ابو بنان الشامي
23-12-2005, 10:24 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الأنصار
الحمد الله الواحد القهّار ، الكبير المتعال ، ذو الكمال والجلال ، خالق الليل والنهار ، المُبغِض الكفر والكفّار ، المتولّي المؤمنين الأخيار ، ثم الصلاة والسلام على خير الأنام محمد بن عبد الله ، رسول الله ، المبعوث بين يدي الساعة بالحُسام ، وعلى آله وصحبه الطيّبين الأبرار ، وعلى من تبعهم بإحسان إلى أن يستقر الناس في دار القرار ، حيث جنّة أو نار .. أما بعد ..
جاء في النهاية ، في مادة نَصَرَ : "نَصره ينصره نصراً ، إذا أعانه على عدوّه وشد منه" (انتهى) .. وفي لسان العرب : "والأنصار ، أنصار النبي صلى الله عليه وسلم غلَبت عليهم الصفة فجرى مجرى الأسماء وصار كأنه إسم الحيّ ، ولذلك أضيف إليه بلفظ الجمع فقيل أنصاري .... والنُّصرة حُسن المعونة ، قال الله عز وجل {من كان يظن أن لن ينصُره الله في الدنيا والآخرة} المعنى : من ظن من الكفار أن الله لا يُظهر محمداً على الله عليه وسلم على من خالفه فليختنق غيظاً حتى يموت كمداً فإن الله عز وجل يُظهره ، ولا ينفعه غيظه وموته حنقاً" ... (انتهى مختصراً)
ولقب الأنصار اختاره الله تعالى لمن نصر دينه وذبّ عن شريعته بالنفس والنفيس ، أخرج ابن مردويه عن غيلان بن جرير ، قال: قلت لأنس بن مالك : هذا الأسم "الأنصار" ، أنتم سميتموه أنفسكم أو الله تعالى سمّاكم من السماء ؟ قال: الله تعالى سمانا من السماء .. (انتهى) ..
لو قارنا زماننا هذا بزمن النبي صلى الله عليه وسلم لرأينا تطابقاً عجيباً بين حالنا وحال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعرض هذا الأمر على القبائل في مكة في المواسم !! لقد كان عليه الصلاة السلام يطوف على القبائل علّه يجد من يقبل هذه الدعوة ويكون له شرف نصرة هذا الدين .. عرض النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر على قبائل شتى ، منها : بنو عامر بن صَعْصَعَة، ومُحَارِب بن خَصَفَة، وفزارة ، وغسان ، ومرّة ، وحنيفة ، وسليم ، وعَبْس ، وبنو نصر ، وبنو البَكَّاء ، وكِندة ، وكلب ، والحارث بن كعب ، وعُذْرَة ، والحضارمة ، فلم يستجب منهم أحد.
كانت هذه القبائل تعلم ما هي مُقدمة عليه ، وتعرف مآله القريب : فلما أتى النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني عامر بن صعصعة ودعاهم إلى الله ، وعرض عليهم نفسه ، قال أحدهم (بَيْحَرَة بن فِرَاس) : "والله ، لو إني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب" ، ثم قال: "أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك ، ثم أظهرك الله على من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك" ؟
قال النبي صلى الله عليه وسلم "الأمر إلى الله، يضعه حيث يشاء"
فقال له: أفَتُهْدَفُ نحورنا للعرب دونك ، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا ، لا حاجة لنا بأمرك ، فأبوا عليه. فكان هذا وغيره ممن عرض النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر عليهم يعلمون ما هم مقدمون عليه من معادة العرب وقتالهم ..
وفي بيعة العقبة أخذ أسعد بن زرارة - وهو أصغر سبعين كانوا في البيعة - بيد النبي صلى الله عليه وسلّم قبل ان يبايعه القوم ، فقال : "رويدا يا أهل يثرب ، إنا لم نضرب إليه أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله ، وأن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة ، وقتل خياركم ، وأن تعضكم السيوف، فإما أنتم تصبرون على ذلك فخذوه ، وأجركم على الله، وإما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو أعذر لكم عند الله".
فقال الأنصار : "يا أسعد، أمِطْ عنا يدك. فوالله لا نذر هذه البيعة ، ولا نستقيلها" ..
وهذا ديننا الآن قد صار إلى ما صار إليه في ذلك العهد : فالذي يختار هذا الدين وهذا الطريق فإن من حوله يناصبونه العداء ، ولا أقصد بالدين هنا : دين الدروشة والإرجاء ، وإنما أقصد الدين الحق الذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلّم ، والذي قال فيه ورقة بن نوفل "لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عُودِىَ" ، فهذا هو دين الأنبياء والأولياء والصدّيقين ، الدين الذي يُعلن صاحبه الحرب على الباطل : فلا مساومة ولا مداهنة ، ومن استمسك بهذا الدين اليوم : تحاربه العرب والعجم معاً !!
هذا هو دين الغرباء الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه جابر "إن الإسلام بدأ غريبًا ، وسيعود غريبًا ، فطوبى للغرباء ، قال: ومن الغرباء يا رسول الله ؟ قال : الذين يصلحون إذا فسد الناس" ، فإذا ترك الناس الأمر الأوّل : قيّض الله لهذا الدين "الغرباء" يُظهرون ما طُمس منه ، ويُصلحون ما أفسد الناس من معانيه ..
إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعرض على القبائل وظيفة حماية شخصه ، وإنما كان يعرض عليهم مسؤولية حماية هذا الدين وتبليغه للناس ومعاداة من يعاديه وموالاة من يواليه ، وبعد وفاته – صلى الله عليه وسلّم – بقيت راية هذا الدين يحملها الأولياء الأتقياء المؤمنون كابراً عن كابر ، يسكب الأشراف دمائهم أنهاراً ، وتتكسّر من أجله العظام ، وتُهشّم الجماجم فتتراكم كالجبال ، وتُحرق الأجساد فتُصبح رماداً ، وتُقطّع الأوصال لتبقى هذه الراية مركوزة في الأرض ، مهيبة الجنب ، لا يطمع فيها طامع ولا يقربها مُبغض ولا معاند ..
كانت الطليعة الأولى من الأنصار تتكوّن من ستّة شباب من المدينة (من الخزرج) لقيهم النبي صلى الله عليه وسلّم في منى وعرض عليهم الإسلام فأسرعوا الإجابة وكانوا نواة الدين في يثرب التي أصبحت بعد ذلك مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعاصمة الإسلام ..
لقد استحق الأنصار هذا اللقب لنُصرتهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم : باللسان والمال والقلب والسنان ، فكانوا من أهل الإيمان الذين أعلن النبيّ صلى الله عليه وسلّم إنتسابه إليهم ليزدادوا شرفاً على شرفهم ..
قال أبو الهيثم بن التَّيَّهَان ، في بيعة العقبة : "يا رسول الله ، إن بيننا وبين الرجال حبالًا ، وإنا قاطعوها (يعنى اليهود) فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ، ثم أظهرك الله إن ترجع إلى قومك وتدعنا ؟
قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال: "بل الدَّمُ الدَّمُ، والهَدْمُ الْهَدْمُ، أنا منكم وأنتم منى ، أحارب من حاربتم ، وأسالم من سالمتم)".
وأخرج الترمذي وحسنه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ألا إن عيبتي التي آوي إليها أهل بيتي ، وإن كرشي الأنصار ، فاعفوا عن مسيئهم واقبلوا من محسنهم".
وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : "قريش والأنصار وجهينة ومزينة وأسلم وغفار، موالي الله ورسوله لا مولى لهم غيره".
وأخرج أحمد عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ولأزواج الأنصار ولذراري الأنصار ، الأنصار كرشي وعيبتي ، ولو أن الناس أخذوا شعبا وأخذت الأنصار شعبا لأخذت شعب الأنصار ، ولولا الهجرة كنت امرأ من الأنصار".
وجاء في البخاري : عن عبد الله بن زيد بن عاصم قال: لما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين ، قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم ، ولم يعط الأنصار شيئا ، فكأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس ، فخطبهم فقال : "يا معشر الأنصار ، ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي ، وكنتم متفرقين فألفكم الله بي ، وكنتم عالة فأغناكم الله بي". كلما قال شيئا قالوا: الله ورسوله أمنّ ، قال : "ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم". قال: كلما قال شيئا قالوا الله ورسوله أمنّ ، قال : "لو شئتم قلتم : جئتنا كذا وكذا ، أترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير ، وتذهبون بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم ، لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار ، ولو سلك الناس واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبها ، الأنصار شعار والناس دثار ، إنكم ستلقون بعدي أثرة ، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض" ..
إن النصرة لا تكون بالكلام المجرّد ، بل الأفعال هي التي تُترجم الكلام إلى واقع يستحق فاعله مثل هذا التقدير والإحترام ، فقبل غزوة بدر : حينما فلتت عير قريش وكان لا بد من المواجهة بين المسلمين والكفار ، وكان الأنصار قد بايعوا النبي صلى الله عليه وسلّم على أن يمنعوه طالما بقي في المدينة ، وبعد أن تكلّم أبو بكر وعمر والمقداد رضي الله عنهم ، (والثلاثة من المهاجرين) ، قال النبي صلى الله عليه وسلم "أشيروا علىّ أيها الناس" وإنما يريد الأنصار ، ففطن إلى ذلك قائد الأنصار وسيدهم وحامل لوائهم سعد بن معاذ. فقال : والله ، ولكأنك تريدنا يا رسول الله ؟
قال: "أجل".
قال: فقد آمنا بك ، فصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة ، فامض يا رسول الله لما أردت ، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ، ما تخلف منا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا ، إنا لصُبُر في الحرب ، صُدَّق في اللقاء ، ولعل الله يريك منا ما تَقَرَّ به عينك، فسِرْ بنا على بركة الله.
وفي رواية أن سعد بن معاذ قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : لعلك تخشى أن تكون الأنصار ترى حقًا عليها ألا تنصرك إلا في ديارهم ، وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم : فاظعن حيث شئت ، وصِلْ حَبْل من شئت ، واقطع حبل من شئت ، وخذ من أموالنا ما شئت ، وأعطنا ما شئت ، وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت ، وما أمرت فيه من أمر فأمرنا تبع لأمرك ، فهو الله لئن سرت حتى تبلغ البرك من غِمْدان لنسيرن معك ، ووالله لئن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك" (انتهى) ..
وما كذب شاعر الإسلام حسان بن ثابت رضي الله عنه في وصف الأنصار (وما مثله يكذب) :
لا فخر إن هم أصابوا من عدوهم .... وإن أصيبوا فلا خور ولا هلع
إن الإستنصار لهذا الدين سنّة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، فهذا عيسى نبي الله يستنصر خواصّه لما رأى من إعراض قومه وكيدهم له ، قال تعالى {فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ ٱلْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِىۤ إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } (آل عمران : 52) ، قال مجاهد (من زاد المسير : بإختصار) : لما كفر به قومه ، وأرادوا قتله ، استنصر الحواريين. وقال غيره : لما كفروا به ، وأخرجوه من قريتهم ، استنصر الحواريين. وقيل: استنصرهم ، لإقامة الحق، وإظهار الحجة .. وجاء في معنى الحوايين بأنهم "المجاهدون" ، وأنشدوا :
ونحن أناس يملأ البيض هامنا .... ونحن حواريون حين نزاحف
جماجنا يوم اللقاء تراسنا .... إلى الموت نمشي ليس فينا تحانف
وهذا ديننا اليوم يستنصر أتباعه ..
لقد أمرنا تعالى بأن نكون أنصاراً لهذا الدين كما كان الحوايين أنصار له ، قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} [ سُورَةُ الصَّفِّ : 14 ]
قال ابن كثير رحمه الله تعالى " يقول تعالى آمراً عباده المؤمنين أن يكونوا أنصار الله في جميع أحوالهم بأقوالهم وأفعالهم وأنفسهم وأموالهم وأن يستجيبوا لله ولرسوله كما استجاب الحواريون لعيسى حين قال: {من أنصاري إلى الله} أي : من مُعيني في الدعوة إلى الله عز وجل ؟ {قال الحواريون} وهم أتباع عيسى عليه السلام {نحن أنصار الله} أي نحن أنصارك على ما أرسلت به وموازروك على ذلك ، ولهذا بعثهم دعاة إلى الناس في بلاد الشام في الإسرائيلين واليونانيين .. وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في أيام الحج: "من رجل يؤويني حتى أبلغ رسالة ربي فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ رسالة ربي" حتى قيض الله عز وجل له الأوس والخزرج من أهل المدينة فبايعوه ووازروه ، وشارطوه أن يمنعوه من الأسود والأحمر إن هو هاجر إليهم ، فلما هاجر إليهم بمن معه من أصحابه ، وفوا له بما عاهدوا الله عليه ، ولهذا سماهم الله ورسوله "الأنصار" وصار ذلك علماً عليهم رضي الله عنهم وأرضاهم. (انتهى) ..
لقد أكرم الله سبحانه وتعالى الأنصار أيما إكرام لنُصرتهم الدين والذب عن رسول رب العالمين ، فكان ما أُعطوا من الخير أضعاف أضعاف ما بذلوا ، وهذه سُنّة الله في عباده المؤمنين ، وهو من فضله وجوده وكرمه وسعة رحمته التي وسعت كل شيء ، فأوصى أمته في كتابه وعلى لسان نبيّة بمعرفة فضل هؤلاء الأنصار ..
أخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق ، ومن أحبهم أحبه الله ، ومن أبغضهم أبغضه الله".
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وحسنه والنسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر".
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار".
قال ابن تيمية رحمه الله " قول النبي صلى الله عليه وسلم "لا يُبْغِض الأنصارَ رجل يؤمن باللّه واليوم الآخر". وقوله "آية الإيمان حُبُّ الأنصار ، وآية النفاق بُغْضُ الأنصار" (البخاري) ، فإن من عَلم ما قامت به الأنصار من نصر اللّه ورسوله من أول الأمر ، وكان محباً للّه ولرسوله ، أحبهم قطعاً ، فيكون حبه لهم علامة الإيمان الذي في قلبه ، ومن أبغضهم لم يكن في قلبه الإيمان الذي أوجبه اللّه عليه .. (الفتاوى : ج7)
فهل في هذا الزمان من "أنصار" !! وهل من يمشي على خطى أولئك الأنصار ينال من الأجر والثواب ما ناله أولئك الأبرار !!
قال تعالى { وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } (التوبة : 100)
عن ابن زيد في قوله {والذين اتبعوهم بإحسان} قال: من بقي من اهل الإسلام إلى أن تقوم الساعة .. وأخرج أبو الشيخ عن عصمة رضي الله عنه قال: سألت سفيان عن التابعين قال : "هم الذين أدركوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يدركوا النبي صلى الله عليه وسلم" ، سألته عن الذين اتبعوهم بإحسان قال: "من يجيء بعدهم". قلت: إلى يوم القيامة ؟ قال: "أرجو".
جاء في تفسير ابن كثير رحمه الله "قال محمد بن كعب القرظي: مرّ عمر بن الخطاب برجل يقرأ هذه الاَية {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار} فأخذ عمر بيده فقال: من أقرأك هذا ؟ فقال : أبي بن كعب ، فقال: لا تفارقني حتى أذهب بك إليه ، فلما جاءه قال عمر : أنت أقرأت هذا هذه الاَية هكذا ؟ قال: نعم. قال: وسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: نعم. قال : لقد كنت أرى أنّا رفعنا رفعة لا يبلغها أحد بعدنا ، فقال أبيّ : تصديق هذه الاَية في أول سورة الجمعة {وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم} ، وفي سورة الحشر {والذين جاءوا من بعدهم} الاَية ، وفي الأنفال {والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا معكم} الاَية ، ورواه ابن جرير .. (انتهى) ..
ففي قول عمر رضي الله عنه " لقد كنت أرى أنّا رفعنا رفعة لا يبلغها أحد بعدنا" دليل على أنه فهم بأن من بعدهم ينالون من الرفعة ما ناله أنصار الإسلام الأوائل ..
روى الترمذي عن أبي أمية الشعباني قال : أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت له: كيف تصنع في هذه الاَية ؟ قال: أية آية ؟ قلت: قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} قال: أما والله لقد سألت عنها خبيراً ، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " .... فإن من ورائكم أياماً الصابر فيهن مثل القابض على الجمر ، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون كعملكم" ..... قيل: يا رسول الله ، أجر خمسين رجلاً منا أو منهم ؟ قال "بل أجر خمسين منكم" (قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب صحيح ، وكذا رواه أبو داود من طريق ابن المبارك ، ورواه ابن ماجة وابن جرير وابن أبي حاتم عن عتبة بن أبي حكيم) ..
في الجهاد الأفغاني الأول وفي الشيشان والبوسنة : كنّا نرى بأن الشباب الذين دخلوا إلى تلك البلاد من خارجها هم الأنصار ، لأنهم ذهبوا لنصرة إخوانهم استجابة لأمر ربهم { وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ}، وبعد أن حاربتهم الدول ومنعتهم من دخول بلادهم أصبحوا من المهاجرين في تلك الديار ، فاجتمعت لهم الهجرة والنُّصرة ، فكانوا سبّاقون إلى هذا الخير .. ولعل أكثر المجاهدين في زماننا هذا هم من المهاجرين : لأن أحدهم إذا عُلم أنه شارك في الجهاد فإنه يتعذّر عليه الرجوع إلى أهله لما يلقى من الحكومات المرتدّة من السجن والتعذيب وتسليمهم للكفّار !! فالمجاهد اليوم يعلم أنه يهجر أهله وماله وولده وبلده إذا خرج للجهاد ، وهذا كان حال المهاجرين الأولين ..
إن الهجرة باقية ما بقي الجهاد ، والجهاد باق إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة الدجال ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "إن الهجرة لا تنقطع ما دام الجهاد" (الحاكم وابن حبان .. صحيح وهو في صحيح الجامع برقم : 1987) ، وعن عبد الله بن السّعْديِّ رضي الله عنه ، قال: قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تنقطعُ الهجرَةُ ما قوتلَ العَدوُّ" (رواهُ النسائيُّ وصححه ابن حِبّان).
أما الأنصار : فهم أهل الديار وغيرهم من الذين يستقبلون المجاهدين ويُسكنونهم بيوتهم ويشاطرونهم أموالهم ويحفظون أهليهم ويُنفقون عليهم وينافحون عنهم ويحفظون حقهم ويبيّنون صواب جهادهم وخطأ من خالفهم ، فهؤلاء أنصار هذا الزمان ، وهم أنصار القلب والمال واللسان والسّنان ..
فهم أصناف:
فأهل الثغور من المسلمين الذين يؤوون المجاهدين ويعرفون لهم حقهم ويعينونهم على قتال عدوّهم : كأهل أفغانستان والشيشان وفلسطين والعراق ، ممن لا يجاهدون بأنفسهم لسبب من الاسباب ، فهؤلاء أنصار القلب والمال ..
والعلماء الصادعين بالحق ، والإعلاميين المخلصين والكُتّاب الذابين عن حُرمات المجاهدين المبيّنين للناس حقيقة أحكام الدين التي يريد الكفار طمسها وتغييبها عن سائر المسلمين ، فهؤلاء أنصار القلب واللسان ..
أما جّل الأمة فهم أنصار القلب الذين يُحبُّون نُصرة المجاهدين على الكفار والمنافقين والمرتدين ، ولكنهم لا يُنفقون ولا يتكلّمون (لأسباب كثيرة ليس هذا مجالها)..
أما أنصار القلب واللسان والمال والسنان فهم المجاهدون الذين يقاتلون مع المهاجرين أعداءَ هذا الدين من اليهود والنصارى والمنافقين ، فهؤلاء أنصار الإسلام في تلك الثغور ، وهم الذي يطبقون النصرة الكاملة كما كانت في عهد سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وعبد الله بن رواحة وغيرهم من سادات الأنصار ..
وانظروا إلى التطابق العجيب بين قول الأنصار في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبين أقوال سيّد الأنصار وأمير المؤمنين الملا محمد عمر مجاهد – أيده الله ونصرة وأصحابه - ، حيث قال "إذا سلمنا أسامة اليوم فسنجد المسلمين الذين ينادون الآن بتسليمه يقومون بعد ذلك بسبنا ولعننا لأننا قمنا بتسليمه. فهؤلاء أنفسهم سيتساءلون: لماذا ضحيتم بهيبة الإسلام ؟ لماذا ألبستم المسلمين لباس الخزي والعار " ، وقال "إننا نريد تطبيق دين الله في أرضه ، ونريد خدمة كلمة الله ، ونريد تنفيذ الأحكام الشرعية وحدود الله." ، وقال " وإننا نعلن للعالم أجمع أنا إن شاء الله لن نستكين ولن نلين وسنثبت بإذن الله الباري حتى يكون لنا إحدى الحسنيين إما النصر أو الشهادة ..."
فالأمر ليس أمر أسامة ، بل الأمر أمر هيبة هذا الدين ، والثبات على مبادئه ، ونُصرته بقوة وحزم وإصرار حتى النصر أو الشهادة ..
هناك من ينصر الإسلام بماله ، وهناك من ينصر الإسلام بوقته ، وهناك من ينصر الإسلام بعلمه ، وهناك من ينصر الإسلام بقلبه ، وهناك من هو خارج هذه المعادلة لا يفكّر في الإسلام وأهله ولا في نصرة الدين الذي ينتسب إليه ، وهو لاهٍ في جمع وحراسة ماله ، وهؤلاء حالهم كحال بقيّة جزيرة العرب في زمن النبي صلى الله عليه وسلم الذين كانوا في شُغل عن دعوته – صلى الله عليه وسلم – حتى عام الوفود : حين قويت شوكة الإسلام وظهر النبي صلى الله عليه وسلم على أهل الجزيرة ، عندها أقبل هؤلاء إلى المدينة ليبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام !! وأكثر هؤلاء ارتدوا بعد موته - صلى الله عليه وسلم – لأن الإسلام لم يخالج شغاف قلوبهم ولم يعرفوا حقيقته بعد ..
فهؤلاء الذين يقفون وقفة المتفرّج المنتظر لما تؤول إليه الأمور ، وعلى من تكون الدائرة : هؤلاء لم يتغلغل الإيمان في قلبهم ، فلم يشتغلوا بنُصرة دينهم ولا بدفع عدوّهم ، بل انشغلوا في لهوهم ولعبهم وغرورهم وأمانيّهم ، وهم يرون العدو وقد داهم بيوتهم وأخذ أموالهم وسبى نسائهم !!
إن الأنصاري من ينصر الإسلام في وقت الشدّة وفي أحلك الظروف ، أما وقت الرخاء والسعة فكلٌّ يدعي الوصْل بليلى ، وحتى عبد الله بن أبي بن سلول والجد بن قيس وأمثالهم ادعوا نصرة الإسلام في وقت السلام ، وإنما يُعرف أهل الإسلام حينما يخرس اللسان وينطق الحُسام ، حينما تُهدم المنازل وتُغرّد القنابل ، حينما تُمزّق الاشلاء وتُسفك الدماء ، عندها يتميّز الرجال من أشباههم ، ويبرز أهل الإيمان ويخنس غيرهم ، ويَعرف العقلاء حقيقة قول ربهم {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ} (البقرة : 214)
والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..
كتبه
حسين بن محمود
23 ذي القعدة 1425هـ
منقووووووول
الأنصار
الحمد الله الواحد القهّار ، الكبير المتعال ، ذو الكمال والجلال ، خالق الليل والنهار ، المُبغِض الكفر والكفّار ، المتولّي المؤمنين الأخيار ، ثم الصلاة والسلام على خير الأنام محمد بن عبد الله ، رسول الله ، المبعوث بين يدي الساعة بالحُسام ، وعلى آله وصحبه الطيّبين الأبرار ، وعلى من تبعهم بإحسان إلى أن يستقر الناس في دار القرار ، حيث جنّة أو نار .. أما بعد ..
جاء في النهاية ، في مادة نَصَرَ : "نَصره ينصره نصراً ، إذا أعانه على عدوّه وشد منه" (انتهى) .. وفي لسان العرب : "والأنصار ، أنصار النبي صلى الله عليه وسلم غلَبت عليهم الصفة فجرى مجرى الأسماء وصار كأنه إسم الحيّ ، ولذلك أضيف إليه بلفظ الجمع فقيل أنصاري .... والنُّصرة حُسن المعونة ، قال الله عز وجل {من كان يظن أن لن ينصُره الله في الدنيا والآخرة} المعنى : من ظن من الكفار أن الله لا يُظهر محمداً على الله عليه وسلم على من خالفه فليختنق غيظاً حتى يموت كمداً فإن الله عز وجل يُظهره ، ولا ينفعه غيظه وموته حنقاً" ... (انتهى مختصراً)
ولقب الأنصار اختاره الله تعالى لمن نصر دينه وذبّ عن شريعته بالنفس والنفيس ، أخرج ابن مردويه عن غيلان بن جرير ، قال: قلت لأنس بن مالك : هذا الأسم "الأنصار" ، أنتم سميتموه أنفسكم أو الله تعالى سمّاكم من السماء ؟ قال: الله تعالى سمانا من السماء .. (انتهى) ..
لو قارنا زماننا هذا بزمن النبي صلى الله عليه وسلم لرأينا تطابقاً عجيباً بين حالنا وحال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعرض هذا الأمر على القبائل في مكة في المواسم !! لقد كان عليه الصلاة السلام يطوف على القبائل علّه يجد من يقبل هذه الدعوة ويكون له شرف نصرة هذا الدين .. عرض النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر على قبائل شتى ، منها : بنو عامر بن صَعْصَعَة، ومُحَارِب بن خَصَفَة، وفزارة ، وغسان ، ومرّة ، وحنيفة ، وسليم ، وعَبْس ، وبنو نصر ، وبنو البَكَّاء ، وكِندة ، وكلب ، والحارث بن كعب ، وعُذْرَة ، والحضارمة ، فلم يستجب منهم أحد.
كانت هذه القبائل تعلم ما هي مُقدمة عليه ، وتعرف مآله القريب : فلما أتى النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني عامر بن صعصعة ودعاهم إلى الله ، وعرض عليهم نفسه ، قال أحدهم (بَيْحَرَة بن فِرَاس) : "والله ، لو إني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب" ، ثم قال: "أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك ، ثم أظهرك الله على من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك" ؟
قال النبي صلى الله عليه وسلم "الأمر إلى الله، يضعه حيث يشاء"
فقال له: أفَتُهْدَفُ نحورنا للعرب دونك ، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا ، لا حاجة لنا بأمرك ، فأبوا عليه. فكان هذا وغيره ممن عرض النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر عليهم يعلمون ما هم مقدمون عليه من معادة العرب وقتالهم ..
وفي بيعة العقبة أخذ أسعد بن زرارة - وهو أصغر سبعين كانوا في البيعة - بيد النبي صلى الله عليه وسلّم قبل ان يبايعه القوم ، فقال : "رويدا يا أهل يثرب ، إنا لم نضرب إليه أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله ، وأن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة ، وقتل خياركم ، وأن تعضكم السيوف، فإما أنتم تصبرون على ذلك فخذوه ، وأجركم على الله، وإما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو أعذر لكم عند الله".
فقال الأنصار : "يا أسعد، أمِطْ عنا يدك. فوالله لا نذر هذه البيعة ، ولا نستقيلها" ..
وهذا ديننا الآن قد صار إلى ما صار إليه في ذلك العهد : فالذي يختار هذا الدين وهذا الطريق فإن من حوله يناصبونه العداء ، ولا أقصد بالدين هنا : دين الدروشة والإرجاء ، وإنما أقصد الدين الحق الذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلّم ، والذي قال فيه ورقة بن نوفل "لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عُودِىَ" ، فهذا هو دين الأنبياء والأولياء والصدّيقين ، الدين الذي يُعلن صاحبه الحرب على الباطل : فلا مساومة ولا مداهنة ، ومن استمسك بهذا الدين اليوم : تحاربه العرب والعجم معاً !!
هذا هو دين الغرباء الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه جابر "إن الإسلام بدأ غريبًا ، وسيعود غريبًا ، فطوبى للغرباء ، قال: ومن الغرباء يا رسول الله ؟ قال : الذين يصلحون إذا فسد الناس" ، فإذا ترك الناس الأمر الأوّل : قيّض الله لهذا الدين "الغرباء" يُظهرون ما طُمس منه ، ويُصلحون ما أفسد الناس من معانيه ..
إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعرض على القبائل وظيفة حماية شخصه ، وإنما كان يعرض عليهم مسؤولية حماية هذا الدين وتبليغه للناس ومعاداة من يعاديه وموالاة من يواليه ، وبعد وفاته – صلى الله عليه وسلّم – بقيت راية هذا الدين يحملها الأولياء الأتقياء المؤمنون كابراً عن كابر ، يسكب الأشراف دمائهم أنهاراً ، وتتكسّر من أجله العظام ، وتُهشّم الجماجم فتتراكم كالجبال ، وتُحرق الأجساد فتُصبح رماداً ، وتُقطّع الأوصال لتبقى هذه الراية مركوزة في الأرض ، مهيبة الجنب ، لا يطمع فيها طامع ولا يقربها مُبغض ولا معاند ..
كانت الطليعة الأولى من الأنصار تتكوّن من ستّة شباب من المدينة (من الخزرج) لقيهم النبي صلى الله عليه وسلّم في منى وعرض عليهم الإسلام فأسرعوا الإجابة وكانوا نواة الدين في يثرب التي أصبحت بعد ذلك مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعاصمة الإسلام ..
لقد استحق الأنصار هذا اللقب لنُصرتهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم : باللسان والمال والقلب والسنان ، فكانوا من أهل الإيمان الذين أعلن النبيّ صلى الله عليه وسلّم إنتسابه إليهم ليزدادوا شرفاً على شرفهم ..
قال أبو الهيثم بن التَّيَّهَان ، في بيعة العقبة : "يا رسول الله ، إن بيننا وبين الرجال حبالًا ، وإنا قاطعوها (يعنى اليهود) فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ، ثم أظهرك الله إن ترجع إلى قومك وتدعنا ؟
قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال: "بل الدَّمُ الدَّمُ، والهَدْمُ الْهَدْمُ، أنا منكم وأنتم منى ، أحارب من حاربتم ، وأسالم من سالمتم)".
وأخرج الترمذي وحسنه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ألا إن عيبتي التي آوي إليها أهل بيتي ، وإن كرشي الأنصار ، فاعفوا عن مسيئهم واقبلوا من محسنهم".
وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : "قريش والأنصار وجهينة ومزينة وأسلم وغفار، موالي الله ورسوله لا مولى لهم غيره".
وأخرج أحمد عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ولأزواج الأنصار ولذراري الأنصار ، الأنصار كرشي وعيبتي ، ولو أن الناس أخذوا شعبا وأخذت الأنصار شعبا لأخذت شعب الأنصار ، ولولا الهجرة كنت امرأ من الأنصار".
وجاء في البخاري : عن عبد الله بن زيد بن عاصم قال: لما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين ، قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم ، ولم يعط الأنصار شيئا ، فكأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس ، فخطبهم فقال : "يا معشر الأنصار ، ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي ، وكنتم متفرقين فألفكم الله بي ، وكنتم عالة فأغناكم الله بي". كلما قال شيئا قالوا: الله ورسوله أمنّ ، قال : "ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم". قال: كلما قال شيئا قالوا الله ورسوله أمنّ ، قال : "لو شئتم قلتم : جئتنا كذا وكذا ، أترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير ، وتذهبون بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم ، لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار ، ولو سلك الناس واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبها ، الأنصار شعار والناس دثار ، إنكم ستلقون بعدي أثرة ، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض" ..
إن النصرة لا تكون بالكلام المجرّد ، بل الأفعال هي التي تُترجم الكلام إلى واقع يستحق فاعله مثل هذا التقدير والإحترام ، فقبل غزوة بدر : حينما فلتت عير قريش وكان لا بد من المواجهة بين المسلمين والكفار ، وكان الأنصار قد بايعوا النبي صلى الله عليه وسلّم على أن يمنعوه طالما بقي في المدينة ، وبعد أن تكلّم أبو بكر وعمر والمقداد رضي الله عنهم ، (والثلاثة من المهاجرين) ، قال النبي صلى الله عليه وسلم "أشيروا علىّ أيها الناس" وإنما يريد الأنصار ، ففطن إلى ذلك قائد الأنصار وسيدهم وحامل لوائهم سعد بن معاذ. فقال : والله ، ولكأنك تريدنا يا رسول الله ؟
قال: "أجل".
قال: فقد آمنا بك ، فصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة ، فامض يا رسول الله لما أردت ، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ، ما تخلف منا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا ، إنا لصُبُر في الحرب ، صُدَّق في اللقاء ، ولعل الله يريك منا ما تَقَرَّ به عينك، فسِرْ بنا على بركة الله.
وفي رواية أن سعد بن معاذ قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : لعلك تخشى أن تكون الأنصار ترى حقًا عليها ألا تنصرك إلا في ديارهم ، وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم : فاظعن حيث شئت ، وصِلْ حَبْل من شئت ، واقطع حبل من شئت ، وخذ من أموالنا ما شئت ، وأعطنا ما شئت ، وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت ، وما أمرت فيه من أمر فأمرنا تبع لأمرك ، فهو الله لئن سرت حتى تبلغ البرك من غِمْدان لنسيرن معك ، ووالله لئن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك" (انتهى) ..
وما كذب شاعر الإسلام حسان بن ثابت رضي الله عنه في وصف الأنصار (وما مثله يكذب) :
لا فخر إن هم أصابوا من عدوهم .... وإن أصيبوا فلا خور ولا هلع
إن الإستنصار لهذا الدين سنّة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، فهذا عيسى نبي الله يستنصر خواصّه لما رأى من إعراض قومه وكيدهم له ، قال تعالى {فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ ٱلْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِىۤ إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } (آل عمران : 52) ، قال مجاهد (من زاد المسير : بإختصار) : لما كفر به قومه ، وأرادوا قتله ، استنصر الحواريين. وقال غيره : لما كفروا به ، وأخرجوه من قريتهم ، استنصر الحواريين. وقيل: استنصرهم ، لإقامة الحق، وإظهار الحجة .. وجاء في معنى الحوايين بأنهم "المجاهدون" ، وأنشدوا :
ونحن أناس يملأ البيض هامنا .... ونحن حواريون حين نزاحف
جماجنا يوم اللقاء تراسنا .... إلى الموت نمشي ليس فينا تحانف
وهذا ديننا اليوم يستنصر أتباعه ..
لقد أمرنا تعالى بأن نكون أنصاراً لهذا الدين كما كان الحوايين أنصار له ، قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} [ سُورَةُ الصَّفِّ : 14 ]
قال ابن كثير رحمه الله تعالى " يقول تعالى آمراً عباده المؤمنين أن يكونوا أنصار الله في جميع أحوالهم بأقوالهم وأفعالهم وأنفسهم وأموالهم وأن يستجيبوا لله ولرسوله كما استجاب الحواريون لعيسى حين قال: {من أنصاري إلى الله} أي : من مُعيني في الدعوة إلى الله عز وجل ؟ {قال الحواريون} وهم أتباع عيسى عليه السلام {نحن أنصار الله} أي نحن أنصارك على ما أرسلت به وموازروك على ذلك ، ولهذا بعثهم دعاة إلى الناس في بلاد الشام في الإسرائيلين واليونانيين .. وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في أيام الحج: "من رجل يؤويني حتى أبلغ رسالة ربي فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ رسالة ربي" حتى قيض الله عز وجل له الأوس والخزرج من أهل المدينة فبايعوه ووازروه ، وشارطوه أن يمنعوه من الأسود والأحمر إن هو هاجر إليهم ، فلما هاجر إليهم بمن معه من أصحابه ، وفوا له بما عاهدوا الله عليه ، ولهذا سماهم الله ورسوله "الأنصار" وصار ذلك علماً عليهم رضي الله عنهم وأرضاهم. (انتهى) ..
لقد أكرم الله سبحانه وتعالى الأنصار أيما إكرام لنُصرتهم الدين والذب عن رسول رب العالمين ، فكان ما أُعطوا من الخير أضعاف أضعاف ما بذلوا ، وهذه سُنّة الله في عباده المؤمنين ، وهو من فضله وجوده وكرمه وسعة رحمته التي وسعت كل شيء ، فأوصى أمته في كتابه وعلى لسان نبيّة بمعرفة فضل هؤلاء الأنصار ..
أخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق ، ومن أحبهم أحبه الله ، ومن أبغضهم أبغضه الله".
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وحسنه والنسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر".
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار".
قال ابن تيمية رحمه الله " قول النبي صلى الله عليه وسلم "لا يُبْغِض الأنصارَ رجل يؤمن باللّه واليوم الآخر". وقوله "آية الإيمان حُبُّ الأنصار ، وآية النفاق بُغْضُ الأنصار" (البخاري) ، فإن من عَلم ما قامت به الأنصار من نصر اللّه ورسوله من أول الأمر ، وكان محباً للّه ولرسوله ، أحبهم قطعاً ، فيكون حبه لهم علامة الإيمان الذي في قلبه ، ومن أبغضهم لم يكن في قلبه الإيمان الذي أوجبه اللّه عليه .. (الفتاوى : ج7)
فهل في هذا الزمان من "أنصار" !! وهل من يمشي على خطى أولئك الأنصار ينال من الأجر والثواب ما ناله أولئك الأبرار !!
قال تعالى { وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } (التوبة : 100)
عن ابن زيد في قوله {والذين اتبعوهم بإحسان} قال: من بقي من اهل الإسلام إلى أن تقوم الساعة .. وأخرج أبو الشيخ عن عصمة رضي الله عنه قال: سألت سفيان عن التابعين قال : "هم الذين أدركوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يدركوا النبي صلى الله عليه وسلم" ، سألته عن الذين اتبعوهم بإحسان قال: "من يجيء بعدهم". قلت: إلى يوم القيامة ؟ قال: "أرجو".
جاء في تفسير ابن كثير رحمه الله "قال محمد بن كعب القرظي: مرّ عمر بن الخطاب برجل يقرأ هذه الاَية {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار} فأخذ عمر بيده فقال: من أقرأك هذا ؟ فقال : أبي بن كعب ، فقال: لا تفارقني حتى أذهب بك إليه ، فلما جاءه قال عمر : أنت أقرأت هذا هذه الاَية هكذا ؟ قال: نعم. قال: وسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: نعم. قال : لقد كنت أرى أنّا رفعنا رفعة لا يبلغها أحد بعدنا ، فقال أبيّ : تصديق هذه الاَية في أول سورة الجمعة {وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم} ، وفي سورة الحشر {والذين جاءوا من بعدهم} الاَية ، وفي الأنفال {والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا معكم} الاَية ، ورواه ابن جرير .. (انتهى) ..
ففي قول عمر رضي الله عنه " لقد كنت أرى أنّا رفعنا رفعة لا يبلغها أحد بعدنا" دليل على أنه فهم بأن من بعدهم ينالون من الرفعة ما ناله أنصار الإسلام الأوائل ..
روى الترمذي عن أبي أمية الشعباني قال : أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت له: كيف تصنع في هذه الاَية ؟ قال: أية آية ؟ قلت: قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} قال: أما والله لقد سألت عنها خبيراً ، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " .... فإن من ورائكم أياماً الصابر فيهن مثل القابض على الجمر ، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون كعملكم" ..... قيل: يا رسول الله ، أجر خمسين رجلاً منا أو منهم ؟ قال "بل أجر خمسين منكم" (قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب صحيح ، وكذا رواه أبو داود من طريق ابن المبارك ، ورواه ابن ماجة وابن جرير وابن أبي حاتم عن عتبة بن أبي حكيم) ..
في الجهاد الأفغاني الأول وفي الشيشان والبوسنة : كنّا نرى بأن الشباب الذين دخلوا إلى تلك البلاد من خارجها هم الأنصار ، لأنهم ذهبوا لنصرة إخوانهم استجابة لأمر ربهم { وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ}، وبعد أن حاربتهم الدول ومنعتهم من دخول بلادهم أصبحوا من المهاجرين في تلك الديار ، فاجتمعت لهم الهجرة والنُّصرة ، فكانوا سبّاقون إلى هذا الخير .. ولعل أكثر المجاهدين في زماننا هذا هم من المهاجرين : لأن أحدهم إذا عُلم أنه شارك في الجهاد فإنه يتعذّر عليه الرجوع إلى أهله لما يلقى من الحكومات المرتدّة من السجن والتعذيب وتسليمهم للكفّار !! فالمجاهد اليوم يعلم أنه يهجر أهله وماله وولده وبلده إذا خرج للجهاد ، وهذا كان حال المهاجرين الأولين ..
إن الهجرة باقية ما بقي الجهاد ، والجهاد باق إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة الدجال ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "إن الهجرة لا تنقطع ما دام الجهاد" (الحاكم وابن حبان .. صحيح وهو في صحيح الجامع برقم : 1987) ، وعن عبد الله بن السّعْديِّ رضي الله عنه ، قال: قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تنقطعُ الهجرَةُ ما قوتلَ العَدوُّ" (رواهُ النسائيُّ وصححه ابن حِبّان).
أما الأنصار : فهم أهل الديار وغيرهم من الذين يستقبلون المجاهدين ويُسكنونهم بيوتهم ويشاطرونهم أموالهم ويحفظون أهليهم ويُنفقون عليهم وينافحون عنهم ويحفظون حقهم ويبيّنون صواب جهادهم وخطأ من خالفهم ، فهؤلاء أنصار هذا الزمان ، وهم أنصار القلب والمال واللسان والسّنان ..
فهم أصناف:
فأهل الثغور من المسلمين الذين يؤوون المجاهدين ويعرفون لهم حقهم ويعينونهم على قتال عدوّهم : كأهل أفغانستان والشيشان وفلسطين والعراق ، ممن لا يجاهدون بأنفسهم لسبب من الاسباب ، فهؤلاء أنصار القلب والمال ..
والعلماء الصادعين بالحق ، والإعلاميين المخلصين والكُتّاب الذابين عن حُرمات المجاهدين المبيّنين للناس حقيقة أحكام الدين التي يريد الكفار طمسها وتغييبها عن سائر المسلمين ، فهؤلاء أنصار القلب واللسان ..
أما جّل الأمة فهم أنصار القلب الذين يُحبُّون نُصرة المجاهدين على الكفار والمنافقين والمرتدين ، ولكنهم لا يُنفقون ولا يتكلّمون (لأسباب كثيرة ليس هذا مجالها)..
أما أنصار القلب واللسان والمال والسنان فهم المجاهدون الذين يقاتلون مع المهاجرين أعداءَ هذا الدين من اليهود والنصارى والمنافقين ، فهؤلاء أنصار الإسلام في تلك الثغور ، وهم الذي يطبقون النصرة الكاملة كما كانت في عهد سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وعبد الله بن رواحة وغيرهم من سادات الأنصار ..
وانظروا إلى التطابق العجيب بين قول الأنصار في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبين أقوال سيّد الأنصار وأمير المؤمنين الملا محمد عمر مجاهد – أيده الله ونصرة وأصحابه - ، حيث قال "إذا سلمنا أسامة اليوم فسنجد المسلمين الذين ينادون الآن بتسليمه يقومون بعد ذلك بسبنا ولعننا لأننا قمنا بتسليمه. فهؤلاء أنفسهم سيتساءلون: لماذا ضحيتم بهيبة الإسلام ؟ لماذا ألبستم المسلمين لباس الخزي والعار " ، وقال "إننا نريد تطبيق دين الله في أرضه ، ونريد خدمة كلمة الله ، ونريد تنفيذ الأحكام الشرعية وحدود الله." ، وقال " وإننا نعلن للعالم أجمع أنا إن شاء الله لن نستكين ولن نلين وسنثبت بإذن الله الباري حتى يكون لنا إحدى الحسنيين إما النصر أو الشهادة ..."
فالأمر ليس أمر أسامة ، بل الأمر أمر هيبة هذا الدين ، والثبات على مبادئه ، ونُصرته بقوة وحزم وإصرار حتى النصر أو الشهادة ..
هناك من ينصر الإسلام بماله ، وهناك من ينصر الإسلام بوقته ، وهناك من ينصر الإسلام بعلمه ، وهناك من ينصر الإسلام بقلبه ، وهناك من هو خارج هذه المعادلة لا يفكّر في الإسلام وأهله ولا في نصرة الدين الذي ينتسب إليه ، وهو لاهٍ في جمع وحراسة ماله ، وهؤلاء حالهم كحال بقيّة جزيرة العرب في زمن النبي صلى الله عليه وسلم الذين كانوا في شُغل عن دعوته – صلى الله عليه وسلم – حتى عام الوفود : حين قويت شوكة الإسلام وظهر النبي صلى الله عليه وسلم على أهل الجزيرة ، عندها أقبل هؤلاء إلى المدينة ليبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام !! وأكثر هؤلاء ارتدوا بعد موته - صلى الله عليه وسلم – لأن الإسلام لم يخالج شغاف قلوبهم ولم يعرفوا حقيقته بعد ..
فهؤلاء الذين يقفون وقفة المتفرّج المنتظر لما تؤول إليه الأمور ، وعلى من تكون الدائرة : هؤلاء لم يتغلغل الإيمان في قلبهم ، فلم يشتغلوا بنُصرة دينهم ولا بدفع عدوّهم ، بل انشغلوا في لهوهم ولعبهم وغرورهم وأمانيّهم ، وهم يرون العدو وقد داهم بيوتهم وأخذ أموالهم وسبى نسائهم !!
إن الأنصاري من ينصر الإسلام في وقت الشدّة وفي أحلك الظروف ، أما وقت الرخاء والسعة فكلٌّ يدعي الوصْل بليلى ، وحتى عبد الله بن أبي بن سلول والجد بن قيس وأمثالهم ادعوا نصرة الإسلام في وقت السلام ، وإنما يُعرف أهل الإسلام حينما يخرس اللسان وينطق الحُسام ، حينما تُهدم المنازل وتُغرّد القنابل ، حينما تُمزّق الاشلاء وتُسفك الدماء ، عندها يتميّز الرجال من أشباههم ، ويبرز أهل الإيمان ويخنس غيرهم ، ويَعرف العقلاء حقيقة قول ربهم {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ} (البقرة : 214)
والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..
كتبه
حسين بن محمود
23 ذي القعدة 1425هـ
منقووووووول