rajaab
03-01-2006, 03:22 PM
الطريقة والأسلوب:
السؤال الذي يُطرح الآن هو: هل كل ما فعله الرسول r أو قاله أثناء سيره في مكة يعتبر وحياً له من الله، وبالتالي هو واجب الالتزام به؟ أو أن هناك أفعالاً وأقوالاً ليست من الوحي ولا تدخل في مجال وجوب التأسي؟.
وهنا يأتي بحث الطريقة والأسلوب والوسيلة.
ويُطرح سؤال آخر أيضاً هو: هل يصح الحكم على الطريقة ( التي هي مجموعة أحكام شرعية وليست أساليب ) بأنها خاضعة للتجربة، فإن أثمرت بعد تجربتها فترة من الزمن حكمنا بصحتها ، وإلاّ كانت خاطئة؟.
في شأن الموضوع الأول:
نقول: ان الله سبحانه وتعالى قد طلب من المسلمين اتباع الرسول r والتأسي به في كل ما يقول ويعمل. قال تعالى: ]وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى @ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى[ وقال تعالى: ]وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا[ و (ما) هي من ألفاظ العموم ، وعليه فإنه لا يخرج أي شيء آتانا إياه رسول الله r (أي بلغنا إياه) عن دائرة الاتباع والتأسي إلا أن يأتي الدليل الشرعي الذي يخصص هذا العموم.
وقد أتت بعض الأدلة التي تستثني من الاتباع بعض أقواله وأفعاله من مثل:
- حديث الرسول r: «أنتم أعلم بأمر دنياكم» [رواه مسلم] فأمور الدنيا من مثل الزراعة والتصنيع والاختراعات ودراسات الطب والهندسة، فهذه كلها لا تدخل تحت الوحي. والرسول r قد أرشدنا إلى أنه في هذه الأمور هو بشر كغيره ولا ميزة له في ذلك. كما بين ذلك r في حادثة تأبير النخل.
- الأفعال التي ثبت كونها من خصوصياته r لا يشاركه فيها أحد وذلك كاختصاصه بوجوب الضحى وإباحة الوصال في الصوم، وإباحة تزوجه بأكثر من أربع نسوة، ونحو ذلك مما ثبت أنه خاص بالرسول r ولا يجوز الاقتداء فيها بالنبي r.
- الأفعال الجِبِلّية التي من جِبِلّة الإنسان وطبيعته أن يقوم بها. وذلك كالقيامَ والقعود والمشي والأكل والشرب ونحوه فهذه لا نزاع في كون الفعل على الإباحة بالنسبة للرسول r ولأمته.
- إن الرسول r عندما كان ينفذ الحكم الشرعي، كان يتخذ له الأساليب المختلفة ويستعمل له الوسائل المناسبة فالحكم الشرعي هو حكم الله ويجب تنفيذه. أما الكيفية التي ينفذ بها الحكم الشرعي أي الأسلوب، والوسائل المناسبة لتنفيذ الحكم الشرعي فهي متروكة للرسول r كشخص على أن يكون أسلوباً طيباً ووسيلة لا تؤدي إلى الحرام.
فمثلاً: قوله تعالى: ]فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ[ هو حكم شرعي يجب تنفيذه . والشرع لم يحدد له كيفية معينة في التنفيذ . فقد صدع الرسول r بالأمر امتثالاً لأمر الله الذي لا يستطيع مخالفته. أما الكيفية التي صدع بها الرسول فلم تكن ملزمة له. وهي بالتالي غير ملزمة للجماعة التي تتأسى بفعله r في إقامة دولته. فإن كان الرسول r قد وقف على الصفا، أو دعا إلى طعام، أو خرج بالمسلمين في صفين يطوف بهم حول الكعبة. فكل هذه أساليب متعلقة بتنفيذ الحكم الشرعي، أي هي أفعال فرعية متعلقة بالحكم الأصل الذي هو الصدع. فهي على الإباحة من حيث الأصل. ومتروك للجماعة تحديد الأنسب منها من غير تحديد لها من الشرع.
ومثلاً قوله تعالى: ]وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ...[ فقوله (وأعدوا) هو حكم شرعي يجب التزامه. وهو فرض تحرم مخالفته. والمطلوب هو الإعداد الذي يحقق وجه العلة وهو الإرهاب. أما الوسيلة (رباط الخيل) فهي غير ملزمة. فكل وسيلة تؤدي إلى الإرهاب مطلوب إيجادها. والوسائل التي يتحقق بها الجهاد متجددة. وعليه فإن المطلوب هو الوسائل الفعالة في تنفيذ الحكم الشرعي. ووسائل الجهاد وتحقيق الإرهاب لأعداء الله وللمنافقين في يومنا هي من مثل (الطيران – المدفعية – الصواريخ ...) وعليه فالحكم الشرعي هو حكم الله الذي انصبّ عليه الخطاب مباشرة فهو حكم الأصل.
والأسلوب هو حكم فرعي متعلق بكيفية تنفيذ حكم الأصل. فهو على الإباحة ومتروك لنا تحديد الأسلوب الأنسب.
والوسيلة هي الأداة التي ينفذ بها الحكم الشرعي. وهي على الإباحة أصلاً ومتروك لنا تحديد الوسيلة الأفعل.
وبناء عليه فإن كل ما صدر عن الرسول r سواء ما نزل في مكة أو في المدينة، أكان متعلقاً بالعقيدة أم بالأنظمة ، بطريقة السير أم بتطبيق الأحكام الشرعية. فكل ما صدر عنه r يعتبر وحياً يدخل في مجال التأسي ما عدا هذه الاستثناءات المذكورة وغيرها من مثلها.
والناظر في سير دعوة الرسول r في مكة يرى أنه قام بأعمال تعتبر أحكاماً شرعية لا يجوز مخالفتها بل يجب التزامها. وكذلك قام بأعمال هي من باب الأساليب. واتخذ وسائل لينفذ بها الحكم الشرعي المطلوب منه. ويجب التمييز بين ما يعتبر حكمه من أحكام الطريقة وبين مما هو أسلوب أو وسيلة حتى تعرف الجماعة ما هو المطلوب منها تحديداً وما هو المتروك لها.
ولا يجوز اعتبار الطريق كلها من باب الأساليب المتروكة لاختيار الجماعة حسب الظروف، لأنه سيؤدي إلى إهمال الأحكام الشرعية المتعلقة بالطريق، ويقوم بدلها بأحكام من عند نفسه. ولبيان ذلك نعطي بعض الأمثلة:
- يقول تعالى: ]فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ[ فهذا أمر من الله لرسوله بالجهر بالدعوة. وهذا الأمر يكشف عن وجود حكمين شرعيين: الأول وهو عدم الجهر قبل نزول الآية والثاني هو الجهر امتثالاً للآية. والرسول r لم يكن مخيراً بين أن يصدع أو لا يصدع. بل يجب أن يطيع حكم الله بالجهر. فهذا حكم شرعي قد بينه الشرع ولم يفعله الرسول r عن أمره، ويدخل في مجال التأسي. وقوله تعالى: ]بِمَا تُؤْمَرُ[ تدل على أن الآمر هو الله تعالى.
- يقول تعالى: ]أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ...[ وقول الرسول r لعبد الرحمن بن عوف حين طلب أن يستعملوا السلاح في مواجهة شدة الكفار عليهم: «إنّي أُمِرتُ بالعفو، فلا تقاتلوا القوم» [رواه ابن أبي حاتم والنسائي والحاكم]، ومن ثم نزول قوله تعالى بعد ذلك أثناء الهجرة من مكة إلى المدينة: ]أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ[ كل ذلك يدل على أن القتال لم يكن مأذوناً به ثم أذن به، وأن الذي أذن به هو الله تعالى. فهو حكم شرعي ويجب التزامه. ولم يكن الرسول r يفعله أو لا يفعله عن أمره على أنه كان متروكاً له، بل هو وحي ويدخل في مجال التأسي. فكما كان على الرسول r أن يتقيد به ، علينا نحن كذلك أن نتقيد به.
- وكذلك قول الرسول r حين كان يطلب النصرة من القبائل: «يا بني فلان إني رسول الله إليكم، يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه الأنداد، وأن تؤمنوا بي وتمنعوني (وفي رواية وتنصروني) حتى أبيّنَ عن الله ما بعثني به» [ سيرة ابن هشام ] . فهو بيَّن في حديثه هذا أن الأمر هو أمر الله. والرسول r كان يتمثل الوحي في هذا. وأدل ما يدل على هذا إصرار الرسول r على طلب النصرة رغم كثرة الرفض وشدة الرد وقبحه.
هذه أمثلة تتعلق ببعض الأحكام الشرعية المتعلقة بالطريقة. أما بالنسبة للوسائل والأساليب التي كان ينفذ بها الحكم الشرعي فنحن غير مطالبين بها على التحديد من حيث الأصل. فنقوم بالأسلوب المناسب والوسيلة الناجحة في تنفيذ الحكم الشرعي.
فالثقافة المركزة كان يفعلها الرسول r مع المؤمنين بدعوته في دار الأرقم، وفي بيوت بعضهم ، وفي الشعاب. وهي بحقنا حكم شرعي يجب التزامه. ويتبنى له الأسلوب المناسب. فيختار له أسلوب الحلقات أو الأسر لتعطى فيها الأفكار بشكل مركز. ويعين لها وقت أسبوعي، ويحدد عدد أفراد الحلقة أو الأسرة، ويحدد لها الوقت الذي تستغرقه. كل هذا يكون بالشكل الذي يناسب تركيز الأفكار عند شباب الدعوة المؤمنين بها. وكل هذا متروك لنا، ونحن نحدده بما يتناسب وتحقيق الحكم الشرعي الذي هو إيجاد الثقافة المركزة.
والرسول r كان يعرض نفسه ودعوته على الناس في أسواق مكة وعلى رؤوس الأشهاد، ونحن حين نقوم بذلك نتبنى له الأسلوب المناسب، كأسلوب الخطابة أو نشر الفكرة في الدواوين. أو في مناسبات الناس كأفراحهم وأتراحهم. وتتخذ له الوسائل المتاحة كأن يكون عن طريق الكتب أو المجلات أو النشرات أو الكاسيتات، أو بالصوت مباشرة فكلها وسائل مباحة.
وكذلك فإن الرسول r عندما صعد إلى الطائف ليطلب النصرة، فسواء صعد راجلاً أم راكباً أو أية وسيلة استعملها فهي ليست مجالاً للتأسي. فالوسائل متروكة لنا من غير تحديد الشرع لها.
لذا فإنه يجب علينا أن نعلم أن طريق الرسول r هي أحكام شرعية حددها له الوحي ولم يخرج عنها قيد شعرة ، ونحن كذلك يجب علينا أن لا نخرج عنها قيد شعرة. وكل ما يتغير هو الوسائل والأشكال والأساليب. فهي مما يقتضيه تنفيذ الحكم الشرعي. وهي متروكة لنا كما كانت متروكة للرسول r.
إنّ إقامة دار الإسلام هي حكم شرعي، وهناك من يتصوّر أن طريق إقامتها هي بمنزلة الأسلوب، ونحدده نحن من عند أنفسنا. فنقوم بأي عمل يؤدي إلى إقامة دار الإسلام. فنقوم مثلاً بمساعدة الفقراء أو بالدعوة إلى الأخلاق، أو ببناء المدارس والمستشفيات، أو ندعو إلى فضائل الأعمال، أو نجاهد الحكام بالقتال، أو نقوم بالمطالبة بالمشاركة في الحكم، فكل هذا خروج عن التأسي به r حين كان يتمثل أمر ربه في سلوك الطريق لإقامة دار الإسلام. فكما صدع الرسول rبالدعوة امتثالاً لأمر الله، علينا أن نصدع وإلا كنا من المخالفين. وكما كفَّ الرسول r يده عن القتال ولم يأذن للمسلمين باستعمال السلاح، كذلك نمتثل نحن. وكما طلب الرسول rالنصرة نطلبها نحن مع الأخذ بعين الاعتبار اختلاف الواقع. وبالإجمال فكما أن خطوات السير كان يحددها الله سبحانه لرسوله r فهي لنا محددة. ومخالفتها وعدم الإتيان بها يعتبر مخالفة شرعية.
فنحن في الطريق غير مخيرين، فالشرع قد حدد الغاية لنا، وحدد لنا طريق بلوغها. ولا خيار لنا في ذلك سوى الطاعة.
ومن هنا فإنه ليس إلا للنص الشرعي (قرآن وسنة) مكانة في تحديد خطوات الطريق. ولا نترك للعقل أو للظروف أو للمصلحة أي اعتبار في تحديد أية خطوة .
والنص الشرعي يفهم بحسب مدلوله اللفظي وليس بحسب أهواء الناس وميولهم ، بل الميل يتبع الشرع ونحن ملزمون بما يرضي الله سبحانه وتعالى.
السؤال الذي يُطرح الآن هو: هل كل ما فعله الرسول r أو قاله أثناء سيره في مكة يعتبر وحياً له من الله، وبالتالي هو واجب الالتزام به؟ أو أن هناك أفعالاً وأقوالاً ليست من الوحي ولا تدخل في مجال وجوب التأسي؟.
وهنا يأتي بحث الطريقة والأسلوب والوسيلة.
ويُطرح سؤال آخر أيضاً هو: هل يصح الحكم على الطريقة ( التي هي مجموعة أحكام شرعية وليست أساليب ) بأنها خاضعة للتجربة، فإن أثمرت بعد تجربتها فترة من الزمن حكمنا بصحتها ، وإلاّ كانت خاطئة؟.
في شأن الموضوع الأول:
نقول: ان الله سبحانه وتعالى قد طلب من المسلمين اتباع الرسول r والتأسي به في كل ما يقول ويعمل. قال تعالى: ]وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى @ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى[ وقال تعالى: ]وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا[ و (ما) هي من ألفاظ العموم ، وعليه فإنه لا يخرج أي شيء آتانا إياه رسول الله r (أي بلغنا إياه) عن دائرة الاتباع والتأسي إلا أن يأتي الدليل الشرعي الذي يخصص هذا العموم.
وقد أتت بعض الأدلة التي تستثني من الاتباع بعض أقواله وأفعاله من مثل:
- حديث الرسول r: «أنتم أعلم بأمر دنياكم» [رواه مسلم] فأمور الدنيا من مثل الزراعة والتصنيع والاختراعات ودراسات الطب والهندسة، فهذه كلها لا تدخل تحت الوحي. والرسول r قد أرشدنا إلى أنه في هذه الأمور هو بشر كغيره ولا ميزة له في ذلك. كما بين ذلك r في حادثة تأبير النخل.
- الأفعال التي ثبت كونها من خصوصياته r لا يشاركه فيها أحد وذلك كاختصاصه بوجوب الضحى وإباحة الوصال في الصوم، وإباحة تزوجه بأكثر من أربع نسوة، ونحو ذلك مما ثبت أنه خاص بالرسول r ولا يجوز الاقتداء فيها بالنبي r.
- الأفعال الجِبِلّية التي من جِبِلّة الإنسان وطبيعته أن يقوم بها. وذلك كالقيامَ والقعود والمشي والأكل والشرب ونحوه فهذه لا نزاع في كون الفعل على الإباحة بالنسبة للرسول r ولأمته.
- إن الرسول r عندما كان ينفذ الحكم الشرعي، كان يتخذ له الأساليب المختلفة ويستعمل له الوسائل المناسبة فالحكم الشرعي هو حكم الله ويجب تنفيذه. أما الكيفية التي ينفذ بها الحكم الشرعي أي الأسلوب، والوسائل المناسبة لتنفيذ الحكم الشرعي فهي متروكة للرسول r كشخص على أن يكون أسلوباً طيباً ووسيلة لا تؤدي إلى الحرام.
فمثلاً: قوله تعالى: ]فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ[ هو حكم شرعي يجب تنفيذه . والشرع لم يحدد له كيفية معينة في التنفيذ . فقد صدع الرسول r بالأمر امتثالاً لأمر الله الذي لا يستطيع مخالفته. أما الكيفية التي صدع بها الرسول فلم تكن ملزمة له. وهي بالتالي غير ملزمة للجماعة التي تتأسى بفعله r في إقامة دولته. فإن كان الرسول r قد وقف على الصفا، أو دعا إلى طعام، أو خرج بالمسلمين في صفين يطوف بهم حول الكعبة. فكل هذه أساليب متعلقة بتنفيذ الحكم الشرعي، أي هي أفعال فرعية متعلقة بالحكم الأصل الذي هو الصدع. فهي على الإباحة من حيث الأصل. ومتروك للجماعة تحديد الأنسب منها من غير تحديد لها من الشرع.
ومثلاً قوله تعالى: ]وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ...[ فقوله (وأعدوا) هو حكم شرعي يجب التزامه. وهو فرض تحرم مخالفته. والمطلوب هو الإعداد الذي يحقق وجه العلة وهو الإرهاب. أما الوسيلة (رباط الخيل) فهي غير ملزمة. فكل وسيلة تؤدي إلى الإرهاب مطلوب إيجادها. والوسائل التي يتحقق بها الجهاد متجددة. وعليه فإن المطلوب هو الوسائل الفعالة في تنفيذ الحكم الشرعي. ووسائل الجهاد وتحقيق الإرهاب لأعداء الله وللمنافقين في يومنا هي من مثل (الطيران – المدفعية – الصواريخ ...) وعليه فالحكم الشرعي هو حكم الله الذي انصبّ عليه الخطاب مباشرة فهو حكم الأصل.
والأسلوب هو حكم فرعي متعلق بكيفية تنفيذ حكم الأصل. فهو على الإباحة ومتروك لنا تحديد الأسلوب الأنسب.
والوسيلة هي الأداة التي ينفذ بها الحكم الشرعي. وهي على الإباحة أصلاً ومتروك لنا تحديد الوسيلة الأفعل.
وبناء عليه فإن كل ما صدر عن الرسول r سواء ما نزل في مكة أو في المدينة، أكان متعلقاً بالعقيدة أم بالأنظمة ، بطريقة السير أم بتطبيق الأحكام الشرعية. فكل ما صدر عنه r يعتبر وحياً يدخل في مجال التأسي ما عدا هذه الاستثناءات المذكورة وغيرها من مثلها.
والناظر في سير دعوة الرسول r في مكة يرى أنه قام بأعمال تعتبر أحكاماً شرعية لا يجوز مخالفتها بل يجب التزامها. وكذلك قام بأعمال هي من باب الأساليب. واتخذ وسائل لينفذ بها الحكم الشرعي المطلوب منه. ويجب التمييز بين ما يعتبر حكمه من أحكام الطريقة وبين مما هو أسلوب أو وسيلة حتى تعرف الجماعة ما هو المطلوب منها تحديداً وما هو المتروك لها.
ولا يجوز اعتبار الطريق كلها من باب الأساليب المتروكة لاختيار الجماعة حسب الظروف، لأنه سيؤدي إلى إهمال الأحكام الشرعية المتعلقة بالطريق، ويقوم بدلها بأحكام من عند نفسه. ولبيان ذلك نعطي بعض الأمثلة:
- يقول تعالى: ]فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ[ فهذا أمر من الله لرسوله بالجهر بالدعوة. وهذا الأمر يكشف عن وجود حكمين شرعيين: الأول وهو عدم الجهر قبل نزول الآية والثاني هو الجهر امتثالاً للآية. والرسول r لم يكن مخيراً بين أن يصدع أو لا يصدع. بل يجب أن يطيع حكم الله بالجهر. فهذا حكم شرعي قد بينه الشرع ولم يفعله الرسول r عن أمره، ويدخل في مجال التأسي. وقوله تعالى: ]بِمَا تُؤْمَرُ[ تدل على أن الآمر هو الله تعالى.
- يقول تعالى: ]أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ...[ وقول الرسول r لعبد الرحمن بن عوف حين طلب أن يستعملوا السلاح في مواجهة شدة الكفار عليهم: «إنّي أُمِرتُ بالعفو، فلا تقاتلوا القوم» [رواه ابن أبي حاتم والنسائي والحاكم]، ومن ثم نزول قوله تعالى بعد ذلك أثناء الهجرة من مكة إلى المدينة: ]أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ[ كل ذلك يدل على أن القتال لم يكن مأذوناً به ثم أذن به، وأن الذي أذن به هو الله تعالى. فهو حكم شرعي ويجب التزامه. ولم يكن الرسول r يفعله أو لا يفعله عن أمره على أنه كان متروكاً له، بل هو وحي ويدخل في مجال التأسي. فكما كان على الرسول r أن يتقيد به ، علينا نحن كذلك أن نتقيد به.
- وكذلك قول الرسول r حين كان يطلب النصرة من القبائل: «يا بني فلان إني رسول الله إليكم، يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه الأنداد، وأن تؤمنوا بي وتمنعوني (وفي رواية وتنصروني) حتى أبيّنَ عن الله ما بعثني به» [ سيرة ابن هشام ] . فهو بيَّن في حديثه هذا أن الأمر هو أمر الله. والرسول r كان يتمثل الوحي في هذا. وأدل ما يدل على هذا إصرار الرسول r على طلب النصرة رغم كثرة الرفض وشدة الرد وقبحه.
هذه أمثلة تتعلق ببعض الأحكام الشرعية المتعلقة بالطريقة. أما بالنسبة للوسائل والأساليب التي كان ينفذ بها الحكم الشرعي فنحن غير مطالبين بها على التحديد من حيث الأصل. فنقوم بالأسلوب المناسب والوسيلة الناجحة في تنفيذ الحكم الشرعي.
فالثقافة المركزة كان يفعلها الرسول r مع المؤمنين بدعوته في دار الأرقم، وفي بيوت بعضهم ، وفي الشعاب. وهي بحقنا حكم شرعي يجب التزامه. ويتبنى له الأسلوب المناسب. فيختار له أسلوب الحلقات أو الأسر لتعطى فيها الأفكار بشكل مركز. ويعين لها وقت أسبوعي، ويحدد عدد أفراد الحلقة أو الأسرة، ويحدد لها الوقت الذي تستغرقه. كل هذا يكون بالشكل الذي يناسب تركيز الأفكار عند شباب الدعوة المؤمنين بها. وكل هذا متروك لنا، ونحن نحدده بما يتناسب وتحقيق الحكم الشرعي الذي هو إيجاد الثقافة المركزة.
والرسول r كان يعرض نفسه ودعوته على الناس في أسواق مكة وعلى رؤوس الأشهاد، ونحن حين نقوم بذلك نتبنى له الأسلوب المناسب، كأسلوب الخطابة أو نشر الفكرة في الدواوين. أو في مناسبات الناس كأفراحهم وأتراحهم. وتتخذ له الوسائل المتاحة كأن يكون عن طريق الكتب أو المجلات أو النشرات أو الكاسيتات، أو بالصوت مباشرة فكلها وسائل مباحة.
وكذلك فإن الرسول r عندما صعد إلى الطائف ليطلب النصرة، فسواء صعد راجلاً أم راكباً أو أية وسيلة استعملها فهي ليست مجالاً للتأسي. فالوسائل متروكة لنا من غير تحديد الشرع لها.
لذا فإنه يجب علينا أن نعلم أن طريق الرسول r هي أحكام شرعية حددها له الوحي ولم يخرج عنها قيد شعرة ، ونحن كذلك يجب علينا أن لا نخرج عنها قيد شعرة. وكل ما يتغير هو الوسائل والأشكال والأساليب. فهي مما يقتضيه تنفيذ الحكم الشرعي. وهي متروكة لنا كما كانت متروكة للرسول r.
إنّ إقامة دار الإسلام هي حكم شرعي، وهناك من يتصوّر أن طريق إقامتها هي بمنزلة الأسلوب، ونحدده نحن من عند أنفسنا. فنقوم بأي عمل يؤدي إلى إقامة دار الإسلام. فنقوم مثلاً بمساعدة الفقراء أو بالدعوة إلى الأخلاق، أو ببناء المدارس والمستشفيات، أو ندعو إلى فضائل الأعمال، أو نجاهد الحكام بالقتال، أو نقوم بالمطالبة بالمشاركة في الحكم، فكل هذا خروج عن التأسي به r حين كان يتمثل أمر ربه في سلوك الطريق لإقامة دار الإسلام. فكما صدع الرسول rبالدعوة امتثالاً لأمر الله، علينا أن نصدع وإلا كنا من المخالفين. وكما كفَّ الرسول r يده عن القتال ولم يأذن للمسلمين باستعمال السلاح، كذلك نمتثل نحن. وكما طلب الرسول rالنصرة نطلبها نحن مع الأخذ بعين الاعتبار اختلاف الواقع. وبالإجمال فكما أن خطوات السير كان يحددها الله سبحانه لرسوله r فهي لنا محددة. ومخالفتها وعدم الإتيان بها يعتبر مخالفة شرعية.
فنحن في الطريق غير مخيرين، فالشرع قد حدد الغاية لنا، وحدد لنا طريق بلوغها. ولا خيار لنا في ذلك سوى الطاعة.
ومن هنا فإنه ليس إلا للنص الشرعي (قرآن وسنة) مكانة في تحديد خطوات الطريق. ولا نترك للعقل أو للظروف أو للمصلحة أي اعتبار في تحديد أية خطوة .
والنص الشرعي يفهم بحسب مدلوله اللفظي وليس بحسب أهواء الناس وميولهم ، بل الميل يتبع الشرع ونحن ملزمون بما يرضي الله سبحانه وتعالى.