المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اعجاز القرآن



rajaab
25-10-2005, 05:30 PM
اعجاز القرآن



القران هو اللفظ المنزل على سيدنا محمد r بما يدل عليه من معانيه ، فالقران هو اللفظ والمعنى معا . فالمعنى وحده لايسمى قرانا ، واللفظ وحده لايتأتي ان يكون دون معنى مطلقا لان اصل الوضع في اللفظ انما هو للدلالة على معنى معين ولذلك وصف القران بوصف لفظه ، فقال الله عنه انه عربي حيث قال (انا انزلنا قرنا عربيا) وقال (كتاب فصلت آياته قرانا عربيا) (قرآنا عربيا غير ذي عوج) (اوحينا اليك قرآنا عربيا) (انا جعلنا قرآنا عربيا) والعربية وصف للفظ القران لالمعانيه لان معانيه معاني انسانيه وليست معاني عربية ، وهي لبني الانسان وليست للعرب فقط ، واما قوله تعالى (وكذلك ارسلناه حكما عربيا) فان معناه حكمة مترجمة بلسان العرب ، وليس معناه حكمة عربية . فالعربية وصف للفظه ليس غير . ولفظه لايوصف الا بالعربية فحسب . وهو لااسم له على مسماه غير العربية لاحقيقة ولامجازا . ولذلك لايصح ان يقال عن كتابة بعض معانيه بغير اللغة العربية انها قرآن ، فعربية القران حتمية وهي عربية لفظه فحسب ، والقران هو معجزة للنبي محمد r وانه وان كان هنالك معجزات اخرى للنبي r قد جرت على يده غير القرآن كما ورد ذلك في القران نفسه وفي صحاح السنة ، فان النبي عليه السلام لم يتحد بها ، بل كان التحدي بالقران وحده ولذا نقول ان القرآن هو معجزة النبي محمد r التي بها ثبتت رسالته منذ نزول القران عليه الى يوم القيامه . وقد اعجز القران العرب عن ان يأتوا بمثله وتحداهم ان يأتوا بمثله ، فقال تعالى في تحديه لهم (وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله ان كنتم صادقين) وقال (قل فاتوا بسورة من مثلة وادعوا مااستطعتم من دون الله ان كنتم صادقين) (ام يقولون افتراه قل فاتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين) وقد بلغ من تحديه لهم انه قال لهم لاتستطيعون ان تأتوا بمثله قال تعالى (قل لئن اجتمعت الانس والجن على ان يأتوا بمثل هذا القران لايأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) فعجز الذي خوطبوا بالقرآن عن ان يأتوا بمثله وعجزهم هذا ثابت بطريق التواتر ، ولم يعرف التاريخ ولاروى احد انهم اتوا بمثله .

وهذا التحدي ليس خاصا بالذين خوطبوا بل هو تحد عام الى يوم القيامة . لان العبرة في عموم اللفظ لابخصوص السبب ، فالقران متحد البشر كلهم منذ نزوله الى يوم القيامة ان يأتوا بمثله . ولذلك ليس القران معجزا للعرب الذين كانوا في ايام الرسول فقط ولاللعرب وحدهم في كل مكان وزمان ، بل هو معجز للناس اجمعين ، لافرق في ذلك بين قبيل وقبيل ، لان الخطاب فيه للناس اجمعين ، قال تعالى (وماارسلناك الا كافة للناس) ولأن ايات التحدي عامة تقول (وادعوا من استطعتم من دون الله) وهو يشمل الناس جميعا . ولأن القرآن اخبر عن عجز الانس والجن ، قال تعالى (قل لئن اجتمعت الانس والجن على ان يأتوا بمثل هذا القران لاياتون بمثله) وعجز العرب عن ان يأتوا بمثل هذا القران وعجز الناس جميعا عن ان يأتوا بمثله انما هو لامر ذاتي في القران نفسه . فان العرب كانوا اذا سمعوا القران اقبلوا عليه مأخوذين عليه بسحر بلاغته ، حتى ان الوليد ابن المغيره ليقول للناس وقد سمع الرسول r يقرأ القرآن (والله مامنكم رجلا اعرف بالاشعار مني ولااعلم برجزه وقصيده مني والله مايشبه الذي يقوله شيئا من هذا ، والله ان لقوله الذي يقوله لحلاوة وان عليه لطلاوة ، وانه لمورق اعلاه مغدق اسفله ، وانه ليعلوا ولايعلى عليه) مع ان الوليد هذا لم يؤمن واصر على كفره ، فالاعجاز آت من ذات القران لان الذين سمعوه والذين يسمعونه الى يوم القيامة يشدهون ويتحيرون من قوة تأثيره وقوة بلاغته ، بمجرد سماعهم له ولو جملة واحدة (لمن الملك اليوم) (والارض جميعا قبضته يوم القيامة) (واما تخافن من قوم خيانة فانبذ اليهم على سواء) (ياايها الناس اتقوا ربكم ان زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما ارضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وماهم بسكارى ولكن عذاب الله شديد) وهكذا تتلى آية من القرآن او آيات ، فان الفاظها واسلوبها ومراميها تستغرق احاسيس الانسان وتستولي عليه .

واعجاز القران اظهر مايظهر في فصاحته وبلاغته وارتفاعه الى درجة مدهشة . ويتجلى ذلك في اسلوب القرآن المعجز فان مافي اسلوبه من الوضوح والقوة والجمال مايعجز البشر عن ان يصلوا اليه . والاسلوب هو معاني مرتبة في الفاظ منسقة . او هو كيفية التعبير لتصوير المعاني بالعبارات اللغوية ، ووضوح الاسلوب يكون ببروز المعاني المراد ادائها في التعبير الذي اديت به (وقال الذين كفروا لاتسمعوا لهذا لقران والغوا فيه لعلكم تغلبون) . وقوة الاسلوب تكون باختبار الالفاظ التي تؤدي المعنى بما يتلائم مع المعنى . فالمعنى الرقيق يؤدي باللفظ الرقيق ، والمعنى الجزل يؤدي باللفظ الجزل ، والمعنى المستنكر يؤدي باللفظ المستنكر ..(ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا عينا فيها تسمى سلسبيلا) (ان جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا لابثين فيها احقابا) (تلك اذن قسمة ضيزى) (ان انكر الاصوات لصوت الحمير) اما جمال الاسلوب فيكون باختبار اصفى العبارات واليقها بالمعنى الذي أدته ، وبالالفاظ والمعاني التي معها في الجملة والجمل . (ربما يود الذين كفروا لوكانوا مسلمين ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الامل فسوف يعلمون) .

والمتتبع للقران يجد الارتفاع الشامخ الذي يتصف به اسلوبه وضوحا وقوة وجمالا . اسمع هذا الوضوح والقوة والجمال (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولاهدى ولاكتاب منير ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله) (هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من النار يصب من فوق رؤوسهم الحميم يصهر به مافي بطونهم والجلود ، ولهم مقامع من حديد كلما ارادوا ان يخرجوا منها من غم اعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق) (ياايها الناس ضرب مثل فاستمعوا له ان الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له ، وان يسلبهم الذباب شيئا لايستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب) .

والقرآن طراز خاص من التعبير ، ونظمه ليس على منهاج الشعر الموزون المقفي ، ولاهو على منهاج النثر المرسل ، ولاهو منهاج النثر المزدوج او النثر المسجوع ، وانما هو منهاج قائم بذاته لم يكن للعرب عهد به ولامعرفه من قبل .

وكان العرب لفرط تأثرهم بالقرآن لايدرون من أي ناحية وصل الى هذا الانجاز . فصاروا يقولون (ان هذا لسحر مبين) ويقولون انه قول شاعر وانه قول كاهن . ولذلك رد عليهم الله فقال (وماهو بقول شاعر قليلا ماتؤمنون ولابقول كاهن قليلا ماتذكرون) .

وكون القرآن طرازا خاصا ونسيجا منفردا واضح فيه كل الوضوح . فبينما تجده يقول (ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين) ويقول (لن تنالو البر حتى تنفقوا مماتحبون) مما هو نثر قريب من الشعر ، اذ لو نظمت الآيتان لكانتا بيتين من الشعر هكذا:

ويخزهم وينصركم عليهم ويشفي صور قوم مؤمنين

لن تنالو البر حتى تنفقوا مما تحبون

ولكنهما ليسا شعرا وانما هو نوع من النثر فريد ، وفي الوقت الذي تجد القرآن يقول هذا النوع من النثر تجه يقول (والسماء والطارق وماادراك ماالطارق النجم الثاقب ان كل نفس لما عليها حافظ فلينظر الانسان مما خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب) مما هو نثر بعيد عن الشعر كل البعد وبينما تجده يقول (وماارسلنا من رسول الا ليطاع باذن الله) (ولو انهم اذا ظلموا انفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) (فلا وربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم الايجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) فيطيل الفقرة والنفس في النثر ، تجده يقول (والشمس وضحاها والقمر اذا تلاها والنهار اذا جلاها واليل اذا يغشاها) فيقصر الفقرة والنفس في النثر . مع ان كلا منهما نثر في فقرات فقرات . وبينما تجده يبدع في النثر المرسل فيرسل في القول فيقول (ياايها الرسول لايحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا امنا بافواههم ولم تؤمن قلوبهم ، ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون ان اوتيتم هذا فخذوه وان لم تأتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله سيئا ، اولئك الذين لم يرد الله ان يطهر قلوبهم ، لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم) تجده يبدع في النثر المسجع ويسجع فيقول (ياايها المدثر قم فانذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر ولاتمنن تستكثر ولربك فاصبر) وتجده يتسامى في الازدواج ويزدوج فيقول (الهكم التكاثر ، حتى زرتم المقابر ، كلا سوف تعلمون ، ثم كلا سوف تعلمون ، كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم وتراه يطيل الازدواج فيقول (قتل الانسان مااكفره ، من أي شيء خلقه ، منطفة خبقه فقدره ، ثم السبيل يسره ثم اماته فاقبره ، ثم اذا شاء انشره ، كلا لما يقضي ماامره ، فلينظر الانسان الى طعاه انا صببنا الماء صبا ثم شققنا الارض شقا ، فانبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا) وبينما يسير في سجعة معينة اذا هو يعدل عنها الى سجعة اخرى ، فبينما يكون سائرا بالسجع هكذا (فاذا نقر في الناقور ، فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير) اذا هو يعدل في الاية التي بعدها مباشرة فيقول (ذرتني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالا ممدودا ، وبنين شهودا ، ومهدت له تمهيدا ثم يطع ان ازيدا ، كلا انه كان لآياتنا عنيدا سأرهقه صعودا) ثم يعدل عن هذه السجعة الى غيرها في الاية التي بعدها مباشرة فيقول (انه فكر وقدر فقتل كيف قدر ، ثم قتل كيف قدر ، ثم نظر ، ثم عبس وبسر ، ثم ادبر واستكبر) . وهكذا تتبع جميع القرآن لاتجده ملتزما شيئا مما في اسلوب العرب من شعر او نثر على مختلف انواعها ولايشبه أي قول من اقوال العرب ، ولايشبه أي قول من اقوال البشر .

ثم انك تجد اسلوبه واضحا قويا جميلا يؤدي المعاني بكيفية من التعبير تصور المعاني ادق تصوير . فتجده حين يكون المعني رقيقا يقول (ان للمتقين مفازا ، حدائق واعنابا ، وكواعب اترابا ، وكأسا دهاقا) من الالفاظ الرقيقة والجمل السلسة . وحين يكون المعنى جزلا يقول (ان جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا لابثين فيها احقابا لايذوقون فيها بردا ولاشرابا الا حميما وغساقا جزاء وفاقا) من الالفاظ الفخمة والجمل الجزلة ، وحين يكون المعنى محببا يأتي باللفظ المحبب فيقول (ورفع ابويه على العرش وخروا له سجدا) ، وحين يكون المعنى مستنكرا يأتي باللفظ المناسب لهذا المعنى فيقول (الكم الذكر وله الانثى ، تلك اذن قسمة ضيزى) ويقول (واغضض من صوتك ان انكر الاصوات لصوت الحمير) وقد صاحب تأدية المعاني بهذه الكيفية من التعبير التي تصور المعاني مراعاة للالفاظ ذات الجرس الذي يحرك النفس عند تصورها لهذه المعاني وادراكها لها . ولذلك كانت تبعث في السامع المدرك لعمق هذه المعاني وبلاغة التعبير خشوعا عظيما حتى كاد بعض المفكرين العرب من البلغاء ان يسجدوا لها مع كفرهم وعنادهم .

ثم ان المدقق في الفاظ القرآن وجمله يجد انه يراعي عند وضع الحروف مع بعضها ، الاصوات التي تحدث منها عند خروجها من مخارجها فيجعل الحروف المتقاربة المخارج متقاربة الوضع في الكلمة او الجملة واذا حصل تباعد بين مخارجها فصل بينها بحرف يزيل وحشة الانتقال . وفي نفس الوقت يجعل حرفا محببا من مخرج خفيف على الاذن يتكرر كاللازمة في الموسيقى ، فلا يقول (كالباعق المتدفق) وانما يقول (كصيب) ولايقول (الهعخع) وانما يقول (سندس خضر) واذا لزم ان يستعمل الحروف المتباعدة وضعها في المعنى الذي يليق بها ولايؤدي المعنى غيرها مثل كلمة (ضيزى) فانه لاينفع مكانها كلمة ظالمة ولاجائرة مع ان المعنى واحد . ومع هذه الدقة في الاستعمال ، فان الحرف الذي يجعله لازمة يرد في الآيات واضحا في التردد ، فآية الكرسي مثلا ترددت اللام فيها ثلاثا وعشرين مرة بشل محبب يؤثر على الاذن حتى ترهف للسماع وللاستزاده من هذا السماع .

وهكذا تجد القران طرازا خاصا ، وتجده ينزل كل معنى من المعاني في اللفظ الذي يليق به ، والالفاظ التي حوله والمعاني التي معه ، ولاتجد ذلك يتخلف في اية آيه من آياته . فكان اعجازه واضحا في اسلوبه من حيث كونه طرازا خاصا من القول لايشبه كلام البشر ولايشبهه كلام البشر . ومن حيث انزال المعاني في الالفاظ والجمل اللائقة بها ، ومن حيث وقع الفاظه على اسماع من يدرك بلاغتها ويتعمق في معانيها فيخشع حتى يكاد يسجد لها ، وعلى اسماع من لايدرك ذلك فيأسره جرس هذه الالفاظ في نسق معجز يخشع له السامع قسرا ولو لم يدرك معانيه ، ولذلك كان معجزة وسيظل معجزة حتى قيام الساعة .

اســــــــلام
25-10-2005, 07:34 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

موضوع في قمة الروعة والافادة ..

جزاك الله خيرا وبارك فيك ..

اسـال الله ان يجزيك الجنة ويحسن اليك ..

دمت بحفظ الله ..