الزنكلوني افندي
07-11-2005, 06:41 PM
لم تكن نتائج تحقيق ميليس مفاجئة لأحد، فالكل استعد لسماع هذه النتيجة. فالذي أصبح يعرفه المثقفون والخبراء في كل أنحاء العالم، هو أن الأمم المتحدة- بكل فروعها ومنظماتها- أصبحت أداة طيعة في يد الولايات المتحدة للوصول إلى أغراضها. فالولايات المتحدة تريد أن تلبس قراراتها وإجراءاتها الظالمة ضد الدول العربية والإسلامية لباس القانون، وتريد أن تغلفها بقرارات دولية تنطلي على الحمقى والغافلين.
وما أشبه الليلة بالبارحة، حيث كانت فرق التفتيش على السلاح في العراق تتعاقب، لجنة وراء أخرى، وكل منها لم تجد شيئاً مما تبحث عنه، ولكن كانت النتيجة معروفة مسبقاً وهي غزو واحتلال العراق.
إن ما يحدث من مناقشات في مجلس الأمن لتقرير ميليس ما هي إلا محاولات لذر الرماد في العيون، والتلبيس على الناس، وممارسة الدجل السياسي في أوضح صوره.
إن القرارات أصبحت صفقات بين الدول الكبرى لتحقيق مكاسبها على حساب أمن المنطقة. وكثير من المحللين شبهوا لجنة ميليس بلجنة التحقيق بشأن أسلحة الدمار الشامل العراقية وخصوصا طريقة تكوينها، فكيف لهذه اللجنة أن تخرج بتقرير يفيد بأن هنالك تعاون وتجاوب من إسرائيل والأردن وعدم تجاوب من قبل سوريا؟. إننا لا نعرف حتى الآن ما هي طبيعة التعاون الذي حصل بين اللجنة وإسرائيل فهل استجوبوا إسرائيليين؟ رغم أن سوريا أبدت استعدادها للتعاون مع لجنة التحقيق منذ البداية بشرط عدم المساس بالسيادة وهذا حق مشروع لدولة لديها قوانينها الخاصة وقضائها. رئيس اللجنة - لغاية في نفس يعقوب - أعلن عن هذا التقرير بالشكل الذي خرج فيه لأن المخطط واضح وهو الإيقاع بسوريا وتحطيمها كما تم تحطيم العراق، ثم كسر التعاون بين الثلاثي غير المتعاون مع أمريكا [سوريا- إيران – حزب الله].
وبصدور تقرير ميليس ستضاعف الولايات المتحدة الأميركية ضغوطها على سوريا وتعمل بالتعاون مع فرنسا على وضع الملف السوري أمام مجلس الأمن الدولي ومحاولة فرض عقوبات على سوريا.
وقد أوضحت الولايات المتحدة جليا أن كل الخيارات ستبقى مفتوحة أمامها للتعامل مع سوريا بما في ذلك الخيار العسكري.
لكن المشكلات التي تواجهها أميركا في العراق تؤكد أن الخيار العسكري مستبعد إلي حد كبير على الأقل في الوقت الراهن .... لكن ما هو مؤكد وواضح هو أن النظام السوري قد أصبح معزولاً وظهره مسند إلي الجدار.
الغريب أنه مع أن تقرير ميليس حافل بالعبارات والاستنتاجات القائمة على الظن والترجيح والشك إلا أن ميليشيات المارينز الإعلامية المزروعة في شتى وسائل الإعلام الناطقة بالعربية، ظلت حريصة على تثبيت وتعميق الاتهام، دون أي التفات إلى تحفظات ميليس نفسه!!.
تدشين المواجهة
تقرير ميليس ربما يكون 'بداية تفاوض أو بداية مواجهة' لدمشق مع الأسرة الدولية، فهو تقرير يندرج في إطار المساومات السياسية. وربما يكون طلقة إنذار موجهة إلى دمشق. وربما يكون المقصود منه هو حشر الأطراف لدفعهم إلى التعاون مع لجنة التحقيق التي أكدت على عدم التعاون بشكل كاف من جانب سوريا المتهمة بأنها أرادت تضليل التحقيقات.
إن التقرير على الصعيدين السياسي والمعنوي قوي، ولكنه ضعيف على الصعيد القضائي والقانوني ويطرح أسئلة أكثر مما يقدم إجابات.
وهناك شك في إمكانية أن يتمكن القضاة اللبنانيون المكلفون بمهمة متابعة التحقيق من استجواب أعمدة النظام السوري الذين تحدث التقرير عن احتمال تورطهم مثل آصف شوكت رئيس شعبة المخابرات العسكرية وصهر الرئيس السوري بشار الأسد أو ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري وقائد الحرس الجمهوري. فالرئيس السوري لا يمكنه أن يضحي بشقيقه وصهره.
الحلم الأمريكي الإسرائيلي
أمريكا وإسرائيل تخططان منذ فترة معاً بشأن أنسب السيناريوهات في قضية التعامل مع الملف السوري، والأنباء القادمة من تل أبيب تقول إن الطرفين يبحثان عن شخصية سورية تكون مؤهلة لإدارة دفة الحكم في دمشق بعد عزل الرئيس الأسد من منصبه.
ويهتم الطرفان بالشخصية السورية الملائمة لوراثة الأسد، شريطة أن يتمكن الرجل من الحفاظ علي الأمن والنظام في سورية. وهناك تناقضات في الموقفين الإسرائيلي والأمريكي في هذه القضية، ففي حين تفضل إسرائيل أن يواصل الرئيس الأسد تبوء منصبه وهو ضعيف للغاية ومعزول عن العالم، يؤكد الأمريكيون أنهم معنيون جدا بتعيين خليفة له.
المصادر الأمريكية تقول إنه بات سهلا علي الإدارة الأمريكية المطالبة بتنحية الرئيس السوري من منصبه، والمطالبة أيضا بتسليم المتورطين السوريين في عملية الاغتيال إلي العدالة الدولية، كما حصل عندما قامت ليبيا بتسليم ضابطين في المخابرات الليبية واللذين كانا متورطين في إسقاط طائرة بان.ام الأمريكية فوق لوكربي.
من جانبها قالت صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية إن الولايات المتحدة تبحث عن بديل للرئيس السوري بشار الأسد، يتسلم السلطة بعد الإطاحة بالنظام في دمشق.
كما تفكر واشنطن بتوجيه ضربات عسكرية لسورية من خلال الحدود مع العراق لمعاقبتها علي السماح للمقاتلين بالتدفق إلي العراق.
الإدارة تبحث في الداخل والخارج عن بديل للأسد، وهم يحبذون شخصا يساعدهم علي إحداث التغيير بسهولة .
غير أننا نرى أن السياسة الأمريكية تجاه سورية تركز علي تغيير السلوك وليس النظام، فمن المهم للنظام الجديد إنهاء تدخل سورية في العراق ولبنان والنزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني.
لقد استثمرت الإدارة الأميركية المناخ المتوتر في لبنان, لتركيز الضغط على سوريا, وتمكنت إعلامياً من وضعها في قفص الاتهام, وتسييس الأجواء المحيطة بالتحقيق مما أثر على نتائجه. فقد تركز الضغط واشتد, فطرحت على البساط فكرة عزل سوريا وفرض حصار دولي عليها, لإجبارها على تقديم المزيد من المساعدة لواشنطن في العراق أولاً, أو لتعليق أسباب فشل القوات الأميركية وتخبطها على عدم التعاون السوري.
ومع تسريب الأخبار التي تتحدث عن ضرورة تغيير النظام السوري غير المتعاون تماماً، يرى كثير من الخبراء أن المقصود هو ممارسة أكبر قدر من الضغوط على الرئيس بشار الأسد لدفعه إلى تغيير سلوك النظام السوري تجاه واشنطن والانبطاح الكامل أمام إملاءاتها والدوران في فلكها، وأن واشنطن لا تريد تغيير بشار ولكن تريده أن يفعل مثلما فعلت ليبيا.
الاحتمالات والخيارات
ويرى الخبراء أن أمام سوريا ثلاثة احتمالات، الاحتمال الأول هو تفكك البلاد على إثر تغييرات شاملة يجريها الرئيس السوري.
ويستبعد الخبراء قيام بشار الأسد بإجراء إصلاحات سياسية شاملة تغير النظام من قمته وتضحي بمجموعة من كبار مساعديه وإبعادهم عن الحكم وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية متعددة.
والاحتمال الثاني هو حدوث انقلاب عسكري نتيجة للعزلة الدولية يأتي بجنرال من داخل المجموعة الحاكمة الأمر الذي قد يؤدي إلي تحلل الدولة كمقدمة لانهيارها وضربوا مثلا بالاضطرابات الواسعة التي شهدتها سورية مؤخرا في مناطق الأكراد وجنوب سورية.
والاحتمال الثالث هو فقدان الشرعية الداخلية وتصاعد الاضطرابات الطائفية والعرقية، وانهيار الوحدة الوطنية الداخلية، مما يؤدي إلى حدوث انقلاب عسكري داخلي بقيادة أحد الضباط العلويين الكبار يطيح برموز النظام الحالي ويفتح صفحة جديدة مع الولايات المتحدة ويساند مشروعها في العراق.
ونحن نقول إن هناك خياران أمام النظام السوري لا ثالث لهما في ما يتعلق بتقرير ميليس:
الخيار الأول هو عدم التعاون بالشكل المطلوب مع الأمم المتحدة، والقاضي ميليس، أي عدم تسليم المطلوبين الكبار الذين وردت أسماؤهم وهم ماهر الأسد، آصف شوكت، حسن خليل، بهجت سليمان، رستم غزالة، وفاروق الشرع واحمد جبريل.
الرفض سيعني أن سوريا ستواجه واحدة من حالتين لا ثالث لهما. الأولى الحالة العراقية يوم رفضت بغداد وعاندت، فحوصرت وتنازلت متأخرة جدا وأخيرا تم جرها إلى حرب حتى انهارت. والحالة الليبية عندما رفضت طرابلس التعاون فحوصرت حتى أنهكت وعندما أوشكت على الملاحقة العسكرية، قبلت ما كانت ترفضه في الماضي وانتهت أزمتها.
والخيار الثاني هو الرضوخ للضغوط الأمريكية، وتسليم جميع المطلوبين، وتفكيك البرامج النووية والكيماوية، والتعاون بالكامل مع الأجهزة والسياسات الأمريكية، وتغيير سياسة النظام وتوجهاته بالكامل.
النظام السوري يعلم جيدا، وبحكم التجربة العملية، أن التعاون، كاملا كان أو ناقصا، سيؤدي إلى النتيجة نفسها، أي إسقاط النظام من خلال عقوبات متدرجة تبدأ بالحظر الجوي، وتتطور إلى الحصار الاقتصادي، وتنتهي بضربات عسكرية.
القبول والتعاون سيعني أن يفصل النظام السوري بينه وبين الجريمة، مهما كانت الحقيقة، والتضحية بالمتورطين الأساسيين، وبالتالي تجنب السنوات الكارثية المقبلة. هو الحل الأهون الذي سيوفر الكثير من الآلام والمتاعب، وسيجنب سورية كارثة محققة.
والمشكلة التي تواجه سوريا أنها دولة عربية كبيرة وزعيمة للقومية العربية، وموقعها الجغرافي استراتيجي في قلب المنطقة العربية، ومن الصعب أن تعلن الانسحاق الكامل أمام المطالب الأمريكية.
لكن المؤكد أن الإدارة الأمريكية ستستغل التقرير لفرض عقوبات علي سورية، وسوف تتدرج في الضغط والتدخل حتى تنجح في تغيير النظام، سواء من الداخل أو من الخارج، وإن كان المرجح أنها ستعمل على تغييره من الداخل لأنها ليست في وضعية تسمح لها بفتح جبهة ثالثة بعد أفغانستان والعراق.
وقد يراهن الرئيس السوري علي الصين وروسيا لمنع عقوبات واشنطن في مجلس الأمن، ولكن ذلك ليس مضموناً. فروسيا لم تقف مع صدام حسين رغم إعطائه لشركاتها عقود نفط بأربعين مليار دولار. وكذلك الموقف الصيني غير مضمون وغاية ما يمكن أن يفعله هو أن يمتنع عن التصويت كما حدث في مشكلة العراق.
مفكرة الإسلام
وما أشبه الليلة بالبارحة، حيث كانت فرق التفتيش على السلاح في العراق تتعاقب، لجنة وراء أخرى، وكل منها لم تجد شيئاً مما تبحث عنه، ولكن كانت النتيجة معروفة مسبقاً وهي غزو واحتلال العراق.
إن ما يحدث من مناقشات في مجلس الأمن لتقرير ميليس ما هي إلا محاولات لذر الرماد في العيون، والتلبيس على الناس، وممارسة الدجل السياسي في أوضح صوره.
إن القرارات أصبحت صفقات بين الدول الكبرى لتحقيق مكاسبها على حساب أمن المنطقة. وكثير من المحللين شبهوا لجنة ميليس بلجنة التحقيق بشأن أسلحة الدمار الشامل العراقية وخصوصا طريقة تكوينها، فكيف لهذه اللجنة أن تخرج بتقرير يفيد بأن هنالك تعاون وتجاوب من إسرائيل والأردن وعدم تجاوب من قبل سوريا؟. إننا لا نعرف حتى الآن ما هي طبيعة التعاون الذي حصل بين اللجنة وإسرائيل فهل استجوبوا إسرائيليين؟ رغم أن سوريا أبدت استعدادها للتعاون مع لجنة التحقيق منذ البداية بشرط عدم المساس بالسيادة وهذا حق مشروع لدولة لديها قوانينها الخاصة وقضائها. رئيس اللجنة - لغاية في نفس يعقوب - أعلن عن هذا التقرير بالشكل الذي خرج فيه لأن المخطط واضح وهو الإيقاع بسوريا وتحطيمها كما تم تحطيم العراق، ثم كسر التعاون بين الثلاثي غير المتعاون مع أمريكا [سوريا- إيران – حزب الله].
وبصدور تقرير ميليس ستضاعف الولايات المتحدة الأميركية ضغوطها على سوريا وتعمل بالتعاون مع فرنسا على وضع الملف السوري أمام مجلس الأمن الدولي ومحاولة فرض عقوبات على سوريا.
وقد أوضحت الولايات المتحدة جليا أن كل الخيارات ستبقى مفتوحة أمامها للتعامل مع سوريا بما في ذلك الخيار العسكري.
لكن المشكلات التي تواجهها أميركا في العراق تؤكد أن الخيار العسكري مستبعد إلي حد كبير على الأقل في الوقت الراهن .... لكن ما هو مؤكد وواضح هو أن النظام السوري قد أصبح معزولاً وظهره مسند إلي الجدار.
الغريب أنه مع أن تقرير ميليس حافل بالعبارات والاستنتاجات القائمة على الظن والترجيح والشك إلا أن ميليشيات المارينز الإعلامية المزروعة في شتى وسائل الإعلام الناطقة بالعربية، ظلت حريصة على تثبيت وتعميق الاتهام، دون أي التفات إلى تحفظات ميليس نفسه!!.
تدشين المواجهة
تقرير ميليس ربما يكون 'بداية تفاوض أو بداية مواجهة' لدمشق مع الأسرة الدولية، فهو تقرير يندرج في إطار المساومات السياسية. وربما يكون طلقة إنذار موجهة إلى دمشق. وربما يكون المقصود منه هو حشر الأطراف لدفعهم إلى التعاون مع لجنة التحقيق التي أكدت على عدم التعاون بشكل كاف من جانب سوريا المتهمة بأنها أرادت تضليل التحقيقات.
إن التقرير على الصعيدين السياسي والمعنوي قوي، ولكنه ضعيف على الصعيد القضائي والقانوني ويطرح أسئلة أكثر مما يقدم إجابات.
وهناك شك في إمكانية أن يتمكن القضاة اللبنانيون المكلفون بمهمة متابعة التحقيق من استجواب أعمدة النظام السوري الذين تحدث التقرير عن احتمال تورطهم مثل آصف شوكت رئيس شعبة المخابرات العسكرية وصهر الرئيس السوري بشار الأسد أو ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري وقائد الحرس الجمهوري. فالرئيس السوري لا يمكنه أن يضحي بشقيقه وصهره.
الحلم الأمريكي الإسرائيلي
أمريكا وإسرائيل تخططان منذ فترة معاً بشأن أنسب السيناريوهات في قضية التعامل مع الملف السوري، والأنباء القادمة من تل أبيب تقول إن الطرفين يبحثان عن شخصية سورية تكون مؤهلة لإدارة دفة الحكم في دمشق بعد عزل الرئيس الأسد من منصبه.
ويهتم الطرفان بالشخصية السورية الملائمة لوراثة الأسد، شريطة أن يتمكن الرجل من الحفاظ علي الأمن والنظام في سورية. وهناك تناقضات في الموقفين الإسرائيلي والأمريكي في هذه القضية، ففي حين تفضل إسرائيل أن يواصل الرئيس الأسد تبوء منصبه وهو ضعيف للغاية ومعزول عن العالم، يؤكد الأمريكيون أنهم معنيون جدا بتعيين خليفة له.
المصادر الأمريكية تقول إنه بات سهلا علي الإدارة الأمريكية المطالبة بتنحية الرئيس السوري من منصبه، والمطالبة أيضا بتسليم المتورطين السوريين في عملية الاغتيال إلي العدالة الدولية، كما حصل عندما قامت ليبيا بتسليم ضابطين في المخابرات الليبية واللذين كانا متورطين في إسقاط طائرة بان.ام الأمريكية فوق لوكربي.
من جانبها قالت صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية إن الولايات المتحدة تبحث عن بديل للرئيس السوري بشار الأسد، يتسلم السلطة بعد الإطاحة بالنظام في دمشق.
كما تفكر واشنطن بتوجيه ضربات عسكرية لسورية من خلال الحدود مع العراق لمعاقبتها علي السماح للمقاتلين بالتدفق إلي العراق.
الإدارة تبحث في الداخل والخارج عن بديل للأسد، وهم يحبذون شخصا يساعدهم علي إحداث التغيير بسهولة .
غير أننا نرى أن السياسة الأمريكية تجاه سورية تركز علي تغيير السلوك وليس النظام، فمن المهم للنظام الجديد إنهاء تدخل سورية في العراق ولبنان والنزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني.
لقد استثمرت الإدارة الأميركية المناخ المتوتر في لبنان, لتركيز الضغط على سوريا, وتمكنت إعلامياً من وضعها في قفص الاتهام, وتسييس الأجواء المحيطة بالتحقيق مما أثر على نتائجه. فقد تركز الضغط واشتد, فطرحت على البساط فكرة عزل سوريا وفرض حصار دولي عليها, لإجبارها على تقديم المزيد من المساعدة لواشنطن في العراق أولاً, أو لتعليق أسباب فشل القوات الأميركية وتخبطها على عدم التعاون السوري.
ومع تسريب الأخبار التي تتحدث عن ضرورة تغيير النظام السوري غير المتعاون تماماً، يرى كثير من الخبراء أن المقصود هو ممارسة أكبر قدر من الضغوط على الرئيس بشار الأسد لدفعه إلى تغيير سلوك النظام السوري تجاه واشنطن والانبطاح الكامل أمام إملاءاتها والدوران في فلكها، وأن واشنطن لا تريد تغيير بشار ولكن تريده أن يفعل مثلما فعلت ليبيا.
الاحتمالات والخيارات
ويرى الخبراء أن أمام سوريا ثلاثة احتمالات، الاحتمال الأول هو تفكك البلاد على إثر تغييرات شاملة يجريها الرئيس السوري.
ويستبعد الخبراء قيام بشار الأسد بإجراء إصلاحات سياسية شاملة تغير النظام من قمته وتضحي بمجموعة من كبار مساعديه وإبعادهم عن الحكم وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية متعددة.
والاحتمال الثاني هو حدوث انقلاب عسكري نتيجة للعزلة الدولية يأتي بجنرال من داخل المجموعة الحاكمة الأمر الذي قد يؤدي إلي تحلل الدولة كمقدمة لانهيارها وضربوا مثلا بالاضطرابات الواسعة التي شهدتها سورية مؤخرا في مناطق الأكراد وجنوب سورية.
والاحتمال الثالث هو فقدان الشرعية الداخلية وتصاعد الاضطرابات الطائفية والعرقية، وانهيار الوحدة الوطنية الداخلية، مما يؤدي إلى حدوث انقلاب عسكري داخلي بقيادة أحد الضباط العلويين الكبار يطيح برموز النظام الحالي ويفتح صفحة جديدة مع الولايات المتحدة ويساند مشروعها في العراق.
ونحن نقول إن هناك خياران أمام النظام السوري لا ثالث لهما في ما يتعلق بتقرير ميليس:
الخيار الأول هو عدم التعاون بالشكل المطلوب مع الأمم المتحدة، والقاضي ميليس، أي عدم تسليم المطلوبين الكبار الذين وردت أسماؤهم وهم ماهر الأسد، آصف شوكت، حسن خليل، بهجت سليمان، رستم غزالة، وفاروق الشرع واحمد جبريل.
الرفض سيعني أن سوريا ستواجه واحدة من حالتين لا ثالث لهما. الأولى الحالة العراقية يوم رفضت بغداد وعاندت، فحوصرت وتنازلت متأخرة جدا وأخيرا تم جرها إلى حرب حتى انهارت. والحالة الليبية عندما رفضت طرابلس التعاون فحوصرت حتى أنهكت وعندما أوشكت على الملاحقة العسكرية، قبلت ما كانت ترفضه في الماضي وانتهت أزمتها.
والخيار الثاني هو الرضوخ للضغوط الأمريكية، وتسليم جميع المطلوبين، وتفكيك البرامج النووية والكيماوية، والتعاون بالكامل مع الأجهزة والسياسات الأمريكية، وتغيير سياسة النظام وتوجهاته بالكامل.
النظام السوري يعلم جيدا، وبحكم التجربة العملية، أن التعاون، كاملا كان أو ناقصا، سيؤدي إلى النتيجة نفسها، أي إسقاط النظام من خلال عقوبات متدرجة تبدأ بالحظر الجوي، وتتطور إلى الحصار الاقتصادي، وتنتهي بضربات عسكرية.
القبول والتعاون سيعني أن يفصل النظام السوري بينه وبين الجريمة، مهما كانت الحقيقة، والتضحية بالمتورطين الأساسيين، وبالتالي تجنب السنوات الكارثية المقبلة. هو الحل الأهون الذي سيوفر الكثير من الآلام والمتاعب، وسيجنب سورية كارثة محققة.
والمشكلة التي تواجه سوريا أنها دولة عربية كبيرة وزعيمة للقومية العربية، وموقعها الجغرافي استراتيجي في قلب المنطقة العربية، ومن الصعب أن تعلن الانسحاق الكامل أمام المطالب الأمريكية.
لكن المؤكد أن الإدارة الأمريكية ستستغل التقرير لفرض عقوبات علي سورية، وسوف تتدرج في الضغط والتدخل حتى تنجح في تغيير النظام، سواء من الداخل أو من الخارج، وإن كان المرجح أنها ستعمل على تغييره من الداخل لأنها ليست في وضعية تسمح لها بفتح جبهة ثالثة بعد أفغانستان والعراق.
وقد يراهن الرئيس السوري علي الصين وروسيا لمنع عقوبات واشنطن في مجلس الأمن، ولكن ذلك ليس مضموناً. فروسيا لم تقف مع صدام حسين رغم إعطائه لشركاتها عقود نفط بأربعين مليار دولار. وكذلك الموقف الصيني غير مضمون وغاية ما يمكن أن يفعله هو أن يمتنع عن التصويت كما حدث في مشكلة العراق.
مفكرة الإسلام