المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقال للدكتورة ليلى الاحدب عن أنتحار الفتيات



محمد شعيب
21-11-2005, 07:57 AM
الحوار أو الانتحار


ليلى أحمد الأحدب (lela@alwatan.com.sa)
لست هنا بصدد كتابة مقالة تحليلية سياسية عن الأنظمة التي ترفض الحوار مع شعوبها, فيكون مصيرها الانتحار الجماعي عاجلا أم آجلا, لأني لست كاتبة سياسية وليس من عادتي أن أتطرق إلى السياسة إلا بوجهها الذي ينعكس على المجتمع, والنطاق الذي حصرت به نفسي هو الهموم الفردية والمشكلات الاجتماعية وذلك لاعتقادي بأن المرء لا يبدع إلا فيما يحسنه، لذا فإن موضوع مقالتي اليوم هو الانتحار الفردي, وخصوصا الأنثوي.
ما دعاني إلى ذلك رسالة وصلتني من فتاة اعتدت أن أتلقى منها بعض رسائل الشكر والإعجاب, وقد علمت من رسالتها الأولى التي وصلتني منذ عام تقريباً أنها في الثانوية العامة, وهو الأمر الذي يزيد من تفاؤلي بأن بعض البراعم تستحق الانتباه والتوجيه والمساعدة, لكن لضيق وقتي فإن جوابي يكون مقتضباً دائماً لها ولغيرها من المحبين, والله وحده يعلم بأن وقتي كله موزّع بين الواجبات والمسؤوليات وأن الواجبات أكثر من الأوقات, وأنا أذكر هذا الأمر بهدف رفع العتب من صدور بعض الأعزاء، والمهم في أمر هذه الفتاة أنها أرسلت لي تهنئة بمناسبة عيد الفطر, ثم أرسلت رسالة مضمونها أن لديها مشكلة وهي بحاجة للمساعدة, ولمشاغلي الكثيرة وكثرة الرسائل الإلكترونية التي تصلني سواء على عنواني في موقع الوطن أو غيره, فإني أضطر لتأخير الجواب على بعضها, ولما مضى يوم أو يومان ولم يصل الفتاة أي جواب مني أرسلت تخبرني أنها على وشك الانتحار إذا لم أعطها الضوء الأخضر بأني على استعداد لمساعدتها, وبما أن الفتاة تقطن في غير مدينتي, وليس لدي دليل بأسماء الطبيبات النفسيات في منطقتها, فقد آثرت أن تشرح لي مشكلتها التي تلخّصت بكونها فتاة متفوقة طوال مراحل الدراسة إلا أنها أصيبت بمرض في الثالث الإعدادي أثّر على مستواها في المذاكرة فلم تحصل على المجموع الذي كانت تأمله, واستمرت في دراسة المرحلة الثانوية لكنها لا تستطيع أن تتغلب على الذكرى السيئة لإخفاقها في التفوق بالإعدادية, ومع أنها اجتازت الثانوية بمعدل 87% فإن هذا المعدل لم يخوّلها الالتحاق بأي فرع في الجامعة, وهي الآن تمر بأزمة انتظار قبولها في الفصل الدراسي الثاني لأي فرع كان.
لا بد - قبل إكمال قصة الفتاة - من وقفة مع نظام التعليم العالي الذي يمنع الناجح بمعدل "جيد جدا" من دخول الجامعة في الدمام مثلاً بينما يكون ذلك ممكناً في جدة, كذلك لا بد من التوقف عند استحالة إعادة الصف الثالث الثانوي للحصول على معدل أفضل ودخول فرع يوافق تطلعات الطالب الذي قد يشعر بعد نجاحه بمعدل أقل من إمكانياته أنه مستعد للتضحية بسنة من عمره ولو أعاد مواد الثانوية وامتحاناتها, وذلك ليحصل على معدل أفضل يمكنه من دخول الفرع الذي يرغب به، وهذا الاستطراد مهم للإحاطة بالسبب الذي فكّرت من أجله هذه الفتاة المتفوقة بالانتحار نتيجة إصابتها باكتئاب حاد سببه رؤيتها لمن كنّ أقل منها في مستوى الدراسة وهنّ يحالفهن التوفيق بينما هي قابعة في منزلها تنتظر تحديد مستقبلها المتأرجح على كفّ عفريت، وهو الأمر الذي دعاني إلى التحدث مع الفتاة هاتفياً كي أتمكن من مساعدتها بشكل أسرع, خاصة أني لا أضمن وقتي أبداً فقد لا يكون لديّ الوقت لقراءة مشكلتها إذا عرضتها في رسالة فكيف وهي تريد حلاً عاجلاً؟ وعلى كل حال فقد استطعت بتوفيق الله أن أشد من أزرها وأفتح آفاق الأمل أمامها وأدعم إيمانها بخالقها وثقتها بنفسها, فأرسلت تشكرني وتطمع في اتصال ثانٍ, وليس لي إلا أن أطلب منها دعوة في ظهر الغيب أن يبارك الله لي في وقتي, وإذا كان بعض الأوربيين قد طالبوا بجعل اليوم 25 ساعة فإن مجرد ساعة بالنسبة لأمثالي لا تكفي.
المشكلة الحقيقية للفتاة هي عدم وجود من يشعر بمعاناتها من حولها, فأهلها كلٌّ مشغول بنفسه, ولا يوجد من يحاورها في همومها الشخصية, وهي ليست بدعاً من الفتيات بل إني أعرف كثيرات يفتقدن جو الصداقة في العائلة, ومنذ سنتين تقريباً كانت تراسلني فتاة مبدعة في أوائل العشرينات من عمرها, تعاني ضمن عائلتها من التفريق بين الذكور والإناث إلى حدّ أليم, فقد مُنعت من إكمال الدراسة الثانوية لأن الفتاة ليست بحاجة إلى الشهادة على حسب رأي أهلها, ويكفي لها أن تجلس في البيت لتنتظر فارس الأحلام الذي يأتي على جواده الأبيض, ولكن أهلها كانوا أيضاً يأبون أي فارس ما لم يكن من نفس القبيلة, وكيف يحصل هذا وقبيلتها في مدينة غير المدينة التي تسكن بها ولا تعرف أي شيء عنها؟ لذلك استنفدت تلك الفتاة كل وسعها بالدراسة المنزلية واستطاعت الحصول على الشهادة الثانوية, وانتسبت إلى معهد لتعلّم الكمبيوتر بعد تعهّدها لأهلها ألا تكلفهم ريالاً واحداً إذا سمحوا لها بالعمل في مدرسة خاصة, وبعد أن انتظمت الفتاة في المدرسة والمعهد ونسقّت أمورها, جاء أخوها الذي يكبرها بسنة واحدة لينسف كل جهودها ويحطّم كل آمالها انطلاقاً من الفكرة البائدة:(ليس لدينا فتيات تعمل.. ولا خروج من البيت بسبب أو بدون سبب), وناصرت الوالدة الذكر على الأنثى التي لم يكن أمامها إلا الرضوخ للأمر الواقع, وحاولت أن تكمل تعليمها عن طريق الإنترنت, فأصبح ذلك حراماً عليها أيضاً, حتى الهاتف مُنعت منه لأن المنزل بِعرفُ بعض الأسر ليس إلا قبراً للفتاة تخرج منه إلى بيت زوجها الذي إن شاء قبرها وإن شاء أحياها, وقد أخبرتني تلك الفتاة أنها لولا إيمانها العميق بالله واعتقادها بقدسية الروح لما تردّدت لحظة واحدة في إنهاء حياتها.
لذلك فإن ازدياد معدلات الانتحار بين الفتيات أصبح مجرّد نتيجة متوقعة لمقدّمات سيئة, وقد سبق لصحيفة الوطن أن عرضت دراسة قدمها أحد الأطباء النفسيين حول ازدياد محاولات الانتحار في أوساط الشابات على وجه الخصوص, وقد اطلعّت على دراسة مشابهة تمت في بلد عربي مجاور للمملكة العربية السعودية توضح الإحصائيات فيها أن نسبة الانتحار بين النساء زادت أكثر من الضعف خلال عام واحد, ويرى المحلّلون أن هذا الارتفاع يعدّ مؤشراً لأزمة قادمة تطال الأسرة والمجتمع, حيث يجري الصدام بين الحداثة والرغبة العارمة في كسر طوق العزلة التي تلّف الشباب داخل القلاع المحافظة التي ترفض تيار الحداثة الذي جعل من العالم قرية صغيرة وغرفة واحدة، وتفيد الدراسات الحديثة أن نصف مليون شخص يموتون سنوياً في العالم نتيجة للانتحار وبمعدل منتحر لكل دقيقة تمر، وتعتبر الأمراض النفسية والاضطرابات العصابية والذهانية من المسببات الرئيسية للانتحار, وقد أشار فرويد إلى أن الانتحار هو توجيه العدوانية الكامنة بالشخص ضد ذاته, وهذه العدوانية ناجمة عن معاناة تتجلّى في اضطراب التوازن عند الفرد بين العالم المثالي المنشود والعالم الواقعي المعيش، وإذا كان هذا سبباً نفسياً للانتحار فإن أهم عامل أسري هو البيت المحطّم أو العائلة المفككة الأوصال حيث لا حب ولا تفاهم ولا حوار.
وبالنسبة للأنثى فإن ازدياد معدلات الانتحار لديها تتلخص في عدة عوامل منها: شعورها بالغربة والتهميش وعدم القيمة وكأنها ليست أكثر من قطعة أثاث في البيت، ومنها الضغوط الأسرية والاجتماعية التي تسلّط نحو المرأة من الاتجاهات المختلفة, كتعرضها لاغتصاب من خارج العائلة أو داخلها, أو إجبارها بالزواج ممن لا ترغب وعدم قدرتها على التكيف مع الوضع المفروض عليها، والسبب الثالث أن المرأة في العصر الحالي أصبحت أكثر عنفاً فلم تعد مسالمة كما هو طبع الأنثى الجبّلي بل أصبحت تصرّ على تغيير واقعها ولو بأسلوب خاطئ، وبما أن عدم الرضا بالواقع ومحاولة التمرد عليه بالدراسة والعمل يشكّلان صمام الأمان الواقي في معركة الحياة, فإنه حين يتم إجهاض هذين الشكلين "تتمرد" المرأة بالانتحار.
هناك الكثير من صرعات الانتحار الغربية, ولكن الصرعة التي تعلّمناها من الغرب فسبقناهم فيها هي حين لا يكون الموت بقصد الانتحار إنما بقصد الاستمتاع بالخطر إلى أقصى درجة ممكنة، كما حصل ليلة الخميس الماضي عندما أقامت الغرفة التجارية الصناعية بمدينة جدة معرضاً للسيارات وأتاحت للشبان ممارسة هواياتهم في التفحيط, ولكن المعرض انتهى دون أن تكون رغبة بعض الشباب في التماسّ مع الخطر قد أُشبعت بعدُ, فسارعوا إلى مخططات (الفلاح) حيث قاد أحد المتهوّرين سيارته ومعه في المقعد الأمامي قريبه بينما جلس في المقعد الخلفي صديقاه, وانتهى المشهد التفحيطي بنجاة السائق وقريبه بسبب الوسائد الهوائية أما الجالسان في المقعد الخلفي فأحدهما لفظ أنفاسه الأخيرة فوراً, ونُقل الآخر للمشفى وهو بين الحياة والموت، وإذا كنا نحمد الله - الذي لا يحمد على مكروه سواه - أن هذا النوع من الانتحار ليس معروفاً بين الفتيات, فإنه من الواضح أن هذا الشكل من الانتحار أو القتل ليس ناجماً إلا عن فراغ عاطفي أساسه عدم وجود التواصل والحوار بين أفراد العائلة, ففي حين يضيّق الخناق على الفتيات في خروجهن فإن هؤلاء الشباب لا يُعرف لهم وقت للخروج ولا للعودة, بعد أن شملت النظرة الدونية للمرأة لدى بعضهم حتى والدته التي رغم أنها حملته وهناً على وهن كما هو التعبير القرآني الكريم, فليس من حقّها أن تعلم أين هو فلذة كبدها إلا عندما يواريه الثرى.
* طبيبة وكاتبة ومستشارة اجتماعية....

http://www.alwatan.com.sa/daily/2005-11-21/writers/writers07.htm




ما رأيكم ....؟و لا داعي للردود العاطفية الملتهبة نريد ردودا عقلانية...