ثريول
10-02-2006, 07:44 PM
http://alsaha.fares.net/Images0/Smily/ar-b1.gif
عبدالحق, شاب باكستاني مقيمٌ في كراتشي مدينة الضوضاء والازدحام القابعة على ضفاف بحر الـعرب كمصنعٍ يمتلئ بالغث والسمين, تفيد بطاقته الشخصيّة الرسميّة أنه بلَغ العشرين من العمر وشارف الحادية والعشرين. يعمل عبدالحق في مصنع للأثاث المنزلي الرخيص, ويقضي جلَّ يومه ممسكاً المنشار الكهربائي أو في فراشه الذي افترشه في غرفةٍ صغيرة يشاركه فيها عشرة أشخاصٍ آخرين من اللاهثين وراء دراهم معدودة بالكاد تكسوهم وتطعمهم!
عبدالحق هذا ولد ووجد نفسه في إطار عملي إلى درجة الإسراف, إلى درجةٍ جعلته يتهاون في دينه لأجل دنياه, فلم يتوانى عن الغش وعن بيع بعض الأخشاب الزائدة بدون إذنٍ من رئيسه, ولم يحرص على أداء صلواته كما ينبغي لمسلم. وسارت حياته في هذا الطريق.
______
ناصر, أربعيني سعودي من أهالي مدينة جدّة درّة البحر الأحمر؛ يعيل عائلة مكوّنة من عشرة أطفال في أعمارٍ متقاربة, ويعمل في التجارة الحرّة التي طالما ما كان نصيبه فيها الخسارة, ففتح مطعماً للمندي وخسر فيه لأنه فتح المحل في "قلعة وادرين" وفي مكانٍ لا يمر فيه أحدٌ, ثم انتقل للأسهم و "أنضرب على راسه" بفعل السادة الهوامير الذين يكرّسون النظريّة القائلة "السمكة الكبيرة تأكل السمكة الصغيرة" فيأكلون في الأسماك الصغيرة ولا يشبعون ويصل بعضهم إلى حجم الحيتان من كثرة الـ"بلع". الأستاذ ناصر أصبح كالـ"منقاش" الخشبي الذي "تنقّش" به حوت أسهم بفعل تلاعب في الأسهم يمر مروراً قانونيّاً في عالمٍ لا يحترم الصغير.
لم ييأس ناصر, الذي كانت عادته منذ ولد الصبر والإصرار, فكان –في طفولته- يصر على الفوز في المسابقات بين الأطفال وعادة ما كان يخسر رغم إنهاكه لنفسه في الركض. هذه المرّة استمر في الركض في الدنيا ففتح بقاله صغيرة في حيٍّ صغير شرق جدّة, فكان كما يكون دائماً يربح يوماً ويخسر أياماً!
______
أبولـُجين إبراهيم, اسم حركي يستخدمه شخصٌ ما في موقع الساحة العربيّة أكبر المواقع الحواريّة العربيّة, يُعتبر من أشهر أعضاء الساحة ومن أكثرهم تواجداً وتأثيراً وشعبيّة, ومن أقدمهم كذلك. ينشط غالباً في المواضيع الإخباريّة التي تهم الواقع الإسلامي.
______
فليمينج روز, مواطن دنماركي شارف الأربعينيات, يعمل كمحرر مسئول في صحيفة "'يلاندس بوستن" الصحيفة المتوسطة مقارنة بالصحف الدنماركية الأخرى. وقف يوماً أمام التلفاز الموجود في صالة التحرير التي يديرها, وكانت على قناة البي بي سي اللندنيّة العريقة, وكانت تبث برنامجاً وثائقيّاً عن المسلمين في نيجيريا. احتسى الشاي مجدداً, ثم تذكّر المخرج الهالك "فان جوخ" الذي تعدّى على آيات الله قبل سنة أو يزيد, ثم استرجع أفكاراً عامة ترسّبت في ذهنه, فحصل تفاعل قبيح في إطار دماغة الشيطاني كوّن فكرة جهنميّة حارقة, فابتسم محيّاه, وذهب صوب "ناتينا" المحررة ذات الخمسة والعشرين عاماً والتي يرتبط معها بعلاقة غير رسميّة منذ سنتين, فأرشدها لفكرته, فابتسمت, ثم اقتربت من الكمبيوتر لتفتح صفحة "وورد" جديدة وتملأها كلاماً لا يفهمه سوى من يفهم اللغة الدنماركيّة.
بعد يومين, وفي صفحة داخليّة خصصت للتسلية, نشر إعلان عن مسابقة لرسم "محمد بن عبدالله –صلى الله عليه وسلم-" نبي أولئك النيجيريين وقدوة ذاك المغربي البطل الذي طعن فان جوخ في الشارع. فتهافت المتهافتون من الثيران الدنماركيّة بحثاً عن مائة يورو هي جائزة المسابقة, وبحثاً عن متسع للتعبير عن كرههم لذاك النبي الأمي وكره ثقافتهم وكره "الآخر" له ولمن تبعه, وسلَّ أحدهم نصل ريشته ليعبّر عن هذا في شكلٍ كاريكاتوري. نُشِرت الصور الفائزة بعد أيامٍ عدّة, وكان ذلك موافقاً لليوم الثلاثين من شهر سبتمبر الماضي.
______
في شهر أكتوبر الذي تلاه: ظهرت احتجاجات محليّة في الدنمارك وفي بعض الدول المجاورة, وتجاوزتها إلى الشبكة العنكبوتيّة فنشرت المواضيع عن هذه الإساءة في المنتديات وفي المواقع المهتمة بأمور المسلمين.
في نفس الشهر, فاز أحد الثيران الدنماركيّة بمبلغ الـ100 يورو, ففرح بها وصرفها في زجاجة شمبانيا من إنتاج سنة 1988.
في نفس الشهر, ذهب الإهتمام بالخبر في الوسائل الإخباريّة تماماً كما نُسي موضوع سجن أبو غريب و تدنيس القرآن الذي قام به وقحٌ أمريكي في جوانتنامو.
وفي نفس الشهر, أصبح عبدالحق في حالة أفضل بعد انتقاله للعمل في متجر لبيع المكسرات. أما مكياله الذي يكيل فعله الحلقي عليه, فلا يزال مائلاً معوجاً تماماً كما هو حال مكيال المكسرات في المتجر.
______
في شهر نوفمبر: ألكسندر, المحرر المسئول في تلك الصحيفة المشئومة ما زال يشرب الشاي في مكتبه مبتسماً, ولازال يعاشر نانتينا خلسة رغم زواجه الذي شارف على وصوله فيه عامه العاشر.
ناصر, لازال يحاول جاهداً الخروج من خسارته المتراكمة في السوبرماركت التي "تورّط" فيه.. ابنته الصغيرة تأتيه في البقالة لتأخذ قطعة حلوى صغيرة فيبادرها بضربة عنيفة نوعاً ما على رأسها ويصرخ في وجهها قائلاً: أنا ألقاها منكم ولا من اللي مستأجر المحل منه!
______
في شهر ديسمبر: بدأت حملة من بعض مسلمي الدنمارك للاعتراض وإحياء المعارضة لتصرّف الصحيفة اللامسئول, وكان رد الصحيفة والحكومة رداً متغطرساً وقحاً رفضوا فه مجرّد الحديث في الموضوع. وفي نفس الشهر, بدأت طلائع إحياء الموضوع بالتجدد في المواقع ووسائل الأنباء, ومن ضمنها منتديات الشبكة.
______
في شهر يناير:
المواضيع في موقع الساحات الموقع العربي الحواري بدأت بالإهتمام بهذا الموضوع, وكان أبو لـُجين إبراهيم من أوائل من كتب وحلل وناقش ونشر وأحيا الموضوع في الشبكة مثل مثل العديد من الإخوة كالأخ "ممكن سؤال واحد" الذي من خلاله قرأت فكرة مقاطعة المنتجات الدنماركيّة لأوّل مرّة. الجميع غاضب, وتكاد تكون مواضيع الساحة محصور في هذه القضيّة. القرّاء الأفاضل يقرؤون وينشرون الغضب في إطارهم المحلي ليشكل تأثراً عاماً غاضباً في المجتمعات المسلمة الذي أزعم أنه زاد وارتفع وانتشر بفضل الإخوة الذي نشروا واهتموا بالقضيّة هذه في المنتديات. المنتديات ككل بدأت بالإهتمام بالخبر, ومحطات التلفزة الفضائية نشرت أخبار موجة الغضب المحلي واهتمت بها, وبدورها اهتمت محطات التلفزة والصحف الأجنبيّة بالأمر وحللت وقالت وردّت.
مجلس الأمن يناقش القضيّة , كوفي عنان يطالب بالإعتذار, بعض الدول الإسلاميّة استدعت سفراءها وغدا قسمٌ كبير من الصفحة الأولى في جميع الصحف العربية والإسلاميّة يتحدث عن هذه القضيّة, الشريط الإخباري في قناة الجزيرة صار محطة لمعرفة آخر مستجدات القضيّة. الإتحاد الأوروبي أعلن تضامنه من الدنمارك التي أصرّت على التعنّت وألبست تهجمها لباس حريّة الرأي الفضفاض.
في نفس الشهر "عبدالحق": قرأ الخبر في صحيفة تركها سيده الذي يعمل لأجله في المتجر, فغضب وزمجر, وتذكر خطب الجُمَع وتذكر سيرة الرسول, وخطرت في باله الصورة التي نقلها له خطيب المسجد في صغره عن قصّة ذاك الصحابي الذي ضربه الرسول بعصاه فطلب من الرسول أخذ حقّه فكشف له صلى الله عليه وسلم بطنه وطلب منه ضربه عليه. فتأثر وتذكّر, وأبرق وأرعد, واتجه من المتجهين في مظاهرة جماعيّة غاضبة أحياها حب الرسول صلى اله عليه وسلّم ليحيي بعدها –مثل غيره- الكثير مما غطِّي بفعل غبار الحياة القذرة, فأعاد عبدالحق ترتيب بعض أوراقه في الحياة.
وفي نفس الشهر "ناصر": فتح الساحة السياسيّة في أوائل شهر يناير, فقرأ الخبر وردة الفعل الدنماركيّة, ثم قرأ عن المقاطعة ورأي بعينيه صوراً لما قامت به بعض المحلّات من مقاطعة المنتوجات الدنماركيّة. فذهب في صبيحة اليوم الذي تلاه إلى البقالة, وفتح البرّاد ليلقي ببقرات الجبنة الدنماركيّة الثلاثة في سلّة المهملات قائلا "لابوهم لابو كلبhttp://alsaha.fares.net/Images0/Smily/smile.gif" ثم أتى بورقة الـA4 التي طبعها بالأمس وعلّقها أمام البرّاد, وفيها كتب: (زبائننا الأعزاء, تم وقف التعامل مع البضائع الدنماركية بعد تعديهم على خير البشر صلى الله عليه وسلم).
وفي نفس الشهر "ألكسندر, وناتينا, والرسامين الإنثي عشر, ورئيس مجلس وزراء الدنمارك, والدنمارك, والغرب ككل" : حالة من الصدمة لردة الفعل لما اقترفوه, الرسّامون قاموا بالاختباء خوفاً من الموت والجويدة كرّرت الاعتذارات ومحاولات تبرير جريمتهم.. الدنماركيون منقسمين في ما بينهم, ولكن الغالبيّة أصرّت على العناد, رئيس وزرائهم "اللي يشبه أرنولد شوارزنايجر" لا يزال في تعنّته, والإتحاد الأوروبي يعلن تضامنه مع الدنمارك.
______
هذه هي الصورة التي جمعتهم, صورة جملية قبيحة تحمل ألف رسالة وألف ألف مغزى, وقطعة كتابيّة مُلأت بما بين السطور, والإيجابيّة ككل غطّت على قبح الفعل حتى أني أعد ما قامت به الصحيفة بأنه إيجابيٌ أثره الإيجابي أفضل من تأثيره السلبي, فالسحاب لن يُضر بنباح كلب أجربٍ في شبه جزيرة حقيرة في ضفاف أوروبا الإسكندنافيّة!, ولكن نباحه قد يوقظ نائمين بطريقة أو بأخرى, أو يجبرهم لتحريك عقولهم قليلاً لمحاوله فهم الأمور بطريقة أفضل, فهم الكلاب, وفهم الصياح وفهم الصحراء التي ينامون فيها!.
ختاماً أقول لــ" عبدالحق, ناصر, فليمينج روز, ناتينا, أبو لـُجين, فوغ راسموسن رئيس وزراء الدنمارك, وآلافٌ غيرهم" : شكراً جزيلاً لكم, فقد خدمتم الإسلام أيما خدمة!
.. أسعد الله ليلكم ونهاركم أيها السادة.
ثريول هنا, والصحراء هنــاك.
عبدالحق, شاب باكستاني مقيمٌ في كراتشي مدينة الضوضاء والازدحام القابعة على ضفاف بحر الـعرب كمصنعٍ يمتلئ بالغث والسمين, تفيد بطاقته الشخصيّة الرسميّة أنه بلَغ العشرين من العمر وشارف الحادية والعشرين. يعمل عبدالحق في مصنع للأثاث المنزلي الرخيص, ويقضي جلَّ يومه ممسكاً المنشار الكهربائي أو في فراشه الذي افترشه في غرفةٍ صغيرة يشاركه فيها عشرة أشخاصٍ آخرين من اللاهثين وراء دراهم معدودة بالكاد تكسوهم وتطعمهم!
عبدالحق هذا ولد ووجد نفسه في إطار عملي إلى درجة الإسراف, إلى درجةٍ جعلته يتهاون في دينه لأجل دنياه, فلم يتوانى عن الغش وعن بيع بعض الأخشاب الزائدة بدون إذنٍ من رئيسه, ولم يحرص على أداء صلواته كما ينبغي لمسلم. وسارت حياته في هذا الطريق.
______
ناصر, أربعيني سعودي من أهالي مدينة جدّة درّة البحر الأحمر؛ يعيل عائلة مكوّنة من عشرة أطفال في أعمارٍ متقاربة, ويعمل في التجارة الحرّة التي طالما ما كان نصيبه فيها الخسارة, ففتح مطعماً للمندي وخسر فيه لأنه فتح المحل في "قلعة وادرين" وفي مكانٍ لا يمر فيه أحدٌ, ثم انتقل للأسهم و "أنضرب على راسه" بفعل السادة الهوامير الذين يكرّسون النظريّة القائلة "السمكة الكبيرة تأكل السمكة الصغيرة" فيأكلون في الأسماك الصغيرة ولا يشبعون ويصل بعضهم إلى حجم الحيتان من كثرة الـ"بلع". الأستاذ ناصر أصبح كالـ"منقاش" الخشبي الذي "تنقّش" به حوت أسهم بفعل تلاعب في الأسهم يمر مروراً قانونيّاً في عالمٍ لا يحترم الصغير.
لم ييأس ناصر, الذي كانت عادته منذ ولد الصبر والإصرار, فكان –في طفولته- يصر على الفوز في المسابقات بين الأطفال وعادة ما كان يخسر رغم إنهاكه لنفسه في الركض. هذه المرّة استمر في الركض في الدنيا ففتح بقاله صغيرة في حيٍّ صغير شرق جدّة, فكان كما يكون دائماً يربح يوماً ويخسر أياماً!
______
أبولـُجين إبراهيم, اسم حركي يستخدمه شخصٌ ما في موقع الساحة العربيّة أكبر المواقع الحواريّة العربيّة, يُعتبر من أشهر أعضاء الساحة ومن أكثرهم تواجداً وتأثيراً وشعبيّة, ومن أقدمهم كذلك. ينشط غالباً في المواضيع الإخباريّة التي تهم الواقع الإسلامي.
______
فليمينج روز, مواطن دنماركي شارف الأربعينيات, يعمل كمحرر مسئول في صحيفة "'يلاندس بوستن" الصحيفة المتوسطة مقارنة بالصحف الدنماركية الأخرى. وقف يوماً أمام التلفاز الموجود في صالة التحرير التي يديرها, وكانت على قناة البي بي سي اللندنيّة العريقة, وكانت تبث برنامجاً وثائقيّاً عن المسلمين في نيجيريا. احتسى الشاي مجدداً, ثم تذكّر المخرج الهالك "فان جوخ" الذي تعدّى على آيات الله قبل سنة أو يزيد, ثم استرجع أفكاراً عامة ترسّبت في ذهنه, فحصل تفاعل قبيح في إطار دماغة الشيطاني كوّن فكرة جهنميّة حارقة, فابتسم محيّاه, وذهب صوب "ناتينا" المحررة ذات الخمسة والعشرين عاماً والتي يرتبط معها بعلاقة غير رسميّة منذ سنتين, فأرشدها لفكرته, فابتسمت, ثم اقتربت من الكمبيوتر لتفتح صفحة "وورد" جديدة وتملأها كلاماً لا يفهمه سوى من يفهم اللغة الدنماركيّة.
بعد يومين, وفي صفحة داخليّة خصصت للتسلية, نشر إعلان عن مسابقة لرسم "محمد بن عبدالله –صلى الله عليه وسلم-" نبي أولئك النيجيريين وقدوة ذاك المغربي البطل الذي طعن فان جوخ في الشارع. فتهافت المتهافتون من الثيران الدنماركيّة بحثاً عن مائة يورو هي جائزة المسابقة, وبحثاً عن متسع للتعبير عن كرههم لذاك النبي الأمي وكره ثقافتهم وكره "الآخر" له ولمن تبعه, وسلَّ أحدهم نصل ريشته ليعبّر عن هذا في شكلٍ كاريكاتوري. نُشِرت الصور الفائزة بعد أيامٍ عدّة, وكان ذلك موافقاً لليوم الثلاثين من شهر سبتمبر الماضي.
______
في شهر أكتوبر الذي تلاه: ظهرت احتجاجات محليّة في الدنمارك وفي بعض الدول المجاورة, وتجاوزتها إلى الشبكة العنكبوتيّة فنشرت المواضيع عن هذه الإساءة في المنتديات وفي المواقع المهتمة بأمور المسلمين.
في نفس الشهر, فاز أحد الثيران الدنماركيّة بمبلغ الـ100 يورو, ففرح بها وصرفها في زجاجة شمبانيا من إنتاج سنة 1988.
في نفس الشهر, ذهب الإهتمام بالخبر في الوسائل الإخباريّة تماماً كما نُسي موضوع سجن أبو غريب و تدنيس القرآن الذي قام به وقحٌ أمريكي في جوانتنامو.
وفي نفس الشهر, أصبح عبدالحق في حالة أفضل بعد انتقاله للعمل في متجر لبيع المكسرات. أما مكياله الذي يكيل فعله الحلقي عليه, فلا يزال مائلاً معوجاً تماماً كما هو حال مكيال المكسرات في المتجر.
______
في شهر نوفمبر: ألكسندر, المحرر المسئول في تلك الصحيفة المشئومة ما زال يشرب الشاي في مكتبه مبتسماً, ولازال يعاشر نانتينا خلسة رغم زواجه الذي شارف على وصوله فيه عامه العاشر.
ناصر, لازال يحاول جاهداً الخروج من خسارته المتراكمة في السوبرماركت التي "تورّط" فيه.. ابنته الصغيرة تأتيه في البقالة لتأخذ قطعة حلوى صغيرة فيبادرها بضربة عنيفة نوعاً ما على رأسها ويصرخ في وجهها قائلاً: أنا ألقاها منكم ولا من اللي مستأجر المحل منه!
______
في شهر ديسمبر: بدأت حملة من بعض مسلمي الدنمارك للاعتراض وإحياء المعارضة لتصرّف الصحيفة اللامسئول, وكان رد الصحيفة والحكومة رداً متغطرساً وقحاً رفضوا فه مجرّد الحديث في الموضوع. وفي نفس الشهر, بدأت طلائع إحياء الموضوع بالتجدد في المواقع ووسائل الأنباء, ومن ضمنها منتديات الشبكة.
______
في شهر يناير:
المواضيع في موقع الساحات الموقع العربي الحواري بدأت بالإهتمام بهذا الموضوع, وكان أبو لـُجين إبراهيم من أوائل من كتب وحلل وناقش ونشر وأحيا الموضوع في الشبكة مثل مثل العديد من الإخوة كالأخ "ممكن سؤال واحد" الذي من خلاله قرأت فكرة مقاطعة المنتجات الدنماركيّة لأوّل مرّة. الجميع غاضب, وتكاد تكون مواضيع الساحة محصور في هذه القضيّة. القرّاء الأفاضل يقرؤون وينشرون الغضب في إطارهم المحلي ليشكل تأثراً عاماً غاضباً في المجتمعات المسلمة الذي أزعم أنه زاد وارتفع وانتشر بفضل الإخوة الذي نشروا واهتموا بالقضيّة هذه في المنتديات. المنتديات ككل بدأت بالإهتمام بالخبر, ومحطات التلفزة الفضائية نشرت أخبار موجة الغضب المحلي واهتمت بها, وبدورها اهتمت محطات التلفزة والصحف الأجنبيّة بالأمر وحللت وقالت وردّت.
مجلس الأمن يناقش القضيّة , كوفي عنان يطالب بالإعتذار, بعض الدول الإسلاميّة استدعت سفراءها وغدا قسمٌ كبير من الصفحة الأولى في جميع الصحف العربية والإسلاميّة يتحدث عن هذه القضيّة, الشريط الإخباري في قناة الجزيرة صار محطة لمعرفة آخر مستجدات القضيّة. الإتحاد الأوروبي أعلن تضامنه من الدنمارك التي أصرّت على التعنّت وألبست تهجمها لباس حريّة الرأي الفضفاض.
في نفس الشهر "عبدالحق": قرأ الخبر في صحيفة تركها سيده الذي يعمل لأجله في المتجر, فغضب وزمجر, وتذكر خطب الجُمَع وتذكر سيرة الرسول, وخطرت في باله الصورة التي نقلها له خطيب المسجد في صغره عن قصّة ذاك الصحابي الذي ضربه الرسول بعصاه فطلب من الرسول أخذ حقّه فكشف له صلى الله عليه وسلم بطنه وطلب منه ضربه عليه. فتأثر وتذكّر, وأبرق وأرعد, واتجه من المتجهين في مظاهرة جماعيّة غاضبة أحياها حب الرسول صلى اله عليه وسلّم ليحيي بعدها –مثل غيره- الكثير مما غطِّي بفعل غبار الحياة القذرة, فأعاد عبدالحق ترتيب بعض أوراقه في الحياة.
وفي نفس الشهر "ناصر": فتح الساحة السياسيّة في أوائل شهر يناير, فقرأ الخبر وردة الفعل الدنماركيّة, ثم قرأ عن المقاطعة ورأي بعينيه صوراً لما قامت به بعض المحلّات من مقاطعة المنتوجات الدنماركيّة. فذهب في صبيحة اليوم الذي تلاه إلى البقالة, وفتح البرّاد ليلقي ببقرات الجبنة الدنماركيّة الثلاثة في سلّة المهملات قائلا "لابوهم لابو كلبhttp://alsaha.fares.net/Images0/Smily/smile.gif" ثم أتى بورقة الـA4 التي طبعها بالأمس وعلّقها أمام البرّاد, وفيها كتب: (زبائننا الأعزاء, تم وقف التعامل مع البضائع الدنماركية بعد تعديهم على خير البشر صلى الله عليه وسلم).
وفي نفس الشهر "ألكسندر, وناتينا, والرسامين الإنثي عشر, ورئيس مجلس وزراء الدنمارك, والدنمارك, والغرب ككل" : حالة من الصدمة لردة الفعل لما اقترفوه, الرسّامون قاموا بالاختباء خوفاً من الموت والجويدة كرّرت الاعتذارات ومحاولات تبرير جريمتهم.. الدنماركيون منقسمين في ما بينهم, ولكن الغالبيّة أصرّت على العناد, رئيس وزرائهم "اللي يشبه أرنولد شوارزنايجر" لا يزال في تعنّته, والإتحاد الأوروبي يعلن تضامنه مع الدنمارك.
______
هذه هي الصورة التي جمعتهم, صورة جملية قبيحة تحمل ألف رسالة وألف ألف مغزى, وقطعة كتابيّة مُلأت بما بين السطور, والإيجابيّة ككل غطّت على قبح الفعل حتى أني أعد ما قامت به الصحيفة بأنه إيجابيٌ أثره الإيجابي أفضل من تأثيره السلبي, فالسحاب لن يُضر بنباح كلب أجربٍ في شبه جزيرة حقيرة في ضفاف أوروبا الإسكندنافيّة!, ولكن نباحه قد يوقظ نائمين بطريقة أو بأخرى, أو يجبرهم لتحريك عقولهم قليلاً لمحاوله فهم الأمور بطريقة أفضل, فهم الكلاب, وفهم الصياح وفهم الصحراء التي ينامون فيها!.
ختاماً أقول لــ" عبدالحق, ناصر, فليمينج روز, ناتينا, أبو لـُجين, فوغ راسموسن رئيس وزراء الدنمارك, وآلافٌ غيرهم" : شكراً جزيلاً لكم, فقد خدمتم الإسلام أيما خدمة!
.. أسعد الله ليلكم ونهاركم أيها السادة.
ثريول هنا, والصحراء هنــاك.