تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : دور المرأة في خدمة الإسلام



mernoir
24-12-2005, 12:10 AM
إننا بحاجة جد والله ماسة إلى نوعية خاصة من النساء، نساء يحملن همَّ هذا الدين، يحملن همَّ العمل للدين، بحيث يسيطرُ على الوجدان، ويستحوذُ على التفكير، فيصبح الإسلامُ والعمل له هو شغلها الشاغل، وفكرها الذي لا تبتغي عنه حولا، إننا حينما نجد هذه النوعيةَ من النساء فإنه سيعود للأمة عزُها التليد، ونصرها المجيد، فإن شبابا تربوا في أحضان تلك الأمهات فإنهم سيحققون إنجازات أشبه بالخيال، كيف لا؛ وهم قد رضعوا همَّ العمل للدين من لبان أمهاتهم .

دعونا نعودُ إلى الوراء قليلا قليلا لنرى ونقف على نساء العصر الفريد، عصر النبوة والتي كانت نسائه يتوقدن حماسا وغيرة وحمية لهذا الدين، لا تقلُ عن الرجال اندفاعا وتضحية وجرأة في سبيل الله.

لقد نزل هذا الدينُ ولم يكن بالصدفة أن يكون أول مصدق ببعثة النبي- صلى الله عليه وسلم-، أو من أولهم خديجة- رضي الله عنها-، ولقد كانت لها مواقف مشرقة في تثبيت قلب النبي- صلى الله عليه وسلم- فهي التي آمنت به إذ كفر الناس، وصدقته إذ كذبه الناس، وواسته بمالها إذ حرمه الناس، قدم إليها النبي- صلى الله عليه وسلم- فزعا وجلا عندما جاءه جبريلُ- عليه السلام- بالوحي فقال لها: إني خشيت على نفسي، قالت : كلا؛ والله لا يخزيك الله، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكْسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق لقد كان لها دورٌ لا ينسى، ومآثر لا تطوى- رضي الله عنها وأرضها- فأي خدمة أسدتها هذه المرأة العظيمة للإسلام والمسلمين ؟!

وأي جهاد قامت به لمساعدة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في أحلك الظروف التي واجهته، ولما غادر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وصاحبُه مكة ، وتواريا عن الأنظار في الغار الجاثم على قمة جبل ثور، كانت تحمل إليهما الطعام والماء وأخبارَ القوم المتربصين، صبيّة ناشئة، هي أسماءُ بنت أبي بكر الصديق- رضي الله عنهما- لقد كانت تقطع المسافة الطويلة بين مكة وجبل ثور في جوف الليل، لم يثنها عن مهمتها وحشة الطريق، ووعورة المسلك، وترصد الأعداء، لأنها كانت تعلم أن في استنقاذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وصاحبه، وإنجاح مقصدهما ووصولهما إلى دار الهجرة، نصرةً لدين الله، وإعلاءً لكلمته، وإظهاراً للحق وجنده، ومن ثم كانت تقوم بمهمتها الصعبة هذه كلَ يوم،ماشيةً متخفيةً، حذرةً مترقبة، فتصعد قمةَ الجبل، حتى تُوافي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وصاحبه بما تحمل من زاد وأخبار، ثم تعود أدراجَها إلى مكةَ تحت رداء الليل الأسود البهيم .

ولم تكن هذه المهمة التي يعجز عنها أشداءُ الرجال كلَّ ما أدته أسماء نحو دينها ونصرة رسوله- صلى الله عليه وسلم- بل تعرضت لمحنة قاسية، ثبتت فيها ثباتَ الجبال الراسيات، يوم أحاط بها رجال من المشركين، يسألونها عن أبيها، فأنكرت أمره، وتجاهلت خبرَه ، فأمعنوا في الشدة عليها، حتى إن أبا جهل لطمها لطمة أطارت قرطها من أذنها، فلم يوهنْ ذلك من عزيمتها، ولم يفلَّ من تصميمها على الاحتفاظ بسرها المكنون .

وإن التاريخ لم ينس لأسماء ذاك العمل اليسير الذي قدمته لدينها فلقبت به، ذاتَ النطاقين، فإنها لما جهزت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر جهازَهما للهجرة جمعت سفرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التي فيها طعامُه، والسقا الذي فيه شرابُه ثم جاءت لتحملَها ، فلم تجد ما تربطُ به السفرة والسقا، فعمدت إلى نطاقها، فشقته نصفين فربطت بأحدهما السفرة وبالآخر السقا !!. فأبت إلا أن تقدم للدين، ولو كانت لا تملك إلا نطاقَها، فلتبذله للدين، فهذا جهدُها، وتلك طاقتُها .

بل إن هذا النمط الفذ من النساء المسلمات كن يستعذبن العذاب في سبيل الله، وإعزاز دينه، ولا يفتأن يدعون إلى الإسلام، غير آبهات بما يلقين في طريق دعوتهن من أشواك وآلام ومحن، فهذه أم شريك- رضي الله عنها- لما وقع الإسلامُ في قلبها وهي بمكة أسلمت ثم جعلت تدخل على نساء قريش سراً، فتدعوهن وترغبهن في الإسلام، حتى ظهر أمرُها لأهل مكة، فأخذوها وقالوا لها: لولا قومك لفعلنا بك وفعلنا، ولكنا سنردك إليهم، قالت: فحملوني على بعير ليس تحتي شيء موطأ ولا غيرُه، ثم تركوني ثلاثا، لا يطعموني ولا يسقوني، قالت: فما أتت عليّ ثلاث حتى ما في الأرض شيء أسمعه، وكانوا إذا نزلوا أوثقوني في الشمس، واستظلوا، وحبسوا عني الطعامَ والشرابَ حتى يرتحلوا .

ولقد كانت هموم نساء ذلك الجيل والذي يستحوذ على تفكيرهن ويختلج في صدورهن الاهتمامَ بالعلم والاستزادة منه، والاستضاءة بنور الحق، فما كن يفكرن في موضة، ولا يخطر ببالهن قصة، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أَبي سَعيد- رضي الله عنه- قال : (( جَاءَت امْرَأَةٌ إلَى رَسُول اللَّه- صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّه ذَهَبَ الرّجَالُ بحَديثكَ فَاجْعَلْ لَنَا منْ نَفْسكَ يَوْمًا نَأْتيكَ فيه تُعَلّمُنَا ممَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ فَقَالَ اجْتَمعْنَ في يَوْم كَذَا وَكَذَا في مَكَان كَذَا وَكَذَا فَاجْتَمَعْنَ فَأَتَاهُنَّ رَسُولُ اللَّه- صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ- فَعَلَّمَهُنَّ ممَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ )) .

وبعد فهذه صفحات مشرقات من تاريخ المرأة المسلمة، سطرتها أولئك النساء الفضليات بصدق إيمانهن، وعميق وعيهن، وواسع إدراكهن لرسالة المرأة المسلمة في الحياة، وواجبها نَحو دينها، وإنها لصفحات معدودات من سجل ضخم، حافل بالشمائل الرفيعة، والتضحيات النادرة، والمواقف الرائعة، والعزائم الشمّاء، والإيمان العميق، ولا ريب أن المرأةَ المسلمةَ الواعيةَ اليوم تجد في مثل هذه الصفحات الغراء من سير أولئك الفضليات من النساء المسلمات نموذجا يحتذى، ونبراساً يستضاء به، ومثالا حيا ناطقا، تحرص على التأسي به في تكوين شخصيتها المسلمة المعاصرة .

كلُ بطولة صنعها الرجالُ في تاريخ الإسلام، كان للنساء فيها دور مشرف، إن الرجال الذين صنعوا تلك البطولات التي يتعطر بها تاريخُنا، تربوا على أيدي نساء غرسن في نفوسهم تلك المثل، إن الرجال الذين كانوا ينطلقون ألوفا كتائب تطوي الأرض تحت أقدامهم، ويطوي بساط الكفر أمامَ جحافلهم، كانوا يأوون إلى بيوت فيها نساءٌ كن عونا لهم على ذلك .

إن المرأة كانت شريكةً في كل عمل أنجزته الأمة، يوم كانت تؤوي أولئك الرجال فتكون عونا لهم على كل خير .

أما اليوم فنحن أشد ما نكون بحاجة إلى أن تعيَ النساءُ التي تضج قلوبهُن بمعاني الخير، ضخامةَ الدور الذي ينبغي أن ينجزنه في هذا المجتمع الذي يضطرب محنا ويموج فتنا، ولذا سيكون حديثي مركزا حول وقفات ثلاث :

الوقفة الأولى

ينبغي أن تتميز المرأةُ المسلمةُ الملتزمةُ بسلوكياتها بعامة، تتميز في شخصيتها، تتميز باهتمامها، تتميز بمظهرها، تتميز في تفكيرها، إنها امرأة تحمل ديناً يؤهلها للتميز، ليست إمعة تتحول إلى سلة كبيرة لنفايات الغرب، والتي أصبحت تصل إلينا سريعا، تصل إلينا طرائقُهم في لباسهم، طرائقُهم في تسريح شعورهم، واهتماماتهم الدنيئة، وطموحاتهم الرخيصة، كلُها تصل تباعا من غير انقطاع، إن المرأةَ التي يصبح لها تميزُها الذي يحررها من هذه التبعية تكون قد قطعت مشوارا كبيرا أو حققت إنجازا عظيما .

الوقفة الثانية

على المرأة أن تقوم بمسئوليتها الرئيسية والتي هي :

أولاً : أن تكون عوناً لأهل بيتها على طاعة الله تعالى: فيأوي الرجالُ إلى بيوت تتلى فيها آياتُ الله والحكمةُ، بيوت يؤوي إليها الرجل فيذكر الله تعالى، ويخرج منها فيذكر الله، بيوت إذا دخلها الرجلُ لم تنقطع اهتماماتُه، إن هذا النوع من البيوت هو الذي خرج منه أولئك الرجال الذين صنعوا تلك الإنجازات العظيمةَ، كان الرجلُ يخرج من بيته إلى عمله، إلى سوقه ، فتتبعه امرأته معه إلى الباب حتى إذا وصل إلى الباب خاطبته قائلة: يا عبد الله: اتق الله فينا، فإننا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار، فلا تطعمنا إلا حلالا !! كان الرجل يؤوي إلى بيوت كانت عونا لهم على طاعة الله، عونا لهم على العمل لهذا الدين، ما كان الرجل يدخل إلى بيته فيحقق معه كأنما هو في جلسة تحقيق، وإنما كان رجلا يتشرف إلى كل عمل يقوم لهذا الدين .

ثانياً : على المرأة أن تمارس دورها الفعلي الحقيقي في تربية الأبناء: وأن تتحرر من الأسلوب الساذج، بالتربية القاصرة على إعداد الطعام، وتزين اللباس، ومراجعة الدروس؛ عند من تحسن القراءة والكتابة، يبدأ الدور هنا وينتهي هناك، أين غرسُ المعاني الجليلة في نفس الطفل ؟! منذ أن يولدَ وينشأَ يغرس في نفوس الأبناء إجلالُ الله وتعظيمُه، ومحبةُ رسوله- صلى الله عليه وسلم- وتوقيرُه، المعاني العظيمة في أسلوب الحب في الله والبغض في الله، حب من يحبه الله، وبغض من يبغضه الله، ويغرس في نفس الطفل منذ نعومة أظفاره بشاعةَ الحرام وفظاعتَه، يغرس فيه الدور المنتظر منه لخدمة دينه وأمته، وأن يقدم شيئا لهذا الدين، تقدم له تلك المعاني بصورة ميسرة، وتوضح له كلما اتسعت دائرةُ أفقه، لقد كان أبناءُ الصحابة يعُون هذا الأمرَ منذ نعومة أظفارهم، كانوا أطفالا يعرفون معنى الحب في الله، والبغض في الله، ويعرفون معنى القتال في سبيل الله، والجهاد لإعلاء كلمة الله، كان الآباءُ والأمهاتُ يصنعون هذه في نفوس الأطفال !! أين هم من أطفال اليوم الذين لا يجيدون في الغالب سوى اللعب بالرسوم المتحركة، ومشاهدة أفلام الكرتون، لقد خرج الزبيرُ ابنُ العوام بابنه عبدالله إلى معركة اليرموك، واركبه فرسا وأوكل به رجلا يمسك الفرس حتى لا يقتحمَ المعركة !! وكان عمره آنذاك إثنتي عشرة سنة، أي في عمر طفل في الصف السادس الابتدائي، واليوم نخاف عليه أن ينظر إلى دجاجة تذبح حتى لا يصاب بالفزع والخوف فلا ينام في ليله، يذهب الزبيرُ بولده ليرى السيوفَ تشهر، والرقاب تقطع، والأشلاءَ تمزق، ويعلم أن كلَّ هذا من أجل هذا الدين، وأن هؤلاء يموتون فيدخلون الجنة، وأولئك يقتلون لأنهم يدعون مع الله إلها آخر !! ولذا تضخمت في نفوسهم هذه الأمور، فكانوا رجالا في سن الأطفال، هذا سعدُ بن أبي وقاص يقول: عُرض أخي عمير بنُ أبي وقاص على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يومَ بدر، فنظر إليه الرسول- صلى الله عليه وسلم- وصعّد فيه نظَره، فإذا فتى صغير السن لا يليق بالقتال، قال: ردوه، فُرد الصبي، قال سعد: فلما أدبر عمير جعل يبكي لأنه شعر أن صغره قد فوت عليه فرصةَ العمل لهذا الدين، فلما رأه النبي- صلى الله عليه وسلم- يبكي رحمه وأذن له، قال سعد : فلقد عقدت عليه حمائل سيفه !! فعقد أخوه سعد السيف عليه حتى يستطيع حمله .

الوقفة الثالثة

علينا أيتها الأخوات : بثُ الوعي في صفوف النساء، إننا وبخاصة في مجتمع النساء في مواجهة هجمة شرسة من وسائل الإعلام على تنوعها، تطرح مفاهيمَ غربية، واطروحات مغلوطة، تقصف من خلالها مسلمات ديننا، وتهدفُ إلى تغيير مفاهيم عميقة في النفوس واجتثاثها .

وإذا لم توجد مواجهه من داخل صفوف النساء أنفسهن في بث الوعي، وترسيخ المفاهيم، فإن الكارثةَ ستكون ضخمةً، فإن النساء أبصرُ بالنساء، وهن أدرى بما يدور بينهن، وأدرى بأحاديثهن، والنساءُ أكثر تقبلا من بعضهن، فينبغي على امرأة وجدت نعيم الطاعة ولذةَ الهداية، وعرفت ضياءَ الحقيقة أن تتحملَ المسؤوليةَ في إبلاغ ذلك .

أيتها الأخوات : إن حضورَ المرأة الملتزمة في أي مجتمع نسائي ينبغي أن يكون حضورا إيجابيا، بمعنى أن يكون لها هيمنة على الحديث فلا تسمح بالحديث المغلوط، ولا الأحاديث التافهة، وتبرز بالطريقة المحببة المؤثرة المفاهيم الضخمة التي تتشرف بحملها .

إننا نعجب ويتضاعف عجُبنا عندما نعلم أنه توجد طفيليات في مراكز تعليميةٍ حساسة تحمل جراثيمَ فكرية، لا تمل من تكريرها، وترديدها على الفتيات، بل ليسوؤنا أن نعلم أن هناك عصابةً منهن تمثل إرهاباً فكريا في جامعاتنا، فأين دورُ الفتاة التي تحمل معها المفاهيم العظيمة، والقيم النورانية الربانية، لماذا لا يكون في صفوف الفتيات صمودٌ أمامَ هذه النوعيات لتُجتث من جذورها، وتوأد في جحورها ؟!!

ينبغي أيتها الأخوات : أن نستشعَر هذه المسؤولية وهي أن تتحملَ كلٌ امرأة ملتزمة مسؤولياتها في كل مجتمع تجلس فيه .

إن الذي نعلمه ويصل إلينا أن مجالسَ النساء تطفح بالأحاديث التافهة، والأفكار الرذيلة، والغيبة والنميمة، وإن أقدر من يستطيعُ إنكارَ ذلك والسيطرة عليه هن النساءُ أنفسُهن، فتوضح لهن أن هناك قضايا أكبر من متابعة الموضة والإقبال على كل جديد منها، حتى أصبحت كأنها مصدرٌ من مصادر التشريع، أما إننا لا نحرمُ زينةَ الله التي أنزلها الله لعباده، ولكن قد جعل اللهُ لكل شيء قدرا، ولكل شيءٍ حدودُه، ولكل أمر مساقُه الذي ينبغي ألا يطغى على غيره من الأمور .