مشاهدة النسخة كاملة : صفات الجماعة المطلوبة
rajaab
22-12-2005, 04:42 PM
صفات الجماعة المطلوبة:
نعم إن وجوب وجود الجماعة أو الجماعات التي تعمل لاستئناف الحياة الإسلامية عن طريق العمل لإقامة الخلافة هو وجوب شرعي. وقد دلت عليه الآية الكريمة: ]وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[ فقد أوجب الله سبحانه وتعالى في هذه الآية على المسلمين وجوباً كفائياً وجود جماعة على الأقل يكون عملها هو الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فالأمر في ]وَلْتَكُن[ هو للوجوب وذلك لوجوب الدعوة والأمر والنهي.
و ]مِّنكُمْ[ هنا تفيد التبعيض لقرينة شرعية هي أن وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو وجوب كفائي وليس في مقدور الناس جميعاً أن يقوموا بهذه الفريضة التي تحتاج إلى علم ودراية وحكمة لا يستطيعها الجميع. وعليه فإن كلمة ]أُمَّةٌ[ هنا تأتي بمعنى جماعة من المسلمين وليس جماعة المسلمين. فالأمر مُنْصَبٌّ على وجوب وجود جماعة من المسلمين. وقد وردت في القرآن كلمة (أمّة) بمعنى جماعة من الناس حيث قال تعالى عن موسى: ]وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ[.
وليس المطلوب هو أية جماعة بل جماعة من المسلمين موصوف عملها في الآية الكريمة بأنه الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهذا الوصف يشمل فيما يشمل الحكام لأنه من حيث الواقع يمثل الحاكم رأس كل معروف ورأس كل منكر. فهو إمّا أن يرعى شؤون رعيته بالإسلام وبالأحكام الشرعية، وإما أن يُفرِّط بأحكام الإسلام ويتساهل بها فتجب محاسبته على ذلك. ومن هنا تأخذ الجماعة وصف أن تكون سياسية لأن عملها متعلق بالحكام: بإيجادهم على الوجه الشرعي المطلوب إن لم يكونوا موجودين، أو محاسبتهم على تقصيرهم وحملهم على الحق وقصرهم عليه إن كانوا موجودين ثم هم حادوا عن الحق. وقد بيّن الرسول r ارتباط هذا الفرض بالحاكم وأهميته في أحاديث عدة منها: «والذي نفسي بيده لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر أو ليوشِكَنّ اللهُ أن يبعث عليكم عقاباً من عنده، ثم لتدعُنّه فلا يستجيب لكم» [رواه أحمد والترمذي]. وحيث يقول الرسول r: «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر» [رواه ابن ماجة والنسائي]. وحيث يقول r: «سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله» [رواه الحاكم]. وحيث يقول الرسول r: «مُروا بالمعروف وانهوْا عن المنكر قبل أن تَدْعوا فلا يُستجاب لكم» [رواه ابن ماجة]. وحيث يقول r: «الدين النصيحة»قلنا لمن؟ قال: «لله عزّ وجلّ ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» [رواه مسلم].
ولذلك فإن عمل الجماعة هو إلى جانب الدعوة إلى الخير، العمل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومنه محاسبة الحكام أو إيجادهم حسب الشرع، وهذا عمل سياسي لارتباطه بالحكام. وعليه فالآية توجب وجود أحزاب أو جماعات سياسية قائمة على أساس الإسلام.
كذلك فإن تعلق وجود كثير من أحكام الدين بوجود الخليفة يجعل وجوده واجباً شرعاً، ويجعل العمل لإيجاده واجباً شرعياً، وبالتالي يجعل وجود الجماعة التي تعمل لإيجاده واجباً شرعياً. وكل ذلك من باب (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب).
فالآية، وهي مدنية، قد دلت على وجوب وجود أحزاب سياسية قائمة على أساس الإسلام، وحددت نوع عملها أو جنسه وهو الدعوة والأمر والنهي. وذلك أن (ال) الموجودة في كلمة (الخير) و (المعروف) و (المنكر) هي (ال) التعريف التي تفيد تحقيق جنس المطلوب. فمن حيث اللفظ فإن العموم يستغرق جميع أفراد المطلوب، أما من حيث التنفيذ فإنه يتحقق بالقليل والكثير. ومن ثم فهو يشمل كل المتعلقين به: أفراداً وجماعاتٍ وحكاماً. أما هذا القليل والكثير فإنه محدد شرعاً وبحسب الواقع الذي تقوم الجماعة من أجل إيجاده، ولا يحدد تحديداً مزاجياً أو تحديداً اعتباطياً أو تحديداً مبهماً ، بل هو تحديد واضح بحيث أنه إذا أُخِلَّ به فيجب العمل على تلافي هذا الخلل. ويجب النصح لهذه الجماعة حتى تتدارك هذا الخلل وتتلافاه. فالأمر مقيد بالشرع مثله مثل أي أمر آخر. وليس متروكاً للعقل أو للهوى أو للظروف أو للمصلحة.
rajaab
22-12-2005, 04:45 PM
فالآية دلت على وجوب وجود أحزاب سياسية إسلامية ليس غير، وبينت نوع عملها وعموم ذلك. أما تحديد المعاريف التي يجب العمل لإيجادها ، وتحديد المنكرات التي يجب العمل على إزالتها، فمرتبط بالواقع الذي وجدت فيه من حيث أنها يجب أن تتبنى الأحكام الشرعية اللازمة لتغييره. فالجماعة التي تقوم امتثالاً لهذه الآية، وتعمل لمحاسبة الحاكم يكون عملها ومادة ثقافتها متعلقة بالواقع الذي تعيشه: فهي تراقب أعمال الحاكم وتحاسبه على التقصير، بحمله على الحق وقصره عليه، وتوجد الوعي في الأمة، وتعمل مع الحاكم على نشر الدعوة الإسلامية إلى الخارج ... أما الجماعة التي تقوم امتثالاً لهذه الآية حيث لا يوجد خليفة ولا خلافة، فإنها يجب أن تتبنى كل ما يتعلق بعملها هذا. فتحدد الغاية المطلوبة شرعاً، ومن ثم تحدد الطريق التي يجب أن تسلكها والأفكار التي تلزمها لإقامة هذا الأمر، وهكذا ...
فالواجب هو وجود جماعة سياسية سواء كانت هناك دولة إسلامية أم لم تكن، وأمّا تحديد غاية هذه الجماعة وعملها ومادة ثقافتها فمرتبط بالواقع.
وحيث أننا نعيش اليوم في حالة عدم وجود خليفة للمسلمين يحكمهم بما أنزل الله، وحيث أن الدار التي يعيش فيها المسلمون هي دار كفر، وحيث أن المجتمع اليوم تقوم علاقاته وأنظمته على غير أساس الإسلام، وبالتالي فهو مجتمع غير إسلامي. كان لا بد من وجود الجماعة التي يكون عملها منصباً على تحويل الدار إلى دار إسلام، والمجتمع إلى مجتمع إسلامي. وإعادة الحكم بما أنزل الله، أي استئناف الحياة الإسلامية، وحمل الدعوة إلى العالم. هذه هي الغاية التي يجب على الجماعة أو الحزب أن يسعى لتحقيقها.
rajaab
22-12-2005, 04:47 PM
فما هي الطريق الشرعية التي يجب أن تسلكها هذه الجماعة حتى تصل إلى تحقيق غايتها الشرعية؟.
وما هي الأحكام الشرعية التي يجب أن تتبناها هذه الجماعة لتصل من خلالها إلى تحقيق هذه الغاية؟.
وما هي الضوابط والأصول الشرعية التي تحكم فهم الجماعة للطائفة الكبيرة من الأحكام الشرعية اللازمة لها لخوض الدعوة على أساسها؟.
كيف تتعامل مع الحكم الشرعي؟ وكيف تصل إليه؟ وما هي مصادره؟ وهل يتعدد حكم الله في المسألة عندها؟ وما هو موقفها من الأحكام الشرعية الخلافية؟.
وكيف تتعامل مع العقل وما هو دوره في أخذ الحكم الشرعي وفي أخذ العقيدة؟.
وكيف تتعامل مع الواقع وهل تجعله مصدر تفكيرها أو موضع تفكيرها؟.
وكيف تتعامل مع المصلحة ، وهل تحديدها عقلي أو شرعي؟.
وبعد ، فإننا متى استطعنا تحديد غاية الجماعة، وعملها ، وطريقها، وطريقة تفكيرها فإننا عندها نعرف ما على الجماعة أن تقوم به وعليه. ونعرف بعدها ما علينا أن ننصح به إذا هي خالفت وان نقومه إن هي اعوجت.
وقبل أن نتناول بالبحث الطريق الشرعية التي يجب على الجماعة أن تسلكها لا بد من التذكير بأصل لا تجوز الغفلة عنه، وهو أن الشرع لم يترك أمراً من أمور الدنيا والآخرة، أو من أمور الخير والشر، صغيرها وكبيرها وتهم الإنسان إلا وتكلم به، وأبان حكمه. فالمسلم إن لبس أو خلع ثوبه، ان دخل البيت أو المسجد أو خرج منهما، ان تعامل مع غيره أو تزوج أو صلى أو صام أو تكلم أو قام بأي عمل فإن الله سبحانه قد بيّن له كيفية القيام به، وبيّن له حكمه إن كان أمراً يجب القيام به، أو نهياً يجب الانتهاء عنه، أو مندوباً يستحب القيام به، أو مكروهاً يكره القيام به، أو مباحاً على التخيير. فهذه أحكام لكل أفعال الإنسان يجب أن يقف المسلم عند حدودها. وما يقال في الأفعال يقال في الأشياء ولكن على تفصيل آخر. وهي أنها كلها مباحة إلا ما استثناه الدليل الشرعي. وعليه فلا يوجد فعل أو شيء إلا وأنزل الله له حكماً، وذلك جرياً على القاعدتين الشرعيتين: (الأصل في الأفعال التقيد بالحكم الشرعي) و (الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل التحريم).
rajaab
22-12-2005, 04:49 PM
ونحن حيث نريد سلوك الطريق التي من شأنها أن تقيم الحكم بما أنزل الله لا بد وأن نفتش عن الأدلة الشرعية المتعلقة بسلوك هذه الطريق حتى يسير المسلم على بصيرة من الله وهدى ونور. قال تعالى: ]قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي ...[.
ولا يقال هنا: إن من عادة الشرع أن يبين للمسلم حكم الشيء، ويترك لعقله وظرفه وما تقتضيه المصلحة سلوك الطريق التي يراها مناسبة. بمعنى أن الله قد أمر بإيجاد الدولة الإسلامية وجعلها فرضاً يجب أن تنصب جهود الأمة على إيجاده ولكن طريقة إيجادها متروكة للمسلمين. لا يقال ذلك ما دام الشرع لم يتركها ولم يخيّر فيها.
لا يقال ذلك لأن فيه مخالفة لطبيعة الأحكام الشرعية. فما من حكم شرعي يتناول معالجة مشكلة من المشاكل إلا وقد بيَّن الشرع حكماً شرعياً عملياً آخر متعلقاً به ومكملاً له يبين كيفية تنفيذ هذا الحكم وجَعْلِهِ مطبقاً في واقع الحياة.
فأفكار الإسلام وأحكامه إن كان ينقصها طريقة عملية فإنها تغدو مثاليات توجد في الكتب والأذهان والخيال وتتداولها الألسن للترف الفكري الذي لا طائل تحته.
فالله سبحانه وتعالى قد بيّن في شرعه معالجات مشاكل الناس. فأنزل لهم الأنظمة التي تتناول جميع شؤون حياتهم. فأشبع جميع غرائز الإنسان وحاجاته بالعقيدة الإسلامية وما انبثق عنها من نظم. فكان الإسلام بياناً وبلاغاً مبيناً. ثم لم يكتف الإسلام بذلك بل أنزل أحكاماً شرعية أخرى من شأنها أن تجعل هذه المعالجات مطبقة في واقع الحياة ومنفذة حتى لا يبقى الإسلام فلسفة خيالية أو مجرد مواعظ وإرشادات. لذلك لم يكن الرسول r مبلغاً عن ربه فحسب، بل كان بالإضافة إلى ذلك حاكماً منفذاً لهذا البيان. فلم يكتف الرسول r ببيان أن الله هو الإله المعبود وحده بل عمل على إيجاد ذلك في الواقع. فدعا إلى الله وعمل معه تكتل الصحابة في مكة على إيجاد الدولة الإسلامية، حتى إذا أوجد الكيان الذي يقوم على هذا الإيمان عمل على تطبيق الإسلام، ومعاقبة كل من يخرج عن العقيدة والنظام. وعمل كذلك على نشر الإسلام عن طريق الدعوة والجهاد. من هنا كان حكم الدولة الإسلامية وحكم العمل لإيجادها وأحكام العقوبات وأحكام الجهاد وأحكام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كلها من الأحكام الشرعية العملية التي وضعها الشرع لحراسة العقيدة والنظام والمحافظة عليهما والعمل على نشرهما والدعوة لهما لتحقق عالميتهما.
ولولا وجود هذه الأحكام الشرعية التي بينت كيفية حماية وتنفيذ ونشر أحكام العقيدة والنظام لبقي الإسلام جامداً لا يتحرك ولما وصل إلينا وانتشر. ولبقي مجرد مواعظ وإرشادات كالدين النصراني الذي يكتفي بقول: "لا تزنِ ولا تشتهِ حليلة جارك" من غير أن يحمل معه ما يجعل هذا الكلام مطبقاً على أرض الواقع. ولصار الإسلام أثراً بعد عين، ولاجتاحته أفكار عملية أخرى تنفّذ ما عجز هو عَن تنفيذه، ولو بصورة خاطئة، ولبقي في بطون الكتب كغيره أفكاراً جميلة للعرض التاريخي كجمهورية أفلاطون.
فإذا كان الزنا حراماً، فالذي يمنع وجود هذه العلاقة المحرمة في الواقع هو حكم شرعي آخر متعلق بها وهي عقوبة مقترف الزنا تطبقها الدولة الإسلامية. فالشرع بيّن حكم الزنا بقوله تعالى: ]وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً[ وبيَّن حكم مرتكبه بقوله تعالى: ]الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ...[ وعين الجهة التي تقوم بتنفيذها وتسهر على تطبيقها بقول الرسول r: «إدرأوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإنْ وجدتم للمسلم مخرجاً فخلّوا سبيله، فإنّ الإمام لأَنْ يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة» [رواه الترمذي والحاكم] فجعل الإمام هو من يقوم بذلك.
كذلك الصلاة فإن الشرع قد بيَّن أنها فرض وبيَّن حكم عقوبة تاركها. وعين الجهة التي تقوم بتنفيذ العقوبة وهي الدولة الإسلامية. وهكذا فإن كل أمر بينه الإسلام بيَّن طريقة تنفيذه بحكم شرعي آخر وجعل الإمام صاحب الصلاحية في التنفيذ في غالبية الأمور.
وبالاستقراء نجد أن الإسلام فيه العقيدة الأساسية وما يتفرّع عنها من عقائد فرعية وما يتعلّق بها من أفكار؛ وفيه الأفكار التي تبيّن الخير والشر، والحسْنَ والقبح، والمعروف والمنكر، والحلال والحرام؛ وفيه الأحكام الشرعية التي تنظم العبادات والمعاملات والمطعومات والملبوسات والأخلاق. وكل هذا مطلوب وجوده في المجتمع الإسلامي بل المجتمع الإنساني. وهو يعطي الصورة المتميزة للمجتمع الذي دعا الإسلام لإيجاده. ويَحْسُنُ أن نطلق على هذه العقائد والأفكار والأحكام أنها (الفكرة الإسلامية).
والأحكام الشرعية المكملة للفكرة الإسلامية والتي تعمل على إيجادها والمحافظة عليها ونشرها كأحكام العقوبات وأحكام الجهاد وأحكام الخلافة وأحكام كيفية حمل الدعوة لإقامة الدولة الإسلامية وأحكام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذه الأحكام الشرعية المكملة يَحْسُنُ أن نطلق عليها أنها (أحكام الطريقة الإسلامية).
rajaab
22-12-2005, 04:53 PM
والذي ألجأ إلى هذا التصنيف (أن الإسلام هو فكرة وطريقة) هو الإهمال الذي ظهر عند المسلمين المعاصرين لكثير من الأحكام الشرعية وإسقاط التقيد بها بحجة أنها ليست واجبة الاتباع الآن. وبحجة أن الرسول r عندما عمل بها فلأنها كانت تناسب وضعه وظرفه. فإن هي ناسبت ظرفنا اليوم أخذناها وإن لم تناسب ظرفنا تركناها لغيرها من الأحكام التي تناسب ظرفنا. من هذا المنطلق وُجدَ من ينادي بتغيير أنظمة العقوبات بحجة أنها صارت لا تناسب أوضاعنا القائمة. فلم يعد مستساغاً الجلد والرجم والقطع كما كان من قبل، بحجة أنها أحكام قاسية وينظر الغرب لها على أنها همجية كهمجية القرون الوسطى، وتذكرهم بدينهم وكيف كان يظلم الناس بأحكامه الجائرة، وسيؤدي ذلك إلى التنفير من الإسلام. فلا بأس باستبدال السجن والتغريم بها. كذلك وجد من ينادي بوقف الجهاد. فطالما أنه وجد لنشر الإسلام فبالإمكان إيجاد ما يحل محله من وسائل الدعاوة والإعلام. فالعصر هو عصر تبادل الثقافات. وبما أن الإسلام هو الحجة القاطعة والحق المبين فتستطيع بالقلم والمذياع والتلفاز أن تحقق أكثر بكثير مما تحققه صولة السيوف التي تغلق القلوب وتؤرث الضغائن. وكذلك وجد من يقول بإسقاط الجزية بحجة أنها سمجة على الأسماع ومنفرة للطباع. وكذلك وجد من يقول بأن نظام الخلافة ليس إلزامياً في الشرع الإسلامي. وراحوا يصدرون الفتاوي التي تبرر أخذ أشكال الحكم الحديثة، ويدعون إلى عدم الاقتصار على نظام الخلافة القديم. إذ أن المهم هو تطبيق الأنظمة الإسلامية وليس شكَل النظام الذي يقوم بالتطبيق، والذي يمكن أن يأخذ صوراً متعددة.
من هذا المنطلق كثرت الطروحات المتعلقة بطريقة العمل لإقامة الدولة الإسلامية، حتى صار المسلمون يرون أن عودة الإسلام تكون عن طريق تأليف المؤلفات الإسلامية، أو بناء المساجد، أو إنشاء الجمعيات الخيرية، أو فتح المدارس الإسلامية على منوال المدارس التبشيرية، أو في الدعوة إلى مكارم الأخلاق، أو بالعمل المسلح، أو بالعمل للوصول إلى الحكم عن طريق المشاركة في الحكم وفي اللعبة الديمقراطية ... وأُهْمِل طريق الرسول r للوصول إلى الحكم.
وهكذا فإن المسلمين اليوم يأخذون بالأحكام الشرعية المتعلقة بالفكرة بشكل مبهم غامض. ومن ثَم راحوا يهملون الأحكام الشرعية المتعلقة بالطريقة. كل ذلك نشأ بسبب تأثرهم بالفكر الغربي، ووقوفهم عاجزين عن فهم الإسلام فهماً تشريعياً واضحاً، وبالتالي معرفة تطبيقه.
ومن هنا نشأ بحث الفكرة والطريقة حتى لا يهمل المسلمون أحكاماً شرعية مهمة من شأنها أو توجد الإسلام كله منفّذاً في واقع الحياة. فإهمالها هو تخلٍ عن جزء مهم من الإسلام، وهو معصية يحاسِب اللهُ عليها.
ومن هنا لجأنا إلى هذا التصنيف: بحث أن الإسلام فكرة وطريقة، لزيادة الإيضاح وتسهيل الفهم وتبسيط التطبيق. وقد لجأ المسلمون من قبل إلى مثل هذه التصنيفات كالقول بأن الإسلام (عقيدة وأنظمة) أو القول بـ (النظام الاجتماعي) أو (النظام الاقتصادي) أو أحكام (المطعومات) و (الملبوسات) و (العبادات) أو (أحكام الأخلاق) فكلها كانت أحكاماً منثورة زمن الرسول r فجمعها الفقهاء ورتبوها وجعلوا لها الأبواب لكي يسهل على المسلم فهمها وتطبيقها ... وهكذا.
فحتى لا ينظر المسلمون إلى أحكام شرعية ثابتة وملزمة على أنه يمكن استبدالها والحيد عنها، وبالتالي إهمالها وإسقاط الالتزام بها كان هذا البحث.
وبناء عليه، فلا تجوز الاستعاضة عن العقوبات الشرعية بعقوبات عصرية، وعن نظام الخلافة بنظام الجمهورية، وعن القوانين الإسلامية بالقوانين الغربية المدنية، وعن طريقة الرسول r للوصول إلى الحكم بأفكار وأحكام عقلية مهما خُلِعَ عليها من فتاوى.
لذلك فإنه إذا كان حكم إقامة الدولة الإسلامية هو حكم شرعي فإن طريقة إقامتها هو كذلك حكم شرعي. ومعنى ذلك أن الشرع قد وضع لها الأدلة التفصيلية وطلب الالتزام بها وعدم الخروج عنها شأنها في ذلك شأن الأحكام الشرعية الأخرى المتعلقة بأحكام الطريقة.
والذي ينظر إلى كتب الفقه يرى أن فقهاء المسلمين قد وضعوا أبواباً ثابتة، وفصلوا في أحكام العقوبات، وأحكام الجهاد، وأحكام الإمارة … وغيرها من أحكام الطريقة. ما عدا أحكام العمل لإقامة الدولة الإسلامية حيث لم يتعرضوا لها لأنها لم تكن تلزمهم. ولأن المسلمين في مختلف عصورهم لم يحتاجوا إلى مثل هذا البحث لأنه لم يأتِ يوم لم يكن لهم دولة إسلامية. أما اليوم فيجب أن تُصَبَّ جُهودُ المسلمين على استنباط أحكام الطريقة وتبينها، وذلك من الأدلة الشرعية، وليس الاستعاضة عن ذلك بأحكام عقلية متأثرة بالظروف والأهواء.
والطريق عندما تكون شرعية يجب أن يظهر فيها الالتزام بالنصوص، والتأسي بالرسول r. ومتى وجد الالتزام أمكن المحاسبة، وأمكن النصيحة، وصار المسؤول يُحاسَبُ ويُنصَحُ، كما يُحاسَبُ ويُنصَح أي عضو في الجماعة. ولا يكون الأمر متروكاً للعقل، ولا للارتباطات الشخصية، ولا لتجارب الحياة. ولا يصح أن يطلق على طريقة العمل بأنه تجربة، بل يخضع للشرع وحده.
فمن يعمل لإقامة الدولة الإسلامية من الطبيعي أن يسأل عن الطريق الشرعية، وعن أدلتها التفصيلية. ويناقش بها ويدعو لها. فما هي الأعمال الشرعية التي يجب التقيد بها حين العمل لإقامة الدولة الإسلامية؟.
ولمعرفة الطريق الشرعية، لا بد من إدراك الواقع الذي يعيشه المسلمون اليوم إدراكاً دقيقاً وعميقاً، بحيث يوضع الأصبع على السبب الأساسي الذي يتعلق بمعالجته معالجة كل ما يتعلق به حتى تأتي المعالجة الجذرية. ومتى تمّ فهم الواقع، ومعرفة السبب الأساسي أمكن تحديد الغاية الشرعية المطلوب تحقيقه. وهي نقل الناس إلى الواقع الشرعي المطلوب. وتستطيع بعدها أن تعرف الجماعة الأعمال الشرعية التي يجب التقيد بها. وذلك بالرجوع إلى الفترة التي كان يعيش فيها الرسول r الشبيهة بهذه الفترة أو القريبة منها لأخذ الأحكام الشرعية من فعله r فيها
soe_lover
23-12-2005, 01:34 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
بارك الله فيك يا أخى الكريم
( Rajaab )
على هذا الموضوع الجميل و جعله الله بإذنه فى ميزان حسانتك الى يوم الدين و وفقك الله دائما فيما يحب و يرضى .
أخوك
Soe_Lover
جميع حقوق برمجة vBulletin محفوظة ©2025 ,لدى مؤسسة Jelsoft المحدودة.
جميع المواضيع و المشاركات المطروحة من الاعضاء لا تعبر بالضرورة عن رأي أصحاب شبكة المنتدى .