rajaab
20-11-2005, 05:58 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
جواب سؤال
زواج المتعة حرام تحريما مؤبدا
المتعة هي النكاح المؤقت بأمد معلوم أو مجهول، والحكم الشرعي في المتعة أنها حرام، وذلك لِما روى أحمد ومسلم عن سبرة الجهني أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً)، وروى أحمد وأبو داود عن سبرة الجهني (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع نهى عن نكاح المتعة) والمتعة محرمة بنص الحديث وليس بأمر عمر، فعمر لا يملك تحليلاً ولا تحريماً وإنما يملك تبني حكم شرعي قد شرعه الله، وهو لا يملك التشريع، ورأيه كرأي أي صحابي هو رأي مجتهد وليس بدليل شرعي، وما رُوي أن عمر قد نهى عن المتعة فأطاعه الناس فإن ذلك كان تنفيذاً لحكم شرعي شرعه الله وليس أمراً من عمر ولا رأياً له، ذلك أن بعض المسلمين لم يبلغهم حينئذ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريم المتعة فلم يكونوا يقولون به فأراد عمر أن يفهمهم أنها حرام فأمر بتحريمها ليبلغ ذلك من لم يبلغه بعد. فأمْرُه كان تنفيذاً لحكم شرعي وليس أمراً من عنده، والمسلمون أطاعوه لحديث سبرة المصرح بالتحريم المؤبد وليس لأنه أمر به عمر، والمسلمون متعبدون بما بلغهم عن الشارع، وقد صح التحريم المؤبد بحديث سبرة الصحيح فأخذوا بالتحريم المؤبد للحديث الصحيح.
والمتعة زنا لا شك فيه، فإنه وقاع رجل لامرأة بغير نكاح، بل هو استحلال لفرج المرأة بما حرمه الشرع تحريماً مؤبداً بالحديث الصحيح، فهو زنا. وقد روى البيهقي عن جعفر بن محمد أنه سئل عن المتعة، فقال: هي الزنا بعينه. وقد روى ابن ماجه عن ابن عمر بإسناد صحيح (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثاً ثم حرمها، والله لا أعلم أحداً تمتع وهو محصن إلاّ رجمته بالحجارة)، يعني أن ابن عمر يرى أنها زنا، وأن مرتكبها يقام عليه الحد.
وحكم مرتكب المتعة حكم الزاني سواء بسواء، تقيم عليه الدولة الحد بوصفه زانياً، فتجلده مائة جلدة إن كان غير محصن، وترجمه بالحجارة إن كان محصناً، ولا يعتبر نكاحاً فيه شبهة كالنكاح الفاسد، فإنه ليس بنكاح حتى ولا نكاحاً باطلاً، بل هو زنا محصن يخلد فاعله قطعاً. وأما إذا كان مذهبه يجيز المتعة مثل الجعفرية فإنه يُنظَر فيه، فإن كان لم يتبنَّ الإمام –أي الخليفة- رأياً في المتعة فإنه لا يطبق عليه حكم يخالف مذهبه الذي يتعهد عليه. ومذهب جعفر مثل مذهب أبي حنيفة يعتبر اجتهاده اجتهاداً شرعياً، ورأيه الذي استنبطه حكماً شرعياً لأن لديه شبهة الدليل لكونه مجتهداً معتبراً يستند إلى دليل عنده. وأما إن كان قد تبنى الإمام تحريم المتعة وأمر بتحريمها فإن مرتكبها يقام عليه الحد أياً كان سواء أكان حنفياً أم جعفرياً، لأن أمر الإمام يرفع الخلاف، ولأن أمر الإمام نافذ ظاهراً وباطناً، فيقام الحد على ارتكاب المتعة على جميع الناس. والإمامية –أي الجعفرية- يقولون بجواز المتعة، وحقيقتها عندهم كما في كتبهم هي النكاح المؤقت بأمد معلوم أو مجهول أو غايته إلى خمسة وأربعين يوماً، ويرتفع النكاح بانقضاء المؤقت في منقطعة الحيض، وبحيضتين في الحائض، وبأربعة أشهر وعشر في المتوفى عنها زوجها، وحكمه أن لا يثبت لها مهر غير المشروط، ولا تثبت لها نفقة ولا عدة إلاّ استبراء بما ذكر، ولا يثبت به نسب إلاّ أن يشترط، وتحرم المصاهرة بسببه. ودليل الإمامية أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد رخص في المتعة وبقيت الرخصة ولم يحرمها بعد الترخيص بها. وروي عن ابن عباس بقاء الرخصة، وروى أحمد من طريق معمر بسنده أنه بلغه أن ابن عباس رخص في متعة النساء، فقال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأهلية، إلاّ أنه قال السهيلي: إنه لا يُعرَف عن أهل السير ورواة الآثار أنه نهى عن نكاح لمتعة يوم خيبر. وقال أبو عوانة في صحيحه: سمعت أهل العلم يقولون: معنى حديث على أنه صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وأما المتعة فسكت عنها. وعن ابن عيينة أن النهي زمن خيبر عن لحوم الحمر الأهلية. فالذين يجيزون المتعة ينكرون أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة يوم خيبر، ويستدلون على ذلك بالترخيص بها بعد خيبر في حنين وعام الفتح، ويقولون إن تحليل المتعة مجمَع عليه، والمجمَع عليه قطعي، وتحريمها مختلَف فيه، والمختلَف فيه ظني، والظني لا ينسخ القطعي، ويقولون إن قراءة ابن عباس وابن مسعود وأُبَي بن كعب وسعيد بن جبير (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى) دليل على جواز المتعة.
وهذه الأقوال والأدلة باطلة لا تصلح للاستدلال. أما كون الرسول صلى الله عليه وسلم قد رخص في المتعة فهذا صحيح ولا خلاف فيه ولكنه حرمها بعد أن رخص بها، فهي أولاً حين أُبيحت لم تكن عزيمة بل كانت رخصة ثم نسخت هذه الرخصة بتحريم المتعة تحريماً مؤبداً، فالموضوع لا يتعلق بنكاح معين قد سنه الشرع بل برخصة رخص بها الشرع، والموضوع أيضاً ليس كون الشرع قد رخص بها، بل الموضوع هو نسخ هذا الترخيص أو عدم نسخه، ومتى صح النسخ وجب المصير إليه وترك الحكم المنسوخ فوراً ولو جاء الإخبار بالنسخ في خبر الآحاد لنسخ ما ثبت بالتواتر والدليل القطعي، فإن المسلمين كانوا يصلون إلى بيت المقدس قبلتهم الأولى وكان ذلك ثابتاً بالتواتر، فلما نسخت الصلاة إلى بيت المقدس بلغ ذلك المسلمين بطريق الآحاد وهم في الصلاة فتحولوا إلى الكعبة وهم في الصلاة وأتموا صلاتهم. فالحكم الناسخ يجب المصير إليه فوراً متى ثبت النسخ ولو بطريق الآحاد، ونسخ الرخصة في المتعة بتحريمها تحريماً مؤبداً ثابت بالحديث الصحيح فوجب على المسلمين المصير إليه وترك الحكم المنسوخ، وأما ما روي عن ابن عباس بقاء الرخصة فإنه روي عنه أنه رجع عن هذا القول بعد أن بلغه حديث تحريم المتعة تحريماً مؤبداً. وقد روى الرجوع عن ابن عباس جماعة منهم محمد بن خلف المعروف بوكيع في كتابه القرر من الأخبار بسنده المتصل بسعيد بن جبير، وروى الرجوع أيضاً البيهقي وأبو عوانة في صحيحه. وفوق ذلك فإن ابن عباس صحابي وكلامه ليس بحجة ورأيه ليس دليلاً شرعياً فلا يصلح للاستدلال. وأما ما روي عن علي من أن النهي في خيبر كان عن لحوم الحمر الأهلية وأما المتعة فسكت عنها، فإنه قد روي عن علي في كتب الصحاح المتفق عليها ما يخالف ذلك. فعن علي رضي الله عنه ٍ(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر)، وفي رواية ٍ(نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأهلية الأنسية). وأما ما روي عن ابن عيينة أن النهي زمن خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، فهو صحيح من حيث رواية واقعة النهي زمن خيبر، ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية في واقعة ثم بعد ذلك نهى عن المتعة في واقعة أخرى، فقد روى ابن عيينة عن الزهري بلفط نهي عن أكل الحمر الأهلية عام خيبر وعن المتعة بعد ذلك أو غير ذلك اليوم ٍ”فالذين لم يبلغهم النهي الثاني قالوا بأن النهي إنما كان عن لحوم الحُمر الأهلية، والذين بلغهم النهي الأول والنهي الثاني جمعوهما معاً وقالوا نهي عن لحوم الحُمر الأهلية وعن المتعة، وكلتا الروايتين صحيحة”، فيكون النهي عن المتعة ثابتاً يوم خيبر ولا ينقضه من يقول إنما نهى عن الحُمر الأهلية لأنه لا يصلح دليلاً على أنه لم ينه عن غيرها، فإن عدم سماع الرجل للنهي الثاني لا ينفي سماع غيره له فيكون عدم سماع بعض الرواة حديث النهي عن المتعة يوم خيبر لا يطعن بسماع من روى حديث النهي عنها يوم خيبر نفسه، لا سيما أنه حصل في واقعة ثانية. وأما قولهم إن تحليل المتعة مجمع عليه والمجمع عليه قطعي، وتحريمهما ظني والظني لا ينسخ القطعي، فإن الموضع هو ثبوت النسخ وعدم ثبوته وليس كون الناسخ ظنياً والمنسوخ قطعياً، والموضوع ليس متعلقاً برواية نص حتى ولا برواية حكم، بل الموضوع هو أن هذا الحكم قد نسخ أو لم ينسخ، فليس هو نسخ قطعي بظني بل هو نسخ حكم ثبت بالسنّة بحكم ثبت بالسنّة، فموضوع قطعي وظني ليس وارداً ولا هو موضوع بحث، فقد ثبت بالسنّة إباحة المتعة في صدر الإسلام، وثبت بالسنّة تحريمها في خيبر ثم بالسنّة إباحتها عام الفتح، وثبت بالسنّة تحريمها في عام الفتح نفسه تحريماً مؤبداً. فالموضوع ليس نسخ القرآن بالسنّة ولا هو نسخ المتواتر بخبر الآحاد، بل هو نسخ حكم ثابت بالسنّة في خبر الآحاد بحكم ثبت بالسنّة بخبر الآحاد، ولذلك لا ترِد مسألة قطعي وظني ولا مسألة نسخ القطعي بالظني.
وأما قراءة ابن عباس وابن مسعود وأُبي بن كعب وسعيد بن جبير فإنها ليست قرآناً لأنها جاءت بطريق الآحاد ولا يعتبر قرآناً إلاّ ما جاء بطريق التواتر وما ألقي على جمع تقوم الحجة القاطعة بقولهم، لأن القرآن هو فقط ما نقل نقلاً متواتراً وعلمنا يقينياً أنه من القرآن، فهذا وحده هو القرآن وهو الذي يكون حجة، وأما ما عداه فليس قرآناً وليس بحجة، ولذلك فإن ما نُقل إلينا منه من آحاد كمصحف ابن مسعود وغيره ليس بقرآن ولا يكون حجة. وعلى ذلك فإن هذه القراءة ليست قرآناً وكذلك ليست سنّة لأجل روايتها قرآناً، فلا تعتبر حجة ولا يصح الاستدلال بها. على أن الدليل على تحريم المتعة تحريماً مؤبداً ليس النهي عنها يوم خيبر فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أباحها بعد خيبر في عام الفتح، وإنما تحريم المتعة تحريماً مؤبداً ثابت بتحريمها يوم الفتح والنص على تحريمها تحريماً مؤبداً في نفس نص النهي، ثابت بحديث سبرة الصحيح، فقد روى أحمد ومسلم عن سبرة الجهني ٍ(أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتح مكة، قال: فأقمنا بها خمسة عشر فأذِن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة النساء) وذكر الحديث إلى أن قال: ٍ(فلم أخرج حتى حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليُخلِ ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً). فتحريم المتعة تحريماً مؤبداً لم يأت من النهي عنها يوم خيبر وإنما أتى عن النهي عنها يوم الفتح، ودليله ليس حديث النهي عنها يوم خيبر بل دليله حديث سبرة الصحيح المصرح به بالتحريم المؤبد، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة) ويقول: (فمن كان عنده منهن شيء فليُخلِ سبيله) فهذا هو دليل التحريم المؤبد.
وعلى ذلك فإن رأي الإمامية الجعفرية في جواز المتعة رأي باطل لا يستند إلى دليل، لأن دليلهم هو دليل الرخصة بها وهذه الرخصة قد نُسخت بالحديث الصحيح، والاستدلال بالمنسوخ استدلال باطل لا يحل الاستناد إليه ما دام يُعرف أنه منسوخ. وفوق ذلك فإنهم يعتمدون على أحاديث خيبر، وأحاديث خيبر بغض النظر عن ثبوت النهي فإنه لا يستدل على تحريم المتعة تحريماً مؤبداً، ولا يستدل بها على عدم تحريم المتعة تحريماً مؤبداً لأن الرسول عليه السلام قد رخص بها بعد خيبر فأصبحت هذه الأحاديث ليست موضوع بحث في تحريم المتعة مطلقاً، ولا في تحريمها تحريماً مؤبداً، بل موضوع البحث هو تحريمها في عام الفتح، أو بعبارة أخرى هو حديث سبرة الصحيح المصرح بالتحريم المؤبد.
وخلاصة حديث المتعة أن تحريمها وإباحتها وقعا مرتين، فكانت مباحة قبل خيبر ثم حرمت فيها، ثم أبيحت عام الفتح وهو عام أوطاس ثم حرمت تحريماً مؤبداً. ذلك أن المتعة كانت مباحة في صدر الإسلام، فعن ابن مسعود قال: ٍ”كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس معنا نساء، فقلنا: ألا نختصي، فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا بعد أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبدالله (يا أيها الذين آمنوا لا تحرّموا طيبات ما أحلّ الله لكم...) الآية، وروى الترمذي عن محمد بن كعب عن ابن عباس قال: ٍ”إنما كانت المتعة في أول الإسلام، كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم فتحفظ له متعة وتصلح له شأنه حتى نزلت هذه الآية (إلاّ على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم)” قال ابن عباس: ٍ”فكل فرج سواهما حرام”. فالثابت في صحيح السنّة عن طريق خبر الآحاد لا عن طريق التواتر أن المتعة كان مرخصاً بها وظل المسلمون على هذه الرخصة حتى يوم خيبر، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها، ولم يسمع نهي عنها قبل خيبر مطلقاً. وفي خيبر ثبت بالسنّة أن الرسول عليه السلام قد نهى عنها، روي ذلك عن علي وغيره، إلاّ أن هذا النهي لم يبلغ بعض الصحابة فظلوا يقولون بالترخيص بها، وفوق ذلك فإن هذا النهي لم يكن نهياً مؤبداً وإنما كان نهياً مطلقاً.
هذه هي المرة الأولى التي وقع فيها إباحة المتعة وتحريمها، فأبيحت في صدر الإسلام حتى خيبر ثم حرمت في خيبر. أما المرة الثانية فكانت عام أوطاس أو عام الفتح، وهما عام واحد، فإن الرسول عليه السلام قد فتح مكة وبعد الفتح غزا هوازن وكانت المعركة في وادي أوطاس بديار هوازن وهي المعروفة بغزوة حنين، وفي هذا العام رخص صلى الله عليه وسلم في المتعة ثم نهى عنها في نفس العام، فقد روى مسلم عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: ٍ(رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثاً ثم نهى عنها)، وأخرج أحمد ومسلم عن سبرة الجهني ٍ(أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم فتح مكة، قال: فأقمنا بها خمسة عشر فأذِن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة النساء) إلى أن قال: ٍ(فلم أخرج حتى حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم) ورواية أخرى في حديث صحيح (إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة". وكانت الإباحة هنا في عام أوطاس أو عام الفتح ثابتة بالسنّة، وكان التحريم هنا بعد الإباحة كما في نص الحديث الثابت بالسنّة، إلاّ أن التحريم هنا كان تحريماً مؤبداً، فقد نص على أنها قد حرمت إلى يوم القيامة. وهذه هي المرة الثانية التي وقع فيها إباحة المتعة وتحريمها، وفيما عدا هاتين الواقعتين لم يصح شيء في أمر المتعة.
أما ما يقال من أنه قد روي نسخ المتعة بعد الترخيص بها في ستة مواطن هي: خيبر، وعمرة القضاء، وعام الفتح، وعام أوطاس، وغزوة تبوك، وحجة الوداع، فإنه وهْم وخلْط بين الحوادث. أما رواية إباحتها ونسخها في عمرة القضاء، فإن الحديث الوارد فيها لا يصح لكونه من مراسيل الحسن ومراسيل الحسن ضعيفة لأنه كان يأخذ عن كل أحد، وعلى فرض صحته فإنه يُحمل على أنه يوم خيبر أي عام خيبر، لأن خيبر وعمرة القضاء كانا في عام واحد، فالرسول صلى الله عليه وسلم قد رجع من صلح الحديبية وأقام بالمدينة خمسة عشر يوماً ثم غزا خيبر، وبعد ذلك في نفس العام قام بعمرة القضاء، فتكون واقعة واحدة. أما رواية إباحتها ونسخها في عام الفتح وعام أوطاس فإنهما عام واحد، فبعد الفتح حصلت غزوة أوطاس أو غزوة حنين، فتكون الروايات المتعددة حتى التي ذكرت حنين روايات عن واقعة واحدة هي نسخ المتعة وتحريمها في عام الفتح، وهو نفسه عام أوطاس أو غزوة حنين.
وأما غزوة تبوك فإن الرواية لا تدل على أن الرسول أباحها لهم وإنما تدل على أنه زجرهم عنها، فعن جابر قال: ٍ(خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك حتى إذا كنا عند الثنية مما يلي الشام جاءتنا نسوة تمتعنا بهن يطفن برحالنا، فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهن فأخبرناه، فغضب وقام بيننا خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ونهى عن المتعة، فتوادعنا يومئذ ولم نعد ولا نعود فيها أبداً). فهذا الحديث لا يدل على الإباحة أو النهي وإنما يدل على الزجر، فإن الرسول عليه السلام رأى النسوة عند هؤلاء الرجال فسألهم عنهن فأخبروه وزجرهم عن ذلك، وهذا الحديث وإن كان إسناده ضعيفاً لكن عند ابن حبان من حديث أبي هريرة ما يشهد له وأخرجه البيهقي. وأما حجة الوداع فإن الحديث وإن كان صحيحاً من رواية أحمد وأبي داود إلاّ أنه لم ينص على الإباحة وإنما نص على النهي فقط، وبما أن النهي كان قبل ذلك في عام الفتح وكان تحريماً مؤبداً فإنه يُحمل على أنه تأكيد لذلك النهي وليس واقعة أخرى، ولعله صلى الله عليه وسلم أراد إعادة النهي ليشيع وليسمعه مَن لم يسمعه قبل ذلك.
هذه خلاصة موضوع المتعة، فإن تحريمها وإباحتها قد وقعا مرتين. كانت مباحة في صدر الإسلام قبل خيبر، ثم حرمت في خيبر ولكن لم يكن التحريم مؤبداً، ثم أبيحت في عام الفتح أو عام أوطاس أو غزوة حنين، ثم حرمت في نفس العام تحريماً مؤبداً إلى يوم القيامة. فالحكم الشرعي هو أن المتعة حرام، وأن تحريمها جاء بالسنّة في الحديث الصحيح، وأن هذا التحريم تحريم مؤبد، لأن الحديث الصحيح المصرح بالتحريم المؤبد لا يقبل التأويل وغير قابل للنسخ لنصه على أن التحريم إلى يوم القيامة.
20 من ذي القعدة 1391
6/1/1972
جواب سؤال
زواج المتعة حرام تحريما مؤبدا
المتعة هي النكاح المؤقت بأمد معلوم أو مجهول، والحكم الشرعي في المتعة أنها حرام، وذلك لِما روى أحمد ومسلم عن سبرة الجهني أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً)، وروى أحمد وأبو داود عن سبرة الجهني (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع نهى عن نكاح المتعة) والمتعة محرمة بنص الحديث وليس بأمر عمر، فعمر لا يملك تحليلاً ولا تحريماً وإنما يملك تبني حكم شرعي قد شرعه الله، وهو لا يملك التشريع، ورأيه كرأي أي صحابي هو رأي مجتهد وليس بدليل شرعي، وما رُوي أن عمر قد نهى عن المتعة فأطاعه الناس فإن ذلك كان تنفيذاً لحكم شرعي شرعه الله وليس أمراً من عمر ولا رأياً له، ذلك أن بعض المسلمين لم يبلغهم حينئذ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريم المتعة فلم يكونوا يقولون به فأراد عمر أن يفهمهم أنها حرام فأمر بتحريمها ليبلغ ذلك من لم يبلغه بعد. فأمْرُه كان تنفيذاً لحكم شرعي وليس أمراً من عنده، والمسلمون أطاعوه لحديث سبرة المصرح بالتحريم المؤبد وليس لأنه أمر به عمر، والمسلمون متعبدون بما بلغهم عن الشارع، وقد صح التحريم المؤبد بحديث سبرة الصحيح فأخذوا بالتحريم المؤبد للحديث الصحيح.
والمتعة زنا لا شك فيه، فإنه وقاع رجل لامرأة بغير نكاح، بل هو استحلال لفرج المرأة بما حرمه الشرع تحريماً مؤبداً بالحديث الصحيح، فهو زنا. وقد روى البيهقي عن جعفر بن محمد أنه سئل عن المتعة، فقال: هي الزنا بعينه. وقد روى ابن ماجه عن ابن عمر بإسناد صحيح (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثاً ثم حرمها، والله لا أعلم أحداً تمتع وهو محصن إلاّ رجمته بالحجارة)، يعني أن ابن عمر يرى أنها زنا، وأن مرتكبها يقام عليه الحد.
وحكم مرتكب المتعة حكم الزاني سواء بسواء، تقيم عليه الدولة الحد بوصفه زانياً، فتجلده مائة جلدة إن كان غير محصن، وترجمه بالحجارة إن كان محصناً، ولا يعتبر نكاحاً فيه شبهة كالنكاح الفاسد، فإنه ليس بنكاح حتى ولا نكاحاً باطلاً، بل هو زنا محصن يخلد فاعله قطعاً. وأما إذا كان مذهبه يجيز المتعة مثل الجعفرية فإنه يُنظَر فيه، فإن كان لم يتبنَّ الإمام –أي الخليفة- رأياً في المتعة فإنه لا يطبق عليه حكم يخالف مذهبه الذي يتعهد عليه. ومذهب جعفر مثل مذهب أبي حنيفة يعتبر اجتهاده اجتهاداً شرعياً، ورأيه الذي استنبطه حكماً شرعياً لأن لديه شبهة الدليل لكونه مجتهداً معتبراً يستند إلى دليل عنده. وأما إن كان قد تبنى الإمام تحريم المتعة وأمر بتحريمها فإن مرتكبها يقام عليه الحد أياً كان سواء أكان حنفياً أم جعفرياً، لأن أمر الإمام يرفع الخلاف، ولأن أمر الإمام نافذ ظاهراً وباطناً، فيقام الحد على ارتكاب المتعة على جميع الناس. والإمامية –أي الجعفرية- يقولون بجواز المتعة، وحقيقتها عندهم كما في كتبهم هي النكاح المؤقت بأمد معلوم أو مجهول أو غايته إلى خمسة وأربعين يوماً، ويرتفع النكاح بانقضاء المؤقت في منقطعة الحيض، وبحيضتين في الحائض، وبأربعة أشهر وعشر في المتوفى عنها زوجها، وحكمه أن لا يثبت لها مهر غير المشروط، ولا تثبت لها نفقة ولا عدة إلاّ استبراء بما ذكر، ولا يثبت به نسب إلاّ أن يشترط، وتحرم المصاهرة بسببه. ودليل الإمامية أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد رخص في المتعة وبقيت الرخصة ولم يحرمها بعد الترخيص بها. وروي عن ابن عباس بقاء الرخصة، وروى أحمد من طريق معمر بسنده أنه بلغه أن ابن عباس رخص في متعة النساء، فقال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأهلية، إلاّ أنه قال السهيلي: إنه لا يُعرَف عن أهل السير ورواة الآثار أنه نهى عن نكاح لمتعة يوم خيبر. وقال أبو عوانة في صحيحه: سمعت أهل العلم يقولون: معنى حديث على أنه صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وأما المتعة فسكت عنها. وعن ابن عيينة أن النهي زمن خيبر عن لحوم الحمر الأهلية. فالذين يجيزون المتعة ينكرون أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة يوم خيبر، ويستدلون على ذلك بالترخيص بها بعد خيبر في حنين وعام الفتح، ويقولون إن تحليل المتعة مجمَع عليه، والمجمَع عليه قطعي، وتحريمها مختلَف فيه، والمختلَف فيه ظني، والظني لا ينسخ القطعي، ويقولون إن قراءة ابن عباس وابن مسعود وأُبَي بن كعب وسعيد بن جبير (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى) دليل على جواز المتعة.
وهذه الأقوال والأدلة باطلة لا تصلح للاستدلال. أما كون الرسول صلى الله عليه وسلم قد رخص في المتعة فهذا صحيح ولا خلاف فيه ولكنه حرمها بعد أن رخص بها، فهي أولاً حين أُبيحت لم تكن عزيمة بل كانت رخصة ثم نسخت هذه الرخصة بتحريم المتعة تحريماً مؤبداً، فالموضوع لا يتعلق بنكاح معين قد سنه الشرع بل برخصة رخص بها الشرع، والموضوع أيضاً ليس كون الشرع قد رخص بها، بل الموضوع هو نسخ هذا الترخيص أو عدم نسخه، ومتى صح النسخ وجب المصير إليه وترك الحكم المنسوخ فوراً ولو جاء الإخبار بالنسخ في خبر الآحاد لنسخ ما ثبت بالتواتر والدليل القطعي، فإن المسلمين كانوا يصلون إلى بيت المقدس قبلتهم الأولى وكان ذلك ثابتاً بالتواتر، فلما نسخت الصلاة إلى بيت المقدس بلغ ذلك المسلمين بطريق الآحاد وهم في الصلاة فتحولوا إلى الكعبة وهم في الصلاة وأتموا صلاتهم. فالحكم الناسخ يجب المصير إليه فوراً متى ثبت النسخ ولو بطريق الآحاد، ونسخ الرخصة في المتعة بتحريمها تحريماً مؤبداً ثابت بالحديث الصحيح فوجب على المسلمين المصير إليه وترك الحكم المنسوخ، وأما ما روي عن ابن عباس بقاء الرخصة فإنه روي عنه أنه رجع عن هذا القول بعد أن بلغه حديث تحريم المتعة تحريماً مؤبداً. وقد روى الرجوع عن ابن عباس جماعة منهم محمد بن خلف المعروف بوكيع في كتابه القرر من الأخبار بسنده المتصل بسعيد بن جبير، وروى الرجوع أيضاً البيهقي وأبو عوانة في صحيحه. وفوق ذلك فإن ابن عباس صحابي وكلامه ليس بحجة ورأيه ليس دليلاً شرعياً فلا يصلح للاستدلال. وأما ما روي عن علي من أن النهي في خيبر كان عن لحوم الحمر الأهلية وأما المتعة فسكت عنها، فإنه قد روي عن علي في كتب الصحاح المتفق عليها ما يخالف ذلك. فعن علي رضي الله عنه ٍ(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر)، وفي رواية ٍ(نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأهلية الأنسية). وأما ما روي عن ابن عيينة أن النهي زمن خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، فهو صحيح من حيث رواية واقعة النهي زمن خيبر، ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية في واقعة ثم بعد ذلك نهى عن المتعة في واقعة أخرى، فقد روى ابن عيينة عن الزهري بلفط نهي عن أكل الحمر الأهلية عام خيبر وعن المتعة بعد ذلك أو غير ذلك اليوم ٍ”فالذين لم يبلغهم النهي الثاني قالوا بأن النهي إنما كان عن لحوم الحُمر الأهلية، والذين بلغهم النهي الأول والنهي الثاني جمعوهما معاً وقالوا نهي عن لحوم الحُمر الأهلية وعن المتعة، وكلتا الروايتين صحيحة”، فيكون النهي عن المتعة ثابتاً يوم خيبر ولا ينقضه من يقول إنما نهى عن الحُمر الأهلية لأنه لا يصلح دليلاً على أنه لم ينه عن غيرها، فإن عدم سماع الرجل للنهي الثاني لا ينفي سماع غيره له فيكون عدم سماع بعض الرواة حديث النهي عن المتعة يوم خيبر لا يطعن بسماع من روى حديث النهي عنها يوم خيبر نفسه، لا سيما أنه حصل في واقعة ثانية. وأما قولهم إن تحليل المتعة مجمع عليه والمجمع عليه قطعي، وتحريمهما ظني والظني لا ينسخ القطعي، فإن الموضع هو ثبوت النسخ وعدم ثبوته وليس كون الناسخ ظنياً والمنسوخ قطعياً، والموضوع ليس متعلقاً برواية نص حتى ولا برواية حكم، بل الموضوع هو أن هذا الحكم قد نسخ أو لم ينسخ، فليس هو نسخ قطعي بظني بل هو نسخ حكم ثبت بالسنّة بحكم ثبت بالسنّة، فموضوع قطعي وظني ليس وارداً ولا هو موضوع بحث، فقد ثبت بالسنّة إباحة المتعة في صدر الإسلام، وثبت بالسنّة تحريمها في خيبر ثم بالسنّة إباحتها عام الفتح، وثبت بالسنّة تحريمها في عام الفتح نفسه تحريماً مؤبداً. فالموضوع ليس نسخ القرآن بالسنّة ولا هو نسخ المتواتر بخبر الآحاد، بل هو نسخ حكم ثابت بالسنّة في خبر الآحاد بحكم ثبت بالسنّة بخبر الآحاد، ولذلك لا ترِد مسألة قطعي وظني ولا مسألة نسخ القطعي بالظني.
وأما قراءة ابن عباس وابن مسعود وأُبي بن كعب وسعيد بن جبير فإنها ليست قرآناً لأنها جاءت بطريق الآحاد ولا يعتبر قرآناً إلاّ ما جاء بطريق التواتر وما ألقي على جمع تقوم الحجة القاطعة بقولهم، لأن القرآن هو فقط ما نقل نقلاً متواتراً وعلمنا يقينياً أنه من القرآن، فهذا وحده هو القرآن وهو الذي يكون حجة، وأما ما عداه فليس قرآناً وليس بحجة، ولذلك فإن ما نُقل إلينا منه من آحاد كمصحف ابن مسعود وغيره ليس بقرآن ولا يكون حجة. وعلى ذلك فإن هذه القراءة ليست قرآناً وكذلك ليست سنّة لأجل روايتها قرآناً، فلا تعتبر حجة ولا يصح الاستدلال بها. على أن الدليل على تحريم المتعة تحريماً مؤبداً ليس النهي عنها يوم خيبر فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أباحها بعد خيبر في عام الفتح، وإنما تحريم المتعة تحريماً مؤبداً ثابت بتحريمها يوم الفتح والنص على تحريمها تحريماً مؤبداً في نفس نص النهي، ثابت بحديث سبرة الصحيح، فقد روى أحمد ومسلم عن سبرة الجهني ٍ(أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتح مكة، قال: فأقمنا بها خمسة عشر فأذِن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة النساء) وذكر الحديث إلى أن قال: ٍ(فلم أخرج حتى حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليُخلِ ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً). فتحريم المتعة تحريماً مؤبداً لم يأت من النهي عنها يوم خيبر وإنما أتى عن النهي عنها يوم الفتح، ودليله ليس حديث النهي عنها يوم خيبر بل دليله حديث سبرة الصحيح المصرح به بالتحريم المؤبد، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة) ويقول: (فمن كان عنده منهن شيء فليُخلِ سبيله) فهذا هو دليل التحريم المؤبد.
وعلى ذلك فإن رأي الإمامية الجعفرية في جواز المتعة رأي باطل لا يستند إلى دليل، لأن دليلهم هو دليل الرخصة بها وهذه الرخصة قد نُسخت بالحديث الصحيح، والاستدلال بالمنسوخ استدلال باطل لا يحل الاستناد إليه ما دام يُعرف أنه منسوخ. وفوق ذلك فإنهم يعتمدون على أحاديث خيبر، وأحاديث خيبر بغض النظر عن ثبوت النهي فإنه لا يستدل على تحريم المتعة تحريماً مؤبداً، ولا يستدل بها على عدم تحريم المتعة تحريماً مؤبداً لأن الرسول عليه السلام قد رخص بها بعد خيبر فأصبحت هذه الأحاديث ليست موضوع بحث في تحريم المتعة مطلقاً، ولا في تحريمها تحريماً مؤبداً، بل موضوع البحث هو تحريمها في عام الفتح، أو بعبارة أخرى هو حديث سبرة الصحيح المصرح بالتحريم المؤبد.
وخلاصة حديث المتعة أن تحريمها وإباحتها وقعا مرتين، فكانت مباحة قبل خيبر ثم حرمت فيها، ثم أبيحت عام الفتح وهو عام أوطاس ثم حرمت تحريماً مؤبداً. ذلك أن المتعة كانت مباحة في صدر الإسلام، فعن ابن مسعود قال: ٍ”كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس معنا نساء، فقلنا: ألا نختصي، فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا بعد أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبدالله (يا أيها الذين آمنوا لا تحرّموا طيبات ما أحلّ الله لكم...) الآية، وروى الترمذي عن محمد بن كعب عن ابن عباس قال: ٍ”إنما كانت المتعة في أول الإسلام، كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم فتحفظ له متعة وتصلح له شأنه حتى نزلت هذه الآية (إلاّ على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم)” قال ابن عباس: ٍ”فكل فرج سواهما حرام”. فالثابت في صحيح السنّة عن طريق خبر الآحاد لا عن طريق التواتر أن المتعة كان مرخصاً بها وظل المسلمون على هذه الرخصة حتى يوم خيبر، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها، ولم يسمع نهي عنها قبل خيبر مطلقاً. وفي خيبر ثبت بالسنّة أن الرسول عليه السلام قد نهى عنها، روي ذلك عن علي وغيره، إلاّ أن هذا النهي لم يبلغ بعض الصحابة فظلوا يقولون بالترخيص بها، وفوق ذلك فإن هذا النهي لم يكن نهياً مؤبداً وإنما كان نهياً مطلقاً.
هذه هي المرة الأولى التي وقع فيها إباحة المتعة وتحريمها، فأبيحت في صدر الإسلام حتى خيبر ثم حرمت في خيبر. أما المرة الثانية فكانت عام أوطاس أو عام الفتح، وهما عام واحد، فإن الرسول عليه السلام قد فتح مكة وبعد الفتح غزا هوازن وكانت المعركة في وادي أوطاس بديار هوازن وهي المعروفة بغزوة حنين، وفي هذا العام رخص صلى الله عليه وسلم في المتعة ثم نهى عنها في نفس العام، فقد روى مسلم عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: ٍ(رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثاً ثم نهى عنها)، وأخرج أحمد ومسلم عن سبرة الجهني ٍ(أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم فتح مكة، قال: فأقمنا بها خمسة عشر فأذِن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة النساء) إلى أن قال: ٍ(فلم أخرج حتى حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم) ورواية أخرى في حديث صحيح (إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة". وكانت الإباحة هنا في عام أوطاس أو عام الفتح ثابتة بالسنّة، وكان التحريم هنا بعد الإباحة كما في نص الحديث الثابت بالسنّة، إلاّ أن التحريم هنا كان تحريماً مؤبداً، فقد نص على أنها قد حرمت إلى يوم القيامة. وهذه هي المرة الثانية التي وقع فيها إباحة المتعة وتحريمها، وفيما عدا هاتين الواقعتين لم يصح شيء في أمر المتعة.
أما ما يقال من أنه قد روي نسخ المتعة بعد الترخيص بها في ستة مواطن هي: خيبر، وعمرة القضاء، وعام الفتح، وعام أوطاس، وغزوة تبوك، وحجة الوداع، فإنه وهْم وخلْط بين الحوادث. أما رواية إباحتها ونسخها في عمرة القضاء، فإن الحديث الوارد فيها لا يصح لكونه من مراسيل الحسن ومراسيل الحسن ضعيفة لأنه كان يأخذ عن كل أحد، وعلى فرض صحته فإنه يُحمل على أنه يوم خيبر أي عام خيبر، لأن خيبر وعمرة القضاء كانا في عام واحد، فالرسول صلى الله عليه وسلم قد رجع من صلح الحديبية وأقام بالمدينة خمسة عشر يوماً ثم غزا خيبر، وبعد ذلك في نفس العام قام بعمرة القضاء، فتكون واقعة واحدة. أما رواية إباحتها ونسخها في عام الفتح وعام أوطاس فإنهما عام واحد، فبعد الفتح حصلت غزوة أوطاس أو غزوة حنين، فتكون الروايات المتعددة حتى التي ذكرت حنين روايات عن واقعة واحدة هي نسخ المتعة وتحريمها في عام الفتح، وهو نفسه عام أوطاس أو غزوة حنين.
وأما غزوة تبوك فإن الرواية لا تدل على أن الرسول أباحها لهم وإنما تدل على أنه زجرهم عنها، فعن جابر قال: ٍ(خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك حتى إذا كنا عند الثنية مما يلي الشام جاءتنا نسوة تمتعنا بهن يطفن برحالنا، فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهن فأخبرناه، فغضب وقام بيننا خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ونهى عن المتعة، فتوادعنا يومئذ ولم نعد ولا نعود فيها أبداً). فهذا الحديث لا يدل على الإباحة أو النهي وإنما يدل على الزجر، فإن الرسول عليه السلام رأى النسوة عند هؤلاء الرجال فسألهم عنهن فأخبروه وزجرهم عن ذلك، وهذا الحديث وإن كان إسناده ضعيفاً لكن عند ابن حبان من حديث أبي هريرة ما يشهد له وأخرجه البيهقي. وأما حجة الوداع فإن الحديث وإن كان صحيحاً من رواية أحمد وأبي داود إلاّ أنه لم ينص على الإباحة وإنما نص على النهي فقط، وبما أن النهي كان قبل ذلك في عام الفتح وكان تحريماً مؤبداً فإنه يُحمل على أنه تأكيد لذلك النهي وليس واقعة أخرى، ولعله صلى الله عليه وسلم أراد إعادة النهي ليشيع وليسمعه مَن لم يسمعه قبل ذلك.
هذه خلاصة موضوع المتعة، فإن تحريمها وإباحتها قد وقعا مرتين. كانت مباحة في صدر الإسلام قبل خيبر، ثم حرمت في خيبر ولكن لم يكن التحريم مؤبداً، ثم أبيحت في عام الفتح أو عام أوطاس أو غزوة حنين، ثم حرمت في نفس العام تحريماً مؤبداً إلى يوم القيامة. فالحكم الشرعي هو أن المتعة حرام، وأن تحريمها جاء بالسنّة في الحديث الصحيح، وأن هذا التحريم تحريم مؤبد، لأن الحديث الصحيح المصرح بالتحريم المؤبد لا يقبل التأويل وغير قابل للنسخ لنصه على أن التحريم إلى يوم القيامة.
20 من ذي القعدة 1391
6/1/1972