المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لحظات أكثر قسوة



ساكن جديد
09-11-2005, 10:49 AM
لحظات أكثر قسوة



قصة قصيرة




إنك لا تدرى حقاً ما تفعله ..
رغبة عارمة فى الإنتقام تملأ صدرك ، و قلبك الصغير يحمل أطناناً من الكراهية لم يستطع أن يتسع لها ..
و فى الظلام الدامس تجلس .. جسدك الصغير أنهكه الضرب الشديد و دموعك قد جفت بعد بكاء طويل ، فتورمت عيناك الذين ترقب بهما ابن زوجة أبيك و الذى ينام على سرير آخر فى نفس غرفتك .. نظرات حاقدة كارهه تطلقها نحوه بينما تتردد أنفاسه فى سماء الغرفة ، و على شفتيه تلمح أنت شبح إبتسامة ساخرة ..
أنت تعرف كيف تنتقم .. تعرف كيف تتخلص من عذابك الدائم يا صغيرى .. زوجة أبيك تنام مع أبيك فى غرفتهما و التى تركوا بابها مفتوحاً .
أنت الآن – بخطوات متعبة تحاول أن تبدو متسللة – تخرج من غرفتك بعد أن تغلق نافذتها الوحيدة .. تطل بعنقك الصغير و تمد بصرك للأمام للتأكد من أن نافذة غرفتهما مغلقة .. إنها مغلقة ..و لا تنس قبل أن تخرج أن ترمق زوجة أبيك بنظرة تحمل كل كراهية الدنيا .. لا تستطيع أن تقاوم رغبة الإقتراب من السرير لتلقى نظرة على أبيك .. نظرة طويلة هى و لكنها لا تحمل أية تعبيرات .. نظرة جوفاء خاوية ..
أنت تكرهه .. أنت تعلم أنك تكرهه .. هو لم يعاملك كما يعامل الآباء أبناؤهم أبداً .. كان دائماً شديد القسوة عليك .. لطالما تحمّل وجهك صفعاته .. و لطالما تحمل جلدك ناراً كان يحرقك بها .. كان يدعى دائماً أنه بهذا يحسن تربيتك و يجعلك رجلاً .. لا تحزن يا صغيرى فأبوك ليس وحده هو من يفعل ذلك .. و أنت تعرف جيداً ما حدث لصديقك عندما عاقبه والده بأن ربط قدميه فى أعلى الشجرة التى توجد أمام باب منزله .. كانت رأسه إلى أسفل و قدميه إلى أعلى .. كان يصرخ بشده و والده ينهال عليه بعصا غليظة .. و لم ينقذه منه يومئذ إلى الجيران الذين اضطروا ليضربوا أباه حتى يستطيعوا تحرير الطفل قبل أن ينفجر رأسه .. لا تحزن يا صغيرى و لا تبكى فهذا ليس وقت الدموع .. إنه وقت الإنتقام ..
تخرج من الغرفة .. تتأكد بعدها من غلق نافذة الحمام .. تدخل المطبخ و تغلق نافذته ، قبل أن ترمق أنبوبة الغاز طويلاً .. أنفاسك تتلاحق يا صغيرى .. هون عليك فقلبك الصغير قد لا يتحمل كل هذا .. تتردد قليلاً .. و لكن رغبة الإنتقام أقوى منك ، و الشيطان يعلم كيف يستفيد من هذا الأمر جيداً ، و نفسك تخبرك أنها لن تستطيع أن تتحمل عذاباً جديداً .. تتحرك يدك المرتعشة الصغيرة لتنفذ المهمة و لتنهى عذابك .. تنتظر قليلاً للتأكد من إنتشار الغاز الذى تلمس رائحته أنفك فيخفق قلبك فى إضطراب .. إهدأ صغيرى فأنت لست أول من ينتقم .. تسرع إلى غرفة الجلوس و تغلق بابها عليك .. تشعل التلفاز .. هذا ضرورى لتبرير نجاتك و هلاكهم .. تفتح باب الشرفة و تدخلها ثم تغلقه خلفك فى إحكام ..
الغاز ينتشر ببطء شديد فى أنحاء المنزل .. و أنت تجلس على أرضية الشرفة و تتذكر .. تتدافع إلى ذهنك صوراً كثيرة تزيدك رغبة فى إتمام ما تفعله .. تتذكر وفاة والدتك فجأة .. عندها أدركت أن الصدر الحنون الذى كان يهون عليك معاناتك قد ولّى .. تتذكر كيف تزوج والدك بعد وفاتها بشهرين فقط دون أن يحمل لها أى قدر من الوفاء .. و لم يزدك هذا سوى كرهاً لوالدك و كرهاً لزوجته الجديدة و لإبنها الذى يكبرك بعامين ، و الذى جاء معها ليعيش معكم .. عاملتك بقسوة أنت نفسك لم تدرى سبباً لها .. قسوة شديدة .. و آلام لا حصر لها .. أنت تذكر يوم أن سحبتك بيدها و غمست رأسك فى المرحاض .. و ترتعش و أنت تتذكر المكواه الساخنة و هى تقترب منك ببطء ، و أنت مقيد إلى السرير .. ذهبت كل شكواك لوالدك سدى .. إنه لا يهتم كثيراً بك .. النساء بالنسبة إليه كل شىء .. شهوة زائدة عنده جعلته ينسى كل ما حوله ليعود كل يوم بعد منتصف الليل و رائحة الخمر تتصاعد من فمه ، لتستقبله زوجته بإبتسامة كبيرة و بقميص نوم شفاف .. عندها تدرك أنه لن يسمع شكواك أبداً .. فتدخل غرفتك و أنت تمسح دموعك و تقرر أن تصبح شيئاً عظيماً .. تحاول أن تذاكر و تجتهد وسط هذا العالم القاسى الذى تحيا فيه .. و لكن هيهات .. إبن زوجة أبيك يحيل حياتك جحيماً و يدمر كل ما تملكه من كتب و أوراق قبل أن ينهال عليك ضرباً .. و زوجة أبيك تقنع زوجها بأن يخرجك من المدرسة لتعمل .. عندها بكيت بشدة .. صرخت بشدة .. فما زادك هذا إلا ركلات و صفعات .. و ما زادها هى و ابنها إلا ضحكات ساخرة ..
أنت تسمع عبارات هنا و هناك عن أنها تجيد السحر أو أن لها علاقة بالسحرة .. ربما تسحر لوالدك لتجعله كالخاتم فى إصبعها .. أنت لا تعلم .. و لو علمت ما نفعك هذا بشىء .. فأنت يا صغيرى لم تتجاوز الرابعة عشرة بعد .
رائحة الغاز تصل إلى أنفك .. رائحة تدل على أن حياتك ستتغير تماماً .. لا تخف يا صغيرى فأى مستقبل أهون مما كنت أنت فيه ..
تعود لذكرياتك القاسية .. عذاب تلو عذاب تعيشه .. و زوجة أبيك لا تكتفى بكل ما فعلته ، بل تتمادى فى إذاقتك العذاب ألواناً .. ربما هى تكرهك و تريدك أن تهرب من البيت .. لقد جال هذا الخاطر بشدة فى ذهنك فى الفترة الأخيرة عندما بدأت تفترى عليك الكذب .. إتهامات باطلة ترسلها إلى أذن والدك الذى تلعب الخمر برأسه فلا يشعر بما يفعله فيك ..
دموعك تنساب بشدة يا صغيرى .. أرجوك كفكف دموعك فأنت ستنتقم .. تحاول ألا تتذكر المشهد الأخير فى قصة عذابك و لكنك لا تستطيع .. ذلك المشهد الذى حدث الليلة .. أنت الآن متهم بأنك حاولت أن تعتدى على زوجة أبيك جنسياً .. أنت تعلم أنك لم تفعل هذا و لكن ما جدوى معرفتك يا صغيرى .. عيناك تتابعان بقلق شديد نظرات والدك نحوك .. هو لا يعلم أنك لم تبلغ الحُلم بعد ، و لكن ما جدوى معرفته ..إن رائحة الخمر تفوح منه ، و هو لم يعتاد أن يسمعك .. صفعاته تنهال بشدة عليك .. إن رائحة الخمر لا تُطاق .. الركلات تندفع بسرعة لتصطدم بجسدك الصغير .. تباً لتلك الرائحة الكريهه .. تصطدم رأسك بالجدار و تسقط أرضاً .. و من طرف عينيك تلمح إبتسامة ساخرة مرسومة على عينيى زوجة أبيك .. إنك تكرهها بشدة .. إنك طاقة كرهك لها يمكنها أن تزيد حرارة الشمس أضعافاً مضاعفة .. أنت لم تعد تشعر بما يحدث حولك .. يبدو أن الجيران قد أنقذوك من يديه .. إنها ليست أول مرة ينقذوك منه .
إن رائحة الغاز تزداد بشدة .. هل ماتوا؟ .. أنت لا تدرى .. أنت تشعر الآن برغبة عارمة فى النوم .. فأنت لم تعتاد على السهر يا صغيرى .. الخدر يسرى فى أطرافك .. و برد الشرفة يزيدك إلتصاقاً بنفسك .
لم تدرى متى نمت .. و لكنك نمت لتستيقظ و قد انتشر نور الصباح فى السماء .. تذهب بخطوات متوجسة إلى الداخل .. لماذا لا تشم رائحة الغاز ؟.. لماذا تشعر أنك أخف وزناً ؟ .. تقفز هذا الأسئلة إلى ذهنك و لكنك لا تلقى لها بالاً .. كل ما يشغلك الآن هو مصيرهم .. تدخل إلى غرفة أبيك و زوجته فتجدهم كما كانوا ليلة أمس .. و لكن بدون صوت لأنفاسهم التى ظلت تتردد أثناء نومهم ..لقد ماتوا .. ماتوا يا صغيرى ..
و لكن .. ما الذى جاء بابن زوجة أبيك هنا .. ألم يكن نائماً فى غرفته ؟.. فلماذا هو مستلقى على السرير بجوارهم ؟..
لماذا تصرخ يا صغيرى ؟!!.. أرجوك لا تصاب بالهستيريا الآن .. ليس هذا الوقت المناسب لمثل هذه التصرفات السخيفة .. و لا تنس أنك من قرر أن ينتقم .
و لكن .. أنت لا تصرخ لهذا السبب .. إنك قد لا حظت شيئاً غريباً ..إن هناك لون أزرق مخيف يعلو وجوههم .. كما أن أجسادهم قد أصبحت شفافة ..إنك ترى ما يوجد خلف أجسادهم ..لحظة .. إن زوجة أبيك تفتح عينيها فجأة .. قبل أن تحركهما فى بطء شديد نحوك .. عينين بشعتين هما .. بشعتين جداً .. تتراقص فوق شفتيها إبتسامة ساخرة .. ثم تعتدل و تسير نحوك .. إنها لا تسير بل تطير .. ببطء شديد تطير و كأنها تتلذذ بتعذيبك ..لقد تحولت إلى شبح .. لقد تحولوا جميعهم إلى أشباح .
تصاب بالهستيريا فتصرخ و تركض للخارج .. أين باب الشقة .. إنه لم يعد موجوداً .. اهدأ يا صغيرى لعلها هلوسة نتيجة خوفك .. لا تدرى أين تذهب .. تبحث بعينيك عن مخرج فلا تجد .. فجأة تقع عيناك على المرآه فترى شيئاً غريباً .. تسمرك المفاجأة فى مكانك .. أنت أيضاً يا صغيرى تحولت إلى شبح .. بشرتك الزرقاء و جسدك الشفاف يؤكدان هذا .. لقد قتلك الغاز أيضاً .. قتلك يا صغيرى ..
ليتك لم تحاول الإنتقام ..ليتك صبرت على ما أنت فيه .. إن حياتك السابقة كانت قاسية جداً .. و لكن اللحظات القادمة ستكون أكثر قسوة .. و لا تنس يا صغيرى أنك من اختار الانتقام ..
تلتصق بالجدار و عينيك تتابع زوجة أبيك و هى تقترب منك ببطء ، ووجها مازال يحمل تلك الإبتسامة الساخرة ..
و تقترب أكثر ..
و أكثر .






النهاية

الأمير القلق
09-11-2005, 12:13 PM
ما شالله حولك أخي على هذه العبارات المعبرة..

كلمات خارجة من الصميم..

وصفك الرائع جعلني أدخل في عالم القصة..

لأحس ما يشعر به الصبي الصغير من ظلم وعذاب..

وكلماتك ووصفك سحرني بكل معنى الكلمة..

أشكرك أخي على تنويرك للمنتدى بهالقصة..

وأتمنى إنك تبقى معنى..

تفيد وتستفيد بإذن الله..

وحياك أخي العزيز بين أهلك الثاني..



تحياتي،،

اسد بنشير
09-11-2005, 07:35 PM
السلام عليكم

مجهود جميل ،شكرا

ساكن جديد
13-11-2005, 03:29 PM
شكراً جزيلاً لكم جميعاً ..
كلماتكم شجعتنى كثيراً خصوصاً و أنا أبدأ خطواتى الأولى فى عام الكتابة
واتمنى قراءة آراء كثيرة أخرى

KANE THE DEAD
20-11-2005, 03:52 PM
شكر

الله يعطيك العافية

The Imaginary
21-11-2005, 04:46 AM
مشاعر حزينه .... ولحظات قاسيه
سطرتها بكل ابداع يا اخي
فلا انكر ان اسلوبك الجميل جعلني اسبح في عالم القصة وابكي واحزن على بطلها الصغير
فهذه المشاعر وتلك الحالات اكثر ما يحزنني في هذا الواقع المرير ...
و عندما يتسلط الظلم والجبروت على احلام طفل وتحولها إلى انتقام وتعاسة
فسلمت اناملك التي سطرت تلك الحورات الشيقة مع النفس وشكرا لك على هذه القصة المؤثرة
وفقك الله وسدد خطاك