سهم الاسلام
09-01-2006, 02:21 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الأضحية وأحكامها الشرعية
• حكم الأضحية :
وقع خلاف بين العلماء في حكم الأضحية ، فذهب جماهيرهم إلى أنهاسنة مؤكدة، واعتمدوا على بعض الآثار عن الصحابة .
وممن قال بالوجوب جَمْعٌ من العلماء؛ منهم الأوزاعي والليث بن سعد وأبو حنيفة ،
وقالوا : بوجوب الأضحية على المستطيع ،والاستطاعة : أن يجد الإنسان سعة في رزقه ،
وقد صرّح بذلك رسول الله صلى الله عليهوسلم بقوله : (( من وجد سعةً فلم يُضَحِّ فلا يقربن مُصلانا )) ( احمد وابن ماجه).
وأن يقرب المسلم المصلّى لصلاة العيد هوالوجوب على الراجح ، لأن صلاة العيد تسقط بها الجمعة ،
وقد أمر النبي صلى الله عليهوسلم من كان مستطيعاً ولم يضحِّ بعدم قرب المصلى ، فيُحْرم من هذا الواجب ،والوسيلة للواجب واجب .
واستدلّ القائلون بالوجوب بظاهر قوله تعالى : { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر} ؛ ففعل ( انحر ) : جاء مقروناً بالصلاة ، والأصل في الأمر الوجوب ،
واستدلّ القائلون بالوجوب بحديث أخرجه أحمدوالأربعة عن مخنف بن سليم ،
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( يا أيها الناس ! إنّ على كل بيت في كل عام أضحية )) . وهذاالحديث فيه ضعف ، فلا يصح الاستدلال به ، وهذا لم يُخَصِّص وجوب الأضحية علىالمستطيع وإنما أوجبها على كل بيت ، والصواب أن الوجوب في حق من وجد سعة . وهنا دليل للقائلين بالوجوب، أن الله أمر نبيه وأمته أن يتّبعوا ملّة إبراهيم عليه السلام ، وأمر بهافي حديث آخر ، فقال : (( ضحّوا فإنّها سنة أبيكم إبراهيم)) ، وهذه أشهر الأدلة للقائلين بالوجوب ، وهذا ما يفيده قوله : (( من كان ذبح أضحيته قبل أن يصلي أو نصلى فليذبح مكانها أخرى)) ؛ فالأمر من النبي صلى الله عليه وسلم بذبح الأخرى يؤكد الوجوب.
• وقت الأضحية :
قال غير واحد من الفقهاء أن الأضحية لا تجزئ إلا بعد الصلاة، وهذا ظاهر الأحاديث خلافاُ للإمام أبي حنيفة ،
فقد جوّز أن تقع الأضحية من أول النهار بناءً على عموم قول الله تعالى : { وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ} ؛ فقال : قال الله تعالى : { أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ } .
وسبب الخلاف في المسألة أن اليوم يبدأ من طلوع الفجر أم من طلوع الشمس ، ولا داعي لهذه المسألة مع وجود النص الصريح ،
فالنبي صلى الله عليه وسلم سمَّى من ذبح بعد الفجر وقبل الصلاة سماها لحم شاة ، وسماها طعام نفس ، ولم يعدُّها نسكاً ،
كما روى مسلم في (( صحيحه )) عن البراء قال : ضحّى خالي أبو بردة قبل الصلاة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( تلك شاة لحم)) ،
ثم قال : (( من ضحّى قبل الصلاة فإنما ذبح لنفسه ، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تمّ نسكه وأصاب سنّةالمسلمين)) .
فالاستدلال بالآية لا يجوز على عمومه ، لأن الأحاديث تخصّص العموم ، وإن كان يستفاد من الآية أن وقت الأضحية يقع في أيام وليس في يوم،
فمن حصر مشروعية الأضحية في اليوم الأول فهذا يخالف الأحاديث .
فالأضحية يمتد وقتها في أيام العيد ، وآخر وقتها غروب اليوم الثالث من أيام التشريق، وقد ورد حديث في (( صحيح مسلم ))
عن جابر بن عبدالله قال : (( صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر بالمدينة ، فتقدّم رجال فنحروا ،
وظنّوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نحر ، فأمرالنبي صلى الله عليه وسلم من كان نحر قبله أن يعيد بنحر آخر ولا ينحر حتى ينحرالنبي صلى الله عليه وسلم))
فتعلق الإمام مالك به ، وقال : (( إن الأضحيةلا تعد نسكاً إلا بعد الصلاة ، وبعد أن ينحر الإمام )) .
ولكن هذا الحديث مجمل يفصّله حديث البراء وألفاظه أدق . فيكون قول الجمهور بأن الأضحية تكون بعد الصلاة ،
إلا إذا شارك الإمام الناس ، فالأفضل أن يحتاطوا ولا يضحّوا قبله ،
وقال الإمام الشافعي : (( يجب على المسلم أن يضحّي بعد وقت الصلاة زيادة على وقتٍ يقدَّر فيه لوأن الإمام أراد أن ينحر أنه يستطيع )) .
وهذا أنسب ، ولاسيما لمن لا يكونوا في المدن ، ولا يعرفون متى يفرغ الإمام العام من الصلاة ومن النحر .
وورد في الحديث آخر : (( ومن كان لم يذبح فليذبح باسم الله)) ( رواه الشيخان )
فيستفاد منه أن التسمية في الذاكر واجبة، خلافاً للناسي ، فمن ذبح ونسي فَذِكْرُ الله في قلبه كما قال ابن عباس .
مسألة : هل يُجزئ الذبح ليلاً ؟
جاءت أحاديث مرسلة ضعيفة تمنع المسلم من أن يذبح ليلاً ، والصواب أن الذبح جائزسواء كان بالليل أو بالنهار ،
وتمسَّك بعضهم بقوله سبحانه : { أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ} فقالوا : الذبح في الأيام دون الليالي ، والصواب أن الأيام تشمل الليالي فيكون الذبح ليلاً جائزاً.
• ماذا يجزئ من الأضاحي ؟
كلما كان لحم الهدى أو الأضحية أكثر كان أحب إلى الله ، ويستفاد ذلك من قول أبي بردة : (( عندي جدعة خير من مسنّة )) .
ولذا وقع خلاف عند الفقهاء ، أيهما أفضل في الأضحية والهدي أن يكون بالشاة أو بالبعير ؟
ففضّل الإمام الشافعي البعير على الشاة لما فيها من لحم كثير ، لأن الإطعام يستغرق العدد الوفير .
وفصل الإمام مالك ، ففضّل الشاة في الأضحية على البعير ، خلافاً للهدي ففضَّل فيه البعير .
وذهب جماهير الفقهاء إلى أن الجذعة من البياض تجزئ في الأضحية . و (الجذعة) : ما عاشت أغلب السنة ،
أي بعد الستة أشهر ، وقبل السنة ، خلافاً للمعز ؛ فإنه لا يجزئ منها إلا المسنّة ، أي التي أتمت السنة ،
وجوّز الإمام أبو حنيفة ذبح الجذع من الضأن إذا بلغ سنُّه ستة أشهر ، ولو لم يزد شيئاً عنها ، إن كان الجذع سمينةً .
ولكن الجذع في اللغة ما زادت عن الستة أشهر .
لذا يقول جماهير العلماء : الجذعة من البياض ما عاشت أغلب أشهر السنة .
قال الإمام الترمذي : والعمل على هذا عند أهل العلم . وجوَّز النبي صلى الله عليه وسلم الجذع من المعز لأبي بردة
وقال له : (( اذبحها ولن تجزئ عن أحد بعدك)) . وورد مايخالف هذه الخصوصية عن حديث عقبة بن عامر
قال : (( قسّم الرسول صلى الله عليه وسلم فينا ضحايا فأصابني جذع ، فقلت : يا رسول الله ! إنه أصابني جذع، فقال : (( ضحِّ به )) . ( رواه مسلم )
وقد أجاب العلماء على هذاالإشكال أجوبةً منها :
1. قولهم أن حديث عقبة منسوخ بحديث أبي بردة ، و الأصل أن نعمل على التوفيق قبل أن نلجأ إلى النسخ .
2. وفَّق العلماء بين الحديثين من وجهين :
الأول : أن قول عقبة ( أصابني جذع ) : أي من الضأن وليس منالمعز، وبذا يستقيم الأمر لأن الجذعة في حديث عقبة مبهم وفي حديث بردة مبيّن .
الثاني : أن في بعض ألفاظ عقبة : (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلمأعطاه غنماً يقسمها على أصحابه ضحايا ،
فبقي عتود فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : (( ضح به أنت )) . و ( العتود ) : هو المعز .
وهذا يشوش على الوجه الأول ،ولكنّ العتود عند كثير من أئمة اللغة : ما أتمّ سنةً من عمره، أي معزاً بلغ سنة فقسمه ، وكان حظه واحداً منها.
• أمور يستحب مراعاتها في الأضحية :
1. ينبغي على وجه الكمال والتمام لمن أراد أن يضحي الإقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في أضحيته ،
التي جاء ذكرها في حديث عائشة : قالت : (( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بكبشٍ أقرنَ يَطأُ في سوادٍ ويبرك في سواد ،
وينظر في سواد ، فأتي به ليضحّي به ؛ فقال يا عائشة ! هلمّي المدية، ثم قال : اشحذيها بحجر ، ففعلت . ثم أخذها و أخذ الكبش ،
فأضجعه ثم ذبحه ، ثم قال : بسم الله ، اللهمَّ تقبَّل من محمد وآل محمد ومن أمّة محمد)) . ثمّ ضحّىبه ( مسلم ) .
2. أجمع العلماء على جواز الأضحية بالكبش الأجم ، الذي لا قرن له في أصل خلقته ،
ولكنّ الكبش الأقرن أحبُّ إلى الله لفعل النبي صلى الله عليه وسلم . وقع خلاف بين العلماء في الكبش الذي كسر قرنه ،
فمنهم من منع ، واستدل على ذلك بماأخرجه أبو داود عن علي رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم :
(( نهى أن يضحّى بعضباء الأذن و القرن)) . وهذا الحديث غير صحيح، فيه جُرَيّ بن كلب ، وهو على أحسن أحواله مستورإن لم يكن مجهولاً .
وورد عن قتادة أنّه سأل سعيد بن المسيب عن معنى ( العضب ) فقال سعيد : ( النصف فما زاد ) . والحديث ضعيف أصلاً.
هذا وقد ورد عن علي رضي الله عنه خلافه ، فأخرج الترمذي و الدارميبإسناد حسن ،
عن حُجَيَّة َبن عدي قال : كنّا عند علي فأتاه رجلفقال : ( البقرة ) ؟ قال علي : عن سبعة ، قال ( القرن ) ؟
وفي رواية : فمكسورةالقرن ؟ فقال علي : لا يضرك.
3. قال بعض العلماء أن البقرة تجزئ عن سبعة لحديث علي السابق ، والجزور يجزئ عن عشرة لحديث رافع بن خديج ،
قال : (( كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة من تهامة ، فأصبنا غنماً وإبلاً ، فعجَّل القوم فأغلوا بها القدور ،
فأمر بها فَكُفِِئَت ثم عدل عشراًمن الغنم بجزور)) ( مسلم ) وهذا هو القول الراجح .
4. يستحب أن يذبح المضحّي بنفسه ، وأن يَحُدَّ المُدْيَة وأن يُرِيِِحَ الأضحية ، ويضجعها ويضع رجلَه على صفيحتها ،
وإن استـناب غيره جاز، وإن استطاع إن يشاهدها فهو أفضل ، وأما من استـناب ذمّياً فإن الراجح أنه يجوز مع الكراهة .
لذلك فإن توكيل شخصٍ للذبح في بلد آخر ليس بحسن ، لأن الوكيل قد يكون إنساناً غير أمين ،
أو أن يذبح في غير الوقت . وإنكان الأصل الجواز .
5. لا يجوز للجزار أن يأخذ من الأضحية شيئاً ، لحديث علي رضي الله عنه قال :
(( أمرني رسولالله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بُدنه ، وأن أقسم جلودها وجلالها ، ولا أعطيالجازر منها شيئاً )) رواه الشيخان .
يستحب التعدد في الأضاحي إذا تيسر ذلك ، فلو ضحى عن كل شخص بعينه أضحية فلا حرج ،
واستحب مالك ذلك ، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ضحّى عن كل واحدة من نسائه ، وإن كانت الأضحية الواحدة عن كل بيت تجزئ
• العيوب التي لا تجزئ فيها الأضحية :
بين الرسول الله صلى الله عليه وسلم العيوب التي لا تجزئ فيهاالأضحية
بقوله : (( أربع لا تجزئ من الأضاحي : العوراء البيّن عورها ، والمريضة البيّن مرضها ، العرجاء البيّن ظلعها ، والكسير أو قال : العجفاء التي لا تُنقِي)) .
وقد أخرج النسائي عن علي رضي الله عنه قال : (( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن ،وأن لا نضحي بعوراء و لا جدعاء)) .
وقوله : ( أن نستشرف العين و الأذن) : أي نرفع نظرنا إلى ذلك ، ونتفقد الأذن ، وأن نختارالسالمة من العيوب ،
ثم فسّر ذلك بقوله : ( وأن لا نضحّي بعوراء و لا جدعاء) ، وورد في الحديث نفسه :
(( و أن لانضحي بعوراء ولا مقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء)) ؛ المقابلة : التي قطع بعض أذُنها .
و يستفاد مما سبق ، أن العوراء الشيء اليسير ، والتي فيهاعرج يسير ، فهي مجزئة . والأحسن أن تكون كاملة ،
واختلف العلماء في الأذن ، والأصلالمنع . كما ورد في الحديث . ويجوز أن يضحي بالكبش الخصي ( الموجوء ) ،
كما روى أبورافع قال : (( ضحّى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملجينموجوءين خصيّين)) ( أخرجه أحمد ) .
مسألة : هل يشترط أن تكون الأضحية من بلدي ؟
الجواب : لا فالمسلم الروماني أوالأسترالي يضحي بما عنده ، فلا عبرة ببلد المنشأ ، والذبائح الموجودة منها من لايكون له إلية ،
فإن كانت في أصل خلقتها كذلك فهذا ليس عيباً، وهي على أصلها ، وإن كانت مقطوعة الإلية فهذا ليس عيباً منصوصاً على المنعمنه ،
وأما أن تكون تامة و سمينة فهذا أفضل ، وليس من باب حصر المشروعية في ذلك .
• ذكاة الأضحية :
العبرة في الذبح الشرعي ما أنهر الدم ، و يكون ذلك بفري الأوداج و قطع الحلقوم من تحت الغصة، و كذلك ذكر اسم الله عليها،
فمن فعل ذلك في الأضحية كانت حلالاً لحديث رافع بن خديج قال : قلت : يارسول الله !
إنا لاقوا العدو غداً وليست معنا مُدياً ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم :
(( أعجل أو أرني ، ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل ، ليس السن و الظفر ، وسأحدثك : أما السن فعظم ، وأما الظفر فمُدَى الحبشة)) ( مسلم ) .
وبعض العلماء منع الذكاة بالسن و الظفر المتصل بالبدن ، و جوَّزبالمنفصل إن أفرى الودجين ، وهذه التفرقة تحتاج إلى دليل خاص،
و النبي صلى الله عليه وسلم عمَّم ؛ فتمنع الذكاة بالسنّ و الظفر ،والمراد بالسنّ : الخنق .
إذا هرب البعير و استطاع أحد أن يضربه بسهم و حبس به ، وإن لم يقع في موضع النحر ، ثم قدر عليه فذكي فهو حلال .
لحديث رافع الذي قال فيه :
و أصبنا نهب إبل و غنم فندَّمنها بعير فرماه رجل بسهم فحبسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( إنّ لهذه الإبل أوابد كأوابد الوحش ، فإذا غلبكم منها شيء فاصنعوا بههكذا)) .
• حكم ادخار لحم الأضحية :
ورد النهي عن أكل لحمالأضحية فوق ثلاثة أيام، و الأصل في النهي التحريم لحديث
ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لا يأكل أحد من لحم أضحيته فوق ثلاثة أيام)) ( مسلم ) .
وجاءت أحاديث تدل على جواز الادخار ، وقد سلك العلماء في الجمع بينها مسلكين ( الأول) : النسخ ؛أي : الجواز ينسخ المنع .
و ( الثاني) : أن المنع من الحبس كان بسبب الفقر ، فمن كان في بلد فقيرة يوجد فيها محتاجون فيحرم عليه أن يحبس وأن يدخر ،
ويجب عليه خلال ثلاثة أيام أن يأكل أو يتصدّق أو يهدي ، وهذا ما وقع التنصيص عليه في حديث سلمة بن الأكوع قال :
إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( من ضحّى منكم فلا يصبحن في بيته بعد ثالثه شيئاً ، فلما كان في العام المقبل قالوا :
يا رسول الله! نفعل كما فعلنا عام أول ؟ فقال : لا ، ذاك عام كان الناس فيه بجهد ، فأردت أن يفشو فيهم)) . ( مسلم ) .
ولعلنا في هذه الأيام في نوع جهد ، و جاء في حديث بريدة قال : (( ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم)) ( مسلم ) .
وورد في حديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
قال لي رسول الله صلى اللهعليه وسلم في حجة الوداع : ((أصلح هذا اللحم)) ، قال : فأصلحته فلم يزل يأكل منه حتى بلغ المدينة )) (مسلم) .
ويستفاد منه أن المسافر له أن يضحّي، وأماالحاج فلايضحّي لأنه لم يرد عن أحد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه ضحّى وهوحاج .
• ما يلزم المضحي اجتنابه :
لا يجوز للمضحي أن يمس من بشره شيئا سواء كان شعر الإبط أو العانة أو الشارب ، كما أنه لا يجوز له أن يقص أظفاره ،
وهذا في حق المضحي . وهذه سنة تركها بعض الناس وليس الأمربتركها جديداً فقد قال عمرو بن مسلم بن عمار الليثي :
(( كنا في الحمام قبيل الأضحى ، فاطَّلى فيه أناس فقال بعض أهل الحمام إن سعيد بن المسيب يكره هذا أو ينهى عنه ،
فلقيت سعيداً فذكرت له ذلك فقال : يا ابن أخي ! هذا حديث قد نسي وترك )) ( مسلم ) .
وقد جاء ذلك صريحاً عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديثأم سلمة قالت :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من كان له ذبحٌ يذبحه ، فإذا أُهِلََََّ هلال ذي الحجة فلا يأخذنَّ من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي)) . ( مسلم ) .
وأما الذي لا يستطيع الأضحية فهذا لايجب عليه ، فإن حصلت نية بعد دخول العشرة فمتى عزم الأضحية يمسك،
وما قبل ذلك معفو عنه ، وأما الذي لا يمسك ويريد أن يضحّي فأضحيته صحيحة ،وإن كان قد قصّر وأساء .
وهذا النهىللتحريم كما هومذهب إسحاق وأحمد وابن المنذر وابن حزم ،
وهذا الواجب على من أراد أن يضحي فحسب ،وليس على أهله الإمساك لأن الأصل استصحاب الجواز ،
و النبي صلى الله عليه وسلم قيّد المنع في حق من أراد أن يضحي .
ويبدأ الإمساك من أول ليلة يثبت فيها هلال ذي الحجة، ويبقى على هذا الحال حتى يضحي .
وذهب الإمام مالك والطحاوي على أن هذا الحديث لا يعمل به لأن عائشة كانت تطيّب النبي صلى الله عليه وسلم بفرق رأسه لما حج ،
وقالت : كان لا يجتنب شيئا مما يجتنبه المحرم قبل التلبية ،
وقال : الطحاوي : إن الجماع أغلط من أخذ الشعر ومع ذلك يجوز في العشرالأوائل من ذي الحجة ،
وهذاالكلام مردودلأن كلام عائشة في حال الحاج ، وأما من لم يرد الحج ، فهذا يجب عليه أن يتشبه بالحجيج في شيء منالأشياء ،
وهو الإمساك عن أخذ الظفر والشعر من جميع البدن .
• تنبيهات مهمة:
ذكر الفقهاء ثلاثة قيود لمن تجزئ الأضحية عنهم :
1. أن يكونوا من قرابة الرجل المضحي كالزوجة والأبناء والأب .
2. أن يكونوا في نفقته .
3. أن يكونوا في مسكنه ، فلو كانوا في شقق مختلفة في بيت واحد، وهم مستقلون في النفقة ؛ فحينئذ تجب الأضحية على كل عائلة .
توزيع المال بدل الأضحية لا يجزئ
فإن إنهار الدم مقصود بذاته ، وأن يعظم الله به وقد (( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذبح لغير الله)) ( مسلم ) .
لا يجوز جمع نية العقيقة والأضحية معاً ؛
لأن النيات تجمع في الوسائل لا في المقاصد ، لأن هذه طاعة لهاسبب ،
وتلك طاعة لها سبب . أما لو توضأ مسلم وعلى رجله نجاسة فغسلها ؛ فإن هذاالغسل يجزئ لإزالة النجاسة والقيام بالواجب من الوضوء .
محاضرة ألقاها الشيخ مشهور بن حسنآل سلمان في شرحه لـ (( صحيح مسلم ))
في مسجد السنة ، ضاحية الحاج حسن ، عمان – الأردن
في أمان الله
و السلام عليكم و رحمة الله
الأضحية وأحكامها الشرعية
• حكم الأضحية :
وقع خلاف بين العلماء في حكم الأضحية ، فذهب جماهيرهم إلى أنهاسنة مؤكدة، واعتمدوا على بعض الآثار عن الصحابة .
وممن قال بالوجوب جَمْعٌ من العلماء؛ منهم الأوزاعي والليث بن سعد وأبو حنيفة ،
وقالوا : بوجوب الأضحية على المستطيع ،والاستطاعة : أن يجد الإنسان سعة في رزقه ،
وقد صرّح بذلك رسول الله صلى الله عليهوسلم بقوله : (( من وجد سعةً فلم يُضَحِّ فلا يقربن مُصلانا )) ( احمد وابن ماجه).
وأن يقرب المسلم المصلّى لصلاة العيد هوالوجوب على الراجح ، لأن صلاة العيد تسقط بها الجمعة ،
وقد أمر النبي صلى الله عليهوسلم من كان مستطيعاً ولم يضحِّ بعدم قرب المصلى ، فيُحْرم من هذا الواجب ،والوسيلة للواجب واجب .
واستدلّ القائلون بالوجوب بظاهر قوله تعالى : { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر} ؛ ففعل ( انحر ) : جاء مقروناً بالصلاة ، والأصل في الأمر الوجوب ،
واستدلّ القائلون بالوجوب بحديث أخرجه أحمدوالأربعة عن مخنف بن سليم ،
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( يا أيها الناس ! إنّ على كل بيت في كل عام أضحية )) . وهذاالحديث فيه ضعف ، فلا يصح الاستدلال به ، وهذا لم يُخَصِّص وجوب الأضحية علىالمستطيع وإنما أوجبها على كل بيت ، والصواب أن الوجوب في حق من وجد سعة . وهنا دليل للقائلين بالوجوب، أن الله أمر نبيه وأمته أن يتّبعوا ملّة إبراهيم عليه السلام ، وأمر بهافي حديث آخر ، فقال : (( ضحّوا فإنّها سنة أبيكم إبراهيم)) ، وهذه أشهر الأدلة للقائلين بالوجوب ، وهذا ما يفيده قوله : (( من كان ذبح أضحيته قبل أن يصلي أو نصلى فليذبح مكانها أخرى)) ؛ فالأمر من النبي صلى الله عليه وسلم بذبح الأخرى يؤكد الوجوب.
• وقت الأضحية :
قال غير واحد من الفقهاء أن الأضحية لا تجزئ إلا بعد الصلاة، وهذا ظاهر الأحاديث خلافاُ للإمام أبي حنيفة ،
فقد جوّز أن تقع الأضحية من أول النهار بناءً على عموم قول الله تعالى : { وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ} ؛ فقال : قال الله تعالى : { أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ } .
وسبب الخلاف في المسألة أن اليوم يبدأ من طلوع الفجر أم من طلوع الشمس ، ولا داعي لهذه المسألة مع وجود النص الصريح ،
فالنبي صلى الله عليه وسلم سمَّى من ذبح بعد الفجر وقبل الصلاة سماها لحم شاة ، وسماها طعام نفس ، ولم يعدُّها نسكاً ،
كما روى مسلم في (( صحيحه )) عن البراء قال : ضحّى خالي أبو بردة قبل الصلاة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( تلك شاة لحم)) ،
ثم قال : (( من ضحّى قبل الصلاة فإنما ذبح لنفسه ، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تمّ نسكه وأصاب سنّةالمسلمين)) .
فالاستدلال بالآية لا يجوز على عمومه ، لأن الأحاديث تخصّص العموم ، وإن كان يستفاد من الآية أن وقت الأضحية يقع في أيام وليس في يوم،
فمن حصر مشروعية الأضحية في اليوم الأول فهذا يخالف الأحاديث .
فالأضحية يمتد وقتها في أيام العيد ، وآخر وقتها غروب اليوم الثالث من أيام التشريق، وقد ورد حديث في (( صحيح مسلم ))
عن جابر بن عبدالله قال : (( صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر بالمدينة ، فتقدّم رجال فنحروا ،
وظنّوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نحر ، فأمرالنبي صلى الله عليه وسلم من كان نحر قبله أن يعيد بنحر آخر ولا ينحر حتى ينحرالنبي صلى الله عليه وسلم))
فتعلق الإمام مالك به ، وقال : (( إن الأضحيةلا تعد نسكاً إلا بعد الصلاة ، وبعد أن ينحر الإمام )) .
ولكن هذا الحديث مجمل يفصّله حديث البراء وألفاظه أدق . فيكون قول الجمهور بأن الأضحية تكون بعد الصلاة ،
إلا إذا شارك الإمام الناس ، فالأفضل أن يحتاطوا ولا يضحّوا قبله ،
وقال الإمام الشافعي : (( يجب على المسلم أن يضحّي بعد وقت الصلاة زيادة على وقتٍ يقدَّر فيه لوأن الإمام أراد أن ينحر أنه يستطيع )) .
وهذا أنسب ، ولاسيما لمن لا يكونوا في المدن ، ولا يعرفون متى يفرغ الإمام العام من الصلاة ومن النحر .
وورد في الحديث آخر : (( ومن كان لم يذبح فليذبح باسم الله)) ( رواه الشيخان )
فيستفاد منه أن التسمية في الذاكر واجبة، خلافاً للناسي ، فمن ذبح ونسي فَذِكْرُ الله في قلبه كما قال ابن عباس .
مسألة : هل يُجزئ الذبح ليلاً ؟
جاءت أحاديث مرسلة ضعيفة تمنع المسلم من أن يذبح ليلاً ، والصواب أن الذبح جائزسواء كان بالليل أو بالنهار ،
وتمسَّك بعضهم بقوله سبحانه : { أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ} فقالوا : الذبح في الأيام دون الليالي ، والصواب أن الأيام تشمل الليالي فيكون الذبح ليلاً جائزاً.
• ماذا يجزئ من الأضاحي ؟
كلما كان لحم الهدى أو الأضحية أكثر كان أحب إلى الله ، ويستفاد ذلك من قول أبي بردة : (( عندي جدعة خير من مسنّة )) .
ولذا وقع خلاف عند الفقهاء ، أيهما أفضل في الأضحية والهدي أن يكون بالشاة أو بالبعير ؟
ففضّل الإمام الشافعي البعير على الشاة لما فيها من لحم كثير ، لأن الإطعام يستغرق العدد الوفير .
وفصل الإمام مالك ، ففضّل الشاة في الأضحية على البعير ، خلافاً للهدي ففضَّل فيه البعير .
وذهب جماهير الفقهاء إلى أن الجذعة من البياض تجزئ في الأضحية . و (الجذعة) : ما عاشت أغلب السنة ،
أي بعد الستة أشهر ، وقبل السنة ، خلافاً للمعز ؛ فإنه لا يجزئ منها إلا المسنّة ، أي التي أتمت السنة ،
وجوّز الإمام أبو حنيفة ذبح الجذع من الضأن إذا بلغ سنُّه ستة أشهر ، ولو لم يزد شيئاً عنها ، إن كان الجذع سمينةً .
ولكن الجذع في اللغة ما زادت عن الستة أشهر .
لذا يقول جماهير العلماء : الجذعة من البياض ما عاشت أغلب أشهر السنة .
قال الإمام الترمذي : والعمل على هذا عند أهل العلم . وجوَّز النبي صلى الله عليه وسلم الجذع من المعز لأبي بردة
وقال له : (( اذبحها ولن تجزئ عن أحد بعدك)) . وورد مايخالف هذه الخصوصية عن حديث عقبة بن عامر
قال : (( قسّم الرسول صلى الله عليه وسلم فينا ضحايا فأصابني جذع ، فقلت : يا رسول الله ! إنه أصابني جذع، فقال : (( ضحِّ به )) . ( رواه مسلم )
وقد أجاب العلماء على هذاالإشكال أجوبةً منها :
1. قولهم أن حديث عقبة منسوخ بحديث أبي بردة ، و الأصل أن نعمل على التوفيق قبل أن نلجأ إلى النسخ .
2. وفَّق العلماء بين الحديثين من وجهين :
الأول : أن قول عقبة ( أصابني جذع ) : أي من الضأن وليس منالمعز، وبذا يستقيم الأمر لأن الجذعة في حديث عقبة مبهم وفي حديث بردة مبيّن .
الثاني : أن في بعض ألفاظ عقبة : (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلمأعطاه غنماً يقسمها على أصحابه ضحايا ،
فبقي عتود فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : (( ضح به أنت )) . و ( العتود ) : هو المعز .
وهذا يشوش على الوجه الأول ،ولكنّ العتود عند كثير من أئمة اللغة : ما أتمّ سنةً من عمره، أي معزاً بلغ سنة فقسمه ، وكان حظه واحداً منها.
• أمور يستحب مراعاتها في الأضحية :
1. ينبغي على وجه الكمال والتمام لمن أراد أن يضحي الإقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في أضحيته ،
التي جاء ذكرها في حديث عائشة : قالت : (( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بكبشٍ أقرنَ يَطأُ في سوادٍ ويبرك في سواد ،
وينظر في سواد ، فأتي به ليضحّي به ؛ فقال يا عائشة ! هلمّي المدية، ثم قال : اشحذيها بحجر ، ففعلت . ثم أخذها و أخذ الكبش ،
فأضجعه ثم ذبحه ، ثم قال : بسم الله ، اللهمَّ تقبَّل من محمد وآل محمد ومن أمّة محمد)) . ثمّ ضحّىبه ( مسلم ) .
2. أجمع العلماء على جواز الأضحية بالكبش الأجم ، الذي لا قرن له في أصل خلقته ،
ولكنّ الكبش الأقرن أحبُّ إلى الله لفعل النبي صلى الله عليه وسلم . وقع خلاف بين العلماء في الكبش الذي كسر قرنه ،
فمنهم من منع ، واستدل على ذلك بماأخرجه أبو داود عن علي رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم :
(( نهى أن يضحّى بعضباء الأذن و القرن)) . وهذا الحديث غير صحيح، فيه جُرَيّ بن كلب ، وهو على أحسن أحواله مستورإن لم يكن مجهولاً .
وورد عن قتادة أنّه سأل سعيد بن المسيب عن معنى ( العضب ) فقال سعيد : ( النصف فما زاد ) . والحديث ضعيف أصلاً.
هذا وقد ورد عن علي رضي الله عنه خلافه ، فأخرج الترمذي و الدارميبإسناد حسن ،
عن حُجَيَّة َبن عدي قال : كنّا عند علي فأتاه رجلفقال : ( البقرة ) ؟ قال علي : عن سبعة ، قال ( القرن ) ؟
وفي رواية : فمكسورةالقرن ؟ فقال علي : لا يضرك.
3. قال بعض العلماء أن البقرة تجزئ عن سبعة لحديث علي السابق ، والجزور يجزئ عن عشرة لحديث رافع بن خديج ،
قال : (( كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة من تهامة ، فأصبنا غنماً وإبلاً ، فعجَّل القوم فأغلوا بها القدور ،
فأمر بها فَكُفِِئَت ثم عدل عشراًمن الغنم بجزور)) ( مسلم ) وهذا هو القول الراجح .
4. يستحب أن يذبح المضحّي بنفسه ، وأن يَحُدَّ المُدْيَة وأن يُرِيِِحَ الأضحية ، ويضجعها ويضع رجلَه على صفيحتها ،
وإن استـناب غيره جاز، وإن استطاع إن يشاهدها فهو أفضل ، وأما من استـناب ذمّياً فإن الراجح أنه يجوز مع الكراهة .
لذلك فإن توكيل شخصٍ للذبح في بلد آخر ليس بحسن ، لأن الوكيل قد يكون إنساناً غير أمين ،
أو أن يذبح في غير الوقت . وإنكان الأصل الجواز .
5. لا يجوز للجزار أن يأخذ من الأضحية شيئاً ، لحديث علي رضي الله عنه قال :
(( أمرني رسولالله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بُدنه ، وأن أقسم جلودها وجلالها ، ولا أعطيالجازر منها شيئاً )) رواه الشيخان .
يستحب التعدد في الأضاحي إذا تيسر ذلك ، فلو ضحى عن كل شخص بعينه أضحية فلا حرج ،
واستحب مالك ذلك ، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ضحّى عن كل واحدة من نسائه ، وإن كانت الأضحية الواحدة عن كل بيت تجزئ
• العيوب التي لا تجزئ فيها الأضحية :
بين الرسول الله صلى الله عليه وسلم العيوب التي لا تجزئ فيهاالأضحية
بقوله : (( أربع لا تجزئ من الأضاحي : العوراء البيّن عورها ، والمريضة البيّن مرضها ، العرجاء البيّن ظلعها ، والكسير أو قال : العجفاء التي لا تُنقِي)) .
وقد أخرج النسائي عن علي رضي الله عنه قال : (( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن ،وأن لا نضحي بعوراء و لا جدعاء)) .
وقوله : ( أن نستشرف العين و الأذن) : أي نرفع نظرنا إلى ذلك ، ونتفقد الأذن ، وأن نختارالسالمة من العيوب ،
ثم فسّر ذلك بقوله : ( وأن لا نضحّي بعوراء و لا جدعاء) ، وورد في الحديث نفسه :
(( و أن لانضحي بعوراء ولا مقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء)) ؛ المقابلة : التي قطع بعض أذُنها .
و يستفاد مما سبق ، أن العوراء الشيء اليسير ، والتي فيهاعرج يسير ، فهي مجزئة . والأحسن أن تكون كاملة ،
واختلف العلماء في الأذن ، والأصلالمنع . كما ورد في الحديث . ويجوز أن يضحي بالكبش الخصي ( الموجوء ) ،
كما روى أبورافع قال : (( ضحّى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملجينموجوءين خصيّين)) ( أخرجه أحمد ) .
مسألة : هل يشترط أن تكون الأضحية من بلدي ؟
الجواب : لا فالمسلم الروماني أوالأسترالي يضحي بما عنده ، فلا عبرة ببلد المنشأ ، والذبائح الموجودة منها من لايكون له إلية ،
فإن كانت في أصل خلقتها كذلك فهذا ليس عيباً، وهي على أصلها ، وإن كانت مقطوعة الإلية فهذا ليس عيباً منصوصاً على المنعمنه ،
وأما أن تكون تامة و سمينة فهذا أفضل ، وليس من باب حصر المشروعية في ذلك .
• ذكاة الأضحية :
العبرة في الذبح الشرعي ما أنهر الدم ، و يكون ذلك بفري الأوداج و قطع الحلقوم من تحت الغصة، و كذلك ذكر اسم الله عليها،
فمن فعل ذلك في الأضحية كانت حلالاً لحديث رافع بن خديج قال : قلت : يارسول الله !
إنا لاقوا العدو غداً وليست معنا مُدياً ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم :
(( أعجل أو أرني ، ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل ، ليس السن و الظفر ، وسأحدثك : أما السن فعظم ، وأما الظفر فمُدَى الحبشة)) ( مسلم ) .
وبعض العلماء منع الذكاة بالسن و الظفر المتصل بالبدن ، و جوَّزبالمنفصل إن أفرى الودجين ، وهذه التفرقة تحتاج إلى دليل خاص،
و النبي صلى الله عليه وسلم عمَّم ؛ فتمنع الذكاة بالسنّ و الظفر ،والمراد بالسنّ : الخنق .
إذا هرب البعير و استطاع أحد أن يضربه بسهم و حبس به ، وإن لم يقع في موضع النحر ، ثم قدر عليه فذكي فهو حلال .
لحديث رافع الذي قال فيه :
و أصبنا نهب إبل و غنم فندَّمنها بعير فرماه رجل بسهم فحبسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( إنّ لهذه الإبل أوابد كأوابد الوحش ، فإذا غلبكم منها شيء فاصنعوا بههكذا)) .
• حكم ادخار لحم الأضحية :
ورد النهي عن أكل لحمالأضحية فوق ثلاثة أيام، و الأصل في النهي التحريم لحديث
ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لا يأكل أحد من لحم أضحيته فوق ثلاثة أيام)) ( مسلم ) .
وجاءت أحاديث تدل على جواز الادخار ، وقد سلك العلماء في الجمع بينها مسلكين ( الأول) : النسخ ؛أي : الجواز ينسخ المنع .
و ( الثاني) : أن المنع من الحبس كان بسبب الفقر ، فمن كان في بلد فقيرة يوجد فيها محتاجون فيحرم عليه أن يحبس وأن يدخر ،
ويجب عليه خلال ثلاثة أيام أن يأكل أو يتصدّق أو يهدي ، وهذا ما وقع التنصيص عليه في حديث سلمة بن الأكوع قال :
إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( من ضحّى منكم فلا يصبحن في بيته بعد ثالثه شيئاً ، فلما كان في العام المقبل قالوا :
يا رسول الله! نفعل كما فعلنا عام أول ؟ فقال : لا ، ذاك عام كان الناس فيه بجهد ، فأردت أن يفشو فيهم)) . ( مسلم ) .
ولعلنا في هذه الأيام في نوع جهد ، و جاء في حديث بريدة قال : (( ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم)) ( مسلم ) .
وورد في حديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
قال لي رسول الله صلى اللهعليه وسلم في حجة الوداع : ((أصلح هذا اللحم)) ، قال : فأصلحته فلم يزل يأكل منه حتى بلغ المدينة )) (مسلم) .
ويستفاد منه أن المسافر له أن يضحّي، وأماالحاج فلايضحّي لأنه لم يرد عن أحد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه ضحّى وهوحاج .
• ما يلزم المضحي اجتنابه :
لا يجوز للمضحي أن يمس من بشره شيئا سواء كان شعر الإبط أو العانة أو الشارب ، كما أنه لا يجوز له أن يقص أظفاره ،
وهذا في حق المضحي . وهذه سنة تركها بعض الناس وليس الأمربتركها جديداً فقد قال عمرو بن مسلم بن عمار الليثي :
(( كنا في الحمام قبيل الأضحى ، فاطَّلى فيه أناس فقال بعض أهل الحمام إن سعيد بن المسيب يكره هذا أو ينهى عنه ،
فلقيت سعيداً فذكرت له ذلك فقال : يا ابن أخي ! هذا حديث قد نسي وترك )) ( مسلم ) .
وقد جاء ذلك صريحاً عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديثأم سلمة قالت :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من كان له ذبحٌ يذبحه ، فإذا أُهِلََََّ هلال ذي الحجة فلا يأخذنَّ من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي)) . ( مسلم ) .
وأما الذي لا يستطيع الأضحية فهذا لايجب عليه ، فإن حصلت نية بعد دخول العشرة فمتى عزم الأضحية يمسك،
وما قبل ذلك معفو عنه ، وأما الذي لا يمسك ويريد أن يضحّي فأضحيته صحيحة ،وإن كان قد قصّر وأساء .
وهذا النهىللتحريم كما هومذهب إسحاق وأحمد وابن المنذر وابن حزم ،
وهذا الواجب على من أراد أن يضحي فحسب ،وليس على أهله الإمساك لأن الأصل استصحاب الجواز ،
و النبي صلى الله عليه وسلم قيّد المنع في حق من أراد أن يضحي .
ويبدأ الإمساك من أول ليلة يثبت فيها هلال ذي الحجة، ويبقى على هذا الحال حتى يضحي .
وذهب الإمام مالك والطحاوي على أن هذا الحديث لا يعمل به لأن عائشة كانت تطيّب النبي صلى الله عليه وسلم بفرق رأسه لما حج ،
وقالت : كان لا يجتنب شيئا مما يجتنبه المحرم قبل التلبية ،
وقال : الطحاوي : إن الجماع أغلط من أخذ الشعر ومع ذلك يجوز في العشرالأوائل من ذي الحجة ،
وهذاالكلام مردودلأن كلام عائشة في حال الحاج ، وأما من لم يرد الحج ، فهذا يجب عليه أن يتشبه بالحجيج في شيء منالأشياء ،
وهو الإمساك عن أخذ الظفر والشعر من جميع البدن .
• تنبيهات مهمة:
ذكر الفقهاء ثلاثة قيود لمن تجزئ الأضحية عنهم :
1. أن يكونوا من قرابة الرجل المضحي كالزوجة والأبناء والأب .
2. أن يكونوا في نفقته .
3. أن يكونوا في مسكنه ، فلو كانوا في شقق مختلفة في بيت واحد، وهم مستقلون في النفقة ؛ فحينئذ تجب الأضحية على كل عائلة .
توزيع المال بدل الأضحية لا يجزئ
فإن إنهار الدم مقصود بذاته ، وأن يعظم الله به وقد (( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذبح لغير الله)) ( مسلم ) .
لا يجوز جمع نية العقيقة والأضحية معاً ؛
لأن النيات تجمع في الوسائل لا في المقاصد ، لأن هذه طاعة لهاسبب ،
وتلك طاعة لها سبب . أما لو توضأ مسلم وعلى رجله نجاسة فغسلها ؛ فإن هذاالغسل يجزئ لإزالة النجاسة والقيام بالواجب من الوضوء .
محاضرة ألقاها الشيخ مشهور بن حسنآل سلمان في شرحه لـ (( صحيح مسلم ))
في مسجد السنة ، ضاحية الحاج حسن ، عمان – الأردن
في أمان الله
و السلام عليكم و رحمة الله