المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الطريقة والأسلوب:



rajaab
03-01-2006, 03:22 PM
الطريقة والأسلوب:

السؤال الذي يُطرح الآن هو: هل كل ما فعله الرسول r أو قاله أثناء سيره في مكة يعتبر وحياً له من الله، وبالتالي هو واجب الالتزام به؟ أو أن هناك أفعالاً وأقوالاً ليست من الوحي ولا تدخل في مجال وجوب التأسي؟.

وهنا يأتي بحث الطريقة والأسلوب والوسيلة.

ويُطرح سؤال آخر أيضاً هو: هل يصح الحكم على الطريقة ( التي هي مجموعة أحكام شرعية وليست أساليب ) بأنها خاضعة للتجربة، فإن أثمرت بعد تجربتها فترة من الزمن حكمنا بصحتها ، وإلاّ كانت خاطئة؟.

في شأن الموضوع الأول:

نقول: ان الله سبحانه وتعالى قد طلب من المسلمين اتباع الرسول r والتأسي به في كل ما يقول ويعمل. قال تعالى: ]وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى @ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى[ وقال تعالى: ]وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا[ و (ما) هي من ألفاظ العموم ، وعليه فإنه لا يخرج أي شيء آتانا إياه رسول الله r (أي بلغنا إياه) عن دائرة الاتباع والتأسي إلا أن يأتي الدليل الشرعي الذي يخصص هذا العموم.

وقد أتت بعض الأدلة التي تستثني من الاتباع بعض أقواله وأفعاله من مثل:

- حديث الرسول r: «أنتم أعلم بأمر دنياكم» [رواه مسلم] فأمور الدنيا من مثل الزراعة والتصنيع والاختراعات ودراسات الطب والهندسة، فهذه كلها لا تدخل تحت الوحي. والرسول r قد أرشدنا إلى أنه في هذه الأمور هو بشر كغيره ولا ميزة له في ذلك. كما بين ذلك r في حادثة تأبير النخل.

- الأفعال التي ثبت كونها من خصوصياته r لا يشاركه فيها أحد وذلك كاختصاصه بوجوب الضحى وإباحة الوصال في الصوم، وإباحة تزوجه بأكثر من أربع نسوة، ونحو ذلك مما ثبت أنه خاص بالرسول r ولا يجوز الاقتداء فيها بالنبي r.

- الأفعال الجِبِلّية التي من جِبِلّة الإنسان وطبيعته أن يقوم بها. وذلك كالقيامَ والقعود والمشي والأكل والشرب ونحوه فهذه لا نزاع في كون الفعل على الإباحة بالنسبة للرسول r ولأمته.

- إن الرسول r عندما كان ينفذ الحكم الشرعي، كان يتخذ له الأساليب المختلفة ويستعمل له الوسائل المناسبة فالحكم الشرعي هو حكم الله ويجب تنفيذه. أما الكيفية التي ينفذ بها الحكم الشرعي أي الأسلوب، والوسائل المناسبة لتنفيذ الحكم الشرعي فهي متروكة للرسول r كشخص على أن يكون أسلوباً طيباً ووسيلة لا تؤدي إلى الحرام.

فمثلاً: قوله تعالى: ]فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ[ هو حكم شرعي يجب تنفيذه . والشرع لم يحدد له كيفية معينة في التنفيذ . فقد صدع الرسول r بالأمر امتثالاً لأمر الله الذي لا يستطيع مخالفته. أما الكيفية التي صدع بها الرسول فلم تكن ملزمة له. وهي بالتالي غير ملزمة للجماعة التي تتأسى بفعله r في إقامة دولته. فإن كان الرسول r قد وقف على الصفا، أو دعا إلى طعام، أو خرج بالمسلمين في صفين يطوف بهم حول الكعبة. فكل هذه أساليب متعلقة بتنفيذ الحكم الشرعي، أي هي أفعال فرعية متعلقة بالحكم الأصل الذي هو الصدع. فهي على الإباحة من حيث الأصل. ومتروك للجماعة تحديد الأنسب منها من غير تحديد لها من الشرع.

ومثلاً قوله تعالى: ]وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ...[ فقوله (وأعدوا) هو حكم شرعي يجب التزامه. وهو فرض تحرم مخالفته. والمطلوب هو الإعداد الذي يحقق وجه العلة وهو الإرهاب. أما الوسيلة (رباط الخيل) فهي غير ملزمة. فكل وسيلة تؤدي إلى الإرهاب مطلوب إيجادها. والوسائل التي يتحقق بها الجهاد متجددة. وعليه فإن المطلوب هو الوسائل الفعالة في تنفيذ الحكم الشرعي. ووسائل الجهاد وتحقيق الإرهاب لأعداء الله وللمنافقين في يومنا هي من مثل (الطيران – المدفعية – الصواريخ ...) وعليه فالحكم الشرعي هو حكم الله الذي انصبّ عليه الخطاب مباشرة فهو حكم الأصل.

والأسلوب هو حكم فرعي متعلق بكيفية تنفيذ حكم الأصل. فهو على الإباحة ومتروك لنا تحديد الأسلوب الأنسب.

والوسيلة هي الأداة التي ينفذ بها الحكم الشرعي. وهي على الإباحة أصلاً ومتروك لنا تحديد الوسيلة الأفعل.

وبناء عليه فإن كل ما صدر عن الرسول r سواء ما نزل في مكة أو في المدينة، أكان متعلقاً بالعقيدة أم بالأنظمة ، بطريقة السير أم بتطبيق الأحكام الشرعية. فكل ما صدر عنه r يعتبر وحياً يدخل في مجال التأسي ما عدا هذه الاستثناءات المذكورة وغيرها من مثلها.

والناظر في سير دعوة الرسول r في مكة يرى أنه قام بأعمال تعتبر أحكاماً شرعية لا يجوز مخالفتها بل يجب التزامها. وكذلك قام بأعمال هي من باب الأساليب. واتخذ وسائل لينفذ بها الحكم الشرعي المطلوب منه. ويجب التمييز بين ما يعتبر حكمه من أحكام الطريقة وبين مما هو أسلوب أو وسيلة حتى تعرف الجماعة ما هو المطلوب منها تحديداً وما هو المتروك لها.

ولا يجوز اعتبار الطريق كلها من باب الأساليب المتروكة لاختيار الجماعة حسب الظروف، لأنه سيؤدي إلى إهمال الأحكام الشرعية المتعلقة بالطريق، ويقوم بدلها بأحكام من عند نفسه. ولبيان ذلك نعطي بعض الأمثلة:

- يقول تعالى: ]فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ[ فهذا أمر من الله لرسوله بالجهر بالدعوة. وهذا الأمر يكشف عن وجود حكمين شرعيين: الأول وهو عدم الجهر قبل نزول الآية والثاني هو الجهر امتثالاً للآية. والرسول r لم يكن مخيراً بين أن يصدع أو لا يصدع. بل يجب أن يطيع حكم الله بالجهر. فهذا حكم شرعي قد بينه الشرع ولم يفعله الرسول r عن أمره، ويدخل في مجال التأسي. وقوله تعالى: ]بِمَا تُؤْمَرُ[ تدل على أن الآمر هو الله تعالى.

- يقول تعالى: ]أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ...[ وقول الرسول r لعبد الرحمن بن عوف حين طلب أن يستعملوا السلاح في مواجهة شدة الكفار عليهم: «إنّي أُمِرتُ بالعفو، فلا تقاتلوا القوم» [رواه ابن أبي حاتم والنسائي والحاكم]، ومن ثم نزول قوله تعالى بعد ذلك أثناء الهجرة من مكة إلى المدينة: ]أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ[ كل ذلك يدل على أن القتال لم يكن مأذوناً به ثم أذن به، وأن الذي أذن به هو الله تعالى. فهو حكم شرعي ويجب التزامه. ولم يكن الرسول r يفعله أو لا يفعله عن أمره على أنه كان متروكاً له، بل هو وحي ويدخل في مجال التأسي. فكما كان على الرسول r أن يتقيد به ، علينا نحن كذلك أن نتقيد به.

- وكذلك قول الرسول r حين كان يطلب النصرة من القبائل: «يا بني فلان إني رسول الله إليكم، يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه الأنداد، وأن تؤمنوا بي وتمنعوني (وفي رواية وتنصروني) حتى أبيّنَ عن الله ما بعثني به» [ سيرة ابن هشام ] . فهو بيَّن في حديثه هذا أن الأمر هو أمر الله. والرسول r كان يتمثل الوحي في هذا. وأدل ما يدل على هذا إصرار الرسول r على طلب النصرة رغم كثرة الرفض وشدة الرد وقبحه.

هذه أمثلة تتعلق ببعض الأحكام الشرعية المتعلقة بالطريقة. أما بالنسبة للوسائل والأساليب التي كان ينفذ بها الحكم الشرعي فنحن غير مطالبين بها على التحديد من حيث الأصل. فنقوم بالأسلوب المناسب والوسيلة الناجحة في تنفيذ الحكم الشرعي.

فالثقافة المركزة كان يفعلها الرسول r مع المؤمنين بدعوته في دار الأرقم، وفي بيوت بعضهم ، وفي الشعاب. وهي بحقنا حكم شرعي يجب التزامه. ويتبنى له الأسلوب المناسب. فيختار له أسلوب الحلقات أو الأسر لتعطى فيها الأفكار بشكل مركز. ويعين لها وقت أسبوعي، ويحدد عدد أفراد الحلقة أو الأسرة، ويحدد لها الوقت الذي تستغرقه. كل هذا يكون بالشكل الذي يناسب تركيز الأفكار عند شباب الدعوة المؤمنين بها. وكل هذا متروك لنا، ونحن نحدده بما يتناسب وتحقيق الحكم الشرعي الذي هو إيجاد الثقافة المركزة.

والرسول r كان يعرض نفسه ودعوته على الناس في أسواق مكة وعلى رؤوس الأشهاد، ونحن حين نقوم بذلك نتبنى له الأسلوب المناسب، كأسلوب الخطابة أو نشر الفكرة في الدواوين. أو في مناسبات الناس كأفراحهم وأتراحهم. وتتخذ له الوسائل المتاحة كأن يكون عن طريق الكتب أو المجلات أو النشرات أو الكاسيتات، أو بالصوت مباشرة فكلها وسائل مباحة.

وكذلك فإن الرسول r عندما صعد إلى الطائف ليطلب النصرة، فسواء صعد راجلاً أم راكباً أو أية وسيلة استعملها فهي ليست مجالاً للتأسي. فالوسائل متروكة لنا من غير تحديد الشرع لها.

لذا فإنه يجب علينا أن نعلم أن طريق الرسول r هي أحكام شرعية حددها له الوحي ولم يخرج عنها قيد شعرة ، ونحن كذلك يجب علينا أن لا نخرج عنها قيد شعرة. وكل ما يتغير هو الوسائل والأشكال والأساليب. فهي مما يقتضيه تنفيذ الحكم الشرعي. وهي متروكة لنا كما كانت متروكة للرسول r.

إنّ إقامة دار الإسلام هي حكم شرعي، وهناك من يتصوّر أن طريق إقامتها هي بمنزلة الأسلوب، ونحدده نحن من عند أنفسنا. فنقوم بأي عمل يؤدي إلى إقامة دار الإسلام. فنقوم مثلاً بمساعدة الفقراء أو بالدعوة إلى الأخلاق، أو ببناء المدارس والمستشفيات، أو ندعو إلى فضائل الأعمال، أو نجاهد الحكام بالقتال، أو نقوم بالمطالبة بالمشاركة في الحكم، فكل هذا خروج عن التأسي به r حين كان يتمثل أمر ربه في سلوك الطريق لإقامة دار الإسلام. فكما صدع الرسول rبالدعوة امتثالاً لأمر الله، علينا أن نصدع وإلا كنا من المخالفين. وكما كفَّ الرسول r يده عن القتال ولم يأذن للمسلمين باستعمال السلاح، كذلك نمتثل نحن. وكما طلب الرسول rالنصرة نطلبها نحن مع الأخذ بعين الاعتبار اختلاف الواقع. وبالإجمال فكما أن خطوات السير كان يحددها الله سبحانه لرسوله r فهي لنا محددة. ومخالفتها وعدم الإتيان بها يعتبر مخالفة شرعية.

فنحن في الطريق غير مخيرين، فالشرع قد حدد الغاية لنا، وحدد لنا طريق بلوغها. ولا خيار لنا في ذلك سوى الطاعة.

ومن هنا فإنه ليس إلا للنص الشرعي (قرآن وسنة) مكانة في تحديد خطوات الطريق. ولا نترك للعقل أو للظروف أو للمصلحة أي اعتبار في تحديد أية خطوة .

والنص الشرعي يفهم بحسب مدلوله اللفظي وليس بحسب أهواء الناس وميولهم ، بل الميل يتبع الشرع ونحن ملزمون بما يرضي الله سبحانه وتعالى.

rajaab
03-01-2006, 03:24 PM
وعليه فإن علينا أن نفهم طريقة الرسول r ونلتزمها تماماً كما سار عليها. ونحدد مراحل عمله والأعمال التي تمت في كل مرحلة.

ففي مرحلة التثقيف قام الرسول r بأعمال (كالاتصال بالأفراد، وجمع من آمن معه في مكان سري والمداومة على تثقيفهم) فنحن نلتزم أصل هذه الأعمال كأحكام شرعية هي من عند الله ونختار لها ما يلزم من وسائل وأساليب من عند أنفسنا.

وفي مرحلة التفاعل قام الرسول r بأعمال (إعلان الدعوة على رؤوس الأشهاد، ونزول مئات الآيات التي تهاجم العقائد والعادات الفاسدة، وتهاجم زعماء قريش بأسمائهم أو أوصافهم، عرض نفسه على القبائل) ونحن نلتزم أصل هذه الأعمال كأحكام شرعية. ونضيف إلى أعمال المرحلة الأولى التي هي التثقيف أعمال المرحلة الثانية حيث يتجلى فيها الصراع الفكري والكفاح السياسي وتبني مصالح الأمة على أساس الإسلام وكشف خطط الكفار المستعمرين مع أذنابهم الحكام العملاء. تماماً كما كان يفعل الرسول r ومن ثم نختار لهذه الأعمال ما يلزم من وسائل وأساليب من عند أنفسنا.

نعم من تلك الفترة التي كان الرسول r فيها في مكة يجب أن يجري التأسي لإقامة دار الإسلام. والرسول r عندما سار في هذه الطريق، وقام بأعمال من أجل ذلك، لاقى في طريقة الهوان والاستضعاف والشدة والأذى. وما لانت له قناة، ولا ضَعُفَ له عزم. وكان يأتيه أمر الله فيجهد في تنفيذه .. وإنه لبعيد الفهم عن سلوك الطريق الصحيحة من يسمع قوله تعالى: ]فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ[ حيث يأمر الله رسوله بأن يصدع بأمره حصراً ، ويرى أن الرسول r يصدع بأمر ربه وليس بأمره هو ، وبعد ذلك يقول: إن الطريق غير ملزمة. إنها إن لم تكن ملزمة فما حاجة الرسول r لمثل هذه المواقف التي وقفها يتحدى فيها الكفار ويتعرض لآلهتهم وزعمائهم ولعاداتهم ولأفكارهم. وكل ذلك بتوجيه القرآن له. كان يستطيع أن يحابي الزعماء ويسترضيهم، أو يتماشى مع عادات قومه الفاسدة ريثما يتمكن منهم ولو فعل ذلك لكان خالف أمر ربه، فقد نزل القرآن وامتثل الرسول r لأمره. وقال الله له سبحانه: ]قُمْ فَأَنذِرْ[ وهاجم الزعماء كما سبق بيانه: ]تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ[، ]عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ[ ودافع القرآن عن الرسول بقوله: ]مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ[ ووصف حال الكفار بأنهم: ]وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ[ وأمره بالصدع وإنذار أم القرى أي مكة وما حولها. ونهاه عن الدعوة بالسلاح هو ومن معه، فقد كان القرآن ينزل والرسول يسير بحسبه، وأي حجة بعد هذا لمن يقول بأن الطريق غير ملزمة؟.

ومعنى كونها غير ملزمة أنها اختيارية. ومعنى ذلك أن الرسول r كان باستطاعته أن يخالف أمر الله في كل ما نزل أو في بعضه، لأنه من حيث الأصل هو غير ملزم بما كان ينزل. ومعنى ذلك أننا نحن كذلك مخيرون بين سلوك طريق الرسول r أو سلوك غيرها. وفي هذا كل البعد عن الفهم الصحيح والتأسي بعمل الرسول r ومنهجه في التغيير.

خلط بعض المسلمين اليوم بين الطريقة والأسلوب:

والشبهة التي تنشأ عند بعضهم آتية من كون الأوضاع القائمة اليوم هي غيرها زمن الرسول r، فزمن الرسول r كان تقسيم المجتمعات بدائياً (القبائل والعشائر)، أما اليوم فالتقسيمات أكثر تعقيداً وتداخلاً، وكانت القبيلة التي هي بمنزلة دولة تعد بالآلاف أما اليوم فإنها تعد بالملايين أو عشرات الملايين، وكانت الدعوة في السابق هي دعوة كفار إلى الإيمان، أما اليوم فهي دعوة مسلمين من حيث الأصل لاستئناف الحياة الإسلامية. وزمن الرسول r لم تتدخل الدول الكبرى (الروم والفرس) بدعوة الرسول r في مكة. أما اليوم فإن الزعماء مرتبطون بسياسة الدول الكبرى وهم من صنائعها. والدول الكبرى هي التي تكيد للإسلام والمسلمين وهكذا ...

أهل هذه الشبهة لسان حالهم يقول: كيف نأخذ بطريق الرسول r وكثير من الأمور قد تغير؟ إن في ذلك جموداً وتحجراً، ونحن غير مضطرين للتقيد به. فالمهم هو تحقيق الأهداف الكبرى للدعوة ألا وهي تطبيق الإسلام عن طريق دولة إسلامية وتحقيق العبودية لله.

ولبيان الفهم الصحيح في أخذ الموضوع نقول بأن الحكم الشرعي ينزل دائماً على الواقع الذي وجد لأجله هذا الحكم. فإذا تغير الواقع تغير الحكم الشرعي المتعلق به. وإذا لم يتغير الواقع يبقى الحكم الشرعي كما هو . والعبرة في الواقع هي بصفاته الأساسية وليس بأشكاله الظاهرية.

فالمجتمع هو مجموعة من الناس تؤمن بأفكار مشتركة تتولد عنها مشاعر القبول والرضى لكل ما يوافق هذه الأفكار، ومشاعر السخط والغضب لكل ما يخالفها. ومن ثم يقوم النظام الذي يطبق هذه الأفكار على الناس ويمنع تجاوزها. فيعيش الناس الحياة التي يقتنعون بها ويطمئنون إليها.

إن واقع المجتمع هذا قد يأخذ أشكالاً مختلفة، فقد يكون بصورة بدائية أو بصورة معقدة، فكل مجموعة من البشر تنتظمها الأفكار والمشاعر المشتركة، ويحكمها نظام من جنس هذه الأفكار سواء أخذ شكل القبيلة أو أخذ شكل الدولة الحديثة، وسواء كان يعد بالآلاف أو يعد بالملايين، هو مجتمع لأن المواصفات التي جعلته مجتمعاً موجودة فيه ولم تتغير.

والرسول r قد عمل على إيجاد المجتمع الإسلامي وذلك عن طريق إيجاد الأفكار والمشاعر والأنظمة الإسلامية. وقد سلك الطريق الشرعية التي توجد المجتمع الإسلامي. وكانت أعماله تصب كلها في هذا الاتجاه. فقد أوجد في المدينة الأفراد المؤمنين الذين كانوا يشكلون غالبية سكانها، وأوجد لديهم الأفكار الأساسية في الإسلام، وتولدت عندهم المشاعر المتجانسة، وعندما هاجر إليهم وأقام النظام تشكل المجتمع الإسلامي. وقد أخذ شكلاً بسيطاً في أول أمره ثم تحول إلى مجتمع يحتاج إلى تنظيم وأجهزة.

وأما ما يقال من أن الدول الكبرى لم تكن تتدخل، والآن صارت تتدخل وتمنع وصول الإسلام، فإننا نقول بأن هذا لا يغير طريقاً بل يزيد الطريق صعوبة. وهذا يتطلب إضافة ثقافة وعملٍ على الدعوة تأخذ بعين الاعتبار هذا الواقع، فتعمل الكتلة بالسياسة الدولية لكي تحيط علماً بسياسات الدول الكبرى وتفهم ما تخطط لنا وتنفذه بواسطة عملائها وصنائعها حتى يمكننا مواجهته.

وأما ما يقال بأن الرسول r كان جل همه الإيمان ولم يكن يتناول إلا القليل من الأحكام، فإننا نقول بأن تناوله للأحكام ولو بشكل قليل يدل على طلب الاهتمام بالأحكام الشرعية في الدعوة. مع ملاحظة أن العمل في مكة كان بالدعوة إلى دخول الإسلام، أما الآن فإن الدعوة هي بين مسلمين عندهم العقيدة الإسلامية، ونزلت عليهم كل الأحكام الشرعية. وصاروا مسؤولين أمام الله تعالى عن كل الإسلام وليس عن الإيمان فقط. فالمسلم الذي كان يموت في مكة لا يسأل إلا عما أنزل حتى وقت وفاته. أما من يموت اليوم فإن الله سيسأله عن الإسلام كله. لذلك يجب أن تكون الدعوة شاملة وأن تكون دعوة لاستئناف الحياة الإسلامية لأننا لسنا دعوة جديدة ولا ديناً جديداً.

وكذلك فإن الناظر إلى واقع المسلمين اليوم يرى أن مشكلتهم ليست ضياع العقيدة الإسلامية بل فقدان العقيدة الإسلامية لعلاقتها بأفكار الحياة وأنظمة التشريع. فغاضت منها الحيوية. وكل ذلك كان بتأثير الفكر الغربي على المسلمين، الذي ترعاه الدول الغربية الكافرة وتعمل على إبقائه وتركيزه عن طريق زرع أنظمة تابعة لها. ووضع برامج التعليم وتسخير وسائل الإعلام من أجل نشر هذا.

فكان لا بد من عرض الإسلام عرضاً صحيحاً كاملاً متكاملاً يظهر فيه أهمية العقيدة والإيمان بأنه الفكر الأساسي الذي تنبثق عنه الأحكام، وتبنى عليه الأفكار، وتتعين به وجهة النظر في الحياة. ومن ثم عرض لأفكار عن الحياة من خلال هذه العقيدة. وذلك بالتركيز على أن الخالق المدبر هو الله، وأن الحكم له وحده، وإليه يرجع أمر الدنيا والآخرة. وعندما يفرض على المسلم الإيمان والأحكام يتبين له قوة الحق وحيويته. وكذلك قوة الكتلة في فهم الإسلام والدعوة له ، وقدرتها على التغيير.

ولذلك فإن الدعوة اليوم هي دعوة مسلمين لاستئناف الحياة الإسلامية. وذلك بإقامة الدولة الإسلامية. ويكون أساس هذه الدعوة هو العقيدة الإسلامية، تعطى بشكل سياسي، بجعلها مسيرة لجميع الأعمال بحسب أوامر الله ونواهيه.

لذلك فإن ما تغير هو الشكل، أما الجوهر فقد بقى هو هو لم يتغير. لذلك لم يتغير حكم العمل لإقامة الدولة الإسلامية. وكذلك لا تتغير طريقة الوصول إلى ذلك

محمد نافع
03-01-2006, 07:35 PM
سؤال أخي ما هي شروط بناء الأسلوب على العقيده ؟