المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مطلّقة لا تعرف اليأس



mohammedsamih
12-11-2005, 12:34 PM
كما قيل: سمي السفر سفرا لأنه يسفر عن أخلاق الناس و أخبارهم. هذا ما حدث معي خلال رحلتي الأخيرة, و كنت قد بدأت الحديث عن موقف سابق في موضوعي "بيني و بين مضيفة الطائرة", و ها أنا أسرد لكم واحدا آخر سائلا الله تعالى أن يرزقنا جميعا حسن الاستفادة منه.



لم أكن قد زرت هذا المكان منذ ست سنين, و عند وصولي هناك بدأت بطرق أبواب الأهل و الأصدقاء, فقد اشتقت لأيام المدرسة و البراءة و الأصحاب. و خلال أحد الزيارات, و في معمعة الترحيب و التهاني, دخلت علينا طفلة صغيرة جميلة, فسلمت و جلست. أخبرني صديقي أن اسمها "حلا" و هي ابنة أخته. داعبناها قليلا حتى نذهب عنها الخجل, ثم سألها خالها – و هو صديقي صاحب المنزل- أن تقرأ علينا شيئا من القرآن, فبدأت في قراءة سورة "النبأ" و "النازعات" بصوت جميل رقيق. ثم سألها أن تذكر أسماء الله الحسنى, فأوردتها بسلاسة و تمكن وسط ذهول الحاضرين. قلت لصاحبي: ما شاء الله, حفظها الله لكم, كم عمرالبنت؟ فقال: لم تتجاوز الخمس سنوات, وهي تحفظ جزء "عم" كاملاً! قلت: سبحان الله! من ذا الذي يبذل من وقته و جهده لتعليمها؟ قال: إنها أختي – أمها- تحرص على تعليمها و تنشئتها نشأة صالحة, و هي تقيم عندنا مع ابنها و ابنتها بعد أن تركت منزلها. فسألته عن السبب, فقال: لقد طلقها زوجها, فقد كان يضربها و يضربها كما تضرب البهائم, و نحن و هي صابرون, و لكنه كان يفتعل المشاكل لأدنى سبب, و في كل مرة يطردها من المنزل نحاول إقناعها للعودة إلى المنزل للحفاظ على هذه الأسرة, و يأتي هو بنفسه لردها و مصالحتها, و لكنه يعود و يفتعل المشاكل و يضربها بقسوة و همجية, و في آخر مرة طلقها و رمى لها الأولاد أيضا – يا له من قلب أسود لا يعرف معنى للرحمة و الأبوة – و هي الآن تقيم عندنا, و قد حصلت مؤخرا على درجة الماجستير و هي تحضر الآن لرسالة الدكتوراة! قلت: ما شاء الله, يا ليت لنا مثل نصف عزيمتها و صبرها, لقد ذكرتني بالنساء الأوائل التي تزن إحداهن ألفاً من رجال هذا الزمان, فهي المرأة الألف! فقال : نعم, فهي شعلة من نشاط, لكل أفراد البيت قدوة.


تعليق:


رغم كل هذه المشاكل: مطلقة, تعرضت للضرب و المهانة, لها أولاد صغار, لا بيت لها, نظرة المجتمع للمطلقة على أنها هي المسؤولة عن خراب بيتها – ظلموها- رغم كل ذلك, هي شعلة من نشاط, شمعة تضيء رغم الرياح, تسمو وسط العوائق و المثبطات, تعرف طريقها, فهي سائرة إلى جنة ربها, مشتاقة لصحبة مريم و خديجة و فاطمة, و هي تنشر عبق طيبها لزهرتيها: ابنها و ابنتها, و هي مع ذلك كله تعلمنا معنى البذل و عدم الانكسار.


فلله درها من امرأة, و لله درها من جوهرة, طوبى لمن سار مسارها, و غرس غرسها.