rajaab
05-11-2005, 04:05 PM
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من حمل الدعوة:
وفي هذا يقول الإمام النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم تحت باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
واعلم أن هذا الباب – أعني باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – قد شيع أكثره من أزمان متطاولة، ولم يبقَ منه في هذه الأزمان إلا رسوم قليلة جداً.
وهذا باب عظيم به قوام الأمر وملاكه. وإذا كثر الخبث عمّ العقابُ الصالحَ والطالحَ. وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك أن يعمهم الله تعالى بعقاب: ]فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[.
وان الحاجة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضرورية وباقية ما بقيت الحاجة إلى الحياة نفسها وأمنها وعافيتها. فإن الدعوة تعدل ذلك كله .. وقد وضح النبي r مدى هذه الحاجة في الحديث وضرب لذلك مثلاً فقال: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها. وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم. فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ مَن فوقنا؟ فإن تركهم الذين في الأعلى وما أرادوا هلكوا جميعاً، وان أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً» [رواه البخاري]. وبهذا الحديث يتبين كيف أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يساوي حياة المجتمع وسلامته. وان أي تهاون في القيام به لا جزاء له إلاّ أن تهوي السفينة بالجميع إلى القاع وان يصبح الكل من المهلكين المغرقين.
وقد عبّر القرآن عن أهمية الدعوة وحاجة الناس إليها بكثير من الآيات. ولم تقتصر ألفاظ القرآن على مادة الدعوة بل شملت الكثير من الألفاظ والمعاني التي تدور جميعها حول موضوع الدعوة. وكذلك أحاديث الرسول r. نذكر بعضها على سبيل الذكر لا الحصر:
فقد عبّر القرآن عن الدعوة بلفظ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى: ]كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ... [ وقال جل من قائل: ]وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [.
وقال رسول الله r: «والذي نفسي بيده لتأمرنَّ بالمعروف وتَنْهَوُنَّ عن المنكر أو ليوشِكنَّ الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يُستجابُ لكم» [رواه الترمذي]. وقال r: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» [رواه مسلم].
التبليغ من حمل الدعوة :
وكذلك عبّر القرآن عن الدعوة بلفظ الشهادة على الناس، قال تعالى: ] وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً...[.
ويقول الرسول r: «.. والمؤمنون شهود الله في الأرض» [ابن ماجة]. ويقول الرسول r: «ليبلغ الشاهد الغائب» [رواه البخاري].
التواصي بالحق من حمل الدعوة:
وكذلك عبّر القرآن عن الدعوة بالتبليغ. قال تعالى: ]يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ[. ويقول الرسول r: «بلغوا عني ولو آية» [رواه البخاري].
وكذلك عبّر القرآن والحديث عن الدعوة بألفاظ التواصي بالحق، والإرسال للتبشير والإنذار وتبيين الحق، والنصيحة وتذكير الناس ومجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن والجهاد في سبيل الله. والعمل لإظهار الدين. وغيرها الكثير .
وقال تعالى: ]وَالْعَصْرِ @ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ @ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ[. وقال تعالى: ]وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراًً[. وقال تعالى: ]وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ... [. وقال تعالى: ]إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ[ وقال: ]وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ[ وقال: ]وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ[. وقال تعالى: ]وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه[. وقال تعالى: ]هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ[.
وقال رسول الله r: «ألا إن الدين النصيحة. قيل لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» [متفق عليه]. وعن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: «كان رسول الله r إذا أقرّ أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً ثم قال: اغزوا باسم الله وفي سبيل الله. قاتلوا من كفر بالله ... وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال (أو خلال) فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ...» [رواه مسلم]. وعن رسول الله r أنه قال: «نضرّ الله عبداً سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه» [رواه الترمذي].
وهكذا تتضافر الآيات والأحاديث حتى أن كل آية وكل حديث يحمل في ثناياه الدعوة. والدعوة تشمل الناس جميعاً ويقوم بها المسلمون جميعاً كل بحسب استطاعته.
فلو جئنا إلى الآيات التي تتعلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقط دون غيرها من آيات الدعوة، وذلك على سبيل المثال، لرأينا أن هذه الآيات قد أخبرتنا أن هذا الركن العظيم في الإسلام يجب أن يشمل المسلمين جميعهم، فهي بالنسبة للنبي r الذي هو أسوتنا وقدوتنا تقول: ]يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ[. وهذا بيان لكمال رسالته. فإنه r هو الذي أمر الله على لسانه بكل معروف ونهى عن كل منكر وأحل كل طيب وحرم كل خبيث.
وهي بالنسبة للأمة تقول: ]كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ[.
والأمة هنا تشمل جميع المسلمين من أفراد إلى جماعات إلى أولي الأمر، حيث يقومون بواجب الأمر بكل معروف والنهي عن كل منكر.
وهي بالنسبة للأفراد تقول: ]وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ... [.
قال القرطبي: "فجعل الله تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرقاً بين المؤمنين والمنافقين. فدل على أن أخص أوصاف المؤمنين: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورأسها الدعاء إلى الإسلام" [تفسير القرطبي 4/47].
وهي بالنسبة للجماعات والأحزاب تبيّن نوع عملها فتقول: ]وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[.
وهي بالنسبة لأولي الأمر تقول: ]الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ[.
وفي القرآن بيان ان الدعوة تكون للإسلام: ]وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ... [. ]وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ... [. ]وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ[.
وفي القرآن بيان أن الدعوة تكون لله: ]وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ... [. ]قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي ... [.
وفي القرآن بيان أن الدعوة تكون إلى الحكم بما أنزل الله: ]وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ[. ]إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا[. ]يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ[.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض على الكفاية ومنه ما يتعيّن، يؤجر القائم به ولا يعذر تاركه حتى يقام، حيث رتب الله على القيام به النجاة ورتب على تركه العذاب. قال تعالى: ]فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ .
وإذا كان الإيمان هو المعروف الأول والأساس لكل معروف، فإن في مقابله الكفر هو المنكر الأول والأساس لكل منكر. وإذا كانت الطاعات هي المعاريف المنبثقة عن المعروف الأول، ففي مقابلها المعاصي هي المنكرات المنبثقة عن المنكر الأول. وإذا كان الحكم بما أنزل الله هو رأس الطاعات الذي به يحافظ على الإيمان، وبه يحافظ على الطاعات، وبه تقام الدعوة وبه ينشر الدين، فإن في مقابله الحكم بغير ما أنزل الله هو رأس المعاصي، وهو اتباع الشهوات والأهواء والضلال.
ومن هنا يجب على الأمة أن تجتمع جميعها على إقامة هذه الفريضة، وليعلم المسلم الذي يهتم بأمر دينه أن ما يتلوه من آية، وأن ما يقرأه من حديث ليس مقصوداً به وحده بل يعم الخطاب الجميع. وحتى لو كان الخطاب موجهاً للرسول r فإنه خطاب موجه إلى الأمة من خلاله ما لم يرد دليل التخصيص. فإن أمر الله المسلم بالإيمان فهو أمر له ولغيره. وان أمره بالعبادة فله ولغيره. وان أمره بالحكم بما أنزل الله فله ولغيره أيضاً.
وفي هذا يقول الإمام النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم تحت باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
واعلم أن هذا الباب – أعني باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – قد شيع أكثره من أزمان متطاولة، ولم يبقَ منه في هذه الأزمان إلا رسوم قليلة جداً.
وهذا باب عظيم به قوام الأمر وملاكه. وإذا كثر الخبث عمّ العقابُ الصالحَ والطالحَ. وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك أن يعمهم الله تعالى بعقاب: ]فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[.
وان الحاجة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضرورية وباقية ما بقيت الحاجة إلى الحياة نفسها وأمنها وعافيتها. فإن الدعوة تعدل ذلك كله .. وقد وضح النبي r مدى هذه الحاجة في الحديث وضرب لذلك مثلاً فقال: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها. وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم. فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ مَن فوقنا؟ فإن تركهم الذين في الأعلى وما أرادوا هلكوا جميعاً، وان أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً» [رواه البخاري]. وبهذا الحديث يتبين كيف أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يساوي حياة المجتمع وسلامته. وان أي تهاون في القيام به لا جزاء له إلاّ أن تهوي السفينة بالجميع إلى القاع وان يصبح الكل من المهلكين المغرقين.
وقد عبّر القرآن عن أهمية الدعوة وحاجة الناس إليها بكثير من الآيات. ولم تقتصر ألفاظ القرآن على مادة الدعوة بل شملت الكثير من الألفاظ والمعاني التي تدور جميعها حول موضوع الدعوة. وكذلك أحاديث الرسول r. نذكر بعضها على سبيل الذكر لا الحصر:
فقد عبّر القرآن عن الدعوة بلفظ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى: ]كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ... [ وقال جل من قائل: ]وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [.
وقال رسول الله r: «والذي نفسي بيده لتأمرنَّ بالمعروف وتَنْهَوُنَّ عن المنكر أو ليوشِكنَّ الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يُستجابُ لكم» [رواه الترمذي]. وقال r: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» [رواه مسلم].
التبليغ من حمل الدعوة :
وكذلك عبّر القرآن عن الدعوة بلفظ الشهادة على الناس، قال تعالى: ] وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً...[.
ويقول الرسول r: «.. والمؤمنون شهود الله في الأرض» [ابن ماجة]. ويقول الرسول r: «ليبلغ الشاهد الغائب» [رواه البخاري].
التواصي بالحق من حمل الدعوة:
وكذلك عبّر القرآن عن الدعوة بالتبليغ. قال تعالى: ]يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ[. ويقول الرسول r: «بلغوا عني ولو آية» [رواه البخاري].
وكذلك عبّر القرآن والحديث عن الدعوة بألفاظ التواصي بالحق، والإرسال للتبشير والإنذار وتبيين الحق، والنصيحة وتذكير الناس ومجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن والجهاد في سبيل الله. والعمل لإظهار الدين. وغيرها الكثير .
وقال تعالى: ]وَالْعَصْرِ @ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ @ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ[. وقال تعالى: ]وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراًً[. وقال تعالى: ]وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ... [. وقال تعالى: ]إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ[ وقال: ]وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ[ وقال: ]وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ[. وقال تعالى: ]وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه[. وقال تعالى: ]هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ[.
وقال رسول الله r: «ألا إن الدين النصيحة. قيل لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» [متفق عليه]. وعن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: «كان رسول الله r إذا أقرّ أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً ثم قال: اغزوا باسم الله وفي سبيل الله. قاتلوا من كفر بالله ... وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال (أو خلال) فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ...» [رواه مسلم]. وعن رسول الله r أنه قال: «نضرّ الله عبداً سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه» [رواه الترمذي].
وهكذا تتضافر الآيات والأحاديث حتى أن كل آية وكل حديث يحمل في ثناياه الدعوة. والدعوة تشمل الناس جميعاً ويقوم بها المسلمون جميعاً كل بحسب استطاعته.
فلو جئنا إلى الآيات التي تتعلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقط دون غيرها من آيات الدعوة، وذلك على سبيل المثال، لرأينا أن هذه الآيات قد أخبرتنا أن هذا الركن العظيم في الإسلام يجب أن يشمل المسلمين جميعهم، فهي بالنسبة للنبي r الذي هو أسوتنا وقدوتنا تقول: ]يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ[. وهذا بيان لكمال رسالته. فإنه r هو الذي أمر الله على لسانه بكل معروف ونهى عن كل منكر وأحل كل طيب وحرم كل خبيث.
وهي بالنسبة للأمة تقول: ]كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ[.
والأمة هنا تشمل جميع المسلمين من أفراد إلى جماعات إلى أولي الأمر، حيث يقومون بواجب الأمر بكل معروف والنهي عن كل منكر.
وهي بالنسبة للأفراد تقول: ]وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ... [.
قال القرطبي: "فجعل الله تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرقاً بين المؤمنين والمنافقين. فدل على أن أخص أوصاف المؤمنين: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورأسها الدعاء إلى الإسلام" [تفسير القرطبي 4/47].
وهي بالنسبة للجماعات والأحزاب تبيّن نوع عملها فتقول: ]وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[.
وهي بالنسبة لأولي الأمر تقول: ]الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ[.
وفي القرآن بيان ان الدعوة تكون للإسلام: ]وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ... [. ]وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ... [. ]وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ[.
وفي القرآن بيان أن الدعوة تكون لله: ]وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ... [. ]قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي ... [.
وفي القرآن بيان أن الدعوة تكون إلى الحكم بما أنزل الله: ]وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ[. ]إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا[. ]يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ[.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض على الكفاية ومنه ما يتعيّن، يؤجر القائم به ولا يعذر تاركه حتى يقام، حيث رتب الله على القيام به النجاة ورتب على تركه العذاب. قال تعالى: ]فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ .
وإذا كان الإيمان هو المعروف الأول والأساس لكل معروف، فإن في مقابله الكفر هو المنكر الأول والأساس لكل منكر. وإذا كانت الطاعات هي المعاريف المنبثقة عن المعروف الأول، ففي مقابلها المعاصي هي المنكرات المنبثقة عن المنكر الأول. وإذا كان الحكم بما أنزل الله هو رأس الطاعات الذي به يحافظ على الإيمان، وبه يحافظ على الطاعات، وبه تقام الدعوة وبه ينشر الدين، فإن في مقابله الحكم بغير ما أنزل الله هو رأس المعاصي، وهو اتباع الشهوات والأهواء والضلال.
ومن هنا يجب على الأمة أن تجتمع جميعها على إقامة هذه الفريضة، وليعلم المسلم الذي يهتم بأمر دينه أن ما يتلوه من آية، وأن ما يقرأه من حديث ليس مقصوداً به وحده بل يعم الخطاب الجميع. وحتى لو كان الخطاب موجهاً للرسول r فإنه خطاب موجه إلى الأمة من خلاله ما لم يرد دليل التخصيص. فإن أمر الله المسلم بالإيمان فهو أمر له ولغيره. وان أمره بالعبادة فله ولغيره. وان أمره بالحكم بما أنزل الله فله ولغيره أيضاً.