rajaab
25-11-2005, 03:45 PM
الفرض العيني والفرض الكفائي:
إن الناظر في الفروض الإلهية يجد أن منها العيني ومنها الكفائي. فالفرض العيني هو الفرض الذي يجب أن يقوم به كل مكلف بعينه، فلو تركه المسلم لم يسقط عنه حتى لو قام به جميع المسلمين، ولو قام به وحده وتركه جميع المسلمين لسقط عنه وبرئت ذمّته أمام الله. وهذا يعني أنه يجب على كل مسلم أن يفتش عن كل الفروض العينية ويلتزم بها حتى تبرأ ساحته وتخلو ذمته أمام خالق الذمم. وما يقال في الفروض العينية يقال في النواهي، إذ أنها كلها عينية . وهذا يعني أن المسلم عليه أن يؤدي الصلاة، ويصوم رمضان، ويحج البيت الحرام متى استطاع، ويزكي متى ملك النصاب ، ويبرّ والديه، ويأكل الحلال الطيب، ويبتعد عن أكل الحرام الخبيث ، ويبتعد عن الزنا والكذب والغيبة ... وغيرها مما يجب على المسلم أن يتحرّاه ، فيقوم بها إن كانت معروفاً، ويبتعد عنها إن كانت منكراً.
الفرض الكفائي:
وهناك فروض كفائية والمطلوب هو أن توجد هذه الفروض بغض النظر عمن يوجدها من المسلمين. فهي ليست مطلوبة من كل فرد بعينه، وإنما المطلوب أن توجد. فقد توجد بالقليل وقد توجد بالكثير. فإن لم توجد يصبح المسلمون كلهم آثمين حتى توجد. ولا يسقط الإثم إلا عن من سعى لإيجادها، وتلبس بهذا السعي تلبّساً جاداً. ولا يظنن ظان أن مشاركة المسلمين له في الإثم سيخفف عنه فيتهاون بفروض الكفاية، لأنه سيأتي يوم القيامة وحيداً يحمل إثمه بمفرده. قال تعالى: ]وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً[ فوقوع الأمة معه في الإثم يعزيه في الدنيا، ولكنه لن يخفف عنه شيئاً في الآخرة. فليسارع كل مقصر في الفروض الكفائية التي لم تُقَمْ إلى التلبّس الجاد بالعمل لإيجادها ليبرئ ذمته أمام الله قبل أن يأتي يوم تتقلّب فيه القلوب والأبصار. فالمسلم الذي آمن بالله وخاف وعيده وطمع في وعده يهمه أن يرضي الله ويفوز بالجنة ويزحزح عن النار، هذا المسلم ينظر إلى الفرض الكفائي على أنه يجب أن يقام. فطالما أنه لم يقم بعد فإن الإثم سيناله إن لم يتلبس بالعمل على إقامته. وأما إن كان قائماً فلا حرج عليه طالما أن هناك من أقامه، فحتى تبرأ ذمة المسلم أمام الله يجب عليه أن يهتم بالفروض الكفائية اهتمامه بالفروض العينية. فمثلاً الحكم بما أنزل الله، والجهاد في سبيل الله والاجتهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كلها من الفروض الكفائية التي يجب أن يعمل المسلمون على إيجادها وإلا أثموا. فإذا فقد الاجتهاد في الأمة مثلاً فإن الجميع يأثم إلا من عمل على إيجاد مجتهدين. ووجود العاملين لإعادة الاجتهاد لا يسقط الإثم عن غيرهم طالما أن الاجتهاد لم يوجد بعد. فإذا وجد الاجتهاد سقط الحرج عن الجميع، وكذلك إيجاد الدولة الإسلامية، فإن كل قاعد عن العمل لإيجادها آثم أمام الله، ووجود العاملين على إيجادها لا يسقط الإثم عن القاعدين طالما أن الدولة لم تقم بعد. وقد جاء في كتاب (الفكر الإسلامي) تحت عنوان: (الفرض على الكفاية فرض على كل مسلم) ما نصّه: "ولا يسقط الفرض بحال من الأحوال حتى يقام بالعمل الذي فرض، ويستحق تارك الفرض العقاب على تركه، ويظل آثماً حتى يقوم به. ولا فرق في ذلك بين فرض العين والفرض على الكفاية فكلها فرض على جميع المسلمين. فقوله تعالى: ]انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً[ فرض كفاية. وكلها طُلِبَ الفعل فيها طلباً جازماً. فمحاولة التفريق بين فرض العين وفرض الكفاية من جهة الوجوب إثم عند الله وصد عن سبيل الله، ومغالطة للتساهل بالقيام بفروض الله تعالى. أما من حيث سقوط الفرض عمن وجب عليه فإنه أيضاً لا فرق بين فرض العين وفرض الكفاية. فلا يسقط الفرض حتى يقام العمل الذي طلبه الشارع، سواء طلب القيام به من كل مسلم كالصلاة المكتوبة، أو طلب القيام به من جميع المسلمين كبيعة الخليفة، فإن كلاً منها لا يسقط حتى يقام العمل أي حتى تقام الصلاة، وحتى يقام الخليفة وتحصل البيعة له ، ففرض الكفاية لا يسقط عن أي واحد من المسلمين إذا قام بعضهم بما يقيمه حتى يتم قيامه، فيبقى كل مسلم آثماً ما دام القيام بالعمل لم يتم. وعلى ذلك فمن الخطأ أن يقال إنّ فرض الكفاية هو الذي إذا قام به البعض سقط عن الباقين، بل فرض الكفاية هو الذي إذا أقامه البعض سقط عن الباقين، وسقوطه حينئذ أمر واقعي، لأن العمل المطلوب قد قام ووجد فلم يبق مجال لبقائه. هذا هو الفرض على الكفاية، وهو كفرض العين سواء بسواء. وعلى ذلك فإن إقامة الدولة الإسلامية فرض على جميع المسلمين، أي على كل مسلم من المسلمين. ولا يسقط هذا الفرض عن أي واحد من المسلمين حتى تقوم الدولة الإسلامية ، فإذا قام البعض بما يقيم الدولة الإسلامية لا يسقط الفرض عن أي واحد من المسلمين ما دامت الدولة الإسلامية لم تقم، ويبقى الفرض على كل مسلم، ويبقى الإثم على كل مسلم حتى يتم قيام الدولة، ولا يسقط الإثم عن أي مسلم حتى يباشر القيام بما يقيمها مستمراً على ذلك حتى تقوم. وهكذا كل فرض على الكفاية يبقى فرضاً على كل مسلم. ولا يسقط هذا الفرض حتى يقام العمل المطلوب".
ومتى تبيّن لنا ما هي فروض العين وما هي فروض الكفاية تبيّن لنا كيف أن المسلم حتى تبرأ ساحته أمام خالقه وديّانه عليه أن يقوم بفروض العين وأن يشارك غيره في إيجاد فروض الكفاية.
أولويات الفروض:
على أن القيام بالفروض العينية له أولويات شرعية. فإذا استطاع المسلم أن يقوم بكل الفروض العينية والكفائية فهذا هو المطلوب ولا يوجد عنده مشكلة. أما إذا حصل تضارب فإن القيام بالفروض العينية مقدم على القيام بالفروض الكفائية. وإذا حصل تضارب فيما بين الفروض العينية فإن الشرع، وليس العقل، وضع أولويات لبعضها على بعض، فنفقة العيال مقدمة على سداد الدين، وسداد الدين مقدم على نفقة الحج. وصوم رمضان مقدم على صوم النذر. وصلاة الجمعة مقدمة على الوفاء بالوعد. وهكذا .. وإذا حصل تضارب فيما بين الفروض الكفائية بحيث لا يمكن إقامتها جميعها فإن الشرع كذلك، وليس العقل، وضع أولويات لبعضها على بعض. وهنا يكون الميدان فسيحاً ومتشابكاً. لأن الفروض الكفائية كثيرة ومنها الصعب والباهظ التكاليف، ومنها الفرض الذي يأخذ الجهد الكبير والوقت الكثير. وهي من الكثرة بحيث لا يستطيع المسلم أن يقوم بها جميعها. فصار لا بدّ من أن يقوم ببعضها دون بعضها الآخر. وما يقوم به وما يتركه لا يكون بناء على هواه ولا على تقديره العقلي أو اختياره الشخصي بل بناء على ترجيح شرعي وإعطاء الشرع الأولوية له. ويؤخذ من القرائن الشرعية التي تبين أهميته.
أهم الفروض الكفائية:
فمثلاً نحن حين نقرر أن إقامة الدولة الإسلامية تأتي في رأس سلم الأولويات بين الفروض الكفائية فإننا أخذنا هذا من نصوص القرآن والسنة.
فالآيات التي توجب الحكم بما أنزل الله كثيرة، منها: ]وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ[، ]وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[، ]وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[، ]يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ[، ]فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ[، ]وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ[، ]أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ[. هذه النصوص وما في معناها من آيات أخرى وأحاديث يتوقف العمل بها على وجود الدولة الإسلامية التي تحكم بما أنزل الله .
والآيات التي جاءت تأمر بإقامة الحدود كثيرة منها: ]وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا[، ]الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ[، ]وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً[، ]وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً[، ]إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ[. وجاءت أحاديث كثيرة بجلد شارب الخمر وبرجم الزاني المحصن، والسن بالسن، والقصاص في الجروح، والأَرش حيث لا يحصل القصاص، وإيقاع عقوبة التعزير حيث لم يحدد الشرع حداً. هذه الأحكام والحدود التي شرعها الله يتوقف العمل بها على وجود الدولة الإسلامية التي تحكم بما أنزل الله.
والآيات التي جاءت تأمر بالجهاد في سبيل الله كثيرة، منها: ]انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ[، ]قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ[، ]وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً[، ]وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ[، ]وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ[. فهذه الآيات وما في معناها من آيات وأحاديث يتوقف العمل بها على وجود الدولة الإسلامية التي تحكم بما أنزل الله . لقد جاءت أحاديث تقول بأن الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة لا يعطله عدل عادل ولا جور جائر. أي أن المسلم عليه أن يجاهد حين يدعو داعي الجهاد سواء كان هناك دولة إسلامية أو لم يكن. أي أن الجهاد يكون مع كل أمير بَرَّاً كان أو فاجراً. ولكن هؤلاء الأمراء الفجرة لا يجاهدون ولا يأمرون بالجهاد في سبيل الله. وإذا أمروا بقتال فإنهم يأمرون بقتال المسلمين فيما بينهم. وسيستمرون على ذلك حتى ينهض رجال يؤمنون بالله واليوم الآخر ويهدموا دويلات الكفر هذه ويقيموا بدلاً منها دولة الإسلام الواحدة التي تحكم بما أنزل الله.
والآيات التي جعلت الأمة الإسلامية حاملة رسالة للعالمين وخير أمة بين الأمم، كثيرة منها: ]كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ[، ]وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ[، ]وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً[، ]وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداًً[. وكيف تكون العزة للمؤمنين ، وكيف لا يكون للكفار سبيل على المؤمنين ، وليس للمؤمنين دولة؟ وكيف يأمرون غيرهم من الأمم بالمعروف وينهونهم عن المنكر وهم في عقر دارهم قاصرون عن ذلك. إن ذلك لا يستقيم إلا بوجود الدولة الإسلامية التي تحكم بما أنزل الله.
والأحاديث الكثيرة التي تأمر المسلمين أن يكون لهم إمام يبايعونه على العمل بكتاب الله وسنة رسوله كثيرة منها: «ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية»، «إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به»، «من كره من أميره شيئاً فليصبر عليه فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبراً فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية» [رواهنّ مسلم]. وقد أجمع الصحابة رضوان الله عليهم على لزوم إقامة خليفة لرسول الله r بعد موته. وأجمعوا على إقامة خليفة لأبي بكر، ثم لعمر، ثم لعثمان ، ثم لعلي بعد وفاة كل منهم رضوان الله عليهم، والصحابة كلهم أجمعوا طوال حياتهم على وجوب نصب خليفة. ومع اختلافهم على الشخص الذي ينتخب خليفة فإنهم لم يختلفوا مطلقاً على إقامة خليفة.
وكذلك فإن ما يحتاجه المسلمون أثناء عيشهم في مجتمع إسلامي من صناعات وطب وبناء للمستشفيات وإقامة للمصانع والمختبرات وإعداد للقوة وغيرها الكثير من الفروض الكفائية، كل هذه الأمور يتوزع المسلمون فيما بينهم تأمينها. ولكن لا ينتظم هذا التأمين بحيث يتكامل تكاملاً من شأنه أن يحقق العيش الإسلامي الرغيد والقائم على عبوديته لله من جهة والإعداد والقوة للمسلمين لكي ينشروا الدعوة من جهة ثانية إلا من خلال دولة تشرف هي على إيجاد هذه الفروض إيجاداً فعّالاً ينسجم انسجاماً كلياً مع حقيقة الإسلام وغاياته.
كذلك قد أوكل الشرع إلى الحاكم أن يجبر الناس على التزام ما أوجبه الشرع عليهم. وفي حال غياب الدولة الإسلامية تتعطل جميع الأحكام المنوطة بالحاكم . كذلك إذا أهمل الناس الأحكام المتعلقة بهم فلن يجدوا حاكماً يلزمهم بها. وبذلك تتعطل أكثر الأحكام المتعلقة بالناس وبهذا يصير وجود الدولة الإسلامية هو أساس من الأسس التي يقوم عليها الوجود العملي للإسلام في معترك الحياة، فإذا انهدم هذا الأساس انهدمت جملة كبيرة من أحكام الإسلام، وتعطلت نصوص كثيرة جداً من نصوص الإسلام، وفقد المسلمون هويتهم وعزتهم، واستبيحت ديارهم ، وتسلّط عليهم عدوّهم، وفشت فيهم المنكرات كما هو حاصل اليوم.
إن الناظر في الفروض الإلهية يجد أن منها العيني ومنها الكفائي. فالفرض العيني هو الفرض الذي يجب أن يقوم به كل مكلف بعينه، فلو تركه المسلم لم يسقط عنه حتى لو قام به جميع المسلمين، ولو قام به وحده وتركه جميع المسلمين لسقط عنه وبرئت ذمّته أمام الله. وهذا يعني أنه يجب على كل مسلم أن يفتش عن كل الفروض العينية ويلتزم بها حتى تبرأ ساحته وتخلو ذمته أمام خالق الذمم. وما يقال في الفروض العينية يقال في النواهي، إذ أنها كلها عينية . وهذا يعني أن المسلم عليه أن يؤدي الصلاة، ويصوم رمضان، ويحج البيت الحرام متى استطاع، ويزكي متى ملك النصاب ، ويبرّ والديه، ويأكل الحلال الطيب، ويبتعد عن أكل الحرام الخبيث ، ويبتعد عن الزنا والكذب والغيبة ... وغيرها مما يجب على المسلم أن يتحرّاه ، فيقوم بها إن كانت معروفاً، ويبتعد عنها إن كانت منكراً.
الفرض الكفائي:
وهناك فروض كفائية والمطلوب هو أن توجد هذه الفروض بغض النظر عمن يوجدها من المسلمين. فهي ليست مطلوبة من كل فرد بعينه، وإنما المطلوب أن توجد. فقد توجد بالقليل وقد توجد بالكثير. فإن لم توجد يصبح المسلمون كلهم آثمين حتى توجد. ولا يسقط الإثم إلا عن من سعى لإيجادها، وتلبس بهذا السعي تلبّساً جاداً. ولا يظنن ظان أن مشاركة المسلمين له في الإثم سيخفف عنه فيتهاون بفروض الكفاية، لأنه سيأتي يوم القيامة وحيداً يحمل إثمه بمفرده. قال تعالى: ]وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً[ فوقوع الأمة معه في الإثم يعزيه في الدنيا، ولكنه لن يخفف عنه شيئاً في الآخرة. فليسارع كل مقصر في الفروض الكفائية التي لم تُقَمْ إلى التلبّس الجاد بالعمل لإيجادها ليبرئ ذمته أمام الله قبل أن يأتي يوم تتقلّب فيه القلوب والأبصار. فالمسلم الذي آمن بالله وخاف وعيده وطمع في وعده يهمه أن يرضي الله ويفوز بالجنة ويزحزح عن النار، هذا المسلم ينظر إلى الفرض الكفائي على أنه يجب أن يقام. فطالما أنه لم يقم بعد فإن الإثم سيناله إن لم يتلبس بالعمل على إقامته. وأما إن كان قائماً فلا حرج عليه طالما أن هناك من أقامه، فحتى تبرأ ذمة المسلم أمام الله يجب عليه أن يهتم بالفروض الكفائية اهتمامه بالفروض العينية. فمثلاً الحكم بما أنزل الله، والجهاد في سبيل الله والاجتهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كلها من الفروض الكفائية التي يجب أن يعمل المسلمون على إيجادها وإلا أثموا. فإذا فقد الاجتهاد في الأمة مثلاً فإن الجميع يأثم إلا من عمل على إيجاد مجتهدين. ووجود العاملين لإعادة الاجتهاد لا يسقط الإثم عن غيرهم طالما أن الاجتهاد لم يوجد بعد. فإذا وجد الاجتهاد سقط الحرج عن الجميع، وكذلك إيجاد الدولة الإسلامية، فإن كل قاعد عن العمل لإيجادها آثم أمام الله، ووجود العاملين على إيجادها لا يسقط الإثم عن القاعدين طالما أن الدولة لم تقم بعد. وقد جاء في كتاب (الفكر الإسلامي) تحت عنوان: (الفرض على الكفاية فرض على كل مسلم) ما نصّه: "ولا يسقط الفرض بحال من الأحوال حتى يقام بالعمل الذي فرض، ويستحق تارك الفرض العقاب على تركه، ويظل آثماً حتى يقوم به. ولا فرق في ذلك بين فرض العين والفرض على الكفاية فكلها فرض على جميع المسلمين. فقوله تعالى: ]انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً[ فرض كفاية. وكلها طُلِبَ الفعل فيها طلباً جازماً. فمحاولة التفريق بين فرض العين وفرض الكفاية من جهة الوجوب إثم عند الله وصد عن سبيل الله، ومغالطة للتساهل بالقيام بفروض الله تعالى. أما من حيث سقوط الفرض عمن وجب عليه فإنه أيضاً لا فرق بين فرض العين وفرض الكفاية. فلا يسقط الفرض حتى يقام العمل الذي طلبه الشارع، سواء طلب القيام به من كل مسلم كالصلاة المكتوبة، أو طلب القيام به من جميع المسلمين كبيعة الخليفة، فإن كلاً منها لا يسقط حتى يقام العمل أي حتى تقام الصلاة، وحتى يقام الخليفة وتحصل البيعة له ، ففرض الكفاية لا يسقط عن أي واحد من المسلمين إذا قام بعضهم بما يقيمه حتى يتم قيامه، فيبقى كل مسلم آثماً ما دام القيام بالعمل لم يتم. وعلى ذلك فمن الخطأ أن يقال إنّ فرض الكفاية هو الذي إذا قام به البعض سقط عن الباقين، بل فرض الكفاية هو الذي إذا أقامه البعض سقط عن الباقين، وسقوطه حينئذ أمر واقعي، لأن العمل المطلوب قد قام ووجد فلم يبق مجال لبقائه. هذا هو الفرض على الكفاية، وهو كفرض العين سواء بسواء. وعلى ذلك فإن إقامة الدولة الإسلامية فرض على جميع المسلمين، أي على كل مسلم من المسلمين. ولا يسقط هذا الفرض عن أي واحد من المسلمين حتى تقوم الدولة الإسلامية ، فإذا قام البعض بما يقيم الدولة الإسلامية لا يسقط الفرض عن أي واحد من المسلمين ما دامت الدولة الإسلامية لم تقم، ويبقى الفرض على كل مسلم، ويبقى الإثم على كل مسلم حتى يتم قيام الدولة، ولا يسقط الإثم عن أي مسلم حتى يباشر القيام بما يقيمها مستمراً على ذلك حتى تقوم. وهكذا كل فرض على الكفاية يبقى فرضاً على كل مسلم. ولا يسقط هذا الفرض حتى يقام العمل المطلوب".
ومتى تبيّن لنا ما هي فروض العين وما هي فروض الكفاية تبيّن لنا كيف أن المسلم حتى تبرأ ساحته أمام خالقه وديّانه عليه أن يقوم بفروض العين وأن يشارك غيره في إيجاد فروض الكفاية.
أولويات الفروض:
على أن القيام بالفروض العينية له أولويات شرعية. فإذا استطاع المسلم أن يقوم بكل الفروض العينية والكفائية فهذا هو المطلوب ولا يوجد عنده مشكلة. أما إذا حصل تضارب فإن القيام بالفروض العينية مقدم على القيام بالفروض الكفائية. وإذا حصل تضارب فيما بين الفروض العينية فإن الشرع، وليس العقل، وضع أولويات لبعضها على بعض، فنفقة العيال مقدمة على سداد الدين، وسداد الدين مقدم على نفقة الحج. وصوم رمضان مقدم على صوم النذر. وصلاة الجمعة مقدمة على الوفاء بالوعد. وهكذا .. وإذا حصل تضارب فيما بين الفروض الكفائية بحيث لا يمكن إقامتها جميعها فإن الشرع كذلك، وليس العقل، وضع أولويات لبعضها على بعض. وهنا يكون الميدان فسيحاً ومتشابكاً. لأن الفروض الكفائية كثيرة ومنها الصعب والباهظ التكاليف، ومنها الفرض الذي يأخذ الجهد الكبير والوقت الكثير. وهي من الكثرة بحيث لا يستطيع المسلم أن يقوم بها جميعها. فصار لا بدّ من أن يقوم ببعضها دون بعضها الآخر. وما يقوم به وما يتركه لا يكون بناء على هواه ولا على تقديره العقلي أو اختياره الشخصي بل بناء على ترجيح شرعي وإعطاء الشرع الأولوية له. ويؤخذ من القرائن الشرعية التي تبين أهميته.
أهم الفروض الكفائية:
فمثلاً نحن حين نقرر أن إقامة الدولة الإسلامية تأتي في رأس سلم الأولويات بين الفروض الكفائية فإننا أخذنا هذا من نصوص القرآن والسنة.
فالآيات التي توجب الحكم بما أنزل الله كثيرة، منها: ]وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ[، ]وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[، ]وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[، ]يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ[، ]فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ[، ]وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ[، ]أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ[. هذه النصوص وما في معناها من آيات أخرى وأحاديث يتوقف العمل بها على وجود الدولة الإسلامية التي تحكم بما أنزل الله .
والآيات التي جاءت تأمر بإقامة الحدود كثيرة منها: ]وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا[، ]الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ[، ]وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً[، ]وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً[، ]إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ[. وجاءت أحاديث كثيرة بجلد شارب الخمر وبرجم الزاني المحصن، والسن بالسن، والقصاص في الجروح، والأَرش حيث لا يحصل القصاص، وإيقاع عقوبة التعزير حيث لم يحدد الشرع حداً. هذه الأحكام والحدود التي شرعها الله يتوقف العمل بها على وجود الدولة الإسلامية التي تحكم بما أنزل الله.
والآيات التي جاءت تأمر بالجهاد في سبيل الله كثيرة، منها: ]انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ[، ]قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ[، ]وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً[، ]وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ[، ]وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ[. فهذه الآيات وما في معناها من آيات وأحاديث يتوقف العمل بها على وجود الدولة الإسلامية التي تحكم بما أنزل الله . لقد جاءت أحاديث تقول بأن الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة لا يعطله عدل عادل ولا جور جائر. أي أن المسلم عليه أن يجاهد حين يدعو داعي الجهاد سواء كان هناك دولة إسلامية أو لم يكن. أي أن الجهاد يكون مع كل أمير بَرَّاً كان أو فاجراً. ولكن هؤلاء الأمراء الفجرة لا يجاهدون ولا يأمرون بالجهاد في سبيل الله. وإذا أمروا بقتال فإنهم يأمرون بقتال المسلمين فيما بينهم. وسيستمرون على ذلك حتى ينهض رجال يؤمنون بالله واليوم الآخر ويهدموا دويلات الكفر هذه ويقيموا بدلاً منها دولة الإسلام الواحدة التي تحكم بما أنزل الله.
والآيات التي جعلت الأمة الإسلامية حاملة رسالة للعالمين وخير أمة بين الأمم، كثيرة منها: ]كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ[، ]وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ[، ]وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً[، ]وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداًً[. وكيف تكون العزة للمؤمنين ، وكيف لا يكون للكفار سبيل على المؤمنين ، وليس للمؤمنين دولة؟ وكيف يأمرون غيرهم من الأمم بالمعروف وينهونهم عن المنكر وهم في عقر دارهم قاصرون عن ذلك. إن ذلك لا يستقيم إلا بوجود الدولة الإسلامية التي تحكم بما أنزل الله.
والأحاديث الكثيرة التي تأمر المسلمين أن يكون لهم إمام يبايعونه على العمل بكتاب الله وسنة رسوله كثيرة منها: «ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية»، «إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به»، «من كره من أميره شيئاً فليصبر عليه فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبراً فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية» [رواهنّ مسلم]. وقد أجمع الصحابة رضوان الله عليهم على لزوم إقامة خليفة لرسول الله r بعد موته. وأجمعوا على إقامة خليفة لأبي بكر، ثم لعمر، ثم لعثمان ، ثم لعلي بعد وفاة كل منهم رضوان الله عليهم، والصحابة كلهم أجمعوا طوال حياتهم على وجوب نصب خليفة. ومع اختلافهم على الشخص الذي ينتخب خليفة فإنهم لم يختلفوا مطلقاً على إقامة خليفة.
وكذلك فإن ما يحتاجه المسلمون أثناء عيشهم في مجتمع إسلامي من صناعات وطب وبناء للمستشفيات وإقامة للمصانع والمختبرات وإعداد للقوة وغيرها الكثير من الفروض الكفائية، كل هذه الأمور يتوزع المسلمون فيما بينهم تأمينها. ولكن لا ينتظم هذا التأمين بحيث يتكامل تكاملاً من شأنه أن يحقق العيش الإسلامي الرغيد والقائم على عبوديته لله من جهة والإعداد والقوة للمسلمين لكي ينشروا الدعوة من جهة ثانية إلا من خلال دولة تشرف هي على إيجاد هذه الفروض إيجاداً فعّالاً ينسجم انسجاماً كلياً مع حقيقة الإسلام وغاياته.
كذلك قد أوكل الشرع إلى الحاكم أن يجبر الناس على التزام ما أوجبه الشرع عليهم. وفي حال غياب الدولة الإسلامية تتعطل جميع الأحكام المنوطة بالحاكم . كذلك إذا أهمل الناس الأحكام المتعلقة بهم فلن يجدوا حاكماً يلزمهم بها. وبذلك تتعطل أكثر الأحكام المتعلقة بالناس وبهذا يصير وجود الدولة الإسلامية هو أساس من الأسس التي يقوم عليها الوجود العملي للإسلام في معترك الحياة، فإذا انهدم هذا الأساس انهدمت جملة كبيرة من أحكام الإسلام، وتعطلت نصوص كثيرة جداً من نصوص الإسلام، وفقد المسلمون هويتهم وعزتهم، واستبيحت ديارهم ، وتسلّط عليهم عدوّهم، وفشت فيهم المنكرات كما هو حاصل اليوم.