلطان ثانية، ووضع صبياً آخر، سماه "حسين"، ولم تزل الأيام تمر، حتى وضع السلطان ولداً ثالثاً، سماه "حسون"، وكان خلال ذلك كله مايفتأ يساعد الحطاب، في الذهاب إلى الغابة، وتكويم الحطب، ونقله، وإعداد الطعام، وغسل الثياب.
وذات يوم كان السلطان يحمل كومة حطب، ويهبط بها على صخرة ملساء، وإذا قدمه تزل، فسقط، ووقع على الأرض، واصطدم رأسه بحجرة، ولكن لم يلبث أن نهض، فإذا هو خارج من البركة، فنظر، فرأى الجند والدرويش والتاجر حسن مازالوا جميعاً واقفين، فصاح بهم:
- ماتعبتم من الوقوف طوال هذا العمر؟ أنجبت أنا حسن وحسين وحسون، وأنتم مازلتم واقفين؟!
فضحك الجند، وصاحوا "السلطان" جن، جن السلطان، وثبّت الدرويش على السلطان الجنون، وأكده، لخروجه من البركة عارياً، ثم أمر بخلعه، فوافق الجند في الحال، ثم اقترح مبايعة التاجر حسن سلطاناً، فبايعوه، فارتقى التاجر حسن العرش، وتزوج ابنة السلطان، وأصبح هو السلطان، وقرّب إليه كلاً من أمه وأبيه، فأما الدرويش فودعه وارتحل إلى بلاد لا يعلمها إلا الله.
_Oni_
22-10-2005, 07:54 PM
عمود من الذهب
كانت أسرة منكودة ، شقية الحظ، بائسة فقيرة، فالأب يخرج إلى العمل، قبل شروق الشمس، ليعود بعد غروبها، متعباً مكدوداً، وهو لا يستطيع أن يوفر لعياله إلا بعض الحاجات، فكأنه في سعيه وراء الرزق، إنما يسعى على قدميه، وراء فرس هارب منه، والأم توقظ من بعد خروجه الأولاد، فترسل بعضهم إلى الكتّاب، وترسل بعضهم إلى الأزقة والحارات للعب، ثم تخرج هي لتطوف على جاراتها، تسمع قصة من هنا، وحديثاً من هناك، وتنال خلال ذلك فضلاً من طعام، لتعود إلى البيت، قبل الغروب، فتعد للأفواه الجائعة، والأجساد المتعبة، مايمسك عليها رمقها، ويحفظ لها الحياة.
وعلى هذه الحالة، كانت تمر بالأسرة الأيام، رتيبة مملّة، لا سبيل فيها إلى الخلاص، ولا حيلة، بل إنها لتنحدر بالأسرة من فقر قاس مرّ، إلى فقر أقسى وأمرّ.
وذات يوم رأت الأم جارة لها في طوق ذهبي، يحلّي عنقها، وهي الجارة التي كانت تشمخ عليها دائماً بغناها، وتفخر أمامها بما لديها من حلي وثياب، والتي لم تكن مثلها في الجمال، فحنقت وتألمت وتذكرت أبويها اللذين زوجاها لرجل فقير معدم.
ولما رجع الزوج من عمله في المساء، تلقته باللوم والعتاب، وأثقلت عليه، وهي تندب حظها، وتبكي جمالها الضائع، الذي لا يزينه عقد، مثل عقد جارتها، فأدرك الزوج سرّ غضبها، وعرف أمرها، فقال لها:"غداً آتيك بعقد ذهبي"، فجن جنونها، وفرحت فرحاً، ونسيت حالة زوجها، وغفلت عما هم فيه من بؤس وشقاء، وغدت في فجر اليوم التالي إلى جارتها تزف لها وعد زوجها، وتكيد لها، وتباهي أمامها بجيدها الذي يليق به عقد رائع، ثم طلبت منها أن توسع لها طوق ثوبها، ليكشف عن صدرها، ويغدو العقد فيه أكثر بروزاً وظهوراً، بل أكثر بهاء وروعة.
ورجعت إلى البيت تنتظر أوبة زوجها في المساء، ولما سمعت صوته في الباب، أسرعت إليه بالتهليل والترحيب، وهي تتوقع أن يضع الطوق في عنقها، قبل أن يخطو داخل الدار، ولكنها فوجئت به لا يحمل شيئاً، فوجمت، وأطرقت، في خيبة كبيرة، فلم يجد الزوج بدّاً من مداراتها. فأخبرها أنه رأى أن يشتري لها زوجين من الأساور، تحلّي بهما معصمها، فالأساور في يدها أحلى وأجمل، ففرحت بوعده، ونامت هانئة، وهي تحلم بالأساور.
وأسرعت في اليوم التالي إلى جارتها، لتخبرها بالأساور التي سيشتريها لها زوجها، وتباهى بها أمامها، وترتجيها أن تقص لها أكمام ثوبها، كي تكشف عن معصميها، فتظهر أساورها، فاستجابت الجارة إلى طلبها، وقد أدركت حماقتها، وكانت تضحك منها.
وفي المساء كانت تنتظر زوجها، واستقبلته في الباب بفرح كبير، وهي تتوقع أن يقدم لها الأساور، ولكنها فوجئت به لا يحمل شيئاً، ولكي يتخلص الزوج من غضبها ونكدها، أقنعها بأنه سيشتري لها بدلاً من الأساور خلخالين، تزين بهما قدميها، فإذا مشت سمع الجيران لها رنيناً، فصدقت وعده، ورأت أن الخلخالين في قدميها أحلى، وأجمل، وأكثر إغاطة لجارتها.
ومنذ الفجر، أسرعت إلى جارتها تخبرها بوعد زوجها، وتؤكد لها أن الخلخالين في قدميها، أجمل من الطوق في عنقها، أو الأساور في معصمها، ثم رجتها أن تقص لها طرف ثوبها، كي يكشف عن قدميها، فيظهر الخلخالان، فأجابت الجارة طلبها.
وفي المساء، انتظرت زوجها، بلهفة كبيرة، ولما دخل عليها لا يحمل شيئاً، خاب أملها، وقعدت حزينة، ولم يجد الزوج بداً من وعد آخر، ينسيها ماهي فيه، ويجد فيه عذراً، من غير أن يذكرها بما هم فيه من بؤس مدقع، فقال لها: "لقد رأيت أن نشتري داراً نرتاح فيها، وهي أفضل من الأساور والخلاخيل والعقود"، فصدقت وعده وفرحت لذلك.
وخرج الزوج إلى عمله في الصباح، وبينما هو في بعض الطريق، إذ سمع رجلاً ينادي معلناً عن دار كبيرة، ذات غرف كثيرة، مفروشة، بأثمن الأثاث، معروضة للبيع، ولا يطالب شاريها بثمنها إلا بعد أن يسكنها سبعة أيام، فأصغى الرجل إلى المنادي، وتتبع الصوت، حتى رأى المنادي فسأله عن الدار، فدلّه عليها، وأعطاه مفاتيحها على الفور، وأكد له أنه لن يطالب بثمنها قبل أن تمضي على سكناه فيها سبعة أيام، ففرح الرجل، وأخذ المفاتيح، وطار بها إلى زوجته.
واستغربت الزوجة عودة زوجها، ولكنها ما إن رأت المفاتيح في يده، حتى جن جنونها، فأخذت تزغرد وتنادي الجارات، كي يودعنها، ويشاركنها في نقل ما لديها من متاع إلى الدار الجديدة التي اشتراها لها زوجها.
وتلقفت المفاتيح، وأسرعت إلى ماعندها من فرش عتيقة تطويها، ومالديها من كراسٍ محطمة تحزمها، ومافي مطبخها من أوانٍ مكسرة تجمعها، وبدأت تهيئ نفسها للانتقال، ولكن زوجها أخبرها أن الدار مفروشة بفاخر الأثاث، وطلب منها ألا تحمل شيئاً معها البتة، فليس عليها سوى الذهاب إلى الدار، وسكناها، فلم تكد تصدق ماسمعت، فأيقظت الأولاد، ومنعتهم من الذهاب إلى ماكان يذهب إليه كل واحد منهم من قبل، ثم قادتهم أمامها، وخرجت وراء زوجها، تحمل صرة ثيابها، التي أبت إلا حملها معها ومضت قاصدة الدار الجديدة.
وكانت الجارات قد سمعن زغاريدها، وأصواتها، وجلبتها وضجيجها، فوقفن في نوافذهن، يرين إليها، وهي تخرج مع زوجها وأولادها إلى الدار الجديدة، فأخذت تخطر أمامهن، مزهوة بنفسها، وهي تشير إليهن بيدها، مودعة وتدعوهن إلى زيارتها في الدار الجديدة، وهن يتهامسن عليها، ويتغامزن، غير مصدقات مايسمعن، ومايرين.
ولما بلغ الزوج بأسرته الدار الجديدة، فتح الباب، وأدخلهم فيها، ثم تركهم ومضى إلى عمله، من غير أن يدخل الدار.
ودهشت الزوجة لما رأت، بل ذهلت، دار كالقصر، بل كجنة الفردوس، باحتها واسعة، فيها بركة كبيرة، تترقرق فيها المياه، تلعب فيها الأسماك، وتحوم على حوافها الطيور، وتظللها شجيرات الورود والياسمين، فتنشر عبقها الناعم اللذيذ، وحول الباحة الواسعة، تمتد الغرف، وهي كثيرة، بشرفاتها، ونوافذها، وقد بدت من وراء النوافذ الستائر الرقيقة الهفهافة، تداعبها النسمات، فتميس، وفي صدر الدار إيوان، تظلله واقية من الخشب الساج، حفرت فيه أحلى النقوش وطعمت بالعاج، وقد مدت في صدر الإيوان أريكة، وبسطت في أرضه سجادة، على حين ترك بابا الغرفتين المطلتين على الإيوان مفتوحين، فبدا أنهما غرفتان للزوار، مفروشتان بأفخر الأثاث.
والتفتت المرأة إلى أولادها، وضمتهم إليها، وقالت:"انظروا ماذا اشترى لنا أبوكم". وقد ذهلت بما رأت، ودهشت، وملكت عليها الدار عقلها، فنست أن زوجها معدم فقير، وأنه لا يستطيع شراء غرفة من هذه الدار، فليس لديه من ثمنها شيء، ولو درهم.
ثم أخذت تدخل الغرف غرفة غرفة، تتأملها، وتؤخذ بما حوت من فراش وديباج وأثاث وسجاد، ومما لم تكن تحلم به من قبل، أو تفكر فيه، أو تتمناه، أو لم تكن في الحقيقة تسمع به، أو تعرفه، أو تراه.
ولما اهتدت إلى الحمام فرحت بها، فأدخلت فيها الأولاد، فغسلتهم، وحممتهم، وأخرجتهم كالورود، وألبستهم مما في الخزائن، من فاخر الثياب، ثم ارتدت هي أجمل مارأته، ونشرت حولها العطور، وماست، وتبخترت، وخطرت في باحة الدار، تتمتع بالأزهار والطيور، وتتمنى لو شهدت جاراتها ماهي فيه.
ثم لما كان الغداء، أعدّت لأولادها أطيب ألوان الطعام، مما لم تكن قد ذاقته من قبل، أو كانت تسمع عنه في أحاديث الجارات، مما كن هن أنفسهن لا يذقنه إلا في الولائم والمناسبات، فكانت تأكل وتطعم أولادها وتتمنى أن يشاركهم زوجها الطعام، ولكنها كانت تؤمل عودته في المساء.
وأقبل المساء، ولكن الزوج لم يأتِ، فتسلت عنه وأولادها بالقعود في الإيوان، والتفرج على البركة والأشجار والتمتع بالنسمات العليلة، تنفح عبق الأزهار.
ثم نعس الأولاد فحملت كل واحد إلى سرير، وغطته بأفخر الأغطية، واطمأنت عليه، ثم قعدت وحدها تنتظر زوجها، ولما تأخّر، وغلبها النعاس، قصدت مخدعها، فإذا سريرها من خشب ساج، وإذا كلتها من لؤلؤ وحرير، وإذا فراشها من دمقس الشام، تفوح في غرفتها الأطايب والبخور، وما هي إلا برهة حتى غلبها النعاس، فنامت.
ولم تكد تغفى، حتى سمعت صوتاً أجش، غريباً يخيف، يهتف بها سائلاً:"أقوم؟" فلم تجب، فتكرر السؤال، بصوت راعب: "أقوم"؟ فلم ترد، فتكرر ثالثة: "أقوم"؟، وعمّ الصمت، وعادت إلى النوم.
ثم استيقظت في الصباح، على صوت الأطيار، وقد تسلل النور من خلال نافذتها، رقيقاً هادئاً، تلونه الستائر بأزهى الألوان، فتمطت في فراشها، ولم تنهض، وأمضت فترة الضحى مسترخية، ناعمة بالدفء والنعومة والطيب، حتى غمر نور الشمس الزجاج، فنهضت وأعدت لأولادها الفطور، وأخذت تمضي معهم الساعات في تفرج على الغرف، والتسلي باللعب في باحة الدار، ثم أعدت لهم عند الظهر غذاء شهيّاً، وهي ناعمة مطمئنة، وإن كانت قد شغلت قليلاً على زوجها.
وفي المساء، انتظرت زوجها، وقد داخلها القلق، وساورتها الشكوك، وذكرت الصوت الأجش الغريب، وسهرت، وطال بها السهر، وقد نام الأولاد، وظلت وحدها، حتى غلبها النعاس، فلجأت إلى فراشها، ونامت، وإذا الصوت الأجش الغريب، الذي سألها في ليلة أمس، يسألها الليلة السؤال نفسه، ثلاث مرات، من غير أن تجيب، وقد فزعت فزعاً، ولكنها لم تلبث أن عادت إلى النوم.
وأمضت اليوم الثالث، وهي تنعم بما هي فيه من أسباب النعيم، ولكنها شغلت على زوجها وقلقت، ولما كان المساء، ذكرت ذلك الصوت، وفكرت، فحسبت أنه رجل علم بغياب زوجها، فهو يريد بها أذى، فملكت نفسها وعزمت على تحدّيه، فعمدت إلى هراوة غليظة، جعلتها إلى جانبها في السرير، وأمسكت بها، بحيث تستطيع أن تهوى بها على مصدر الصوت، ثم أغمضت عينيها، وباتت تنتظر الصوت، وقلبها يخفق بشدة، ويدها تقبض على الهراوة، بقوة.
وطرق سمعها الصوت، أجش غريباً يخيف:"أقوم"؟ فلم تتحرك، وشدت يدها على الهراوة، وسألها ثانية: "أقوم"؟ وحبست أنفاسها، فسألها ثانية:"أقوم؟" وطوحت بالهراوة بقوة، مغمضة العينين، تجاه الصوت، فاصطدمت بجسد صلد، ثم سمعت صوت شيء ثقيل، يقع على الأرض.
فقالت تحدث نفسها: "لقد قتلته"، ثم نهضت بهدوء، ونزلت من السرير، وإذا عمود طويل، ممدد على الأرض، فدنت منه، فإذا هو أصفر اللون، فمالت عليه، بخوف، ثم جسّته، فإذا هو صلد، رطب، له بريق، فتملت فيه، وتأكدت منه، فإذا هو ذهب، وعندئذٍ أدركت سر الدار، فهي مسكونة بالعفاريت، عافها أهلها، وهم راغبون في بيعها، بمافيها، بأبخس الأثمان، وما العفاريت في الحقيقة إلا كنز مرصود لصاحبه، وهي صاحبة هذا الكنز، كما أدركت سرّ غياب زوجها، فهو ينتظر مضي الأيام السبعة، كي يعيدها إلى الدار القديمة،ويرد المفتاح إلى أصحابه، وما عليها هي إذن غير الانتظار، كي تكسر قطعة من عمود الذهب، لتدفع ثمن الدار، وماكان منها إلا أن عمدت إلى ملاءة الفراش، فجذبتها، وغطت بها العمود، وأوت إلى الفراش، ونامت فيه إلى الصباح.
وأخذت تمضي الأيام التالية في سعادة ونعيم، وهي وأبناؤها، تمتع نفسها بما كانت تحلم به، وتتمناه، بل بما هو أكثر مما كانت تحلم به أو تتمناه.
وفي صباح اليوم الثامن حضر زوجها، فاستقبلته بترحيب كبير، فأبدى تجهماً وأسفاً، ثم رجاها أن تتهيأ والأولاد لمغادرة الدار، وأخذ يشرح لها حقيقة الدار، وهي تصغي إليه بصبر كبير، ثم ذكرها بحالهم، وبماهم عليه من فقر، وعاتبها في طلبها أن يشتري لها عقداً، كما لامها في تصديقها وعده، ثم اعتذر لها، وأكد لها أنه من الممكن أن يعيشوا في الفقر، بسعادة وهناءة، إن هم قنعوا بماهم فيه، ولم يتطلعوا إلى ماعند الآخرين.
وكانت الزوجة ماتزال تتحمل الحديث الطويل، بصبر، حتى لم يبق لدى الزوج شيء يقوله، وعندئذٍ قادته إلى مخدعها، ثم وقفت به أمام العمود المغطى، وطلبت منه أن يكشف عنه الغطاء، فتردد، ثم فعل، فإذا هو أمام عمود من الذهب، فدهش لما رأى، فروت له ماكان، ثم طلبت منه أن يكسر من العمود قطعة، ليمضي بها إلى السوق، فيبيعها، ليدفع لأصحاب الدار ثمنها.
ففرح الزوج بما رأى، وهنأ زوجته، وبارك لها في صبرها، وقد أدرك أن الأسرة قد ودعت عهد الفقر والبؤس والحرمان، وأنها دخلت في حياة السعادة والهناءة والنعيم.
ولما حمل الزوج قطعة من الذهب، وهم بالمضي بها إلى السوق، نادته زوجته، وهو في الباب، فالتفت إليها يسألها عما تريد، فقالت له: "لا تنسَ أن تشتري لي العقد الذي وعدتني به"، فضحك وقال لها: "سأشتري العقد والأساور والخلاخيل، وأنت لا تنسِ دعوة جاراتك إلى زيارتك، في الدار الجديدة"، ثم خرج، وأغلق الباب وراءه.
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
الأخوات الثلاث
كان في أحد البلاد ملك شاب، وسيم الطلعة، قوي الساعد، ولكنه سريع الغضب، حاد الانفعال، وذات يوم أراد أن يتعرف على أحوال الناس، فأمر ألا يضاء في الليل مصباح، وخرج مع الوزير، متنكراً وبدأ يدور في الأحياء، يتنصت على الأقوال، من وراء الأبواب، ولفت نظره ضوء بيت في طرف البلدة، فمضى إليه، حتى إذا بلغه وقف تحت شباكه المضاء، وأخذ يصيخ السمع إلى مايدور في داخله، وهو في أشد الغضب لمخالفة أصاحب البيت أمره، في إضاءة المصباح.
وكان في البيت ثلاث أخوات، صبايا، فقيرات، يعملن في غزل القطن، من أجل تأمين لقمة العيش، فقد توفي عنهن والدهن، ولم يترك لهن من المال شيئاً، ولذلك أضأن المصباح، ليعملن، مخالفات أمر الملك، وبينما كان الملك يصغي إلى مايدور في بيتهن، تحت الشباك، كن يتحدثن ويتمازحن ولقد تأوهت الكبرى منهن، وقالت:
- لو يتزوجني الفران عند الملك، لشبعت من الخبز.
ثم تأوهت الوسطى، وقالت:
- آه لو يتزوجني اللحام عند الملك، لشبعت من اللحم.
فضحكت الصغرى، ساخرة منهن، وقالت باعتداد:
- أنا، والله، لا أتزوج إلا الملك الشاب، أضربه على خده، فيدير لقدمي القبقاب.
ولما سمع الملك قولها، أخذه الغضب، وهم باقتحام الباب، والدخول عليهن، ولكن الوزير طيب نفسه،ورجاه أن ينتظر إلى الصباح، ثم عرض عليه أن يرسل وراءهن، لينظر في الغد في أمرهن، وعندئذ طلب الملك من الوزير أن يضع على الباب علامة ليستدل بها الجند على البيت.
وفي صباح اليوم التالي، أحضر الجند الأخوات الثلاث، فأمرالملك أن يدخلن عليه واحدة واحدة، بادئاً بالكبرى، وكانت أمه حاضرة في مجلسه، فلما رأتها دهشت لجمالها، وتمنتها زوجة لابنها الملك الشاب، على الرغم من مظهرها الزري، وثيابها البالية، ولكن أملها خاب، فلقد سأل الفتاة عن أمنيتها، فصرحت أنها تتمنى أن يزوجها من الفرّان، الذي يعمل في قصره، فأمر لها بذلك، وخرجت محملة بالهدايا.
ثم دخلت عليه الوسطى، فأعجبت الأم بجمالها الإعجاب كله، على الرغم من مظهرها الدال على فقرها، وتمنتها زوجة لابنها، ولكن أملها خاب، حين سمعتها تتمنى من الملك أن يزوجها من اللحام في قصره، ولقد أجاب الملك طلبها، وأمر لها بذلك، فخرجت محملة بالهدايا.
وأخيراً دخلت الصغرى، فبهتت الأم أمام جمالها الفتان، وعزمت أن تتخذها لابنها زوجة، أياً كانت أمنيتها، ثم قوى عزمها حين سمعتها تجيب الملك بجرأة يشوبها الخفر والحياء، ولا تخلومن دلال ودلع:
- أنا لا أتزوج إلا الملك الشاب، أضربه على خدّه، فيدير لقدمي القبقاب.
ولم يكد الملك يسمع قولها، حتى أمر السياف بضرب عنقها، وقد طاش صوابه، وثار غضبه، وهم بها السياف، ولكن الأم تدخلت، ورجت ابنها أن يمهل الفتاة، فهي صغيرة لا تعقل، فلعلها تراجع نفسها، وتغير قولها، فإن لم تفعل، فليقطع عندئذ رأسها، فأمهلها الملك ثلاثة أيام، ثم توسلت إليه أمه أن يسمح للفتاة أن تقيم عندها، الأيام الثلاثة، فاستجاب الملك لطلب أمه، ومنحها ماسألت.
_Oni_
22-10-2005, 07:57 PM
وكانت الأم قد أعجبت بالصغرى إعجاباً فاق إعجابها بشقيقتيها، فأخذتها إلى غرفتها، وأمرت بها الخدم، فأخذت إلى الحمام، فغسلت، وخرجت ترتدي أبهى الثياب، وأفخرها، تفوح منها روائح العطور، وهي تتخطر في مشيتها، رشيقة، فاتنة، تحلّي جيدها أغلى الجواهر، لو رأتها أختها لما عرفتها، ولظنتها إحدى أميرات القصر.
ولقد صرحت الأم لها بأنها تتمناها زوجة لابنها ولكنها أكدت لها أنها لا تستطيع أن تفعل أكثر مما فعلت، فالملك الشاب سريع الغضب، حاد الانفعال، وليس أمامها سوى ذكائها، وقدرتها على لفته إليها، وإثارة اهتمامه بها، ثم أخبرتها أن ابنها يخلو بنفسه كل يوم، قبل المساء، في شرفة القصر، فما عليها إلا أن تنزل هي إلى حديقة القصر، لتتمشى أمامه، وتبرز له.
ولما كان الأصيل نزلت الفتاة إلى حديقة القصر، ومضت تتثنى بين الزهور، كأنها إحداها، ويمر بها النسيم، فيحمل في كل الأنحاء شذاها، وهي في رشاقة حركاتها، ورقة لفتاتها، كأنها نسمة من النسمات، تمر بالأطيار، فتغرد لها الأطيار، وتطوف بالأزهار، فتعطف عليها الأزهار.
وكان ذلك كله يجري تحت بصرالملك الشاب، وهو في شرفة القصر، ففتن بتلك الأميرة الرشيقة، فأرسل الخدم ليدعوها إليه، ولما مضى إليها الخدم، لم يعثروا لها على أثر، إذ كانت قد رجعت إلى غرفتها التي خصتها بها أم الملك، كما رجعت إلى ثيابها البالية القديمة.
وفي أصيل اليوم التالي خرجت الفتاة إلى حديقة القصر، بأبهى مما خرجت به أمس من ثياب، فتثنت بين الزهور، وتمايلت تحت الظلال، ونشرت في الأجواء أروع العطور، وشدت بأعذب الأشعار، وجرت وراء الفراشات، أرق من الفراشات.
وكان الملك الشاب في شرفة قصره، كعادته، يراها ويسمعها، وهو بها موله مفتون، لا يعرف من هي؟ ولا من تكون؟ حتى إذا أرسل وراءها الخدم، غابت عن العيون.
وفي غرفتها بشّرتها أم الملك بافتتان ابنها بها، وصارحتها بأن ابنها قد باح لها بما في قلبه من حبّ لأميرة يراها، ولا يعرف من هي، وهنأتها بما أحرزت من نجاح، ثم تمنت لها أن تحقق في اليوم الأخير، ماتتمناه لها.
وفي اليوم الثالث هيأتها الأم بأروع مما هيأتها به من قبل، فخرجت إلى حديقة القصر تتهادى في مشيتها، تسحب وراءها ذيل ثوبها الأبيض، ممشوقة القوام، دقيقة الخصر، بجيد أتلع، وشعر مرسل، تنشر حيثما مشت غيمة من عطر.
وكان الملك الشاب في شرفة القصر، ينتظر، وما إن رآها حتى ناداها، ولما رنت إليه دعاها، فلبت الدعاء، وصعدت إليه في شرفته، وجلست تحادثه وتسامره، وهو يقدم لها أشهى الفواكه، وأطيب الشراب، وقد ذهل بحلو حديثها، عن رقيق جمالها، وهو بها موله مفتون، يقبل حيث لثمت من كأس الشراب، ويستقبل نظراتها ببوح وهيام.
ومرة كان يناولها كأس الشراب، فتعمدت إفلاتها، من غير أن تشعره بذلك، فانصب بعض الشراب على طرف ثوبها، فأسرع إلى منديله الخاص، يمسح به طرف ثوبها، فماكان منها إلا أن طلبت منه أن يسمح لها بالاحتفاظ بمنديله، فقدمه إليها هدية.
وطال بهما السمر والحديث، والأكل والشراب، حتى حل المساء، فاستأذنت منه بالانصراف، ووعدته أن تلقاه، فأبى إلا أن يودعها حتى باب الحديقة، ومضى يهبط معها على درج القصر، وبينما كانا يهبطان عليه معاً، افتعلت زلة القدم، من غير أن تشعره بذلك، فسقط قبقابها من قدمها ووقع إلى أسفل الدرج، فأسرع الملك إليه، فالتقطه، ثم صعد إليها، وانحنى ووضعه أمام قدمها الصغيرة، مسحت على خده الناعم الأسيل، بأناملها البضة الرقيقة، فتناولها بين يديه.
وأمام الباب، كان الوداع.
ولما كان الصباح، عقد الملك مجلسه، ودعا إليه الفتاة، فدخلت عليه، مع الأم، في هيئتها الأولى، وهي الفقيرة، التي كانت تغزل القطن، فلما سألها عن أمنيتها، أعادت عليه الجواب بأن تتزوج الملك الشاب، تضربه على خده فيدير لقدمها القبقاب، فغضب الملك وأعاد عليها السؤال، فأعادت عليه الجواب نفسه، وعندئذ ثار ثائره، وأمر السياف أن يضرب عنقها على الفور.
ولكن الملك فوجئ بها وهي ترفع بأناملها البضة الرقيقة، منديله الخاص، وماتزال به آثار من بقع الشراب، فدهش الملك وسألها:
- ماهذا.؟
فأجابت: "أنا التي أحضرت لها يوم أمس، من أسفل الدرج، القبقاب، وأنا التي مسحت على خدك بأناملي".
فأسرع إليها الملك، يعانقها، ويضمها إليه، على مرأى من الجميع، ثم التفت إلى أمه، فشكر لها حسن تدبيرها، وأعلن في المملكة عزمه على الزواج من تلك الفتاة، فأقيمت في المملكة الأفراح، وقرب الملك إليه الفران واللحام، وجعلهما من خالص ندمائه، وكبار مرافقيه، وأفرد لكل منهما جناحاً في قصره.
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
الفأرة والذهب
يحكّى أن ثلاث أخوات فقيرات، ماتت أمهن، فلم تترك لهن سوى المغزل، فكن يغزلن عليه القطن، من أجل أن يعشن، وكن يرسلن كل يوم أختهن الصغرى إلى السوق، لبيع ماغزلن من قطن وشراء مايحتجن من طعام.
وذات يوم ذهبت الصغرى إلى السوق، كعادتها، فرأت فيه فارة في قفص، يعرضها رجل للبيع، فأعجبت بها، وبخفة حركاتها، وزقزقتها، فاشترتها بثمن ما باعت من قطن، وحملتها إلى البيت فرحة بها، ولكنها فوجئت بأختيها تعنفانها في شرائها الفارة، وتغلظان لها في القول ثم تقدمان على طردها من البيت.
فخرجت حزينة باكية، تحمل القفص، وفيه فارتها، تنط وتزقزق فسارت على غير هدى، لا تعرف إلى أين تلجأ، فقادتها خطاها إلى قبر أمها، فقعدت في جواره، وراحت تتأمل الفارة، وماهي إلا برهة، حتى أخذتها سنة من النوم، فأغفت، ولما نهضت، وجدت فارتها قد وضعت قطعتين معدنيتين، فحملتهما، وراحت تتأملهما، ولا تعرف ماتفعل بهما؟
وبينما هي على هذه الحالة، مر بها رجل يحمل على رأسه طبقاً فيه زبيب، ينادي لبيعه، فلما رأته، عرضت عليه القطعتين، ورجته أن يعطيها بهما قليلاً من الزبيب، فلما رأى الرجل القطعتين فرح بهما، فتلقفهما، وناولها الطبق كله، ثم لما عرف أمرها، خلع عباءته، وغطاها بها، ووعدها أن يأتيها بخيمة تنصبها على قبر أمها، لتنام فيها، واعتذر لها لعدم قدرته على إيوائها، لأنه مثلها مشرد، ليس له بيت.
ولماكان اليوم التالي وضعت الفارة قطعتين أخريين، فأعطتهما الفتاة للرجل، فجاءها بطعام وشراب وكساء وفراش، صار دأب الرجل، يمر بها كل يوم، مساء، فيأخذ القطعتين، اللتين تضعهما الفارة، ويزود الفتاة بكل ماتحتاجه، وهي لا تعلم أن القطعتين المعدنيتين، هما ليرتان ذهبيتان.
وذات يوم مرّ موكب ابن السلطان بالمقبرة، فرأى الخيمة منصوبة فيها، فعجب لأمرها، وأرسل الجند لاستطلاعها، فعاد إليه بالفتاة والفارة، فلما سألها عن أمرها، حكت له حكايتها كاملة، وعرضت عليه القطعتين، فأخذهما منها، ومضى يتأملها، غير مصدق، ثم عرض عليها أن يصحبها إلى قصره، لتقيم عنده، فترددت في أوّل الأمر، ثم قبلت.
وفي القصر، أفرد لها ابن السلطان جناحاً، وخصها بالخدم، يسهرون على راحتها، ويوفرون لها أسباب العيش الهنيء، واستمرت فارتها تضع لها كل يوم قطعتين من الذهب، يأخذهما ابن السلطان.
وكانت الحالة قد تردّت بأختيها، فباعتا المغزل، وأكلتا بثمنه أياماً، ثم اضطرتا إلى سؤال الناس لقمة العيش، فكانتا تطوفان في الطرقات تطلبان من الناس العطاء، وتعودان إلى البيت، في المساء، لتجتمعا بعد تشرد، وتقتسما ما التقطتا.
وذات يوم كانت الصغرى في نافذة القصر، تتفرج على البلد والناس، وتتذكر شقيقتيها، رأت بائسة فقيرة، تتجول بين الناس، وتمد يدها بالسؤال، فراحت تتأملها، حتى إذا دنت من القصر، عرفت فيها أختها، فأسرعت إلى الخدم تأمرهم بإحضارها.
ولما دخلت عليها أختها، رقت لحالها، وحزنت لما صارت إليه، فأعطتها بعض الثياب، وحثتها على المضي لإحضار أختها، كي تقيما معها، في جناحها بالقصر.
ولما حضرت أختاها، وشاهدتا ماتنعم به أختهما من عزة ورفاهية، داخلهما الحسد، وعشش في قلبيهما البغض للفارة، والحقد على أختهما، التي نالها من الحظ، بسبب الفأرة، مالم ينلهما، فأضمرتا لها الأذى، ولكنهما أظهرتا الحب والوداد.
ومرت عليهما أيام كانتا تنعمان فيها بما تغدقه عليهما الأخت من خيرات، وبما ترفل به ثلاثتهن من نعيم، ولكنهما كانتا تتحينان الفرص، كي تغدرا بها، وذات يوم سافر ابن السلطان إلى بلد قريب في زيارة قصيرة، فاغتنمت الأختان الفرصة، واقترحتا عليها أن يذهبن إلى الحمام، فوافقت.
ومضت الأخوات إلى الحمام، فأمضين فيه وقتاً، ثم ادّعت إحدى الأختين أنها نسيت في البيت شيئاً، وأن عليها أن تذهب لإحضاره، فخرجت من الحمام، وأسرعت إلى القصر، ثم عمدت إلى الفأرة، فخنقتها، ثم رجعت إلى الحمام.
ولما خرجت الأخوات من الحمام، ورجعن إلى القصر، أسرعت الصغرى إلى الفارة تطمئن عليها، فوجدتها مخنوقة، فعرفت على الفور أن أختها هي التي قامت بخنقها، فحزنت، وبكت بكاءً مراً، وعمدت إلى ركن في حديقة القصر، فحفرت فيه حفرة، دفنت فيه الفارة، والتقطت من الأرض غصناً يابساً، فغرسته فوق قبرها علامة، حتى يرجع ابن السلطان، فيراها.
ولبثت بضعة أيام تكظم غيظها، وتخفي حزنها أمام أختيها، حتى رجع ابن السلطان، فأخبرته بما كان، فزود أختيها بالمال والثياب، وطلب منهما أن تغادرا القصر، على أن تزورا أختهما حين ترغبان.
وأخذت الأخت بعد ذهابهما تزور كل يوم قبر فارتها وتبكيها بدموغ غزيرة، وذات يوم فوجئت بالغصن اليابس الذي غرسته فوق القبر، علامة، قد بزغت فيه براعم صغيرة، وماهي إلا بضعة أيام حتى أورق الغصن وأزهر، ففرحت به فرحاً، ودعت ابن السلطان إلى زيارته ومشاهدته، فلبى دعوتها، ولما رأى الغصن، أعجب به الإعجاب كله، وبينما هو يتأمله، هبت نسمة خفيفة، فتمايل الغصن، وسقطت منه بضع زهرات، التقطها ابن السلطان، فإذا هي لؤلؤ ومرجان، فأخذ يقلبها، ويتأمل فيها، فرحاً، وهنأ الصغرى بما تحظى به.
ومنذئذ أخذ ابن السلطان يزور الغصن كل يوم، وقت الأصيل، فيقعد أمامه بعض الوقت، ويمضي في تأمله، مستروحاً بأطيب النسمات، والفتاة تطوف بين يديه وتقدم له أشهى الفواكه، وأطيب الشراب، حتى إذا هم بالقيام، دنت من الغصن، وعطفت على أعواده وأزهاره، تداعبها بيدها، وتقول لها:
هرّي لولو ومرجان
حتى يفرح ابن السلطان
ويميل الغصن، فتتساقط بضع زهرات، يلتقطها ابن السلطان، فإذا هي لؤلؤ ومرجان.
وهكذا عادت الفرحة إلى قلب الصغرى، وسعدت بوفاء فارتها لها، وارتفعت مكانتها عند ابن السلطان، فقربها منه، فهنئت برغد الأيام، ولكنها ذكرت ثانية أختيها ورقت لحالهما، وتمنت لو تستطيع الوصول إليهما، وظلت ترسل الخدم في السؤال عنهما أياماً، ولكنها لم تفلح في العثور عليهما.
ولكن ذات يوم فوجئت بإحدى أختيها، تزورها، فرحبت بها، وفرحت لزيارتها، فأكرمت وفادتها، وقدمت لها الطعام والثياب، وسألتها عن أختها، فأخبرتها أنها مريضة، لا تستطيع الحراك، وبالغت في وصف مرضها، فتألمت لحالها، وأغدقت عليها مما عندها، ثانية، من طعام وشراب، ثم رافقتها إلى الباب تودعها، وقبل أن تخرج الأخت سألتها إن كانت ماتزال تزور قبر الفارة، كل يوم، وتبكيها، كعادتها، وكانت تسخر منها، فلم تنتبه إلى قصدها، ومضت تحدثها عن الغصن الذي غرسته فوق قبرها، وعن أزهاره، وبما يتساقط منه كل يوم، من لؤلؤ ومرجان، ودعتها إلى رؤيته، فوعدتها أن يكون ذلك في زيارة أخرى.
وأخذت الأخت تتردد عليها بين الحين والحين، فتظهر لها الحب والوداد، وإن كانت تضمر لها الحسد والبغض، وكانت الصغرى تستقبلها وتفرح بها، وفي كل يوم تصحبها إلى الغصن لتزوره، وتراه، ولما زارتها الأخت التي كانت مريضة، على زعم الأخت الثانية، فرحت بها، وأكرمتها وكانت هي التي خنقت الفارة، فلما دعتها إلى زيارة الغصن ورؤيته، ترددت، ثم قبلت، ومضت، ولما مثلت أمامه، أخذ منها الحقد كل مأخذ، وودت لو تقلعه، ولكنها صبرت نفسها.
ومرة زارت الأختان شقيقتهما الصغرى، ثم قصد ثلاثتهن الغصن للفرجة عليه، فغافلت إحدى الأختين شقيقتهما، على حين شغلتها، الأخرى بأمر ما، ثم عمدت إلى قليل من الملح، كانت تحمله تحت ثوبها، فرشته فوق الغصن، ثم ودعت الأختان شقيقتهما، وخرجتا، وهما تعدانها بأن تزوراها باستمرار.
ولما كان أصيل ذلك اليوم نزل ابن السلطان، كعادته، إلى حديقة القصر، ليتأمل الغصن، وإذا به يفاجأ بالفتاة أمام الغصن تبكي، وتلطم خديها، فدنا منها، وضمها إلى صدره، وأخذ يواسيها، ثم أخبرها أن الجاني لن يفلت من العقاب، ولما سألها فيمن تشك، أكدت له أنها لا تشك في غير أختيها، ولكنها تأسف إذ لا تعرف أين هما؟ ولا أين تقيمان؟ فأكد لها أنه قادر على إحضارهما على الفور، فقد شك فيهما من قبل، وأرسل وراءهما أحد الجند، ليتعرف موضع إقامتهما، وأنه ليعرفه، ثم سألها إن كانت توافق على عقابهما، فأجابت أن نعم.
وفي اليوم التالي مثلت الشقيقتان أمام ابن السلطان، وإلى جانبه كانت تقعد أختهما الصغرى، فتميزتا من الغيظ وودتا لو شقت الأرض وابتلعتهما، ولما سألهما ابن السلطان عن سبب فعلتهما، أنكرتا أول الأمر، ثم لم تلبثا أن أقرتا، واعترفتا بما تحملانه لأختهما من بغض وحسد، فلما سمعت الصغرى كلامهما حزنت أشد الحزن، وخرجت وقد تركتهما لابن السلطان، يوقع بهما مايشاء من عقاب.
وعندئذٍ أمر ابن السلطان بتعطيش الخيول وتجويع الكلاب، ثلاثة أيام، ثم عمد إلى الأختين فربط كل واحدة بذيل فرس، وأطلق الفرسين يجران الأختين، ثم أطلق في أثريهما الكلاب.
ورجع إلى الصغرى، فأعلن خطبته لها، فأعدت، وجهزت، ثم أقيمت الأفراح، فتزوجها، وغدت أميرة القصر، وعاشت مع ابن السلطان في هناءة وسرور.
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
حكاية الصديق
كان الابن الوحيد لأبويه، فعنيا بتربيته، والسهر عليه، والاهتمام به، حتى أصبح رجلاً، فسعيا في تزويجه، وبعد بحث طويل عن فتاة تليق به، اهتدت الأم إلى بنت من إحدى قريباتها، زوجته إياها، وأملت في هذه البنت أن يسعد الابن بها.
ومرت الأيام الأولى من الزواج في فرح وسرور، اشترك فيه الأهل والأقارب والأصحاب، ولكن لم تمضِ بضعة أيام، بعد أفراح الزواج، حتى تكشفت الحقائق وبان الخلاف.
_Oni_
22-10-2005, 07:59 PM
فالعروس تنام إلى الظهر، ولا تساعد حماتها في شيء، فلا تخرج من غرفتها إلا لتناول الطعام، وقضاء الحاجة، ثم تعود إليها، لتحبس نفسها فيها، من غير أن تشارك حماتها في إعداد الطعام، أو تهيئة البيت.
ولما كانت الأم تحب ابنها، فقد رضيت بهذا الوضع، وصبرت، مؤملة أن يحين يوم تغدو فيه كنتها أفضل مما هي عليه، ولكن الأيام كانت تكشف عن ازدياد الكنة عزلة، وانصرافاً عن عمها وحماتها، وكأنها لا تعرف في البيت أحد سوى زوجها.
وكان الابن لا يطلع على شيء مما يجري في البيت، فهو يخرج إلى عمله في الصباح، ولا يعود إلا في المساء، وأمه لا تحدثه بشيء.
وذات يوم خرج العم كعادته إلى السوق، فاشترى شِوَاء، ورجع إلى البيت، فأخذت الحماة تعمل في غسله وتنظيفه، ولما صار الظهر، خرج العم إلى المسجد للصلاة، فرأت الحماة أن تنادي كنتها لتساعدها في تهيئة الشواء، وتتسلى معها.
فنادت الحماة الكنّة، مرة، ومرتين، وثلاثاً، فلم تسمع جواباً، فقلقت على كنتها، فدقت عليها باب الغرفة، وبعد طول انتظار، خرجت لها الكنة، في قميص النوم، وهي تفرك عينيها، ثم تمطت طويلاً، وتثاءبت، وقالت بلهجة ممطوطة:
- آوه، شيء مزعج، ماعرفت كيف أنام
فعجبت الحماة، وسألتها:
- خير يابنتي، ماذا أزعجك؟
فتمطت الكنة، وقالت:
- كنت في حلم مزعج.
فسألت الحماة بقلق.
- خير، خير يا ابنتي، احكي لي.
فتثاءبت الكنة، وقالت:
كنت شايفتك دبّة
طالعة من القبة
وأربعة شايلينك
ع التربة
فبهتت الحماة وذهلت، ولم تجد ماتقول.
ورجعت إلى المطبخ، وقد اسودت الدنيا في وجهها، لا تعرف ماذا تفعل، إلا أنها ملكت نفسها، وكتمت غضبها، ومضت تتابع تهيئة الشواء.
وبعد قليل رجع العم من الصلاة، فوجد الحماة تعمل وحدها، فسألها أن تنادي الكنة، لتساعدها، فوارت غضبها، وأخفت حزنها، وأكدت له أنها تريد أن ترتاح في غرفتها، ولا تريد أن تزعجها، فأنكر عليها العم ذلك، وأبدى رغبته في أن يرى كنته تساعدها في العمل، ففي ذلك مايسره، ومالبث أن ناداها، مرة ومرتين، فلم يسمع جواباً، فقلق وطلب من الحماة أن تذهب لتنظر مابها، ولكن الحماة تلكأت، وداورت، فمضى هو بنفسه إلى غرفتها، يدق عليها الباب، وحاولت الحماة ثنيه، ومنعه، ولكنه كان مصمماً، فقد شغل باله، ومضى يدق الباب.
وبعد انتظار، خرجت له الكنة في قميص النوم، تفرك عينيها وتتثاءب وتتمطى وتبدي انزعاجاً، وتتأوه فشغل العم، وقلق، وسألها:
- خير، يا ابنتي.
فأجابته بجفاء:
- أف، لا أعرف كيف أنام.
وأراد العم الكلام فقاطعته قائلة:
- كنت في منام، ولكن كل لحظة يأتي الإزعاج.
فعجب العم، وسألها:
- خير يا ابنتي، احكي لي.
فتمطت، وتثاءبت، وقالت بصوت يغلب عليه القرف والنعاس:
- كنت شايفتك خنزير.
معلق بجنزير
وأربعة شايلينك
ع البيت الصغير
فصعق العم، وأظلمت الدنيا في عينيه، ولم يعرف ماذا يفعل، ولكنه فضل الصمت على الفضيحة، ورجع إلى الحماة، يواري ألمه، كي لا يخجل، ولكن الحماة جابهته بالحقيقة، فاعترف، وباح لها بما قالته كنته له، فاعترفت هي بدورها بماكان معها، ثم تشاورا في الأمر، فعزما على ألا يقولا لابنهما شيئاً.
لما حضر الابن في المساء، اجتمع الأربعة على المائدة، وتناولوا جميعم الطعام، وإن كان الأب والأم لم يستطيعا في الحقيقة تناول شيء، غير بضع لقيمات، وقد لاحظ الابن ذلك في والديه، فصمت، ثم خلا بأبيه، فسأله، وألح عليه في السؤال، فحكى له الأب ماكان.
وعندئذٍ طلب الولد من أمه أن تضع له قليلاً من الشواء في رغيف، ففعلت، فجعله في صرة ثم حمله إلى غرفته، وطلب من زوجته أن تتهيأ لزيارة أهلها، فأدركت على الفور أن في الأمر شيئاً ما، فاعتذرت، وأكدت أنها ليست في شوق لأهلها، وادعت التوعك والمرض، ولكن الزوج أصر، فلم تجد بداً من الانصياع، فخرجت معه لزيارة أهلها.
واستقبل العم صهره بالترحيب، وقدم الصهر لعمه ماحمله من شواء، فشكره، ثم اجتمعت الأسرة كلها، العم والحماة، والصهر، والزوجة، وأخواتها، وإخوتها، وتنوعت الأحاديث واختلفت الموضوعات، حتى وجد الصهر وقتاً مناسباً للحديث، فتحدث، وهو يقول:
- كنت اليوم مع أحد أصحابي، وقد حكى لي ماجرى مع أمه وزوجته.. ثم سرد الصهر القصة من أولها إلى آخرها، ولكنه نسبها إلى صديق له، وكان يتبسط في الحديث، ويتوسع في التفاصيل، وزوجته تضيق به، وتتململ من حديثه، وتشكو من طول السهرة، وتدعي التوعك، وتظهر النعاس، وتطلب العودة إلى البيت، على حين كان العم يستنكر فعل تلك المرأة، الطائشة، اللعوب، ويزري بها، وينعتها بأبشع النعوت، ويلحق بها الشتائم، وبأبويها اللذين لم يحسنا تربيتها، وهو يظهر غضباً وانفعالاً شديدين، كما كانت الحماة لا تفتأ تشيد ببناتها، وتثني عليهن، وتذكر زواجهن الموفق، وأخلاصهن لأزواجهن، والزوجة خلال ذلك تنفعل وتغتاظ.
حتى إذا انتهى الصهر من حكايته سأل العم قائلاً:"مارأيك ياعمي بمثل هذه الزوجة؟". فنهض العم، وأقسم الإيمان المغلظة أن مثل تلك الزوجة لا تستحق غير الطلاق، ولو أنها كانت ابنته أو زوجته أو كنته لطلقها على الفور.
وعندئذٍ قال الصهر بهدوء:"هي ابنتك وهي طالق"، فصعق العم، وذهل، ولكنه نفى أن تكون ابنته كذلك، وثارت الأم، وثارت الأخوات، وأكد الجميع أن ابنتهم ليست كذلك، ولكن الصهر أكد لهم أن تلك الحكاية هي حكايته هو، لا حكاية الصديق، وماعليهم إلا أن يسألوا ابنتهم.
ونظر الجميع إلى ابنتهم، فصمتت، ثم انفجرت باكية، وركضت إلى زوجها تقبل يديه، وتعتذر له، ولكنه أكد أنه لن يقبل بغير حكم أبيها فيها، وحكمه فيها قد صدر، وهي لابد طالق، وقبل الأهل بطلاقها وتم التفريق بينهما.
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
حماة من خشب
يحكى أن شاباً عزباً أنهى دراسته القانون، وتسلّم منصب القضاء، في بلدة بعيدة عن بلدته، وكان تعيينه في القضاء الشرعي، فكان يقعد للنظر في دعاوى الزوجات وشكاواهن على أزواجهن، وفي كل يوم تأتيه النسوة، يشكون له حماواتهن، وسوء معاملتهن، ومايكون بهن من خرف، ومن تدخل في شؤون المنزل، ومن مضايقة ومعاندة، فيحكم للزوجات على الأزواج.
ولكنه لاحظ بعد حين أن أكثر أسباب الدعاوى التي تقدمها النساء على أزواجهن، هي الحماوات، فشك في الأمر، وقال:"لا يخلوالأمر من مبالغة"، فأخذ يتروّى في حكمه ويتريث، خشية أن يكون في رأيه شيء من الجور، وهو شاب عزب، قليل الخبرة في أمور الزوجات والحماوات، ولذلك قرر أن يجرب الأمر بنفسه، حتى يكون حكمه عن بيّنة.
وكان يتيم الأبوين، وحيداً في البلدة، لا أحد له فيها، سوى من تعرّف إليهم من الأصحاب، فطلب من هؤلاء المساعدة على الخطبة والزواج، وماهي إلا أيام حتى اهتدى إلى فتاة توسّم فيها الخير والصلاح، فقرر خطبتها، وقعد إلى والدها يحدثه، فأخبره أن له أماً عجوزاً، قد أسكنها في غرفة، خاصة في داره، وأنها لا تغادر غرفتها ألبته، فهي قعيدة، تظل أبداً أمام النافذة، تصلّي لله، وتسبّحه، وأنّه لا يكلّف زوجته من أمرها شيئاً، فهو يتكفّل أمر إطعامها حين يعود إلى البيت، ووافق الوالد على الخطبة، وعقد القران ثم صار الزفاف.
وكان الشاب قد أوصى أحد النجارين أن يصنع له دمية من خشب، على هيئة امرأة عجوز، وأن يجعل رأسها على نابض، يتيح له الحركة المستمرة، وقد حمل هذه الدمية، ووضعها في غرفة خاصة، في داره، وجعلها تجاه النافذة، ثم وضع على رأسها ملاءة بيضاء، وجعلها في هيئة من يصلي لله، ويسبّح.
وبعد انتهاء أيام الزواج الأولى، وفي صباح يوم، قال لزوجته، قبل أن يخرج إلى عمله: هذه هي أمي، ترينها من وراء زجاج النافذة، لا تخرج إليك، ولا تذهبين إليها، وأنا أتكفّل بها حين أرجع"، فقالت له زوجته:"لا تقلق، إن أمّك مثل أمي، بل هي أغلى عندي، وإني أخدمها بعيوني "فشكر لها عواطفها، ثم تركها، وخرج.
ولما عاد في المساء، سأل زوجته عن أمه، فأجابته: "لقد سررت بها السرور كله، فوجهها يفيض تقوى وورعاً، وبركاتها تحل على الدار،وكم أتمنى لو تنزل إلي للتسلي معي"، فقال لها الزوج: "لا، دعيها لصلاتها وعبادتها"، ثم استأذنها، ومضى إلى أمه، فأمضى عندها بعض الوقت، ثم خرج.
وكان هذا دأبه، يوصي زوجته بأمه كل يوم، قبل أن يخرج، ويسألها عنها حين يعود، وكانت زوجته تمدح أمه، وتثني عليها، ولكنها شيئاً فشيئاً أخذت تضيق بها، وتتذمر، وتبدي عجبها من طول مكثها أمام النافذة، وعدم مغادرتها لموضعها، كما أنها ضاقت برأسها الذي ماتنفك تهزّه، لا تفتر ولا تتعب، وكان زوجها يجيبها بما يقنعها، فتصمت مكرهة.
وذات يوم كان الطعام الذي أعدته زوجته كثير الملح، بشكل لا يطاق، فعاتبها في ذلك، فقالت له: "لا تعاتبني، ولكن عاتب أمك، فقد نزلت هذا اليوم من غرفتها، وتدخّلت في أمر الطبخ، وهي التي وضعت الملح في الطعام، وقد قلت لها إنك لاتحب الملح الكثير في الطعام، ولكنها رفضت إلا أن تضع الملح هي بنفسها". وماكان من الزوج إلا أن وارى امتعاضه وصمت.
وفي يوم آخر، رجع إلى البيت، فوجدها لم تنته من الغسيل الذي كانت قد بدأت به قبل خروجه في الصباح، فعاتبها في ذلك، فقالت له: "إن أمك قد نزلت هذا اليوم أيضاً، وأخذت تتدخل في كل شيء، تطلب مني أن أغسل كل قطعة مرتين وثلاثاً، فتأخرت في الغسيل، وماكان من الزوج إلا أن وارى غضبه، وصمت أيضاً.
وهكذا أخذت الزوجة، كلما أخطأت في شيء، أو قصرت، تلقي السبب في ذلك على حماتها، وكانت في كل مرة ترتاح إلى ذلك وتفرح، إذ تظن أن زوجها قد صدّق ادعاءها، وأنها نجت من اللوم والعتاب، وتظن أنه يدخل على أمه فيلومها ويعاتبها.
وكانت في كل مرة تعمد إلى الكيد لحماتها، فتشير إليها بيديها ورأسها إشارات تقلدها فيها، وتريد إغاظتها، ولكنها كانت تزداد هي نفسها غضباً وغيظاً، حين ترى حماتها لا تغضب، ولا تكف عن هز رأسها، في ثبات واستقرار.
وذات يوم رجع الزوج إلى البيت، فرأى زوجته تبكي، وتلطم وجهها، فسألها عن أمرها، فانفجرت صائحة بغضب: "أمك، أمك، انظر إليها، إنها تكيد لي، وتغيظني بهز رأسها". وحاول الزوج تهدئتها، ولكنه لم يفلح، وأصرت على الذهاب إلى أهلها، لتشكو الأمر إلى أبيها.
وماكان من الزوج إلا أن استجاب إلى طلب زوجته، فأخذها إلى أهلها، فروت لأبيها ماتعانيه من مضايقة حماتها وكيدها، وحاول الزوج الدفاع عن أمه، وتأكيد صلاحها وتقواها، وأنها لا تغادر سجادة صلاتها، ولكن الأب لم يستجب لقوله، وغضب لابنته، غضباً شديداً، ثم قال له:"إن أمك تغيظ ابنتي، وتكيد لها، وأنا لن أردها إليك إلا إذا خرجت أمك إلى بيت خاص، بعيد عن بيت ابنتي". وأخذت الزوجة تبكي وتندب، وتبالغ في الأمور، حتى إنها قالت لأبيها:"ولا أخفي عنك يا أبي أن حماتي قد أقدمت على ضربي وشدّ شعري، وتمزيق ثيابي، وهذه آثار أظافرها في جسمي". وهنا أظهر الزوج غضباً شديداً، وفزع لزوجته، وهب واقفاً، ثم قال: "والله ماكنت أعرف بمثل هذا من قبل، وأنا لا أقبل به من أمي، وأنا ذاهب الآن لقتلها والخلاص منها" ، وفتح الباب وخرج.
ولحقت به زوجته، ووالدها، فأدركاه، وهو يحمل عصاً غليظة، ويهم بالدخول بها على أمه، فتوسلوا إليه ألا يفعل، وذكّراه بأنها أمه، وأنه قاضٍ يعرف الحلال والحرام، ولكنه بالغ في إظهار غضبه، واندفع داخلاً على أمه، فدخلا وراءه، وهوى بالعصا الغليظة على الدمية، فطار الرأس، ونفر النابض، وسقطت الملاءة، وبان الخشب.
ثم مضى بعد ذلك إلى المحكمة وأصدر حكماً بطلاق زوجته، بصفته قاضياً، ثم أعلن استقالته ، وتخليه عن القضاء، وندم على ما أصدر من قبل من أحكام، ظلم فيها أزواجاً كثيرين، حين صدق شكاوى زوجاتهم من حماواتهن.
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
علبة الأضراس
يروى أن ابن أحد التجار كان والده قد أرسله في تجارة، إلى بلاد بعيدة، ليكسب رزقاً، وليتعلم أصول التجارة، ويتعرف إلى البلاد والعباد، وكان فتى شاباً، عزباً، ما إن نزل في إحدى المدن، حتى قادته خطاه إلى المبغى، ولما كان ابن التاجر، يحمل معه كيس نقود، فقد استطاع أن ينتقي أجمل العاهرات ويمضي ليلة معها، ينفق عليها، بكرم وسخاء.
يبدو أن العاهرة قد وجدت فيه بعض ماتصبو إليه، فقبلت منه كل ما أنفقه في ليلته، ولكنها رفضت أن تأخذ ما اتفقت عليه معه من أجر، وتوسلت إليه أن يعود إليها في المساء، وكان الفتى قد أعجب بها، بل فتن وسحر، فهي المرأة الأولى التي يتعرف إليها، وقد وجد فيها كل مالا يعرفه في المرأة، فوعدها أن يجيء.
ولما كان المساء، أنهى علاقاته مع التجار، وأسرع إلى المبغى، محمّلاً بالهدايا، فاستقبلته، خير استقبال، ورحبت به، خير ترحيب، وأمضيا الليلة معاً، ولما كان الصباح قالت له ماقالته بالأمس، فأجابها على سؤالها، ولبى رغبتها.
واستمر الحال بالفتى، على هذا المنوال، أشهراً طوالاً، أصبح فيها خدين العاهرة، وقد محضته هي الحب، وإن لم تستطع أن تمحضه الوفاء، وقد عرّفته إلى كبار التجار من رواد المبغى، وساعدته في سيرورة تجارته ورواجها، وتوسطت له لدى أصحاب الخانات، حتى كبرت تجارته واتسعت، وزادت أمواله ونمت.
ولكن ذات يوم، وصله نبأ بمرض والده، ودعوته له إلى العودة إلى بلاده، كي يراه قبل وفاته، فاغتم للنبأ، واكتأب، خوفاً على أبيه من طرف، وحزناً لفراق خدينته، من طرف آخر، ولكنه اضطر للرحيل، فحمل بضائعه على الجمال، وجمع أمواله في الأكياس، ولم ينبئ خدينته إلا قبيل الرحيل، فأوقف الجمال، ومرّ بها يودعها، فأظهرت حزناً لفراقه، وألماً لِمَا سيكون من بعاد، ولكنه وعدها بالعودة، فور شفاء والده، وأكد لها أنه رجل أسفار، فطلبت منه أن يقدم إليها شيئاً تذكره به، فسألها أن تطلب ماتريد، فلو سألته بضائعه وجماله وأمواله، لمنحها إياها، وما أبقى غير راحلته، ولكنها أكدت له أنها لا تطمع في شيء، ولا تريد سوى واحد من أضراسه، للذكرى، ومد يده إلى ضرسه، وشده بقوة، وقدمه إليها، فأخذته منه شاكرة، وودعها ومضى، وهو يحلم بالعود القريب.
ولما بلغ بلاده، ألفى والده على فراش الموت، ولم يطل به المقام قربه، حتى وافاه الأجل، فكفنه، وواراه التراب، ثم حل محل والده في السوق، وأصبح كبير التجار، ملأ السوق ببضائعه، وتقاطر إليه التجار من كل حدب وصوب، وأمواله ماتفتأ تنمو تزيد، وتجارته تتسع، حتى ملأت الآفاق.
وكان في أثناء ذلك يذكر خدينته، ويحن إليها، ويشتاق، ويفكر في الرحيل إليها، حتى كان يوم، بعد عام أو بعض عام، حمل بضاعته إلى تلك البلد، وما إن نزل فيها حتى أسرع إلى المبغى، وكان الوقت مساءً، فقرع على خدينته الباب، فأطلت عليه من نافذة غرفتها، تسأله عما يريد، فدهش، وقال لها:"أنا فلان"، فلم يظهر عليها تأثر ما، وسألته ثانية عن غايته، فزاد عجبه، وحسر عن رأسه عمامته، وقال لها: "أنا فلان، لم أغب عنك سوى عام، وبعض العام"، فلم تجب بشيء، فألح عليها، وذكّرها بما كان بينهما من حب ووصال، فازداد إنكارها، ثم لم تلبث أن سألته إن كان يستطيع أن يذكّرها بدلالة أو إشارة أو علامة تعرفه بها، فقال لها: "نعم، نعم، ضرسي، قدمته لك قبيل الرحيل"، فضحكت ثم قالت: "انتظر قليلاً"، فخفق قلبه، وفرح، وأدرك أنها لابد ستعرفه، ووقف ينتظر، ثم فتح الباب، وظهرت له هي نفسها، ولكنها متبدّلة، مربدّة الوجه، فاضحة الثياب، ومدت له يدها بعلبة، وهي تقول له:"خذ، افتحها"، وتناول منها العلبة، مدهوشاً، وهو ينظر إليها، ولهان، ثم فتح العلبة، بيد مرتعشة، وإذا هو أمام كومة من الأضراس، فدهش، وعلاه الخبال، ونظر إليها فاغر الفم، لا يعي مايقول.
_Oni_
22-10-2005, 08:00 PM
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
حماة من خشب
يحكى أن شاباً عزباً أنهى دراسته القانون، وتسلّم منصب القضاء، في بلدة بعيدة عن بلدته، وكان تعيينه في القضاء الشرعي، فكان يقعد للنظر في دعاوى الزوجات وشكاواهن على أزواجهن، وفي كل يوم تأتيه النسوة، يشكون له حماواتهن، وسوء معاملتهن، ومايكون بهن من خرف، ومن تدخل في شؤون المنزل، ومن مضايقة ومعاندة، فيحكم للزوجات على الأزواج.
ولكنه لاحظ بعد حين أن أكثر أسباب الدعاوى التي تقدمها النساء على أزواجهن، هي الحماوات، فشك في الأمر، وقال:"لا يخلوالأمر من مبالغة"، فأخذ يتروّى في حكمه ويتريث، خشية أن يكون في رأيه شيء من الجور، وهو شاب عزب، قليل الخبرة في أمور الزوجات والحماوات، ولذلك قرر أن يجرب الأمر بنفسه، حتى يكون حكمه عن بيّنة.
وكان يتيم الأبوين، وحيداً في البلدة، لا أحد له فيها، سوى من تعرّف إليهم من الأصحاب، فطلب من هؤلاء المساعدة على الخطبة والزواج، وماهي إلا أيام حتى اهتدى إلى فتاة توسّم فيها الخير والصلاح، فقرر خطبتها، وقعد إلى والدها يحدثه، فأخبره أن له أماً عجوزاً، قد أسكنها في غرفة، خاصة في داره، وأنها لا تغادر غرفتها ألبته، فهي قعيدة، تظل أبداً أمام النافذة، تصلّي لله، وتسبّحه، وأنّه لا يكلّف زوجته من أمرها شيئاً، فهو يتكفّل أمر إطعامها حين يعود إلى البيت، ووافق الوالد على الخطبة، وعقد القران ثم صار الزفاف.
وكان الشاب قد أوصى أحد النجارين أن يصنع له دمية من خشب، على هيئة امرأة عجوز، وأن يجعل رأسها على نابض، يتيح له الحركة المستمرة، وقد حمل هذه الدمية، ووضعها في غرفة خاصة، في داره، وجعلها تجاه النافذة، ثم وضع على رأسها ملاءة بيضاء، وجعلها في هيئة من يصلي لله، ويسبّح.
وبعد انتهاء أيام الزواج الأولى، وفي صباح يوم، قال لزوجته، قبل أن يخرج إلى عمله: هذه هي أمي، ترينها من وراء زجاج النافذة، لا تخرج إليك، ولا تذهبين إليها، وأنا أتكفّل بها حين أرجع"، فقالت له زوجته:"لا تقلق، إن أمّك مثل أمي، بل هي أغلى عندي، وإني أخدمها بعيوني "فشكر لها عواطفها، ثم تركها، وخرج.
ولما عاد في المساء، سأل زوجته عن أمه، فأجابته: "لقد سررت بها السرور كله، فوجهها يفيض تقوى وورعاً، وبركاتها تحل على الدار،وكم أتمنى لو تنزل إلي للتسلي معي"، فقال لها الزوج: "لا، دعيها لصلاتها وعبادتها"، ثم استأذنها، ومضى إلى أمه، فأمضى عندها بعض الوقت، ثم خرج.
وكان هذا دأبه، يوصي زوجته بأمه كل يوم، قبل أن يخرج، ويسألها عنها حين يعود، وكانت زوجته تمدح أمه، وتثني عليها، ولكنها شيئاً فشيئاً أخذت تضيق بها، وتتذمر، وتبدي عجبها من طول مكثها أمام النافذة، وعدم مغادرتها لموضعها، كما أنها ضاقت برأسها الذي ماتنفك تهزّه، لا تفتر ولا تتعب، وكان زوجها يجيبها بما يقنعها، فتصمت مكرهة.
وذات يوم كان الطعام الذي أعدته زوجته كثير الملح، بشكل لا يطاق، فعاتبها في ذلك، فقالت له: "لا تعاتبني، ولكن عاتب أمك، فقد نزلت هذا اليوم من غرفتها، وتدخّلت في أمر الطبخ، وهي التي وضعت الملح في الطعام، وقد قلت لها إنك لاتحب الملح الكثير في الطعام، ولكنها رفضت إلا أن تضع الملح هي بنفسها". وماكان من الزوج إلا أن وارى امتعاضه وصمت.
وفي يوم آخر، رجع إلى البيت، فوجدها لم تنته من الغسيل الذي كانت قد بدأت به قبل خروجه في الصباح، فعاتبها في ذلك، فقالت له: "إن أمك قد نزلت هذا اليوم أيضاً، وأخذت تتدخل في كل شيء، تطلب مني أن أغسل كل قطعة مرتين وثلاثاً، فتأخرت في الغسيل، وماكان من الزوج إلا أن وارى غضبه، وصمت أيضاً.
وهكذا أخذت الزوجة، كلما أخطأت في شيء، أو قصرت، تلقي السبب في ذلك على حماتها، وكانت في كل مرة ترتاح إلى ذلك وتفرح، إذ تظن أن زوجها قد صدّق ادعاءها، وأنها نجت من اللوم والعتاب، وتظن أنه يدخل على أمه فيلومها ويعاتبها.
وكانت في كل مرة تعمد إلى الكيد لحماتها، فتشير إليها بيديها ورأسها إشارات تقلدها فيها، وتريد إغاظتها، ولكنها كانت تزداد هي نفسها غضباً وغيظاً، حين ترى حماتها لا تغضب، ولا تكف عن هز رأسها، في ثبات واستقرار.
وذات يوم رجع الزوج إلى البيت، فرأى زوجته تبكي، وتلطم وجهها، فسألها عن أمرها، فانفجرت صائحة بغضب: "أمك، أمك، انظر إليها، إنها تكيد لي، وتغيظني بهز رأسها". وحاول الزوج تهدئتها، ولكنه لم يفلح، وأصرت على الذهاب إلى أهلها، لتشكو الأمر إلى أبيها.
وماكان من الزوج إلا أن استجاب إلى طلب زوجته، فأخذها إلى أهلها، فروت لأبيها ماتعانيه من مضايقة حماتها وكيدها، وحاول الزوج الدفاع عن أمه، وتأكيد صلاحها وتقواها، وأنها لا تغادر سجادة صلاتها، ولكن الأب لم يستجب لقوله، وغضب لابنته، غضباً شديداً، ثم قال له:"إن أمك تغيظ ابنتي، وتكيد لها، وأنا لن أردها إليك إلا إذا خرجت أمك إلى بيت خاص، بعيد عن بيت ابنتي". وأخذت الزوجة تبكي وتندب، وتبالغ في الأمور، حتى إنها قالت لأبيها:"ولا أخفي عنك يا أبي أن حماتي قد أقدمت على ضربي وشدّ شعري، وتمزيق ثيابي، وهذه آثار أظافرها في جسمي". وهنا أظهر الزوج غضباً شديداً، وفزع لزوجته، وهب واقفاً، ثم قال: "والله ماكنت أعرف بمثل هذا من قبل، وأنا لا أقبل به من أمي، وأنا ذاهب الآن لقتلها والخلاص منها" ، وفتح الباب وخرج.
ولحقت به زوجته، ووالدها، فأدركاه، وهو يحمل عصاً غليظة، ويهم بالدخول بها على أمه، فتوسلوا إليه ألا يفعل، وذكّراه بأنها أمه، وأنه قاضٍ يعرف الحلال والحرام، ولكنه بالغ في إظهار غضبه، واندفع داخلاً على أمه، فدخلا وراءه، وهوى بالعصا الغليظة على الدمية، فطار الرأس، ونفر النابض، وسقطت الملاءة، وبان الخشب.
ثم مضى بعد ذلك إلى المحكمة وأصدر حكماً بطلاق زوجته، بصفته قاضياً، ثم أعلن استقالته ، وتخليه عن القضاء، وندم على ما أصدر من قبل من أحكام، ظلم فيها أزواجاً كثيرين، حين صدق شكاوى زوجاتهم من حماواتهن.
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
علبة الأضراس
يروى أن ابن أحد التجار كان والده قد أرسله في تجارة، إلى بلاد بعيدة، ليكسب رزقاً، وليتعلم أصول التجارة، ويتعرف إلى البلاد والعباد، وكان فتى شاباً، عزباً، ما إن نزل في إحدى المدن، حتى قادته خطاه إلى المبغى، ولما كان ابن التاجر، يحمل معه كيس نقود، فقد استطاع أن ينتقي أجمل العاهرات ويمضي ليلة معها، ينفق عليها، بكرم وسخاء.
يبدو أن العاهرة قد وجدت فيه بعض ماتصبو إليه، فقبلت منه كل ما أنفقه في ليلته، ولكنها رفضت أن تأخذ ما اتفقت عليه معه من أجر، وتوسلت إليه أن يعود إليها في المساء، وكان الفتى قد أعجب بها، بل فتن وسحر، فهي المرأة الأولى التي يتعرف إليها، وقد وجد فيها كل مالا يعرفه في المرأة، فوعدها أن يجيء.
ولما كان المساء، أنهى علاقاته مع التجار، وأسرع إلى المبغى، محمّلاً بالهدايا، فاستقبلته، خير استقبال، ورحبت به، خير ترحيب، وأمضيا الليلة معاً، ولما كان الصباح قالت له ماقالته بالأمس، فأجابها على سؤالها، ولبى رغبتها.
واستمر الحال بالفتى، على هذا المنوال، أشهراً طوالاً، أصبح فيها خدين العاهرة، وقد محضته هي الحب، وإن لم تستطع أن تمحضه الوفاء، وقد عرّفته إلى كبار التجار من رواد المبغى، وساعدته في سيرورة تجارته ورواجها، وتوسطت له لدى أصحاب الخانات، حتى كبرت تجارته واتسعت، وزادت أمواله ونمت.
ولكن ذات يوم، وصله نبأ بمرض والده، ودعوته له إلى العودة إلى بلاده، كي يراه قبل وفاته، فاغتم للنبأ، واكتأب، خوفاً على أبيه من طرف، وحزناً لفراق خدينته، من طرف آخر، ولكنه اضطر للرحيل، فحمل بضائعه على الجمال، وجمع أمواله في الأكياس، ولم ينبئ خدينته إلا قبيل الرحيل، فأوقف الجمال، ومرّ بها يودعها، فأظهرت حزناً لفراقه، وألماً لِمَا سيكون من بعاد، ولكنه وعدها بالعودة، فور شفاء والده، وأكد لها أنه رجل أسفار، فطلبت منه أن يقدم إليها شيئاً تذكره به، فسألها أن تطلب ماتريد، فلو سألته بضائعه وجماله وأمواله، لمنحها إياها، وما أبقى غير راحلته، ولكنها أكدت له أنها لا تطمع في شيء، ولا تريد سوى واحد من أضراسه، للذكرى، ومد يده إلى ضرسه، وشده بقوة، وقدمه إليها، فأخذته منه شاكرة، وودعها ومضى، وهو يحلم بالعود القريب.
ولما بلغ بلاده، ألفى والده على فراش الموت، ولم يطل به المقام قربه، حتى وافاه الأجل، فكفنه، وواراه التراب، ثم حل محل والده في السوق، وأصبح كبير التجار، ملأ السوق ببضائعه، وتقاطر إليه التجار من كل حدب وصوب، وأمواله ماتفتأ تنمو تزيد، وتجارته تتسع، حتى ملأت الآفاق.
وكان في أثناء ذلك يذكر خدينته، ويحن إليها، ويشتاق، ويفكر في الرحيل إليها، حتى كان يوم، بعد عام أو بعض عام، حمل بضاعته إلى تلك البلد، وما إن نزل فيها حتى أسرع إلى المبغى، وكان الوقت مساءً، فقرع على خدينته الباب، فأطلت عليه من نافذة غرفتها، تسأله عما يريد، فدهش، وقال لها:"أنا فلان"، فلم يظهر عليها تأثر ما، وسألته ثانية عن غايته، فزاد عجبه، وحسر عن رأسه عمامته، وقال لها: "أنا فلان، لم أغب عنك سوى عام، وبعض العام"، فلم تجب بشيء، فألح عليها، وذكّرها بما كان بينهما من حب ووصال، فازداد إنكارها، ثم لم تلبث أن سألته إن كان يستطيع أن يذكّرها بدلالة أو إشارة أو علامة تعرفه بها، فقال لها: "نعم، نعم، ضرسي، قدمته لك قبيل الرحيل"، فضحكت ثم قالت: "انتظر قليلاً"، فخفق قلبه، وفرح، وأدرك أنها لابد ستعرفه، ووقف ينتظر، ثم فتح الباب، وظهرت له هي نفسها، ولكنها متبدّلة، مربدّة الوجه، فاضحة الثياب، ومدت له يدها بعلبة، وهي تقول له:"خذ، افتحها"، وتناول منها العلبة، مدهوشاً، وهو ينظر إليها، ولهان، ثم فتح العلبة، بيد مرتعشة، وإذا هو أمام كومة من الأضراس، فدهش، وعلاه الخبال، ونظر إليها فاغر الفم، لا يعي مايقول.
_Oni_
22-10-2005, 08:02 PM
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
ثمن الذهب
كان لأحد الرجال بنت وحيدة، ذات جمال باهر، رباها خير تربية، ونشّأها أفضل تنشئة، ولما بلغت سن الزواج، أخذت الخاطبات بالتوافد عليها، ولكنهن كنّ يرجعن خائبات، لأن والدها كان يطلب فيها وزنها ذهباً، فانصرفت الخاطبات عنها، وأصبحت لا يطرق بابها أحد.
وذات يوم تقدم إلى خطبتها شاب أعلن عن استعداده لدفع مايعدل وزنها ذهباً، على شرط أن يأذن له أبوها باصطحابها إلى بلده، فهو غريب، وألا يسأل بعدئذ عن ابنته أبداً، فوافق الأب ودفع الشاب مايعدل وزن البنت ذهباً، ثم ارتحل بها إلى بلده.
وتم الزواج من غير احتفال ولا زوار ولا مهنئين، وأقامت الزوجة في بيت زوجها هانئة مسرورة بما يوفره لها زوجها من أسباب الراحة والنعيم، وكان يخرج كل يوم إلى عمله في الصباح، يقفل الباب عليها، ولا يرجع حتى المساء، وكانا لا يزورهما أحد، ولا يزوران أحد.
ومرت الأيام، فحملت الزوجة، وتتابعت الشعور، فوضعت ولداً،وهي في الدار وحدها، من غير أن يعينها أحد، أو تشرف عليها قابلة، فتكفلت بكل شيء بنفسها، ثم رجع زوجها في المساء من عمله، فرأى الطفل الوليد، فحمله وخرج به، ثم رجع من غيره، فسألته الزوجة عن طفلها، فأجابها بأنه قد باعه، ثم أكد لها أنه سيبيع كل ولد تضعه، حتى يسترد الثمن الذي دفعه فيها، فغصت الزوجة بدموعها، ولم تجب بشيء.
ومرت الأيام، وتلتها الشهور، وإذا الزوجة قد حملت ثانية، ثم وضعت طفلاً ثانياً، ففعل الزوج مافعله من قبل بالولد الأول.
ومرت شهور أخرى، حملت فيها الزوجة مرة ثالثة، ثم وضعت بنتاً تشبهها في حسنها وجمالها، ودخل عليها الزوج، فتوسلت إليه زوجته أن يترك الطفلة لها كي تأنس بها وتتسلى، ولكن الزوج لم يبال بها، فحمل الطفلة وخرج بها، ثم رجع من غيرها، ليخبرها بأنه قد باعها أيضاً.
وغصت الزوجة بدمعها، ولم تجب بشيء، ولكنها قررت أن تمنع نفسها من الحمل، حتى لا يكون مصير الأولاد الآخرين مصير من سبق، وظلت على هذه الحالة من الصبر والصمت، يخرج زوجها كل يوم في الصباح، فيقفل عليها، ولا يرجع حتى المساء، لا تزور ولا تزار، ولا ترى أحداً، ولا يراها أحد.
ومرت الشهور تلتها السنون والأعوام، إذا زوجها يخبرها ذات يوم بضيقه بها، وعزمه على الزواج من غيرها، متذرعاً بعدم حملها، مؤكداً حاجته إلى الولد، فأكدت له الزوجة موافقتها على كل مايراه، فطلب منها أن تبحث عن زوجة تليق به، فأجابته بأنها لم تخرج من البيت قط، ولا تعرف أحداً، ثم أشارت عليه أن يختار هو الفتاة التي تروق له، ثم وعدته أن تقوم بدورها في إتمام الخطبة والسعي في أمور الزواج.
وبعد بضعة أيام رجع إليها الزوج باكراً، فطلب منها أن تخرج معه، فخرجت، فدلها على بيت، وطلب منها أن تزور أهله، وتخطب ابنتهم، وأوصاها أن توافق على مايطلبون من أمور.
ودخلت الزوجة إلى البيت الذي دلها عليه، فاستقبلتها فيه بعض النسوة، فأخبرتهن بأنها جاءت تخطب إليهن ابنتهن، تريدها لزوجها، فبرزت لها فتاة دون الخامسة عشرة من عمرها، ذات حسن وجمال، خفق لها قلبها، ودهشت لمرآها دهشاً عظيماً، ثم سألت الأهل عن طلباتهم وشروطهم، وأكدت لهم استعداد زوجها للوفاء بكل مايطلبون.
وسارت الأمور على مايرام، فتمت الخطبة، وحان موعد الزفاف، والزوجة تسعى في ذلك كله، وتساعد زوجها، صابرة صامتة، لا تبدي انزعاجاً ولا قلقاً ولا غضباً.
وفي ليلة الزفاف أُحضِرَت العروس في أبهى زينتها، وكان يصحبها أخواها، وهما يفوقانها في الحسن والبهاء، وطلب الزوج من زوجته أن تنهض لاستقبال عروسه وأخويها، وأن تقودهم إلى مخدعه، فنهضت الزوجة، فاستقبلت العروس وأخويها، وقادتهم جميعاً إلى مخدع زوجها، ثم تركتهم وهمت بالرجوع، وإذا زوجها يدخل عليها ويطلب منها البقاء، ليقدم لها العروس معرفاً بها، بوصفها ابنتها، ويقدم لها شقيقي العروس بوصفهما ولديها.
وعانقت الأم ابنتها، العروس، وضمت إليها ولديها، ثم ضم الزوج إليه زوجته وأولاده، وشكر للزوجة صبرها، وبارك فيها وأكد لها أنها تستحق أن يدفع فيها مايعادل وزنها ذهباً.
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
الوصية
كان لأحد الرجال ثلاثة أولاد، وكان على قدر كبير من الغنى، فلديه الأراضي والماشية والديار، وكان أولاده يسألونه دائماً أن يقسم فيهم أمواله، قبل وفاته، ولكنه كان لا يستجيب إلى طلبهم، ويعدهم بأن كل ما يملكه هو لهم، وأنه قد رتب الأمور، وأعد وصيته، وأنه أودعها خزانته، وما عليهم ألا أن يفتحوها بعد وفاته، ليجدوا واكل شيء قد أعد خير إعداد.
ومضى الأولاد ينتظرون مرور الأيام، وحتى وافت المنية والدهم، فواروه التراب، وأسرعوا إلى الخزانة يفتحونها، وإذا بهم يدهشون لما يرون، فليس ثمة غير قبضة من تراب، وعظمة نخرة، وورقة بيضاء،وقد كتب أمام كل واحدة اسم أحدهم، فلم يفهموا مما رأوا شيئاً، وحاروا في أمرهم، كيف يقتسمون أملاك أبيهم؟
وكاد الخلاف يدب في الأخوة، ولكن أحدهم اقترح مشاورة صديق لأبيهم، فرجعوا إليه يستشيرونه في الأمر، فنصح لهم بالتوجه إلى حكيم في أحد البلاد، ليعرضوا أمرهم عليه.
وسار الثلاثة إلى بلد ذلك الحكيم، وبينما هم في بعض الطريق، رأوا نخلة عالية، تتدلى منها عثاكيل التمر، فتسلق أحدهم النخلة، وقطف عثكولاً من التمر الناضج، وأقبل ثلاثتهم عليه، وإذا أول تمرة فيه مرّة لا تذاق، وكذلك حال الثانية، فالثالثة، حتى لم يبق في العثكول غير ثلاث، ذاقوها فإذا هي حلوة فاقتسموها.
ثم مضوا في الطريق، وماهي إلا بضعة فراسخ، حتى رأوا واحة، فنزلوا بقربها، وكان ماؤها أبيض رقراقاً، فأدنوا منها إبلهم، ودعوها إلى الشرب، فلم تشرب، فحاولوا الشرب منها، فإذا ماؤها ملح أجاج، فعافوها، ومضوا في طريقهم قاصدين بلد الحكيم.
وما إن قطعوا فراسخ أخرى، حتى رأوا حصاة صغيرة، تذروها الريح، فتعلو، فإذا هي قصر مشيد، ثم ماتلبث أن تهوي، حصاة صغيرة، تدوسها الأقدام، فعجبوا مما رأوا، وكانوا قد وصلوا بلد الحكيم، فدخلوها، ومضوا إلى حيث دلهم الناس، حتى بلغوا داره، فدقوا عليه الباب، فخرج لهم غلام قادهم إلى غرفة التقوا فيها بشيخ عجوز، متهدم، ذي لحية بيضاء، يبدو أنه في التسعين، فحسبوه الحكيم، فحيوه، وأخبروه أن لديهم حاجة، فأخبرهم أنه ليس هو الحكيم، وإنما أخوه الأكبر، وماعليهم إلا أن ينتظروه حتى يجيء.
ولبث الإخوة ينتظرون، فدخل عليهم رجل قوي مشدود القامة، مهيب الطلعة، متقدم في العمر، ولكنه محتفظ بقوته وحيويته، يبدو كأنه في الستين، وما إن دخل حتى نهض له الشيخ العجوز، وقبل يده، وحياه، ثم قدمه إلى الإخوة على أنه أخوه الحكيم، فعجبوا له، وحيوه، وهم دهشون، ثم عرضوا عليه أمرهم، وسألوه تفسير ماترك لهم والدهم.
أطرق الحكيم قليلاً، ثم أخبرهم بتفسيره، فأما كومة التراب فتشير إلى مايملك والدهم من أرض، وأما العظمة النخرة فتشير إلى مايملكه من ماشية، وأما الورقة البيضاء فتشير إلى مايملكه من ديار مسجلة في الأملاك، وماعليهم إلا أن يقتسموها، كما هي موزعة.
وأعجب الإخوة بتفسير الحكيم، كما أعجبوا بقسمة والدهم لهم، ثم أخبروا الحكيم بما رأوه في الطريق، وسألوه تفسيره، فأخبرهم أن التمر الكثير، الذي لم يجدوا فيه حلوا سوى اثنتين أو ثلاث، فمثله كمثل الأصحاب، وهم كثير ولكن المخلص فيهم قليل، وأن الماء الرقراق الصافي، مالح الطعم، فمثله كمثل المرء، يعجبك مظهره، يخدعك به عن فعاله وخلقه، التي لا توافق مظهره، وأن الحصاة التي تعلو فتشيد قصراً، ثم تسقط فتهدمه، فمثلها كمثل الكلمة، تحلو وترق، فتبني بيتاً، وتغلظ وتقسو فتخرب مابنت، فأعجب الأخوة بتفسيره، وشكروه عليه، وهموا بالانصراف.
ولكن الأخوة التفتوا إلى الحكيم، قبل مضيهم، يسألونه عن حاله، كيف يكون أكبر من أخيه، في حين يبدو أخوه هو الأكبر، فأخبرهم الحكيم أن أخاه غارقاً في الهموم، يفكر فيما مضى، وفيما سيأتي ويطيل التفكير، أما هو فيرمي الهموم جانباً، ولا يفكّر إلا فيما هو فيه، فأعجبوا بحكمته، وعادوا إلى بلدهم هانئين بما أفادوه من حكمة.
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
الخمخوم
كان لامرأة عجوز حفيد وحيد، يدعى "الخمخوم" وكان أقرع، تلمع قرعته تحت الشمس، وكان أخن يصدر صوته من أنفه، لا يكاد أحد يفهم مايقوله، وكان لا يحسن عمل شيء، وضعته جدته عند حداد، فقرض إصبعه، ولم يطق على العمل صبراً، ووضعته عند خياط، فما استطاع مرّة ضم خيط في إبرة،وكيف يطيق صبراً على عمل، ودأبه أن يأكل، حتى ينتفخ بطنه، فليس له إلا أن يحمل معه أطباق الخبز، حيثما ذهب، ليلتهمها رغيفاً رغيفاً.
وكان آخر عمل جهدت العجوز في وضعه فيه، هو البناء، فقد مرّت بورشة بنائين، فتوسلت إلى رئيسها أن يقبل عنده الخمخوم أجيراً، فلما سأله عما يستطيع أن يعمل، فأجابه على الفور: "الأكل"، فضحك منه طويلاً، ثم وجهه إلى بئر، وطلب منه أن ينضح الماء للعمال، فاطمأنت العجوز إلى أنها وجدت عملاً لحفيدها، وشكرت رئيس الورشة، ثم مضت.
ومضى الخمخوم إلى البئر يحمل أطباق الخبز، فوضعها إلى جانبه، وبدأ العمل، فكان إذا خرج له الدلو يتقاطر منه الماء، بش له وفرح به، وقال:"أهلاً"، ثم رفعه إلى فمه، وظل يعب منه حتى ينزله فارغاً، ثم يتناول وراءه رغيفاً، وظل هذا دأبه، يشرب دلواً، ويأكل رغيفاً، حتى أتى على ماعنده من خبز، فانطلق إلى رئيس الورشة يعلن له عن انتهاء عمله، فما كان من الرجل إلا أن صرفه، طالباً منه أن يزيد في الغد عدد الأرغفة.
ولما كان اليوم التالي، هيّأت له جدته ضعف ماكانت تهيئه له من قبل، وانطلق الخمخوم إلى عمله، فرحاً به، وأكب على الأرغفة، يلتهمها بنشاط كبير، ويشرب من البئر ماشاء أن يشرب، حتى أتى على كل ماحمل من أرغفة، فمضى إلى رئيس الورشة يطلب منه أجرته، فسخر منه المعلّم، وقال له: "أعطيك أجرتك آخر الأسبوع"، ففرح الخمخوم بوعد المعلم، وأخذ يزيد من نشاطه، ويضاعف من عمله، ويقبل عليه، بتناول مزيد من الأرغفة، وشرب مزيد من الدلاء، حتى ازداد في الأسبوع وزناً، على حين شقيت جدته في تهيئة الخبز له.
حتى إذا انتهى الأسبوع أقبل على معلمه يطالبه فحار المعلم في أمره، كيف يعطيه أجراً، وهو الذي لم يفعل شيئاً؟، ونظر حوله، فرأى بعيداً عن الورشة خم دجاج، فقال له: "انظر إلى هناك"، فنظر الخمخوم، فقال له: "اذهب إلى هناك، وأدخل الخم، ثم خذ بيضة واحدة، أجراً لك"، فسأله الخمخوم:"بيضة واحدة؟"، فقال المعلم: "نعم، بيضة واحدة، ولا تعد في الأسبوع القادم"، فسأله: "وهل تعده عطلة؟"، فقال المعلم: "نعم"، فسأله:"وتعطيني في نهايته أجري؟"، فقال المعلم، وقد نفذ صبره: "نعم، نعم".
وضحك الخمخوم، ثم انطلق إلى الخم، حتى إذا بلغه، دخله، وهو يمنّي نفسه ببيض كثير، ولكنه فوجئ بالخم خاوياً، فأخذ يبحث في نواحيه، فلم يعثر على شيء، فأعاد البحث، ونبش أكوام التبن والأقذار، فرأى بيضة غريبة، صفراء اللون ، أكبر من البيض، وأثقل، فحملها، وأسرع بها إلى جدته، وهو ينادي طوال الطريق: "أخذت أجرتي ياجدتي، أخذت أجرتي، ياجدتي".
فلما سمعت الجدة، فرحت به، فهذه أول أجرة له في حياته، ولكن لما دخل عليها بالبيضة الصفراء، ولم تميزها جيداً، غاض فرحها، وخاب أملها، وأخبرته أن البيضة فاسدة، وأن من الخير له أن يرميها، فخرج الخمخوم غاضباً، مصمماً على الذهاب بها إلى الملك، ليشكو له أمره، فلما بلغ قصره، منعه الحرس من الدخول، فأخذ يصيح وينادي، حتى سمع الملك، فنظر من نافذة القصر فضحك لمرأى الخمخوم، وأشار إلى جنده أن اسمحوا له بالدخول.
_Oni_
22-10-2005, 08:04 PM
ودخل الخمخوم على الملك، فشكا له أمره، وعرض عليه البيضة، فلما رآها الملك، دهش لمرآها، وفرح بها، فقد كانت ذهباً، فتلقفها من يده، وسأله في لهفة عما يطلبه من ثمن لها، فقال الخمخوم ببلاهة: "لا أريد ثمنها"، فعرض عليه الملك أن يتمنى شيئاً ليحققه له، فقال له على الفور: أريد فرناً وجرناً وخراباً"، فعجب الملك من طلبه وسأله لم يريد ذلك؟ فأجابه: "الفرن للخبز آكله، والجرن للماء أشربه، والخراب لحاجتي أقضيها فيها"، فضحك الملك منه وأمر الجند أن يهيئوا له ماطلب.
وخلال يومين أشيد فرن، في ظاهرالبلدة، وحفر إلى جانبه بئر، وتم تسييج مايحيط بهما من أرض، وسلم ذلك كله للخمخوم، فكان يمضي يومه بين البئر والفرن، في أكل وشرب، هانئاً بالنعيم ومرت الأيام وهو على هذه الحالة، ليس له عمل غير الأكل والشرب، وقضاء الحاجة بين فرن وجرن وخراب، حتى جاء يوم مل فيه عيشه، وأراد التنزه، فطلب من عمال الفرن أن يهيئوا له للغد أرغفة كثيرة، ففعلوا ذلك، فلما كان الغد، حمل الأرغفة على ظهر حمار، ومضى بها إلى ضفة نهر قريب، وأخذ يلتهم هناك الأرغفة، ويشرب من ماء النهر، مايشاء، ناعماً بتجديد المكان، حتى إذا انتهى من الأرغفة التي حملها امتلأت بطنه وانتفخت، وأراد الرجوع، أحس بالتعب الشديد، ولم يستطع الحمار حمله، لثقله، فأخذ يمشي والعرق يسح منه، ويغسله غسلاً.
وبينما هو في بعض الطريق، مرت به أفعى، ورجته أن يخبئها، فعجب لأمرها، فتوسلت إليه، وشرحت له أن ثعباناً يلاحقها، فحار في أمره، ماذا يفعل؟ فماكان منه إلا أن فتح فمه، وقال لها: "هيا، ادخلي"، حتى إذا دخلت في فمه ابتلعها، فلما مر به الثعبان غضبان يصل صليلاً، سأله إن كانت الأفعى قد مرت به، فأجابه: "نعم" ودله على طريق بعيدة، وقال له: "ذهبت من هنا"، فغدا الثعبان في الطريق فلما ابتعد، دق الخمخوم على بطنه، ودعا الأفعى إلى الخروج، فخرجت، ثم سألته عما يتمناه، حتى تحققه له، فسخر منها، وقال لها: "وماذا تستطيعين أن تفعلي؟"، فأعادت عليه السؤال، فقال لها ساخراً، ومتحدياً: "أتمنى أن تحمليني إلى الخراب"، وإذا الأفعى تدخل تحته، وتنطلق به زاحفة، وهو فوقها يختال، كأنه في هودج.
وفي تلك الأثناء، كانت ابنة الملك في بستان قريب، تمرح بين الأشجار مسلية نفسها، فمر بها الخمخوم وهو على ظهر الحية، فضحكت لمرآه، ضحكاً شديداً، وقذفته بتفاحة كانت في يدها، فغضب منها وماكان منه إلى أن شتمها، ودعا عليها أن تغدو لتوها حاملاً.
ومرت الأيام، وإذا بطن الفتاة قد تكوّرت، وأخذت تنتفخ قليلاً قليلاً، وبدأت علامات الحمل تظهر عليها، وأدركت الفتاة على الفور أن دعاء الخمخوم قد استجيب، فأسرعت إلى أمها تخبرها، وحارت الأم في أمر ابنتها، وهي تعلم براءتها وتوقن أن أحداً لم يمسها، وبعد تردد، عرضت الأمر على الملك، فغضب وثار، ولكن الأم أكدت له صدق ابنتها، فقرر عندئذٍ تزويجها من الخمخوم.
وأرسل الملك في طلب الخمخوم، فلما مثل بين يديه أمر به الخدم أن يأخذوه إلى الحمام، وفي الحمام غسلوه وهو يصرخ ويصيح، ويرفض الماء والصابون، ثم ألبسوه أفخر الثياب، وهو ضائق بها، نافر منها، ثم أدخلوه على الملك، وهو في هياج شديد، يريد العودة إلى الخراب، فلما أخبره الملك أنه يريد تزويجه ابنته، فزع فزعاً شديداً، والتزم الباب، وفر راكضاً، لا يقدر على اللحاق به أحد، يرمي طوال الطريق ماكُسِيَ به من ثياب.
حتى إذا بلغ الخراب، دخلها شبه عار، معفراً بالتراب وهو فرح بخلاصه، مطمئن إلى بلوغه مأمنه، ولكنه أحس أن شيئاً سلساً ناعماً قد تمزق وانسحق تحت قدميه، حين وطئ أرض الخراب، والتفت ينظر، وإذا ثعبان هائلٍ، قد داس بقدمه رأسه، فذعر الخمخوم وتراجع، وعرف أنه الثعبان الذي كان قد خدعه بإخفائه أنثاه الأفعى في بطنه، وخاف من شره، إذ أدرك أنه ماجاء إلا لينتقم منه، ولكن الثعبان انتفض مرتين أو ثلاثاً، ثم همد ميتاً، فتنفس الخمخوم الصعداء.
وإذا الأفعى تدخل عليه، فتحييه، وتشكر له إنقاذها، وتخليصها من شر الثعبان الماكر، الذي كان يريد إرغامها على الزواج منه، وهي لا تحبه ولا تريده، وسألته مرة ثانية عما يريد، ففرح بها وقال لها، بصوته الأخن:"أنا مثلك يريدون تزويجي ابنة الملك، وأنا لا أريد"، فضحكت منه طويلاً، وقالت: "يالك من أبله، لماذا ترفض؟"، فقال لها:"أنا أقرع، وخمخوم وفقير، وهي بنت ملك"، فقالت له: "اترك الأمر لي"، ثم طلبت منه أن يغمض عينيه هذه الليلة وينام، وألا يفكر في شيء.
ومضى الخمخوم كعادته إلى طرف في الخراب، واستلقى على أكوام من التبن وأغمض عينيه ونام.
وفي الصباح استيقظ وإذا الخدم بين يديه، وقد تحولت الخراب إلى قصر كبير، وهو في سرير ذهبي، مغطي بكلة لؤلؤية ونهض وتأمل نفسه في مرآة كبيرة، تغطي الجدار ، فرأى نفسه في حلة مزركشة، من أفخر الثياب، وعلى رأسه جمة من الشعر الأشقر، وقد تدلت منها طرة على جبينه ولما التفت إلى الخدم يناديهم، أحس لصوته قوة وفخامة، لا يحظى بها أقوى الرجال ثم أحضر له طعام الفطور، فدهش له طويلاً وتملاه، وإذا فيه أطايب الطعام، وأشهاه.
ثم لما كان الضحى مثل بين يديه كبير الخدم، وأعلمه أن موعد زيارته للملك قد حان، وأنه قد أعد له موكبه، فنزل الخمخوم من قصره، ومضى إلى قصر الملك، في موكب مهيب، وكان الملك في انتظاره، فرحب به أعظم ترحيب، وقربه منه، وأدناه، وأنزله في ضيافته ثلاثة أيام، وقد خصه بجناح في قصره.
ثم كانت الخطبة فالزواج، في احتفال دام سبعة أيام مع سبعة ليال، هنئ فيها الخمخوم بابنة الملك، ونعم، ونسي قرعته وشقاءه، ولكنه في صباح اليوم الثامن أفاق حزيناً، فسألته زوجته عما يحزنه، فأخبرها أنه ذكر جدته، فحن إليها، وأنه يريد رؤيتها، فنصحت له بالمضي إليها لإحضارها كي تقيم معهما في القصر.
وانطلق الخمخوم إلى جدته، حتى إذا دخل عليها لم تعرفه، فأخبرها بأمره، وبما صار إليه من نعيم، ثم حملها إلى قصره، وأفرد لها جناحاً فيه، وعين لها الخدم يسهرون على راحتها، فأمضت بقية عمرها هانئة بما توفر لحفيدها من نعيم، وماتت مطمئنة راضية، هادئة البال، فسبحان مغير الأحوال.
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
الطائر الأبيض
في بركة القصر، كانت ابنة الملك الوحيدة، تستحم كل يوم، ومرة افتقدت سوارها الذي تركته على طرف البركة، فلم تجده، ومرة أخرى فقدت منديلها، وثالثة فقدت مشطها، ثم انتبهت إلى أن طائراً أبيض يسرقها أشياءها، وهي تستحم، فعجبت منه.
وذات ليلة، وهي في مخدعها، فوجئت بالطائر الأبيض يحط في نافذتها، ولم يلبث أن نزع ريشه، وهبط إليها، فإذا هو فتى وسيم، حلو الحديث، سامرها طوال الليل، وباح لها بحبه، ونام معها، ثم غادرها في الصباح، قبل أن تستيقظ.
وبينما كانت المربية تصلح لها فراشها، كعادتها كل صباح، وجدت تحت وسادتها صرة نقود، فأخذتها، وكتمت الأمر.
وقد داخل حب الفتى قلب الفتاة، وهو مايفتأ يزورها كل مساء، ليغادرها في الصباح، وحبه في قلبها ينمو ويكبر، وهي لا تعرف من هو؟ ولا تستطيع أن تبوح لأحد بشيء.
كما ألفت المربية أن تجد كل صباح صرة نقود تحت وسادة الفتاة، فتأخذها في كتمان، ولا تخبر أحداً.
وجاء يوم لم تستطع فيه الفتاة أن تبقى على صمتها، فباحت لأمها بأمر الفتى، الطائر، فأوصتها أمها أن تطلب منه هدية، وإن هو جاء، تتعرف بها عليه.
وإذ سألته، أخبرها أنه يترك لها كل صباح صرة نقود، تحت الوسادة، فأدركت عندئذٍ أن المربية هي التي تسرقها الصرة، فأمرتها أن تترك إصلاح الفراش، فثار الغيظ في صدر المربية، وكانت قد عرفت أمر الطائر الذي يزورها كل مساء، فقررت أن تكيد لها.
وذات يوم نزلت الأم والبنت والمربية إلى الحمام، فاغتنمت المربية الفرصة، وادعت أنها نسيت شيئاً في البيت، واستأذنت في الرجوع إلى القصر، ثم عمدت إلى زجاج، فحطمته، وهشمته، ثم فرشت به أرض الغرفة التي يهبط فيها الطائر، ثم رجعت إلى الحمام، وأخذت تغري البنت والأم بالبقاء في الحمام حتى يدخل المساء.
ولقد كان لها ذلك، فقد دخل الليل، وأقبل الطائر كعادته، وهبط في النافذة، فجرّحه الزجاج المحطم تجريحاً، وما إن رجعت البنت إلى القصر، حتى أسرعت إلى غرفتها، ففوجئت بخيط دم يمتد من النافذة إلى أسفل الجدار، فأدركت فعلة المربية، وكتمت غيظها.
ومرت الأيام والطائر لا يزورها، وهي تنتظر في شوق، حتى برّح بها الحنين، وأمضّها الانتظار، فانزوت، وانطوت على نفسها، في كرب وضيق، فاعتلّت ومرّضت، وكادت تشرف على الهلاك.
وإذ أُعجز الاطباء شفاؤها، أخبروا الملك أن داء ابنته في فؤادها، لا في جسمها، وأن لاشفاء لها سوى التسلية والسلوان ولما سألها أبوها عن أمرها، باحت له بمكنونات صدرها، فأمر الملك ببناء حمام، تقعد فيها، لتستقبل الزائرات، وليكن أجر الاغتسال فيها حكاية غريبة، تسلّي بنت الملك.
وتناقل الناس خبر الحمام، فأقبلت النساء عليها من كل صوب، حتى وصل الخبر إلى القرى المجاورة، والأرياف، وكانت إحدى النسوة قد سمعت بالحمام، فأسرعت إلى جارتها تخبرها، وترتجي عندها قصة، فاتفقتا على أن تقصدا المدينة، في الصباح، للذهاب معاً إلى الحمام، ونامتا مبكرتين، وقد علقت إحداهما جرساً في بيتها، مربوطاً بحبل ويتمد إلى بيت جارتها، حتى تنبهها في الصباح الباكر.
وحدث أن مرّت أثناء الليل، قطة بالحبل، فاهتز، وقرع الجرس، فنهضت التي علقت الجرس في بيتها، ومضت في لهفة إلى خارج البيت، وإذا رأت القمر يتوسط السماء، حسبته الشمس، لغفلتها وظنت أن جارتها قد غدرت بها، فسبقتها، وماكان منها إلا أن انطلقت في الفلاة، متجهة نحو المدينة، ولكنها مالبثت أن أدركت خطأها، فلما أرادت العودة إلى قريتها، ضلت الطريق، فخافت الليل والوحش والصمت، فقررت أن تصعد إلى شجرة، لترقد فيها.
وعلى غصن مريح، نالها شيء من النعاس، ولكنها انتبهت إلى أن الأرض قد شقت، وخرج منها خلق غريب، وإذا جوقة من المغنيين تقعد في شكل حلقة، يتوسطها سرير رقد فيه فتى ملفوف الجسم بالضمادات، يبدو عليه الكرب والضيق، وبين يديه سوار ومنديل ومشط، ولم تلبث الجوقة، أن غنت غناءً حزيناً، بكى له الفتى الشاب، وهو يقول:
بحق من هذا سوارها أبكوا على حالي وحالها
ثم أمر الجوقة، أن تنصرف، فانصرفت، ثم غاب، وقد أخذت الشمس في السطوع،
ونزلت المرأة من مرقدها على الشجرة، وقد ملأ النور الكون، فدهشت لعجب مارأت، وانطلقت إلى المدينة، تمني نفسها بالحمام، ففي جعبتها قصة ستعجب من غير شك ابنة الملك.
ولقد وقعت القصة من بنت الملك موقع الدواء من الداء، فهي قصتها، ولم تلبث أن انطلقت مع المرأة، إلى حيث رأت مارأت، وصعدتا معاً الشجرة، وباتتا تنتظران الليل، وظهور الفتى وطال بهما الانتظار، ولكن ما إن توسط القمر السماء، حتى حدث ماحدث بالأمس، ومع الصباح اختفى كل شيء، ورجعت المرأة إلى قريتها، فرحة بما أجزلت لها بنت الملك من عطاء، على حين مضت بنت الملك حزينة مكتئبة، لا تعرف كيف يكون لها الوصول إلى فتاها، وما الدواء الذي يمكن أن يشفيه.
وبينما هي في بعض الطريق، سمعت حمامتين تتناجيان، فتقول إحداهما للأخرى: "كم أنا حزينة لجراح الفتى؟"، وتجيبها أليفتها، "قد يزداد حزنك إذا علمت أن شفاءه بنا"، وتسألها صديقتها: "ولكن كيف؟"، فتجيبها: "إن شفاءه في لحمنا ودمنا، وذلك بأن تأخذنا بنت الملك، فتذبحنا، وتعتصر دمنا، ثم تحرق ريشنا ولحمنا، وتعجن الرماد بدمنا، وتصنع منه مرهماً، تمسح به جراح الفتى، فيشفى"، وتجيبها صديقتها: "إني لأفرح إذ شفاؤه فينا، هيا، فلنمكّن بنت الملك من أنفسنا".
وكانت بنت الملك قد أصغت إلى تحاورهما، ففعلت بما سمعت، ومضت فتنكرت في زيّ طبيب، وأخذت تدور في الممالك والبلاد، تنادي على دواء لكل العلل والأمراض، ومافتئت تحملها بلاد، وتضعها بلاد، حتى بلغت بلد الفتى، وكان مرورها بقصره، فناداها أهله، وهي الطبيب، فصعدت، فرأت الشاب، فعرفته، وهو لايعرفها.
وأمرت في الحال أن ينقل الفتى إلى الحمام، وهناك غسلت له جروحه، وهي متنكرة، ودهنتها بما صنعت من دم الحمامتين ورمادهما، وأقامت عنده تسهر على علاجه، حتى شفي، وزال عنه السقام.
ولما سألها الفتى ماتطلب من جزاء، رفضت أن تأخذ أجراً، ولكنها رجته، وهي ماتزال متنكرة، أن يمنحها منديله، هدية، وكان هو نفس المنديل الذي سرقها إياه، وهي تستحم في بركة القصر، فتردد الفتى، في البدء، ولكنه لم يلبث أن قدّمه إليها، فشكرته، ورجعت قافلة إلى بلدها.
وفور وصولها، عمدت إلى نافذة مخدعها، فأصلحتها، وكنستها، وفرشتها، بالدمقس، ومضت تنتظر زيارة الفتى.
ومامرّ إلا يوم أو يومان، وإذا الطائر يهبط في النافذة، مع المساء، كعادته من قبل، وكانت الفتاة ترقد في سريرها، وقد ارتدت لمقدمه أجمل ماعندها من الثياب،
وتزينت بأغلى الحلى والأساور، وحملت المنديل في يدها، وما إن هبط من النافذة، حتى امتشق حساماً مصلتاً، يريد قتلها، لإيقاعها به من قبل، كما اعتقد.
ولكنها رفعت يدها تريه المنديل، فعرفها، ودهش لأمرها، فقصت عليه ماكان، وعرفته بأبيها الملك، وتمت خطبتها إليه، ولم تلبث أن زفت في أروع احتفال وعاشا معاً في سعادة وهناءة.
_Oni_
22-10-2005, 08:06 PM
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
الفقير والوزير
كان أحد الرجال فقيراً معدماً، وكان ذا عيال كثير، يعمل من الصباح إلى المساء، عتالاً يسوق حماره، يحمل عليه للناس أشياءهم، كي يفوز بقليل من الدراهم، يشتري بها لعياله الخبز والإدام، وكان في كثير من الأيام لا يحصّل غير ثمن الشعير للحمار، ويعود إلى البيت، ليمضي الليل مع العيال، غرثى جائعين.
وذات يوم فتح الله عليه برزق كثير، فاشترى لأهله ألواناً من الطعام، وملأ كيس الحمار بالشعير، وقصد بيته، وبينما هو في بعض الطريق عرضت له حاجة، فانتحى جانباً، تاركاً الحمار، ثم قضاها.
ولما رجع لم يجد الحمار، فتلفت يبحث عنه، فلم ير له أثراً، فأخذ يفتش عنه، فطاف في الأزقة، ودار في الحارات، وهو ينادي، ويسأل عنه، حتى تورمت قدماه، ولكن في غير جدوى، فما كان منه إلا أن حدج السماء بنظرة شزراء، ثم صاح في غضب:
- يارب، كل الأيام لا أرزق إلا بالقليل، ويوم رزقت بالكثير ضاع الحمار؟!..
ومضى إلى الملك، مغاضباً، يريد أن يشكو الله إليه، فمنعه الحرس من الدخول، فأخذ يصرح ويصيح، حتى سمع الملك الصوت، فأطل من نافذة القصر، فرأى ذلك البائس الفقير، فأشار إلى الحرس أن اسمحوا له بالدخول، فدخل، والغضب بادٍ عليه، ليعلن أنه يريد رفع شكوى ضد الله، فضحك الملك طويلاً، وطيّب خاطره، ثم سمع حكايته، فأمر له بعطاء جزيل، فخرج فرحاً به مسروراً.
وكان الوزير إلى جانب الملك، يسمع ويرى، فحزّ في نفسه أن يحظى هذا الفقير، بذاك العطاء، فمال على الملك، وأوغر صدره عليه، موحياً إليه أنه ليس إلا محتالاً، اختلق تلك القصة، ليظفر بالمال، ثم طلب من الملك أن يرسل وراءه، فإن لديه سؤالاً يريد أن يمتحنه به، ليكشف احتياله، فأرسل الملك الجند وراء الفقير، فأحضروه، فدخل مذعوراً، فأخبره الملك أن الوزير يريد أن يسأله سؤالاً، إن عرف الجواب، أجزل له العطاء، وإن لم يعرف، قطع رأسه.
فاضطرب الفقير واغتم، ولكنه امتثل، وأعلن استعداده، لسماع السؤال، وعندئذٍ سأله الوزير: "أين أول الدنيا؟ وأين آخرها؟"، فأجابه على الفور: "عند أقدام الملك، أولها وآخرها". فسر الملك بالجواب، ونظر إلى الوزير، فإذا هو صامت لا يريم، فأمر للفقير بعطاء كبير، فأخذه الفقير وخرج فرحاً، والوزير يتميز من الغيظ.
ولكن لم يلبث الوزير أن مال على الملك، وأكد أن ذلك الفقير محتال، ثم طلب منه أن يرسل وراءه، فإن لديه سؤالاً آخر يريد أن يمتحنه به، فأرسل الملك الجند وراءه، فأحضروه، فدخل، وقد أدرك أن الوزير هو الذي يكيد له، ويؤلب الملك عليه، ولما عرض عليه الملك الشرط، أن يعرف الجواب، أو يقطع رأسه، أعلن القبول، فليس له في الأمر حيلة.
وعندئذٍ سأله الوزير:"في أي جهة وجه الله؟"،فأطرق الفقير قليلاً، ثم طلب من الملك أن يأمر الخدم كي يحضروا له شمعة، فلما أحضرت أشعلها، ووضعها أمام الملك، ثم سأله:"أين وجه هذه الشمعة؟". فأجاب الملك: "في كل الجهات"، فالتفت الفقير إلى الوزير، وأجابه: "وكذلك وجه الله، فهو في كل الجهات". فأعجب الملك بجوابه أي إعجاب، وأجزل له العطاء، فأخذه وخرج، مزهواً بنصره، فرحاً بالعطاء، والوزير في ضيق شديد، وغضب كبير.
ولكن لم يلبث الوزير أن حزم أمره، ومال على الملك، وطلب منه أن يأمر بإحضار الفقير، فإن لديه سؤالاً أخيراً، يريد أن يمتحنه به، فأجاب الملك طلب وزيره، وأرسل وراء الفقير، فأدخله الجند، وهو في قلق كبير، فقد أيقن أنه هذه المرة أمام امتحان قد يخسر فيه حياته، ولكنه ملك نفسه، وصمم على تحدي الوزير، ولما أعاد عليه الملك الشرط، أكد بحزم قبوله، واستعداده لسماع السؤال.
وعندئذٍ تحرك الوزير، وزها بنفسه، ثم ألقى سؤاله: "ماهو عمل الله؟". فتبسم الفقير، والتفت إلى الملك يسأله أن يعطيه الأمان، فأعطاه الأمان، فطلب منه أن يأمر الوزير بخلع ثيابه، فأمر الملك وزيره بذلك، فدهش الوزير، وارتبك، وراوغ، يحاول التملص، ولكن الملك أشار عليه أن أفعل، ففعل، وعندئذٍ خلع الفقير ثيابه، وألقاها على الوزير، ثم طلب من الملك أن يأمر الوزير بارتداء ثيابه، هو الفقير، فأمر الملك الوزير أن يرتدي ثياب الفقير، فتردد الوزير واضطرب، ثم تبسم، واصطنع المزاح، ولكن الملك نظر إليه يحذره، فلم يجد بداً من الانصياع، فلبس ثياب الفقير، وعندئذٍ لبس الفقير ثياب الوزير، ثم التفت إلى الملك يسأله أن يأمره وزيره بالنزول عن كرسيه، فأمره الملك أن ينزل عن الكرسي، فارتبك، وحار في أمره، ولكن الملك عاجله أن افعل، فنزل، وعندئذٍ ارتقى الفقير إلى جانب الملك، وقعد على كرسي الوزير، ثم التفت إلى الوزير، وقال له: "انظر، هذا هو جواب سؤالك، إن عمل الله أن يرفع أناساً، وأن يضع آخرين".
فأعجب الملك بذكاء الفقير، وقال له: "لقد ثبتناك فيما أنت فيه، فأنت منذ اليوم وزيري"، فبهت الوزير، وصعق، وقبل أن ينطق بشيء، أمر الملك الجند أن يسوقوه إلى السجن، ثم التفت إلى الفقير، وقد غدا وزيره، يهنئه، ويبارك له، وقد أدرك أن في شعبه من هو أذكى من ذلك الوزير المحتال، وأجدر بالوزارة منه.
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
الغزالة
كان لأحد الملوك ثلاث بنات وثلاثة صبيان، وقد عني بتربيتهم، وحرص على أن يغرس فيما بينهم المودة والتفاهم، ولما حضرته المنية أوصى أبناءه الثلاثة أن يزوجوا شقيقاتهم لأول خاطب يطلب الزواج منهن، فوعده الإخوة بتحقيق ذلك، وبعد وفاته تولى الابن الكبير الملك، وعين أخاه الأوسط وزيراً للميمنة، والصغير وزيراً للميسرة، وسارت لهم الأمور على خير مايرام.
وذات يوم تقدم إليهم رجل رث الثياب، زريّ الهيئة، يطلب الزواج من أختهم الكبرى، ولما سأله الأخ الكبير عن عمله، أجاب بأنه يعمل وقّاداً في حمام، في بلد بعيد، فغضب الأخ، وأقسم لن يزوجه أخته، ولو سلخوا جلده، وشايعه الأخ الأوسط وأقسم لن يزوجه إياها ولو فرموا لحمه، وتدخل الأخ الصغير، فذكّر أخويه بوصية الوالد، وطالبهم بتنفيذ وعدهم له، فأحس كل من الأخوين بالإحراج، واضطرا للموافقة، وفي أيام تم تجهيز البنت الكبرى، وزفافها إلى الغريب، الذي لم يلبث سوى أيام، حتى أخذها معه إلى بلاده البعيدة.
وفي يوم آخر قدم غريب آخر، فكان من أمره ماكان من أمر الأول، ثم قدم غريب ثالث، فكان من أمره أيضاً ماكان من أمر الأولين، وهكذا تزوجت الأخوات الثلاث على كره من الأخوين، الكبير والأوسط، وبموافقة من الأخ الصغير، تنفيذاً لوصية الوالد.
وبدأ الأخوان الكبير والأوسط يحّسان بالضيق من أخيهما الصغير، وأخذا يكيدان له، حتى أصبح لا يطيق الإقامة معهما في القصر، فقرر اعتزال الحكم والتخلي عن المشاركة فيه، وماكان منه إلا أن هجر القصر، وتاه في البلاد، لا يستقر به المقام في بلد، حتى ينتقل إلى سواه، وكان دائماً يتمنى أن يدخل بلداً تكون فيه إحدى شقيقاته، لعله يلتقي بها، ويطمئن على حالها، وهو لا يعرف في أي البلاد مقرهن.
وذات يوم، وهو في الفلاة، يسير وحده تائه الخطا، لاحت له غزالة، اقترب منها، فلم تجفل، فاقترب أكثر، فإذا هي تنطلق وتحييه بفصيح الكلام، فدهش لأمرها، وقد فتنته بحور عينيها، وجيدها الأتلع، وشعر بالأنس في قربها، وأخذ لا يفارقها، يسير حيث تسير ويقيم حيث تقيم.
ولما تأكدت الغزالة من تعلقه بها، عرضت عليه صحبتها، ووعدته بأن تحقق له مايتمناه، فوعدها أن يظل وفياً لها مدى العمر، ثم تمنى عليها أن تحمله إلى شقيقته الكبرى، فطلبت منه أن يبقي أمرها سراً، وألا يبوح بشيء عنها، مهما حاولت أخته وزوجها استدراجه إلى ذلك، ثم حملته على ظهرها وقفزت بضع قفزات، وإذا هو أمام قصر شاهق، قعد في ظله، لا يعرف ماذا يفعل، وهو غير مصدق أن تكون أخته فيه، ولما طال قعوده، أخذته سنة من نوم، فأغفى ونام.
وخرجت إحدى الجواري في القصر، فرأت شاباً وسيماً، بهي الطلعة، يشبه سيدتها الشبه كله، فأسرعت إلى سيدتها تخبرها بأمره، وقد وصفته لها، ثم قالت: "عينه عينك، ووجهه وجهك، ولاشك أنه أخوك أوابن عمك"، فدهشت السيدة، وأرسلت الخدم لإحضاره ولما دخل عليها أسرعت إليه تعانقه وتبكي، وتعجبت لتمكنه من حضوره إليها، وسألته إذا كانت الغزالة قد أحضرته، فنفى ذلك، فحذرته منها، فأكد أنه لم يلتق بغزالة، ولا يعرف من أمرها شيئاً.
وأعدت الأخت لأخيها أطايب الطعام، وفرحت به، وسعدت بلقائه، ثم فجأة عمّ الكون قتامة سوداء، وقصف الرعد، وزمجر، فسرى الخوف في أوصال الأخت، فعجب أخوها للأمر، فأخبرته أن زوجها قادم، فسألها:"ومن زوجك؟!"، فأجابته: "ملك الجان الأحمر"، ثم نفخت على أخيها فحولته إلى قطعة حلوى صغيرة، خبأتها في ثوبها.
ودخل الزوج غاضباً، وبادر إلى سؤالها عمن في زيارتها من الإنس، فأنكرت فأكد لها أنه يشتم رائحة الإنس، ولا داعي للإنكار، فأقرت بوجود أخيها، فازداد غضبه، وأكد أنه سوف يسلخ جلده، إن كان أخاها الأكبر، وسيمزق لحمه، إن كان أخاها الأوسط، أما إذا كان أخاها الأصغر، فإنه يرحب به خير ترحيب، فاطمأنت الأخت، وأعادت أخاها إلى حالته الأولى، فرحب به زوجها، وعانقه، ثم سأله إن كانت الغزالة قد أوصلته إلى القصر، فنفى ذلك، فاطمأن إليه، ودعاه إلى الحلول في القصر ضيفاً.
وأقام الأخ في قصر أخته أياماً، سعد فيها بلقاء أخته، ولما عزم على الرحيل زوده زوج أخته بثلاث شعرات، أوصاه أن يحرقها إذا ماوقع في مأزق.
وخارج القصر، وجد الغزالة في انتظاره، فامتطى ظهرها، فقفزت ثلاث قفزات، فإذا هما في الغابة حيث كانا من قبل، وسألته الغزالة إن كان قد حدث أخته أو زوجها عنها، فنفى ذلك، وأكد إخلاصه لها، ووعدها ألا يتخلى عنها أبداً.
ثم طلب منها أن تحمله إلى أخته الوسطى، ففعلت، وكان من أمره معها ماكان من أمره مع أخته الكبرى، وقد عرف أن زوجها ملك الجان الأخضر، وقد زوده قبل وداعه بثلاث شعرات، أوصاه فيها، أن يحرقها إذا وقع في مأزق.
ثم زار أخته الصغرى، فكان من أمره معها أيضاً ماكان من أمره مع أخته الكبرى والوسطى، وقد عرف أن زوجها ملك الجان الأزرق، وقد زوده قبل وداعه بثلاث شعرات، أوصاه أن يحرقها إذا ماوقع في مأزق.
وقد أوصته أختاه الأخيرتان كما أوصته أخته الكبرى بالحذر من الغزالة، وأنكرتا عليه أن تكون هي التي حملته إليها، ولكنه نفى ذلك، وأكد أنه لا يعرف الغزالة.
وكان لما خرج من قصر أخته الصغرى قد وجد الغزالة بانتظاره، فامتطى ظهرها فقفزت ثلاث قفزات، فإذا هما معاً في الغابة، حيث كانا من قبل.
وأعادت عليه الغزالة سؤالها، إن كان على استعداد للبقاء معها، والوفاء لها، فأكد ذلك، ووعدها ألا يتخلى عنها مدى العمر كله، وكان مايزال ممتطياً ظهرها وهي تسير به، فقفزت فجأة قفزة قوية، فحلق في الهواء، ثم وقع، فإذا هو في خضم البحر.
وبهت، وكاد يشرف على الغرق، ولكنه أخذ يسبح نحو الشاطئ، بكل ما أوتي من قوة، حتى بلغه بعد عناء شديد، فألقى نفسه على الرمال، ونام.
ولما استيقظ رأى حمامتين تختصمان، وكل منهما تقول للأخرى:" الطاقية لي، الطاقية لي"، ثم تنبهت إحداهما إليه، فقالت للأخرى:"تعالي نحتكم إلى هذا الإنسي"، ثم قدمتا إليه، وطلبتا منه أن يحكم بينهما في طاقية اختلفتا فيها لمن تكون، فقد ورثتا عن أبيهما بساطاً، وعصاً، وطاقية، وقد أخذت إحدهما العصا، وأخذت الأخرى البساط، ثم اختلفتا في الطاقية، فوعدهما أن يحكم بينهما، وماكان منه إلا أن التقط من الأرض حجراً وقذفه بقوة، ثم طلب من الحمامتين أن تسرعا إلى الحجر، ومن تحضره منهما، تكون لها الطاقية.
وأسرعت الحمامتان وراء الحجر، وقد تركتا عنده الطاقية والبساط والعصا، فمد البساط وقعد فوقه، ووضع الطاقية على رأسه، ثم حمل العصا، وأشار إلى البساط
طالباً منه أن يوصله إلى حيث الغزالة، تاركاً الحمامتين.
وحط به البساط في قصر الغزالة، فمضى إليها في مخدعها، والخدم لا يرونه، لأنّ الطاقية على رأسه، فلما صار أمامها، وضع الطاقية، فسألته عن سبب مجيئة إليها، فأكد لها وعده بعدم التخلي عنها، فسرت به، وصدق عندها وفاؤه، فجعلت له جناحاً خاصاً في قصرها، ليقيم فيه.
ثم سلمته أربعين مفتاحاً، لأربعين غرفة، وأذنت له في دخولها جميعاً، ماعدا غرفة واحدة، رجته ألا يدخلها أبداً، فأمضى في القصر أياماً وهو يتفرج على الغرف وماضمته من جواهر وعقود، ونفسه تراوده بفتح الغرفة الأربعين.
وذات يوم وجد نفسه مدفوعاً إلى الغرفة الأربعين، ففتحها ودخل، وإذا رجل معلق من يديه في جدارها، وهذا الرجل طوله شبر واحد، ما إن رآه حتى أخذ يتوسل إليه راجياً منه أن يفك قيده ويطلقه، فأشفق عليه، فأطلقه، فإذا الغزالة قد حلت محله على الفور.
وهم بقتل الرجل القصير، ولكن هذا ضحك ساخراً، وقال له: "هيهات لا يمكنك قتلي، فروحي محفوظة في قلب فيدوس، صاحب سبعة رؤوس"، وأخذت الغزالة تبكي وتتوسل إلى الفتى ترجوه أن يبذل جهده كله ليحصل على روح الرجل القصير من قلب فيدوس، وعلىالفور مدّ الفتى البساط، وطلب منه أن يحمله إلى حيث فيدوس.
وحطّ به البساط في ظاهر بلدة، قرب بيت صغير، قرع بابه، فخرجت له عجوز، طلب منها شربة ماء، فعجبت لأمره وأدركت أنه غريب، ثم أخبرته أن الماء قد نضب من آبار البلدة كلها، وأن سواقيها قد جفت، والناس ينتظرون وصول ابنة الملك إلى فيدوس حتى تصل المياه إلى الآبار والسواقي، فقد تسلّط على البلدة، وسد بقدمه نبع الماء في الجبل، وقد اعتاد الناس أن يقدموا له في كل ربيع أجمل فتاة في البلدة، فيشغل بافتراسها عن سد النبع ، فينبجس الماء، ويتدفق نحو البلدة ليملأ آبارها وسواقيها، وقد وقع اختيار الضحية هذا العام على ابنة الملك.
ولما علم الفتى بذلك، أسرع إلى البلدة، فرأى فيها هرجاً ومرجاً، وفيها أناس يندبون ويبكون، لتقديم ابنة الملك ضحية، وأناس يرقصون ويغنون، فرحاً بقرب وصول الماء إلى آبارهم، ثم رأى موكباً يخرج من قصر الملك، وفيه فتاة صبية، في أبهى حلة، يقودها فارس ملثم، فأدرك على الفور أنها ابنة الملك، تقاد إلى حيث فيدوس، فتتبع الموكب إلى أن غادر البلدة، وأخذ يصعد الجبل، ولما اقترب الموكب من القمة توقف المرافقون، ومضى الفارس الملثم، يقود ابنة الملك وحدها، إلى حيث فيدوس، فلما ابتعد بها عن الأنظار، برز له الفتى، مشهراً سيفه، طالباً منه ترك ابنة الملك، ليتولى هو بنفسه قيادتها، فتركها الفارس على الفور، ومشى بها إلى فيدوس.
ولما بلغ مغارته، ناداه طالباً منه الظهور، فعجب فيدوس للأمر، وهو الذي لم يعتد على ذلك من قبل، فرد عليه طالباً منه ترك الضحية وحدها، ولكن الفتى أصر طالباً منه الظهور، فمد فيدوس رأسه من المغارة، فهوى عليه بالسيف، فقطعه، فغضب فيدوس، ومد رأسه الثاني، فهوى عليه بالسيف أيضاً، وهكذا حتى أتى على رؤوسه السبعة، ثم التفت إلى ابنة الملك، وطلب منها أن تعود من حيث جاءت، وألا تخشى شيئاً.
ثم دخل المغارة ، فشق صدر فيدوس، وأخرج قلبه، وفتحه، فعثر فيه على صندوق صغير، فخبأه تحت قميصه، ورجع إلى البلدة.
وكان الماء قد انبجس من النبع، وجرى ممتزجاً بدم فيدوس، ليملأ السواقي والآبار، وفرح به الناس فرحاً شديداً، ثم ازداد فرحهم حين رأوا ابنة الملك قادمة من الجبل سليمة معافاة، وأقام الملك الزينات، وأعلن الأفراح، ودعا الناس جميعاً إلى ولائم أقامها في الساحات، ثم أعلن أنه سيزوج ابنته من قاتل فيدوس، وتقدم شبان كثيرون، يدعي كل منهم أنه هو الذي قتله، ولكن ابنة الملك كانت تكذبه، فيرتد مدحوراً.
وبينما هي جالسة في شرفتها، إلى جانب أبيها، تنظر إلى الناس مقبلين على الولائم المقامة في الساحات، رأت الفتى، فعرفته على الفور، وأشارت إليه، وهي تقول لأبيها: "هذا هو قاتل فيدوس".
وأرسل الملك على الفور جنده، فأحضروا الفتى، فسأله إن كان هو حقيقة قاتل فيدوس، فأجاب: "نعم"، فشكره الملك على ذلك، وأخبره أنه يرغب في تزويجه ابنته.
وجددت الأفراح، كما جددت الولائم، وتزوج الفتى ابنة الملك، وسعد بها، كما سعدت به، ومرت عليهما أيام وشهور، كادت تصير إلى عام، حملت فيها الزوجة، وبدأت تستعد لاستقبال المولود.
وذات يوم عثرت الزوجة على العلبة الصغيرة، وكان الزوج قد خبأها في مكان أمين، فعجبت لأمرها، ولما سألته عنها، تذكر الغزالة والرجل القصير، فراوغ في الجواب، ثم ألحت عليه أن يفتح العلبة، واضطر أمام إلحاحها إلى فتح العلبة، فطار منها عصفور صغير، وأدرك على الفور خطر ما أقدم عليه، فأشعل ثلاث شعرات، فحضر على الفور زوج أخته الكبرى، فطلب منه أن يحضر له ذلك العصفور، فأحضره إليه، فأعاده إلى العلبة.
ومرة أخرى ألحت عليه، ففتحها، ومرة أخرى استنجد بزوج أخته الصغرى، فأعاد إليه العصفور، وكرة ثالثة أعاد الأمر نفسه، ثم أدرك أن إرادته قد ضعفت، وأنه يوشك أن يودي بالغزالة، فعزم أمره على الرحيل.
وذات صباح، وبينما زوجته في المخاض، قدم لها عقداً، وطلب منها أن تلبسه للمولود في عنقه إن كان أنثى، وفي معصمه إن كان ذكراً، ثم مدّ البساط، وقعد فوقه، وطلب منه أن يوصله إلى حيث الغزالة.
وحط به البساط أمام الغزالة، والرجل القصير يضربها بالسوط، وعلى الفور فتح العلبة، وأمسك بالعصفور، فأخذ القصير يرجو منه إطلاقة، في حين أخذت الغزالة ترجوه أن يبادر إلى فصل رأسه عن جسده.
وكادت نفس الفتى أن تضعف، ولكنه أسرع ففصل رأس العصفور عن جسده، فوقع الرجل القصير على الأرض، جثة هامدة، لا حياة فيها، ثم نظر إلى الغزالة المقيدة إلى الجدار، وإذا هي صبية حسناء، في ربيع العمر، فبادر إلى فك قيودها، وإطلاقها.
_Oni_
22-10-2005, 08:09 PM
ولما لامته الغزالة على تأخره عنها، اعتذر لها، وأكد عزمه على البقاء بجانبها، فأخبرته أنها ملكة على سبعة بلاد، وأن ذلك الرجل القصير هو الذي مسخها غزالة، ثم حملته، وحطت به في قصرها، فإذا هي ملكة متوجة، يحف بها الخدم والوزراء.
ولما عرضت عليه الزواج منها، وافق، فتزوجته، وتنازلت له عن الحكم، وأصبح ملكاً يتصرف في شؤون البلاد والعباد.
أما ما كان من أمر زوجته، ابنة الملك التي أنقذها من فيدوس، ثم تركها وهي في المخاض فقد وضعت ولداً ذكراً، ربته في حجر جده الملك، وكان لا يعرف لنفسه أباً سواه.
ثم كبر الولد، فوضعت أمه في معصمه الطوق الذي كان قد أهداها إياه أبوه، وأخذت تبدو على الولد ملامح الذكاء.
وذات يوم كان يلعب مع ابن الوزير، فإذا ابن الوزير يعيب عليه أنه لا يعرف من أبوه، فأنكر ذلك، ولكن ابن الوزير أكد له أن من يدعوه أباه ليس إلا جده لأمه.
وسأل الولد بعض المقربين عن الأمر، فأكدوا له ماقاله ابن الوزير، فماكان منه إلا أن ترك القصر، وهام على وجهه في البلاد، يبحث عن أبيه.
وتقلبت به البلاد، كما تقلبت به الأعمال، حتى بلغ البلد الذي يحكمه أبوه، ففتح فيه مطعماً، وأخذ يصنع أطايب الطعام، حتى بلغت شهرته قصر الملك، فجرب طعامه يوماً، فأعجب به، وأصبح الملك لا يتناول طعاماً إلا من صنعه، وكان لا يتردد أحياناً عن زيارته في مطعمه مساءً لتناول طعام العشاء، وقضاء السهرة معه.
وكان يحدث زوجته عنه، ويصفه لها، حتى أنها عشقته على السماع، وأخذت تتمنى لقاءه، ثم قررت أن تصل إليه، مهما كلفها الأمر، فأرسلت وراء البنائين، فطلبت أن يحفروا لها نفقاً تحت الأرض يصل مابين قصرها ومطعمه، وأن تشاد وراء المطعم غرفة خاصة ليتم لهما اللقاء، ولما تم لهما ذلك، أخذت تزوره كل مساء، تأنس بحديثه، وترتاح إلى لقياه.
وذات يوم قدم إليه الملك مساءً، لتناول طعام العشاء، وتزجية الوقت، وبينما هما معاً، وإذا الملك يسمع قرعاً على باب في عمق المطعم، فسأل عن الأمر، فأجاب الولد أن الخدم والطباخين يغسلون الصحون والقدور، ثم توجه نحو الباب وهمس طالباً عدم إحداث الضجيج، معلناً عن وجود الملك في المطعم.
ومرت ساعة وبضع الساعة، وإذا القرع يتكرر ثانية، فدهش الملك، فعلل الولد ذلك بما علله في المرة الأولى، ومرت ساعة أخرى، وإذا القرع يتكرر ثالثة، فشك الملك في الأمر، وقام إلى الباب بنفسه، ففتحه، وإذا زوجته وراء الباب، ودخل الغرفة فرأى النفق، وعرف حقيقة الأمر، فاقتاد زوجته والولد إلى القصر، وأمر الجلاد بضرب عنق الولد على الفور.
وتوسلت إليه الزوجة، ترجوه العفو عن الولد، وأكدت له براءتها وبراءته معاً، ولكن الملك لم يصغ إليها، وأشار إلى الجلاد، يأمره بتنفيذ مهمته.
وتقدم الجلاد، يصحبه الخدم، فبادر هؤلاء إلى خلع قميص الولد عن جسده، وأحضروا الأغلال لتقييد يديه، فرأى الملك العقد الذي أهداه إلى زوجته في معصم الولد، فأشار إلى الخدم أن كفوا عنه، ثم بادر إليه يسأله عن حقيقة أمره، فروى له الولد حكايته بالتفصيل، فعرف فيه الملك ابنه، فضمه إليه وعانقه، وعفا عنه.
ثم أرسل إلى زوجته أم الولد التي كان قد خلصها من فيدوس، وكان أبوها قد توفي، وكانت قد ورثت العرش من بعده، فأحضرها إليه، وأفرد لها جناحاً خاصاً في القصر وضم بلادها إلى بلاده، وعين ابنه حاكماً عليها، وقد أصبح ملكاً على ثمانية بلاد.
ثم سمع ببلد مجاور لبلده يقتتل فيه أخوان على الحكم، فخشي أن يكونا أخويه، فأرسل إليهما يدعوهما إليه، فإذا هما أخواه، فلما عرفاه اعتذرا له، وتنازلا له عن الحكم، فضم بلادهما إلى بلاده، وعينهما وزيرين له، وعاش يحكم في الناس بالعدل، إلى أن وافاه الأجل.
الفقير والوزير
كان أحد الرجال فقيراً معدماً، وكان ذا عيال كثير، يعمل من الصباح إلى المساء، عتالاً يسوق حماره، يحمل عليه للناس أشياءهم، كي يفوز بقليل من الدراهم، يشتري بها لعياله الخبز والإدام، وكان في كثير من الأيام لا يحصّل غير ثمن الشعير للحمار، ويعود إلى البيت، ليمضي الليل مع العيال، غرثى جائعين.
وذات يوم فتح الله عليه برزق كثير، فاشترى لأهله ألواناً من الطعام، وملأ كيس الحمار بالشعير، وقصد بيته، وبينما هو في بعض الطريق عرضت له حاجة، فانتحى جانباً، تاركاً الحمار، ثم قضاها.
ولما رجع لم يجد الحمار، فتلفت يبحث عنه، فلم ير له أثراً، فأخذ يفتش عنه، فطاف في الأزقة، ودار في الحارات، وهو ينادي، ويسأل عنه، حتى تورمت قدماه، ولكن في غير جدوى، فما كان منه إلا أن حدج السماء بنظرة شزراء، ثم صاح في غضب:
- يارب، كل الأيام لا أرزق إلا بالقليل، ويوم رزقت بالكثير ضاع الحمار؟!..
ومضى إلى الملك، مغاضباً، يريد أن يشكو الله إليه، فمنعه الحرس من الدخول، فأخذ يصرح ويصيح، حتى سمع الملك الصوت، فأطل من نافذة القصر، فرأى ذلك البائس الفقير، فأشار إلى الحرس أن اسمحوا له بالدخول، فدخل، والغضب بادٍ عليه، ليعلن أنه يريد رفع شكوى ضد الله، فضحك الملك طويلاً، وطيّب خاطره، ثم سمع حكايته، فأمر له بعطاء جزيل، فخرج فرحاً به مسروراً.
وكان الوزير إلى جانب الملك، يسمع ويرى، فحزّ في نفسه أن يحظى هذا الفقير، بذاك العطاء، فمال على الملك، وأوغر صدره عليه، موحياً إليه أنه ليس إلا محتالاً، اختلق تلك القصة، ليظفر بالمال، ثم طلب من الملك أن يرسل وراءه، فإن لديه سؤالاً يريد أن يمتحنه به، ليكشف احتياله، فأرسل الملك الجند وراء الفقير، فأحضروه، فدخل مذعوراً، فأخبره الملك أن الوزير يريد أن يسأله سؤالاً، إن عرف الجواب، أجزل له العطاء، وإن لم يعرف، قطع رأسه.
فاضطرب الفقير واغتم، ولكنه امتثل، وأعلن استعداده، لسماع السؤال، وعندئذٍ سأله الوزير: "أين أول الدنيا؟ وأين آخرها؟"، فأجابه على الفور: "عند أقدام الملك، أولها وآخرها". فسر الملك بالجواب، ونظر إلى الوزير، فإذا هو صامت لا يريم، فأمر للفقير بعطاء كبير، فأخذه الفقير وخرج فرحاً، والوزير يتميز من الغيظ.
ولكن لم يلبث الوزير أن مال على الملك، وأكد أن ذلك الفقير محتال، ثم طلب منه أن يرسل وراءه، فإن لديه سؤالاً آخر يريد أن يمتحنه به، فأرسل الملك الجند وراءه، فأحضروه، فدخل، وقد أدرك أن الوزير هو الذي يكيد له، ويؤلب الملك عليه، ولما عرض عليه الملك الشرط، أن يعرف الجواب، أو يقطع رأسه، أعلن القبول، فليس له في الأمر حيلة.
وعندئذٍ سأله الوزير:"في أي جهة وجه الله؟"،فأطرق الفقير قليلاً، ثم طلب من الملك أن يأمر الخدم كي يحضروا له شمعة، فلما أحضرت أشعلها، ووضعها أمام الملك، ثم سأله:"أين وجه هذه الشمعة؟". فأجاب الملك: "في كل الجهات"، فالتفت الفقير إلى الوزير، وأجابه: "وكذلك وجه الله، فهو في كل الجهات". فأعجب الملك بجوابه أي إعجاب، وأجزل له العطاء، فأخذه وخرج، مزهواً بنصره، فرحاً بالعطاء، والوزير في ضيق شديد، وغضب كبير.
ولكن لم يلبث الوزير أن حزم أمره، ومال على الملك، وطلب منه أن يأمر بإحضار الفقير، فإن لديه سؤالاً أخيراً، يريد أن يمتحنه به، فأجاب الملك طلب وزيره، وأرسل وراء الفقير، فأدخله الجند، وهو في قلق كبير، فقد أيقن أنه هذه المرة أمام امتحان قد يخسر فيه حياته، ولكنه ملك نفسه، وصمم على تحدي الوزير، ولما أعاد عليه الملك الشرط، أكد بحزم قبوله، واستعداده لسماع السؤال.
وعندئذٍ تحرك الوزير، وزها بنفسه، ثم ألقى سؤاله: "ماهو عمل الله؟". فتبسم الفقير، والتفت إلى الملك يسأله أن يعطيه الأمان، فأعطاه الأمان، فطلب منه أن يأمر الوزير بخلع ثيابه، فأمر الملك وزيره بذلك، فدهش الوزير، وارتبك، وراوغ، يحاول التملص، ولكن الملك أشار عليه أن أفعل، ففعل، وعندئذٍ خلع الفقير ثيابه، وألقاها على الوزير، ثم طلب من الملك أن يأمر الوزير بارتداء ثيابه، هو الفقير، فأمر الملك الوزير أن يرتدي ثياب الفقير، فتردد الوزير واضطرب، ثم تبسم، واصطنع المزاح، ولكن الملك نظر إليه يحذره، فلم يجد بداً من الانصياع، فلبس ثياب الفقير، وعندئذٍ لبس الفقير ثياب الوزير، ثم التفت إلى الملك يسأله أن يأمره وزيره بالنزول عن كرسيه، فأمره الملك أن ينزل عن الكرسي، فارتبك، وحار في أمره، ولكن الملك عاجله أن افعل، فنزل، وعندئذٍ ارتقى الفقير إلى جانب الملك، وقعد على كرسي الوزير، ثم التفت إلى الوزير، وقال له: "انظر، هذا هو جواب سؤالك، إن عمل الله أن يرفع أناساً، وأن يضع آخرين".
فأعجب الملك بذكاء الفقير، وقال له: "لقد ثبتناك فيما أنت فيه، فأنت منذ اليوم وزيري"، فبهت الوزير، وصعق، وقبل أن ينطق بشيء، أمر الملك الجند أن يسوقوه إلى السجن، ثم التفت إلى الفقير، وقد غدا وزيره، يهنئه، ويبارك له، وقد أدرك أن في شعبه من هو أذكى من ذلك الوزير المحتال، وأجدر بالوزارة منه.
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
الغزالة
كان لأحد الملوك ثلاث بنات وثلاثة صبيان، وقد عني بتربيتهم، وحرص على أن يغرس فيما بينهم المودة والتفاهم، ولما حضرته المنية أوصى أبناءه الثلاثة أن يزوجوا شقيقاتهم لأول خاطب يطلب الزواج منهن، فوعده الإخوة بتحقيق ذلك، وبعد وفاته تولى الابن الكبير الملك، وعين أخاه الأوسط وزيراً للميمنة، والصغير وزيراً للميسرة، وسارت لهم الأمور على خير مايرام.
وذات يوم تقدم إليهم رجل رث الثياب، زريّ الهيئة، يطلب الزواج من أختهم الكبرى، ولما سأله الأخ الكبير عن عمله، أجاب بأنه يعمل وقّاداً في حمام، في بلد بعيد، فغضب الأخ، وأقسم لن يزوجه أخته، ولو سلخوا جلده، وشايعه الأخ الأوسط وأقسم لن يزوجه إياها ولو فرموا لحمه، وتدخل الأخ الصغير، فذكّر أخويه بوصية الوالد، وطالبهم بتنفيذ وعدهم له، فأحس كل من الأخوين بالإحراج، واضطرا للموافقة، وفي أيام تم تجهيز البنت الكبرى، وزفافها إلى الغريب، الذي لم يلبث سوى أيام، حتى أخذها معه إلى بلاده البعيدة.
وفي يوم آخر قدم غريب آخر، فكان من أمره ماكان من أمر الأول، ثم قدم غريب ثالث، فكان من أمره أيضاً ماكان من أمر الأولين، وهكذا تزوجت الأخوات الثلاث على كره من الأخوين، الكبير والأوسط، وبموافقة من الأخ الصغير، تنفيذاً لوصية الوالد.
وبدأ الأخوان الكبير والأوسط يحّسان بالضيق من أخيهما الصغير، وأخذا يكيدان له، حتى أصبح لا يطيق الإقامة معهما في القصر، فقرر اعتزال الحكم والتخلي عن المشاركة فيه، وماكان منه إلا أن هجر القصر، وتاه في البلاد، لا يستقر به المقام في بلد، حتى ينتقل إلى سواه، وكان دائماً يتمنى أن يدخل بلداً تكون فيه إحدى شقيقاته، لعله يلتقي بها، ويطمئن على حالها، وهو لا يعرف في أي البلاد مقرهن.
وذات يوم، وهو في الفلاة، يسير وحده تائه الخطا، لاحت له غزالة، اقترب منها، فلم تجفل، فاقترب أكثر، فإذا هي تنطلق وتحييه بفصيح الكلام، فدهش لأمرها، وقد فتنته بحور عينيها، وجيدها الأتلع، وشعر بالأنس في قربها، وأخذ لا يفارقها، يسير حيث تسير ويقيم حيث تقيم.
ولما تأكدت الغزالة من تعلقه بها، عرضت عليه صحبتها، ووعدته بأن تحقق له مايتمناه، فوعدها أن يظل وفياً لها مدى العمر، ثم تمنى عليها أن تحمله إلى شقيقته الكبرى، فطلبت منه أن يبقي أمرها سراً، وألا يبوح بشيء عنها، مهما حاولت أخته وزوجها استدراجه إلى ذلك، ثم حملته على ظهرها وقفزت بضع قفزات، وإذا هو أمام قصر شاهق، قعد في ظله، لا يعرف ماذا يفعل، وهو غير مصدق أن تكون أخته فيه، ولما طال قعوده، أخذته سنة من نوم، فأغفى ونام.
وخرجت إحدى الجواري في القصر، فرأت شاباً وسيماً، بهي الطلعة، يشبه سيدتها الشبه كله، فأسرعت إلى سيدتها تخبرها بأمره، وقد وصفته لها، ثم قالت: "عينه عينك، ووجهه وجهك، ولاشك أنه أخوك أوابن عمك"، فدهشت السيدة، وأرسلت الخدم لإحضاره ولما دخل عليها أسرعت إليه تعانقه وتبكي، وتعجبت لتمكنه من حضوره إليها، وسألته إذا كانت الغزالة قد أحضرته، فنفى ذلك، فحذرته منها، فأكد أنه لم يلتق بغزالة، ولا يعرف من أمرها شيئاً.
وأعدت الأخت لأخيها أطايب الطعام، وفرحت به، وسعدت بلقائه، ثم فجأة عمّ الكون قتامة سوداء، وقصف الرعد، وزمجر، فسرى الخوف في أوصال الأخت، فعجب أخوها للأمر، فأخبرته أن زوجها قادم، فسألها:"ومن زوجك؟!"، فأجابته: "ملك الجان الأحمر"، ثم نفخت على أخيها فحولته إلى قطعة حلوى صغيرة، خبأتها في ثوبها.
ودخل الزوج غاضباً، وبادر إلى سؤالها عمن في زيارتها من الإنس، فأنكرت فأكد لها أنه يشتم رائحة الإنس، ولا داعي للإنكار، فأقرت بوجود أخيها، فازداد غضبه، وأكد أنه سوف يسلخ جلده، إن كان أخاها الأكبر، وسيمزق لحمه، إن كان أخاها الأوسط، أما إذا كان أخاها الأصغر، فإنه يرحب به خير ترحيب، فاطمأنت الأخت، وأعادت أخاها إلى حالته الأولى، فرحب به زوجها، وعانقه، ثم سأله إن كانت الغزالة قد أوصلته إلى القصر، فنفى ذلك، فاطمأن إليه، ودعاه إلى الحلول في القصر ضيفاً.
وأقام الأخ في قصر أخته أياماً، سعد فيها بلقاء أخته، ولما عزم على الرحيل زوده زوج أخته بثلاث شعرات، أوصاه أن يحرقها إذا ماوقع في مأزق.
وخارج القصر، وجد الغزالة في انتظاره، فامتطى ظهرها، فقفزت ثلاث قفزات، فإذا هما في الغابة حيث كانا من قبل، وسألته الغزالة إن كان قد حدث أخته أو زوجها عنها، فنفى ذلك، وأكد إخلاصه لها، ووعدها ألا يتخلى عنها أبداً.
ثم طلب منها أن تحمله إلى أخته الوسطى، ففعلت، وكان من أمره معها ماكان من أمره مع أخته الكبرى، وقد عرف أن زوجها ملك الجان الأخضر، وقد زوده قبل وداعه بثلاث شعرات، أوصاه فيها، أن يحرقها إذا وقع في مأزق.
ثم زار أخته الصغرى، فكان من أمره معها أيضاً ماكان من أمره مع أخته الكبرى والوسطى، وقد عرف أن زوجها ملك الجان الأزرق، وقد زوده قبل وداعه بثلاث شعرات، أوصاه أن يحرقها إذا ماوقع في مأزق.
وقد أوصته أختاه الأخيرتان كما أوصته أخته الكبرى بالحذر من الغزالة، وأنكرتا عليه أن تكون هي التي حملته إليها، ولكنه نفى ذلك، وأكد أنه لا يعرف الغزالة.
وكان لما خرج من قصر أخته الصغرى قد وجد الغزالة بانتظاره، فامتطى ظهرها فقفزت ثلاث قفزات، فإذا هما معاً في الغابة، حيث كانا من قبل.
وأعادت عليه الغزالة سؤالها، إن كان على استعداد للبقاء معها، والوفاء لها، فأكد ذلك، ووعدها ألا يتخلى عنها مدى العمر كله، وكان مايزال ممتطياً ظهرها وهي تسير به، فقفزت فجأة قفزة قوية، فحلق في الهواء، ثم وقع، فإذا هو في خضم البحر.
وبهت، وكاد يشرف على الغرق، ولكنه أخذ يسبح نحو الشاطئ، بكل ما أوتي من قوة، حتى بلغه بعد عناء شديد، فألقى نفسه على الرمال، ونام.
ولما استيقظ رأى حمامتين تختصمان، وكل منهما تقول للأخرى:" الطاقية لي، الطاقية لي"، ثم تنبهت إحداهما إليه، فقالت للأخرى:"تعالي نحتكم إلى هذا الإنسي"، ثم قدمتا إليه، وطلبتا منه أن يحكم بينهما في طاقية اختلفتا فيها لمن تكون، فقد ورثتا عن أبيهما بساطاً، وعصاً، وطاقية، وقد أخذت إحدهما العصا، وأخذت الأخرى البساط، ثم اختلفتا في الطاقية، فوعدهما أن يحكم بينهما، وماكان منه إلا أن التقط من الأرض حجراً وقذفه بقوة، ثم طلب من الحمامتين أن تسرعا إلى الحجر، ومن تحضره منهما، تكون لها الطاقية.
وأسرعت الحمامتان وراء الحجر، وقد تركتا عنده الطاقية والبساط والعصا، فمد البساط وقعد فوقه، ووضع الطاقية على رأسه، ثم حمل العصا، وأشار إلى البساط
طالباً منه أن يوصله إلى حيث الغزالة، تاركاً الحمامتين.
وحط به البساط في قصر الغزالة، فمضى إليها في مخدعها، والخدم لا يرونه، لأنّ الطاقية على رأسه، فلما صار أمامها، وضع الطاقية، فسألته عن سبب مجيئة إليها، فأكد لها وعده بعدم التخلي عنها، فسرت به، وصدق عندها وفاؤه، فجعلت له جناحاً خاصاً في قصرها، ليقيم فيه.
ثم سلمته أربعين مفتاحاً، لأربعين غرفة، وأذنت له في دخولها جميعاً، ماعدا غرفة واحدة، رجته ألا يدخلها أبداً، فأمضى في القصر أياماً وهو يتفرج على الغرف وماضمته من جواهر وعقود، ونفسه تراوده بفتح الغرفة الأربعين.
وذات يوم وجد نفسه مدفوعاً إلى الغرفة الأربعين، ففتحها ودخل، وإذا رجل معلق من يديه في جدارها، وهذا الرجل طوله شبر واحد، ما إن رآه حتى أخذ يتوسل إليه راجياً منه أن يفك قيده ويطلقه، فأشفق عليه، فأطلقه، فإذا الغزالة قد حلت محله على الفور.
وهم بقتل الرجل القصير، ولكن هذا ضحك ساخراً، وقال له: "هيهات لا يمكنك قتلي، فروحي محفوظة في قلب فيدوس، صاحب سبعة رؤوس"، وأخذت الغزالة تبكي وتتوسل إلى الفتى ترجوه أن يبذل جهده كله ليحصل على روح الرجل القصير من قلب فيدوس، وعلىالفور مدّ الفتى البساط، وطلب منه أن يحمله إلى حيث فيدوس.
_Oni_
22-10-2005, 08:11 PM
وحطّ به البساط في ظاهر بلدة، قرب بيت صغير، قرع بابه، فخرجت له عجوز، طلب منها شربة ماء، فعجبت لأمره وأدركت أنه غريب، ثم أخبرته أن الماء قد نضب من آبار البلدة كلها، وأن سواقيها قد جفت، والناس ينتظرون وصول ابنة الملك إلى فيدوس حتى تصل المياه إلى الآبار والسواقي، فقد تسلّط على البلدة، وسد بقدمه نبع الماء في الجبل، وقد اعتاد الناس أن يقدموا له في كل ربيع أجمل فتاة في البلدة، فيشغل بافتراسها عن سد النبع ، فينبجس الماء، ويتدفق نحو البلدة ليملأ آبارها وسواقيها، وقد وقع اختيار الضحية هذا العام على ابنة الملك.
ولما علم الفتى بذلك، أسرع إلى البلدة، فرأى فيها هرجاً ومرجاً، وفيها أناس يندبون ويبكون، لتقديم ابنة الملك ضحية، وأناس يرقصون ويغنون، فرحاً بقرب وصول الماء إلى آبارهم، ثم رأى موكباً يخرج من قصر الملك، وفيه فتاة صبية، في أبهى حلة، يقودها فارس ملثم، فأدرك على الفور أنها ابنة الملك، تقاد إلى حيث فيدوس، فتتبع الموكب إلى أن غادر البلدة، وأخذ يصعد الجبل، ولما اقترب الموكب من القمة توقف المرافقون، ومضى الفارس الملثم، يقود ابنة الملك وحدها، إلى حيث فيدوس، فلما ابتعد بها عن الأنظار، برز له الفتى، مشهراً سيفه، طالباً منه ترك ابنة الملك، ليتولى هو بنفسه قيادتها، فتركها الفارس على الفور، ومشى بها إلى فيدوس.
ولما بلغ مغارته، ناداه طالباً منه الظهور، فعجب فيدوس للأمر، وهو الذي لم يعتد على ذلك من قبل، فرد عليه طالباً منه ترك الضحية وحدها، ولكن الفتى أصر طالباً منه الظهور، فمد فيدوس رأسه من المغارة، فهوى عليه بالسيف، فقطعه، فغضب فيدوس، ومد رأسه الثاني، فهوى عليه بالسيف أيضاً، وهكذا حتى أتى على رؤوسه السبعة، ثم التفت إلى ابنة الملك، وطلب منها أن تعود من حيث جاءت، وألا تخشى شيئاً.
ثم دخل المغارة ، فشق صدر فيدوس، وأخرج قلبه، وفتحه، فعثر فيه على صندوق صغير، فخبأه تحت قميصه، ورجع إلى البلدة.
وكان الماء قد انبجس من النبع، وجرى ممتزجاً بدم فيدوس، ليملأ السواقي والآبار، وفرح به الناس فرحاً شديداً، ثم ازداد فرحهم حين رأوا ابنة الملك قادمة من الجبل سليمة معافاة، وأقام الملك الزينات، وأعلن الأفراح، ودعا الناس جميعاً إلى ولائم أقامها في الساحات، ثم أعلن أنه سيزوج ابنته من قاتل فيدوس، وتقدم شبان كثيرون، يدعي كل منهم أنه هو الذي قتله، ولكن ابنة الملك كانت تكذبه، فيرتد مدحوراً.
وبينما هي جالسة في شرفتها، إلى جانب أبيها، تنظر إلى الناس مقبلين على الولائم المقامة في الساحات، رأت الفتى، فعرفته على الفور، وأشارت إليه، وهي تقول لأبيها: "هذا هو قاتل فيدوس".
وأرسل الملك على الفور جنده، فأحضروا الفتى، فسأله إن كان هو حقيقة قاتل فيدوس، فأجاب: "نعم"، فشكره الملك على ذلك، وأخبره أنه يرغب في تزويجه ابنته.
وجددت الأفراح، كما جددت الولائم، وتزوج الفتى ابنة الملك، وسعد بها، كما سعدت به، ومرت عليهما أيام وشهور، كادت تصير إلى عام، حملت فيها الزوجة، وبدأت تستعد لاستقبال المولود.
وذات يوم عثرت الزوجة على العلبة الصغيرة، وكان الزوج قد خبأها في مكان أمين، فعجبت لأمرها، ولما سألته عنها، تذكر الغزالة والرجل القصير، فراوغ في الجواب، ثم ألحت عليه أن يفتح العلبة، واضطر أمام إلحاحها إلى فتح العلبة، فطار منها عصفور صغير، وأدرك على الفور خطر ما أقدم عليه، فأشعل ثلاث شعرات، فحضر على الفور زوج أخته الكبرى، فطلب منه أن يحضر له ذلك العصفور، فأحضره إليه، فأعاده إلى العلبة.
ومرة أخرى ألحت عليه، ففتحها، ومرة أخرى استنجد بزوج أخته الصغرى، فأعاد إليه العصفور، وكرة ثالثة أعاد الأمر نفسه، ثم أدرك أن إرادته قد ضعفت، وأنه يوشك أن يودي بالغزالة، فعزم أمره على الرحيل.
وذات صباح، وبينما زوجته في المخاض، قدم لها عقداً، وطلب منها أن تلبسه للمولود في عنقه إن كان أنثى، وفي معصمه إن كان ذكراً، ثم مدّ البساط، وقعد فوقه، وطلب منه أن يوصله إلى حيث الغزالة.
وحط به البساط أمام الغزالة، والرجل القصير يضربها بالسوط، وعلى الفور فتح العلبة، وأمسك بالعصفور، فأخذ القصير يرجو منه إطلاقة، في حين أخذت الغزالة ترجوه أن يبادر إلى فصل رأسه عن جسده.
وكادت نفس الفتى أن تضعف، ولكنه أسرع ففصل رأس العصفور عن جسده، فوقع الرجل القصير على الأرض، جثة هامدة، لا حياة فيها، ثم نظر إلى الغزالة المقيدة إلى الجدار، وإذا هي صبية حسناء، في ربيع العمر، فبادر إلى فك قيودها، وإطلاقها.
ولما لامته الغزالة على تأخره عنها، اعتذر لها، وأكد عزمه على البقاء بجانبها، فأخبرته أنها ملكة على سبعة بلاد، وأن ذلك الرجل القصير هو الذي مسخها غزالة، ثم حملته، وحطت به في قصرها، فإذا هي ملكة متوجة، يحف بها الخدم والوزراء.
ولما عرضت عليه الزواج منها، وافق، فتزوجته، وتنازلت له عن الحكم، وأصبح ملكاً يتصرف في شؤون البلاد والعباد.
أما ما كان من أمر زوجته، ابنة الملك التي أنقذها من فيدوس، ثم تركها وهي في المخاض فقد وضعت ولداً ذكراً، ربته في حجر جده الملك، وكان لا يعرف لنفسه أباً سواه.
ثم كبر الولد، فوضعت أمه في معصمه الطوق الذي كان قد أهداها إياه أبوه، وأخذت تبدو على الولد ملامح الذكاء.
وذات يوم كان يلعب مع ابن الوزير، فإذا ابن الوزير يعيب عليه أنه لا يعرف من أبوه، فأنكر ذلك، ولكن ابن الوزير أكد له أن من يدعوه أباه ليس إلا جده لأمه.
وسأل الولد بعض المقربين عن الأمر، فأكدوا له ماقاله ابن الوزير، فماكان منه إلا أن ترك القصر، وهام على وجهه في البلاد، يبحث عن أبيه.
وتقلبت به البلاد، كما تقلبت به الأعمال، حتى بلغ البلد الذي يحكمه أبوه، ففتح فيه مطعماً، وأخذ يصنع أطايب الطعام، حتى بلغت شهرته قصر الملك، فجرب طعامه يوماً، فأعجب به، وأصبح الملك لا يتناول طعاماً إلا من صنعه، وكان لا يتردد أحياناً عن زيارته في مطعمه مساءً لتناول طعام العشاء، وقضاء السهرة معه.
وكان يحدث زوجته عنه، ويصفه لها، حتى أنها عشقته على السماع، وأخذت تتمنى لقاءه، ثم قررت أن تصل إليه، مهما كلفها الأمر، فأرسلت وراء البنائين، فطلبت أن يحفروا لها نفقاً تحت الأرض يصل مابين قصرها ومطعمه، وأن تشاد وراء المطعم غرفة خاصة ليتم لهما اللقاء، ولما تم لهما ذلك، أخذت تزوره كل مساء، تأنس بحديثه، وترتاح إلى لقياه.
وذات يوم قدم إليه الملك مساءً، لتناول طعام العشاء، وتزجية الوقت، وبينما هما معاً، وإذا الملك يسمع قرعاً على باب في عمق المطعم، فسأل عن الأمر، فأجاب الولد أن الخدم والطباخين يغسلون الصحون والقدور، ثم توجه نحو الباب وهمس طالباً عدم إحداث الضجيج، معلناً عن وجود الملك في المطعم.
ومرت ساعة وبضع الساعة، وإذا القرع يتكرر ثانية، فدهش الملك، فعلل الولد ذلك بما علله في المرة الأولى، ومرت ساعة أخرى، وإذا القرع يتكرر ثالثة، فشك الملك في الأمر، وقام إلى الباب بنفسه، ففتحه، وإذا زوجته وراء الباب، ودخل الغرفة فرأى النفق، وعرف حقيقة الأمر، فاقتاد زوجته والولد إلى القصر، وأمر الجلاد بضرب عنق الولد على الفور.
وتوسلت إليه الزوجة، ترجوه العفو عن الولد، وأكدت له براءتها وبراءته معاً، ولكن الملك لم يصغ إليها، وأشار إلى الجلاد، يأمره بتنفيذ مهمته.
وتقدم الجلاد، يصحبه الخدم، فبادر هؤلاء إلى خلع قميص الولد عن جسده، وأحضروا الأغلال لتقييد يديه، فرأى الملك العقد الذي أهداه إلى زوجته في معصم الولد، فأشار إلى الخدم أن كفوا عنه، ثم بادر إليه يسأله عن حقيقة أمره، فروى له الولد حكايته بالتفصيل، فعرف فيه الملك ابنه، فضمه إليه وعانقه، وعفا عنه.
ثم أرسل إلى زوجته أم الولد التي كان قد خلصها من فيدوس، وكان أبوها قد توفي، وكانت قد ورثت العرش من بعده، فأحضرها إليه، وأفرد لها جناحاً خاصاً في القصر وضم بلادها إلى بلاده، وعين ابنه حاكماً عليها، وقد أصبح ملكاً على ثمانية بلاد.
ثم سمع ببلد مجاور لبلده يقتتل فيه أخوان على الحكم، فخشي أن يكونا أخويه، فأرسل إليهما يدعوهما إليه، فإذا هما أخواه، فلما عرفاه اعتذرا له، وتنازلا له عن الحكم، فضم بلادهما إلى بلاده، وعينهما وزيرين له، وعاش يحكم في الناس بالعدل، إلى أن وافاه الأجل.
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
الحلاق
يحكى أنه كان في أحد البلاد حلاق فقير الحال، حسن الأخلاق، ورث مهنة الحلاقة عن أبيه وجده، فكان يتقنها أيما إتقان.
وذات يوم دخل عليه رجل غريب، فقص له شعره، وحلق له لحيته، ورش له العطور، فأعجب به الغريب، وأجزل له العطاء، وأخذ يتردد عليه كل يوم، ليحلق ذقنه، وفي كل يوم يعطيه، ويضاعف له في العطاء.
ودخل الغريب على الحلاق يوماً وهو يأكل، فحياه، فرد عليه، ولم يدعه إلى مشاركته في الطعام، فدهش الغريب، وسأله عن سبب عدم دعوته إياه، فأجاب بأنه لا يريد أن يكون بينهما خبز وملح، حتى لا يتحمل أحد منهما تبعة ذلك، وما يقتضيه من تضحية ووفاء، ولكن الغريب أنكر الأمر، وأكد رغبته في مشاركته الطعام، ثم أخذ يأكل معه.
ومرت الأيام، والصلة تزداد بين الرجلين قوة، حتى إنهما أخذا يأكلان معاً، ويمضيان معاً أوقاتاً طويلة.
ثم انقطع الغريب عن الحلاق يومين أو ثلاثة، فقلق وتمنى لو يعرف بيته، ليزوره، ثم دخل عليه الغريب، ذات يوم شاحب الوجه، ذاوي العود، بادي الهم، كاسف البال، فأسرع إليه الحلاق ويسأله عن حاله، فأجاب بأنه رأى في الطريق امرأة بهره جمالها، فوقع في هواها، ولا شفاء له إلا بالزواج منها، فطمأنه الحلاق، ووعده بالمساعدة، ثم سأله إن كان يعرف دارها، فأجاب الغريب أن نعم، فما كان من الحلاق إلا أن أغلق دكانه، وطلب من الغريب أن يدله على بيتها، ليسعى له في الزواج منها.
وسار الغريب، والحلاق يسير إزاءه، وإذا هو يتجه إلى الحي نفسه الذي يسكن هو فيه، ففرح الحلاق بذلك، واستبشر، وتمنى أن تكون المرأة ممن يعرف من الجيران، كي يستطيع التوسط لدى أهلها، ليزوجوها من صاحبه.
ولكن قلب الحلاق خفق فجأة، وامتقع لونه، وكاد يغشى عليه، فقد أشار الغريب إلى بيته هو نفسه، ولما سأله عن ملامح المرأة، وصفاتها، أجابه الغريب بما يؤكد أن المرأة هي زوجته نفسها، فغالب الحلاق انفعاله، ثم طمأن الغريب إلى إمكان تحقيق مرامه، ووعده بالمساعدة، ثم ودعه، ورجع إلى بيته، وقد اسودت الدنيا في عينيه.
ولما دخل الحلاق على زوجته، طلب منها أن تهيّئ نفسها وولديها للذهاب إلى أهلها، وعند أهلها أعلن أن الديون تراكمت عليه، وأنه لا سبيل إلى وفائها إلا بالرحيل إلى بلد آخر للعمل فيه، ثم أكد عزمه على طلاق زوجته، فدهشت لذلك زوجته، وتوسلت إليه ترجوه أن يصحبها معه، أو أن يتركها إلى أن يعود، ووعده أهلها بمساعدته، ولكنه رفض إلا الطلاق، ثم ودّع ولديه، وهما يبكيان ويتعلقان به، وخرج، وقد طلق زوجته.
وفي اليوم التالي باع الحلاق داره، وقرر أن يتخذ من دكانه مأوى له، يأكل فيه وينام، ولما دخل عليه الغريب، يسأله عن مساعيه، أظهر الجلد، وأجابه بأن زوج المرأة قد توفي عنها منذ مدة قريبة، ولابد من الانتظار حتى انقضاء مدة العدة.
وتكدر عيش الحلاق، وأصبح في أسوأ حال، شحب لونه، واصفر جلده، وعلاه الاكتئاب، ولكنه كان لا يبدي من أمره شيئاً، ولاسيما أمام صاحبه الغريب.
وبعد انقضاء مدة العدة مضى الحلاق إلى أهل مطلقته، وأخبرهم أنه ينصح لها بالزواج من صاحب له يعرفه، كي يضمن لها السعادة، ويكفل لولديه حسن التربية، وأخذ يزكي صاحبه، ويشيد بأخلاقه الحميدة، فدهش الأهل لسعيه، وأنكروه، ولكن ظل يحاورهم، حتى أقنعهم بالأمر كله.
ثم أخذ الحلاق يساعد صاحبه الغريب، ويعينه على تجهيز نفسه للزواج، فينزل معه إلى السوق لشراء الأثاث والثياب والهدايا، ولا يتردد في تقديم النصح والمشورة، وصاحبه الغريب يسأله عن الأمور كلها، ويستعين به على قضائها، إلى أن كان الزفاف، فأرسل الحلاق إلى صاحبه مع أحد الخدم هدية الزواج.
ومرت الأيام، والغريب هانئ بزواجه، وهو ما يفتأ يزور صاحبه كل يوم، ليعرب له عن سروره بالزواج، واطمئنانه إلى زوجته، وسعادته بها، ويشكر له مساعيه، والحلاق يتميز قهراً وألماً، ولكنه يكظم ما بنفسه ويكتمه.
وذات يوم دخل الغريب على الحلاق ليخبره بعزمه على الرحيل إلى بلاده، واصطحابه زوجته وولديها من الزوج السابق، ثم كرر شكره له على مساعيه، ودعاه إلى زيارته في بلده، وودعه، فعانقه الحلاق، والدموع تتفجر من مآقيه.
وفي اليوم التالي لمغادرة الغريب البلد، باع الحلاق دكانه، وأدوات الحلاقة، وقرر أن يسوح في البلاد، فقد عز عليه المقام.
وأخذ الحلاق ينتقل من بلد إلى بلد، ضائق النفس، كاسف البال، شارد اللب، لا يلوى على شيء، ليله حزن، ونهاره اكتئاب، حتى بلغ بلد صاحبه الغريب، فقصد إليه، فوجده في محل للتجارة، وهو في أفخم حال، وأبهى مظهر، فرحب به صاحبه خير ترحيب، وتعجب لحاله، ثم دعاه إلى منزله فاعتذر، ووعده أن يزوره كل يوم في متجره، وعرض عليه مبلغاً من المال يساعده به، فأبى أن يأخذ شيئاً.
وأخذ الحلاق يتردد كل يوم على متجر صاحبه، يقعد عنده ساعة أو بعض الساعة، ثم يمضي ليتوه في دروب البلدة، مشرد الخطا، تائه الفكر.
وذات يوم، وهو قاعد مع صاحبه في متجره، دخل ولدان إلى المتجر، ما إن لمحاه، حتى أسرعا إليه، وهما يهتفان: “بابا، بابا”، وارتميا في حجره، وحاول الحلاق أن يشيح عنهما بوجهه، ولكن عاطفة الأبوة غلبته، فعانقهما وهو يبكي.
وبهت الغريب لما رأى، فسأل صاحبه الحلاق تفسير ذلك، فلم يجب بشيء، ونهض يهم بالانصراف، ولكن صاحبه أقسم عليه إلا أن يطلعه على حقيقة الأمر، فروى له الحكاية من أولها إلى آخرها.
ودهش الغريب لما سمع من الحلاق، ثم اعتذر إليه، وأسف لما كان منه، وآلى عليه إلا أن يصحبه إلى بيته، وهناك عرض عليه الزواج من أخته، فوافق.
وخلال أيام، تم زواج الحلاق من أخت صاحبه الغريب، وقد اشترى له داراً، ورد عليه ولديه، وأوصى أخته بهما خيراً، وجعله شريكاً في متجره، وتنازل له عن نصف أمواله.
ولكن الحلاق لم يكن له طمع في شيء من المال، وقد اطمأنت نفسه بعض الاطمئنان إلى ما صار إليه، فرأى أن يعود إلى بلده، فحمل زوجته وولديه، وودع صاحبه، ورجع إلى بلده، واشترى لنفسه دكاناً فيه، وعاد إلى عمله القديم.
_Oni_
22-10-2005, 08:13 PM
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
المال والبنون
كان لرجل عجوز ثلاثة أبناء، أفنى عمره في تربيتهم، والعمل على إسعادهم، وقد سعى إلى تزويجهم جميعاً، ثم قسم فيهم أمواله، كي يباشر كل واحد منهم حياته مستقلاً، وأبقى الرجل لنفسه داراً صغيرة، أقام فيها وحده، يمضي فيها بقية عمره، قانعاً بالقليل، هانئاً بقيامه بواجبه نحو أولاده، وقد تمنى عليهم أن يزوروه بين حين وحين، كي يسعد برؤيتهم.
ولقد أخذ الأولاد بالتردد على أبيهم، كما أوصاهم، ولكن مع الأيام زادت مسؤولية كل واحد منهم، كما زاد اهتمامه بالحياة، واشتغاله بها، فقلّت زيارتهم لأبيهم، ثم نسوه، حتى بات وحيداً، وهو الذي قسم فيهم ما كان يملك من أموال، وما هي إلا سنة أو سنتان، حتى قل ما ادخره لنفسه، وبات مهدداً بالجوع والحرمان، فحار في أمره، ولم يجد ما يفعل؟! فقصد أولاده واحداً واحداً، يسألهم عن أحوالهم، من غير أن يبدي لهم شيئاً من الضيق، فأبدوا كثيراً من الجفاء، فلما عاتبهم في إهمالهم إياه، أنكروا عليه ذلك، ولاموه، إذ يكفيهم -كما ادعوا- ما هم فيه من مسؤولية، وانشغال بأسرهم وأحوالهم.
ورجع الأب من لقاء أولاده مخذولاً، نادماً على تفريطه بما كان لديه من مال، آسفاً على ما كان له من عزّة وجاه، ومضى إلى بيته، لا تحمله قدماه، من الحزن والألم، وقبع في ركن داره، يقتصد في طعامه وشرابه، وهو في كرب وضيق، والأيام تمرّ به قاسية مؤلمة، حتى أمسى في أسوأ حال، فقد بلي ما كان عنده من ثياب، وكاد ينفد ما بقي لديه من مال، وهزل جسمه، وتغير لونه، ودب فيه العجز، فلم يجد بداً من أن يقصد أحد أصحابه، ليجد شيئاً من العزاء، والنصيحة.
وحين لقيه صاحبه، ورأى ما صار إليه من حال، عاتبه ولامه على تفريطه بأمواله ثم نصح له أن يعمد إلى أرض غرفته، التي هو فيها، فيحفر فيها حفرة، ثم ينزل فيها جرة فارغة، ويجعل فوهتها مع مستوى الأرض، ثم يرمي فيها ما يكنسه كل يوم من أرض الغرفة، وفناء الدار، من غبار وتراب، حتى إذا امتلأت، إلا قليلاً، سد فوهتها بالاسمنت، وغطاها بالحصير، ووعده صاحبه أن يزوره، حين تمتلئ، ليخبره بما يجب عليه فعله، بعد ذلك.
ورجع الأب إلى بيته، وقام على الفور بتنفيذ ما نصح له به صاحبه، ولم تمض بضعة أيام، حتى امتلأت الجرة، أو كادت، بما كان يرميه فيها من غبار وتراب، مما يكنسه من فناء الدار، فسد فوهتها، وغطاها بالحصير، وقعد ينتظر صاحبه.
ولما زاره صاحبه، عرض عليه ما فعل، ففرح بذلك، وأخبره أنه سيمر بأبنائه واحداً واحداً، ليؤكد لهم أن أباهم مازال بخير، وأنه يملك من المال أكثر مما أعطاهم، وأنهم قصروا في حقه تقصيراً، ثم نصح لصاحبه أن يتوقع زيارتهم، وطلب منه أن يعمد إلى الحصير، فيكشف طرفها أمام أبنائه، واحداً واحداً، وينقر على موضع الجرة، ليوهمهم لأنه مازال يملك قدراً جيداً من المال، قد خبأه في هذه الجرة، وأنه لهم، إن هم عنوا به.
وفي اليوم التالي دُقّ الباب، فأدرك على الفور أن القادم ابنه، فرحب به، وقاده إلى غرفته، وكان الولد مدفوعاً بطمع شديد، إلى معرفة ما يملك أبوه، فبعد قليل من السؤال عن الصحة والحال، والاعتذار عما كان من تقصير، سأل أباه إن كان في حاجة إلى شيء، فاتنفض الأب غاضباً، وأكد أنه بخير، وليس بحاجة إلى أحد، ثم رفع طرف الحصير، عن موضع الجرة، ونقر عليها، فرنت رنيناً، فقال له:
"أتسمع؟ إني ماأزال أحتفظ بجرة من المال."
فطمع الولد، ورغب في أن يحظى بالجرة، دون إخوته، أو بأكبر قدر مما فيها، فبادر إلى إرسال زوجته، لتكنس لأبيه البيت، وتسهر على رعايته، وتحمل له الطعام، وبدأ يزوره كل يوم.
وفي اليوم الثاني، زاره ولده الثاني، فكان مثله مثل أخيه، وكذلك كان شأن الولد الثالث، ومنذئذ أخذ الأولاد يهتمون بأبيهم، ويعنون به أشد العناية، بدافع من الطمع بماله.
وذات يوم زاره صديقه، ليطمئن عليه، فرآه في أحسن حال، وهو في ثياب جديدة نظيفة، بيته مفروش ومكنوس، والطعام عنده كثير، ومظاهر النعيم بادية عليه، فهنأه، بما هو فيه، على حين شكر الرجل لصاحبه نصيحته.
وهكذا أمضى الأب بقية عمره، هانئاً باهتمام أولاده به، حتى وافته المنية، فأسرع أولاده في تجهيزه ودفنه، وباتوا ينتظرون مضي يوم أو يومين، حتى يقتسموا ما في الجرة، ولما كان اليوم الثالث، بادروا إلى إخراجها، وهمّوا بكسرها، ولكن بدأت علائم الاختلاف تظهر عليهم، فكل واحد يدعي أنه عني بوالده أكثر من الآخر، وأن من حقه أن يحظى بقدر أكبر مما في الجرة، وبينما هم في خلاف ونزاع، دخل عليهم صديق أبيهم، وكان يتوقع ذلك منهم، فباغتهم، فخجلوا، ثم اعترفوا بما هم فيه من خلاف، وسألوه رأيه، فنصح لهم أن يلجؤوا إلى شيخ في البلدة، كي يقسم الجرة فيهم.
ومضى الأولاد إلى الشيخ، فحدثوه عن أمرهم، فوعدهم أن يأتيهم في المساء، ليقسم الجرة فيهم، ثم مضى إلى السوق، فاشترى أمتاراً كثيرة من القماش، ولما كان المساء، ذهب إلى الأولاد، يحمل ما اشترى، وهو يتوكأ على عصا غليظة، ولما دخل عليهم أخبرهم أنه سيضع الجرة على رأسه، وأن كبيرهم سيضربها بعصاه، وليس لهم بعدئذ سوى أن يلتقطوا ما في الجرة، وقد تناثر على الأرض، ولكل واحد منهم ما يستطيع التقاطه، وامتعض الأولاد من طريقة الاقتسام، ولكنهم رأوا لا مفر لهم من القبول.
ولجأ الشيخ إلى القماش، فلفه على رأسه، طمعاً في أن يحظى بقدر أكبر مما سيتساقط من الجرة، فإذا حول رأسه لفة عريضة جداً، كان الأولاد ينظرون إليها مستائين، ثم وضع الجرة على رأسه، ودعا الأولاد إلى التحلق حوله، ثم ناول عصاه إلى كبيرهم، وأمره بضرب الجرة، فحمل الكبير العصا، ولوَّح بها، ثم ضرب الجرة ضربة عنيفة، فانفجرت، وتناثر ما فيها، من تراب وغبار، ملأ الغرفة، وسد على الأولاد والشيخ العيون والأنوف والآذان، فعلا الصراخ والسعال واللغط والضجيج، ومضوا يبحثون عن الباب، وبعضهم يصطدم ببعض، وكان آخر من خرج الشيخ، فقد كان أكثرهم حظاً مما في الجرة.
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
الحظ المقسوم
يحكى أن فتى من أمراء العرب كان شقياً، يعاقر الخمر، ولا يتورع عن ارتكاب المحرمات، كثير اللهو والمجون، وكان ذات يوم منطلقاً في الصحراء على ظهر فرسه، يقصد الصيد، فإذا هو بين جبلين، أمام رجل عجوز، ذي لحية بيضاء، ينتقل بخطوة واحدة من هذا الجبل إلى ذاك، ثم ينحني على الأرض، فيقتلع نبتة صغيرة، ثم ينتقل إلى الجبل الآخر، ليضع هذه النبتة، إلى جانب نبتة أخرى هناك، وكان ما ينفك ينتقل بين الجبلين، فدهش الفتى لمرآه، ولما اقترب منه، سلم عليه وسأله عن عمله، فأجابه الشيخ العجوز: “أزوج بنت المشرق لابن المغرب، وابن المشرق لبنت المغرب، وأركّب حظّ هذا على حظّ هذه، وحظّ هذه على حظ ذاك”. فقال له الفتى: “أريد أن تنظر لي حظي أين يكون؟ “، فقال له الشيخ العجوز: “حظك في مضارب الشرق، وضعتها أمها هذه الساعة، وهي بنت فلان، وأمها فلانة، فشكر له الفتى الجواب، وأسرع إلى تلك المضارب، وفي نيته فعل شيء ما، فقد قرر من قبل ألاّ يتزوج ألبتة.
ولما بلغ المضارب، وجد القوم في فرح وابتهاج، بمناسبة المولودة، فنزل فيهم، فرحبوا به، وأكرموا وفادته، ولما كان الليل، تسلل إلى خيمة البنت، فدخلها، حتى بلغها، فانتفى سكينة، وطعن بها صدر الطفلة، وشقّه، وخرج، ثم مضى بعيداً عن مضارب القوم، مرتاحاً إلى خلاصه من حظه المقسوم.
ولما كان الصباح، أفاق القوم، فرأوا الطفلة في رامة من دمها، فلجؤوا إلى امرأة عجوز، تمارس الطب عندهم، فعملت على خياطة الجرح، ودهنته بما تصنعه بنفسها من مراهم، وما هي إلا أشهر وأيام، حتى شفي الجرح، وكتبت للبنت السلامة والنجاة.
ومضى ذلك الفتى يسدر في فجره وفسوقه، حتى كان يوم توفي فيه أبوه، وهو أمير، فحزن لموته أشد الحزن، وأحس بحقيقة الحياة، ورأى نفسه أمام المصير، فاستغفر ربّه وتاب، وأقلع عن الغيّ والفساد، وقد أسندت إليه الإمارة من بعد والده.
ومرت الأيام، وهو مشغول بالإمارة، وبالضيوف، وبالقبائل التي تفد عليه، ولكنه أحس ذات يوم بحاجة إلى زوجة، يطمئن إليها ويرتاح، ويحس في قربها بالسعادة والرضا والأمان، فأخذ يبحث عن زوجة صالحة، ومضى يفكر بمن يعرف من الأهل والأقارب، ولكنه لم يهتد إلى بغيته.
وذات يوم خرج إلى الصيد، وابتعد عن مضارب قبيلته، وتاه في الصحراء، فرأى من بعيد خيمة وحيدة، فلجأ إليها، فاستقبله صاحب الخيمة وزوجته، وكانا عجوزين، خير استقبال، وشاركتهما في الاستقبال فتاة صبية، هي ابنتهما.
وأضافه القوم، على الرغم من فقرهم، وأكرموا وفادته، وكان قد أعجب بالفتاة الإعجاب كله، فقرر خطبتها، وحدث والدها في الأمر، فوافق، فنقلهم جميعاً إلى مضارب قبيلته، وفي بضعة أيام تمت الاستعدادات للزواج.
وليلة الزفاف، دخل الفتى على عروسه، ولما خلال بها، رأى أثر جرح غائر في صدرها، فسألها عنه، فروت له ماكان يرويه لها أهلها عن فتى غريب، نزل في ضيافتهم يوم ولادتها، ثم غدر بها، فعرف فيها على الفور حظه المقسوم، الذي كان الشيخ العجوز قد أخبره به.
واستغفر الفتى لذنبه، وعاش مع زوجته، في هناءة وسرور، وأنجبا البنين والبنات.
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
الغولة والإخوة الثلاثة
يحكي أن غولة سكنت في مغارة قريبة من إحدى القرى، فأخذت تغير كل يوم على بيت، فتهدد صاحبه إذا هو لم يخرج لها بأنها سوف تنفخ على بيته فتهدمه، وتلتهمه هو وزوجته وأولاده، وكانت بيوت القرية كلها مبنية من الطين، فكان صاحب البيت يخاف، فيخرج إلى الغولة، فداء زوجته وأولاده، فتلتهمه، حتى إنها أتت على بيوت القرية كلها، والتهمت كل رجالها، ولم يبق سوى الأطفال والنساء.
وكان يسكن في طرف من أطراف القرية ثلاثة إخوة، أحدهم يعمل صانع منا خل، واسمه منيخلان، والثاني يعمل قزازاً، واسمه قزيزان، والثالث يعمل حداداً، واسمه حديدان، وكانت الغولة قد بدأت بهم أول الأمر، ولكن أحداً منهم لم يخرج، لأنهم كانوا واثقين أن بيوتهم لن تتهدم.
ولما لم يبق في القرية بيت إلا مرت به، والتهمت صاحبه، عادت ثانية إلى بيوت الإخوة الثلاثة، وقررت أن تلجأ إلى الحيلة، كي تلتهمهم واحداً واحداً.
وفي اليوم الأول قرعت الباب على أصغرهم، وهومنيخلان، ودعته للخروج إلى كرم التين، ليشاركها في قطافه، فأدرك أنها تتوى التهامه، فوافق على الدعوة، وطلب منها أن تسبقه، ووعدها أن يلحق بها.
وأسرع منيخلان إلى أخويه يخبرهما بالأمر، فمضى الثلاثة إلى الكرم، وقد هيؤوا كتلاً صغيرة من الطين، جعلوها على هيئة التين، ثم بحثوا عن أكبر شجرة في الكرم، وعلقوا تلك الكتل على أغصانها، ورجعوا إلى بيوتهم.
وجاءت الغولة إلى الكرم، وأخذت تنتظر وصول منيخلان، ولما تأخر عليها، ويئست من مجيئه، قامت، فبحثت عن أكبر شجرة في الكرم، وأخذت تلتهم ما تجده على أغصانها من طين، وهي تظنه تيناً، حتى أتت عليه كله.
ورجعت إلى منيخلان، وأخذت تقرع عليه الباب، فلما أطل عليها من نافذة بيته، بدأت تلومه على عدم حضوره، وتؤكد له ظفرها بالتين وحدها، فأخذ يضحك، وهو يخبرها أن ما التهمته طين، وما هو بالتين، فتنبهت إلى حماقتها وغفلتها، وأخذت تهدده وتوعده، وتطلب منه النزول إليها، وإلاّ، فإنها ستنفخ على بيته حتى تهدمه، فسخر منها وقال لها: "انفخي كما تشائين، فإني لا أخاف".
وأخذت تنفخ على بيته، ولكنه بيته لم يتهدم، لأنه مبني من النسيج الذي يصنع به المنخل، وكله ثقوب وثغرات، الريح تنفذ من خلاله، ولا تؤثر فيه.
وفي يوم آخر قرعت الباب على الأخ الأوسط، وهو قزيزان، فخرج لها، فدعته إلى الحقل، لالتهام الخيار، فوافقها على الدعوة وطلب منها أن تسبقه، ثم أسرع إلى أخويه يخبرهما بالأمر، ومضى الإخوة إلى الحقل، فقطفوا الخيار كله، ووضعوا بدلاً منه الكوسا، ثم رجعوا إلى بيوتهم.
وقدمت إلى الحقل، وأخذت تنتظر، ولما تأخر عليها قزيزان، ويئست من حضوره، قامت، فالتهمت كل ما في الحقل من كوسا، وهي تحسبه خياراً، ثم مضت إلى قزيزان وأخذت تقرع عليه الباب، فأطل عليها، من نافذته، فبدأت تلومه على عدم حضوره، وتؤكد له أنه خسر كثيراً، فأخذ يضحك، وهو يخبرها أنه جنى الخيار كله، وأن ما أكلته ليس خياراً، وإنما كوسا.
وثار الغضب في نفس الغولة، وطلبت من قزيزان أن ينزل إليها، وإلاّ فإنها ستنفخ على بيته حتى تهدمه، فسخر منها قزيزان، وقال لها: "انفخي كما تشائين، فإني لا أخاف".
وأخذت تنفخ على بيته، ولكن بيته لم يتهدم، لأنه مبني من القزاز، يصد الريح، ولا تستطيع أن تؤثر فيه شيئاً.
وفي يوم ثالث قرعت الباب الأخ الثالث، وهو حديدان، ودعته إلى الغابة، لقطع الأشجار، وصنع الحطب، فوافقها، وطلب منها أن تسبقه، ووعدها أن يلحق بها.
وأسرع حديدان إلى أخويه يخبرهما بالأمر، ومضى الإخوة الثلاثة إلى الغابة، اقتطعوا بعض الأشجار، وصنعوا كومة من الحطب، قعد حديدان في داخلها، وقام الأخوان بحزمها بالحبال، ثم رجعا إلى البيت.
وقدمت الغولة إلى الغابة، فرأت كومة الحطب، جاهزة محزومة، ففرحت بظفرها بها دون حديدان، فحملتها على ظهرها، ومضت بها نحو بيتها، وفي الطريق أحست بثقلها، ولكنها عللت ذلك بكبر الكومة وكثرة ما فيها من حطب، ثم أخذ حديدان يخزها بمسلة في يده، فتتحمل الوخز، متوهمة أن أعواد الحطب هي التي تخزها، ومضت على الفور إلى بيت حديدان.
وكان حديدان قد قطع الحبل الذي حزمت به كومة الحطب، وأسرع إلى بيته، فلما قرعت عليه الغولة الباب، وأطل عليها من نافذته، فأخذت تلومه لأنه لم يحضر إلى الغابة، وتذكر له ظفرها بكومة حطب، وتؤكد خسارته، فأخذ يضحك منها، ويذكرها بالوخز وثقل الحمل، ويؤكد لها أنه كان مختبئاً في كومة الحطب.
وعندئذ غضبت الغولة غضباً شديداً، وطلبت إليه النزول، وإلاّ فإنها ستنفخ على بيته، لتهدمه، فسخر منها حديدان، وقال لها: "انفخي كما تشائين، فإني لا أخاف".
وأخذت تنفخ على بيته، ولكن بيته لم يتهدم، لأنه مبني من الحديد، والريح لا تؤثر فيه، وكانت الغولة في غضب شديد، فظلت تنفخ طويلاً طويلاً، إلى أن انفجرت وماتت.
_Oni_
22-10-2005, 08:14 PM
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
ليلة الغنجة
يحكى أن رجلاً غنياً كان قد تزوج عدة مرات، وفي كل مرة كانت زوجته تموت بعد أشهر قليلة من الزواج، حتى اشتهر أمره في الناس، وعرف، فأصبحت كل فتاة تخشى من تقدمه إلى خطبتها وتخاف، وإن كانت في الحقيقة ترغب في ذلك، وتطمع، فقد كان غنياً وافر الغنى، وكان يعيش في قصر كبير، تحلم كل فتاة بالعيش فيه، والاستمتاع بما فيه من وسائل الترف والرفاهية.
وكان قد تزوج من أسرة فقيرة بنتاً صبية، وبعد أقل من شهر توفيت، فتقدم إلى الأسرة نفسها يخطب شقيقتها، فوافقت البنت على الفور، ولكن أباها وإخوتها السبعة رفضوا ذلك، فهي البنت الوحيدة المتبقية عندهم، ولكن البنت أصرت، وأكدت رغبتها في الزواج من ذلك الغني، كي تكتشف سر وفاة شقيقتها، والزوجات السابقات جميعاً.
وتم الزواج، وعاشت الفتاة في القصر عيشة هانئة، فيها الرغد والوفر الكثير، وحظيت من زوجها باهتمام بالغ، وعناية كبيرة، بل لقيت منه تعلقاً شديداً، كاد ينسيها غايتها، وهي البحث عن سبب وفاة أختها.
وذات صباح، ارتدى الزوج فاخر الثياب، وتهيأ للخروج، ورافقته زوجته إلى الباب مودعة، وقبل أن يخرج ناولها حلقة فيها مفاتيح كثيرة، وقال لها: “هذه مفاتيح أربعين غرفة من غرف القصر، يمكنك أن تتفرجي على تسع وثلاثين غرفة، وتتسلي بمحتوياتها، في غيابي، ولكني أحذرك من الغرفة الأربعين، وأطلب منك عدم فتحها”. ثم تركها في القصر وخرج، وبين يديها مفاتيح الغرف كلها.
وأخذت تطوف في أرجاء القصر، تتفرج على غرفه واحدة واحدة، وتدهش لما تحويه كل غرفة من أثاث وفراش ورياش، يفوق ما تحويه الغرفة الأخرى، مما يذهل له الناظر.
وأمضت على هذه الحالة أياماً، وهي تسأل كيف يسمح لها الزوج بدخول الغرف جميعاً، على الرغم مما فيها من أثاث ثمين، ولا يسمح لها بدخول الغرفة الأربعين؟! وكانت تفكر دائماً بفتحها، والدخول إليها، ولكنها كانت تتردد وتخاف.
وذات يوم وضعت مفتاح الغرفة الأربعين في قفل الباب، وأدارته، ثم أحجمت، ولكنها عادت، فأقدمت، وفتحت الباب، فصر صريراً راعباً، ومدت رأسها من شق الباب، فدهشت، وثار في نفسها الخوف، فالغرفة خاوية، ولا شيء فيها، سوى الغبار والعناكب.
وأدركت على الفور أن في هذه الغرفة يكمن سبب وفاة الزوجات السابقات، وأن وراء هذا الفراغ سراً كبيراً، يخفيه عنها زوجها، ويحذرها بسببه من فتح الغرفة.
ودخلت، وفي عمق الغرفة رأت خزانة خشبية، تقدمت منها بحذر وخوف، ونظرت، فإذا بابها من غير قفل، فتحته فانفتح، وعلى رف من رفوف الخزانة رأت قطعة قماش بيضاء، عتيقة، مصفرة، يعلوها الغبار، فلم تلمسها، وأغلقت الخزانة على الفور، وخرجت، وأقفلت باب الغرفة.
وفي المساء رجع الزوج كعادته، فسألها عن يومها كيف أمضته، فأكدت له سرورها بما رأت في الغرفة من أثاث فاخر، ثم حاولت التشاغل بعد ذلك بإعداد مائدة العشاء، ولكنها فوجئت به يقول لها: “ ولكن لم تسأليني عن سر القماش الأبيض في الخزانة الخشبية؟!”
فصعقت، وأدركت على الفور أنه عرف أنها فتحت الغرفة الأربعين، ولم تجد مفراً من الاعتراف، وهي في خوف وقلق شديدين، ولكن الزوج تبسم، وأظهر هدوءاً بارداً، ثم أكد أنه لا يبالي بالأمر، ثم رجاها أن تنساه، وأخذ يعبر عن اهتمامه بها ، وحرصه عليها، ولكن هذا زاد من قلقها، فأخذت ترجوه أن يخبرها بسر الغرفة، والقماش الأبيض، وبعد إلحاح منها، وتوسل، ورجاء، أخبرها أنه يحتفظ بذلك القماش لليلة الغنجة، وزادها ذلك قلقاً، فأخذت تسأله عن تلك الليلة، كيف هي؟! ومتى تكون؟ فلم يجب، ووعد أنه سيخيرها بأمرها في الوقت المناسب.
وأخذت تعيش في قلق وترقب، متوفزة الأعصاب، ولا تسعد بطعام؛ ولا تهنأ بنوم، وهي تنتظر تلك الليلة، متوقعة فيها الخطر، بل الموت.
وذات صباح، وقبل أن يخرج الزوج من القصر، أخبرها أن الليلة القادمة هي ليلة الغنجة، وطلب منها أن تتهيأ لها، وأن تكون في زينتها الكاملة، وأن ترتدي حلة ليلة الزفاف، وأوحى لها أنها ليلة لذة وسرور، ثم ودعها وخرج.
ولكن الزوجة أحست في كلامه الخداع، فأسرعت إلى أبيها وإخوتها، وأخبرتهم بالأمر كله، ثم دعتهم إلى النزول في غرفة قريبة من الغرفة الأربعين، والاختباء فيها، والتهيؤ لنجدتها، إذا ما أحسوا بالخطر.
ثم تهيأت، وتزينت، وارتدت حلة ليلة الزفاف، ولما حضر الزوج في المساء، أظهرت رباطة جأش، واستعدت لكل الاحتمالات، ولكن الزوج كان لطيفاً اللطف كله، فآنسها، وتناول معها طعام العشاء، وأبدى رقة مفرطة.
وفي الغرفة الأربعين، أخرج القماش الأبيض من الخزانة، وبسطه على الأرض، واعتذر لقدمه واصفراره، ثم رجاها بلطف شديد أن تستلقي فوق ذلك القماش، فترددت، ولكنها استجابت، مطمئنة إلى أن أباها وإخوتها في الجوار.
ومرة أخرى اعتذر لها الزوج، وأكد لها أنه مضطر إلى لفها بالقماش الأبيض، وربطه بحزام متين عند قدميها، وعند رأسها، حتى تبدأ ليلة الغنجة، فاستجابت لذلك، ورضيت، وعند ئذ أخذ يدغدغ أخمص قدميها بهدوء ونعومة، فأخذت تضحك، ثم بدأ يدغدغ أخمص قدميها بحدة، فبدأت تقهقه، ثم شرع يحفر بأظافره، في أخمص قدميها بعنف ووحشية، وهي خاضعة لتأثير الدغدغة تقهقه بألم شديد ولا تقدر على إيقاف ذلك، حتى أغمي عليها، وهو مايزال يحفر بأظافره في أخمص القدمين.
وأحس أبوها وإخوتها في الغرفة المجاورة بالانقطاع المفاجئ في القهقهة، فأدركوا أن في الأمر خطراً، فاقتحموا الغرفة، وذهلوا لما رأوا.
وأسرعوا على الفور إلى انعاش الزوجة، ثم اقتادوا الزوج إلى الحاكم، واعترف أمامه بجرائمه، فقد كان يلجأ إلى قتل زوجاته على تلك الطريقة، حتى لا يترك فيهن أثراً يدل على القتل.
ودعا الحاكم آباء الزوجات اللواتي توفين عند ذلك الزوج، كما دعا ذوي قرابتهن، وسألهم عن القصاص الذي يرغبون في إيقاعه به، وكانت الزوجة الأخيرة التي نجت من الموت حاضرة، فاقترحت قتله بالطريقة نفسها التي كان يقتل بها زوجاته، فوافق الجميع، وتم تنفيذ ذلك على الفور.
_Oni_
24-10-2005, 04:34 PM
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
قفل ومفتاح
يحكى أن امرأة أقامت عند زوجها سنين كثيرة، لم تحمل فيها، وذات يوم كانت راجعة فيه مع زوجها إلى البيت ليلاً، فمرا بكلب أسود، نبحهما، فجفلت المرأة، وقالت في سرها:
"لو رزقني الله بنتاً، لزوجتها لكلب أسود"
ومرت الأيام، وإذا المرأة تحسّ بآثار الحمل، فأدركت أن الله قد أجاب دعاءها، ولكنها خشيت أن ترزق ببنت، فتضطر عند ئذ للوفاء بنذرها، وكان ما خشيت منه، إذ رزقها الله ببنت، ففرحت بها هي وزوجها، فقد ملأت حياتهما أنساً وبهجة، ونسيت الأم نذرها.
ومرت الأيام فكبرت البنت، وأرسلتها أمها إلى الكتاب، لتتعلم القراءة والكتابة، وذات يوم، كانت البنت راجعة فيه من الكتاب إلى البيت، مر بها كلب أسود ونبحها، فخافت، وابتعدت عنه، فتبعها، وقال لها: "قولي لأمك، أوفي نذرك"، ومضت البنت إلى البيت، ونسيت أن تقول لأمها ما قاله لها الكلب، وفي اليوم التالي قال لها الكلب، ما قاله لها في اليوم الأول، ولكنها نسيت أيضاً، وكذلك الحال في اليوم الثالث، وفي اليوم الرابع سألها الكلب لم لا تقول لأمها ما يوصيها به ، فأجابته بأنها تنسى، ووعدته أن تفعل، فحذرها من النسيان، وأعطاها قطعاً من الحلوى، وطلب منها أن تضعها في جيبها، ولما بلغت البنت البيت نسيت أيضاً أن تقول لأمها ما أوصاها به الكلب، ولكن الأم رأت قطع الحلوى في جيب ابنتها، فسألتها عن مصدرها، فذكرت الكلب، وأخبرتها بما أوصاها به، وذكرت الأم نذرها، وحزنت لذلك، ولما جاء زوجها في المساء أخبرته بالأمر كله، فحزن الأب، وقال للأم: "لابد من الوفاء بالنذر".
وبات الأبوان يهيئان نفسيهما لفراق ابنتهما، وكأنهما في كل يوم على موعد مع الكلب الأسود.
وذات يوم قرع الباب، فخفق قلب الأم، وأسرعت تفتحه، وإذا الكلب الأسود في الباب، فأدركت قصده، ورجعت إلى البنت، وقالت لها: "تهيئي يا بنتي"، ثم حكت لها ما كان من أمر النذر، فاستجابت البنت، ودخلت على أبيها فودعته، ثم ودّعت أمها، وخرجت إلى الكلب، ومضت تسير إلى جانبه، تاركة أبويها يبكيان.
وسار الكلب بالبنت، حتى بلغا خارج البلدة، فطلب منها أن تصعد على ظهره، فصعدت، فطار بها، وحلق في أجواء الفضاء، وهي متشبثة به، وبعد زمن من التحليق سألها: "كيف ترين الأرض؟" ، فأجابت: "مثل صينية كبيرة"، فأخذ يعلو بها أكثر فأكثر، ثم أعاد عليها السؤال، فأجابت: "مثل الصحن الكبير"، فأخذ يعلو بها أكثر فأكثر، ثم أعاد عليها السؤال، فأجابت: "مثل صحن صغير"، وعندئذ حط بها، فإذا هي أمام مخدع فخم، فرشه من الدمقس، وغطاؤه من الحرير، تتصاعد من حوله أبخرة المسك والكافور، وتركها الكلب هناك، وغاب.
وأخذت تجول في أنحاء الغرفة، مدهوشة لما ترى من أثاث ورياش، ثم أطلت من النافذة، فرأت أمامها فناء واسعاً، في وسطه بركة ماء، تترقرق أمواجها الناعمة، وتسبح فيها الأسماك الملونة، وتتنقل على أطرافها الطيور، وتحيط بها الأشجار المزهرة، من شتى الأنواع، ونزلت إلى حديقة القصر، وأخذت تتسلى وتمرح، حتى كان المساء، فرجعت إلى مخدعها، وقدمت لها الخادمة، بعد عشاء فاخر، فنجان قهوة، فشربته، فأحست بنعاس لذيذ، فأوت إلى فراشها، واستسلمت لنوم عميق.
وفي الصباح نهضت لتمضي النهار كله في حديقة القصر، تناغي الأطيار، وتداعب الأسماك، وتتفرج على الزهور، وفي المساء شربت فنجان القهوة، وأوت إلى الفراش، وظل هذا دأبها، تمرح وتتسلى وتلعب، لا تحس بكدر ولا قهر، ولا ضيق، ولكن ذات يوم شعرت بشيء من الدوار، فأدركت أنها حامل.
وفي يوم آخر نعق غراب، فذكرت أبويها، وتمنت لقاءهما، وأخذت تبكي، وعلى الفور ظهر الكلب الأسود، فطلب منها أن تمتطي ظهره، ففعلت، فحلق بها في أجواء الفضاء، حتى سألها مثل ما سألها من قبل، فلما قالت له إنها ترى الأرض مثل صحن صغير، حط بها، فإذا هي أمام دارها، ودخلت على أبويها، ففرحا بها، وفرحت بهما، وأمضت معهما ساعة، أو بعض الساعة، وإذا الكلب ينبح، فودعت أبويها، وحملها الكلب على ظهره، ورجع، مثلما جاء بها.
وفي القصر عادت إلى حياتها التي اعتادت عليها، ولما كان المساء، قدمت لها الخادمة فنجان قهوة، فأخذته، وتظاهرت بارتشافه، حتى إذا خرجت الخادمة رمته جانباً، واستلقت في سريرها، وتظاهرت بالاستسلام للنوم، وكانت أمها هي التي نصحت لها بذلك، حين حدثتها عن فنجان القهوة.
ولم يمض بعض الوقت، حتى برز شاب وسيم الطلعة، كأنه البدر، فنهضت تحييه وتستقبله، فاضطرب أول الأمر، ولكنه لم يلبث أن اطمأن إليها، ورجاها ألا تبوح لأحد بسره، وأخبرها أنه يأتيها كل ليلة، وهي نائمة، وأنه ابن ملك الجان.
وفرحت البنت بالشاب، زوجها، وأنست به، واطمأنت إليه، وأمضيا الليل في جنى ووصال، ثم استسلما لنوم هانئ، وقبيل الفجر أفاقت وأخذت تنظر إليه وهو نائم، وتتملى وسامته، ثم لاحظت شيئاً ما تحت قميصه، فوق السرة، فدفعها الفضول إلى معرفة ما يخفيه، فكشفت قميصه بهدوء، فإذا هي ترى فوق سرته قفلاً ومفتاحاً، فدهشت لما رأت.
وأدارت المفتاح في القفل، فانفتح عن سرداب عميق، ونزلت فيه، فإذا هي في نهايته أمام سوق كبيرة، فيها جميع أنواع الصناعات والأعمال، فأخذت تسير في السوق تتفرج على النجارين والصاغة والخياطين، وهي ترى الجميع منهمكين في العمل، ثم مرت بنجار يصنع سريراً صغيراً، فسألته لمن السرير، فأجابها بأن زوجة ابن الملك حامل، وأن هذا السرير هو للوليد المنتظر، وأدركت أنها هي المقصودة، فخرجت على الفور، وأغلقت القفل بالمفتاح.
وتنبه زوجها، فاستيقظ، ولامها على ما فعلت، ثم نادى الكلب الأسود، فمثل بين يديه، فأمره بحمل البنت إلى الفلاة، وذبحها، وإحضار كأس من دمها ليشربه، وتوسلت إليه، تستعطفه وترجوه العفو، فأبى، فاستسلمت، وحملها الكلب على ظهره، ومضى بها إلى أرض منقطعة، وتركها هناك، ثم اصطاد طائراً، فذبحه، واعتصر دمه، وملأ به كأساً قدمه إلى ابن الملك.
ومضت البنت تسير في الفلاة أياماً وليالي طويلة، وحيدة، الجوع يتعبها، والسير يضنيها، والجنين في أحشائها يوهن قواها، حتى لاح لها من بعيد قصر شامخ، فاقتربت منه، وأخذت تلتقط ما تعثر عليه من بقايا الطعام مما يُلقى خارجه، وبينما هي كذلك، إذ أقبلت عليها خادمة تدعوها إلى دخول مطبخ القصر، وسمحت لها أن تقيم مع الخدم، وأوصتها ألا تخرج، كي لا يراها أحد، وتوسلت إلى الخدم ألا يحدثوا أحد عنها.
وأمضت البنت مع الخدم أياماً، تساعدهم وتتزلف إليهم، كي تحظى بعطفهم عليها، حتى كان يوم أفاقت فيه، وإذا هي في المخاض، فساعدتها الخادمات، حتى وضعت ولداً ذكراً، ما إن رأته الخادمات حتى دهشن دهشة عظيمة، فقد كان على سرته قفل ومفتاح، وهيأت الخادمات للولد ولأمه كل ما يحتاجانه من ثياب وفراش وطعام، وأصبح حديث الولد الذي على سرته قفل ومفتاح حديث الجميع، حتى بلغ سيدة القصر، فأمرت بإحضاره على الفور، هو وأمه.
ولما رأت السيدة الولد، نظرت إلى أمه نظرة احتقار، وسألتها من تكون، فروت لها ما كان من أمرها كله، وهي ترتجي العطف عليها، ولكن الغيظ ملأ صدر سيدة القصر، فالشاب والد الطفل هو ابنها، وهو وريث عرش ملك الجان، وكانت تريد تزويجه من ابنة أختها، وموعد حفل الزفاف بعد يوم أو يومين، وكتمت سيدة القصر غيظها ثم التفتت إلى أم الولد، تشترط عليها كي تسمح لها بالبقاء في القصر أن تأخذ ستائر القصر كلها إلى ضفة النهر، وتغسلها وترجع بها في اليوم نفسه، ثم قدمت لها قطعة صابون صغيرة، أوصتها أن ترجع بها، من غير أن يذوب منها شيء.
وحملت الأم الستائر، ومضت إلى ضفة النهر، وأخذت تتأمل قطعة الصابون الصغيرة، وتبكي، وإذا علاء الدين يمر بها، فيسألها عن سبب بكائها، فتروي له حكايتها كلها، فيأمر الستائر، فإذا بها قد غسلت ونظفت وجفت، وطويت في لمح البصر، ثم قدم للأم ثلاث شعرات، نصح لها أن تحرق إحداها حين تشعر بالخطر.
وحملت الأم الستائر، ورجعت بها إلى القصر، وقدمت قطعة الصابون إلى سيدة القصر، من غير أن يذوب منها شيء، فضاقت بها ذرعاً، ثم ألقت إليها بولدها، وأمرتها أن تلزم المطبخ، وألا تخرج منه، فالليلة عرس ابنها، وطلبت منها أن تفرم أكواماً كبيرة من البصل.
ولما كان المساء، أقيمت الأفراح في فناء القصر، وأنشدت المغنيات، ورقصت الراقصات، والعروس قاعدة على منصة عالية، تنتظر مجيء ابن الملك، وأشفقت الخادمات على الأم وطفلها، فأخذن يساعدنها في فرم البصل، حتى فرغن منه كله، ولما جاء ابن الملك، كن ارتدين أفضل ما لديهن من ثياب، وخرجن يحملن الشموع، وكانت الأم وطفلها معهن، تشاركهن، فكانت تحمل شمعة بيد، وطفلها بيد، وكان عليهن أن يمررن جميعاً أمام ابن الملك وعروسه.
ولما صارت الأم وطفلها أمام العروس، أفلتت الشمعة من يدها، فسقطت على ثوب العروس، فاحترق، واشتعلت فيه النار، فأسرعت الخادمات والمدعوات وأم العروس إلى إطفاء النار، وفي تلك الأثناء كانت الأم قد ألقت بطفلها بين يدي ابن الملك وقالت له: "خذ ابنك، وانظر القفل والمفتاح على سرته"، وكان ابن الملك قد عرفها، فنهض إليها وعانقها.
وعلى الفور حضر الكلب الأسود، فامتطى ابن الملك ظهره، وأردف وراءه زوجته، وكان الطفل بين يديه، وانطلق الكلب بهم، وتنبه القوم إلى هرب ابن الملك، فركضوا وراءه، وأحست زوجته بالخطر، فأشعلت شعرة من الشعرات الثلاث التي كان علاء الدين قد أعطاها إياها، وألقتها، فاشتعلت وراءها النيران.
ولكن القوم داسوا النيران وأطفؤوها، ولحقوا بهم، فأشعلت شعرة ثانية وألقتها، فامتلأت البقاع وراءها بالبحار، ولكن القوم خاضوا البحار، ولحقوا بهم، فأشعلت الشعرة الثالثة وألقتها، فإذا جبال شاهقة تنتصب وراءها، وتفصلها عن القوم.
وعند ئذ حلق الكلب الأسود في السماء وطار، وظل يعلو ويعلو، حتى بدت لهم الأرض مثل صحن صغير، وعند ئذ حط على الأرض، وإذا البنت وزوجها وطفلهما أمام دار أبويها، فأخذت تقرع عليهما الباب.
وكان أبواها في غيابها قد أرهقهما الأسى والحزن، حتى قعد بهما طريحي الفراش، وأتعبهما البكاء والعويل، حتى فقدا البصر، فهما مقعدان لا يبصران، وما من أحد يطرق عليهما الباب، سوى الأولاد يقرعون الباب ساخرين بهما، حتى إنهما ما عادا يجيبان أحداً، ولا يفتحان الباب.
وكانت البنت ماتزال واقفة بالباب تقرع وتنادي، وهما لا يجيبان، وإذا الكلب ينبح، ولما سمعت الأم نباح الكلب، أدركت أن ابنتها بالباب، فأخذت تزحف حتى وصلت إلى الباب، ففتحته، وما إن رأت أمامها ابنتها، حتى عاد إليها بصرها، كما عادت إليها قوتها، فنهضت إلى ابنتها، وعانقتها، وطال العناق والبكاء، ثم مضت البنت إلى أبيها، وما إن دخلت عليه حتى رد إليه بصره، ونهض معافى، ليعانق ابنته.
ثم رحب الأبوان بزوج ابنتهما، وفرحا بالطفل، وقرر الزوج الإقامة مع زوجته عند أبويها، قانعاً بالفقر، متخلياً عن الغنى، وعيش القصور، مفضلاً بني الإنسان، على بني الجان.
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
الفعل يدل على الأصل
يحكى أنه كان لرجل بائس فقير عشرة أولاد، لا يستطيع إطعامهم، لشدة فقره وبؤس حاله، وذات يوم ضاق ضيقاً شديداً، فقرر أن يقدم أحد أولاده هدية للملك، وكان ملك البلاد عقيماً، لم يرزق بولد، فاختار الرجل من أولاده أشدهم ذكاء، وأكثرهم وسامة، وكان عمره لا يزيد على العاشرة، فسار به إلى الملك، فقدمه إليه، فرحب به، وضمه إلى حاشيته، وعين له المعلمين والمربين، ثم أمر لوالده بطعام كثير، يكفيه هو وعياله أياماً.
أخذ الفتى يحضر مجلس الملك، ويقعد إلى يمينه، ويرى مناقشات الوزراء، ويشهد شكاوى الناس، ويسمع حكم الملك في ذلك كله، حتى مرت عليه شهور وأعوام.
وذات يوم أراد الملك الخروج إلى الصيد بالصقر، فطلب من وزيره أن يحضر له صقراً مدرّباً، وبعد عدة أيام أحضر له الوزير صقراً، ما إن رآه الفتى وهو يتناول بمنقاره اللحم من يد الوزير، حتى طلب من الملك ألا يخرج إلى الصيد به، فسأله عن السبب،فأخبره أن أم هذا الصقر أمه دجاجة، فأنكر ذلك الملك، ومضى إلى الصيد به مع الوزراء،ولكنه رجع خائباً،إذ لم يظفر صقره بشيء.
وفي اليوم التالي طلب الملك من الفتى أن يحدثه عن الصقر، ويوضح له كيف عرف أن أمه دجاجة؟! فأجاب الفتى بأنه رأى الصقر يلتقط قطع اللحم من كف الوزير بعد أن ينقرها كما تنقر الدجاجة الحب في الأرض، ولا يختطفها اختطافاً حاداً، كما يفعل الصقر، فاقتنع الملك بجوابه، والتفت إلى الوزير يطلب منه توضيح الأمر، فأرسل الوزير وراء الرجل الذي اشترى منه الصقر، فاعترف الرجل بأنه كان يربي صقراً، وقد وضعت أنثاه بيضة وماتت، فحار في الأمر، ثم حمل البيضة، وكانت لدى زوجته دجاجات تعنى بها، وكانت إحدى الدجاجات راقدة على البيض، فوضع بيضة الصقر تحتها، مع سائر البيض، ولما فقست، نشأ فرخ الصقر مع فراخ الدجاجة، وتعلم منها نقر قطع اللحم، ولما سمع الملك ذلك، ازداد إعجابه بالفتى.
وفي يوم آخر أراد الملك أن يتفرج على سباق الخيل، فخرج مع وزرائه إلى ميدان السباق، ويصحبه الفتى، واختار فرساً، أراد الرهان عليها، ولكن الفتى نصح له أن يختار غيرها، وأكد أن أم تلك الفرس أتان، ولكن الملك أبى إلا أن يراهن عليها، وجرى السباق، وتخلفت الفرس، وخسر الملك الرهان، فالتفت إلى الفتى يسأله كيف عرف أن أم الفرس التي خسرت أتان، فأجابه: “عرفت ذلك من رأسها، تطأطئه دائماً إلى الأرض، شأنها في ذلك شأن الأتان”.
وأمر الملك بسائس الخيل، فحضر بين يديه، فسأله عن الفرس التي راهن عليها، وعن سبب خسارتها، فاعترف السائس بأن أم تلك الفرس أتان، اضطر إلى أن يسمح لها بالإنجاب من جواد لديه، في إحدى السنوات، لقلة الأفراس.
وازداد إعجاب الملك، وعزم على تبني الولد، ولكنه أجّل ذلك، وقرر أن يختبره في أمر، لا يعرفه هو نفسه، فدعاه إليه، وخلا به، ثم أخبره أن لديه ثلاث زوجات، قدمهن إليه ملوك البلاد الأخرى، وهو يريد منه أن يعرف مهنة آبائهن، فطلب منه الفتى أن يسمح له برؤيتهن وهن يدخلن عليه، ويخرجن، واحدة، بعد الأخرى.
ودعا الملك أولى زوجاته، فدخلت عليه، فطلب منها أن تستعد الليلة لاستقباله، ثم صرفها، ولما خرجت التفت إلى الفتى يسأله عن مهنة أبيها، فأجابه بأن والدها حلاق، ثم دعا الملك زوجته الثانية، فدخلت عليه، فطلب منها أن تستعد لاستقباله في ليلة غد، ثم صرفها، ولما خرجت التفت إلى الفتى يسأله عن مهنة أبيها، فأجابه بأن والدها حدّاد، ثم دعا الملك الثالثة، فدخلت عليه، فطلب منها أن تستعد لاستقباله في الليلة التالية لليلة غد، ثم صرفها، ولما خرجت التفت إلى الفتى يسأله عن مهنة أبيها، فأجاب بأنه فلاح، ثم سأله الملك كيف عرف ذلك، فأجابه الفتى: “أما الأولى فقد كانت ناعمة اليدين، وقد دخلت زكية الرائحة، تفوح منها رائحة العطور، فعرفت أن والدها حلاق، وأما الثانية فقد كانت عريضة الكتفين، ثابتة الخطو، فيها ملامح القوة، فعرفت أن والدها حدّاد، وأما الثالثة فقد كانت خشنة اليدين، سريعة الخطو، لوّحتها الشمس، فعرفت أن والدها فلاح”.
وخلا الملك بعد ذلك بزوجاته واحدة واحدة، وسأل كل واحدة منهن عن مهنة أبيها، فكان جوابهن جميعاً مثل جواب الفتى، فكان والد الأولى حلاقاً، ووالد الثانية حداداً، ووالد الثالثة فلاحاً.
ودهش الملك لذلك، وثار الفضول في نفسه، فدفعه إلى سؤال الفتى عن مهنة أبيه هو نفسه، أي الملك، فطلب منه الفتى أن يمنحه الأمان، فمنحه الأمان، فأجاب على الفور بأن والده كان طباخاً، فلم يجب الملك بشيء، وأسرع على الفور إلى أمه، يسألها عن أبيه، فقالت له: “أبوك هو الملك”، فأنكر، وألح عليها أن تعترف، فاعترفت بأن زوجها الملك كان عقيماً، ولكي يحتفظ بالمُلك لنفسه، طلب منها أن تمكّن الطباخ في القصر من نفسها، ففعلت، فحملت منه، وهو والده.
ورجع الملك إلى الفتى يسأله كيف عرف أن والده طباخ، فأجاب الفتى: “عرفت ذلك من عطائك، فقد أعطيت أبي الذي أهداني إليك طعاماً له ولعياله”، وعندئذ نزل الملك عن كرسي الملك، ورفع التاج عن رأسه، ووضعه على رأس الفتى، وقال له: “أنت أولى بالعرش مني”.
_Oni_
24-10-2005, 04:36 PM
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
البغي الطهور
كانت تعيش في قصر كبير عجوز، أمضت عمرها في الصوم والصلاة والعبادة وكانت تسهر على رعايتها خادماتها اللواتي لازمنها وأخلصن لها، واطمأنت نفوسهن إلى تقواها وورعها.
وذات ليلة ماطرة شديدة البرد، من ليالي الشتاء القارس، قرع باب القصر، فنزلت إحدى الخادمات لتنتظر من في الباب، فإذا عجوز فقيرة بائسة، يظهر عليها الإرهاق والمرض الشديد، تستجدي وتتوسل طالبة من الخادمة أن تستأذن سيدتها في إيوائها، معترفة لها، كي ترق لحالها وتشفق عليها، بأنها كانت مومساً، فقدت زهرة شبابها في المبغى، ثم تشردت في الشوارع، لاتجد من يؤويها.
وأسرعت الخادمة إلى السيدة تخبرها بالأمر، فأمرتها بطردها، فرجعت الخادمة خائبة لتخبرها بقرار سيدتها، فلم تجب العجوز بشيء، ومضت يائسة تحت المطر، والمرض يشل خطاها، فأشفقت عليها الخادمة، ودعتها إلى الدخول، ثم قادتها إلى حجرة صغيرة، تلقى فيها الحاجات المهملة، وطلبت منها أن تبقى فيها وتلزم الهدوء، ثم أحضرت لها بعض الطعام، ووعدتها أن ترجع إليها.
وأسرعت الخادمة إلى سيدتها، وظلت إلى جانبها، تساهرها وتؤانسها حتى حان موعد نومها، فرافقتها إلى فراشها، وقدمت لها دواءها، ولما اطمأنت إلى نومها، تركتها وخرجت مسرعة إلى العجوز، ولما دخلت عليها، وجدتها في النزع الأخير، فوقفت إلى جانبها تواسيها وتعطف عليها، حتى لفظت الروح.
وتنبهت الخادمة إلى المأزق الذي وقعت فيه، وبينما هي في حيرة من أمرها، إذا نسوة صبايا جميلات كالأقمار، يدخلن عليها، يحملن أباريق من فضة، وثياباً من سندس، ثم بادرن فغسلن العجوز ثم كفّنّها وحملنها وخرجن بها.
ودهشت الخادمة لِمَا رأت وكأنها في حلم، ثم تنبهت إلى أرض الغرفة، فوجدت فيها بعض الماء، فأسرعت إلى مسحه وتنشيفه، قبل أن يشعر أحد بالأمر، ولكنها ذهلت أمام رائحة الماء العطرة، فقررت أن تجمع قليلاً منه في زجاجة صغيرة وأن تحتفظ به، فقد أدركت أن تلك العجوز ذات مكانة رفيعة عند ربها.
ومرت الأيام، تلتها الشهور والأعوام، وذات يوم أفاقت الخادمات، فوجدن السيدة ميتة في سريرها، فقد باتت في الليل، وحيدة في غرفتها، من غير أن يكون ثمة أحد إلى جانبها، وبدأت الخادمات الاستعداد لتجهيز السيدة ودفنها، فاستدعين غاسلة خاصة، لتعمل في غسلها وتكفينها، وقد حضر بعض أقارب السيدة وقريباتها.
ودخلت الغاسلة على السيدة لتباشر عملها في غسلها وتكفينها، ولكنها لم تلبث أن خرجت إلى الخادمات والقريبات وهي تشتم وتلعن للمقلب الذي أوقعنها فيه، فدهشت النسوة وسألنها عن الأمر، فاستنكرت عليهن أن يدخلنها على رجل ميت لكي تغسله، فأنكرن ذلك وأكدن أن الميت امرأة، ولكن الغاسلة أكدت أنها رجل، ثم طلبت إحضار رجل غاسل.
وتم إحضار رجل غاسل ليغسلها، ولما دخل عليها، خرج مستنكراً دعوته، وأكد لهن أن الميت امرأة، وتكرر دخول الغاسلة والغاسل، عدة مرات، وفي كل مرة يؤكد الغاسل أن الميت امرأة، وتؤكد الغاسلة أن الميت رجل، إلى أن حار الناس في الأمر.
وتذكرت الخادمة المرأة البغي، فأسرعت إلى الزجاجة الصغيرة، التي احتفظت فيها ببعض الماء الذي غُسِلَت به، وطلبت من الغاسلة أن تصبه على الميتة.
وبعد أن صبت الغاسلة ماء الزجاجة على الميتة، تم غسلها وتكفينها وتجهيزها ثم دفنت بسلام.
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
الشقي والتقي
يحكى أنه كان لأحد الرجال الأتقياء، جار شقي، لا يتورع عن ارتكاب الفواحش، ما ظهر منها وما استتر، وكان مايزال شاباً عزباً، وأمه تهديه، وتنصح له بالزواج، وهو يرفض، ويستمر سادراً في شقائه.
وذات يوم قرر الجار التقي أداء فريضة الحج، فهيأ نفسه للسفر، وأعد للحج عدته، وجهز نفسه، وودع أهله وأصحابه، ثم ودّع جاره، وانطلق مع القافلة.
وكان السفر إلى الحج يستغرق أشهراً طويلة، إذ كانوا يسافرون على الجمال، فيمضون شهراً في الذهاب، وشهراً في الحج، وشهراً في الإياب، فكان الحاج يغيب عن أهله ثلاثة أشهراً أو أربعة.
وفي غياب الجار التقي، قرر الجار الشقي الزواج، فطلب من أمه أن تخطب له، ففرحت الأم بقرار ابنها، وسعت تطوف باحثة عن فتاة تليق به، ثم استقر بها المطاف على فتاة، وتم الزواج، وتاب الشقي، واستقر، وترك ماكان فيه من قبل.
وفي تلك الأثناء كان الجار التقي في الحجاز، يؤدي مناسك الحج، وبينما هو في الحرم الشريف، يطوف حول بيت الله الحرام، ويدعو الله، ذكر جاره، فدعا له بالهداية والصلاح، وإذا هاتف من السماء يقول له: “جارك الشقي سيدخل الجنة قبلك، وسيجد بابها مفتوحاً”، فذهل لما سمع، وفاضت عيناه بالدموع، وتمنى أن يعرف سر مغفرة الله تعالى له، وبات ينتظر العودة إلى بلده، ليلتقي جاره، ويسأله عما فعل، حتى عفا الله عنه.
وانتهت أيام الحج، ورجع التقي إلى بلده، وأمضى بضعة أيام يستقبل الناس القادمين للقياه، ولما انتهت تلك الأيام، أسرع إلى جاره يسأل عنه، فلقيه، فسلم عليه، ودعاه إلى ضيافته، وقعد يحدثه عما جرى معه في الحرم الشريف، وسأله بالله أن يقص عليه ما كان من أمره، ومن سر مغفرة الله له، وفي البدء تردد الشقي، ولكنه لم يلبث أن حدثه، فقال:
“طلبت من أمي أن تخطب لي، فقد قررت في غيابك الزواج، وما هي إلى بضعة أيام حتى اهتدت إلى فتاة، ثم كان حفل الزفاف، ودخلت على عروسي، ولم أمض معها بعض الوقت، حتى ظهرت عليها آثار ألم شديد، وسألتها، وإذا هي في المخاض، ودهشت، لِمَا رأيت، فتوسلت إلي أن أكتم أمرها، وقد آلمني كثيراً ما بدا عليها من وجع شديد، وهي تكتم ألمها، وتحبس صراخها، وترهق نفسها، حتى كان الفجر، فوضعت ولداً، فحملته تحت عباءتي، وخرجت، وأنا أدعي أمام أهلي أني ذاهب إلى صلاة الفجر، ولم ألبث أن عدت إلى البيت، لأدعي أمام أمي أني عثرت بهذا الطفل الوليد، ملقى على باب المسجد، فأخذته أمي وفرحت فرحاً شديداً، وقررت أن تعنى به، وتربيه، ثم علمت من عروسي أن ابن عمها كان قد غرر بها، ثم سلمت أمرها إلي، لأقرر مصيرها بما أشاء، فرقّ قلبي لها، وقررت أن أعيش معها، أخاً، من غير أن أمسها، وهي إلى اليوم معي، هانئة صابرة مطيعة، وأنا لا أقربها، وقد مضى على زواجنا ثلاثة أشهر، ولا أحد يعلم بما بيننا، غير الله وأنت”.
وكان التقي يستمع إلى الشقي، والدموع تطفر من عينيه، ولما أنهى حديثه، قال له: “بارك الله فيك يا أخي، فقد غفر الله لك، ولكن لي عندك رجاء، آمل منك ألا يخيب”، فوعده الشقي ألا يخيبه، فتمنى عليه أن يباشر زوجته، وأن تصبح حلاًّ له، فبفضلها قد غفر الله له، وهداه إلى الحق والرشاد، فوعده الشقي بذلك.
وعاش الشقي مع زوجته، في أهنأ حال، وأسعد بال، وأصبح تقياً ورعاً، يخاف الله ويخشاه، ورزق البنين والبنات، وأما الولد، فقد نشأ مع إخوته لأمه، يحظى بما يحظون به من عطف واهتمام.
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
عقدة الإصبع
كان في إحدى القرى زوجان يعيشان هانئين، أمضيا ردحاً من عمرهما لا يكدر صفو عيشهما شيء، فللزوج قطعة أرض يعمل في زرعها، وتدر عليهما من الغلال ما يكفيهما، والزوجة تمضي يومها في البيت، تطهو الطعام، وتربي الدواجن، ولكن كان ينقصهما شيء واحد هو الولد، فقد كانت المرأة عاقراً.
وذات يوم تمنت المرأة أن تحمل بولد، ولو كان بطول عقدة الإصبع، ويبدو أن أمنيتهما قد تحققت، فحملت، ووضعت ولداً بطول عقدة الإصبع، وفرح الأبوان بالولد، وعنيا به، وأحاطاه باهتمامهما، حتى كبر وشب، ولكن طوله لم يتجاوز طول الإصبع الواحد.
وذات يوم كانت الأم تعد فيه الطعام، زفرت، ثم قالت: “لو أني رزقت بولد ليس كعقدة الإصبع لكان حمل الطعام إلى أبيه في الحقل!!”، وعلى الفور رد عليها عقدة الإصبع، قائلاً: “ أنا سأحمل الطعام إلى أبي، وسأساعده في العمل”. ونظرت الأم مدهوشة، ثم قالت: “وكيف؟” فأجابها: “ضعي الطعام على ظهر الحمار، وأنا سأقعد في أذنه، وأقوده إلى الحقل”.
ولم تصدق الأم ما قاله ابنها، ولكنها استجابت إليه، فوضعت الطعام على ظهر الحمار، ونطّ عقدة الإصبع إلى أذنه، فقعد فيها، ثم أخذ يصيح، وانطلق الحمار، وفي الطريق، كان عقدة الإصبع يوجهه، فيصيح به لينعطف إلى يمين أو شمال، أو ينبّه الناس كي يبتعدوا عن طريقه، وكان هؤلاء يدهشون لسماع الصوت وعدم رؤيتهم أحداً.
ولما بلغ عقدة الإصبع الحقل، نادى والده، ولما سمع الأب النداء، دهش وأقبل على الحمار، يبحث عن ولده، ويطلب منه أن يظهر، ونط عقدة الإصبع من أذن الحمار إلى الأرض، فتلقاه والده، وحمله على يده، ثم قعد يتناول غذاءه معه.
ومرت الأيام، سعد فيها الأبوان بابنهما وبما يمتاز به من حركة ونشاط، وبما يبد عليه من ذكاء، على الرغم من صغره، وضآلة حجمه، وذات يوم كان الأب يقود فيه ثوره، وقد ربطه إلى المحراث، ليحرث به الأرض، استعداداً لموسم الزرع، وكان عقدة الإصبع يسير إلى جانبه، وينط فوق أكوام التراب، وإذا كومة من التراب يقلبها سن المحراث فتنهال عليه وتردمه، وقبل أن تمتد إليه أصابع والده لتبحث عنه وتنقذه، كان قد أسلم الروح.
_Oni_
24-10-2005, 04:37 PM
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
الزوجة الوفية
كان لأحد الأغنياء ولد وحيد، رباه خير تربية، ولما شب، وحان أوان زواجه، نصح له أن يختار لنفسه زوجة وفيّة، وأوصاه أن يسألها ليلة الزفاف: “أنا وأنت على الدهر، أم أنت والدهر عليَّ؟”، فإذا أجابته: “أنا والدهر عليك”، فما له سوى طلاقها، قبل أن يخلو بها.
وخطب الفتى لنفسه فتاة، وفي ليلة الزفاف سألها ما أوصاه به أبوه، فأجابته: “أنا والدهر عليك”، فأصبح وقد طلقها، ثم خطب لنفسه فتاة أخرى، وكان من أمره معها ما كان مع الأولى، ثم خطب فتاة ثالثة، وقد عزم على العيش معها، ولو أجابته بمثل ما أجابته الأولى والثانية.
وتحقق ما توقعه الفتى، فقد أجابته زوجته: “أنا والدهر عليك”، فكتم ذلك، ولما سأله أبوه عن جوابها على السؤال الذي أوصاه به، أجاب أباه بما يرضيه، ففرح الأب بذلك، واطمأن.
وذات يوم نادى الأب زوجة ابنه، بعد خروج ولده، فأسرعت إليه تسأله ماذا يريد، فقادها إلى بركة في فناء الدار، وطلب منها أن ترفع سدادتها، ففعلت، وتسرب الماء كله، وإذا في قاع البركة باب، فتحه الأب، ودعا زوجة ابنه إلى النزول فيه، فنزلت، وإذا هي في سرداب تحت البركة، فيه أموال وذهب كثير، فالتفت إلى والد زوجها مدهوشة، فقال لها: “هذه الأموال كلّها لابني، وأنا أخشى ألاّ يحسن التصرف بها بعد موتي، ولذلك سأبقي أمرها سراً، لتعطيه منها شيئاً فشيئاً، عند الحاجة الشديدة”، ففرحت بذلك، ووعدته أن تكون وفيّة لوصيته، مخلصة لزوجها.
ومرّت الأيام والزوجة تعنى بوالد زوجها، وتهتم به، إلى أن وافته المنية، فأخذت تطلب من زوجها كل يوم أمراً جديداً، ففي يوم تطلب منه شراء حلية لها، وفي يوم آخر تسأله شراء أثاث جديد للمنزل، وهكذا حتى نفد ماورثه من أبيه، وهي ما تزال تحتفظ بسر الأموال المدفونة تحت البركة، ولا تعطيه منها شيئاً، حتى جاء يوم أصبح فيه غير قادر على تلبية حاجاتها، وهي ما تزال تلح عليه بالطلب، وتسأله شراء الحاجات، فنزل إلى السوق، ووقف مع جماعة من البنائين، ينتظر أحداً يدعوه إلى العمل عنده، وكان من حسن حظه أن قدم رجل دعا البنائين جميعاً للعمل، وكان هو في جملتهم، وبعد فراغهم من العمل، بدأ كل واحد منهم يأخذ أجرته ويمضي، ولما جاء دور الفتى، استبقاه الرجل، إلى أن انصرف البناؤون جميعاً، فأعطاه أجرته مضاعفة، ثم دعاه إلى تناول طعام العشاء، ثم فاجأه الرجل بمعرفته لأبيه، وأنكر عليه حاجته إلى العمل في مهنة لا يتقنها، وأكد له أن لدى أبيه أموالاً لا نفاد لها، وأنه لا يشك في أن زوجته هي التي تخفي عليه موضع أمواله.
ودهش الفتى لذكاء الرجل ونفاذ بصيرته، ثم سأله النصيحة، فدلّه الرجل على أمر طلب منه أن ينفّذه فور وصوله إلى البيت.
وأسرع الفتى إلى زوجته وأخبرها -كما أوصاه الرجل- أنه أصبح لا يملك شيئاً من المال، ولا يقدر على الإنفاق عليها، وأنه مضطر إلى الرحيل إلى بلاد أخرى، ثم طلب منها مفتاح الدار، ووعدها أن يبيعها في صباح الغد، ليدفع لها صداقها كاملاً، وتصبح طالقة، فما كان من الزوجة إلا أن ناولته مفتاح الدار، وحملت صرّة ثيابها، ومضت إلى بيت أهلها.
وعلى الفور رجع الفتى إلى الرجل، وكان قد أوصاه بذلك، فأخبره بالأمر كلّه، فطلب منه الرجل أن يمضي به إلى داره، ولما دخلها أسرع إلى البركة في الفناء، وفتح سدّادتها، ولما فرغ ماؤها، انكشف لهما الباب، ففتحه الرجل ودعا الفتى إلى الدخول، فذهل لما رأى من أموال وذهب، وبادر على الفور إلى نقلها إلى دار الرجل.
وفي الصباح طلب الفتى من الدلاّل أن يعلن عن بيع داره بالمزاد، وتقاطر الناس إلى المشاركة، وكان أول المبادرين جاره القصاب، وقد أخذ يعلي في ثمنها ويغالي، حتى استقر البيع عليه، فقبض منه ثمن الدار، وسلمه المفتاح، وكان الرجل الذي نصح له بذلك واقفاً بجواره، فهمس له: “هذا هو عشيق زوجتك”، ثم دعاه إلى منزله، وطلب منه أن يتريث حتى المساء، ليريه أمراً عجباً.
وفي الليل.. مضى الفتى إلى داره، يصحبه الرجل، وقد نصحه من قبل أن يحتفظ لنفسه بمفتاح آخر للدار، ففتح الباب ودخل، والرجل يتبعه، وأسرعا إلى السرداب تحت البركة، فوجد الفتى زوجته مذبوحة وملقاة في السرداب، فصعق وخاف، ولكن الرجل طمأنه، وقال: “لاشك في أن عشيقها القصاب قد ذبحها بعدما رأى السرداب فارغاً لا مال فيه، وما عليك إلا التريث حتى الصباح”.
وفي الصباح كان القصاب يدق الباب على الفتى، وهو مقيم عند الرجل، يطلب منه أن يعيد إليه ثمن الدار، لأنه عدل عن شرائها، ونصح له الرجل أن يفعل، ففعل واسترد المفتاح.
وعند ئذ تبين للفتى صدق الرجل، وصواب مايراه، فسأله النصيحة ثانية، فنصح له أن ينتظر إلى الليل، كي يحمل جثة زوجته المذبوحة ويرمي بها في البحر، أو أن يرفع الأمر إلى القاضي، فاختار الأمر الثاني.
واعترف القصاب أمام القاضي بفعلته، وتم إعدامه، وتسلم أهل الزوجة جثة ابنتهم، وواروها التراب.
وكان الفتى ما يزال مقيماً عند الرجل وقد اطمأن إليه، واستراح إلى ضيافته، فسأله النصيحة مرة ثالثة، فنصح له أن يبادر إلى الزواج، وكان الفتى قد رأى إحدى بنات الرجل، فطلب منه أن يزوجه ابنته، فوافق وشاور ابنته في الأمر، فوافقت، ولكن الرجل قال للفتى: “إنّ مهر ابنتي غال جداً”، فسأله عن مقداره، فأجاب الرجل: “قطع رطل من لحم فخذك”، وأعلن الفتى عن استعداده لذلك، ونادى ابنته أن أحضري السكين، فأحضرتها وهي لا تعرف الغاية منها، فطلب منها أبوها أن تساعده على قطع رطل من لحم فخذ الفتى، ليكون مهراً لها، فرفضت البنت ذلك، وأعلنت عن استعدادها لتقدم الرطل من لحم فخذها هي بدلاً من لحم فخذ الفتى، وعند ئذ أعلن الرجل أنه لم يفعل ذلك إلا ليعرف صدق الفتى في رغبته في الزواج من ابنته، وصدق ابنته أيضاً في رغبتها في الزواج من الفتى.
ثم أخبر الفتى أنه شقيق أبيه، وأنه كان فقيراً، وأن أباه كان قد تنكر له، وأمضى حياته كلها من غير أن يتصل به.
ثم تمّ زفاف الفتى إلى الفتاة، ابنة عمه، وعاشا في هناءة وسرورة، وقد فكر ذات يوم في سؤالها الذي كان أبوه قد أوصاه به، ولكنه لم يجد ضرورة للسؤال، فقد وجد في أفعالها ومواقفها خير جواب.
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
كل إنسان يعمل بأصله
في إحدى البوادي كان يعيش محمد مع أمه وزوجته، وكان عنده بعض الإبل يرعاها، وذات يوم، بينما يرعى إبله، سمع أنيناً وراء صخرة، وأسرع نحو الصوت، فرأى رجلاً ملقى، وليس في جسمه موضع إلا قد طعن، والدماء تنزف منه، فحمله، وأسرع إلى أمه، فطلبت منه أن يذبح على الفور إحدى النوق، وأن يجوّفها، ثم حملت الأم الرجل الجريح وأدخلته في جوف الناقة، وتركته ثلاثة أيام، ثم أخرجته، وإذا جروحه كلها قد التهبت، فأمرت ولدها أن يذبح على الفور ناقة ثانية، وأن يجوّفها، ثم وضعت الرجل الجريح داخلها، وتركته ثلاثة أيام أخرى، ولمّا أخرجته منها، كانت جروحه قد شفيت تماماً.
وأراد الرجل مغادرة الأسرة، ولكن العجوز أصرت على بقائه في ضيافتهم أياماً أخرى، حتى تطمئن إلى شفائه تماماً، وحتى يسترد عافيته وأكدت له أنها بمنزلة أمه، وأن ولدها محمد كالأخ، وأن زوجة ولدها هي كالأخت، وكان تعدّ له الطعام بنفسها، وترعاه وتعنى به.
وقد سرّ ولدها محمد به، وكان لا يكلّفه شيئاً، فيخرج هو مع الفجر لرعاية الإبل، ويرجع مع الغروب، ليشاركه السهر، ويتركه طوال النهار في البيت مع أمه وزوجته، يعدّ القهوة، ويستقبل من قد يمرّ بهم من ضيوف.
وذات يوم أخبرت زوجة محمد حماتها بان الرجل، واسمه حسين، وقد تودّد إليها، وعبّر عن رغبة في نولها، فلامتها العجوز على ذلك، واتهمتها بسوء الظن، وأكدت لها أن الرجل ضيف، وأنه كالأخ بالنسبة إليها.
ومرة أخرى، بعد يوم أو يومين، شكت زوجة محمد إلى حماتها أمر الضيف، وأكدت تعرضه لها، ومحاولته النيل منها، فبادرت العجوز إلى عتاب حسين، وأكدت له أنها ستخبر ولدها محمداً بذلك، إن هو عاد فتعرض لزوجة ولدها.
ورجع محمد مع الغروب مع الإبل، فرأى الضيف حسين قاعداً وحده، والحزن ظاهر عليه، فسأله عن حاله، فعبّر عن رغبته في الرحيل، فقد برّح به الشوق إلى أهله، فما كان من محمد إلا أن قدّم ناقة ليمتطيها، وناقة أخرى تحمل زوادة الطريق وبعض الهدايا، ثم سار برفقته مسافة، وقبل أن يودّعه، قال له: “يا أخي يا حسين، أرجو أن تعمل دائماً بأصلك”.
ورجع محمد إلى أمه وزوجته، وهو يحسّ بشيء من الاكتئاب لأنه فقد صديقاً له.
ووصل حسين إلى ديار أهله، فاستقبلوه بفرح كبير، وسألوه عن سرّ هذا الغياب، فأخبرهم عن رجل غني جداً، يملك إبلاً كثيرة، ويعيش وحده، كان قد اختطفه، وأجبره على الإقامة عنده، ليتخذ منه خادماً، ولكنه استطاع أن يفرّ تحت جنح الظلام، وحسبه دليلاً على ذلك ما يسوق معه من ناقتين، وأخذ يشجع قومه على غزو ذلك الرجل، والإغارة عليه، ثأراً لنفسه، وطمعاً فيما يملك من إبل، وظلّ يزين لهم الإغارة عليه، حتى أقنعهم.
ومع الفجر، شنّت قبيلة حسين غارة شعواء على خيمة محمد، فقتلوه، واسروا العجوز، وساقوا الإبل كلها غنائم لهم، وأقامت العجوز أم محمد في ديار حسين، أسيرة، ترعى إبلهم، وتطهو طعامهم، وتعنى بأطفالهم.
أما زوجة محمد، فقد بحث عنها حسين في أثناء الغارة، فلم يجدها، وهو الذي شجع قومه على الغزو طمعاً بها، فرجع إلى دياره خائباً.
وكانت زوجة محمد قد هربت أول ما رأت الغارة، ولجأت إلى ديار أهلها، وأقامت بينهم، وكانت حاملاً، في شهرها الأخير، ولم تلبث أن وضعت ولداً، أسمته محمداً باسم زوجها.
ونشأ محمد في ديار أخواله، وتعلم الفروسية وركوب الخيل والمبارزة، وأصبح شاباً، وذات يوم سمع شيئاً ما عن مقتل أبيه، فأسرع إلى أمه يطلب أن تخبره بالحقيقة، وألحّ عليها، فأخبرته بكل ما كان، فحمل سيفه، وامتطى جواده، وودّع أمه، ثم مضى، مقسماً أن يثأر لأبيه، وظل يطوي البوادي والقفار، حتى وصل إلى ديار حسين، فشاهد عجوزاً ترعى الإبل، فسألها من تكون؟ ولمن الإبل؟ ونظرت العجوز فيه، فرأت فيه ملامح من ولدها، فروت له الحكاية كلّها، فعرفها على الفور، وعرّفها إلى نفسه، فضمّته إلى صدرها، وأخذت تقبله وهي تبكي.
ثم أخبرته أن حسين قد تزوج وأنجب ولداً هو في مثل عمره، وأن الليلة هي ليلة زفافه، ثم دلته على خيمة العروس، ولما صار الليل، ودخل ابن حسين على عروسه، هجم عليه محمد، فقلته، ثم أردف العروس وراءه على الحصان، وانطلق بها إلى قبيلة كبيرة، لجأ إليها، طالباً الحماية له وللعروس، فأضافه شيخ القبيلة، وحماه، وأمر أن تفرد له خيمة تليق به وبعروسه، ولكن الفتى محمد طلب أن تنام العروس في ضيافة شيخ القبيلة مع أسرته وأولاده، وأن ينام هو وحده في الخيمة.
ومع الصباح اقترب حسين من خيمة ابنه، وناداه، فلم يسمع جواباً، وناداه ثانية، وثالثة، وما من جواب، ودخل الخيمة، فوجد ابنه مقتولاً، ولم يجد أثراً للعروس، واقتفى آثار الحصان، حتى بلغ القبيلة الكبيرة، التي كان الفتى محمد قد لجأ إليها، ودخل على شيخ القبيلة، وطلب منه أن يسلمه العروس.
واستدعى شيخ القبيلة الفتى والعروس، وسأله من يكون؟ وماقصة تلك العروس، فأخبره بقصته وقصة أبيه، فأدرك عند ئذ حسين أن هذا الفتى قد ثأر منه لأبيه، فسكت، وقد عرف أن عاقبة الغدر والخيانة وخيمة.
وحكم شيخ القبيلة بردّ الإبل على الفتى، وإطلاق العجوز من الأسر، ثم يسأل العروس إن كانت تقبل بالفتى محمد زوجاً لها، وكانت العروس قد رأت شهامة محمد وجرأته وعفّته، فأجابت بالإيجاب.
وهكذا، رجع حسين إلي أهله يجرّ ذيول الخيبة والحزن والمرارة، جزاء ماصنعت يداه، على حين رجع الفتى محمد إلى مضارب أبيه، ليرعى إبله مع جدته وأمه وزوجته، وليعيشوا جميعاً في هناءة وسرور.
_Oni_
24-10-2005, 04:38 PM
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
صالحة
كان في قديم الزمان أخت اسمها صالحة، تعيش مع أخيها بعد وفاة والديهما، وكانت حياتهما هادئة هانئة، لا ينغصها شيء. وكانت الأخت صالحة تلح على أخيها كي يتزوج، وكان يخشى إذا تزوج ألا تعيش زوجته في وفاق مع أخته. ولكن الأخت ألحت عليه، ثم سعت بنفسها إلى زواجه، فخطبت له فتاة تعرفها.
وحين تم الزواج فرحت فرحاً كبيراً.
وكانت الأخت تتودّد إلى زوجة أخيها، وتساعدها في شؤون البيت، بل كانت تسعى في خدمتها، وتقوم بكثير من الأعباء بدلاً منها، كرمى لأخيها، وحرصاً منها على جو السعادة والوفاق.
وحملت زوجة الأخ، وأنجبت ولداً، فرح به الجميع، وزادت سعادتهم به. ولعل الأخت كانت أكثر فرحاً به، إذ وجدت فيه ما يملأ حياتها، ويزيد من الرابطة بينها وبين زوجة أخيها، فأخذت تخدم الولد وترعاه وتحمل عن زوجة أخيها كل أعباء البيت.
ولكن زوجة الأخ بدأت تغار من الأخت صالحة، وأخذت تحسّ نحوها بكراهية، وجعلت تفكر بالتخلّص منها بأي طريقة، وما كان منها إلا عمدت في إحدى الليالي إلى ولدها، فذبحته، ثم غطته، وأسرعت إلى زوجها، تطلب منه أن يحضر الولد لترضعه، ومضى الزوج ليحضر الولد، فذعر مما رأى، وصاح ينادي زوجته، فأسرعت إليه، لتؤكد له أن أخته هي التي فعلت ذلك.
وثار الغضب في نفس الأخ، فاستل خنجره، وأسرع إلى أخته، فوجدها نائمة، ومن غير أن يوقظها أو يكلمها، قطع يديها الاثنتين، ولفّها في ملاءة وحملها، ومضى بها إلى بستان بعيد، ورمى بها هناك.
وفي الصباح خرج البستاني من كوخه ليتفقد الزرع وينظر في الزهور فرأى فتاة صبية كالقمر، ولكنها مقطوعة اليدين، فسألها عمن فعل بها ذلك؟ ومن رماها في بستانه؟ فأخبرته بما كان من أمرها، فأشفق عليها، ودعاها لتعيش في البستان فشكرت له ذلك، وطلبت منه أن يبني لها كوخاً صغيراً، بعيداً عن العيون، وألا يخبر بها أحداً.
وكان هذا البستان للملك، وكان يقصده بين الحين والحين ليرتاح من أمور المملكة وشؤونها وذات يوم دخل الملك البستان مع جنده وخدمه، وأخذ يطوف في أرجائه يتملى جماله ويمتع نفسه بما فيه من زهور.
وكان جنده يشاركونه في تملّي جمال البستان يطوفون في أرجائه، للتسلية والاستمتاع، وشاهد أحد جنده الكوخ الجديد، فاتجه إليه، ولما رأته صالحة مقبلاً نحوها، لجأت إلى داخل كوخها، فلحق بها، وهمّ بها، لكنها صاحت تطلب الغوث، وتنبّه الملك، فأسرع إلى الكوخ، فوجد جنديه وصالحة تفرّ من بين يديه مستغيثة، ولما عاتبه الملك على ذلك، ادّعى أن الفتاة هي التي بادرت إلى دعوته إلى كوخها، وأكد أنها هي التي جذبته بكلتا يديها ليدخل الكوخ وطلب الملك على الفور إحضار الفتاة، ولما رآها مقطوعة اليدين، عرف الكذب في كلام جنديه، فأمر بسجنه، ثم أنهى زيارته للبستان، ورجع إلى قصره. وكان جمال صالحة قد استولى على لبّ الملك، فأخذ يفكّر فيها ليله ونهاره، صورة محياها لا تغادره، وذات يوم مضى إلى البستان، وطلب من صالحة أن تكون زوجة له، ولكن صالحة اعتذرت، وبينّت للملك أنها مقطوعة اليدين وأنها لا تليق زوجة به، ولكن الملك أصرّ، وتدخل البستاني وأقنعها بالزواج من الملك فقبلت. وشاع الخبر في أرجاء البلاد؛ الملك يتزوج من فتاة مقطوعة اليدين تدعى صالحة، وأقيمت الأفراح، والولائم، ووصل الخبر إلى زوجة الأخ، فازدادت غيظاً وقهراً.
ومرت الأيام وحملت صالحة من الملك، فازداد حبه لها، وتعلقه بها، ولكن حدث أن اضطر الملك إلى السفر إلى بعض البلاد، وظلت صالحة وحدها، وفي غيابه وضعت ولداً جميلاً، فسعد به كل من في القصر وأقيمت الأفراح، وتمّ إرسال رسول إلى الملك يحمل نبأ المولود.
وما كان من زوجة الأخ إلا أن اعترضت طريق الرسول، وهو ماض إلى الملك ليخبره بالمولود، ودعته إلى بيت قريب، وقدمت له شراباً. فيه منوّم، فاستسلم لنوم عميق، فاستلّت منه الرسالة التي يحملها إلى الملك، فمزقّتها، ودست رسالة أخرى بدلاً منها، ولما استيقظ، شكرها لحسن ضيافتها ثم مضى، وهو لا يعلم مما حصل شيئاً. ولما وصل الرسول إلى الملك، قدّم إليه الرسالة، فقرأها فإذا فيها: “وضعت زوجتك ولداً أسود اللون، قبيح الشكل، من المؤكد أنه ليس ولدك، ومما يؤكد أيضاً خيانة صالحة”.
وحزن الملك لدى قراءته الرسالة حزناً شديداً، ثم كتب إلى أهله جواباً يطلب فيه إكرام صالحة والعناية بالمولود، وعدم التصرف بشيء إلى حين عودته.
وفي طريق العودة تصدّت زوجة الأخ للرسول أيضاً، ودعته لاستراحة قصيرة، وفعلت مثلما فعلت في المرة الأولى، إذ بدّلت الرسالة التي يحملها برسالة أخرى.
وقرأ أهل الملك الرسالة التي كان يحملها الرسول، فإذا فيها: “تخلصوا من صالحة ومن ولدها بأي شكل كان”، ودهش أهل الملك والوزراء لجواب الملك، ولكنهم اضطروا إلى التنفيذ، وعهدوا بالأمر إلى أحد الوزراء.
وما كان من هذا الوزير إلى أن حمل صالحة وولدها في صندوق، وتركها عند شاطئ البحر.
ومرّ صياد فقير، ففتح الصندوق، فوجد صالحة مع ولدها، فأشفق عليها، ودعاها إلى العيش مع زوجته وأولاده.
ورجع الملك إلى قصره بعد مدة، فلم يجد زوجته، ولا ولده، فسأل عنهما، فأخبروه بما كان من أمره هو في رسالة منه بالتخلص من صالحة وولدها، فأنكر ذلك، ثم طلب من الوزير أن يخبره بحقيقة ما فعله بصالحة.
ثم أسرع الملك بنفسه مع الوزير إلى شاطئ البحر، حيث كان الوزير قد ترك صالحة مع ولدها، وسأل عن الصيادين، فدلوه على كوخ الصياد الذي كان قد آواها.
والتقى الملك بزوجته وولدها، وعرف أن ثمة تزييفاً في الرسائل قد حصل، فاستدعى إليه الرسول، ولما سأله عن أمر الرسائل أخبر بالمرأة التي استضافته عندها في الذهاب والعودة.
وأمر الملك بإحضار تلك المرأة، فإذا هي زوجة أخي صالحة، فسأل الملك زوجته عن العقاب الذي تريد أن يوقعه الملك بزوجة أخيها، فقالت له: “العفو”.
وهكذا عفا الملك عن زوجة الأخ، فعادت إلى بيتها آسفة نادمة، وعاش الملك مع زوجته صالحة وولدهما، في هناءة وسرور.
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
الضبع والشاب
في قرية صغيرة، كان لإحدى الأمهات ستة أولاد ذكور، ولم يكن عندها بنت، وكانت دائماً تتمنى أن ترزق ببنت، لتكون إلى قربها تأنس بها.
وذات يوم دعت ربها أن ترزق ببنت، ولو كانت ضبعاً، فاستجيب دعاؤها، فحملت ووضعت بنتاً، وإذا هي ضبع.
ومع ذلك فرحت الأم وعنيت بها، وربتها أحسن تربية حتى كبرت وأصبحت شابة.
وذات يوم لاحظت الأم أن الأغنام في الزريبة قد بدأت تنقص يوماً فيوماً، فطلبت من ولدها الكبير أن يسهر ليلته في الزريبة، ليرى من يسرق الغنم.
وسهر الولد الأول معظم الليل، ولكن النوم غلبه، فنام، وفي الصباح استيقظ، فوجد الغنم قد نقص، ولم يعرف السارق.
وهكذا كان شأن الولد الثاني، فالثالث فالرابع فالخامس، كل منهم يغلبه النعاس، فينام، وفي الصباح يستيقظ فيجد الغنم ناقصاً، من غير أن يعرف السارق.
ولما كان دور الولد السادس، عمد إلى إصبعه فجرحها، ورش عليها الملح وثقب إبريقاً، وعلقه فوق فراشه، وملأه بالماء. وأمضى الليل ساهراً والماء ينقط فوق رأسه، والجرح يؤلمه، ولم يغمض له جفن.
وقبيل الفجر أحسّ دبيب حركة، ثم رأى أخته تتسلل إلى الزريبة، وتنقض على خروف، وتنتحي به جانباً، لتلتهمه كاملاً، ثم تخرج دون أن يشعر بها أحد.
وفي الصباح أخبر الولد أمه وإخوته بما رأى، فلم يصدقوه، فما كان منه إلا أن جمع حاجاته، وركب حصانه، وودع أمه وإخوته، وارتحل، مؤكداً لهم أنه لايريد أن يعرّض حياته للخطر.
واستقر للولد المقام في إحدى القرى، حيث اشترى بيتاً، وعاش فيه، ثم اصطاد شبلين وأخذ يربيهم بنفسه، ويعنى بهما، وقد سمّاهما “عنتر ورباب”، وكان يلاعبهما ويداعبهما، ويطعمهما بيده، حتى ألفاه.
ولما كبرا، وصارا سَبُعَين، وتأكد أنهما قد أصبحا قادرين على الافتراس، أودعهما عند سيدة عجوز، ثم أعطاها خاتماً سحرياً، وطلب منها أن تطلق السبعين، عندما تحسّ بأن الخاتم قد ضاقت به إصبعها، وأصبح يؤلمها، ثم ركب حصانه، وانطلق إلى قرية أمه وإخوته.
ولما وصل إلى القرية، وجدها خاوية، لا أحد فيها سوى أخته الضبع، فدخل عليها، فرحبت به، وسألته كيف وصل إلى القرية، فأخبرها أنه جاء راكباً حصانه، فما كان منها إلا أن خرجت إلى الحصان، إذ كانت شديدة الجوع، فقد هرب الناس كلهم من القرية ولم يبق شيء تأكله، ولذلك التهمت قائمة حصان أخيها، ثم رجعت إليه لتسأله إن كان لحصانه أربع قوائم أو ثلاث، فأدرك أنها قد التهمت إحدى قوائمه، فأجابها أن لحصانه ثلاث قوائم، وخرجت ثانية إلى الحصان فالتهمت قائمة أخرى، ورجعت إلى أخيها لتسأله إن كان لحصانه ثلاث قوائم أو قائمتان فعرف أنها التهمت قائمته الأخرى، فأجابها بأن لحصانه قائمتين، فرجعت إلى الحصان فالتهمته كله، ثم رجعت لتسأل أخاها إن كان قد جاء راكباً أو ماشياً فأجابها بأنه قد جاء ماشياً. وكانت الرغبة في الإلتهام لدى الأخت الضبع أقوى من حبها لأخيها، فما كان منها إلا أن قالت له صراحة “جاء دورك”، وهمت بالتهامه فطلب منها شربة ماء قبل أن تلتهمه، فخرجت إلى البئر لتحضر الماء، فصعد إلى سطح الدار، ونادى بأعلى صوته “عنتر ورباب” ثم قفز من السطح إلى خارج الدار، وأخذ يعدو راكضاً، وأحسّت به أخته الضبع فتركت دلو الماء، وأخذت تعدو في إثره، وهو يركض يحاول النجاة.
وفي تلك الأثناء بدأ إصبع العجوز يضيق بالخاتم الذي كان قد أعطاها إياه فذكرت وصيته لها، فأسرعت إلى السبعين، فأطلقتهما، وجرى الرجل الذي كان قد رباهما، ولما شاهدا الضبع تعدو في إثره تريد أن تلتهمه، انقضا على الضبع، وافترساها.
ثم أخذ يبحث عن أمه وإخوته في القرى المجاورة، حتى وجدهم فأعادهم إلى قريته.
كما عاد أهل القرية كلهم إليها، وعاشوا جميعاً بأمن وسلام.
_Oni_
24-10-2005, 04:40 PM
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
صالحة
كان في قديم الزمان أخت اسمها صالحة، تعيش مع أخيها بعد وفاة والديهما، وكانت حياتهما هادئة هانئة، لا ينغصها شيء. وكانت الأخت صالحة تلح على أخيها كي يتزوج، وكان يخشى إذا تزوج ألا تعيش زوجته في وفاق مع أخته. ولكن الأخت ألحت عليه، ثم سعت بنفسها إلى زواجه، فخطبت له فتاة تعرفها.
وحين تم الزواج فرحت فرحاً كبيراً.
وكانت الأخت تتودّد إلى زوجة أخيها، وتساعدها في شؤون البيت، بل كانت تسعى في خدمتها، وتقوم بكثير من الأعباء بدلاً منها، كرمى لأخيها، وحرصاً منها على جو السعادة والوفاق.
وحملت زوجة الأخ، وأنجبت ولداً، فرح به الجميع، وزادت سعادتهم به. ولعل الأخت كانت أكثر فرحاً به، إذ وجدت فيه ما يملأ حياتها، ويزيد من الرابطة بينها وبين زوجة أخيها، فأخذت تخدم الولد وترعاه وتحمل عن زوجة أخيها كل أعباء البيت.
ولكن زوجة الأخ بدأت تغار من الأخت صالحة، وأخذت تحسّ نحوها بكراهية، وجعلت تفكر بالتخلّص منها بأي طريقة، وما كان منها إلا عمدت في إحدى الليالي إلى ولدها، فذبحته، ثم غطته، وأسرعت إلى زوجها، تطلب منه أن يحضر الولد لترضعه، ومضى الزوج ليحضر الولد، فذعر مما رأى، وصاح ينادي زوجته، فأسرعت إليه، لتؤكد له أن أخته هي التي فعلت ذلك.
وثار الغضب في نفس الأخ، فاستل خنجره، وأسرع إلى أخته، فوجدها نائمة، ومن غير أن يوقظها أو يكلمها، قطع يديها الاثنتين، ولفّها في ملاءة وحملها، ومضى بها إلى بستان بعيد، ورمى بها هناك.
وفي الصباح خرج البستاني من كوخه ليتفقد الزرع وينظر في الزهور فرأى فتاة صبية كالقمر، ولكنها مقطوعة اليدين، فسألها عمن فعل بها ذلك؟ ومن رماها في بستانه؟ فأخبرته بما كان من أمرها، فأشفق عليها، ودعاها لتعيش في البستان فشكرت له ذلك، وطلبت منه أن يبني لها كوخاً صغيراً، بعيداً عن العيون، وألا يخبر بها أحداً.
وكان هذا البستان للملك، وكان يقصده بين الحين والحين ليرتاح من أمور المملكة وشؤونها وذات يوم دخل الملك البستان مع جنده وخدمه، وأخذ يطوف في أرجائه يتملى جماله ويمتع نفسه بما فيه من زهور.
وكان جنده يشاركونه في تملّي جمال البستان يطوفون في أرجائه، للتسلية والاستمتاع، وشاهد أحد جنده الكوخ الجديد، فاتجه إليه، ولما رأته صالحة مقبلاً نحوها، لجأت إلى داخل كوخها، فلحق بها، وهمّ بها، لكنها صاحت تطلب الغوث، وتنبّه الملك، فأسرع إلى الكوخ، فوجد جنديه وصالحة تفرّ من بين يديه مستغيثة، ولما عاتبه الملك على ذلك، ادّعى أن الفتاة هي التي بادرت إلى دعوته إلى كوخها، وأكد أنها هي التي جذبته بكلتا يديها ليدخل الكوخ وطلب الملك على الفور إحضار الفتاة، ولما رآها مقطوعة اليدين، عرف الكذب في كلام جنديه، فأمر بسجنه، ثم أنهى زيارته للبستان، ورجع إلى قصره. وكان جمال صالحة قد استولى على لبّ الملك، فأخذ يفكّر فيها ليله ونهاره، صورة محياها لا تغادره، وذات يوم مضى إلى البستان، وطلب من صالحة أن تكون زوجة له، ولكن صالحة اعتذرت، وبينّت للملك أنها مقطوعة اليدين وأنها لا تليق زوجة به، ولكن الملك أصرّ، وتدخل البستاني وأقنعها بالزواج من الملك فقبلت. وشاع الخبر في أرجاء البلاد؛ الملك يتزوج من فتاة مقطوعة اليدين تدعى صالحة، وأقيمت الأفراح، والولائم، ووصل الخبر إلى زوجة الأخ، فازدادت غيظاً وقهراً.
ومرت الأيام وحملت صالحة من الملك، فازداد حبه لها، وتعلقه بها، ولكن حدث أن اضطر الملك إلى السفر إلى بعض البلاد، وظلت صالحة وحدها، وفي غيابه وضعت ولداً جميلاً، فسعد به كل من في القصر وأقيمت الأفراح، وتمّ إرسال رسول إلى الملك يحمل نبأ المولود.
وما كان من زوجة الأخ إلا أن اعترضت طريق الرسول، وهو ماض إلى الملك ليخبره بالمولود، ودعته إلى بيت قريب، وقدمت له شراباً. فيه منوّم، فاستسلم لنوم عميق، فاستلّت منه الرسالة التي يحملها إلى الملك، فمزقّتها، ودست رسالة أخرى بدلاً منها، ولما استيقظ، شكرها لحسن ضيافتها ثم مضى، وهو لا يعلم مما حصل شيئاً. ولما وصل الرسول إلى الملك، قدّم إليه الرسالة، فقرأها فإذا فيها: “وضعت زوجتك ولداً أسود اللون، قبيح الشكل، من المؤكد أنه ليس ولدك، ومما يؤكد أيضاً خيانة صالحة”.
وحزن الملك لدى قراءته الرسالة حزناً شديداً، ثم كتب إلى أهله جواباً يطلب فيه إكرام صالحة والعناية بالمولود، وعدم التصرف بشيء إلى حين عودته.
وفي طريق العودة تصدّت زوجة الأخ للرسول أيضاً، ودعته لاستراحة قصيرة، وفعلت مثلما فعلت في المرة الأولى، إذ بدّلت الرسالة التي يحملها برسالة أخرى.
وقرأ أهل الملك الرسالة التي كان يحملها الرسول، فإذا فيها: “تخلصوا من صالحة ومن ولدها بأي شكل كان”، ودهش أهل الملك والوزراء لجواب الملك، ولكنهم اضطروا إلى التنفيذ، وعهدوا بالأمر إلى أحد الوزراء.
وما كان من هذا الوزير إلى أن حمل صالحة وولدها في صندوق، وتركها عند شاطئ البحر.
ومرّ صياد فقير، ففتح الصندوق، فوجد صالحة مع ولدها، فأشفق عليها، ودعاها إلى العيش مع زوجته وأولاده.
ورجع الملك إلى قصره بعد مدة، فلم يجد زوجته، ولا ولده، فسأل عنهما، فأخبروه بما كان من أمره هو في رسالة منه بالتخلص من صالحة وولدها، فأنكر ذلك، ثم طلب من الوزير أن يخبره بحقيقة ما فعله بصالحة.
ثم أسرع الملك بنفسه مع الوزير إلى شاطئ البحر، حيث كان الوزير قد ترك صالحة مع ولدها، وسأل عن الصيادين، فدلوه على كوخ الصياد الذي كان قد آواها.
والتقى الملك بزوجته وولدها، وعرف أن ثمة تزييفاً في الرسائل قد حصل، فاستدعى إليه الرسول، ولما سأله عن أمر الرسائل أخبر بالمرأة التي استضافته عندها في الذهاب والعودة.
وأمر الملك بإحضار تلك المرأة، فإذا هي زوجة أخي صالحة، فسأل الملك زوجته عن العقاب الذي تريد أن يوقعه الملك بزوجة أخيها، فقالت له: “العفو”.
وهكذا عفا الملك عن زوجة الأخ، فعادت إلى بيتها آسفة نادمة، وعاش الملك مع زوجته صالحة وولدهما، في هناءة وسرور.
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
الضبع والشاب
في قرية صغيرة، كان لإحدى الأمهات ستة أولاد ذكور، ولم يكن عندها بنت، وكانت دائماً تتمنى أن ترزق ببنت، لتكون إلى قربها تأنس بها.
وذات يوم دعت ربها أن ترزق ببنت، ولو كانت ضبعاً، فاستجيب دعاؤها، فحملت ووضعت بنتاً، وإذا هي ضبع.
ومع ذلك فرحت الأم وعنيت بها، وربتها أحسن تربية حتى كبرت وأصبحت شابة.
وذات يوم لاحظت الأم أن الأغنام في الزريبة قد بدأت تنقص يوماً فيوماً، فطلبت من ولدها الكبير أن يسهر ليلته في الزريبة، ليرى من يسرق الغنم.
وسهر الولد الأول معظم الليل، ولكن النوم غلبه، فنام، وفي الصباح استيقظ، فوجد الغنم قد نقص، ولم يعرف السارق.
وهكذا كان شأن الولد الثاني، فالثالث فالرابع فالخامس، كل منهم يغلبه النعاس، فينام، وفي الصباح يستيقظ فيجد الغنم ناقصاً، من غير أن يعرف السارق.
ولما كان دور الولد السادس، عمد إلى إصبعه فجرحها، ورش عليها الملح وثقب إبريقاً، وعلقه فوق فراشه، وملأه بالماء. وأمضى الليل ساهراً والماء ينقط فوق رأسه، والجرح يؤلمه، ولم يغمض له جفن.
وقبيل الفجر أحسّ دبيب حركة، ثم رأى أخته تتسلل إلى الزريبة، وتنقض على خروف، وتنتحي به جانباً، لتلتهمه كاملاً، ثم تخرج دون أن يشعر بها أحد.
وفي الصباح أخبر الولد أمه وإخوته بما رأى، فلم يصدقوه، فما كان منه إلا أن جمع حاجاته، وركب حصانه، وودع أمه وإخوته، وارتحل، مؤكداً لهم أنه لايريد أن يعرّض حياته للخطر.
واستقر للولد المقام في إحدى القرى، حيث اشترى بيتاً، وعاش فيه، ثم اصطاد شبلين وأخذ يربيهم بنفسه، ويعنى بهما، وقد سمّاهما “عنتر ورباب”، وكان يلاعبهما ويداعبهما، ويطعمهما بيده، حتى ألفاه.
ولما كبرا، وصارا سَبُعَين، وتأكد أنهما قد أصبحا قادرين على الافتراس، أودعهما عند سيدة عجوز، ثم أعطاها خاتماً سحرياً، وطلب منها أن تطلق السبعين، عندما تحسّ بأن الخاتم قد ضاقت به إصبعها، وأصبح يؤلمها، ثم ركب حصانه، وانطلق إلى قرية أمه وإخوته.
ولما وصل إلى القرية، وجدها خاوية، لا أحد فيها سوى أخته الضبع، فدخل عليها، فرحبت به، وسألته كيف وصل إلى القرية، فأخبرها أنه جاء راكباً حصانه، فما كان منها إلا أن خرجت إلى الحصان، إذ كانت شديدة الجوع، فقد هرب الناس كلهم من القرية ولم يبق شيء تأكله، ولذلك التهمت قائمة حصان أخيها، ثم رجعت إليه لتسأله إن كان لحصانه أربع قوائم أو ثلاث، فأدرك أنها قد التهمت إحدى قوائمه، فأجابها أن لحصانه ثلاث قوائم، وخرجت ثانية إلى الحصان فالتهمت قائمة أخرى، ورجعت إلى أخيها لتسأله إن كان لحصانه ثلاث قوائم أو قائمتان فعرف أنها التهمت قائمته الأخرى، فأجابها بأن لحصانه قائمتين، فرجعت إلى الحصان فالتهمته كله، ثم رجعت لتسأل أخاها إن كان قد جاء راكباً أو ماشياً فأجابها بأنه قد جاء ماشياً. وكانت الرغبة في الإلتهام لدى الأخت الضبع أقوى من حبها لأخيها، فما كان منها إلا أن قالت له صراحة “جاء دورك”، وهمت بالتهامه فطلب منها شربة ماء قبل أن تلتهمه، فخرجت إلى البئر لتحضر الماء، فصعد إلى سطح الدار، ونادى بأعلى صوته “عنتر ورباب” ثم قفز من السطح إلى خارج الدار، وأخذ يعدو راكضاً، وأحسّت به أخته الضبع فتركت دلو الماء، وأخذت تعدو في إثره، وهو يركض يحاول النجاة.
وفي تلك الأثناء بدأ إصبع العجوز يضيق بالخاتم الذي كان قد أعطاها إياه فذكرت وصيته لها، فأسرعت إلى السبعين، فأطلقتهما، وجرى الرجل الذي كان قد رباهما، ولما شاهدا الضبع تعدو في إثره تريد أن تلتهمه، انقضا على الضبع، وافترساها.
ثم أخذ يبحث عن أمه وإخوته في القرى المجاورة، حتى وجدهم فأعادهم إلى قريته.
كما عاد أهل القرية كلهم إليها، وعاشوا جميعاً بأمن وسلام.
_Oni_
24-10-2005, 04:42 PM
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
ست الحسن والمارد
ضاقت الأحوال بالفتى محمد، وسدت في وجهه أبواب الرزق، ولم يجد ما يعيش به، فاضطر إلى الارتحال عن بلده، سعياً وراء لقمة العيش، فأخذ يقطع الفيافي والقفار حتى بلغ بلدة، دخلها وهو في غاية التعب، ورأى عجوزاً أمام باب الدار فطلب منها بعض الماء.
فجلبت له كأساً، ولما همّ بالشراب، لاحظ أن الماء أحمر اللون، فسألها عن السبب، فأخبرته أنّ مارداً يسيطر على النبع، ولا يسمح لأهل البلدة بالشرب، مالم يقدموا له كل أسبوع واحدة من أجمل الفتيات، حتى إنه لم يبق في البلدة سوى ابنة الملك، ست الحسن، واليوم حان موعد تقديمها، ولابد من أن ترقى مع الغروب إلى نبع الماء، حيث المارد.
ولما مالت الشمس إلى المغيب خرج الفتى، فرأى موكباً مهيباً، والجند يحملون ست الحسن في محفة، ويسيرون بها إلى سفح الجبل، وهناك أنزلوها، ثم ودعتها أمها وودعها أبوها، ورجع الجميع حزانى يبكون، وتقدمت ست الحسن تصعد الجبل، وحدها وأخذ الفتى محمد يصعد في إثرها، فتنبهت إليه فطلبت منه أن يرجع، فأشفق عليها فأخبرته أنها مستسلمة لقدرها، راضية بما قسم لها، لكي تنقذ أبناء بلدها وتوفر لهم ماء الشرب.
ولكن الفتى أصرّ على المضي في إثرها، وأكد لها أنه سيعمل على إنقاذها من ذلك المارد، ثم طلب إذا بلغت النبع ألا تتقدم أكثر، وأن تطلب من المارد أن يبرز لها بدلاً من أن تمضي هي إليه. وهكذا أخذت ست الحسن تتسلق الجبل، حتى بلغت النبع، فناداها المارد أن تقدمي أكثر فأكثر، ولكن ست الحسن ردّت عليه تطلب منه أن يبرز لها، وما إن برز المارد حتى أسرع الفتى محمد فغرس خنجره في قلبه، فخر المارد صريعاً.
ورجعت ست الحسن إلى أمها وأبيها، وظن أهل البلدة أن ست الحسن قد خافت المارد، ورجعت، كما خافوا أن يحرمهم المارد من الماء، ولكن ست الحسن أكدت لهم أن المارد قد قتل، فلم يصدقوا، وانتظروا إلى الصباح، فإذا الماء يجري صافياً كالسلسبيل.
ففرح الملك والملكة، كما فرح أهل البلدة جميعاً، إذ تخلصوا من ذلك المارد، وأقيمت الولائم، وأعلن الملك أنه سيزوج ابنته من قاتل المارد.
وأخذ كل واحد من فرسان القصر يدعي أنه هو قاتل المارد.
ولمّا سأل الملك ابنته إن كانت تعرف قاتل المارد، أجابته أنها تعرفه إذا ما رأته، وطلبت منه أن يسمح لها بالقعود في شرفتها، وما على مدّعي قتل المارد إلا أن يمروا تحت الشرفة للتعرف على القاتل الحقيقي منهم.
وهكذا أخذ الفرسان والشباب بالمرور تحت الشرفة، وهي تنكر أن يكون أي منهم هو القاتل، إلى أن مرّ الفتى محمد، وعندئذ أشارت إليه أنه هو.
وهكذا زفت ست الحسن إلى الفتى محمد، ليودع إلى الأبد حياة البؤس والشقاء والفقر، وليعيش مع ست الحسن طول العمر في هناء وسرور.
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
الزيت والقرد
أراد أحد الأشخاص أداء فريضة الحج مع زوجته، وكان عنده في الدار عشر صفائح مملوءة زيتاً، حار في أمرها، أين يخبئها، إذ كان يخشى عليها من اللصوص، وكان أداء فريضة الحج في تلك الأيام يستغرق أشهراً، لسفرهم على ظهور الإبل، وأخيراً قرر الرجل أن يودع صفائح الزيت عند جاره أمانة.
ولما رجع من الحج، طلب من جاره أن يرد له صفائح الزيت، فقال له الجار، هي هناك في القبو، انزل وخذها، وحمل الرجل الصفائح إلى داره، وشكر لجاره أمانته، ثم بعد يوم أن يومين احتاج إلى إحدى الصفائح ففتحها، فوجدها مملوءة ماءً لا زيتاً، وفتح الثانية فالثالثة فالرابعة، وهكذا فتح الصفائح كلها، فوجد فيها ماءً لا زيتاً، فأسرع إلى جاره يسأله عن الزيت؟ فأكد له الجار أنه لايعرف من أمر الصفائح شيئاً، ولعل الزيت فيها انقلب إلى ماء، وكل شيء قابل للتغير. فعرف أن جاره قد خدعه، فقرر أن ينتقم.
ومضى الرجل إلى السوق، فاشترى قرداً صغيراً، ثم أدخله إلى منزله خفية، وخبأه في إحدى الغرف، فقيد القرد في زاوية منها، وحمل عصا، وأخذ يضربه بها أشد الضرب، ثم تركه وخرج إلى السوق فاشترى ثياباً كثياب جاره، ثم اشترى بعض الموز، واصطنع هيئة جاره، ودخل على القرد، ففك قيده، ثم أخذ يداعبه ويطمعه من الموز.
وظل الرجل على هذه الحال أياماً، يدخل على القرد بثياب كثياب جاره، فيطعمه ويعنى به، ثم يدخل عليه بثيابه هو نفسه ويأخذ في ضربه وتعذبيه.
وكان للجار ولد وحيد، وكان كثيراً مايأتي هذا الولد إلى دار الرجل ليلهو في فنائها ويلعب، فانتظر الرجل حضور ابن جاره، فاختطفه، وخبأه في غرفة أخرى، وافتقد الجار ولده، فأخذ يسأل عنه، ثم قرع على الرجل الباب وسأله إن كان قد رأى ولده، فأخبره أن الولد جاء إلى الدار كعادته كل يوم، وأنه تركه منذ قليل في إحدى الغرف وهو يلعب، ثم دعاه إلى الغرفة التي فيها القرد، وقال له مطمئناً: “تعال خذ الولد”، ودخل معه الغرفة، وما إن رأى القرد الجار حتى قفز إليه، وتعلق بثيابه، فدهش الجار وسأل: “ماهذا؟”، فاصطنع الرجل الدهشة وقال: “لاأعرف، تركت الولد منذ قليل هنا” وصمت قليلاً، ثم أضاف: “ولكن، لعله تحوّل إلى قرد، ألم تقل أنت إن كل شيء قابل للتحول والتغير”.
وأدرك الجار عندئذ غرض الرجل، فاعتذر إليه، وأكد له أنه سيدفع له ثمن الزيت أضعافاً على أن يرد إليه ولده.
وأشفق الرجل على جاره، فردّ إليه ولده، وسامحه في ثمن الزيت، على شرط أن يحفظ الأمانة ويرعاها.
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
الصياد والمارد
على شاطئ البحر، كان يعيش صياد فقير، مع زوجته وأولاده، وكان عاثر الحظ، يصطاد في اليوم بضع سمكات، وفي عشرة أيام يكاد لايصطاد شيئاً.
وذات يوم رجع إلى البيت لا يحمل سوى شبكته الفارغة، فمرّ بالخباز، وطلب منه بضعة أرغفة، ووعده أن يعطيه في الغد كل ما يصطاده، ولكن الخباز أبى، بل سخر منه وقال له: “لعلك لا تصطاد شيئاً، فأنا أعرفك، أنت عاثر الحظ”.
وكانت زوجته وأولاده في انتظاره ولكنّ الجميع اضطروا إلى النوم من غير عشاء.
وفي الصباح خرج الصياد إلى البحر، يحمل شبكته على كتفه، وفي الطريق صادفه رجل يحمل سلة فيها بعض الفاكهة، عرضها عليه، فاعتذر إليه الصياد، وقال له أنا لم أصطد بما أشتري به الخبر، فكيف أشتري الفاكهة؟ فقال له الرجل:" بل الفاكهة لك، سواء اصطدت أو لم تصطد” وحاول الصياد الاعتذار ثانية، ولكن الرجل ألح عليه، وأكد له أن خير الله كثير وأن لكل امرئ نصيبه من الرزق.
وأخذ الصياد سلة الفاكهة، وتابع طريقه إلى البحر، حيث ألقى الشبكة، وقعد ينتظر، ثم سحبها، فأحس بها ثقيلة فسحبها بقوى أكبر، وإذ في الشبكة مارد، يخرج ليقول له “إذا تركتني أغنيك”، فتركه الصياد فناوله المارد دنانير ذهبية، ثم طلب منه سلة الفاكهة، فأعطاه الصياد إياها، فشكره المارد، وقال له: “إذا أتيتني كل يوم بمثل هذه الفاكهة، أعطيتك مثل هذه الدنانير، ولكن بشرط ألا يعرف أحد ما بيننا من أمر”، فوعده الصياد ومضى إلى السوق، فاشترى لزوجته وأولاده أطايب الطعام.
وهكذا صار دأب الصياد، يحضر كل يوم للمارد بعض الفاكهة، فيعطيه بعض الدنانير فيشتري لزوجته، وأولاده الطعام والثياب، وقد صلح حاله، وطاب له العيش.
وأحست زوجة الصياد تبدل الحال، ورأت جود زوجها وكرمه، بل إسرافه، فداخلها الشك، كيف ينقلب زوجها بين عشية وضحاها، فيصبح على هذه الحال من الغنى واليسر: أيعقل أن يكون الصيد وحده هو مورد ذلك الخير كله؟ وماكان منها إلاّ أن أرسلت ابنتها ذات يوم إثر أبيها، وأوصتها أن تتبعه من غير أن يحس بها، ولما رأت البنت المارد يأخذ من أبيها سلة الفاكهة ويناوله الدنانير أسرعت إلى أمها تخبرها بالأمر، وأخذت الزوجة تنشر الخبر بين الجيران.
وفي صباح اليوم التالي ذهب الصياد إلى البحر كعادته، وهو يحمل شبكته، ثم مرّ ببائع الفاكهة، فاشترى سلة ملأها بأطيب الأنواع، ومضى إلى البحر، وجلس على الشاطئ وأخذ ينادي المارد، وظل ينادي وينادي، ولكن ما من مجيب.
ورجع الصياد إلى البيت، يحمل سلة الفاكهة، وفور دخوله سألته زوجته: “لماذا رجعت بالفاكهة، ألم يظهر لك المارد هذا اليوم؟” فأدرك الصياد أن زوجته قد عرفت سرّ المارد، وأن المارد لن يظهر له بعد اليوم، وليس له إلا أن يعود إلى حياة البؤس والشقاء.
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
بنت الداية
كان لإحدى القابلات بنت وحيدة، تعنى بتربيتها، وتسهر عليها، ولكنها تضطر دائماً إلى تركها وحدها، بحكم عملها، ولذلك كانت توصي بها بنات الجيران، ليزرنها في غيبتها، ويساعدنها في أمور البيت.
وذات يوم تركتها كعادتها مع بنات الجيران، فأخذت تمرح معهن وتلهو، ولكن فجأة خرج لهن من زاوية في المنزل غول كبير ففزعت البنات وهربن، وبقيت بنت الداية وحدها، فأخذت تصيح منادية جارها النجار، فسمع الصوت، فأسرع إليها، ولما رأى الغول بادره بضربة من المطرقة التي كانت في يده فقتله ثم وضعه على ظهر حمار، وتركه ليمضي به إلى أخوات الغول السبع، ولما رأت الغولات الحمار مقبلاً، فرحن به، وتوقّعن أن تكون بنت الداية هي القتيل الملقى على ظهر الحمار، ولكن تبين لهن أنه لم يكن سوى أخيهن الغول، فحزنت الغولات، وقررن الإنتقام.
وفي صباح اليوم التالي قدمت الغولات إلى منزل الداية، وهن متنكرات، وخطبن ابنتها إلى أخيهن، فوافقت الداية من غير أن تعرف من أمرهن شيئاً، ووعدنها أن يرجعن بعد أسبوع لأخذ العروس معهن، وقد ادّعين أن أخاهن يعمل في بلاد بعيدة، وقد أغرين الأم بالأموال الكثيرة.
وهكذا حضرت الغولات بعد أسبوع، فودعت البنت أمها، ومضت بها الغولات، وبينما هنّ في زحمة السوق، أحسّت ابنة الداية أن الأمر ليس طبيعياً، فغافلت الغولات وهربت منهن، ولجأت إلى النجار، وطلبت منه ألا يخبر أحداً بأمرها، حتى أمها، كي لاتعود الغولات إليها، ثم رجته أن يصنع لها ثوباً من الخشب.
وارتدت ابنة الداية ثوبها الخشبي وخرجت به لا تعرف أين تذهب، حتى قادتها خطواتها إلى قصر الملك، فقعدت تحت سوره تأكل مما يلقى من فضلات، وتنبهت إحدى الجواري في القصر إلى هذا الكائن الخشبي، الذي يمشي ويتحرك ويعيش في ظل القصر، فأسرعت إلى الملكة تخبرها بأمره، فطلبت منها إحضاره.
واقتادت الجارية بنت الداية في ثوبها الخشبي إلى الملكة، فعجبت لأمر هذا الكائن، وسمته “خشيبان”، ثم أذنت له أن يعيش في حديقة القصر، ليسهر على الإوزات، ويعنى بها.
وكانت الملكة تنزل صباح كل يوم إلى حديقة القصر، بصحبة جارية لها، فتقعد بجوار البركة، وتمضي في تأمل الإوزات، لتسلي نفسها، ثم يغلبها الحزن، فتبكي، نادبة ابنها الأمير، وهنا تتدخل الجارية، فتدعوها للعودة إلى القصر.
وقد لاحظت بنت الداية ذلك، ولكنها لم تستطع أن تعرف حقيقة ذلك الأمر، كما لاحظت أن الجارية نفسها كانت تتسلل كل ليلة خلسة وتمضي إلى كوخ بعيد في حديقة القصر، وتقضي بعض الوقت هناك، ثم ترجع إلى القصر خلسة.
وذات يوم تسللت بنت الداية في إثر الجارية، وتبعتها إلى حيث الكوخ، ثم اختبأت وراء الباب فرأتها تدخل على فتى مقيد اليدين، تقدم له بعض الطعام، ثم تخرج.
وفور خروج الجارية من الكوخ دخلت بنت الداية، وهي في ثوبها الخشبي، فسألت الفتى من يكون، فأخبرها انه ابن الملك، وأن الجارية اختطفته وخبأته في هذا الكوخ الذي لايتوقع أحد أن يكون فيه، انتقاماً من أبيه الملك، الذي كان قد قتل زوج الجارية، فوعدته بنت الداية بالمساعدة، وخرجت من غير أن يعرف من تكون.
وذات يوم ذهبت الملكة إلى الحمام، فاصطحبت معها جاريتها، فاهتبلت بنت الداية الفرصة، فأسرعت إلى الكوخ، ففكت قيد الأمير، ونصحت له أن يدخل القصر خلسة، وأن يختبئ في غرفة أمه، لتكون المفاجأة سارة، كما أوصته ألا يبوح لأمه بحقيقة أمره، وألا يخبرها بمن أطلقه.
وقد حصل هذا كله والأمير لا يعرف حقيقة “خشيبان” إذ كان يظنه خادماً من خدم القصر، اتخذ لنفسه هذا الثوب الخشبي.
ورجعت الملكة من الحمام، ودخلت غرفتها، فسرت كثيراً عندما رأت ولدها الأمير عائداً إليها، وألحت عليه أن يخبرها بما كان من أمره، فلم يفعل.
وكان من عادة بنت الداية “خشيبان”، أن تخلع كل ليلة ثوبها الخشبي، وتستحم في بركة القصر، ثم تنتحي جانباً لتنام. وذات ليلة، بينما هي تخلع ثوبها الخشبي، كان الأمير يتجول في حديقة القصر، فرآها، فاختبأ وراء إحدى الشجيرات وقد أذهله جمالها، وعرف أنها هي التي أنقذته.
وفي صباح اليوم التالي أخبر أمه عن رغبته في الزواج، فسرّت الملكة كثيراً، ووعدته أن تبادر إلى الخطبة له ، فأخبرها أنه يريد الزواج من “خشيبان”، فدهشت الأم، ولكنه عندما أخبرها بالحقيقة سرت كثيراً، وعندئذ حكى لها ما كان من أمر الجارية، فأمرت بسجنها.
وهكذا تزوجت بنت الداية من ابن الملك، ودعت أمها لتقيم معها في القصر، وعاش الجميع في سعادة وسرور.
_Oni_
24-10-2005, 04:44 PM
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
الحلاق
يحكى أنه كان في أحد البلاد حلاق فقير الحال، حسن الأخلاق، ورث مهنة الحلاقة عن أبيه وجده، فكان يتقنها أيما إتقان.
وذات يوم دخل عليه رجل غريب، فقص له شعره، وحلق له لحيته، ورش له العطور، فأعجب به الغريب، وأجزل له العطاء، وأخذ يتردد عليه كل يوم، ليحلق ذقنه، وفي كل يوم يعطيه، ويضاعف له في العطاء.
ودخل الغريب على الحلاق يوماً وهو يأكل، فحياه، فرد عليه، ولم يدعه إلى مشاركته في الطعام، فدهش الغريب، وسأله عن سبب عدم دعوته إياه، فأجاب بأنه لا يريد أن يكون بينهما خبز وملح، حتى لا يتحمل أحد منهما تبعة ذلك، وما يقتضيه من تضحية ووفاء، ولكن الغريب أنكر الأمر، وأكد رغبته في مشاركته الطعام، ثم أخذ يأكل معه.
ومرت الأيام، والصلة تزداد بين الرجلين قوة، حتى إنهما أخذا يأكلان معاً، ويمضيان معاً أوقاتاً طويلة.
ثم انقطع الغريب عن الحلاق يومين أو ثلاثة، فقلق وتمنى لو يعرف بيته، ليزوره، ثم دخل عليه الغريب، ذات يوم شاحب الوجه، ذاوي العود، بادي الهم، كاسف البال، فأسرع إليه الحلاق ويسأله عن حاله، فأجاب بأنه رأى في الطريق امرأة بهره جمالها، فوقع في هواها، ولا شفاء له إلا بالزواج منها، فطمأنه الحلاق، ووعده بالمساعدة، ثم سأله إن كان يعرف دارها، فأجاب الغريب أن نعم، فما كان من الحلاق إلا أن أغلق دكانه، وطلب من الغريب أن يدله على بيتها، ليسعى له في الزواج منها.
وسار الغريب، والحلاق يسير إزاءه، وإذا هو يتجه إلى الحي نفسه الذي يسكن هو فيه، ففرح الحلاق بذلك، واستبشر، وتمنى أن تكون المرأة ممن يعرف من الجيران، كي يستطيع التوسط لدى أهلها، ليزوجوها من صاحبه.
ولكن قلب الحلاق خفق فجأة، وامتقع لونه، وكاد يغشى عليه، فقد أشار الغريب إلى بيته هو نفسه، ولما سأله عن ملامح المرأة، وصفاتها، أجابه الغريب بما يؤكد أن المرأة هي زوجته نفسها، فغالب الحلاق انفعاله، ثم طمأن الغريب إلى إمكان تحقيق مرامه، ووعده بالمساعدة، ثم ودعه، ورجع إلى بيته، وقد اسودت الدنيا في عينيه.
ولما دخل الحلاق على زوجته، طلب منها أن تهيّئ نفسها وولديها للذهاب إلى أهلها، وعند أهلها أعلن أن الديون تراكمت عليه، وأنه لا سبيل إلى وفائها إلا بالرحيل إلى بلد آخر للعمل فيه، ثم أكد عزمه على طلاق زوجته، فدهشت لذلك زوجته، وتوسلت إليه ترجوه أن يصحبها معه، أو أن يتركها إلى أن يعود، ووعده أهلها بمساعدته، ولكنه رفض إلا الطلاق، ثم ودّع ولديه، وهما يبكيان ويتعلقان به، وخرج، وقد طلق زوجته.
وفي اليوم التالي باع الحلاق داره، وقرر أن يتخذ من دكانه مأوى له، يأكل فيه وينام، ولما دخل عليه الغريب، يسأله عن مساعيه، أظهر الجلد، وأجابه بأن زوج المرأة قد توفي عنها منذ مدة قريبة، ولابد من الانتظار حتى انقضاء مدة العدة.
وتكدر عيش الحلاق، وأصبح في أسوأ حال، شحب لونه، واصفر جلده، وعلاه الاكتئاب، ولكنه كان لا يبدي من أمره شيئاً، ولاسيما أمام صاحبه الغريب.
وبعد انقضاء مدة العدة مضى الحلاق إلى أهل مطلقته، وأخبرهم أنه ينصح لها بالزواج من صاحب له يعرفه، كي يضمن لها السعادة، ويكفل لولديه حسن التربية، وأخذ يزكي صاحبه، ويشيد بأخلاقه الحميدة، فدهش الأهل لسعيه، وأنكروه، ولكن ظل يحاورهم، حتى أقنعهم بالأمر كله.
ثم أخذ الحلاق يساعد صاحبه الغريب، ويعينه على تجهيز نفسه للزواج، فينزل معه إلى السوق لشراء الأثاث والثياب والهدايا، ولا يتردد في تقديم النصح والمشورة، وصاحبه الغريب يسأله عن الأمور كلها، ويستعين به على قضائها، إلى أن كان الزفاف، فأرسل الحلاق إلى صاحبه مع أحد الخدم هدية الزواج.
ومرت الأيام، والغريب هانئ بزواجه، وهو ما يفتأ يزور صاحبه كل يوم، ليعرب له عن سروره بالزواج، واطمئنانه إلى زوجته، وسعادته بها، ويشكر له مساعيه، والحلاق يتميز قهراً وألماً، ولكنه يكظم ما بنفسه ويكتمه.
وذات يوم دخل الغريب على الحلاق ليخبره بعزمه على الرحيل إلى بلاده، واصطحابه زوجته وولديها من الزوج السابق، ثم كرر شكره له على مساعيه، ودعاه إلى زيارته في بلده، وودعه، فعانقه الحلاق، والدموع تتفجر من مآقيه.
وفي اليوم التالي لمغادرة الغريب البلد، باع الحلاق دكانه، وأدوات الحلاقة، وقرر أن يسوح في البلاد، فقد عز عليه المقام.
وأخذ الحلاق ينتقل من بلد إلى بلد، ضائق النفس، كاسف البال، شارد اللب، لا يلوى على شيء، ليله حزن، ونهاره اكتئاب، حتى بلغ بلد صاحبه الغريب، فقصد إليه، فوجده في محل للتجارة، وهو في أفخم حال، وأبهى مظهر، فرحب به صاحبه خير ترحيب، وتعجب لحاله، ثم دعاه إلى منزله فاعتذر، ووعده أن يزوره كل يوم في متجره، وعرض عليه مبلغاً من المال يساعده به، فأبى أن يأخذ شيئاً.
وأخذ الحلاق يتردد كل يوم على متجر صاحبه، يقعد عنده ساعة أو بعض الساعة، ثم يمضي ليتوه في دروب البلدة، مشرد الخطا، تائه الفكر.
وذات يوم، وهو قاعد مع صاحبه في متجره، دخل ولدان إلى المتجر، ما إن لمحاه، حتى أسرعا إليه، وهما يهتفان: “بابا، بابا”، وارتميا في حجره، وحاول الحلاق أن يشيح عنهما بوجهه، ولكن عاطفة الأبوة غلبته، فعانقهما وهو يبكي.
وبهت الغريب لما رأى، فسأل صاحبه الحلاق تفسير ذلك، فلم يجب بشيء، ونهض يهم بالانصراف، ولكن صاحبه أقسم عليه إلا أن يطلعه على حقيقة الأمر، فروى له الحكاية من أولها إلى آخرها.
ودهش الغريب لما سمع من الحلاق، ثم اعتذر إليه، وأسف لما كان منه، وآلى عليه إلا أن يصحبه إلى بيته، وهناك عرض عليه الزواج من أخته، فوافق.
وخلال أيام، تم زواج الحلاق من أخت صاحبه الغريب، وقد اشترى له داراً، ورد عليه ولديه، وأوصى أخته بهما خيراً، وجعله شريكاً في متجره، وتنازل له عن نصف أمواله.
ولكن الحلاق لم يكن له طمع في شيء من المال، وقد اطمأنت نفسه بعض الاطمئنان إلى ما صار إليه، فرأى أن يعود إلى بلده، فحمل زوجته وولديه، وودع صاحبه، ورجع إلى بلده، واشترى لنفسه دكاناً فيه، وعاد إلى عمله القديم.
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
المال والبنون
كان لرجل عجوز ثلاثة أبناء، أفنى عمره في تربيتهم، والعمل على إسعادهم، وقد سعى إلى تزويجهم جميعاً، ثم قسم فيهم أمواله، كي يباشر كل واحد منهم حياته مستقلاً، وأبقى الرجل لنفسه داراً صغيرة، أقام فيها وحده، يمضي فيها بقية عمره، قانعاً بالقليل، هانئاً بقيامه بواجبه نحو أولاده، وقد تمنى عليهم أن يزوروه بين حين وحين، كي يسعد برؤيتهم.
ولقد أخذ الأولاد بالتردد على أبيهم، كما أوصاهم، ولكن مع الأيام زادت مسؤولية كل واحد منهم، كما زاد اهتمامه بالحياة، واشتغاله بها، فقلّت زيارتهم لأبيهم، ثم نسوه، حتى بات وحيداً، وهو الذي قسم فيهم ما كان يملك من أموال، وما هي إلا سنة أو سنتان، حتى قل ما ادخره لنفسه، وبات مهدداً بالجوع والحرمان، فحار في أمره، ولم يجد ما يفعل؟! فقصد أولاده واحداً واحداً، يسألهم عن أحوالهم، من غير أن يبدي لهم شيئاً من الضيق، فأبدوا كثيراً من الجفاء، فلما عاتبهم في إهمالهم إياه، أنكروا عليه ذلك، ولاموه، إذ يكفيهم -كما ادعوا- ما هم فيه من مسؤولية، وانشغال بأسرهم وأحوالهم.
ورجع الأب من لقاء أولاده مخذولاً، نادماً على تفريطه بما كان لديه من مال، آسفاً على ما كان له من عزّة وجاه، ومضى إلى بيته، لا تحمله قدماه، من الحزن والألم، وقبع في ركن داره، يقتصد في طعامه وشرابه، وهو في كرب وضيق، والأيام تمرّ به قاسية مؤلمة، حتى أمسى في أسوأ حال، فقد بلي ما كان عنده من ثياب، وكاد ينفد ما بقي لديه من مال، وهزل جسمه، وتغير لونه، ودب فيه العجز، فلم يجد بداً من أن يقصد أحد أصحابه، ليجد شيئاً من العزاء، والنصيحة.
وحين لقيه صاحبه، ورأى ما صار إليه من حال، عاتبه ولامه على تفريطه بأمواله ثم نصح له أن يعمد إلى أرض غرفته، التي هو فيها، فيحفر فيها حفرة، ثم ينزل فيها جرة فارغة، ويجعل فوهتها مع مستوى الأرض، ثم يرمي فيها ما يكنسه كل يوم من أرض الغرفة، وفناء الدار، من غبار وتراب، حتى إذا امتلأت، إلا قليلاً، سد فوهتها بالاسمنت، وغطاها بالحصير، ووعده صاحبه أن يزوره، حين تمتلئ، ليخبره بما يجب عليه فعله، بعد ذلك.
ورجع الأب إلى بيته، وقام على الفور بتنفيذ ما نصح له به صاحبه، ولم تمض بضعة أيام، حتى امتلأت الجرة، أو كادت، بما كان يرميه فيها من غبار وتراب، مما يكنسه من فناء الدار، فسد فوهتها، وغطاها بالحصير، وقعد ينتظر صاحبه.
ولما زاره صاحبه، عرض عليه ما فعل، ففرح بذلك، وأخبره أنه سيمر بأبنائه واحداً واحداً، ليؤكد لهم أن أباهم مازال بخير، وأنه يملك من المال أكثر مما أعطاهم، وأنهم قصروا في حقه تقصيراً، ثم نصح لصاحبه أن يتوقع زيارتهم، وطلب منه أن يعمد إلى الحصير، فيكشف طرفها أمام أبنائه، واحداً واحداً، وينقر على موضع الجرة، ليوهمهم لأنه مازال يملك قدراً جيداً من المال، قد خبأه في هذه الجرة، وأنه لهم، إن هم عنوا به.
وفي اليوم التالي دُقّ الباب، فأدرك على الفور أن القادم ابنه، فرحب به، وقاده إلى غرفته، وكان الولد مدفوعاً بطمع شديد، إلى معرفة ما يملك أبوه، فبعد قليل من السؤال عن الصحة والحال، والاعتذار عما كان من تقصير، سأل أباه إن كان في حاجة إلى شيء، فاتنفض الأب غاضباً، وأكد أنه بخير، وليس بحاجة إلى أحد، ثم رفع طرف الحصير، عن موضع الجرة، ونقر عليها، فرنت رنيناً، فقال له:
"أتسمع؟ إني ماأزال أحتفظ بجرة من المال."
فطمع الولد، ورغب في أن يحظى بالجرة، دون إخوته، أو بأكبر قدر مما فيها، فبادر إلى إرسال زوجته، لتكنس لأبيه البيت، وتسهر على رعايته، وتحمل له الطعام، وبدأ يزوره كل يوم.
وفي اليوم الثاني، زاره ولده الثاني، فكان مثله مثل أخيه، وكذلك كان شأن الولد الثالث، ومنذئذ أخذ الأولاد يهتمون بأبيهم، ويعنون به أشد العناية، بدافع من الطمع بماله.
وذات يوم زاره صديقه، ليطمئن عليه، فرآه في أحسن حال، وهو في ثياب جديدة نظيفة، بيته مفروش ومكنوس، والطعام عنده كثير، ومظاهر النعيم بادية عليه، فهنأه، بما هو فيه، على حين شكر الرجل لصاحبه نصيحته.
وهكذا أمضى الأب بقية عمره، هانئاً باهتمام أولاده به، حتى وافته المنية، فأسرع أولاده في تجهيزه ودفنه، وباتوا ينتظرون مضي يوم أو يومين، حتى يقتسموا ما في الجرة، ولما كان اليوم الثالث، بادروا إلى إخراجها، وهمّوا بكسرها، ولكن بدأت علائم الاختلاف تظهر عليهم، فكل واحد يدعي أنه عني بوالده أكثر من الآخر، وأن من حقه أن يحظى بقدر أكبر مما في الجرة، وبينما هم في خلاف ونزاع، دخل عليهم صديق أبيهم، وكان يتوقع ذلك منهم، فباغتهم، فخجلوا، ثم اعترفوا بما هم فيه من خلاف، وسألوه رأيه، فنصح لهم أن يلجؤوا إلى شيخ في البلدة، كي يقسم الجرة فيهم.
ومضى الأولاد إلى الشيخ، فحدثوه عن أمرهم، فوعدهم أن يأتيهم في المساء، ليقسم الجرة فيهم، ثم مضى إلى السوق، فاشترى أمتاراً كثيرة من القماش، ولما كان المساء، ذهب إلى الأولاد، يحمل ما اشترى، وهو يتوكأ على عصا غليظة، ولما دخل عليهم أخبرهم أنه سيضع الجرة على رأسه، وأن كبيرهم سيضربها بعصاه، وليس لهم بعدئذ سوى أن يلتقطوا ما في الجرة، وقد تناثر على الأرض، ولكل واحد منهم ما يستطيع التقاطه، وامتعض الأولاد من طريقة الاقتسام، ولكنهم رأوا لا مفر لهم من القبول.
ولجأ الشيخ إلى القماش، فلفه على رأسه، طمعاً في أن يحظى بقدر أكبر مما سيتساقط من الجرة، فإذا حول رأسه لفة عريضة جداً، كان الأولاد ينظرون إليها مستائين، ثم وضع الجرة على رأسه، ودعا الأولاد إلى التحلق حوله، ثم ناول عصاه إلى كبيرهم، وأمره بضرب الجرة، فحمل الكبير العصا، ولوَّح بها، ثم ضرب الجرة ضربة عنيفة، فانفجرت، وتناثر ما فيها، من تراب وغبار، ملأ الغرفة، وسد على الأولاد والشيخ العيون والأنوف والآذان، فعلا الصراخ والسعال واللغط والضجيج، ومضوا يبحثون عن الباب، وبعضهم يصطدم ببعض، وكان آخر من خرج الشيخ، فقد كان أكثرهم حظاً مما في الجرة.
_Oni_
24-10-2005, 04:47 PM
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
ابن الحطاب
يحكى أن رجلاً فقيراً ذا عيال كثير، كان يخرج كل يوم إلى الجبل، فيحتطب، ثم ينزل إلى السوق، فيبيع حمل حطب، ليوفر لعياله قوت يومهم.
وذات يوم، وهو راجع من الجبل، استوقفه ولد مشرد، رث الثياب، زريّ الهيئة، رجاه ان يتخذه ابناً له، فانصرف عنه الرجل، ولم يبال به، إذ يكفيه ما عنده من أولاد، وما هو فيه من فقر وبؤس.
ومرة أخرى، في يوم آخر، استوقفه الولد، وألح عليه، يرجوه أن يتخذه ابناً، فرقّ له قلبه، ولكنه ذكر عياله وفقره، فانصرف عنه، ولما وصل البيت روى لزوجته ما كان من أمر الولد المشرد، فأنكرت عليه إعراضه عنه، ورجته أن يحضره معه، إذا رآه مرة أخرى، وأكّدت له أنه سيكون لهما بمثابة الولد، وستكون له منزلته في سائر أولادهما، ولن تثقل عليهم مؤونته، فهو واحد في عيال كثير.
ومرة ثالثة رآه الولد المشرّد، فتوسل إليه أن يتخذه ابناً، فعطف عليه الرجل، وأخذه إلى البيت، وانضم الولد إلى عيال الرجل، ففرحوا به، كما فرح بهم، واطمأن به المقام، وقد أصبح له الرجل أباً، وزوجته أماً، والأولاد إخوة.
وذات يوم خرج الولد إلى السوق ليشتري حاجة للمنزل، فسمع بعض الرجال يتحاورون همساً، فأصغى إليهم خلسة، فسمعهم يتحدثون عن خزينة الملك، وامتلائها بالأموال، كما سمعهم يذكرون موضعها والحراس الذين يحرسونها، وطريقة الوصول إليها، وكأنهم يعدون العدة لسرقتها، فرجع إلى البيت، وقد بيّت في نفسه أمراً.
ولما كان المساء، هيأ سلماً من حبال، وقصد قصر الملك، فتسوره، ووصل إلى الخزينة، فسرق منها مبلغاً كبيراً، ورجع إلى البيت بأمان، وفي الصباح أعطى المال لأبيه، وطلب منه أن يشتري لإخوته الطعام والثياب، ورجاه أن يترك الاحتطاب.
وذهل الملك لسرقة الخزينة، فجمع وزراءه، ورجال قصره، وعرض عليهم الأمر، وأخذ يستفتيهم فيه، ويسألهم طريقة الوصول إلى السارق، وبعد تشاور تم الاتفاق على إرسال ناقة مشهود لها بقدرتها على اقتفاء الأثر، بتتبعها ريحه لتهديهم إلى السارق.
وكان الولد قد خرج إلى السوق، وأخذ يصغي إلى كلام الناس، فعرف أن الملك سيرسل ناقة تقتفي أثره، فأعد للأمر عدته، ولما صارت الناقة قريبة من داره، غافل الحراس، وأدخلها إلى الدار، فذبحها، وألقى بمعظم لحمها في بئر، وترك بعضه، ودعا أمه وأباه وإخوته إلى اشتواء اللحم وتناوله.
ولما كان المساء قصد الولد قصر الملك، فتسوّره، وسرق من خزينته مبلغاً آخر، وترك في موضعه لسان الناقة، ثم رجع إلى بيته بسلام، على الرغم من كثرة الحرّاس.
وفي الصباح غضب الملك غضباً شديداً، وشاور الوزراء في الأمر، فأشاروا عليه بإرسال عجوز تستطلع الأمر، وأخذت العجوز تطوف بالبيوت، وتحاول بدهائها ومكرها وحيلتها أن تقف على السارق، ولما بلغت بيت الحطاب كان الولد في الخارج يلعب مع إخوته، وقد استقبلتها الأم، وهي لا تدري من أمرها شيئاً، وأخذت العجوز تروي للأم أن ابنتها في الوحام، وهي في قرم إلى اللحم، وأخذت تذكر الملك، وتنعى عليه، وتذكره بالسوء، لأنه منع الذبح، وحرم بيع اللحم، فعطفت عليها الأم، ورقّت لحالها، وأخبرتها أن اللحم عندها كثير، ثم أخرجت لها قطعة من البئر، وقدمتها إليها، ففرحت العجوز، وأدركت أنها ظفرت بالسارق، ولكن الولد فاجأها قبل أن تخرج من الدار، وأدرك الخطر الكامن وراءها، فعالجها بضربة على رأسها، ثم رمى بها وبقطعة اللحم في البئر.
ولما كان المساء قصد قصر الملك، وتسوره، وسرق مبلغاً من خزينته، وعاد إلى بيته بسلام.
وفي الصباح رأى الملك الخزينة وقد سرقت، فقرر أن يضع في الطريق إلى الخزينة، وعاء كبيراً، فيه زيت مغلي، وفي المساء عزم الولد على المضي إلى القصر، فطلب منه أبوه أن يصحبه معه، وأراد الولد أن يعتذر عن ذلك، ولكن الأب ألح وأصر، فاضطر الولد إلى القبول، وذهبا إلى القصر معاً، وكان الأب في حالة عظيمة من الذعر والخوف، وما إن خطا داخل القصر خطوة، حتى تعثرت قدمه، ووقع في الزيت المغلي، وبادر الولد إلى الفرار.
وفي الصباح فرح الملك بسقوط الرجل في الزيت المغلي، وقد ظنه السارق، وأمر بتعليق جثته في ساحة المدينة، وأعلن أنه لن يسمح بدفنه، وأن كل من يبكي عليه يشنق إلى جانبه.
وحزنت الأم لفقد زوجها، كما حزن الأولاد جميعاً، وزاد في حزنهم قرار الملك، ولكن الولد حاول أن يسرّيَ عنهم، ووعدهم أن يمكّنهم من البكاء عليه، وأن يساعدهم، على دفنه.
ومضى الولد إلى السوق، فاشترى حماراً، وحمله بكيس مليء بالجوز، ثم طلب من الأم أن تذهب إلى ساحة المدينة، مع الأولاد، وأن تقود الحمار، حتى إذا بلغت جثة زوجها، دفعت الكيس، وتركت الجوز يتدفق على الأرض، ويمكنها عندئذ أن تبكي، هي والأولاد، ماشاء لهم البكاء، بل أن تصرخ وتندب: “يا جوزي، يا جوزي، ضاع جوزي”.
وفعلت المرأة ما أشار عليها به الولد، وتمكنت من رؤية جثة زوجها، والبكاء عليه، هي والأولاد، ثم عادوا جميعاً إلى البيت سالمين.
وفي المساء ارتدى الولد ملاءة، وتنكر في زي امرأة، وحمل زق خمرة، ومضي إلى الجند الذين يحرسون جثة أبيه، فتعرض لهم بوصفه امرأة، وأخذ يغريهم بشرب الخمرة، ويمنيهم بالمتع، حتى إذا سكروا، تركهم ومضى، فتبعوه، فأخذ يراوغهم في الأزقة والمنعطفات، وحتى أضاعوه، فأسرع إلى جثة أبيه، فحملها، ومضى إلى البيت، وقام مع أمه وإخوته بدفنها.
وقبل أن ينقضي الليل مضي إلى القصر، فسرق خزينة الملك، ورجع إلى البيت، وفي الصباح علم الملك بالأمر كله، فثار غضبه، وأخذ يبحث عن طريقة للإيقاع بالسارق، وقد لاحظت ابنته ما هو فيه من غضب، فتطوعت للكشف عن السارق بنفسها.
وأخذت ابنة الملك تطوف بالبيوت متنكرة، تستقصي الأخبار، وتحاول سماع ما يهديها إلى السارق، حتى بلغت دار الولد، فأكرمتها أمه، وقدمت لها أطايب الطعام، وفيه اللحم الكثير، فأدركت ابنة الملك على الفور أنها في بيت السارق، فما كان منها إلا أن شكرت الأم على ضيافتها، وودعتها وخرجت، وقد تركت على باب الدار إشارة.
بعد قليل حضر الولد، فرأى الإشارة على باب الدار، فعرف أن في الأمر خطراً، فوضع مثل تلك الإشارة على دور الحي كلها، وقدم رجال الملك للقبض على الولد، فرجعوا خائبين، ولكن ابنة الملك عادت بهم ثانية، ودلتهم على البيت، فدخلوه وألقوا القبض على الولد، وزج في السجن.
ولما حلّ الليل توسل الولد إلى الحارس أن يخرجه لساعة واحدة، وأقسم له أنه سيعود، وقدم له صرة نقود كبيرة، فأطلقه الحارس، فمضى من توه إلى البيت، فارتدى ثياباً حمراء، وغطى رأسه بعمامة حمراء، وحمل عصا حمراء، وقصد القصر، فدخل على الملك وهو نائم، فأيقظه، فذهل الملك، وسأله من يكون، فأجاب بأنه ملك الجان، وحذره من إيذاء الولد السجين، لأنه أخوه، فارتعدت فرائص الملك ووعده بإطلاق سراحه، وخرج الولد من فوره إلى الوزراء جميعاً، وفعل بهم واحداً واحداً مثلما فعل بالملك، ثم ألقى الثياب، ورجع إلى السجن.
وفي الصباح اجتمع الملك بالوزراء، وحدثهم بما كان في ليلته، وحدثوه بالأمر نفسه، فسألهم رأيهم، فاقترحوا جميعاً العفو عن الولد، وإطلاقه.
وأرسل الملك وراء الولد، وطلب منه أن يعترف بحقيقة أمره، فحدثه الولد بقصته كاملة، فأعجب بذكائه وجرأته، وعرض عليه الزواج من ابنته، فوافق، وفي أيام تم الاستعداد لحفل الزفاف، وتزوج الولد ابنة الملك، ونقل إلى القصر أمه وأخوته، وعاش مع زوجته في هناءة وسرور، إلى أن توفي الملك، فورث العرش، وأصبح ملكاً، وأخذ يسوس الناس بالعدل،، فيدني منه الفقراء والبائسين ويغدق عليهم الخير الوفير.
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
شعر العجوز وحصان ابن الملك
يحكى أن امرأة عجوزاً كانت تعيش وحدها، فقيرة بائسة، فقد توفي عنها زوجها، ولم يخلف لها شيئاً، ولم يكن لهما أولاد، فكانت تتسقط لقيمات الطعام من هنا وهناك، وتأوي إلى دار حقيرة، وكانت تمضي شهور الشتاء حبيسة الدار، لا تغادرها مكتفية بما ادخرته من طعام في الصيف، حتى إذا حل الربيع خرجت تقصد الناس، سائلة العطاء.
وفي يوم من أيام الربيع، رجعت إلى دارها عصراً، وقعدت في فناء الدار، تتدفأ بأشعة الشمس، وأخذت تسرح شعرها، وكانت لا تغسله، بل لا تسرحه، إلا مرة في العام، حين يحل الربيع.
وبعد أن انتهت من تسريح شعرها، على قلّته، جمعت ماتساقط منه، ورأت أن تحرقه، بدلاً من أن ترميه في الأقذار، فأشعلت النار، وألقته فيها.
وشم الجيران رائحة شعر يحترق، وكان عندهم عنزة، ضاعت منذ أيام، فأسرعوا إلى الجارة يتهمونها بسرقة العنزة، وهم يدعون أنها أحرقت جلد العنزة وعظامها، حتى لا يبقى لها على أثر، وذهبوا بالعجوز إلى الملك، يشكونها إليه، وأقسمت العجوز الإيمان مؤكدة براءتها، وأنها لم تحرق سوى شعرات تساقطت من رأسها، الذي لا تسرحه إلا مرة في السنة، فصدّق الملك كلامها، ولكنه حذرها من إحراق ما يتساقط من شعرها مرة أخرى.
ورجعت العجوز إلى دارها، يائسة، تندب حظها، وشقاءها.
ومرت الأيام، ومضى على العجوز عام آخر، لم تسرح فيه شعرها، وقد اتسخ اتساخاً شديداً، وعشش فيه القمل، ولما حل الربيع، قعدت في فناء الدار، تدفئ جسمها بنور الشمس، وتسرح شعرها، ثم جمعت ما تساقط منه، وحملته إلى خارج الدار، وألقته، بعيداً، ورجعت إلى دارها مطمئنة.
ولكن الريح حملت شعرها العجوز بما فيه من قمل، وحطت به في بيدر قمح، لأحد كبار الأغنياء، فعرف على الفور شعر العجوز، وأسرع به إلى الملك، يشكوها، وهو يدعي أن القمل الذي في الشعر أضرّ بقمحه، وأرسل الملك وراء العجوز، فأحضرها الجند، فاعترفت بما فعلت، ولكنها أكدت أنها لم تكن تريد إيذاء أحد، فعفا الملك عنها، وحذرها من أي تلقي شعرها مرة أخرى في الفلاة، وعوّض للغني خسارته في قمحه.
ورجعت العجوز إلى دارها حزينة، بائسة، تندب حظها، ولا تجد ما تفعل.
ومرت الأيام، وحال الحول، وإذا سنة مرت، وشعرها من غير غسل ولا تسريح، وقد تشعث واغبرّ، فاضطرت حين حل الربيع، إلى تسريحه، ثم جمعت ما تساقط منه، وحملته، ومضت إلى نهر قريب، ورمت به في النهر، ورجعت إلى دارها آمنة مطمئنة.
ولكن النهر حمل شعر العجوز، وسار به إلى بستان كان ابن الملك قد خرج إليه للنزهة، وترك حصانه يسرح في الحقول، ودنا الحصان، وشرب من النهر، وإذا شعر العجوز يدخل إلى حلقه، ويعلق فيه، وأسرع ابن الملك إلى الحصان، وساعد، الجند على إنقاذه، وأخرجوا الشعر من حلقه، وذهبوا به إلى الملك، فعرفه على الفور، فأرسل وراء العجوز.
ودخلت العجوز على الملك، يائسة، حائرة، لا تعرف ما تقول، ولما عاتبها على تسريح شعرها، وإلقاء ما تساقط منه في النهر، تمنت عليه أن يقطع رأسها، وأن يريحها من شعره، فضحك الملك، وعفا عنها، ثم أمر الخدم أن يعنوا بها، وأن يفردوا لها غرفة في القصر، تعيش فيها بقية عمرها، عزيزة مكرمة.
_Oni_
24-10-2005, 04:49 PM
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
بنت الداية
كان لإحدى القابلات بنت وحيدة، تعنى بتربيتها، وتسهر عليها، ولكنها تضطر دائماً إلى تركها وحدها، بحكم عملها، ولذلك كانت توصي بها بنات الجيران، ليزرنها في غيبتها، ويساعدنها في أمور البيت.
وذات يوم تركتها كعادتها مع بنات الجيران، فأخذت تمرح معهن وتلهو، ولكن فجأة خرج لهن من زاوية في المنزل غول كبير ففزعت البنات وهربن، وبقيت بنت الداية وحدها، فأخذت تصيح منادية جارها النجار، فسمع الصوت، فأسرع إليها، ولما رأى الغول بادره بضربة من المطرقة التي كانت في يده فقتله ثم وضعه على ظهر حمار، وتركه ليمضي به إلى أخوات الغول السبع، ولما رأت الغولات الحمار مقبلاً، فرحن به، وتوقّعن أن تكون بنت الداية هي القتيل الملقى على ظهر الحمار، ولكن تبين لهن أنه لم يكن سوى أخيهن الغول، فحزنت الغولات، وقررن الإنتقام.
وفي صباح اليوم التالي قدمت الغولات إلى منزل الداية، وهن متنكرات، وخطبن ابنتها إلى أخيهن، فوافقت الداية من غير أن تعرف من أمرهن شيئاً، ووعدنها أن يرجعن بعد أسبوع لأخذ العروس معهن، وقد ادّعين أن أخاهن يعمل في بلاد بعيدة، وقد أغرين الأم بالأموال الكثيرة.
وهكذا حضرت الغولات بعد أسبوع، فودعت البنت أمها، ومضت بها الغولات، وبينما هنّ في زحمة السوق، أحسّت ابنة الداية أن الأمر ليس طبيعياً، فغافلت الغولات وهربت منهن، ولجأت إلى النجار، وطلبت منه ألا يخبر أحداً بأمرها، حتى أمها، كي لاتعود الغولات إليها، ثم رجته أن يصنع لها ثوباً من الخشب.
وارتدت ابنة الداية ثوبها الخشبي وخرجت به لا تعرف أين تذهب، حتى قادتها خطواتها إلى قصر الملك، فقعدت تحت سوره تأكل مما يلقى من فضلات، وتنبهت إحدى الجواري في القصر إلى هذا الكائن الخشبي، الذي يمشي ويتحرك ويعيش في ظل القصر، فأسرعت إلى الملكة تخبرها بأمره، فطلبت منها إحضاره.
واقتادت الجارية بنت الداية في ثوبها الخشبي إلى الملكة، فعجبت لأمر هذا الكائن، وسمته “خشيبان”، ثم أذنت له أن يعيش في حديقة القصر، ليسهر على الإوزات، ويعنى بها.
وكانت الملكة تنزل صباح كل يوم إلى حديقة القصر، بصحبة جارية لها، فتقعد بجوار البركة، وتمضي في تأمل الإوزات، لتسلي نفسها، ثم يغلبها الحزن، فتبكي، نادبة ابنها الأمير، وهنا تتدخل الجارية، فتدعوها للعودة إلى القصر.
وقد لاحظت بنت الداية ذلك، ولكنها لم تستطع أن تعرف حقيقة ذلك الأمر، كما لاحظت أن الجارية نفسها كانت تتسلل كل ليلة خلسة وتمضي إلى كوخ بعيد في حديقة القصر، وتقضي بعض الوقت هناك، ثم ترجع إلى القصر خلسة.
وذات يوم تسللت بنت الداية في إثر الجارية، وتبعتها إلى حيث الكوخ، ثم اختبأت وراء الباب فرأتها تدخل على فتى مقيد اليدين، تقدم له بعض الطعام، ثم تخرج.
وفور خروج الجارية من الكوخ دخلت بنت الداية، وهي في ثوبها الخشبي، فسألت الفتى من يكون، فأخبرها انه ابن الملك، وأن الجارية اختطفته وخبأته في هذا الكوخ الذي لايتوقع أحد أن يكون فيه، انتقاماً من أبيه الملك، الذي كان قد قتل زوج الجارية، فوعدته بنت الداية بالمساعدة، وخرجت من غير أن يعرف من تكون.
وذات يوم ذهبت الملكة إلى الحمام، فاصطحبت معها جاريتها، فاهتبلت بنت الداية الفرصة، فأسرعت إلى الكوخ، ففكت قيد الأمير، ونصحت له أن يدخل القصر خلسة، وأن يختبئ في غرفة أمه، لتكون المفاجأة سارة، كما أوصته ألا يبوح لأمه بحقيقة أمره، وألا يخبرها بمن أطلقه.
وقد حصل هذا كله والأمير لا يعرف حقيقة “خشيبان” إذ كان يظنه خادماً من خدم القصر، اتخذ لنفسه هذا الثوب الخشبي.
ورجعت الملكة من الحمام، ودخلت غرفتها، فسرت كثيراً عندما رأت ولدها الأمير عائداً إليها، وألحت عليه أن يخبرها بما كان من أمره، فلم يفعل.
وكان من عادة بنت الداية “خشيبان”، أن تخلع كل ليلة ثوبها الخشبي، وتستحم في بركة القصر، ثم تنتحي جانباً لتنام. وذات ليلة، بينما هي تخلع ثوبها الخشبي، كان الأمير يتجول في حديقة القصر، فرآها، فاختبأ وراء إحدى الشجيرات وقد أذهله جمالها، وعرف أنها هي التي أنقذته.
وفي صباح اليوم التالي أخبر أمه عن رغبته في الزواج، فسرّت الملكة كثيراً، ووعدته أن تبادر إلى الخطبة له ، فأخبرها أنه يريد الزواج من “خشيبان”، فدهشت الأم، ولكنه عندما أخبرها بالحقيقة سرت كثيراً، وعندئذ حكى لها ما كان من أمر الجارية، فأمرت بسجنها.
وهكذا تزوجت بنت الداية من ابن الملك، ودعت أمها لتقيم معها في القصر، وعاش الجميع في سعادة وسرور.
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
بنت البازركان
كان لكبير (البازركان) بنت وحيدة، توفيت أمها، فعني بها، ورباها خير تربية، وذات يوم قرر أداء فريضة الحج، ولكنه حار في أمره، أين يترك ابنته؟ وحين شاورها في الأمر، شجعته، وأكدت له أنها ستتدبر أمرها في غيابه.
وهكذا ودّعها، وترك لها قدراً من المال، وأوصى بها الجزار والخباز وبائع الخضر، كما أوصى بها سائر الجيران، وكانت كلما أرادت حاجة، دلت سلة من نافذة غرفتها لترفع بها ما يحضره لها أجير الجزار أو الخباز أوبائع الخضر من حاجات.
وفي أحد الأيام سمعت طرقاً على الباب، ونظرت من نافذتها، فرأت فتاة في مثل عمرها، فقيرة بائسة، رثة الثياب، تطلب منها العون، فدعتها إلى الدخول، وقدمت إليها بعض ما عندها من ثياب، ولمست فيها البراءة، فدعتها إلى الإقامة معها كي تأنس بها، فاستجابت الفتاة لدعوتها، وأقامت عندها، تشاركها الطعام والمنام.
وهكذا أنست بنت كبير التجار بتلك الفتاة، واطمأنت إليها، وحدثتها عن والدها كبير التجار، وسفره إلى بلاد الحجاز لأداء فريضة الحج، وما تركه لها من أموال لتتدبر أمورها.
وذات يوم نادتها الفتاة لترى ما في الشارع، فأسرعت إلى النافذة، وما إن صارت أمامها حتى دفعتها، فإذا هي في الشارع، فدهشت لما فعلته، ورجتها أن تفتح لها الباب، فأبت وأكدت لها أن لامكان لها في هذا البيت.
ولجأت بنت كبير التجار إلى نخاس، يعرف والدها، ترجوه أن يبيعها في سوق الجواري، كي تجد من يؤويها لديه، فعرض عليها أن تقيم عنده مع زوجته وأولاده، ولكنها أبت إلا أن يبيعها جارية.
ونزل بها النخاس مضطراً إلى سوق الجواري، وصادف في اليوم نفسه نزول ملك تلك البلاد إلى السوق، فلما رآها اشتراها بأغلى الأثمان.
وكان ذلك الملك قد فقد ولداً شاباً، وانقطعت عنه الأخبار، فأخذها إلى قصره، لعله يجد فيها العوض من الولد، وأوصى بها كبيرة الخدم، ولكن هذه استاءت منها، وقادتها على الفور إلى المطبخ وأمرتها أن تعمل في تقشير البصل.
ولما صار الليل نام كل من في القصر، إلا بنت كبير التجار إذ أوت إلى ركن في المطبخ وقعدت، لاتغمض لها عين وبينما هي على هذه الحال إذا كبيرة الخدم تدخل المطبخ خلسة، فتجمع بقايا الطعام، ثم تخرج، وتخرج في إثرها، وتظل تتبعها من غير أن تحس بها.
وإذا هي تمضي إلى حديقة القصر، وتزيح الحشائش والأعشاب عن بقعة في الأرض صغيرة، فتظهر بلاطة لها حلقة، وترفعها، وإذا تحتها سرداب، تنزل فيه، وتنزل في إثرها بنت كبير التجار، لترى شاباً يتوسل إلى كبيرة الخدم راجياً ألا تضربه، ولكنها تخرج سوطاً من تحت طيات ثوبها، وتشرع في ضربه، وهي تعده أن تكفّ عن هذا إذا قبل بالزواج منها، وهو يؤكد أن “لا”، ثم لم تلبث أن رمت له ما تحمله من بقايا الطعام، وهمت بالخروج.
وأسرعت بنت كبير التجار إلى الخروج قبلها من السرداب، وعادت إلى موضعها من المطبخ .
وفي اليوم التالي التقت الملك، فسألته: “إذا جمعتك بولدك فهل تعتقني؟” فوعدها الملك بذلك، فاقترحت عليه أن يرسل إلى الحمام كل نساء القصر من الملكة إلى الجواري، وكان لها ذلك، وعندئذ دلته على مكان ابنه، فلما رآه فرح فرحاً كبيراً، وعرف حقيقة الأمر، فأرسل على الفور جلاداً إلى الحمام ليقتل كبيرة الخدم، ثم استدعى الطبيب ليعالج ابنه.
وبعد بعضة أيام ذكّرت الملك بوعده لها، فعرض عليها الزواج من ابنه، فاعتذرت، فعرض عليها الإقامة في القصر، فرفضت، وأبت إلا أن يعتقها، فأعتقها.
ومضت بنت كبير التجار على الفور إلى النخاس تطلب منه أن يبيعها ثانية في سوق الجواري، فذهل لطلبها، ورجاها أن تقيم عنده مع زوجته وأولاده، فأبت، فأخذها إلى سوق الجواري، وهناك كان لها ما أرادت.
وفي هذه المرة اشتراها ملك بلاد بعيدة، كان قد أتى إلى هذه البلاد للعلاج، فهو مريض معتل، ولما رجع بها إلى بلاده، نقمت عليها زوجته، واتخذتها خادمة لها، لتكون دائماً تحت سمعها وبصرها، وكانت تأمرها كل ليلة بتهييء مائدة العشاء ثم تصرفها، وفي صباح اليوم التالي تجد المائدة نظيفة لا شيء عليها، فأدهشها الأمر؟ هل يعقل أن تقوم الملكة بتنظيفها؟ وهل يعقل أن تتناول الملكة كل ماكان على المائدة من طعام؟
وذات ليلة أوهمتها أنها قد انصرفت، ولكنها ظلت وراء الباب، تنظر من ثقبه، فرأت الملكة تقدم للملك كأس شراب، ما إن شربه، حتى راح في سبات عميق، وأخذت الملكة تجمع ما على المائدة من طعام، وتضعه في كيس ثم تخرج به.
وخرجت بنت كبير التجار في إثرها، وأخذت تسير وراءها، من غير أن تحس بها، وإذا الملكة تمضي إلى غابة قريبة، لتدخل كوخاً فيه عفريت، ما إن رآها حتى لامها على تأخرها، ثم بسطت أمامه ما حملت معها من طعام، فأقبل عليه يلتهمه، ثم جلست معه بضع ساعات يتسامران ويتناجيان، حتى كاد الفجر يظهر، وعندئذ ودعته ورجعت قافلة إلى القصر.
وكانت بنت كبير التجار قد سبقتها إلى موضعها في المطبخ، واستلقت متظاهرة بالنوم ولما كان الصباح، التقت الملك، وسألته إن كان يعتقها إذا دلته على سبب مرضه واعتلاله، فوعدها بذلك، فأخبرته بكل ماكان من أمر زوجته والعفريت، ثم اتفقا على خطة.
ولما كان المساء، أعدت كعادتها مائدة العشاء، ثم تظاهرت بالانصراف وحين قدمت الملكة إلى الملك كأس الشراب طلب منها أن تحضر له عباءة يضعها على كتفيه، لأنه يحس بالبرد، ومضت لتحضر له ما طلبه، فسكب على الأرض الشراب ثم تظاهر بالنوم، ولما رجعت، غطته بالعباءة وجمعت كعادتها الطعام وخرجت إلى الغابة، وخرج في إثرها الملك تصحبه بنت كبير التجار، ورأى بعينيه ما كانت تفعله كل ليلة.
ورجع إلى القصر، ليطلب من الجند أن يذهبوا إلى الغابة ويقطعوا رأس العفريت، وليحملوه إلى القصر، ولما رجعوا برأسه، ألقاه بين يدي زوجته، فذعرت، وأخذت تبكي وتلطم وجهها مدعية أنه أخوها، ولكن الملك دحض ادعاءها، ثم أمر بقطع رأسها.
وبعد بضعة أيام ذكرت بنت كبير التجار الملك بوعده، فعرض عليها أن يتزوجها، ولكنها اعتذرت وأبت إلا أن يعتقها.
ورجعت إلى النخاس ترجوه أن يعرضها للبيع في سوق الجواري مرة ثالثة، فنصح لها، وعرض عليها أن تعيش في بيته، مع زوجته وأولاده، فأبت، وكان لها ما أرادت.
واشتراها هذه المرة أحد الملوك، وكان عنده بنت وحيدة مجنونة، حبسها في غرفة من غرف القصر، وكانت كلما أدخل عليها جارية لتخدمها أكلتها، ولما دخلت عليها بنت كبير التجار هجمت عليها بنت الملك المجنونة، وهمت بها، فقالت لها: “لايمكن أن تأكليني بما أنا عليه من غبار السفر، انتظري حتى أستحم، ثم بعد ذلك، يمكنك أن تأكليني”، ولكن ابنة الملك أعربت عن خوفها من أن تهرب، فأكدت لها أنها لن تهرب، ثم رأت في زاوية الغرفة خيطاً، فقالت لها: “اربطيني به حتى لا أهرب”.
وهكذا خرجت بنت كبير التجار من القصر هاربة من ابنة الملك المجنونة، وأخذت تجري لا تعرف أين تذهب، ولمحت من بعيد ضوءاً، فاتجهت إليه، ولما بلغته رأت ناراً متقدة، تحت حلة كبيرة، فيها قطران يغلي، وإلى جانب الحلة عفريتتان تحرسان الحلّة، الأولى نائمة، والثانية مستيقظة، وقد ألقت ثدييها إلى ظهرها، فغافلتها، ورضعت من ثدييها، ثم ألقت عليها السلام، فردت العفريتة: “لولا سلامك سبق كلامك لأكلت لحمك مع عظامك”، وردت عليها منكرة أن تفعل بها ذلك وقد أصبحت ابنتها، فأثر كلامها في نفس العفريتة، وذكرت بنتاً لها كانت قد فقدتها، وسرّت كثيراً لأنها وجدت بدلاً منها ثم قالت لها: “إذن هيا راقبي النار تحت هذه الحلة، ولا تتركيها تخمد، فقد آن لي بعد سبع سنين من إيقادها أن أستريح” وهنا تشجعت بنت كبير التجار فسألت عن سر تلك النار والغاية من ذلك القطران، فأجابتها بأن ابنة الملك في تلك البلاد ستظل مجنونة ما دام القطران يغلي، فتشجعت أكثر وسألتها عن سبب ذلك، فأجابتها العفريتة بأنها تفعل ذلك انتقاماً منها لأنها رفضت أن تصبح ابنة لها بعد أن فقدت ابنتها، فطمأنتها بنت كبير التجار، وأكدت لها أنها ستكون هي بدلاً من ابنتها التي فقدتها، ثم طلبت منها أن تستريح لترعى النار بدلاً منها، وأخلدت العفريتة إلى النوم، فما كان من بنت كبير التجار إلا أن صبت القطران وهو يغلي على العفريتتين، ثم أخمدت النار. ورجعت إلى قصر الملك ودخلت على ابنة الملك، فرأتها سليمة معافاة ففرحت بذلك وألبستها أحسن الثياب، ثم دخلت على الملك وسألته إذا كانت ابنته قد شفيت فهل يعتقها؟ فوعدها بذلك، وما كان منها إلا أن دعته ليرى ابنته، ولما رآها فرح كثيراً، ودعا ابنة كبير التجار إلى العيش معها في القصر كأخت لها؟ ولكنها رجته أن ينفذ وعده؟ فكان لها ما أرادت.
ورجعت إلى النخاس مرة أخرى تطلب منه أن يعرضها للبيع في سوق الجواري، ولكنه أخبرها أن والدها قد رجع من الحجاز بعد أدائه فريضة الحج، وأكد لها أنه سيقودها إلى البيت.
وكان والدها قد فوجئ بالفتاة الغربية في منزله، فأكدت له أنها ابنته، فسألها عن سمرتها، فأخبرته أن الشمس قد لوحتها، وسألها عن احمرار عينيها؟ فأجابت أن ذلك بسبب فرط بكائها، فطلب منها أن تطبخ له الحريرة، فأكدت له بأنها نسيت طريقة طبخها.
وعاش كبير التجار مع تلك الفتاة الغريبة كارهاً، وهي تصرّ على أنها ابنته.
وذات يوم طرق الباب، فأسرع يفتحه، فرأى النخاس ومعه ابنته، فعرفها على الفور، ولكنه تظاهر بعدم معرفتها، ثم دعاها مع النخاس إلى الدخول، وجمعها بالفتاة الغريبة التي في بيته، وطلب منهما أن تطبخا له الحريرة، وأكد لهما أن التي تجيد طبخها هي ابنته.
وبادرت ابنته على الفور إلى طبخ الحريرة، على حين ترددت تلك الفتاة الغريبة، وعند ئذ ظهر الحق.
وسأل الأب ابنته عن العقاب الذي تريد أن يوقعه في الفتاة التي كانت سبب خروجها من بيتها وتشردها، فأجابت العفو.
وعادت الفتاة إلى تشردها وتسوّلها، على حين التأم شمل الأب والبنت وعاشا في هناء وسرور.
_Oni_
24-10-2005, 04:51 PM
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
الأمير حسن والغول
كان لأحد الملوك تسعة أولاد ذكور، كأنهم البدور حازوا الشجاعة والبطولة، وكان لملك مجاور تسع بنات كالزهرات، حُزنَ الجمال والأخلاق.
وذات يوم توجه أصغر الأولاد، ويدعى الأمير حسن، إلى الملك المجاور، وخطب صغرى البنات، ولما سمع بذلك إخوته، لحقوا به وخطبوا باقي البنات.
وهكذا أقيمت الأفراح، ونصبت الزينات، وأعدت الولائم، وأمضى الأمراء سبعة أيام مع الأميرات في سعادة وسرور، ولكن كان لابد أن يعودوا بعد ذلك إلى مملكتهم مع زوجاتهم.
وكان عليهم أن يمروا في الطريق بغابة كثيفة الأشجار، فساروا رتلاً واحداً، كل أمير على فرس، ووراءه زوجته على فرس آخر.
وكان الأمير حسن في مقدمتهم، يسبقهم، بمسافة غير قليلة، ليستطلع لهم الطريق، وكانت زوجته تسير في آخر الركب، مع إخوته وزوجاتهم.
وبينما هم في وسط الغابة، وقد تقدمهم الأمير حسن، برز لهم غول عملاق، نفخ عليهم واحداً إثر الآخر، فجعلهم حجارة سوداء، عدا زوجة حسن، فقد اختطفها وهرب بها.
والتفت الأمير حسن، فلم ير إخوته، فرجع إليهم، فرآهم جميعاً حجارة سوداء، ولم تكن زوجته فيهم، وتتبع آثار أقدام الغول، فقادته إلى جبل شاهق، ينهض على قمته قصر منيف، فأدرك أنه منزل الغول فأخذ يتسلق الجبل حتى بلغ القصر، ولم يكن له مدخل ولا باب، سوى نافذة في أعلاه، فنادى الأمير حسن زوجته، فمدت له شعرها الطويل من تلك النافذة، فتعلّق به، ورفعته إليها فدخل القصر، وقد ذهل مما رأى من أكوام العظام والجماجم.
وما هي إلا برهة حتى أحس الأمير صوت قعقعة غريبة، فنبهته زوجته إلى قدوم الغول، ثم ماكان منها إلا أن أدخلته في صندوق ثياب عتيق، وأغلقت بالقفل والمفتاح.
ولما دخل الغول قال لزوجة الأمير حسن إنه يشم رائحة إنسيّ، فأنكرت ذلك، فأعاد القول ثانية، ولكنها أنكرت، وأعاده ثالثة، فظلت على إنكارها فصمت.
وكان زوجها قد أوصاها أن تسأل الغول عن روحه أين هي؟ فلما سألته، أجاب بأن روحه في المكنسة، فألبست المكنسة ثياباً، وأخذت تداعبها، لتوهمه أنها تحبه، وفي يوم آخر أخبرها أن روحه في الإبريق، ففعلت الأمر نفسه، وفي كل مرة كان يخبرها أن روحه في مكان، حتى اطمأن إليها، ووثق بها.
وفي يوم أخبرها أن روحه عصفور مخبأ في علبة صغيرة، والعلبة في قلب عنزة عرجاء جرباء، ولما خرج الغول كعادته كل يوم إلى الغابة، أخبرت زوجها الأمير حسن بمكان روح الغول، فودّعها وخرج.
وأخذ الأمير حسن يسير في البلاد حتى وصل إلى خيمة فيها عجوز، وعندها بضع غنمات ترعاها، فعرض عليها أن تتخذ منه ولداً لها، ووعدها أن يرعى الغنمات بدلاً منها، فوافقت، فأخذ الأمير حسن يسرح بالغنمات في المرعى، ليرجع بها في المساء إلى خيمة العجوز.
وذات يوم نبهته إلى وجود عنزة جرباء عرجاء قرب المرعى، وحذرته من الاقتراب منها، لأنها تهلك كل من يقترب منها، وفرح الأمير حسن بذلك، وأسرع من فوره إلى العنزة الجرباء العرجاء، وأخذ يصارعها إلى أن صرعها بسيفه، ثم شق صدرها وأخرج قلبها، فوجد فيه العلبة ففتحها فرأى عصفوراً صغيراً، فأمسكه وأسرع به إلى قصر الغول.
وأمام القصر ضغط الأمير حسن على عنق العصفور فسمع من الداخل صرخة ألم شديدة، ثم خرج الغول وهو يتلوّى من الألم، وضغط ثانية على عنق العصفور، فتوسل إليه الغول أن يطلق العصفور، ووعده أن يحقق له ما يريد، فطلب منه أن يعيد إخوته وزوجاتهم إلى ماكانوا عليه، ثم ضغط مرة ثالثة، فتلوى الغول من الألم أكثر وأكثر، وسأله ما يريد، فطلب منه الأمير حسن أن يعيد إليه زوجته، فأعادها إليه، وعندئذ فصل الأمير حسن رأس العصفور عن جسده، فسقط الغول جثة هامدة.
ورجع الأمير حسن مع زوجته إلى الغابة، فرأى إخوته وزوجاتهم على ظهر الخيول وهم يتابعون سيرهم وكأن شيئاً لم يحصل.
وتابع الجميع سيرهم يتقدمهم الأمير حسن وزوجته، إلى أن وصلوا إلى مملكة أبيهم، فأقيمت الأفراح، ونصبت الموائد، وأعلن في المملكة سبعة أيام وثماني ليالٍ، لا أحد يأكل ولا أحد يشرب إلا من قصر الملك.
وعاش الأمراء التسعة مع زوجاتهم في سعادة وسرور.
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
فطوم بنت الشحاذين
كانت فطوم فتاة جميلة، ذكية، ولكنها كانت فقيرة جداً، فقد مات أبوها، وأخذت أمها تعمل شحاذة، تطوف، تسأل الناس الصدقة.
وذات يوم أحضرت لها أمها قليلاً من الرز والعدس وبعض اللحم وطلبت منها أن تطبخ مخلوطة، ريثما تطوف في الأسواق لعلها تحصل على الرزق.
وشرعت فطوم في طبخ المخلوطة، ووقفت أمام القدر، لا تغادرها، وهي تعني بالطعام، حتى نضج، وإذ بالباب يقرع، ففتحته، فرأت عجوزاً تسألها بعض الطعام، فدعتها إلى الداخل وسكبت لها صحناً من المخلوطة، فشكرتها العجوز، وأقبلت على الصحن، فالتهمته، ثم طلبت صحناً آخر، فسكبت لها، فطلبت صحناً ثالثاً فرابعاً، وهكذا حتى فرغت القدر، وفطوم ترحب بها، ولا تبدي أي شيء من التذمر، ثم ودعتها العجوز وخرجت.
وحارت فطوم في أمرها، ماذا تفعل؟ وما كان منها إلا أن سكبت في القدر بعض الماء ورفعتها فوق النار، وأخذ الماء يغلي، وليس فيه إلا بقايا قليلة مما كان قد علق بجوانب القدر.
ولما رجعت الأم في المساء، قدمت لها ابنتها صحناً ليس فيه سوى الماء، وبعض الحبات من الرز والعدس، فغضبت الأم، وصرخت بابنتها: “أين المخلوطة”؟، ولم تجد البنت ما تقوله، فازداد غضب الأم، وهجمت على البنت تريد ضربها ففتحت باب الدار وولت هاربة.
ولحسن حظها قادتها قدماها إلى قصر الملك، فقعدت أسفل السور، وكان الملك في الشرفة، فرآها، فطلب من الخدم أن يحضروها ثم أمرهم أن يأخذوها إلى الحمام، ويلبسوها أحسن الثياب.
وخرجت فطوم بنت الشحاذين من الحمام أميرة، تعلوها ثياب الحرير، وما إن رآها الملك حتى فتن بجمالها، وأعلن في الحال رغبته في الزواج منها.
وعمت الأفراح البلد، ونصبت الزينات، وأقيمت الموائد، وأعلن في المدينة “سبعة أيام وثماني ليالي، لا أحد يأكل، ولا أحد يشرب، إلا من قصر الملك”.
وسعدت فطوم بنت الشحاذين بحياتها الجديدة، كما سعد بها الملك، وطاب لهما العيش، فقد جمعهما القدر، ووفق بينهما الحب، وأخذت أيامهما تزداد سعادة.
وذات يوم أطلت فطوم بنت الشحاذين من شرفتها، فرأت أمها أسفل سور القصر تتسوّل، فأرسلت وراءها الخدم، ولما أحضروها، عرفتها إلى نفسها، وعرضت عليها أن تترك حياة الشحاذة والتسوّل، وأن تعيش معها، ولكنها انفجرت غاضبة، وصاحت بها “أين صحن المخلوطة، يا فطوم يا بنت الشحاذين”، وحاولت البنت تهدئتها، وإقناعها أن تلزم الصمت، ووعدتها أن تمنحها بدل صحن المخلوطة العقود واللآلئ والجواهر، ولكن صراخ الأم كان يزداد ويعلو، فما كان من البنت إلا أن لجأت إلى الحيلة، فأخبرتها أن صحن المخلوطة موجود، وأنها تخبئه في باحة القصر أسفل النافذة، ثم قادتها إلى النافذة، وجعلتها تطل منها، لترى صحن المخلوطة، ثم دفعتها، فسقطت ميتة، ثم أسرعت البنت إلى باحة القصر، وحفرت أسفل النافذة، ودفنتها.
وعادت فطوم بنت الشحاذين إلى حياتها الهانئة مع زوجها الملك، ولكن ذات يوم أطلت من نافذتها، فرأت في باحة القصر حيث دفنت أمها نبتة قد ظهرت، فلم تبال بالأمر، ولكن يوماً بعد يوم أخذت هذه النبتة تعلو وتطول، حتى صارت شجرة، وبينما، كانت البنت تتأمل أغصانها وفروعها الممتدة أمام النافذة، هبت النسمات، فتحركت الأوراق، وإذا هي تقول: “أين صحن المخلوطة، يا فطوم بنت الشحاذين؟”
وذات ليلة بينما كانت فطوم بنت الشحاذين مع زوجها الملك أمام المائدة، وهما يتسامران ويتناجيان، والنافذة بجوارهما مفتوحة، هبت نسمات ناعمة، فإذا أوراق الشجرة تتحرك هامسة: “أين صحن المخلوطة، يا فطوم بنت الشحاذين؟”، فأسرعت إلى النافذة، وأغلقتها، وهي مذعورة، قلقة، ولما رجعت إلى المائدة، لاحظ الملك شحوبها وتغيرها، بل رأى الدموع تترقرق في عينيها، فسألها عن سرّ تغيّرها، فحاولت أن تتهرب من الإجابة، ولكنه ألح عليها، فأخبرته أنها تضيق ذرعاً بالقصر، وتحنّ إلى المرحاض في دار أبيها، لأنه أجمل من القصر وأرحب.
وذهل الملك مما سمع، وأقسم أن يرى مرحاض دار أبيها، فإذا لم يكن أجمل من قصره وأرحب، فإنه سيقتلها.
ولم تصدق فطوم بنت الشحاذين أنها هي نفسها قد نطقت بمثل ذلك الكلام، وندمت على ما فرط منها في ساعة غضب.
ولكن كان لابد من أن تسير مع زوجها الملك، لتدله على دار أبيها، وكانت تسير هائمة على وجهها، لاتعرف أين تقودها خطاها، والملك في كل حين يسألها: “أين دار أبيك؟ متى سنصل؟”، وهي تلف به في البلاد، وتدور، حتى بلغا أرضاً خلاء، لا عمار فيها ولا شجر، فقال لها الملك: “أنت لاشك كاذبة، ولابد من قتلك”، واستل سيفه، ولكنها رجته أن يمهلها ثم طلبت منه أن يأذن لها أن تغيب قليلاً وراء تلة صغيرة، لقضاء حاجة، فأذن لها.
وكانت فطوم بنت الشحاذين تنوي الفرار، ولكنها ما إن غابت وراء التلة حتى رأت سلحفاة كبيرة، فاجأتها قائلة: “ماهذا الخطأ الذي بدر منك يا فطوم؟”، فدهشت، ثم قالت لها: “أرجوك ساعديني”، فطلبت منها أن تذهب على الفور وتحضر الملك، ووعدتها أن تجد في مكان السلحفاة نفسها بلاطة عليها حلقة، ماعليها إلا أن ترفعها وتنزل، لترى ما يدهش الملك، وهمت فطوم بالإسراع إلى الملك، ولكن السلحفاة حذرتها من البقاء في الأسفل أكثر من سبعة أيام، وإلا انقلب كل شيء.
ورجعت فطوم بنت الشحاذين إلى زوجها الملك، وعلائم السرور بادية على وجهها، على حين كان غاضباً، والسيف في يده، فأخبرته أنها قد وصلت إلى دار أبيها، ثم قادته إلى حيث كانت السلحفاة وراء التلة، فرأت بلاطة عليها حلقة، فرفعتها، وإذا هي أمام سرداب، نزلت فيه مع الملك، فإذا هما في قصر لم تر مثله عين، عالي القباب، واسع الأبواب، أدراجه من مرمر، وترابه من عنبر، قناديله من مرجان، كأنه من صنع الجان.
وأقام الملك مع زوجته فطوم بنت الشحاذين في القصر أياماً، وطاب لهما العيش، وهما ينعمان بأشهى الفواكه وأطايب الطعام، حتى كان اليوم السابع، تذكرت فطوم بنت الشحاذين السلحفاة، فقالت لزوجها الملك: “أحنّ إلى قصرك، وأشتاق إليه، ولن أذكر بعد اليوم قصر أبي”، فسامحها الملك، وعفا عنها.
وخرجا من السرداب، وإذا هما مرة أخرى في تلك الفلاة، حيث لاشجر ولا عمار، ولم يخطوا بضع خطوات، حتى قالت فطوم بنت الشحاذين للملك”، اعذرني، أريد قضاء حاجة”، ورجعت إلى وراء التلة، فرأت السلحفاة حيث كان باب السرداب، فشكرتها، وسألتها من تكون في الحقيقة، فأخبرتها أنها هي تلك العجوز التي رحبت بها وأطعمتها قدر المخلوطة.
ورجع الملك وزوجته بنت الشحاذين، ليعيشا معاً حياتهما هانئين سعيدين.
_Oni_
24-10-2005, 04:54 PM
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
الولد الأقرع
كان لامرأة عجوز حفيد وحيد، مات أبوه، فرعته جدته، وسهرت على تربيته، ولكن لسوء حظها كان لايحسن فعل شيء، بل إنه أصيب بمرض ذهب بشعر رأسه، فأصبح أقرع، مما زاد في الطين بلة.
وذات يوم أرسلته ليشتري الخبز، فرجع لايحمل شيئاً، ولما سألته عنه، أجابها أنه التقى في الطريق بمجموعة كلاب تطارد كلباً صغيراً، فألقى إلى الكلاب بالخبز فانشغلت به عن الكلب الصغير، فما كان من جدته إلا أن عفت عنه.
وفي يوم آخر أرسلته ليشتري اللحم، فرجع لايحمل شيئاً، ولما سألته عنه، أخبرها أنه رأى مجموعة من قطط تطارد قطاً صغير، فرمى إليها باللحم، فانشغلت به عن القط الصغير ومرة ثانية عفت عنه جدته.
وفي يوم ثالث أرسلته مع الحاصدات ليعمل معهن في حصاد القمح، وفي الطريق تأخر عنهن، وقعد على صخرة، يستريح من تعبه، فمرت به أفعى، ولكنها رجته أن يخبئها، فخبأها تحت طيات ثوبه، ومر به رجل، فسأله إن كان قد رأى أفعى، فأنكر ذلك، فمضى الرجل في حال سبيله، وعندئذ خرجت الأفعى، لتشكر الأقرع، وتقدم له خرزة زرقاء، وأخبرته أنه يستطيع أن يطلب من هذه الخرزة فعل أي شيء يعجز هو عن فعله، ثم ودعته ومضت.
ولحق الأقرع بالحاصدات فطلبت منه إحداهن نقل كومة كبيرة من القش، إلى طرف الحقل، فما كان منه إلا أن امتطى الكومة، ثم طلب من الخرزة الزرقاء أن تحمله إلى اصطبل الملك، وطارت به كومة القش محلقة، لتمر أمام قصر الملك، وتدخل به إلى الاصطبل، وكانت ابنة الملك في نافذتها، فلما رأت كومة تطير وفوقها الأقرع، ضحكت، وأشارت إليه ساخرة، فدعا عليها أن تحمل من قبل أن تتزوج.
ومرت الأيام، وإذا ابنة الملك حامل، وذهل أبوها الملك، فأخبرته بحقيقة الأقرع، ودعائه، فأرسل وراءه، وألزمه بالزواج منها، فقبل مضطراً ولكن على شرط أن تعيش معه في بيت جدته، فكان له ما أراد.
وأخذ الأقرع عروسه إلى بيت جدته، وكان من الطبيعي ألا يطيب لابنة الملك المقام في بيت الجدة، وأن تطلب منه قصراً مثل قصر أبيها.
وعلى الفور طلب الأقرع من الخرزة أن يكون هو وزوجته في قصر أجمل من قصر الملك، وأن يكون الملك غارقاً تحت سبعة بحور، وفجأة وجد نفسه في القصر، وقد تحقق له ما طلب.
ولكن ذات يوم بحث عن الخرزة فما وجدها، بل وجد نفسه مع زوجته غارقين تحت سبعة بحور، فقد أرسل الملك إليه من سرق الخرزة من غير أن يعلم، فتألم الأقرع وحزن.
وبينما هو على هذا الحال، دخل عليه كلب وقط، سألاه إن كان يريد أن تعود الخرزة إليه، فأجاب أن نعم، وعلى الفور أسرع الكلب والقط إلى قصر الملك، فسرقا الخرزة، وعادا بها إلى الأقرع.
وما كان من الأقرع إلا أن طلب من الخرزة أن يكون له قصر مقابل قصر الملك، وعلى الفور كان له ما أراد، وإذا هو في قصر مع زوجته أمام قصر أبيها، ثم أحضر الأقرع إليه جدته، وعاش الجميع.في هناء وسرور.
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
أجير الصائغ
كان أحد الرجال يعمل أجيراً لصائغ، وعنده بضعة أولاد وكانت أجرته لا تكفيه في شيء، وكلما طالب معلمه أن يزيد في أجرته، اشتكى المعلم من ضعف الحال.
وذات يوم قرر أن يرتحل في طلب الرزق، فودّع زوجته وأولاده وسافر، وكانت تحمله بلاد، وتحط به بلاد، حتى وصل إلى بلد، قصد فيه إلى دكان صائغ، عرض عليه أن يعمل عنده، فقبل.
وباشر الرجل عمله، وأخذ يبدي مهارة فائقة، حتى يحظى برضى معلمه الجديد، ولكن هذا لم يكن بأفضل من ذاك، إذ كان دائماً يمنّ عليه، إذ أتاح له فرصة العمل عنده، ولا يعطيه أجرته إلا بعد أن يطلبها منه عدة مرات، وبعد تأجيل ومماطلة.
وذات يوم دخل دكان الصائغ خادم الملك، وطلب صوغ سوار خاص بابنة الملك، فوعده الصائغ أن يجهز له السوار في صباح يوم الغد، ثم التفت إلى الأجير، وطلب منه أن يعدّ السوار.
وأكبّ الأجير على السوار، يسوغه بإتقان، يضع فيه كل مهارته، وسهر عليه طوال الليل، ثم إنه نقش عليه من الداخل هذه الأبيات:
مصائب الدهر كفّى
إن لم تكفي فعفّي خرجت من أجل رزقي
رأيته متوفّي كم جاهل في الثريا
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
كم عالم متخفّي
وفي الصباح حضر خادم الملك، فناوله المعلم السوار، وأخذ منه مكافأة كبيرة، ولم يعط الأجير شيئاً.
وفرحت ابنة الملك بالسوار، وأعجبها كثيراً، وأخذت تتزين به صباح مساء، وذات يوم، وهي تضعه في يدها تنبهت إلى الأبيات المنقوشة عليه من الداخل، فعرضته على أبيها، ورجته أن يعرف قصة هذه الأبيات.
وأرسل الملك وراء الصائغ، ولما جاء سأله عمّن صاغ السوار، فأكد له أنه هو الذي صاغه، فطلب منه سواراً آخر يشبهه تماماً، على أن ينجزه في صباح اليوم التالي، ومن غير أن يكون بين يديه السوار الأول.
وأسرع الصائغ إلى أجيره يطلب منه سواراً آخر كالسوار الأول، فوعده الأجير خيراً، ثم إنه أغلق باب الدكان على نفسه، وبقي في الداخل.
وكان الأجير في الحقيقة قد صاغ منذ البداية سوارين، وخبأ أحدهما، وقدم الآخر للصائغ، ولما طلب منه سواراً ثانياً، كان هذا جاهزاً.
وفي الصباح حضر خادم الملك، فناوله الصائغ السوار، وتلقى منه المكافأة، ولم يمنح الأجير شيئاً.
ولما رأت بنت الملك السوار دهشت، لأنه كان كالسوار الأول تماماً، لا يختلف عنه في شيء، كما نقشت عليها من الداخل الأبيات نفسها، فأسرعت إلى أبيها تخبره بالأمر، وترجوه أن يعرف قصة الصائغ.
وأرسل الملك وراء الصائغ فلما حضر سأله عن السوار إن كان هو قد صاغه فعلاً، فخاف، وظن أن الملك لم يعجب بالسوار، فأخبره أن أجيره هو الذي صاغه.
وأرسل الملك على الفور وراء الأجير، ولما حضر سأله عن قصة الأبيات، فروى له حكايته، وأخبره ما كان من أمره مع معلمه الجديد، الذي لم ينصفه، شأنه في ذلك شأنُ معلمه السابق، وأكد له ندمه على غربته وتركه وطنه وبعده عن زوجته وأولاده.
وعندئذ أمر الملك بتعيين الأجير وزيراً في مملكته، وأرسل وراء زوجته وأولاده ليعيشوا معه في هناء وسرور.
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
قسمة ونصيب
خرج ذات يوم أحد الملوك مع وزيره متنكرين في زي رجلين فقيرين، وأخذا بالتجوال في الأزقة والحارات، حتى يريا أحوال الناس، وقادتهما خطاهما إلى خارج المدينة، فشاهدا بصيص نور من بعيد فسارا حتى وصلا إليه، فإذا هما أمام كوخ بسيط، قرعا الباب، فخرج إليهما رجل رحب بهما، ودعاهما إلى الدخول، وقدم لهما كسرة خبز وبعض البصل وقليلاً من الماء. ثم اعتذر لهما أشد الاعتذار، لأنه لايملك شيئاً، ولديه عيال كثير، وسمع الملك صوت امرأة تتألم، فسألاه، فأجابهم بأن زوجته في الغرفة الأخرى وهي في المخاض، ثم استأذنهما في الخروج إلى زوجته، وتركهما مع ذلك الطعام القليل.
وما هي إلا برهة حتى رجع إليهما يحمل وليداً، وهو في غاية السرور، فهنأه الملك والوزير به، وقدما له بعض المال ليصلح به حاله، فسعد بذلك الرجل، وفي غيابه طلب الملك من الوزير أن ينظر في طالع الولد، فأخبره أن المولود سيتزوج من ابنته، التي كان قد رزق بها قبل بضعة أيام، فغضب الملك، وأضمرها في صدره، ولما رجع الرجل، سأله إن كان يبيعه ولده فهو فقير، وذو عيال كثير، ثم عرض عليه مبلغاً كبيراً، لم يلبث أن زاده مرة ومرتين، فرضي الرجل، ولكنه أعاده إلى أمه لتودعه، وتلفه بالأقماط، وحزنت الأم لفراقها ولدها، ولكنها سلمت أمرها لله، ولفت الولد بكل مالديها من خرق وثياب.
وحمل الملك الوليد ومضى به مع الوزير، ولم يقطع سوى مسافة قصيرة حتى رمى بالوليد من قمة جبل، ورجع إلى القصر مطمئناً إلى موته، وطلب من الوزير ألا يخبر أحداً بذلك.
وشاءت الأقدار أن يقع الوليد على شجرة كثيفة الأغصان، ومنها سقط إلى الأرض، فكان اصطدامه بها ضعيفاً، وهو الملفوف بأقماش وثياب كثيرة، لذلك لم يؤثر فيه السقوط على الأرض.
وكان في تلك الأنحاء راع مع بضع عنزات، ومرت به إحدى العنزات، فعطفت عليه، ومالت نحوه، حتى تمكن من الرضاعة منها، وكان هذا دأبهما كل يوم، تترك قطيع الماعز، وتقترب من الوليد، ليرضع.
ولاحظت العجوز أن عنزتها ترجع كل يوم من المرعى ولاحليب في ضرعها، فسألت الراعي، فأقسم لها أنه لا يعرف من الأمر شيئاً، فطلبت منه أن يراقبها، لعل أحداً يسرقها الحليب.
وراقب الراعي العنزة، فرآها تنتحي جانباً، فتبعها، فرآها تدنو من الوليد، فتمكنه من الرضاع، فذهل لما رأى، وحمل الوليد ورجع به مع العنزة إلى العجوز، وقال لها: “خذي، لقد وضعت عنزتك ولداً”.
وتلقت العجوز الوليد وفرحت به أشد الفرح، وسهرت عليه، ترعاه وتربيه، إلى أن شب وأصبح من أمهر الفرسان، وقد سمته العجوز "محمد".
وذات يوم كان محمد في السباق، فسبق كل أقرانه، وكان الملك حاضراً ذلك السباق، فدهش الملك من ذلك الشاب، ومال على الوزير، وكان إلى جانبه، يسأله عن طالع ذلك الشاب، فأجابه بأنه هو من سيتزوج ابنته ويرث من بعده الملك، فغضب الملك، وكان يرتجي ولداً ذكراً يرثه، فأرسل وراء الشاب، وسأله من يكون؟ وأين بيته؟
ودلّ الشاب الملك والوزير إلى خيمة العجوز، فسألها الملك من يكون الشاب، فأخبرته أنه ولدها، فأنكر أن يكون ولدها وهي العجوز، وقد توفي زوجها منذ زمن بعيد، فاعترفت له بالحقيقة، فأخبرها أنه سيكرّم الشاب، ثم زوده برسالة، وطلب منه أن يحملها إلى القصر، وهناك سيجد مكافأته.
وحمل الشاب رسالة الملك، ومضى بها إلى القصر، من غير أن يفتحها، ولما بلغ القصر، رأى الحارس نائماً فقفز من فوق السور، وكانت ابنة الملك في نافذتها، فأعجبت به وأشارت إليه، فصعد إلى غرفتها، وسألته عن قصده، فقدم إليها الرسالة، ففتحتها، فقرأت فيها أمر والدها بقطع رأسه، فمزقت الرسالة وخطت رسالة أخرى، كتبت فيها أمراً بتزويجه من ابنة الملك، ثم مهرتها بخاتم أبيها، وطلبت أن يقدمها إلى قاضي القضاة، فأدى هذا إلى تنفيذ الأمر بزواج الشاب من ابنة الملك، فأقيمت الأفراح، وأعدت الولائم، وعاشت المدينة أياماً في سعادة ورخاء.
ثم أعلن عن عودة الملك إلى البلاد فخرج رجال القصر، وقائد الجيش، وقاضي القضاة، كما خرج الشاب، وزوجته في موكب مهيب، لاستقبال الملك، ولما رأى الملك الشاب عرفه على الفور، فالتفت إلى القاضي يسأله من يكون، فأجاب: هو صهرك يا مولاي وزوج ابنتك، وعند ئذ أدرك الملك أن قسمة هذا الشاب هي الزواج من ابنته، وأن حظه أن يكون وريثه في الملك.
وعاش الشاب مع زوجته في سعادة وسرور، ثم توفي الملك، فورث من بعده العرش.
_Oni_
24-10-2005, 04:56 PM
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
حكاية الكذب
يحكى أن أحد الملوك أعلن في المملكة عن رغبته في سماع حكاية الكذب، ووعد أن يتنازل عن الملك لمن يحكي له حكاية لاشيء من الصدق فيها، فيصبح ملكاً بدلاً منه، وإذا لم ينجح قطع رأسه.
وتقدم إليه أناس كثير، ولكن أحداً لم ينجح، في رواية حكاية كذب، وكان الملك يقطع رأس كل من خاب حظه، حتى إنه بنى قصراً من تلك الرؤوس.
وكان في المملكة ولد يتيم، لايفقه شيئاً، عملت جدته على تربيته، ولما سمع بحكاية الكذب، أخبر جدته برغبته في الدخول على الملك، ليسمعه حكاية كلها كذب، ويصبح ملكاً بدلاً منه، فحذرته جدته، وأكدت له أن الإخفاق يعني قطع الرأس، فأجابها: "ليس لي سوى هذا الرأس وهو أقرع، فليأخذه الملك إذا أخفقت".
ومضى الولد الأقرع إلى قصر الملك في منتصف الليل، فرأى الباب مغلقاً، فحمل حجراً كبيراً رمى به الباب، فأسرع إليه الحرس، فسألوه عن سبب فعلته، فأكد لهم رغبته في أن يحكي للملك حكاية الكذب، فحذروه ونصحوا له بالعودة، ولكنه أبى.
وفي الصباح دخل الولد الأقرع على الملك وهو في الديوان ومن حوله الوزراء والقضاة ورجال الدولة، وأكد أنه سيحكي للملك حكاية كذب، ثم طلب أن يوقع الملك على ورقة أمام الجميع يعلن فيها عن تنازله عن الملك في حال نجاحه.
وكان للولد ما أراد، فأخذ يحكي للملك حكاية الكذب، وهو يقول:
كنا في البيت ستة، ضربنا الهواء فصرنا ثلاثة، أطرش وأعمى وأعرج، قال الأطرش: أسمع صوت بقّة في سمائها، فقال الأعمى: وأنا بعيني أراها، فقال الأعرج: هيا، فلنركض وراءها. فصرنا نركض ونركض خمس سنين وخمسة شهور وخمسة أيام، نركض ونركض وما خرجنا من البيت، ولكن لما خرجنا رأينا برغوثاً، وكنا جوعى، فاشترينا منه رطلاً من اللحم، وسألنا أنفسنا أين سنطبخه، فقال الأعمى عند الجارة، ولما طلبنا منها طبخ اللحم، قالت: "أنا قدري أم حلقة، ينزل منها اللحم وتبقى المرقة"، فوافقنا، وكنا جوعى، فأخذنا المرق، ولم يكن فيه سوى قطعة لحم، اختصمنا فيه، وذهبنا إلى القاضي ليقسمها علينا، فقال القاضي:
"ليذكر كل منكم فضائل جدّه". فقال الأول: "أنا جدي نجار، صنع منبراً صلى عليه أهل الشرق والغرب"، وقال الثاني: "وأن جدي حدّاد، صنع، ثريا أضاءت البر والبحر"، وقال الثالث: "أنا جدتي كانت حاملاً بأبي، فلما جاءها المخاض، قالت لي خذ بيضة واشتر بها شمعة، وبينما كنت في الطريق، وقعت مني نصف البيضة، فانكسرت، وخرج منها دجاج وديوك ملأت السوق، فأخذت أبيع منها وأبيع، حتى امتلأت خرجي بالذهب، فاحتفظت لنفسي بثلاثة ديوك، وفي اليوم التالي وصلت باخرة فيها حمولة، وما في المرفأ أي حمال، فأرسلت ديوكي الثلاث فنقلت حمولة الباخرة كلها، وكسبت من ورائها الرزق الكثير، ولكن لما رجعت، وجدت ظهر أحد الديوك معقوراً، فأخذت حفنة تراب ومسحت بها ظهر الديك، فامتدت على ظهره أرض واسعة وسهول، زرعته بالسمسم، ولما صار أوان الحصاد، أحصيت حبات السمسم، فوجدتها قد نقصت حبة واحدة، وإذا نملة تحملها، فأخذت أشد الحبة منها وهي تشدها، حتى انقسمت الحبة إلى قسمين، فسال منها الزيت، فملأت منه خمسين قنطاراً، وتركت الباقي يسيح في الأرض، وأخذت أبيع الزيت، حتى امتلأت خرجي بالذهب، وفي الموسم الثاني زرعت الأرض نفسها بالبطيخ، وإذا عندي قناطير من البطيخ، أبيع وأبيع والبطيخ يزيد، وذات يوم فكرت في شق بطيخة، وما إن وضعت فيها السكين، حتى غاصت داخل البطيخة، فرفعت رأسي عن جثتي، ووضعته على الأرض بجوار البطيخ ليحرسه، ثم غصت داخل البطيخة، وبحثت عن السكين فوجدتها على رأس جمل، فأخذت أركض وراءه لأخذها وهو يركض أمامي، حتى شعرت بالتعب والجوع، فتركتها وتركت الجمل، ودخلت إلى دكان بائع لأشتري بيضة، فوجدت رأسي على جسم البائع، فقلت له: "هذا رأسي"، وجاء رجل آخر، وقال له أيضاً: "هذا رأسي"، وجاء رجال كثير، كلهم بدون رؤوس، وكل واحد يزعم أن الرأس رأسه فاختصمنا وتجادلنا كثيراً، ثم ذهبنا إلى القاضي نحتكم إليه، فقال القاضي: "سأحمل الرأس، وأصعد به إلى المئذنة، وألقي به من أعلى، فمن وقع الرأس عليه فهو له"، وتجمعنا نحن تحت المئذنة، وأخذنا ننتظر، ولما ألقى القاضي الرأس، وقع فوقي، وإذا المري فوق المري والزلعوم فوق الزلعوم".
وضرب الملك كفاً بكفّ، وقال للولد الأقرع: "كفى أيها الولد، كفى، لقد رويت لي حقاً حكاية الكذب".
فقال له الولد: "إذن، هيا، انزل عن العرش، لأقعد فيه مكانك، واخلع عن رأسك التاج، لأضعه على هذا الرأس".
وهكذا صار الولد الأقرع ملكاً، بفضل حكاية الكذب، ودعا إليه جدته، لتعيش معه في هناءة وسرور.
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
عروس بجاموس
يحكى أن ولداً يتيماً أقرع، لم يكن له بيت ولا أهل ولا مأوىً، عثر ذات يوم على حبة قمح، فحملها ومضى بها إلى الطحّان، وطلب منه أن يضع حبة القمح عنده أمانة، فأخذها الطحان، ومضى الولد في حال سبيله.
وفي اليوم التالي رجع الولد إلى الطحان، وسأله عن حبة القمح، فأخبره أنها اختلطت مع القمح، وقد طحنها، فطالبه بالبديل، فأعطاه قبضة طحين بدلاً منها، ومضى الولد إلى الخباز، وطلب أن يضع عنده قبضة الطحين أمانة، فأخذها منه الخباز، ومضى الولد في حال سبيله.
وفي اليوم التالي رجع الولد إلى الخباز، وسأله عن قبضة الطحين، فأجابه بأنها قد اختلطت بالعجين، وراحت مع أرغفة الخبز، فطالبه بالبديل، فأعطاه الخباز رغيف خبز، فأخذه الولد ومضى به إلى فلاح عنده بضع دجاجات، فطلب منه أن يضع رغيف الخبز عنده أمانة، فأخذه منه الفلاح، ومضى الولد في حال سبيله.
وبعد بضعة أيام رجع الولد إلى الفلاح، وسأله عن رغيف الخبز، فأخبره بأن الدجاجات قد التهمته، فطالبه بالبديل، فأعطاه الفلاح دجاجة، فحملها الولد ومضى بها إلى راع عنده بضع غنمات، وطلب منه أن يضع الدجاجة أمانة عنده، فأخذها الراعي، ومضى الولد في حال سبيله.
وبعد بضعة أيام رجع الولد إلى الراعي، وسأله عن الدجاجة، فأخبره أن الثعلب غافله واختطفها، فطالبه بالبديل، فأعطاه الراعي خروفاً، فأخذه الولد، ومضى به إلى مزرعة فيها أبقار وجواميس، وطلب من صاحب المزرعة أن يترك الخروف أمانة عنده، فأخذ صاحب المزرعة الخروف منه، ومضى الولد في حال سبيله.
وبعد بضعة أيام رجع الولد إلى صاحب المزرعة، وسأله عن الخروف، فأخبره أن الخروف مرض ومات، فطالبه الولد بالبديل، فأعطاه الرجل جاموساً، فأخذ الولد الجاموس ومضى به.
وبينما كان يسير، وهو يجر الجاموس وراءه، سمع صوت غناء، فتبع مصدر الصوت، حتى بلغ داراً يقام فيه عرس، فترك الجاموس أمام الدار، ودخل، وأخذ يسلي نفسه بما يرى من رقص، ثم نصبت الموائد، ودعي الناس إلى الطعام، فأكل معهم، ولما خرج، لم يجد الجاموس، فرجع يسأل عنه، فأخبره والد العروس أنه رأى الجاموس أمام الدار فظنّ أن أحد الأقارب قد أحضره هدية، فذبحه، وأولم منه، وأطعم الناس، فأخذ الولد يبكي ويصيح، مطالباً بالبديل.
وعرض عليه والد العروس أن يختار أي فتاة لتكون زوجة له، فنظر في الصبايا الحسان، فلم تعجبه سوى العروس، وأصرّ إلا أن يأخذها بدلاً من الجاموس.
واضطر والد العروس أمام إلحاح الولد إلى النزول عند رغبته، وهكذا زفت العروس إلى الولد الأقرع، وخرج بالعروس بدلاً من الجاموس.
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
أرزة وقنبر
يحكى أن أحد الملوك ضاق صدره ذات ليلة، فأيقظ وزيره، وهو أخوه، وخرجا معاً متنكرين، طلباً للنزهة، والتفريج عن النفس.
وبينما هما في إحدى الرياض، مرّ بهما شيخ عجوز، فقال لهما: "السلام على الملك والوزير"، فدهش الملك والوزير، كيف عرفهما وهما متنكران، ثم سألهما إن كانا قد رزقا بالأولاد، فأجابا أن لم يرزقا بعد، فأعطى كلّاً منهما تفاحة، وطلب أن يأكلها كل منهما مع زوجته، ثم أخبر الملك أنه سيرزق ببنت، وأخبر الوزير أن سيرزق بولد، وأن هذا الولد سيتزوج تلك البنت.
ورجع الملك والوزير إلى القصر، وقد وضع كل منهما تفاحته في زنّاره، ولما دخل الملك على زوجته، وفكّ الزنار، وقعت التفاحة فدهشت زوجته، وقالت له: "ليس من عادتك أن تأتي بتفاحة واحدة؟".
فأخبرها بأمر الشيخ العجوز ونبوءته، ثم اقتسما التفاحة، وناما معاً، وفي تلك الليلة حملت زوجة الملك.
كذلك كان شأن الوزير وزوجته.
ومرت الأيام، تلتها الشهور، وإذا زوجة الملك قد وضعت بنتاً أسمتها "أرزة"، وإذا زوجة الوزير قد وضعت ولداً أسمته "قنبر".
وشاءت الأقدار أن يموت بعد عام أو بضع عام الوزير، وما هي إلا بضعة أعوام أخرى حتى ماتت زوجته، وهكذا أصبح "قنبر" يتيماً، فكفله عمه الملك، وطلب من زوجته أن تعنى به، ولكن ما كان لها أن تحبه وهي التي عرفت من نبوءة الشيخ العجوز أنه سيتزوج ابنتها.
وهكذا حرّضت الملك على ابن أخيه، وقد أصبح شاباً، فأعطاه بضع غنمات، وطلب منه أن يرعاها، حتى يبعده عن القصر.
وذات يوم خرجت "أرزة"، مع جواريها في نزهة، فقصدت إلى التل حيث ابن عمها، ففرح كثيراً، ثم ذبح خروفاً تركه للجواري ينشغلن به، ثم مضى مع ابنة عمه إلى العين، وهناك مرحا كثيراً ونعما بالماء والخضرة، إلى أن حان وقت العودة، فودعته باكية، ورجعت إلى الجواري.
وبينما هي في بعض الطريق ذكرت سوارها، فطلبت من الجواري أن ينتظرنها، ريثما ترجع لتحضره، وعرضن عليها أن تذهب إحداهن بدلاً منها، ولكنها أبت إلا أن تحضره بنفسها.
ورجعت إلى حيث العين، فوجدت ابن عمها طريحاً على جانب العين، فأقبلت عليه تسأله عن سوارها إن كان قد وجده، فردّه إليها في الحال، ثم همّت بالعودة، فرجاها أن تداوي جروحه قبل أن تمضي، فما كان منها إلا أن جرحت إصبعها، ثم أكدت له أن جرحه سيطيب إذا ما ذكر جرحها، ثم ودعته ومضت.
ولما دخلت القصر، رأت أمها نقطة دم على ثوبها، كانت قد سقطت من الجرح الذي أحدثته في إصبعها، فشكّت أمها في الأمر، وسألتها إن كانت قد التقت ابن عمها، فلم تنف البنت ذلك، بل أكدت لقاءها به، وحبّها له.
ولما كان المساء، روت الملكة لزوجها ماكان من نزهة ابنتها ولقائها بابن عمها، ثم اقترحت أن ينفيه إلى أقاصي البلاد.
وفي بلدة نائية افتتح "قنبر" حماماً، وقد جعل أجرة الاستحمام فيها حكاية لعله يتسلّى، ولعل خبراً يأتيه من "أرزة".
وكانت "أرزة" تقعد في شرفة القصر، تنظر القادمين والرائحين، لعل أحداً يأتيها بخبر من "قنبر".
وذات يوم مرّ بها ركب من المسافرين، فقالت لهم: "بالله عليكم، إذا رأيتم ابن عمي قنبر، فبلغوه عني السلام".
وشاءت الأقدار أن يصل ذلك الركب المسافر إلى ديار "قنبر"، فدخلوا الحمام، وحدثوه حديث "أرزة"، ففاضت منه الدموع، وترك لهم الحمام، وشدّ الرحال إلى "أرزة".
ووصل "قنبر" إلى قصر عمه في الليل.
وكانت "أرزة" نائمة، ولكن طائر الغرام رف بجناحيه فوق رأسها، فنهضت وهي تنادي "قنبر، قنبر".
وسمع "قنبر" النداء، فأجابها "أنا هنا يا أرزة"، وأطلت عليه من الشرفة، ثم دلّت شعرها الطويل إليه، فتعلق به، فرفعته إليها، وظلاّ ساعات يتناجيان ويتسامران، إلى أن غلبهما النعاس، فناما معاً في سرير واحد، وقد وضعا السيف والمصحف بينهما.
وفي الصباح دخل عليها كعادته كل يوم الخادم الخاص بها، وهو يحمل لها الطعام، فرأى "قنبر" في السرير إلى جوارها، ولم ير السيف والمصحف بينهما، وكان هذا الخادم يحبها، وإن كانت هي لا تحبه، فأسرع إلى الملك وأخبره بما رأى، وشاور الملك زوجته في الأمر، فاقترحت عليه رميه في البحر.
وعلمت "أرزة" بعزم أبيها على رمي "قنبر" في البحر، فطلبت من النجار أن يصنع لها صندوقاً بطول "قنبر"، ثم ملأته بالطعام، وأمر الملك الخدم، فوضعوا "قنبر" في الصندوق، وأغلقوه بالمسامير، ثم ألقوه في البحر.
وأخذت "أرزة" تخرج كل يوم مع أربعين جارية من جواريها إلى البحر، والخادم يعدّهن في الذهاب والإياب، وكانت "أرزة" تقعد على شاطئ البحر، تنتظر عودة "قنبر" إليها.
وشاءت الأقدار أن ترمي الأمواج بالصندوق على شاطئ بلاد الفرنج، وكانت بنت ملك تلك البلاد تلهو مع صديقاتها، فرأت الصندوق، فأسرعت إليه، ولما رأت "قنبر" فيه، فتنت به، ودعته إلى نفسها، ولكن "قنبر" قال لها: "لي بنت عم، لا أبغي عنها بدلاً"، فغضبت منه بنت ملك تلك البلاد، وأمرت الخدم، بإعادته إلى الصندوق، وإغلاقه عليه ثم رميه في البحر.
وكانت "أرزة" ما تزال على عادتها، تخرج إلى البحر كل يوم مع جواريها الأربعين، والخادم الذي يحبها يعدّهن في الذهاب والإياب، وكانت "أرزة" تأخذ كل يوم معها ثوباً نسائياً، على أمل أن تلقى "قنبر" فتلبسه ذلك الثوب، وتدخله مع الجاريات، فلا يشعر به الخادم، وذات يوم كان لأرزة ما أرادت، فقد رمى البحر بالصندوق، فأسرعت إليه، ثم بادرت إلى إلباس "قنبر" ثوب فتاة، ثم اختلط بالجاريات، ودخل معهن القصر.
وسعدت "أرزة" بلقاء ابن عمها، وأمضيا الليل يتناجيان ويتسامران، حتى غلبهما النعاس، فناما معاً في سرير واحد، وقد وضعا بينهما السيف والمصحف.
وفي الصباح دخل الخادم كعادته، ليقدم لها طعام الفطور، فرأى "قنبر"، فأسرع إلى الملك يخبره، فأمر أن يقول لقنبر: "الملك يدعوك للمثول بين يديه، أمام الوزراء والقضاة، فإذا ذكرت أرزة فسوف يقطع رأسك، وإذا لم تذكرها عفا عنك".
ورجع الخادم ليقول لقنبر خلاف ذلك، ففرح قنبر، كما فرحت أرزة، وظنّا معاً أن الملك قد عفا عنهما، وأنه سيتزوج أحدهما الآخر.
ونزل قنبر إلى الديوان، حيث الملك مع الوزراء والقضاة، ونزلت في إثره أرزة، ولكنها لم تدخل، إنما اختبأت في نافذة عالية تطل على الديوان، وتقدم "قنبر" من الملك، فألقى السلام عليه، ثم قال: "يا عمي، أنت عندك جرة سمن، وأنا عندي جرة عسل، وأنت بعينيك شايفني، وأنا بنت عمي في النافذة شايفها"، ثم أشار إلى "أرزة"، وكانت تطل من النافذة.
فغضب الملك، وأمر الجلاد بقطع رأسه، فهوى الجلاد عليه بالسيف، فتدحرج رأسه بين قدميه.
فذهلت أرزة مما رأت، ثم قالت:
"يا أبي، والله ابن عمي ما مسنّي، ولا أنا مسيّته، فلم قطعت رأسه، وعلى الأرض رميته؟ "ثم رمت نفسها، فوقعت على الأرض إلى جانب ابن عمها، تريد لنفسها الهلاك، ولكن شاءت الأقدار ألا تصاب بشيء، سوى بعض الرضوض البسيطة، وقد أمر الملك بحملها إلى الداخل والعناية بها.
ثم أخذت "أرزة" تزور قبر ابن عمها "قنبر" كل يوم، فكانت تخرج مع أربعين جارية من جواريها، وترجع معهن، وكان الخادم يفتشها كل يوم في الذهاب والإياب.
وذات يوم حملت سكيناً حادة، أخفتها في نعل حذائها، ثم خرجت مع الجواري الأربعين إلى قبر "قنبر"، وقعدت هناك، وبكت ماشاء لها البكاء، ثم قفلت راجعة، وفي الطريق ادعت أنها نسيت سوارها، ثم تركت الجواري، ورجعت إلى القبر.
وطال انتظار الجواري عودة "أرزة"، ولما رجعن إليها، رأينها ميتة إلى جوار قبر ابن عمها، وثمة سكين مغروسة في صدرها، فعرفن أنها قتلت نفسها.
ورجعن إلى القصر فأخبرن الملك، فندم على ما فرط من أمر ابنته وابن أخيه، فأمر أن تدفن في قبر إلى جانب قبر ابن عمها.
وخرج الخادم ذات يوم إلى المقبرة، ولما رأى القبرين متجاورين ثارت في نفسه الغيرة، وهو الذي كان يحب "أرزة"، فحفر لنفسه حفرة بين القبرين، ونزل فيها، وهو يقول: "سأفرق بينكما ميتين، مثلما فرقت بينكما وأنتما على قيد الحياة".
ثم أهال على نفسه التراب، حتى بلغ كتفيه، وظل رأسه وحده ظاهراً، ولما حلّ الليل، جاءت الوحوش فمزقت رأسه ونهشته.
وفي الصباح مرّ ركب من المسافرين، فرأوا قبر أرزة وقنبر، وقد نبتت فوق هذا القبر زهرة جميلة، وفوق ذلك القبر زهرة أجمل، وكانت بينهما شوكة طالعة، حتى إذا ماهب النسيم تمايلت الزهرتان، وكادت إحداهما تلمس الأخرى، ولكن سرعان ما تفرق بينما الشوكة.
_Oni_
24-10-2005, 04:59 PM
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
الملك وابن أخيه
يحكى أنه كان لأحد الملوك أخ فقير، يعمل حطاباً، وكان لا يسأل عنه، ولا يُعنى به، وكأنه ليس بأخيه.
ثم توفي هذا الأخ، ولم يخلف سوى ولد وحيد، سهرت أمه على تربيته، وعنيت به ، ولما شبّ سأل أمه عن عمل أبيه، فأخبرته أن والده كان حطاباً، ولم يخلف له سوى فأس صدئة، فأخذ الولد تلك الفأس، ومضى بها إلى الغابة، ثم دنا من شجرة كبيرة، وأخذ يضرب في جذعها، وإذا الجذاذات التي تطير منها تتحول إلى ذهب، وجرب ذلك في جذع شجرة أخرى، فإذا الأمر يتكرر، فالتقط غصناً مرمياً على الأرض، وأخذ يجرّب فيه الفأس، فإذا بالجذاذات المتطايرة منه تتحول إلى ذهب، فأدرك أن السرّ في الفأس فحملها ورجع إلى أمه، وقبل أن تسأله عن سبب عودته من غير أن يحمل شيئاً من الحطب، أخبرها أنه يريد الزواج من ابنة عمه الملك، وكان للملك ابنة وحيدة فائقة الحسن والجمال، ردّ والدها كثيراً من الفرسان والأمراء ممن تقدموا إلى خطبتها، فأكدت له أمه أن الملك لن يزوجه منها، بل سينقم عليه وربما أمر بقتله، لأنه من قبل كان يكره أباه، ولكن الفتى أبى إلا أن يسعى إلى الزواج من ابنة عمه.
ومضى الفتى إلى القصر، وطلب الإذن في الدخول على الملك، ولما صار بين يديه، والوزراء والقضاة من حوله، ألقى السلام، ثم أعلن صراحة ومن غير مقدمات عن رغبته في الزواج من ابنة عمه، فغضب الملك، وأمر الجلاد بقطع رأسه، ولكن أحد الوزراء توسّل إليه أن يتريث، ثم اقترح أن يطلب منه مطلباً صعباً، إذا حققه تزوجها، وإذا لم يحققه قطع رأسه.
وارتاح الملك للرأي، فطلب من ابن أخيه أن يملأ إحدى غرف القصر بالذهب، فسرّ الفتى بالطلب، ومضى إلى إحدى الغرف، فأخرج فأسه، وأخرج قطعة خشب، وأخذ ينجر فيها، وإذا جذاذات الذهب تتطاير وتتطاير، حتى ملأت الغرفة، وعنذئذ اضطر الملك إلى تزويج ابنته من ابن أخيه، ولكنه أحسّ أن في الأمر سراً ما، ولذلك أوصى ابنته أن تعرف السرّ، وترجع إليه، من غير أن تمكن ابن عمها من نفسها.
وفي ليلة الزفاف قدمت ابنة الملك إلى ابن عمها أطايب الطعام والشراب، وأخذت تحدّثه وتسامره وتؤانسه، فاطمأن إليها وارتاح، ثم أحست فيه لحظة ضعف، فسألته عن مصدر الذهب، فحدثها عن الفأس، فقدمت إليه كأس شراب فيه منوم، ولما غلبه النعاس، حملت الفأس، ورجعت إلى أبيها الملك، تحت جنح الظلام.
وفي الصباح استيقظ الفتى فلم يجد العروس ولا الفأس، فعرف أنها خدعته، فعزم أن ينتقم لنفسه، وازداد إصراراً على الزواج من ابنة عمه، وأسرع إلى أمه يسألها إن كان أبوه قد ترك له شيئاً آخر غير الفأس، فدلته على صندوق فيه كل حاجات أبيه، فبحث فيه فعثر على ناي، ولمّا سأل أمه عنه، أجابته بأن والده كان يتسلى به في بعض الأوقات، فأخذ الناي، وأخذ ينفخ فيه، وإذا صحون ملأى بأطايب الطعام تمتد في أرض الغرفة.
وأسرع الفتى في الحال إلى عمه، فدخل عليه وألقى السلام، ثم أعلن رغبته في الزواج من ابنة عمه، همّ الملك أن يأمر الجلاد بقطع رأسه، ولكنه ذكر اقتراح الوزير، فطلب من ابن أخيه أن يطعم الوزراء والقضاة والقادة والجند والحرس، لكي يزوجه ابنته، وإلا قطع رأسه.
ومضى الفتى في الحال إلى المطبخ، وأخذ ينفخ في الناي، والخدام ينقلون الصحون مملوءة بأطيب الطعام، حتى أكل كل أولئك، وغيرهم كثير، وعندئذ اضطر الملك إلى تزويج ابنته من ابن أخيه، ولكنه أوصاها بمثل ما أوصاها به أول مرة.
وتمكنت ابنة الملك من التأثير في ابن عمها، وساقته إلى الاعتراف بمصدر ذلك الطعام، ثم سقته شراباً فيه منوم، فنام، فحملت الناي، وخرجت به عائدة إلى أبيها، وفي الصباح استيقظ الفتى، فلم يجد العروس ولا الناي، فعرف أنه خدع مرة ثانية.
ورجع إلى صندوق أبيه، يبحث فيه، فلم يجد سوى طاقية عتيقة، فكاد يمزقها، ولكنها وضعها على رأسه، وأسرع إلى أمه يرجوها أن تجهز له الطعام، فقد غلبه الجوع، ولكنها دهشت لأنها لم تكن تراه، وأخذت تسأله أين يكون، فدهش هو أيضاً، وبصورة عفوية رفع الطاقية عن رأسه، فإذا هو بجانب أمه، وعندئذ عرف أن هذه طاقية الإخفاء. وأسرع الفتى إلى الملك يخطب ابنته، وللمرة الثالثة حصل على ما حصل في المرتين الأوليين، وتمكنت ابنة الملك من اختطاف قبعة الإخفاء والعودة بها إلى أبيها. وعندئذ ضاقت الدنيا بالفتى، فقرر ترك البلاد، والارتحال في أرض الله الواسعة، لأنه لا يطيق العيش في بلد فيها الملك وابنة عمه، وأخذ يقطع الفيافي والقفار، وبينما هو كذلك غلبه الجوع، ولمح خيمة بعيدة، فقصدها، فوجد فيها عجوزاً، وعندها بضع غنمات، فرجاها أن يعمل عندها راعياً، فسرت لذلك، وأخذ يسرح كل يوم بالغنمات.
وذات يوم، وبينما هو في الحقل يرعى الغنمات، مرت به أفعى بيضاء، ولما صارت أمامه، انتفضت، وإذا هي صبية حسناء، رجته أن يخبئها من ابن عمها الذي يسعى في إثرها للزواج منها، وهي لا تريده، فذعر، وتملكه الخوف، وسألها، كيف يمكنه أن يخبئها، فإذا هي تنتفض، وترجع أفعى، فأخفاها تحت طيات ثيابه، وما هي إلا هنيهة، حتى مرّ به ثعبان أسود، وقف أمامه، ثم انتفض، وإذا هو عبد أسود، سأله إن كان قد رأى ابنة عمه، فأشار إلى جبل شاهق، وأخبره أنها ذهبت وراء ذلك الجبل، فانتفض العبد الأسود، ورجع ثعباناً، واتخذ طريقه نحو الجبل، ولما ابتعد، أخرج الأفعى، فشكرته، وسألته ما يريد، فأكد لها أنه قد قام بواجبه، ولا يطلب منها شيئاً، وعندئذ قالت له: "سيتحقق لك كل ما تتمناه، وإذا قلت لأحد الصق بمكانك فسوف يلصق به"، ثم تركته وابتعدت.
وأسرع الفتى إلى العجوز، فردّ إليها الغنمات، ثم رجع إلى بلاده، وقصد على الفور قصر عمه الملك، ولما دخل عليه، أمر الملك الحراس على الفور بالقبض عليه، ولكن الفتى قال لهم: "الصقوا في أماكنكم، فلصقوا، فطلب الملك من الجلاد أن يقطع رأسه، فقال له الفتى مثل ما قال للحراس، فلصق في مكانه، ثم قال للملك: "كما ترى، أنا قادر على لصق الوزراء والقضاة كلهم في أماكنهم، ولذلك فمن الأفضل أن تردّ علي الفأس والناي والطاقية، وأن تزوجني ابنتك؟
وتدخل الوزراء والقضاة، وأكدو للملك ضرورة تزويج ابنته من ابن أخيه، وعندئذ أدرك الملك أن ابنته هي من نصيب ابن أخيه، وأن العرش لا بد سيصير من بعده إليه، فوافق.
وهكذا أقيمت الأفراح، وأعلن في المملكة سبعة أيام وثماني ليالي لا أحد يأكل ولا أحد يشرب إلا من قصر الملك، وتزوج الفتى الفقير من ابنة عمه الملك، وعاشا معاً في سعادة وسرور.
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
الشحاذ وبنت الملك
كان في قديم الزمان ملك، ولا ملك إلا الله، وكانت له بنت وحيدة، وكان يحبها حباً كبيراً، ويعنى بها، ويحضر لها كل ما تطلب، وكان يسألها: "هل هناك من هو أكرم مني؟، فتجيبه: نعم، هناك من هو أكرم منك، وكان كلما أعاد السؤال، أعادت عليه الجواب نفسه، حتى إنه ضجر منها، وأقسم أن يزوجها من شحّاذ.
وذات يوم تقدم إليه شحاذ يرجوه المساعدة، فسأله إن كان متزوجاً فأجاب أن “لا” فأقسم عليه أن يتزوج ابنته، فدهش الشحاذ، وحاول الاعتذار، ولكن لم يكن ثمة مفرّ.
وهكذا حملت بنت الملك صرّة ثيابها، ومضت مع زوجها الشحاذ، مغادرة قصر أبيها، من غير زفاف، ولا احتفال ولا أفراح.
ولم يكن لدى ذلك الشحاذ سوى كوخ صغير، آواها فيه، وفي صباح اليوم التالي أعطته خاتماً كان في إصبعها، وطلبت منه أن يبيعه ويستأجر بثمنه داراً صغيرة، وتم انتقالهما إلى تلك الدار.
وفي صباح يوم آخر أعطته أحد أثوابها، وطلبت منه أن يبيعه ليشتري بثمنه بعض الطعام، فباعه، وبينما هو في الطريق، سمع رجلاً ينادي: "الكلمة بليرة، فمن يشتري؟ فدهش الشحاذ، ودفع إلى الرجل الليرة التي كان قد قبضها ثمن الثوب، فقال له الرجل: "حب حبيبك ولو كان عبداً أسود".
ورجع إلى زوجته، واعتذر إليها، مدعياً أنه أضاع ثمن الثوب، وفي صباح اليوم التالي أعطته ثوباً آخر، ونزل إلى السوق فباعه، وبينما هو يبحث عن الطعام، سمع الرجل نفسه ينادي: "الكلمة بليرة، فأسرع إليه، ودفع له ثمن الثوب، فقال له الرجل: "من أمّنك فلا تخنه، ولو كنت أكبر خائن"، ورجع الشحاذ إلى زوجته، واعتذر إليها مختلقاً بعض الحجج.
وفي اليوم الثالث، أعطته ثوباً وقالت له: هذا آخر ثوب عندي، بعه ولا تفرط بثمنه"، ومضى إلى السوق، فباعه، ومرة ثالثة التقى الرجل نفسه، ودفع له ثمن الثوب، فقال له الرجل، "ساعة السرور لا تفوتها"، ورجع الشحاذ إلى زوجته معتذراً، فقالت ليس عندي ما أعطيك إياه، وما عليك سوى أن تبحث عن عمل.
وفي اليوم التالي نزل إلى السوق، ووقف على الرصيف حيث يقف العمال، ينتظرون من يأتي فيأخذهم ليعملوا، في الحقل أو البناء أو الرعاية أو السقاية.. وانتصف النهار وجاء أصحاب الأعمال وأخذوا العمال كلهم، ولم يبق أحد سواه، وكاد يرجع إلى البيت خائباً، ولكن رجلاً أتاه ليسأله: "هل تعمل في سقاية الحمير؟، فأجابه: أعمل، وعندئذ أخذه إلى حقل حيث كانت هناك حمير كثيرة تحمل حجارة يقطعها الرجال من الجبل، وكان على الشحاذ أن يقودها إلى مغارة بعيدة، يتدفق منها الماء، فساقها تحت الشمس الحارقة، حتى وصل إلى المغارة، وهناك تركها تشرب ما شاء لها الشرب، وتبترد، على حين دخل هو المغارة، ليستريح في الظل.
وبينما هو في المغارة إذ برز له مارد جبار، ومعه فتاتان، إحداهما شقراء، والأخرى سمراء، فسأله المارد: "أجبني أيها الرجل، أي الفتاتين أجمل؟ السمراء أم الشقراء؟، وتذكر الشحاذ الكلمة التي كان قد اشتراها في اليوم الأول: فأجاب: "أحبب حبيبك، ولو كان عبداً أسود"، فسرّ المارد لجوابه سروراً كبيراً، ثم قال: "أحسنت أيها الرجل ولو كنت قلت الشقراء، لقطعت رأسك،" ثم ما كان من المارد إلا أن أعطاه كيساً مملوءاً بالنقود الذهبية.
وخرج الشحاذ من المغارة، وأخذ يقود الحمير إلى صاحبها، ثم تركها عنده، ومضى، لا يريد أجرته، ثم أسرع إلى زوجته، وأعطاها الكيس المملوء بالنقود الذهبية.
وفي اليوم التالي نزل الشحاذ إلى السوق، ووقف حيث وقف بالأمس، وقدم أصحاب الأعمال، وأخذوا العمال كلهم، ولم يبق أحد سواه، وهم بالانصراف خائباً، ولكن رجلاً أسرع إليه يسأله إن كان يرغب في العمل عنده مراقباً على العمال، ففرح بذلك، ومضى معه.
وأخذ الشحاذ يراقب العمال في الحقل، ويتابعهم، وقد سرّه هذا العمل، واستمر فيه، وكان في نهاية الأسبوع يقبض من صاحب العمل أجرة العمال ويوزعها عليهم، ولكنه كان يضطر في أغلب الأيام إلى البقاء في بيت الرجل صاحب العمل، لينهض في الصباح الباكر، ويشرف على العمال، وقد اطمأن إليه صاحب العمل، وجعله مثل ابنه، وأخذت زوجة الرجل تعنى به وتقدم له الطعام وكان يناديها دائماً "يا أختي".
وذات يوم أخبره رب العمل أنه مضطر إلى السفر لبضعة أيام، ثم كلفه برعاية العمال، وفوّضه في الأمر كله، وأوصى زوجته به، كما أوصاه أن يحضر لها كل ما تطلبه من حاجات السوق، وتمنى عليه أن ينام طوال غيابه في بيته، حتى يظل قريباً من العمل.
ومرت الأيام والشحاذ في بيت الرجل، يقوم بواجبه خير قيام، يراقب العمال، ويشرف على العمل، ويحضر لزوجة الرجل كل ما تطلب من حاجات، ثم يأوي مساء إلى غرفة صغيرة لينام فيها متعباً من عناء النهار وكدّه.
وذات ليلة وبينما هو نائم أحس دبيب حركة، فتوقع أن يكون وحشاً أو لصاً، ولكنه فوجئ بزوجة الرجل تدخل عليه تدعوه إلى نفسها، فذهل، وتذكر الكلمة التي اشتراها في اليوم الثاني: "من أمنك لا تخونه، ولو كنت أكبر خائن"، فاعتذر إليها، ثم أخذ يمضي النهار في الحقل مع العمال، ويرجع مساء إلى بيته لينام فيه.
ورجع الرجل من السفر ليلاً، فلم يجد الشحاذ في البيت، وسأل زوجته عنه، فاتهمته بالخيانة، والسرقة، وأكدت له أنه قد راودها عن نفسها، فغضب أشد الغضب، ولما كان الفجر، خرج إلى الحقل، فوجد الشحاذ وهو يراقب العمال، ويشرف على العمل، فناداه، فأقبل الشحاذ على الرجل مسلماً عليه، وبادر إلى عناقه، فعانقه الرجل، ولم يظهر شيئاً مما في نفسه، ثم إنه سلّمه رسالة مغلقة، وطلب منه أن يوصلها إلى صديق له، صاحب معمل صابون، وأن يبلغه السلام، ثم أكد له أنه سيعد هذا اليوم يوم عطلة ووعده أن يعطيه في الغد أجرته، مع مكافأة مجزية.
وفرح الشحاذ بذلك، ومضى عائداً إلى بيته وزوجته، وبينما هو في الطريق مرّ بقرية، فسمع فيها صوت طبول وأفراح، فتذكر الكلمة الثالثة التي كان قد اشتراها، وهي: ساعة السرور لا تفوتها"، فمال نحو مصدر الصوت، فرأى حفل زفاف، فانضم إلى أهل الحفل، وشاركهم فرحتهم، ثم نصبت حلقة الدبكة، فأخذ السرور منه كل مأخذ فشارك القوم رقصتهم بل قدم أشكالاً من الرقص أثارت دهشة الجميع، ولا سيما والد العروس.
ثم نصبت الموائد ودعي الشحاذ مع المدعويين، فلم يتردد، ولما فرغ من الطعام، تقدم من والد العروس، يعتذر إليه، ويرجوه أن يسمح له بالانصراف، ولكن والد العروس أقسم عليه أغلظ الأيمان كي يمضي ليلة عندهم، فأخبره أنه يحمل رسالة ولا بد من إيصالها إلى صاحبها، فوعده أن يرسلها مع أحد رجاله، وفي الحال، نادى رجلاً، وأعطاه الرسالة، وطلب منه إيصالها إلى صاحبها.
وأمضى الشحاذ ليلته مع الضيوف، وهو يلقى من الترحيب ما لم يتوقعه، وفي الصباح رجع إلى الرجل صاحب العمل، لما أقبل عليه، وهو في الحقل مع العمال، دهش الرجل لرؤيته، وبادر إلى سؤاله: "هل وصلت الرسالة إلى صاحبها؟ "فحدثه الشحاذ عما كان من أمر القرية والعرس، فندم الرجل على ما بدر منه، ثم اعترف للشحاذ بأنه كان قد زوده برسالة يطلب فيها من صديقه صاحب معمل الصابون أن يلقي بحامل الرسالة في حوض الزيت المغلي ليموت فيه ولا يبقى له أثر، ثم تأكد لديه براءة الشحاذ، وسوء نية زوجته، ولذلك اعتذر إليه، وقدم له كيساً مملوءاً بالليرات الذهبية، ولكن الشحاذ أبى أن يأخذه إلا أن الرجل ألح عليه.
ورجع الشحاذ إلى زوجته بعد تلك الغيبة الطويلة، يحمل الكيس المملوء بالذهب، فاقترحت عليه أن يشتري محلاً في سوق التجار، ويقعد فيه للتجارة.
وعمل الشحاذ في التجارة، فوفّق في عمله، وربح المال الكثير، وأصبح من كبار التجار، وعندئذ اقترحت عليه زوجته أن يبني قصراً مقابل قصر أبيها الملك، وكان لها ما أرادت.
وذات يوم سأل الملك عن صاحب القصر فذكروا له كبير التجار، فرغب في التعرف إليه، وزار الشحاذ الملك في قصره، ولقي منه الحفاوة والترحيب، وبادر الشحاذ إلى دعوة الملك إلى زيارته، فوعده بذلك.
وفي الموعد المنتظر كانت ابنة الملك، زوجة الشحاذ، قد أعدت لوالدها أطايب الطعام، وجهزت مائدة يشتهيها النظر، كما أعدت له صحن حساء خاص به، تعرف ميله إليه.
ولما حضر الملك أدهشه جمال القصر كما أدهشه حسن ترتيب المائدة، ولما قدمت له ابنته صحن الحساء ذهل، وقال لها: "هذا الصحن من الحساء كانت تعدّه لي ابنتي"، وأرسل زفرة حزن، ثم تذوقه فازداد دهشة، وقال: "الله لكأن ابنتي هي التي أعدته، وعندئذٍ قالت له ابنته "صدقت يا أبي، فابنتك هي التي أعدته لك"، ثم إنها عرفته إلى نفسها، وإلى حقيقة زوجها الذي كان شحاذاً، ثم قدمت له ولدين كانت قد رزقت بهما.
فسرّ الملك سروراً كبيراً للقائه بابنته، ولما صار إليه حالها من رزق وخير، ثم مال عليها يسألها: "هل في المملكة من هو أكرم مني يا ابنتي؟!"، فأجابته: "نعم، يا أبي"، ونظر إليها مدهوشاً ثم سألها: "ما زلت مصرّة على قولك، إذن أخبريني من هو؟، فأجابته: "هو الله".
فأقر الملك عندئذ بالحقيقة، واعتذر إلى ابنته، ورجاها أن تسامحه على ما نالها من ألم وعذاب، ثم ودّعها ورجع إلى قصره، وتركها مع زوجها ليعيشا معاً في سعادة وسرور.
_Oni_
24-10-2005, 05:01 PM
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
الملك وابن أخيه
يحكى أنه كان لأحد الملوك أخ فقير، يعمل حطاباً، وكان لا يسأل عنه، ولا يُعنى به، وكأنه ليس بأخيه.
ثم توفي هذا الأخ، ولم يخلف سوى ولد وحيد، سهرت أمه على تربيته، وعنيت به ، ولما شبّ سأل أمه عن عمل أبيه، فأخبرته أن والده كان حطاباً، ولم يخلف له سوى فأس صدئة، فأخذ الولد تلك الفأس، ومضى بها إلى الغابة، ثم دنا من شجرة كبيرة، وأخذ يضرب في جذعها، وإذا الجذاذات التي تطير منها تتحول إلى ذهب، وجرب ذلك في جذع شجرة أخرى، فإذا الأمر يتكرر، فالتقط غصناً مرمياً على الأرض، وأخذ يجرّب فيه الفأس، فإذا بالجذاذات المتطايرة منه تتحول إلى ذهب، فأدرك أن السرّ في الفأس فحملها ورجع إلى أمه، وقبل أن تسأله عن سبب عودته من غير أن يحمل شيئاً من الحطب، أخبرها أنه يريد الزواج من ابنة عمه الملك، وكان للملك ابنة وحيدة فائقة الحسن والجمال، ردّ والدها كثيراً من الفرسان والأمراء ممن تقدموا إلى خطبتها، فأكدت له أمه أن الملك لن يزوجه منها، بل سينقم عليه وربما أمر بقتله، لأنه من قبل كان يكره أباه، ولكن الفتى أبى إلا أن يسعى إلى الزواج من ابنة عمه.
ومضى الفتى إلى القصر، وطلب الإذن في الدخول على الملك، ولما صار بين يديه، والوزراء والقضاة من حوله، ألقى السلام، ثم أعلن صراحة ومن غير مقدمات عن رغبته في الزواج من ابنة عمه، فغضب الملك، وأمر الجلاد بقطع رأسه، ولكن أحد الوزراء توسّل إليه أن يتريث، ثم اقترح أن يطلب منه مطلباً صعباً، إذا حققه تزوجها، وإذا لم يحققه قطع رأسه.
وارتاح الملك للرأي، فطلب من ابن أخيه أن يملأ إحدى غرف القصر بالذهب، فسرّ الفتى بالطلب، ومضى إلى إحدى الغرف، فأخرج فأسه، وأخرج قطعة خشب، وأخذ ينجر فيها، وإذا جذاذات الذهب تتطاير وتتطاير، حتى ملأت الغرفة، وعنذئذ اضطر الملك إلى تزويج ابنته من ابن أخيه، ولكنه أحسّ أن في الأمر سراً ما، ولذلك أوصى ابنته أن تعرف السرّ، وترجع إليه، من غير أن تمكن ابن عمها من نفسها.
وفي ليلة الزفاف قدمت ابنة الملك إلى ابن عمها أطايب الطعام والشراب، وأخذت تحدّثه وتسامره وتؤانسه، فاطمأن إليها وارتاح، ثم أحست فيه لحظة ضعف، فسألته عن مصدر الذهب، فحدثها عن الفأس، فقدمت إليه كأس شراب فيه منوم، ولما غلبه النعاس، حملت الفأس، ورجعت إلى أبيها الملك، تحت جنح الظلام.
وفي الصباح استيقظ الفتى فلم يجد العروس ولا الفأس، فعرف أنها خدعته، فعزم أن ينتقم لنفسه، وازداد إصراراً على الزواج من ابنة عمه، وأسرع إلى أمه يسألها إن كان أبوه قد ترك له شيئاً آخر غير الفأس، فدلته على صندوق فيه كل حاجات أبيه، فبحث فيه فعثر على ناي، ولمّا سأل أمه عنه، أجابته بأن والده كان يتسلى به في بعض الأوقات، فأخذ الناي، وأخذ ينفخ فيه، وإذا صحون ملأى بأطايب الطعام تمتد في أرض الغرفة.
وأسرع الفتى في الحال إلى عمه، فدخل عليه وألقى السلام، ثم أعلن رغبته في الزواج من ابنة عمه، همّ الملك أن يأمر الجلاد بقطع رأسه، ولكنه ذكر اقتراح الوزير، فطلب من ابن أخيه أن يطعم الوزراء والقضاة والقادة والجند والحرس، لكي يزوجه ابنته، وإلا قطع رأسه.
ومضى الفتى في الحال إلى المطبخ، وأخذ ينفخ في الناي، والخدام ينقلون الصحون مملوءة بأطيب الطعام، حتى أكل كل أولئك، وغيرهم كثير، وعندئذ اضطر الملك إلى تزويج ابنته من ابن أخيه، ولكنه أوصاها بمثل ما أوصاها به أول مرة.
وتمكنت ابنة الملك من التأثير في ابن عمها، وساقته إلى الاعتراف بمصدر ذلك الطعام، ثم سقته شراباً فيه منوم، فنام، فحملت الناي، وخرجت به عائدة إلى أبيها، وفي الصباح استيقظ الفتى، فلم يجد العروس ولا الناي، فعرف أنه خدع مرة ثانية.
ورجع إلى صندوق أبيه، يبحث فيه، فلم يجد سوى طاقية عتيقة، فكاد يمزقها، ولكنها وضعها على رأسه، وأسرع إلى أمه يرجوها أن تجهز له الطعام، فقد غلبه الجوع، ولكنها دهشت لأنها لم تكن تراه، وأخذت تسأله أين يكون، فدهش هو أيضاً، وبصورة عفوية رفع الطاقية عن رأسه، فإذا هو بجانب أمه، وعندئذ عرف أن هذه طاقية الإخفاء. وأسرع الفتى إلى الملك يخطب ابنته، وللمرة الثالثة حصل على ما حصل في المرتين الأوليين، وتمكنت ابنة الملك من اختطاف قبعة الإخفاء والعودة بها إلى أبيها. وعندئذ ضاقت الدنيا بالفتى، فقرر ترك البلاد، والارتحال في أرض الله الواسعة، لأنه لا يطيق العيش في بلد فيها الملك وابنة عمه، وأخذ يقطع الفيافي والقفار، وبينما هو كذلك غلبه الجوع، ولمح خيمة بعيدة، فقصدها، فوجد فيها عجوزاً، وعندها بضع غنمات، فرجاها أن يعمل عندها راعياً، فسرت لذلك، وأخذ يسرح كل يوم بالغنمات.
وذات يوم، وبينما هو في الحقل يرعى الغنمات، مرت به أفعى بيضاء، ولما صارت أمامه، انتفضت، وإذا هي صبية حسناء، رجته أن يخبئها من ابن عمها الذي يسعى في إثرها للزواج منها، وهي لا تريده، فذعر، وتملكه الخوف، وسألها، كيف يمكنه أن يخبئها، فإذا هي تنتفض، وترجع أفعى، فأخفاها تحت طيات ثيابه، وما هي إلا هنيهة، حتى مرّ به ثعبان أسود، وقف أمامه، ثم انتفض، وإذا هو عبد أسود، سأله إن كان قد رأى ابنة عمه، فأشار إلى جبل شاهق، وأخبره أنها ذهبت وراء ذلك الجبل، فانتفض العبد الأسود، ورجع ثعباناً، واتخذ طريقه نحو الجبل، ولما ابتعد، أخرج الأفعى، فشكرته، وسألته ما يريد، فأكد لها أنه قد قام بواجبه، ولا يطلب منها شيئاً، وعندئذ قالت له: "سيتحقق لك كل ما تتمناه، وإذا قلت لأحد الصق بمكانك فسوف يلصق به"، ثم تركته وابتعدت.
وأسرع الفتى إلى العجوز، فردّ إليها الغنمات، ثم رجع إلى بلاده، وقصد على الفور قصر عمه الملك، ولما دخل عليه، أمر الملك الحراس على الفور بالقبض عليه، ولكن الفتى قال لهم: "الصقوا في أماكنكم، فلصقوا، فطلب الملك من الجلاد أن يقطع رأسه، فقال له الفتى مثل ما قال للحراس، فلصق في مكانه، ثم قال للملك: "كما ترى، أنا قادر على لصق الوزراء والقضاة كلهم في أماكنهم، ولذلك فمن الأفضل أن تردّ علي الفأس والناي والطاقية، وأن تزوجني ابنتك؟
وتدخل الوزراء والقضاة، وأكدو للملك ضرورة تزويج ابنته من ابن أخيه، وعندئذ أدرك الملك أن ابنته هي من نصيب ابن أخيه، وأن العرش لا بد سيصير من بعده إليه، فوافق.
وهكذا أقيمت الأفراح، وأعلن في المملكة سبعة أيام وثماني ليالي لا أحد يأكل ولا أحد يشرب إلا من قصر الملك، وتزوج الفتى الفقير من ابنة عمه الملك، وعاشا معاً في سعادة وسرور.
http://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/glitter.gifhttp://www.syrianstory.com/65.gif (http://www.syrianstory.com/divers23.htm#حكايات شعبية)
الشحاذ وبنت الملك
كان في قديم الزمان ملك، ولا ملك إلا الله، وكانت له بنت وحيدة، وكان يحبها حباً كبيراً، ويعنى بها، ويحضر لها كل ما تطلب، وكان يسألها: "هل هناك من هو أكرم مني؟، فتجيبه: نعم، هناك من هو أكرم منك، وكان كلما أعاد السؤال، أعادت عليه الجواب نفسه، حتى إنه ضجر منها، وأقسم أن يزوجها من شحّاذ.
وذات يوم تقدم إليه شحاذ يرجوه المساعدة، فسأله إن كان متزوجاً فأجاب أن “لا” فأقسم عليه أن يتزوج ابنته، فدهش الشحاذ، وحاول الاعتذار، ولكن لم يكن ثمة مفرّ.
وهكذا حملت بنت الملك صرّة ثيابها، ومضت مع زوجها الشحاذ، مغادرة قصر أبيها، من غير زفاف، ولا احتفال ولا أفراح.
ولم يكن لدى ذلك الشحاذ سوى كوخ صغير، آواها فيه، وفي صباح اليوم التالي أعطته خاتماً كان في إصبعها، وطلبت منه أن يبيعه ويستأجر بثمنه داراً صغيرة، وتم انتقالهما إلى تلك الدار.
وفي صباح يوم آخر أعطته أحد أثوابها، وطلبت منه أن يبيعه ليشتري بثمنه بعض الطعام، فباعه، وبينما هو في الطريق، سمع رجلاً ينادي: "الكلمة بليرة، فمن يشتري؟ فدهش الشحاذ، ودفع إلى الرجل الليرة التي كان قد قبضها ثمن الثوب، فقال له الرجل: "حب حبيبك ولو كان عبداً أسود".
ورجع إلى زوجته، واعتذر إليها، مدعياً أنه أضاع ثمن الثوب، وفي صباح اليوم التالي أعطته ثوباً آخر، ونزل إلى السوق فباعه، وبينما هو يبحث عن الطعام، سمع الرجل نفسه ينادي: "الكلمة بليرة، فأسرع إليه، ودفع له ثمن الثوب، فقال له الرجل: "من أمّنك فلا تخنه، ولو كنت أكبر خائن"، ورجع الشحاذ إلى زوجته، واعتذر إليها مختلقاً بعض الحجج.
وفي اليوم الثالث، أعطته ثوباً وقالت له: هذا آخر ثوب عندي، بعه ولا تفرط بثمنه"، ومضى إلى السوق، فباعه، ومرة ثالثة التقى الرجل نفسه، ودفع له ثمن الثوب، فقال له الرجل، "ساعة السرور لا تفوتها"، ورجع الشحاذ إلى زوجته معتذراً، فقالت ليس عندي ما أعطيك إياه، وما عليك سوى أن تبحث عن عمل.
وفي اليوم التالي نزل إلى السوق، ووقف على الرصيف حيث يقف العمال، ينتظرون من يأتي فيأخذهم ليعملوا، في الحقل أو البناء أو الرعاية أو السقاية.. وانتصف النهار وجاء أصحاب الأعمال وأخذوا العمال كلهم، ولم يبق أحد سواه، وكاد يرجع إلى البيت خائباً، ولكن رجلاً أتاه ليسأله: "هل تعمل في سقاية الحمير؟، فأجابه: أعمل، وعندئذ أخذه إلى حقل حيث كانت هناك حمير كثيرة تحمل حجارة يقطعها الرجال من الجبل، وكان على الشحاذ أن يقودها إلى مغارة بعيدة، يتدفق منها الماء، فساقها تحت الشمس الحارقة، حتى وصل إلى المغارة، وهناك تركها تشرب ما شاء لها الشرب، وتبترد، على حين دخل هو المغارة، ليستريح في الظل.
وبينما هو في المغارة إذ برز له مارد جبار، ومعه فتاتان، إحداهما شقراء، والأخرى سمراء، فسأله المارد: "أجبني أيها الرجل، أي الفتاتين أجمل؟ السمراء أم الشقراء؟، وتذكر الشحاذ الكلمة التي كان قد اشتراها في اليوم الأول: فأجاب: "أحبب حبيبك، ولو كان عبداً أسود"، فسرّ المارد لجوابه سروراً كبيراً، ثم قال: "أحسنت أيها الرجل ولو كنت قلت الشقراء، لقطعت رأسك،" ثم ما كان من المارد إلا أن أعطاه كيساً مملوءاً بالنقود الذهبية.
وخرج الشحاذ من المغارة، وأخذ يقود الحمير إلى صاحبها، ثم تركها عنده، ومضى، لا يريد أجرته، ثم أسرع إلى زوجته، وأعطاها الكيس المملوء بالنقود الذهبية.
وفي اليوم التالي نزل الشحاذ إلى السوق، ووقف حيث وقف بالأمس، وقدم أصحاب الأعمال، وأخذوا العمال كلهم، ولم يبق أحد سواه، وهم بالانصراف خائباً، ولكن رجلاً أسرع إليه يسأله إن كان يرغب في العمل عنده مراقباً على العمال، ففرح بذلك، ومضى معه.
وأخذ الشحاذ يراقب العمال في الحقل، ويتابعهم، وقد سرّه هذا العمل، واستمر فيه، وكان في نهاية الأسبوع يقبض من صاحب العمل أجرة العمال ويوزعها عليهم، ولكنه كان يضطر في أغلب الأيام إلى البقاء في بيت الرجل صاحب العمل، لينهض في الصباح الباكر، ويشرف على العمال، وقد اطمأن إليه صاحب العمل، وجعله مثل ابنه، وأخذت زوجة الرجل تعنى به وتقدم له الطعام وكان يناديها دائماً "يا أختي".
وذات يوم أخبره رب العمل أنه مضطر إلى السفر لبضعة أيام، ثم كلفه برعاية العمال، وفوّضه في الأمر كله، وأوصى زوجته به، كما أوصاه أن يحضر لها كل ما تطلبه من حاجات السوق، وتمنى عليه أن ينام طوال غيابه في بيته، حتى يظل قريباً من العمل.
ومرت الأيام والشحاذ في بيت الرجل، يقوم بواجبه خير قيام، يراقب العمال، ويشرف على العمل، ويحضر لزوجة الرجل كل ما تطلب من حاجات، ثم يأوي مساء إلى غرفة صغيرة لينام فيها متعباً من عناء النهار وكدّه.
وذات ليلة وبينما هو نائم أحس دبيب حركة، فتوقع أن يكون وحشاً أو لصاً، ولكنه فوجئ بزوجة الرجل تدخل عليه تدعوه إلى نفسها، فذهل، وتذكر الكلمة التي اشتراها في اليوم الثاني: "من أمنك لا تخونه، ولو كنت أكبر خائن"، فاعتذر إليها، ثم أخذ يمضي النهار في الحقل مع العمال، ويرجع مساء إلى بيته لينام فيه.
ورجع الرجل من السفر ليلاً، فلم يجد الشحاذ في البيت، وسأل زوجته عنه، فاتهمته بالخيانة، والسرقة، وأكدت له أنه قد راودها عن نفسها، فغضب أشد الغضب، ولما كان الفجر، خرج إلى الحقل، فوجد الشحاذ وهو يراقب العمال، ويشرف على العمل، فناداه، فأقبل الشحاذ على الرجل مسلماً عليه، وبادر إلى عناقه، فعانقه الرجل، ولم يظهر شيئاً مما في نفسه، ثم إنه سلّمه رسالة مغلقة، وطلب منه أن يوصلها إلى صديق له، صاحب معمل صابون، وأن يبلغه السلام، ثم أكد له أنه سيعد هذا اليوم يوم عطلة ووعده أن يعطيه في الغد أجرته، مع مكافأة مجزية.
وفرح الشحاذ بذلك، ومضى عائداً إلى بيته وزوجته، وبينما هو في الطريق مرّ بقرية، فسمع فيها صوت طبول وأفراح، فتذكر الكلمة الثالثة التي كان قد اشتراها، وهي: ساعة السرور لا تفوتها"، فمال نحو مصدر الصوت، فرأى حفل زفاف، فانضم إلى أهل الحفل، وشاركهم فرحتهم، ثم نصبت حلقة الدبكة، فأخذ السرور منه كل مأخذ فشارك القوم رقصتهم بل قدم أشكالاً من الرقص أثارت دهشة الجميع، ولا سيما والد العروس.
ثم نصبت الموائد ودعي الشحاذ مع المدعويين، فلم يتردد، ولما فرغ من الطعام، تقدم من والد العروس، يعتذر إليه، ويرجوه أن يسمح له بالانصراف، ولكن والد العروس أقسم عليه أغلظ الأيمان كي يمضي ليلة عندهم، فأخبره أنه يحمل رسالة ولا بد من إيصالها إلى صاحبها، فوعده أن يرسلها مع أحد رجاله، وفي الحال، نادى رجلاً، وأعطاه الرسالة، وطلب منه إيصالها إلى صاحبها.
وأمضى الشحاذ ليلته مع الضيوف، وهو يلقى من الترحيب ما لم يتوقعه، وفي الصباح رجع إلى الرجل صاحب العمل، لما أقبل عليه، وهو في الحقل مع العمال، دهش الرجل لرؤيته، وبادر إلى سؤاله: "هل وصلت الرسالة إلى صاحبها؟ "فحدثه الشحاذ عما كان من أمر القرية والعرس، فندم الرجل على ما بدر منه، ثم اعترف للشحاذ بأنه كان قد زوده برسالة يطلب فيها من صديقه صاحب معمل الصابون أن يلقي بحامل الرسالة في حوض الزيت المغلي ليموت فيه ولا يبقى له أثر، ثم تأكد لديه براءة الشحاذ، وسوء نية زوجته، ولذلك اعتذر إليه، وقدم له كيساً مملوءاً بالليرات الذهبية، ولكن الشحاذ أبى أن يأخذه إلا أن الرجل ألح عليه.
ورجع الشحاذ إلى زوجته بعد تلك الغيبة الطويلة، يحمل الكيس المملوء بالذهب، فاقترحت عليه أن يشتري محلاً في سوق التجار، ويقعد فيه للتجارة.
وعمل الشحاذ في التجارة، فوفّق في عمله، وربح المال الكثير، وأصبح من كبار التجار، وعندئذ اقترحت عليه زوجته أن يبني قصراً مقابل قصر أبيها الملك، وكان لها ما أرادت.
وذات يوم سأل الملك عن صاحب القصر فذكروا له كبير التجار، فرغب في التعرف إليه، وزار الشحاذ الملك في قصره، ولقي منه الحفاوة والترحيب، وبادر الشحاذ إلى دعوة الملك إلى زيارته، فوعده بذلك.
وفي الموعد المنتظر كانت ابنة الملك، زوجة الشحاذ، قد أعدت لوالدها أطايب الطعام، وجهزت مائدة يشتهيها النظر، كما أعدت له صحن حساء خاص به، تعرف ميله إليه.
ولما حضر الملك أدهشه جمال القصر كما أدهشه حسن ترتيب المائدة، ولما قدمت له ابنته صحن الحساء ذهل، وقال لها: "هذا الصحن من الحساء كانت تعدّه لي ابنتي"، وأرسل زفرة حزن، ثم تذوقه فازداد دهشة، وقال: "الله لكأن ابنتي هي التي أعدته، وعندئذٍ قالت له ابنته "صدقت يا أبي، فابنتك هي التي أعدته لك"، ثم إنها عرفته إلى نفسها، وإلى حقيقة زوجها الذي كان شحاذاً، ثم قدمت له ولدين كانت قد رزقت بهما.
فسرّ الملك سروراً كبيراً للقائه بابنته، ولما صار إليه حالها من رزق وخير، ثم مال عليها يسألها: "هل في المملكة من هو أكرم مني يا ابنتي؟!"، فأجابته: "نعم، يا أبي"، ونظر إليها مدهوشاً ثم سألها: "ما زلت مصرّة على قولك، إذن أخبريني من هو؟، فأجابته: "هو الله".
فأقر الملك عندئذ بالحقيقة، واعتذر إلى ابنته، ورجاها أن تسامحه على ما نالها من ألم وعذاب، ثم ودّعها ورجع إلى قصره، وتركها مع زوجها ليعيشا معاً في سعادة وسرور.
جميع حقوق برمجة vBulletin محفوظة ©2025 ,لدى مؤسسة Jelsoft المحدودة.
جميع المواضيع و المشاركات المطروحة من الاعضاء لا تعبر بالضرورة عن رأي أصحاب شبكة المنتدى .