المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أهمية الإيمان في حمل الدعوة



rajaab
18-11-2005, 05:34 PM
أهمية الإيمان في حمل الدعوة


وأولويات الفروض

إن الإسلام هو عبارة عن معاريف أمر الله بإقامتها، ومنكرات طلبَ الامتناع عنها وإزالتها .

ورأس المعاريف وأعلاها هو الإيمان بالله تعالى وسائر أركان العقيدة الإسلامية.

ورأس المنكرات وأخبثها هو الكفر بكل صوره، وقد طلب الله سبحانه وتعالى اجتنابه، والتنفير منه والتحذير من الوقوع بحبائله.

ثم يأتي من باب المعاريف من بعد الإيمان التقوى. وهي تتحقق بطاعة الله ورسوله، وهي ثمرة الإيمان ومكملة له وهي من مقتضياته. فتقوى الله هي اجتناب غضبه. ولا يكون ذلك إلا بالالتزام بشرع الله. وهذا الالتزام مربوط بالإيمان. فكلما قوي إيمان المسلم قوي التزامه بالطاعة. ويضعف هذا الالتزام بضعف الإيمان. فالمسلم مأمور بالإيمان وبطاعة الله ورسوله، ومنهي عن الكفر بكل صوره وعن المعاصي بكافة أشكالها.

وإيمان المسلم وتقواه، واجتنابه للكفر والمعاصي لا يمكن أن يبقى وينتشر إلى بحمله والدعوة له، وإيجاد الكيان الذي يحفظ على المسلمين عقيدتهم وتقواهم، ويمنعهم من الوقوع بحبائل الكفر والمعصية. هذا ما دلّ عليه واقع الرسول r وعمله. فالرسول r لم يطلب من المؤمنين معه مجرّد الإيمان والتقوى، بل كان يعمل معهم على إيجاد بيئة الإيمان والتقوى بإقامة الكيان الذي يجعل المجتمع كله يسير بنفس الاتجاه الذي يسير عليه إيمان الفرد وتقواه. وهذا ما تحقق له عندما أقام الدولة الإسلامية في المدينة المنورة.

فالمعاريف التي يجب أن توجد لا بدّ من حملها للناس والدعوة لها. وإيجاد الكيان الذي يحافظ عليها. والمنكرات التي يجب أن يُبتعد عنها لا بدّ من محاربتها وملاحقتها والتنفير منها ومحاسبة مرتكبها وإزالة الكيان الذي يتسبب بوجودها، أو يحمي مرتكبيها.

ولذلك لا بدّ للمسلمين من الأمر بالمعروف، ومن النهي عن المنكر. ولا بدّ أن يسبق أمرهم بالمعروف ائتمارهم به، وأن يسبق نهيهم عن المنكر انتهاؤهم عنه.

الجانب الأول: الائتمار بالمعروف والانتهاء عن المنكر:

المسلم مطلوب منه الإيمان بالله ورسوله وكل العقيدة الإسلامية، أي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقضاء والقدر خيرهما وشرهما من الله تعالى، وبكل ما جاء في الكتاب والسنة مما كان قطعياً.

فالإيمان واجب عيني على كل مسلم، وهو مطلوب بالإجمال، ومطلوب منه أن يحوز أصله. فالمطلوب منه أن يؤمن بوجود الله الخالق لكل شيء، والذي ليس كمثله شيء، والذي يتصف بكل صفات الكمال، ويتنزه عن كل صفات النقص، وأنّ كلَ ما في هذا الكون، وما تقوم عليه الحياة ويحتاج إليه الإنسان هو من الله القدير، الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، والذي لا يخرج شيء عن إرادته وعلمه. فهو وحده المعبود الحق الذي لا ملجأ إلا إليه ولا خضوع إلا له، ولا راحة إلا برضاه. فمتى حاز المسلم هذا الأصل فقد حصل الإيمان بالله. وكذلك مطلوب منه أن يؤمن بأن محمداً رسول الله، جاء بدين الإسلام وحياً من عند الله، وليس بعبقريته وفطنته، وأنه معصوم فيما بلّغه عن ربه. وأن يؤمن بسائر رسل الله وكتبه على وجه الإجمال، وأن يؤمن بالملائكة وباليوم الآخر وبالقضاء والقَدَر. هذه هي أصول الإيمان فمن أقرّ بها فقد صار مؤمناً وإن فاتته بعض التفاصيل – طبعاً ما لم يقم أو يعتقد بشيء ينقض هذا الإيمان. ولكن هذا الإيمان يقوى ويزيد وهذا بالتالي يستدعي قوة الالتزام واستقامة السلوك. فالإيمان بالله يقوى ويصبح أكثر تأثيراً في واقع الحياة، وذلك بأن يكثر المؤمن من التفكّر بآيات الله الكونية والمنزّلة، فكلما فكّر المسلم في مخلوقات الله وفي دقة تركيبها وقدرة خالقها وحكمته وعلمه كلما قوي إيمانه وازداد تقديسه لهذا الخالق العظيم. وكلما فكّر الإنسان في ما أنعم الله عليه من نِعم، وحاول أن يعدها وأن ينبّه حسّه إلى ما غفل عنه منها كلما أقبل على هذا الإله الكريم حامداً شاكراً مطيعاً، وكلما فكر المسلم في نقص ما سوى الخالق وحاجته وعجزه كلما سارع إلى إفراد هذا الخالق وحده بالعبادة والطاعة والخضوع.

وكذلك الإيمان برسول الله r يقوى ويضعف، فكلما ازدادت معرفة المسلم بالقرآن كلما قوي يقينه باستحالة أن يكون هذا القرآن من عند غير الله، وقوي يقينه بأن محمداً r هو رسول الله. وكذلك كلما تفكّر في سيرة رسول الله r، وفي حياته ، وما عاناه في سبيل الله، وفي مواقفه، كلما ازداد حبه لرسول الله rوتعلّقه بشخصية هذا النبي العظيم. وبالتالي يزداد حرصه على إرضائه وطاعته وحمل الهم الذي حمله رسول الله r طيلة حياته.

كذلك الإيمان باليوم الآخر، فكلما تفكّر المسلم بأحوال يوم القيامة حيث يجعل الولدان شيباً، وحيث تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها، وحيث يبدو الناس سكارى من هول ما يحدث كلما هاله هذا المنظر الغيبي الذي أخبره الله عنه، وبالتالي صار يتجنّب فزع ذلك اليوم، ويلتمس أسباب الأمن في ذلك اليوم. وكلما تفكر المؤمن بالآيات والأحاديث التي تتكلم عن الجنة وما أعدّه الله فيها للمؤمنين من النعيم المقيم والسعادة الأبدية كلما صغرت في عينيه ملذّات الدنيا، وازداد شوقه إلى تلك الجنة العالية.. وأيضاً كلما تفكّر المؤمن بالآيات والأحاديث التي تتحدث عن النار وما أعدّه الله فيها للكافرين والآثمين من العذاب الأليم والجحيم المقيم كلما ازداد خوفه من عذابها، وهان عليه خوفه من عذاب الدنيا وآلامها، وأصبح يتجنّب أسباب دخول النار، ولو أدّى به ذلك إلى دخول سجون الظالمين، وإلى تعريض ظهره لسياطهم. وهكذا .. فمتى انعقد القلب على الإيمان استجابت الجوارح لله طاعة مبصرة والتزاماً قوياً. فكلما كبرت الآخرة في عين المؤمن صغرت الدنيا وصغر ما فيها، وكلما قوي الإيمان قوي الالتزام وأيّد المؤمن بالثبات على القول والعمل مهما كانت الصعوبات والمشقات.

والإيمان بالله يجب أن يصحبه كفر بكل ما عداه من أنداد ، مهما اتّخذت هذه الأنداد من أشكال وصور، سواء أكانت أصناماً أم أفكاراً. فقد واجه القرآن عبدة الأصنام وحملة الأفكار. قال تعالى: ]قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ @ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ[ وقال تعالى: ]أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى @ وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى @ أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى @ تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى[ وقال تعالى: ]وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ @ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ @ قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكَثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ[.

فكل ما عدا الإيمان بالله باطل، يجب أن ينبذ ويكفر به. وكما أن الإيمان يحتاج إلى نظر وتدبر، فكذلك الكفر حتى ينبذ يستدعي النظر والتدبر. فالآيات السابقة تحرّك عقول الناس وتطلب منهم أن يتدبروا واقع عقائد الكفار حتى يتيقنوا أنها باطلة، وحتى يكفروا بالطاغوت حق كفره. قال تعالى: ]فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ[. فكما أن النظر والتدبّر هو وسيلة للإيمان بالله فكذلك هو وسيلة أيضاً للكفر بالطاغوت، وكلاهما مطلوب من المسلم حتى يستمسك بالعروة الوثقى ويهتدي الاهتداء الصحيح.

هذا الإيمان المطلوب من كل مسلم يجعله متقيداً بحسبه. فمن آمن بالله ونبذ كل ما عداه وجد نفسه تميل إلى هذا الإله العظيم الخالق القدير، فيحبه ويخشاه ويطمع برحمته ويتعبده ويتقيد بأمره، فينشأ عند المسلم مَحبَّةُ ما يُحبُّه الله، وبُغضُ ما يُبْغِضُه. ويتوجه المسلم في حياته إلى الله ليحمده على ما أنعم عليه وتفضل به له. كيف لا وهو الإنسان الضعيف العاجز المحتاج إلى من يدبِّر أمره. فلولا الله لما اهتدى، ولما استقام وصلح أمره. فباتباعه لأمر الله يحيا حياة طيبة ، وبإعراضه عن ذكر الله يعيش معيشة ضَنْكاً، ويخسر الدنيا والآخر. فالإيمان يَجرُّ حتماً إلى الالتزام والتقوى، ويرتب على كل مسلمٍ التوجهَ إلى الخالق لعبادته وطاعته، والابتعاد عن كل ما يغضبه، والحرصَ على الإتيان بكل ما يرضيه. فما الذي يرضي الله؟ وما الذي يغضبه؟ ... إن ما يرضي الله هو الطاعة وهو معاريف كثيرة حدّدها الشارع للمسلمين، وطلب الالتزام بها. وما يغضبه هو المعصية وهو منكرات كثيرة أيضاً حددها الشارع، وطلب الابتعاد عنها.