rajaab
20-12-2005, 04:03 PM
وجوب وجود جماعة
تحمل الدعوة
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المتعلق بالجماعات يتحدد بعد تحديد العمل المطلوب شرعاً من الجماعة. ونحن هنا لسنا بصدد الكلام عن جماعات تقوم من أجل إقامة أحكام شرعية جزئية ، كالجمعيات الخيرية التي تقوم لمساعدة فقراء المسلمين، أو جمعيات الوعظ والإرشاد، أو جمعيات بناء المساجد، أو جمعيات تعليم القرآن الكريم، وما شاكلها. وإنما يتناول بحثنا وجود جماعات تأخذ على عاتقها إقامة الدين كله، وذلك عن طريق إقامة الخلافة التي هي بدورها تقيم الإسلام في حياة المسلمين، ويكون همها إيجاد كل المعاريف التي أمر الشرع بإيجادها، وإزالة كل المنكرات التي نهى الشرع عنها، وتأخذ دورها في الحياة من حيث تطبيق الإسلام كاملاً في الداخل، وحمل الدعوة إلى العالم.
فإن على الدولة الإسلامية مهمات عظيمة أناطها الشرع بها ، تتحقق بوجودها، وتغيب عن واقع الحياة وتغيض بغيابها. فالجماعة التي تريد العمل لإقامة الدولة الإسلامية يأخذ حكمها أهميته من أهمية ما تريد تحقيقه، وهو إيجاد هذه الدولة. وعندما لا توجد جماعة في أيامنا تعمل لاستئناف الحياة الإسلامية عن طريق إقامة الدولة الإسلامية؛ فمعنى ذلك أن المسلمين قد تهاونوا بكل الفروض التي أناطها الله بالدولة الإسلامية، وما أكثرها، وبالتالي ما أكبر إثم القعود عن ذلك.
فالمسلمون الذين لا يعملون لاستئناف الحياة الإسلامية يلحقهم الإثم حين يزني الزاني، ويسرق السارق، ويظلم الحاكم، وتنزل النساء إلى الشوارع كاسيات عاريات، ويكثر الفساد، ويتوقف الجهاد، ويتحكم الكفار بالمسلمين، وينتشر المنكر وينحسر المعروف. لأن كل ذلك حدث ورتع حين أهمل المسلمون الفرض الذي فرضه الله عليهم، وهو فرض العمل لإقامة الخلافة الراشدة، التي يرضى عنها الله، والتي هي بدورها تضع الأمور في نصابها، وتقيم الشرع في حياة المسلمين، وتزرع الإيمان في نفوسهم فتحصد التقوى والإحسان. فالعمل الجماعي هذا هو فريضة شرعية يتوقف عليها تغيير الأوضاع المتردية وتصحيحها. وانتشال الأمة من الحضيض الذي وصلت إليه، ويعود بها إلى سابق عزها ومجدها تقتعد مركز الصدارة بين الأمم ، أمة هادية مهدية.
فأي أجر يناله المسلم اليوم أكبر من العمل الجماعي هذا الذي يؤدي إلى إنقاذ المسلمين مما هم فيه. فإذا قال الرسول r: «لأن يَهدي اللهُ بك رجُلاً خيرٌ لك من أن تكون لك حُمْرُ النَّعَم» [رواه البخاري]، فما هو أجر من عمل لصلاح أمر المسلمين جميعهم وإنقاذهم من الهلاك، وفتح بعمله هذا الباب على مصراعيه لكي يدخل الناس في دين الله أفواجاً. وإذا قال الرسول r لمن سأله عن عمل يعدل الجهاد في سبيل الله: «لا أجده. قال: هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقومَ ولا تَفْتُرَ وتصومَ ولا تُفْطِرَ» قال: ومن يستطيع ذلك؟ [رواه البخاري]. فإذا كان للجهاد هذه المرتبة وهذه المكرمة عند الله. ألم يقل الرسول r: «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر» وألم يقل الرسول r: «سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله» [رواه الحاكم]. أيجوز للمسلم ، وقد علم بحال المسلمين اليوم ، أن يتركهم هلكى. أيكون معهم بهذا «مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمّى» [رواه مسلم]. أيكون معهم «كالبنيان يشد بعضه بعضاً» [رواه مسلم]. فدون المسلم أجر عظيم أو إثم مبين. وهذا هو حال الفرض في الإسلام مثله مثل باقي الفروض يؤجر فاعله ويعاقب تاركه.
ونعود للتذكير أننا لا نعني في كلامنا هذا الدعوة إلى العمل الجماعي الجزئي الذي يوجد جزئية أو اثنتين من الإسلام. بل نعني ذلك العمل الجماعي الذي يهدف إلى إقامة الإسلام كله عن طريق العمل لإقامة الخلافة.
صفات الجماعة المطلوبة:
نعم إن وجوب وجود الجماعة أو الجماعات التي تعمل لاستئناف الحياة الإسلامية عن طريق العمل لإقامة الخلافة هو وجوب شرعي. وقد دلت عليه الآية الكريمة: ]وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[ فقد أوجب الله سبحانه وتعالى في هذه الآية على المسلمين وجوباً كفائياً وجود جماعة على الأقل يكون عملها هو الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فالأمر في ]وَلْتَكُن[هو للوجوب وذلك لوجوب الدعوة والأمر والنهي.
و ]مِّنكُمْ[ هنا تفيد التبعيض لقرينة شرعية هي أن وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو وجوب كفائي وليس في مقدور الناس جميعاً أن يقوموا بهذه الفريضة التي تحتاج إلى علم ودراية وحكمة لا يستطيعها الجميع. وعليه فإن كلمة ]أُمَّةٌ[ هنا تأتي بمعنى جماعة من المسلمين وليس جماعة المسلمين. فالأمر مُنْصَبٌّ على وجوب وجود جماعة من المسلمين. وقد وردت في القرآن كلمة (أمّة) بمعنى جماعة من الناس حيث قال تعالى عن موسى: ]وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ[.
وليس المطلوب هو أية جماعة بل جماعة من المسلمين موصوف عملها في الآية الكريمة بأنه الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهذا الوصف يشمل فيما يشمل الحكام لأنه من حيث الواقع يمثل الحاكم رأس كل معروف ورأس كل منكر. فهو إمّا أن يرعى شؤون رعيته بالإسلام وبالأحكام الشرعية، وإما أن يُفرِّط بأحكام الإسلام ويتساهل بها فتجب محاسبته على ذلك. ومن هنا تأخذ الجماعة وصف أن تكون سياسية لأن عملها متعلق بالحكام: بإيجادهم على الوجه الشرعي المطلوب إن لم يكونوا موجودين، أو محاسبتهم على تقصيرهم وحملهم على الحق وقصرهم عليه إن كانوا موجودين ثم هم حادوا عن الحق. وقد بيّن الرسول r ارتباط هذا الفرض بالحاكم وأهميته في أحاديث عدة منها: «والذي نفسي بيده لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر أو ليوشِكَنّ اللهُ أن يبعث عليكم عقاباً من عنده، ثم لتدعُنّه فلا يستجيب لكم» [رواه أحمد والترمذي]. وحيث يقول الرسول r: «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر» [رواه ابن ماجة والنسائي]. وحيث يقول r: «سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله» [رواه الحاكم]. وحيث يقول الرسول r: «مُروا بالمعروف وانهوْا عن المنكر قبل أن تَدْعوا فلا يُستجاب لكم» [رواه ابن ماجة]. وحيث يقول r: «الدين النصيحة»قلنا لمن؟ قال: «لله عزّ وجلّ ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» [رواه مسلم].
ولذلك فإن عمل الجماعة هو إلى جانب الدعوة إلى الخير، العمل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومنه محاسبة الحكام أو إيجادهم حسب الشرع، وهذا عمل سياسي لارتباطه بالحكام. وعليه فالآية توجب وجود أحزاب أو جماعات سياسية قائمة على أساس الإسلام.
كذلك فإن تعلق وجود كثير من أحكام الدين بوجود الخليفة يجعل وجوده واجباً شرعاً، ويجعل العمل لإيجاده واجباً شرعياً، وبالتالي يجعل وجود الجماعة التي تعمل لإيجاده واجباً شرعياً. وكل ذلك من باب (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب).
فالآية، وهي مدنية، قد دلت على وجوب وجود أحزاب سياسية قائمة على أساس الإسلام، وحددت نوع عملها أو جنسه وهو الدعوة والأمر والنهي. وذلك أن (ال) الموجودة في كلمة (الخير) و (المعروف) و (المنكر) هي (ال) التعريف التي تفيد تحقيق جنس المطلوب. فمن حيث اللفظ فإن العموم يستغرق جميع أفراد المطلوب، أما من حيث التنفيذ فإنه يتحقق بالقليل والكثير. ومن ثم فهو يشمل كل المتعلقين به: أفراداً وجماعاتٍ وحكاماً. أما هذا القليل والكثير فإنه محدد شرعاً وبحسب الواقع الذي تقوم الجماعة من أجل إيجاده، ولا يحدد تحديداً مزاجياً أو تحديداً اعتباطياً أو تحديداً مبهماً ، بل هو تحديد واضح بحيث أنه إذا أُخِلَّ به فيجب العمل على تلافي هذا الخلل. ويجب النصح لهذه الجماعة حتى تتدارك هذا الخلل وتتلافاه. فالأمر مقيد بالشرع مثله مثل أي أمر آخر. وليس متروكاً للعقل أو للهوى أو للظروف أو للمصلحة.
تحمل الدعوة
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المتعلق بالجماعات يتحدد بعد تحديد العمل المطلوب شرعاً من الجماعة. ونحن هنا لسنا بصدد الكلام عن جماعات تقوم من أجل إقامة أحكام شرعية جزئية ، كالجمعيات الخيرية التي تقوم لمساعدة فقراء المسلمين، أو جمعيات الوعظ والإرشاد، أو جمعيات بناء المساجد، أو جمعيات تعليم القرآن الكريم، وما شاكلها. وإنما يتناول بحثنا وجود جماعات تأخذ على عاتقها إقامة الدين كله، وذلك عن طريق إقامة الخلافة التي هي بدورها تقيم الإسلام في حياة المسلمين، ويكون همها إيجاد كل المعاريف التي أمر الشرع بإيجادها، وإزالة كل المنكرات التي نهى الشرع عنها، وتأخذ دورها في الحياة من حيث تطبيق الإسلام كاملاً في الداخل، وحمل الدعوة إلى العالم.
فإن على الدولة الإسلامية مهمات عظيمة أناطها الشرع بها ، تتحقق بوجودها، وتغيب عن واقع الحياة وتغيض بغيابها. فالجماعة التي تريد العمل لإقامة الدولة الإسلامية يأخذ حكمها أهميته من أهمية ما تريد تحقيقه، وهو إيجاد هذه الدولة. وعندما لا توجد جماعة في أيامنا تعمل لاستئناف الحياة الإسلامية عن طريق إقامة الدولة الإسلامية؛ فمعنى ذلك أن المسلمين قد تهاونوا بكل الفروض التي أناطها الله بالدولة الإسلامية، وما أكثرها، وبالتالي ما أكبر إثم القعود عن ذلك.
فالمسلمون الذين لا يعملون لاستئناف الحياة الإسلامية يلحقهم الإثم حين يزني الزاني، ويسرق السارق، ويظلم الحاكم، وتنزل النساء إلى الشوارع كاسيات عاريات، ويكثر الفساد، ويتوقف الجهاد، ويتحكم الكفار بالمسلمين، وينتشر المنكر وينحسر المعروف. لأن كل ذلك حدث ورتع حين أهمل المسلمون الفرض الذي فرضه الله عليهم، وهو فرض العمل لإقامة الخلافة الراشدة، التي يرضى عنها الله، والتي هي بدورها تضع الأمور في نصابها، وتقيم الشرع في حياة المسلمين، وتزرع الإيمان في نفوسهم فتحصد التقوى والإحسان. فالعمل الجماعي هذا هو فريضة شرعية يتوقف عليها تغيير الأوضاع المتردية وتصحيحها. وانتشال الأمة من الحضيض الذي وصلت إليه، ويعود بها إلى سابق عزها ومجدها تقتعد مركز الصدارة بين الأمم ، أمة هادية مهدية.
فأي أجر يناله المسلم اليوم أكبر من العمل الجماعي هذا الذي يؤدي إلى إنقاذ المسلمين مما هم فيه. فإذا قال الرسول r: «لأن يَهدي اللهُ بك رجُلاً خيرٌ لك من أن تكون لك حُمْرُ النَّعَم» [رواه البخاري]، فما هو أجر من عمل لصلاح أمر المسلمين جميعهم وإنقاذهم من الهلاك، وفتح بعمله هذا الباب على مصراعيه لكي يدخل الناس في دين الله أفواجاً. وإذا قال الرسول r لمن سأله عن عمل يعدل الجهاد في سبيل الله: «لا أجده. قال: هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقومَ ولا تَفْتُرَ وتصومَ ولا تُفْطِرَ» قال: ومن يستطيع ذلك؟ [رواه البخاري]. فإذا كان للجهاد هذه المرتبة وهذه المكرمة عند الله. ألم يقل الرسول r: «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر» وألم يقل الرسول r: «سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله» [رواه الحاكم]. أيجوز للمسلم ، وقد علم بحال المسلمين اليوم ، أن يتركهم هلكى. أيكون معهم بهذا «مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمّى» [رواه مسلم]. أيكون معهم «كالبنيان يشد بعضه بعضاً» [رواه مسلم]. فدون المسلم أجر عظيم أو إثم مبين. وهذا هو حال الفرض في الإسلام مثله مثل باقي الفروض يؤجر فاعله ويعاقب تاركه.
ونعود للتذكير أننا لا نعني في كلامنا هذا الدعوة إلى العمل الجماعي الجزئي الذي يوجد جزئية أو اثنتين من الإسلام. بل نعني ذلك العمل الجماعي الذي يهدف إلى إقامة الإسلام كله عن طريق العمل لإقامة الخلافة.
صفات الجماعة المطلوبة:
نعم إن وجوب وجود الجماعة أو الجماعات التي تعمل لاستئناف الحياة الإسلامية عن طريق العمل لإقامة الخلافة هو وجوب شرعي. وقد دلت عليه الآية الكريمة: ]وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[ فقد أوجب الله سبحانه وتعالى في هذه الآية على المسلمين وجوباً كفائياً وجود جماعة على الأقل يكون عملها هو الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فالأمر في ]وَلْتَكُن[هو للوجوب وذلك لوجوب الدعوة والأمر والنهي.
و ]مِّنكُمْ[ هنا تفيد التبعيض لقرينة شرعية هي أن وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو وجوب كفائي وليس في مقدور الناس جميعاً أن يقوموا بهذه الفريضة التي تحتاج إلى علم ودراية وحكمة لا يستطيعها الجميع. وعليه فإن كلمة ]أُمَّةٌ[ هنا تأتي بمعنى جماعة من المسلمين وليس جماعة المسلمين. فالأمر مُنْصَبٌّ على وجوب وجود جماعة من المسلمين. وقد وردت في القرآن كلمة (أمّة) بمعنى جماعة من الناس حيث قال تعالى عن موسى: ]وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ[.
وليس المطلوب هو أية جماعة بل جماعة من المسلمين موصوف عملها في الآية الكريمة بأنه الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهذا الوصف يشمل فيما يشمل الحكام لأنه من حيث الواقع يمثل الحاكم رأس كل معروف ورأس كل منكر. فهو إمّا أن يرعى شؤون رعيته بالإسلام وبالأحكام الشرعية، وإما أن يُفرِّط بأحكام الإسلام ويتساهل بها فتجب محاسبته على ذلك. ومن هنا تأخذ الجماعة وصف أن تكون سياسية لأن عملها متعلق بالحكام: بإيجادهم على الوجه الشرعي المطلوب إن لم يكونوا موجودين، أو محاسبتهم على تقصيرهم وحملهم على الحق وقصرهم عليه إن كانوا موجودين ثم هم حادوا عن الحق. وقد بيّن الرسول r ارتباط هذا الفرض بالحاكم وأهميته في أحاديث عدة منها: «والذي نفسي بيده لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر أو ليوشِكَنّ اللهُ أن يبعث عليكم عقاباً من عنده، ثم لتدعُنّه فلا يستجيب لكم» [رواه أحمد والترمذي]. وحيث يقول الرسول r: «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر» [رواه ابن ماجة والنسائي]. وحيث يقول r: «سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله» [رواه الحاكم]. وحيث يقول الرسول r: «مُروا بالمعروف وانهوْا عن المنكر قبل أن تَدْعوا فلا يُستجاب لكم» [رواه ابن ماجة]. وحيث يقول r: «الدين النصيحة»قلنا لمن؟ قال: «لله عزّ وجلّ ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» [رواه مسلم].
ولذلك فإن عمل الجماعة هو إلى جانب الدعوة إلى الخير، العمل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومنه محاسبة الحكام أو إيجادهم حسب الشرع، وهذا عمل سياسي لارتباطه بالحكام. وعليه فالآية توجب وجود أحزاب أو جماعات سياسية قائمة على أساس الإسلام.
كذلك فإن تعلق وجود كثير من أحكام الدين بوجود الخليفة يجعل وجوده واجباً شرعاً، ويجعل العمل لإيجاده واجباً شرعياً، وبالتالي يجعل وجود الجماعة التي تعمل لإيجاده واجباً شرعياً. وكل ذلك من باب (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب).
فالآية، وهي مدنية، قد دلت على وجوب وجود أحزاب سياسية قائمة على أساس الإسلام، وحددت نوع عملها أو جنسه وهو الدعوة والأمر والنهي. وذلك أن (ال) الموجودة في كلمة (الخير) و (المعروف) و (المنكر) هي (ال) التعريف التي تفيد تحقيق جنس المطلوب. فمن حيث اللفظ فإن العموم يستغرق جميع أفراد المطلوب، أما من حيث التنفيذ فإنه يتحقق بالقليل والكثير. ومن ثم فهو يشمل كل المتعلقين به: أفراداً وجماعاتٍ وحكاماً. أما هذا القليل والكثير فإنه محدد شرعاً وبحسب الواقع الذي تقوم الجماعة من أجل إيجاده، ولا يحدد تحديداً مزاجياً أو تحديداً اعتباطياً أو تحديداً مبهماً ، بل هو تحديد واضح بحيث أنه إذا أُخِلَّ به فيجب العمل على تلافي هذا الخلل. ويجب النصح لهذه الجماعة حتى تتدارك هذا الخلل وتتلافاه. فالأمر مقيد بالشرع مثله مثل أي أمر آخر. وليس متروكاً للعقل أو للهوى أو للظروف أو للمصلحة.